Translate

الثلاثاء، 7 يناير 2020

أميركا والعراق: معاهدة أمنية أم فرمان انتداب؟

بقلم// زيد يحيى المحبشي
الإثنين 5جماد الثانية1429هـ/9حزيران2008م
يعتقد الخبير الاستراتيجي في مركز التقدم الأميركي لورانس كوب بأن توجهات حكومة المالكي بدت مخيبة للآمال في الكثير من سياساتها المتعلقة بكيفية إدارة العمليتين الأمنية والديمقراطية، مما أدى إلى فشل قدرتها وبشكل مؤكد على تجنب اندلاع حرب أهلية جديدة بفعل تضافر العديد من العوامل والمؤشرات أبرزها: استمرار علاقاتها بالأطراف السياسية الداخلية في التدهور، والعجز عن تجنب صراعات شيعية- شيعية أفضت إلى خروج بعض كتلها من الحكومة كالتيار الصدري المتزعم حالياً تيار الممانعة والرفض للاتفاقية الأمنية المرتقبة، وانشقاق إبراهيم الجعفري عن حزب الدعوة وتوجهه إلى إنشاء حزب جديد وتكتل سياسي جديد يجمعه مع تيار إياد علاوي وحزب الفضيلة, إضافةً إلى تدهور علاقة الحكومة مع الأطياف السنية بما فيها تكتل طارق الهاشمي المنسحب من الحكومة هو الآخر؛ الأمر الذي عكس نفسه مباشرة على الوضع الأمني غير المستقر رغم ما يشاع من مكاسب أمنية في ظل التباين التقييمي لمفاهيمها بين ما تقوله الحكومة من تراجع للعمليات الإرهابية بواقع 60 في المائة، وما يعلنه الاحتلال في خططه من اجتثاث للإرهاب نهائياً أو قهره ودفعه إلى خارج العراق والتي ما برحت قدرته منعدمةً لترجمة ذلك على الواقع؛ إذ لا زالت الهجمات الإرهابية والتفجيرات الدامية مستمرة في حصد أرواح العراقيين والوضع الأمني متذبذب خصوصاً بعد بدء سحب القوات الإضافية.
إذاً، فما تسميه الحكومة والاحتلال بالمكاسب الأمنية طبقاً لمعطيات الواقع العراقي مرهونةً فقط بتوفر القوة ونعني هنا الحماية الأميركية بصورة خاصة نظراً لتعمد الاحتلال على عدم الإيفاء بتعهداته حيال القوات الأمنية العراقية ما جعلها عاجزة عن التعاطي مع تشظيات الواقع الأمني، وفي هذا دلالة أراد الاحتلال ترسيخها لأهداف أخرى تتعلق بخططه طويلة الأمد هي أن غياب الحماية الأميركية يعني احتمالية تبخر كافة الإنجازات الأمنية المروج لها إعلامياً مؤخراً، لاسيما وأن ما نلاحظه بعد كل مرحلة تحسن طفيف اتجاه المشهد العراقي من سيئ إلى أسوأ كما هو حال صولة الفرسان الأخيرة والتي قادت إلى منعطفات خطيرة بدت تجلياتها تلوح في الأفق بعد تداول وسائل الإعلام خبر قرب المعاهدة الأمنية الطويلة الأمد. 382ima
مفردات المشهد العراقي اليوم تؤكد بأن مشكلته الحقيقة كامنة في أن الديمقراطية ممارسة صعبة تحتاج إلى ظروف أمنية أفضل بكثير فيما يواجه حكام العراق الحاليين والسابقين استياءً واسعاً وقوياً من عامة الشعب العراقي، ولذا فالأميركيون يعتقدون بأن أي محاولة لفك الارتباط  أو الاشتباك نزولاً عند رغبات العراقيين كشعب محكوم وضغوطات المجتمع الدولي، وفي ظل الوضع القائم لن يدعم حكام المنطقة الخضراء كي يتصرفوا بشكل حكيم أو أكثر قدرة على تطويع واقعهم السياسي والاجتماعي الملغوم بـالمحاصصة وفك الارتباط في جوهره يعني عدم وجود قوة حماية أميركية سريعة الانتشار يمكن أن تدافع عن حكومة بغداد من محاولات تغييرها في الداخل ومحاولات التدخل والتوغل الخارجي وتحديداً الإقليمي.
ولذا، فترك الأمر لقوات الأمن العراقية حتى في ظل وجود مستشارين أميركيين قد يوفرون لهم المعلومات والخطط لن يكون كافياً ما دفع الحكومة العراقية إلى التفكير في تنظيم العلاقة مع أميركا عبر معاهدة طويلة الأمد تؤطر لمستقبل العرق وصولاً إلى تحويلها من علاقات احتلالية بموجب القرارات الأممية إلى علاقات عادية, إلا أن الأكثر أهمية هو مدى استجابة هكذا خطوة لتطورات الأوضاع السياسية والأمنية والعسكرية على الأرض أكثر مما يكون مدفوعاً بلغة المصالح المفترضة التي قد تعيق تطور العلاقات بين الطرفين خاصةً إذا ما انفصلت تلك المصالح عن التطورات الواقعية للظروف العراقية على الأرض، في حين تؤكد المؤشرات الأخيرة على أن الأرضية التي يراد أن تبنى عليها الاتفاقية ما فتئت هشة وغير صالحة، ووفقاً للورانس كوب، فإن الصدمة على الأرض لن تكون فقط بصدد الحالة الطائفية للتشكيل الحكومي بنظر السنة أو وجود القاعدة التي باتت معادية للجميع وللشيعة تحديداً إنما ستتعلق بمجمل مستقبل الاستراتيجية الأميركية في العراق.
جدل سياسي وإعلامي واسع ارتفعت وتيرته عقب تناول عدد من وسائل الإعلام والمراكز البحثية العراقية والعربية والدولية الحديث عن اتفاقية لا زالت بنودها مشفرة باستثناء الأطراف المتفاوضة المحيطة تحركاتها بالسرية المطلقة والتكتم الشديد ما أثار الشكوك حول مراميها أكثر من أي أمر آخر في الاتفاقية نفسها ومن ثم التساؤل عن حقيقة ما يدبر للشعب العراقي والذي بدا وسط المعمعة وكأنه لا علاقة له بالأمر حاله في ذلك حال برلمانه وأطيافه السياسية في حين تستأثر حكومته بهذا الحق بعيداً عن الأنظار، فما هي غاياتها وأهدافها وتداعياتها على حاضر ومستقبل العراق والمنطقة؟، خصوصاً وأن الأجواء المرافقة تشي بجسامة خطورتها كون السائد في القاموس السياسي أن أي اتفاق من هذا النوع لا يكون إلا بين دولتين كل منهما ذات سيادة كاملة بما يمنع الغبن والاستئثار والإملاءات والضغوط بينما واقع الحالة العراقية غير ذلك, فالسيادة لا زالت منقوصة ومنظومته السياسية القائمة لا زالت مرتبطة بإرادة قانون الاحتلال السائد فعلياً على أرض الواقع، كما أن ماهية الصالح العام وهو المدخل الرئيسي لأي اتفاقية من هذا النوع لا زالت نكرة وغير متفق عليها بين الأطياف السياسية العراقية؛ وهذه النقطة تحديداً تظل بيت القصيد لما يبتني عليها من مصالح مشتركة مستقبلاً والمتعارضة بصورة أو بأخرى مع الدوافع الخفية المرتبطة بصورة رئيسية بالعمليات والحماية العسكرية والبقاء المفتوح ما يدعو للخوف من أن يكون ما يجري اليوم لا يعدو كونه فرماناً لنقل العراق من الاحتلال إلى الانتداب بعد اكتمال الصورة بتمرير قانون الهيدروكربون (قانون النفط والغاز) وكلاهما صناعة أميركية خالصة.
ماهية المعاهدة:
التسمية اتفاقية وضع القوات الأميركية في العراق بعد انتهاء التفويض الأممي للقوات المتعددة في 31 كانون الأول/ ديسمبر 2008 بغية تشريع وتقنين التواجد الأميركي، وبلغة أخرى معاهدة بورتسموث الجديدة والتي من شأنها ظاهرياً وضع الضوابط المؤطرة للعلاقات الأميركية- العراقية ما بعد عام 2008.
ووفقاً لعنوانها فهي تشمل التفويض والحماية الرئيسية دون تحديد لحجم القوات الأميركية في العراق أو تأسيس قواعد دائمة، وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس قال إن بلاده غير مهتمة بإقامة قواعد عسكرية دائمة في العراق، لذا يرجح عدم تضمين الاتفاقية أي صفة إلزامية قد ترغم واشنطن على إبقاء عدد محدد من الجنود، والأكيد أن واشنطن من وراء استعجالها الاتفاقية تريد ضمان شرعية وقانونية تواجدها للتملص من مواثيق الأمم فيما يتعلق بجوانب السيادة وحياكة مخططاتها لدول الجوار ومنح جيشها صلاحيات أوسع لمواصلة عملياته. وتشير تصريحات مسؤولي البيت الأبيض إلى استباق التفاوض بوضع عدة خيارات يعتقد أنها قد تسمح للجيش الأميركي بحرية الحركة في العراق مستقبلاً وقد تحل محل قرار الأمم المتحدة 1546 التي تتم في ظله عمليات القوات المتعددة، لذا فهي بحاجة إلى إطار قانوني ينظم عمل قواتها خاصة في مواجهات تحركات القاعدة بالتوازي مع تراجع الدور المباشر للجيش الأميركي بفعل توسع نشاط قوات الأمن العراقية والحاجة أيضاً إلى امتلاك أدوات جديدة تسمح للقوات الأميركية بالدفاع عن نفسها بما فيها القدرة اعتقال المطلوبين أمنياً واستمرار احتجاز المطلوبين الموقوفين حالياً.
الاتفاقية المرتقبة ستكون على غرار اتفاقيات دولية مماثلة تجمع واشنطن بعدد من الدول أبرمت عقب الحرب العالمية الثانية مع ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية ما يعني أن هذه الاتفاقية من شأنها تحديد طبيعة علاقة واشنطن ببغداد وتنظيم الروابط التي تجمع الأنشطة العسكرية للقوات العراقية والأميركية وحقوق الإمرة والصلاحيات القانونية، وبالتالي فهي مقاربة قد تقود الطرفين إلى جعل علاقاتهما عادية تأتي ضمن التوجهات الأميركية الجديدة تجاه العراق والمنطقة أملاً في إحداث تغيرات متدرجة في الوضع الأمني والسياسي بالعراق والمنطقة من خلال عدة جولات أوسطية قام بها منذ مطلع 2007 كل من رايس وتشيني قدموا خلالها توضيحات حول التغييرات القادمة في الهيكلة السياسية والأمنية بالعراق وطالبوا قادة المنطقة بالتعاون مع المشروع الأميركي الجديد بالتزامن مع تزايد الحراك الدولي المطالب أميركا بالخروج من العراق.
وأمام هذا المخاض الجديد بدأ العد التنازلي لإبرام المعاهدة في 26 آب/ أغسطس 2007 بتوقيع زعماء العراق مذكرة تفاهم لتحقيق المصالحة الوطنية، وبدأ الحديث عن معاهدة لتنظيم علاقات صداقة وتعاون مع أميركا وقعت نسختها الأولى من قبل المالكي وبوش في مطلع كانون الأول/ ديسمبر 2007 تحت مسمى اتفاق مبدئي للشراكة الإستراتيجية بموجبه يسمح بوجود عسكري أميركي طويل الأمد لحماية العراق من التهديدات الخارجية والعمل على استقراره الداخلي, وعرضه بوش للنقاش العلني داخل أميركا لأول مرة في أيلول/ سبتمبر 2007 ، ومن وقتها بدأت واشنطن عجلة التفاوض لتحويله من اتفاق إعلان مبادئ إلى اتفاقية نهائية ودائمة انتهت صياغة مسودتها النهائية في يناير 2008  والتوقيع عليها من قبل بوش والمالكي في 17 آذار/ مارس 2008 ، كلفت بعدها فرق العمل المشتركة بوضع اللمسات الأخيرة تمهيداً لتوقيعها بصورة نهائية بعد مصادقة المؤسسات التشريعية في البلدين في 31 حزيران/ يوليو 2008  لتدخل حيز التنفيذ في مطلع العام 2009.
 يذكر أن اللجان الفنية قد أنهت عملها نهاية الشهر الماضي ولم يتبق سوى البنود المستدعية قراراً سياسياً لحسمها نظراً لحساسية الطرف العراقي منها كونها تمس سيادته.
إذاً فالاتفاقية المرتقبة ليست سوى نسخة معدلة من إعلان المبادئ؛ وهو القاعدة الأسمنتية التي ستقوم بموجبه الإدارة الأميركية بعملية تكثيف وربط وثاق العراق عن طريق الحبال والسلاسل المنبثقة عن الاتفاقيات اللاحقة المعتقد اكتمالها في منتصف العام 2009م والآتية نتاج توافق جمهوري ديمقراطي كان للوبي الإسرائيلي دور كبير في إعدادها والضغط لتعجيل إبرامها حيث من المتوقع أن تشمل شؤون مكافحة الإرهاب و الأمن والدفاع والاقتصاد والسياسة والثقافة وهي الأكثر خطورة.
اتفاق إعلان المبادئ احتوى ثلاثة محاور رئيسية كإطار عام لإقامة علاقة بين الطرفين كدولتين كاملتي السيادة ومستقلتين ولهما مصالح مشتركة خدمة للأجيال القادمة من أجل عراق حر وديمقراطي تعددي فيدرالي موحد كما جاء في ديباجة نصه المنشور على الموقع الخاص بالبيت الأبيض وأبرز نقاطها:
1- في المجالات السياسية والثقافية والدبلوماسية: دعم العراق في الدفاع عن نظامه ضد التهديدات الداخلية والخارجية واحترام دستوره، والوقوف في وجه أي محاولة لعرقلته أو تعليقه أو انتهاكه، ودعم جهود المصالحة الوطنية.
2-  في المجال الاقتصادي: دعم عملية التنمية في العراق وتسهيل وتشجيع تدفق رؤوس الأموال الأجنبية إليه وعلى وجه الخصوص الاستثمارات الأميركية من أجل الإسهام في إعادة الإعمار واعتبار العراق البلد الذي يتمتع بالأفضلية لدى الولايات المتحدة.
3. في المجال الأمني: تقديم التأكيدات والضمانات والالتزامات الأمنية للعراق من أجل ردع أي عدوان أجنبي عليه ينتهك سيادته أو أرضه أو مياهه أو أجوائه ودعم جهوده لمحاربة كافة الجماعات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيم القاعدة وأتباع الرئيس العراقي السابق صدام حسين وكل الجماعات الخارجة على القانون بغض النظر عن انتماءاتها وتحطيم شبكاتها اللوجستية ومصادر تمويلها وهزيمتها واستئصالها من العراق وهذا الدعم سيتم تقديمه بالتنسيق مع الآليات والترتيبات التي يتم إنشاؤها ووضعها في اتفاقيات التعاون الثنائي المشار إليها ودعم العراق في تدريب وتجهيز وإمداد وتسليح قواته الأمنية بما يمكنها من حمايته وشعبه وإكمال بناء نظامه الإداري وفقاً لما تطلبه الحكومة العراقية مضيفاً ضرورة تأكيد الحكومة العراقية وفقاً لقرارات مجلس الأمن أنها سوف تطالب بتمديد وجود القوات المتعددة وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم لفترة إضافية إلى حين يصبح العراق بلداً غير مهدد للأمن والسلام الدولي ويصبح بالفعل كما كان في فترة ما قبل القرار 661 (آب أغسطس 1990) إلى جانب إصرار الجانب الأميركي على تضمين الاتفاقية منح الحصانة لقواتها في العراق ومنع القضاء العراقي من ملاحقتهم تحت أي جنحة كانت وهو امتداد لقرار الحاكم المدني السابق بول بريمر القاضي بمنح الحصانة لتلك القوات وحصانة جميع موظفي السفارات والعسكريين والشركات الأمنية بما فيهم الذين أبرموا اتفاقية مع أميركا ودخول العراق ومغادرته من دون الحاجة إلى التنسيق مع الحكومة العراقية وعدم إبلاغ حكومة بغداد بالأشخاص الذين يتم اعتقالهم وكلها شروط يراها العراقيون متناقضة مع سيادة بلادهم.
أهداف ملغومة:
يعتقد المسؤولون العراق أن بلادهم في 2009 ستدخل عهدا وعصرا جديدا من السيادة الوطنية الكاملة بفضل هذه المعاهدة التي ستخلصهم من عقد الفصل الأممي السابع المكبلين به منذ العام 1991 ، مسقطين من حساباتهم نماذج مشابهة لدول وقعت اتفاقيات مماثلة مع واشنطن عقب الحرب العالمية الثانية ولا زالت تدفع الثمن، ومبدين جهلاً مركباً بمضامين السياسة الدولية ونصوص المواثيق والقوانين والمعاهدات الأممية وذلك ما نحاول إيجازه هنا كي تتضح الصورة أكثر.
أولاً: الأهداف الأميركية:
معلوم أنه لا صلة مباشرة بين الاحتلال الأميركي وبين الفصل السابع حيث سعت واشنطن منذ البدء إلى استخدام  القرارات الأممية لتمرير غزوها للعراق تحت ذريعة امتلاك أسلحة دمار شامل، وبعد أن تم لها ذلك سارعت إلى تسمية قواتها بقوات الاحتلال تمشياً مع القرار الأممي 1483 والذي أضحى العراق بموجبه تحت الاحتلال المباشر، لذا لا يمكن قبول القرار 1546 الذي سمى القوات الأميركية والقوات المشاركة لها في العراق بالقوات المتعددة الجنسية لأن أميركا اليوم تمارس ذات الأعمال التي كانت تمارسها عند بدء الغزو وقانونها هو الحاكم الفعلي له، وبالتالي فمساعيها اليوم لتعجيل إبرام الاتفاقية الأمنية ليس لقرب انتهاء تفويض القرار الأممي 1546، وإنما لأهداف وغايات تتعلق باستراتيجيتها الجديدة في المنطقة ككل خصوصاً بعد نجاحها في تمرير اتفاقية النفط والغاز منها إيجازاً:
1. تشريع وتقنين وجودها وإطلاق يد قواتها في العراق لسنين قادمة كون نصوص الاتفاقية المرتقبة مكبلة لحكومة العراق ومانعة لها من الاعتراض على أي خرق لسيادة وقوانين بلادها.
2. إنقاذ ماء وجه بوش والجمهوريين وتمكين جون ماكين من الوصول إلى رئاسة أميركا وإيهام الشعب الأميركي بأن إدارة بوش في العراق لم تكن بدون هدف لا سيما وأن الفرصة مواتية أكثر من ذي قبل لإظهار انتصار وهمي يكون خاتمة سعيدة لولاية بوش بالاستفادة مما يعيشه العراق من شقاق وانشقاق وضعف.
3. التهرب من الإيفاء بوعودها لإنهاء احتلال العراق تمهيداً لجعله قاعدة إقليمية لتحقيق أهدافها في المنطقة بموجب سلسلة الاتفاقيات المرتقبة والتي من خلالها تسعى واشنطن إلى نسج علاقات غير متكافئة مع حكومة بغداد توظفها لإقامة قواعد عسكرية وشن عمليات عسكرية واستخباراتية داخلية وخارجية يجبر العراق على توفير التمويل اللازم لها ناهيك عن إعطاء الاتفاقيات المتفرعة الكثير من المزايا والحقوق المفرطة في توظيف واستثمار كافة قدرات العراق وكلها بطرق شرعية وبناءً على طلبات رسمية من الحكومة العراقية بهذا تتقي واشنطن موجات الانتقادات الدولية وتعفي نفسها من الخسائر المادية المرهقة خزانتها العامة ودافعي الضرائب .
 ثانيا: الأهداف العراقية:
ترى الحكومة العراقية أن الاتفاقية ستحقق عدة أهداف تصب في صالح العراق حسب اعتقادها أهمها الخروج من تحت طائلة الفصل السابع وتوفير السيادة التامة والشاملة وصولا إلى تنظيم العلاقات مع أميركا وفقا لاعتبارات المصالح المشتركة وهذه العبارة تحديداً تظل الأكثر إثارة لدى التيارات المعارضة للحكومة وتوجهاتها نحو إبرام هكذا اتفاقية خوفا من أن تصب في صالح أميركا وهو شيء خلاف منطق السيادة ومعادلاتها الدولية الصارمة في عالم اليوم بعيدا عن التوازن المتبادل في المصالح إلا أن الحكومة في معرض ردها على ذلك اكتفت بالتعلل بما يعانيه العراق من تخلف ولذا فهو في حاجة لمساعدة أميركا لتطويره وحمايته وهو تبرير غير مقبول واقعيا كون العراق غني بثرواته الكفيلة بنمائه وبرجاله إذا ما استخدمت فيه سياسة وطنية حقيقية لا تفرق بين أبنائه على أساس طائفي أو عرقي أو ديني أو قبلي.
 الأهم من هذا أن الحكومة الحالية في تركيبتها الطائفية ليست في حالة تمكنها من أن تكون ندا لدولة قوية مثل أميركا كي تدخل في مفاوضات سيخسر الشعب العراقي فيها كثيرا من سيادته لما تحمله من التزامات وضمانات مبهمة بينما المنطق يقول أن إبرام الاتفاقية بحاجة إلى ظروف مختلفة لما هو سائد والتي بموجبها يصير خيار القبول والرفض لها قائم على قيام الحوار الوطني والتشاور الديني بين ممثلي الشعب وطنيا وعقائديا وحكومته المنتخبة من جهة وبين حكومته والطرف الأخر من جهة ثانية وصولا إلى غربلة الاتفاقية في ميزان الربح والخسارة لكل طرف انطلاقا من وزن مصالحه وفي إطار الندية على المدى البعيد والمنظور إلا أن الحكومة في تعمدها سرية التفاوض تكون قد انتهكت سيادة الدستور العراقي لاسيما وأنها تعمدت تجاهل البرلمان والقوى السياسية وشركائها في الحكم بصورة أضحت معها واقعة تحت ضغط الطرف الأقوى ولولا تصاعد موجات الغضب الجماهيري والوطني والمدني وصدور فتاوى المراجع الدينية المحرمة للاتفاقية لما كانت ستبدي أي نوع من التحفظ على بعض بنودها ما يعني بداهة أن ما كانت تطمح إليه هو الحصول على تعهد أميركي لحماية حكام المنطقة الخضراء من أي محاولة لقلب الحكم أو قمع أي انتفاضة شعبية ضدهم وتعهد أخر بعدم إقدام واشنطن على مهاجمة دول الجوار انطلاقا من العراق والقصد هنا إيران الحليف الاستراتيجي لأهم أقطاب الحكم العراقي.
التداعيات والتحديات:
فيما يحاول المفاوضون العراقيون والأميركيون اختصار الزمن من اجل إقرار المعاهدة قبل انتهاء ولاية بوش فإن المؤشرات الواقعية في العراق وأميركا على حد سواء تشير إلى انه لازالت هناك العديد من التحديدات المعترضة طريقه نظراً لما أفرزته من تداعيات بما جعل عدة مصادر أميركية مطلعة على درجة عالية من القناعة من أنها لن ترى النور.
 أولاً: على الصعيد العراقي:
طابعه العام شبه إجماع على رفض بعض بنودها وفي التفاصيل هناك ثلاثة تيارات تتمحور آرائها بين التأييد والرفض والصمت والتحفظ المشروط الأمر الذي أدى إلى إعاقة التوصل لرؤية مشتركة مع واشنطن فيما يتعلق بالبنود المتعارضة مع السيادة المثيرة جدلا واسعا داخل الائتلاف الحاكم بقدر ما تثير رفض المقاومة والصدريين.
الأطياف السنية: تلاقت أطرافها المختلفة على رفض المعاهدة معتبرة إياها غطاء لتحويل العراق من الاحتلال المعلن إلى الاحتلال الغير معلن وهو في النهاية انتداب في محاولة مفضوحة لإعادة العراق إلى ما كان عليه في 1921م بصورة تتمكن معها من تقييد حكوماته القادمة.
التيار الصدري: انطلق من عدة أجندة هي: المطالبة بعرض المعاهدة للاستفتاء وهو أمر ترفضه واشنطن خوفاً من أن يصوت الشعب العراقي ضدها وإطلاق عمل إعلامي منظم وتحرك سياسي وبرلماني ومظاهرات أسبوعية مفتوحة وإعادة المطالبة بوضع جدول زمني للتواجد الأميركي والدعوة لإطلاق مبادرة عالمية لمناقشة المعاهدة قبل إقرارها في المؤسسات والمنظمات الدولية والإقليمية ودول الجوار.
الجماهير العراقية: كانت مطالبها صريحة أكثر من ردة فعل القوى السياسية الممثلة في البرلمان المكتفية بدعوة الحكومة إلى الشفافية فيما تطالب الجماهير بإسقاط المعاهدة جملة وتفصيلا طالما بقي الاحتلال وليس ترقيع أو إعادة النظر في بعض بنودها وهو أمر تسانده طهران الداعية على لسان رئيس برلمانها علي لاريجاني الشعب العراقي إلى مقاومة الاتفاقية كما قاوم الاحتلال حتى الآن.
ولذا فالمعارضة في تحركها ضد المعاهدة انضوت تحت تبرير الخوف من شرعنة التواجد الأميركي وخلق واقع جديد بينها وبين العراق عبر إحكام سيطرت الاحتلال على خيرات العراق وضمان بقائه أطول مدة والتحكم في الوزارات السيادية والسيطرة على المخابرات العراقية وأحقيته في مهاجمة دول الجوار من العراق وبالتالي الإجماع على ضرورة تحويل المعاهدة إلى البرلمان على اعتبار انه يمثل الشعب لا الأحزاب ومن ثم عرضها للاستفتاء العام بعد نشر بنودها وتدارس ما يترتب عنها من تداعيات ودعوتها إلى جدولة منظمة للانسحاب ونقل تدريجي للملف الأمني والسيادة الكاملة للعراق قبل أي خطوه وصولا إلى إيجاد توافق لتمتين العلاقة مع أميركا من منطلق القوة.
المرجعية الدينية وضعت ثلاثة شروط لإبرام الاتفاقية، هي: أن تكون موضع إجماع كل الأطراف العراقية, وان تكون علنية وشفافة ومرفوضة إذا كانت سرية, والحفاظ على سيادة العراق واستقلاله.
 فيما طرحت الحكومة أربعة شروط هي: عدم وجود قاعدة عسكرية أميركية, وحق الجانبين في إلغاء الاتفاقية قبل عام من موعدها, وعدم استخدام العراق قاعدة أميركية لضرب الدول الأخرى في أي منطقة, وحق بغداد في توقيع الاتفاقيات مع دول العالم.
رغم هذا الجو الملغوم فإن الحكومة العراقية وفقا للاندبندنت لا تملك إلا أن توقع الاتفاقية في نهاية الأمر موضحة أن الشيعة والحكومة يستمدون الدعم من أميركا في الأساس وبالتالي لا يستطيعون  الحفاظ على وضعهم دون ذلك الدعم.
 ثانيا: على الصعيد الأميركي:
لازالت تعاني من بعض المعوقات الداخلية خصوصا في مجلس الشيوخ نظرا لتخوف بعض أعضائه من اندفاع بوصلة أميركا بعد الاتفاقية نحو الاتجاه الخاطئ لأن من شأن هذا الأمر أن يقيد الرئيس الأميركي المقبل إلى ما لانهاية في مستنقع الحرب العراقية رغم تأكيد غيتس بأنها لن تتضمن أي التزام أميركي بالدفاع عن العراق، ولذا يأمل المراقبون أن يكون المفاوض الأميركي على درجة عالية من الوعي لاستدراك الأمر، لكن وجود آلاف من جنوده على ارض العراق لا يزال يحجب الأبعاد الحقيقية للاتفاق في حين تكتفي إدارة بوش بالتأكيد على أن المعاهدة غير ملزمة محاولة منها لتهدئة الرأي العام الأميركي والكونجرس وبما يساعد مفاوضيها على تمرير المعاهدة.
وتبقى القضية الأهم وهي أن الاتفاقيات الأمنية أياً كان نوعها ستعتمد على تقرير الإجابة عن السؤال الأساسي في كيفية توفير أميركا الحماية الكافية بوجود قوات قليلة أو بعدم وجودها لإعطاء حكومة بغداد الفرصة الكبرى للعمل على استقرار العراق خصوصا وأنها في وضع لا يؤهلها لذلك، لذا فنجاح المعاهدة يظل متوقف على عدة عوامل تكمن في الحماية العسكرية وليس المصالح المشتركة نظرا إلى أن ساسة العراق لازالوا حائرين في كيفية تدبير شؤونهم إذا ما انسحبت أميركا ناهيك عما اسماه لورانس كوب بالحقيقة المطلقة وهي أن معظم العراقيين راغبين أو سيرغبون مستقبلا بخروج أميركا لأنها في أي حال تمثل الاحتلال بعدما يستعيدون قدراتهم في التفكير و العمل بعيدا عن صدمة الغزو والتغيير والحرب الطائفية وهو ذاته لدى شريحة واسعة من الأميركيين لذا فأي اتفاق أمني شكلي وبدون حماية حقيقية سينتهي إلى صدمة نهاية المشروع الأميركي في العراق وفي هذا دلالة أكيدة على أن ما يرسم للعراق لا يعدو كونه فرمان انتداب جديد ما يجعل مستقبل العراق ما بعد 2008م محكوم بفلترات التخلص من المليشيات والمصالحة وعدم تحديد موعد نهائي لسحب القوات الأميركية.
المصادر:
- خزعل فارس الجابري, مقتدى والاتفاقية الأمنية, موقع عراقي الغد,27 أيار/ مايو 2008.
- خلف المنشدي, الاتفاقية الأمنية.. وخطرها على مستقبل الشعب العراقي, موقع المنارة العراقية, 30 أيار/مايو2008.
- ستار ناصر, شروط عراقية لتوقيع الاتفاق الأمني مع أميركا, موقع العراق للجميع, 7 أيار/مايو 2008.
- علي الطالقاني, نوايا أميركية للبقاء العسكري في العراق, موقع النبأ اللبنانية, 2 كانون الأول /ديسمبر 2008م.
 - محمد حسن المالكي, ملاحظات عن الاتفاقية الأمنية الأميركية- العراقية, موقع الوسط العراقي, أول كانون الثاني /يناير2008م.
- منى إبراهيم, اتفاقية أمنية أم مساس بالسيادة العراقية؟, موقع الجزيرة توك, الأول من حزيران /يونيو 2008م.
- مها حمدان, انتداب مع سبق الإصرار, الكفاح العربي, 5حزيران /يونيو 2008م.
- مستقبل العراق بعد 2008م , موقع الملف برس , 5 نيسان /ابريل 2008م.
- يحيى السماوي, عن معاهدة موافقة العراق على استعماره من قبل أميركا, موقع عراق الغد , 2 حزيران /يونيو 2008م.

الحرس الثوري الإيراني في مختبر النوايا الأميركية

زيد يحيى المحبشي، في 5 سبتمبر 2007
 منذ السبت الأول من سبتمبر 2007 " أصبح للحرس الثوري الإيراني قائداً جديداً هو الثالث منذ تأسيسه في عام 1981م هو الجنرال "محمد علي جعفري" ، يعتقد كثير من المهتمين بالشئون الإيرانية أن هذا التغيير المفاجئ مؤشر على بدء استراتيجية جديدة لمواجهة التهديدات التي أطلقتها واشنطن بعد يوم واحد من تهديد أمين عام حزب الله اللبناني "14 أغسطس 2007" الاحتلال الإسرائيلي بإطلاق أم المفاجآت في حال إقدامه على معاودة عدوانه والتي من شأنها تغيير الأوضاع في الشرق الأوسط برمته، حيث نشرت افتتاحيتي "النيويورك تايمز" و"الواشنطن بوست"  في عددي "15 أغسطس 2007م" خبر اعتزام الإدارة الأميركية إدراج الحرس الثوري الإيراني على قائمتها السوداء للمنظمات الإرهابية الأجنبية للمرة الأولى، في إطار الأمر التنفيذي الموقع عليه بوش عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 لعرقلة تمويل الإرهاب.
تقارب توقيت تهديد نصرالله, وتوعد بوش, وتغيير قائد الحرس الثوري, لم يكن مصادفة عابرة,إذ يمثل تهديد نصر الله العامل الأساسي للدفع نحو هذا المنحدر الخطير لما أثاره من مخاوف حيال المفاجآت الكبرى المتوعد بها خصوصاً وأنه لم يحدد ماهيتها، وهنا تكمن الخطورة لذهاب غالبية المحللين إلى أن ما عناه صواريخ محملة بالرؤوس النووية والبيولوجية ، ما يعني أن المنشآت النووية الإيرانية قد تجاوزت الخطوط الحمراء في أنشطتها النووية, صائرةً بذلك مشكلة حقيقية في طريق المساعي الأميركية للحد من انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.
المتحدث باسم الخارجية الأميركية، في تعليقه على هذا الخبر اكتفى بالقول "إن واشنطن تواجه سلوكيات إيران في عدد من ساحات المعارك المختلفة" في حين أشار المتحدث باسم البيت الأبيض إلى أنه "من غير المناسب مناقشة تحركات مستقبلية محتملة – مفضلاً - مواصلة حث إيران على لعب دور بناء في المنطقة والتوقف عن تقديم الدعم للمنظمات الإرهابية" إلا أن الرئيس الأميركي بدا أكثر وضوحاً عندما اتهم الحرس الثوري في حديثه الإذاعي الأسبوع قبل الماضي بالتدخل في شؤون الشرق الأوسط ملوحاً بموقف أشد حزماً ضده "عندما نمسك بكم تؤدون دوراً غير بناء.. فثمة ثمن سينبغي دفعه!!".
يأتي هذا التوجه بعد فشل رايس في مساعيها الدبلوماسية خلال الـ12 شهراً الماضية لإقناع طهران بالتوقف عن تخصيب اليورانيوم، وتعثر التقدم في مجلس الأمن لتشديد العقوبات عليها بسبب الممانعة الروسية الصينية ناهيك عن فشل العروض الأوربية الاغرائية ، وفشل مساعي إقناع طهران لوقف دعمها للمنظمات الشيعية المسلحة المناوئة للاحتلال الأميركي وحكومة بغداد مبدية قناعتها بضرورة التوجه إلى إدراج الحرس الثوري على القائمة السوداء كمحاولة أخيرة لا مفر منها, لكنها أغفلت من حساباتها تداعيات مثل هذه الخطوة في الدفع نحو حرب نووية لا يُحمد عُقباها, في ظل تنامي وتيرة الاتهامات بالتوازي مع تنامي التصعيدات والتهديدات المتبادلة على أكثر من صعيد، لاسيما وأن استهداف الحرس المتهم بالضلوع في أكثر من ملف إقليمي يعني بالمقام الأول استهداف سيادة دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة كونه من أهم أركانها الأساسية الرسمية وقوة تابعة لها, وليس تنظيماً أو مؤسسة غير حكومية، وهي سابقة خطيرة تعطي واشنطن حق وضع القوات المسلحة لأي دولة أخرى ذات سيادة على قائمتها للمنظمات الإرهابية المحتوية حتى الآن 42 منظمة وحركة وهذا بدوره سيفضي حتماً إلى إشعال فتيل المواجهات العسكرية مع النظام الإيراني.
الحرس الثوري .. ألغاز شائكة
تأسس في 5 مايو  1979 م بقرار من الخميني بهدف حماية الثورة الإسلامية ومنجزاتها وتصدير مبادئها كما في نص المادة 150 من دستور1979م، ويتكون بصورة أساسية من أفراد متدينين عاديين ممن اكتسبوا الخبرة في منتصف سبعينيات القرن الماضي أثناء الصراع المسلح السري ضد الشاه كما حصل عدد منهم على تدريبات مكثفة من قبل منظمة التحرير الفلسطينية وميليشيات حركة أمل اللبنانية إلى جانب المتطوعين من الطبقات الدنيا والوسطى وفدائيي المدن وميليشيات رجال الدين والفارين من الجيش النظامي والموالين لخط الخميني بعد الثورة.
أمثال الصف الأول "محسن رضائي" أحد أهم الشخصيات المحورية في توحيد الحرس والقائد الأعلى الأول لقيادته وأحد أقوى 12 رجلاً في صناعة القرار الإيراني وقتها.
في بادئ الأمر كان الحرس أداة طيعة بيد الخميني ومؤيديه في صراعهم ضد حلفائهم الثوريين السابقين, أمثال جماعة وفدائيي خلق, وأداة أمنية داخلية لإخماد الانتفاضات الشعبية المناوئة للنظام والحركات الانفصالية للأقليات القومية, وثقل مضاد للمؤسسة العسكرية النظامية المشكوك في ولائها وتحديداً خلال الفترة 1979- 1982م مرحلة الحرب من أجل البقاء للنظام الإسلامي الوليد المثبت فيها الحرس أنه أقوى سلاح يمتلكه رجال الدين الثوريون, لعب بعدها دوراً محورياً في تصدير الثورة متجاوزاً بذلك المؤسسات المعنية كمنظمة الدعوة الإسلامية ووزارة الإرشاد الإسلامي ناهيك عن مساهمته في التنشئة السياسية للشباب الإيراني على أيديولوجية الثورة بالاستفادة من الوضع الخاص والامتيازات الواسعة المتفرد بها داخل النظام ومؤسساته المختلفة.
اليوم يضم في صفوفه ما يزيد عن 150 ألف عنصر أساسي وعشرة ملايين عنصر قوات شعبية واحتياطية تحت إشراف قوات الباسيج "حركة المستضعفين" يتواجدون بصورة رسمية في أنحاء إيران ويخظعون مباشرة لسلطة الحرس الثوري بناءاً على القانون المجاز من قبل البرلمان 1983 في إطار توجيهات الخميني لبناء جيش قوامه 20 مليون جندي لحماية الثورة من أعداء الداخل والخارج مثل فيها الحرس حربة النظام والمعني الأول بحراسة مبادئ الثورة الخمينية شأنه في ذلك شأن الجيش التركي العلماني المعني بحراسة المبادئ الاتاتوركية, أضف لذلك ضخامة المشاريع الاقتصادية والعسكرية والتجارية الحيوية التي يشرف عليها الحرس الثوري ما أعطاه اليد الضاربة في التأثير على مدخلات ومخرجات النظام الحاكم والنفوذ الأوسع في المجتمع الإيراني, ومع هذا لم يصبح حتى الآن قوة محافظة بما تعنيه الكلمة بسبب بقاء تبعيته للخط المتطرف داخل النظام رغم صيرورته الجهاز الأكثر قوة داخل إيران .
قادته الخمسة الأساسيين يتم تعيينهم من قبل مرشد الثورة ويخضعون له بصورة مباشرة منها قيادتين مدرجتين على القائمة السوداء لوزارة الخارجية الأميركية هما: قوات القدس وألوية كربلاء بينما تتوزع تقاسيمه الداخلية بصورة تراتيبية هرمية توحي من أول نظرة أنه دولة راديكالية متكاملة المعالم داخل الدولة الإيرانية سواء على صعيد الاختصاصات أو توزيع الأدوار مركزياً وإقليمياً ودولياً وصولاً إلى أصغر وحدة على المستوى المحلي والأهم التكنولوجيا الاستخباراتية المتميز بها كأكبر جهاز استخباري على مستوى الشرق الأوسط والتقنية العسكرية المتطورة المنفرد بها عن الجيش النظامي.
 أعماله محاطة بالسرية الكاملة إلى درجة أن السلطة التنفيذية لا تعلم عن تحركاته شيئاً وكذا الحال في علاقاته مع مفردات النظام الداخلي الواقعة تحت رحمة الازدواجية ما جعل من مرامي إنشائه كند للجيش النظامي من ذلك على سبيل المثال تمتعه بالاستقلالية الكاملة على عكس الجيش النظامي البالغ عديد أفراده 300 ألف فرد إلا أنه لا يمثل قوة مستقلة داخل بنية النظام بدلالة تعرض قيادته المستمر للتوجيه والمراقبة من قبل مرشد الثورة، ناهيك عن تعرضها منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي لعمليات تطهير واسعة لسبب وحيد هو عدم استعداد الجيش أو رغبته رغم احترافه وولائه للسلطة للتدخل في صراعات السلطة الداخلية مع رجال الدين, على عكس الحرس المرتبط بصورة وثيقة بعدد من صقور النخبة القيادية الدينية المتشددة والمعبر عن نفسه، أولاً وآخراً ، كجيش سياسي حامٍ لثورة الراحل الخميني ومبادئها, فيما يتعلق بتصدير الثورة بالعنف لحماية من يسميهم بالمسلمين المستضعفين في العالم.
ومن المفارقات أيضاً وجود قائد أعلى للحرس منذ 81م على عكس الجيش النظامي الذي لم يحظ بهذا المنصب إلا في أواخر أكتوبر 98م ناهيك عن غموض المعيار التخصصي الحاضي فيه الحرس بإطلاق اليد على عكس الجيش النظامي بحيث صارت للحرس ممارسة: حراسة الحدود وضخ النفط وتشغيل الموانئ وتهريب وتصنيع المواد الغذائية وصناعات البنية الاقتصادية الأساسية, وبناء البرنامج النووي وهذا ما جعله يضع نصب عينيه الاستيلاء على السلطة المترجم عملياً في تمثله خلال الفترة "1982- 1988م" بحقيبة وزارية تحمل اسمه بقيادة "محسن رفيق دوست" "مرحلة الازدهار الذهبي الأولى" تحت رعاية خامنئي أحد أبرز أعضائه الحركيين في مرحلة التأسيس,المتمكن فيها من إنشاء مؤسساته الذاتية المستقلة عن الجيش النظامي لشراء الأسلحة وإنشاء الصناعات العسكرية والدفاعية بالتعاون مع الصين وكوريا الشمالية والاتحاد السوفييتي سابقاً ومن وقتها بقي على اتصال وثيق مع القوات السورية والباكستانية والسودانية, إلا أن صعود رفسنجاني في 1989 أدى إلى تقليص تحركات الحرس, مفضلاً التوجه إلى العمل السري, إثر التباين الموقفي من الحرب مع العراق المصر فيها رفسنجاني على الحلول السلمية ما أدى إلى وضعه في دائرة الاستهداف رغم أنه أحد المناصرين للحرس أثناء ترأسه للبرلمان قبلها ناهيك عن محاولاته لإدماج الحرس بالجيش النظامي والاختلاف حول تصدير الثورة في وقت فضل فيه الانفتاح خصوصاً مع دول الخليج المرفوضة من الحرس ليدخل الطرفان في مصادمات مفتوحة.
 السيناريو أعاد نفسه في عهد خاتمي "97- 2005 " إلا أن الأخير اكتفى بإدارة المعركة مع الحرس من وراء الكواليس حيث تمكن من عزل قائده " محسن رضائي" وتصعيد نائبه "يحيى رحيم صفوي" 9سبتمبر97م.
وبصعود "نجاد" في أغسطس  2005م إستعاد الحرس وهجهُ ثانيةً, شارعاً في إحكام قبضته على كافة مفاصل الدولة ومدشناً " مرحلة الازدهار الذهبي الثانية" إثر نجاحه في زرع أعضائه في كافة مفاصل الدولة وتعيين المقربين منه في أهم مناصبها فارضاً بذلك نفسه على كافة مدخلات رسم سياسات العامة بهدف ضمان تحقيق مصالحه المؤسساتية وإعطائها الأولوية على المصلحة العامة للنظام والمجتمع ككل,من منطلق اعتقاده بأن المشاركة السياسية جزءاً لازماً لمهمته في الدفاع عما يسميه بنقاء الثورة الإسلامية وتخليد أفكار زعيمها "الخميني" مداليل ذلك :استحواذ أعضاء الحرس على نصف مقاعد الحكومة وثلث مقاعد البرلمان و20 مقعداً من مقاعد المحافظات الـ30 ناهيك عن زحفه إلى السلك الدبلوماسي لأول مرة مستولياً على أهم مقاعده بما فيها مندوب إيران بالأمم المتحدة وسفاراتها في 12 دولة أوربية.
اقتصادياً أضحى الحرس ثالث أكبر شركة بعد شركة النفط الوطنية ومؤسسة الإمام الرضا حيث تجاوزت الإيرادات الربحية السنوية لمشاريعه في 2004 ما يقارب 12 مليار دولار قابلة للوصول إلى 18 مليار في إطار توجه نجاد إلى خصخصة القطاع العام, بينما تحصد مشاريعه من وراء تصدير الثورة مليار و 200 مليون دولار سنويأً والمتمثلة في دعمه لفروع حزب الله في أكثر من 20 دولة ونكتفي هنا بذكر ما قدمه من أموال لحزب الله اللبناني كنموذج المتجاوز إجماليها منذ العام 1983 نحو الـ 20 مليار دولار, الأهم من ذلك سيطرته على البرنامج النووي المكلف الدولة 10 مليار دولار سنوياً, بواقع 11% من ميزانيتها السنوية.
في الداخل يعتقد الإيرانيون أن قوات القدس التابعة للحرس الثوري تمسك بمصير المواطنين الإيرانيين وغير الإيرانيين وفي الخارج ودول الخليج يعتقدون بأن الحرس وراء ثوران الجماعات المعارضة خصوصاً في الأوساط الشيعية في العراق والبحرين والكويت والسعودية بينما تعتقد واشنطن بأنه العصا السحرية لبرنامج إيران النووي والقلعة الحامية لنظام "الملالي" ومع ذلك تظل شفرت ألغازه عصية على الفهم لدى الجميع.
مواجهات مفتوحة
إيران مصنفة بالفعل على القائمة الأميركية كدولة راعية للإرهاب، إذاً فإدراج الحرس الثوري على اللائحة السوداء تظل واحدة من أوراق الضغط في إطار الحرب النفسية المتبادلة بين الطرفين تهدف واشنطن من ورائها تحقيق أكثر من هدف سواء داخل إيران أو خارجها منها:
الحصول على الشرعة الدولية المتيحة لها حرية التحرك لتعقب مصادر تمويل الحرس وشبكة أعماله الآخذة في التوسع وبذلك تكون قد أرضت المنادين بتحرك عسكري قوي ضد إيران سواء داخل إدارة البيت الأبيض أو خارجها والذين أصيبوا بخيبة الأمل بعد فشل الضغوط الدبلوماسية والحظر الاقتصادي في كبح جماح البرنامج النووي الإيراني والنفوذ الإيراني المتنامي في العراق والمنطقة على الأقل في المدى المنظور،في إطار الخطوات الأميركية الإستباقية المدشنة قبل عامين باستهداف عدد من المنظمات والمصارف والشخصيات المرتبطة بالحرس الثوري وأنشطته, وعائداتها ومنع المؤسسات الأميركية من التعامل معها إلى جانب نجاح وزارة الخزانة الخارجية الأمركية في إقناع عدد من حلفائها الأوربيين بتخفيض أو إلغاء معاملاتها مع المصارف والمؤسسات الإيرانية، ومن ثم الضغط على روسيا والصين لإقناعهما بضرورة استصدار قرار أممي قوي يتيح لها فرض إجراءات عقابية أشد ضد المؤسسات الإيرانية بما فيها تجميد تعاملاتها وحظر سفر المسؤولين المعنيين ببرنامجها النووي خصوصاً بعد إعلان طهران استكمالها دورة الوقود النووي وتأكيدها قرب الإعلان عن انضمامها إلى نادي الدول الممتلكة للتكنولوجيا النووية كثامن دولة في تخصيب اليورانيوم عالمياً.
الحرس الثوري من جهته قابل التصعيد الأميركي بتصعيد موازي معلناً استعداده للمنازلة والتحدي ومعتبراً نوايا ضمه إلى القائمة السوداء واحدة من أوراق الحملات الدعاية والتأثير النفسية التي تمارسها واشنطن ضد بلاده منذ قيام النظامي الإسلامي مصيرها الفشل كسابقاتها .
بعيداً عن لغة استعراض العضلات بين الطرفين,أمامنا حقائق لا يمكن تجاهلها, تجعل من مساعي الإدارة الأميركية في غاية الصعوبة لعل أهمها: إغفالها أن الحرس الثوري ليس جيشاً ثورياً بمعنى الكلمة بل جيشاً سياسياً تضم صفوفه كتل غير متناغمة ما يعني صعوبة التوصل إلى صفقات مرضية مع أجزاء منه إذا ما توفرت الفرصة في ظل اعتباره بصورة عامة إرهابياً ومن ثم فالقيام بتحركات عقابية ضده سيقوض أي هدف طويل الأجل للتفاوض مع طهران وصولاً إلى تسوية في حال تم نبذ أو فرض عقوبات على قطاع هام أو ركن من أركان الدولة حسب "رأي تاكيه" خبير الشؤون الإيرانية بمجلس العلاقات الخارجية الأميركية.
كما أن استهداف عناصر محددة داخل الحرس الثوري من المحتمل إتيانه بنتائج عكسية أهمها الإفضاء إلى تماسك و توحد أجزائه المتنافرة وإصرارها على وجوبية المواجهة المصيرية في وقت لايزال حلفاء واشنطن من الأوربيين يفضلون الدبلوماسية والضغوط الاقتصادية بدل العمل العسكري بينما يرى آخرون في إدراج الحرس على اللائحة السوداء كجماعة إرهابية من نوع خاص مناقض للمحادثات الثنائية في الأشهر الأخيرة حيال العراق بين طهران وواشنطن وما بينهما تظل المعركة مفتوحة على كافة الاحتمالات
المصادر:
- ويلفريد بوختا، من يحكم إيران؟، مركز الإمارات للدراسات، طبعة 2003.
 - هشام ملحم، الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب الأميركية، القبس عدد 6 أغسطس 2007.
- أحمد عبد الهادي، الدور الإيراني في العراق، الشراع اللبنانية، 16 إبريل 2007.
- إدارة بوش والحرس الثوري الإيراني، الشرق الأوسط، عدد 24 أغسطس 2007.
- كينث كاتزمان , الحرس الثوري ..نشأته..وتكوينه..ودوره ,ترجمة مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية.

الأربعاء، 1 يناير 2020

القاضي العلامة ناصر بن حسين بن حسن بن علي بن هادي المحبشي

عالم محقق في أصول الفقه وفروعه معلوم السنة، فقيه مجتهد، مفتي، مدرس

مولده بشهارة عام 1110 هـ، الموافق 1698م، ووفاته بصنعاء في يوم الجمعة 21 شوال 1191 هـ، الموافق 21 نوفمبر 1777، وقبره في الجهة الجنوبية الغربية من الجامع الكبير بصنعاء، على مقربة من الصخرة الململمة، المعروف اليوم بقبور الأئمة.

أخذ عن كِبار علماء عصره بشهارة وصنعاء، أبرزهم: العلامة محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، رغم تقارب السن، وذلك عندما قصد بن الأمير شهارة خلال الفترة "1140 – 1146 هـ"، بما فيها مؤلفاته، والتي أجازه في جميعها، مع تقوى وورع وحسن حال كما جاء في الإجازة العامة، واشتغل فترة بتدريس العلوم الدينية بشهارة، ثم استدعاه الإمام المهدي العباس بن الحسين، وولاه القضاء بصنعاء.

وكان عالماً تقياً، ورعاً ناسكاً، زاهداً عابداً، خاشعاً متقشفاً.

يقول الأمير الصنعاني، في ختم إجازته للعالمين الجليلين ناصر وإبراهيم بن الحسين المحبشي:

أجزتكما يا أهل ودي روايتي ** لما أنا على علم الأحاديث أرويه

على ذلك الشرط الذي بين أهله ** وفي شرحنا التوضيح تنقيح ما فيه

فاسند إلينا بالإجازة راوياً ** لغير الذي مني سمعت سترويه

وإن ترو عني ما سمعت فاروه ** بحدثنا الشيخ المشافه من فيه

كذاك أجزنا ما لنا من مؤلف ** إذا كنت تقريه وعني ترويه

ألا وأعلما والعلم أشرف مكسب ** وقد صرتما "شمسين" في أفق أهليه

بأن أساس العلم تصحيح نية ** وإخلاص ما تخفيه منه وتبديه

وبذلكما منه لما قد عرفتما ** وحققتما من لفظه ومعانيه

مع الصبر في تفهيم من ليس فاهماً ** فكم طالب عد الجلي كخافيه

وأوصيكما بالصبر والبر والتقى** فهذا الذي بين الأنام تواصيه

به أمرتنا سورة العصر فاشكروا ** لمولاكما ما جاكما من أياديه

وأن تلزما في الاعتقاد طريقة ** لأسلافنا من غير جبر وتشبيه

فعضوا عليها بالنواجذ واصبروا ** فقد فرق الناس الكلام بما فيه

ففيه الدواهي القاتلات لأهلها ** وكم فيه من داء يعز مداويه

فكم مقصد تحوي المقاصد مظلم ** وكم موقف تحوي المواقف تخزيه

كذلك في الغايات غايات بحثها ** شكوك بلا شك ومن غير تمويه

فيا حبذا القرآن كم من أدلة ** حواها لتوحيد وعدل وتنزيه

فما كان في عهد الرسول وصحبه ** سواه دليلاً قاهراً لأعاديه

فلا تأخذا إلا مقالته التي ** تنادي إلى دار النعيم دواعيه

عسانا نلبي من دعانا إلى الهدى ** ننال غداً من ربنا ما نرجيه

وما خلتماه مشكلاً متشابهاً ** فقولا: وكلناه إلى علم باريه

قفا عند لفظ "الله" والراسخون إذ ** هو المبتدأ ما بعده خبر فيه

وعندي في ذا فوق عشرين حجة ** ولا يستطيع النظم حصر معانيه

ودونكما نصحاً أتى في إجازة ** ودأبي نشر العلم مع نُصح أهليه

ولا تنسياني من دعائكما عسى ** عسى دعوة تشفي الفؤاد وتحييه

وتهدي إلى حسن الختام فإنه ** مناي الذي أدعو به وأرجيه

وأحمد ربي كل حمدٍ مصلياً ** على أحمد والآل أقمار ناديه

وأثني على أصحاب محمد متبعاً ** لتابعه أهل الحديث وراويه

 

من أبرز تلاميذه:

السيد العلامة على بن إسماعيل بن علي بن الْقَاسِم بن أحْمَد بن الامام المتَوَكل على الله إسماعيل بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد

 

ولايته قضاء صنعاء:

في شهر رجب من العام 1169 هـ إستدعاه الإمام المهدي العباس بن المنصور الحسين "1161 – 1189 هـ"، فولاه قضائها، بعد أن مضى من عمره نحو 60 عاماً، فكان أوحد أهل زمانه ديناً وورعاً وزهداً وتعففاً وقُنوعاً، وعندما عَلِم السيد محمد بن إسماعيل الأمير بذلك، أرسل إليه قصيدة مطلعها "ذبحت نفسك لكن لا بسكين".

ونظراً لما حوته من جواهر النصائح لكل من يتولى القضاء، تناقلها الناس في دواوينهم، وترنم بها الرُكبان في ترحالهم، ورددتها العامة في مقائلهم، حيث أبدى فيها عِتاباً وتقريعاً وملامةً على صديقه وتلميذه، لقبوله القضاء، وهو في الستين من عمره، وقد كان قبلها من المُعرضين عن الولايات، والإتصال بالملوك، مُستغرباً منه ذلك، ومُحذراً إياه من آفات القضاء، وضرر الحُجاب والكُتاب والمظالم.

فلما وصلت القصيدة إلى الناصر المحبشي بكى متمتماً:

"أمرٌ كُتب على ناصر، وقد عاهدت الله ألّا أحيف ولا أميل".

فكانت نصب عينيه حتى وافته المنية.

واستهل محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني قصيدته بقوله:

"قرأ علينا الشيخ ناصر المحبشي في شهارة سبع سنين في عدة فنون، وأدرك تقوى وورع وحُسن حال، ثم دخل إلى صنعاء لعله في رجب 1169هـ، وتولى بها القضاء فكرِهتُ له ذلك، لما علمناه من أحوال قضاة عصرنا، وكان حاله قبل ذلك حال المعرضين عن الولايات والاتصال بالملوك، فكتبت إليه وقد بلغ سن الستين:

ذبحت نفسك لكن لا بسكينٍ ** كما رويناه عن طه وياسين

ذبحت نفسك والستون قد وردت ** عليك ماذا ترجى بعد ستين

ذبحت نفسك يا لهفي عليك وقد ** كنا نُعدُك للتقوى وللدين

أي الثلاثة تغدو في غداة غد ** إذ يجمع الله أهل الدون والدين

فواحد في جنان الخلد مسكنه ** وإثنان في النار دار الخزي والهُون

يأتي القيامَة قد غُلت يداه فكن ** يوم التغابُن فيها غير مغبون

فإن يكن عادلاً فُكت يداه وإلا ** كان في النار من أقران قارون

فإن تقل أكرهونا كان ذا كذباً ** فنحن نعرف أحوال السلاطين

وإن تقل حاجة مست فربتما ** فأين صبرك من حين إلى حين؟

والله وصى به في الذكر في سور ** كم في الحواميم والطواسين

قد شد خيرُ الورى في بطنه حجراً ** ولو أراد أتاهُ كُلُ مخزون

ما مات والله جوعاً عالمٌ أبداً ** سل التواريخ عنه في الدواوين

ليس القضاءُ مكسباً للرزق نعرفه ** كما عرفناه في أهل الدكاكين

إلا لمن للرشا كفاهُ قد بُسطت ** بسط اللصوص شِباكاً للثعابين

سل المنى والغنى ممن خزائنهُ ** سبحانهُ بين حرفِ الكافِ والنون

وحيث قد صرت مذبوحاً فخذ جُملاً ** للنصح ما بين تخشينٍ وتليين

إياك إياك كُتاباً تخالُهُمُ ** إنساً وهم مثل إخوان الشياطين

واحذر حِجاباً وحُجاباً إلى خدَمٍ ** ففهمهم أكلُ أموالُ المساكين

وجانبِ الرشوةَ الملعون قابضها ** نصاً فسُحقاً لأصحاب ِالملاعينِ

وفي الرشاء خفياتٌ ويعرفها ** من كان ذا همةٌ في الحفظ للدين

 واحذر قريناً تقُل بئس القرين غداً ** كم حاكمٌ بقرين السوء مقرون

ولا تقل ذا أمينُ الشرعِ أرسلهُ ** فكم وجدنا أميناً غيرَ مأمون

واحذر وكيلاً يُريك الحق باطلهُ ** يرقة بين تنميقٍ وتحسين

ولا تُنفذ أحكاماً ومُستندُ الأحكام ** رجمٌ بتبخيتٍ وتخمين

لا تجعلن بيوت الله محكمةً ** ولا تحلق من خلف الأساطين

لتنظرن بين أقوامٍ صُراخُهُم ** صُراخُ ثكلى ولكن غير محزون

لا يستطيع المُصلي من صراخِهم ** يأتي بفرضٍ ولا يأتي بمسنون

وثم أشياءٍ ما بينتها لك في *** نظمي وتعرفُها من غير تبييني

إن عشت سوف ترى منها عجائبها ** إن كان قلبُك حياً غير مفتون

فمن يمُت قلبُهُ لا يهتدي أبداً ** لو جئتهُ بصحيحات البراهين

هذي النصائح إن كان القبول لها ** مهراً ظَفرت غداً بالخرد العين

ما لم ظفرتُ أنا بالفوز منفرداً ** بأجر نُصحي يقيناً غير مظنون

ثم الصلاة على خير الورى أبداً ** وآله السـادةِ الغُرِ الميامينِ

 

حاكم عادل:

ومن صور عدالة هذه القطب الرباني وصرامته في أحكامه؛ حكمه الشهير بهدم منزل الكبسي بثلا، وكان الكبسي من أصحاب السطوة والجاه والنفوذ والسلطان.

يروي العلامة قاطن ترب الشيخ ناصر المحبشي وأحد معاصريه أن الكبسي بنى بيتاً على إحدى المقابر، ومضت على بنائه سنوات، ولم يجرؤ أحد على رفع الأمر للسلطات، خوفاً من بطشه وسطوته، الى أن وصل الخبر الى المهدي، فأرسل المحبشي للتحقق من الأمر، وبعد انتقاله الى ثلا استمع الى مجموعة من الأهالي وأكدوا له صحة الخبر، فأصدر حكمه الشهير بهدم المنزل.

وليس هذا بغريب على هذه الاسرة فلدينا رواية مماثلة يتداولها المؤرخين عن حياة القاضي محسن عبدالرحمن المحبشي وحكمه الشهير ضد الامام لصالح أحد مواطني مدينة الحديدة

والشيخ ناصر رحمة الله الى جانب ما سبق كان أديباً مفوهاً، وله مساجلات مع استاذه محمد بن اسماعيل الأمير، وفقيهاً مجتهداً، وكانت له العديد من الترجيحات الفقهية، تحدث عنها فقهاء عصره

 

جنبية الشيخ ناصر المحبشي:

من القصص الغريبة التي حصلت للحسن بن محمد الأخفش المتوفي سنة 1190 هـ، وكان ممن جمع بين الوزارة والقضاء في ولاية المهدي عباس، أنه في أحد الأيام تم عرض جنبية للبيع على وكيل المهدي، ويُسمى صالح عزان، فدفع فيها 80 قِرشاً فرانصية، لكن مالكها لم يُعجبه الثمن، فأخذها وعرضها على الامام المهدي فردها، ثم أخذها الى الحسن الأخفش فاشتراها ب 100 قرش فرانصية، فبلغ الأمر المهدي فاهتم لذلك، وأرسل من فوره الى قاضيه ناصر المحبشي المتوفي سنة 1191 هـ يطلب منه جنبيته، وكانت لا تساوي قرشاً واحداً، فلما وصلت الى المهدي دعا خادم رِكابه محمد بن علي سنبل حال اجتماع الحكام بديوانه لفصل المشاجرات.

فقال المهدي: ادخل عليهم وقل لهم يثمِّنوا هذه الجنبية ويقوِّمونها.

فعجبوا من ذلك، وقال بعضهم: هذه جنبية القاصي ناصر المحبشي، وأجمعوا على أن ثمنها لا يجاوز النصف قرش.

فعرف الحسن الأخفش ما أراد بذلك الامام المهدي، فخرج من الديوان وأرسل بتلك الجنبية معتذراً.

وكان هدف المهدي من طلب جنبية المحبشي إغاظة حُكامه بديوانه.

فالمحبشي رغم أنه كان يشغل قضاء صنعاء في مقام المهدي لكن عفته وزهده وورعه وتقواه وبساطته كانت حديث أهل زمانه رحمة الله عليه.

 

رد الشيخ ناصر المحبشي على القصيدة النجدية للإمام محمد بن إسماعيل الأمير:

تضمنت القصيدة النجدية مدح واطراء لمحمد بن عبدالوهاب وممارساته بنجد، وأهم ما ورد فيها تسويغ بن الأمير الصنعاني حرق بن عبدالوهاب لكتاب دلائل الخيرات في قوله:

"فصل في كتاب دلائل الخيرات

وحرَّق عمداً للدلائل دفتراً ** أصاب ففيها ما يجل عن العد

غلوٌّ نهى عنه الرسول وفرية ** بلا مرية فاتركه إن كنت تستهدي

أحاديث لا تعزى إلى عالم فلا ** تساويَ فلساً إن رجعت إلى النقد

وصيَّرها الجهال للدرس ضرة ** ترى درسها أزكى لديها من الحمد"

وهي قصيد طويلة.

أحدثت قصيدة البدر الأمير ضجة كبرى في الجزيرة العربية، والوطن العربي عموماً، وهذا يدل على مكانته، وإتساع نطاق شهرته التي طبقت الآفاق، وأثارت موجة من السخط والاستياء لدى رجال العلم والأدب خاصة، وهذا أيضاً يدل على مقت شديد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، واستنكار صارخ لتوجهاته وممارساته ضد المسلمين.

فما كان من علماء المسلمين على اختلاف مذاهبهم وبلدانهم، إلا أن تصدوا للرد على البدر الأمير، وكشف حقيقة ابن عبد الوهاب.

وممن تصدى للرد على البدر الأمير، العلامة ناصر المحبشي الزيدي اليمني، فإنه راجع البدر نثراً ونظماً، سائلاً عن وجه تصويب تحريق دلائل الخيرات:

أتاني دُر النظم من عالمٍ مهدي ** إلى عالمٍ حبر تقي من نجد

يقرظه فيه لحسن طريقة ** تحلى بها بين الأنام على قصد

لينصر شرع الله ممن أصابه ** بجهل وتقليد الأوائل عن عمد

ولكنه قد حك في الصدر قولكم ** أصاب ففيها ما يحل عن العد

أزل ما عساه أن يكون تخيلا ** مفصله في النثر من واضح الرد

فلله ما أسديت يا عالم الورى ** ولا زلت فينا دائما للهدى تهدي

لقد سرني ما جاءني منك مرشدا ** وذكَّرني أيام شافهت بالرشد

لياليَ قضينا من العلم حقه ** وأبدل فيه مسلك النحس بالسعد

فليت إلهي يجمع الشمل بيننا ** نجدد للعلم الشبيبة بالعهد

أحنُّ لأيام الوصال وطيبها ** ويوهنني أن التأسف لا يجدي

وإني على شرط المودة والإخا ** وإن كانت الأجساد منا على بُعد

فدُمْ في رضا مولاك في كل لحظة ** وذكِّر فإن الذكر ينفع في الخلد

فرد البدر الأمير:

يسائلني من باهتدائي يستهدي ** وذلك هدي المصطفى خير من يهدي

علام أصوب رأي من أحرق الدلا ** ئل للخيرات من ساكني نجد

وأحسنت باستكشاف ما هو مشكل ** لديك فخذ عني الجواب الذي أُبدي

وقد قلت في الأبيات ما أنت عارف ** ل‍ه من دليل في الذي قلته عندي

غُلُوٌّ نهى عنه الرسول وفِريَةٌ ** بلا مرية فاتركه إن كنت تستهدي

أحاديث لا تعزى إلى عالم ولا ** تساوي فلساً إن رجعت إلى النقد

فهذان من أقوى الأدلة عند من ** يصوِّب تحريق البياض من الجلد

وأشرحها بالنثر فالنظم قاصر الـ ** عبارة عن ذكر الأدلة والسرد

وخير الأمور السالفات على الهدى ** وشر الأمور المحدثات على عمد

وذكرتني يا بن الحسين ليالياً ** تقضَّت لنا بالوصل في طالع السعد

نخوض بها في كل فن بفطنة ** وذهن يرى أمضى من الصارم الهندي

فنفتح منها كل ما كان مقفلا ** ونفتضُّ أبكار المعاني بما نُبدي

كأنا إذا ما مجلس العلم ضمنا ** نكون على التحقيق في جنة الخلد

فوالله ما في هذه الدار لذة ** سوى العلم إن وافقت في العلم من يهدي

ذكيا تقيا منصفا ليس همه ** سوى الحق يهدي من يشاء ويستهدي

قنوعا من الدنيا كفاه كفافُها ** تسربل فيها بالقناعة والزهد

يناصح سُكَّان البسيطة طاهر اللـ **ـسان سليم الصدر خلواً عن الحقد

فهذا الذي لو كنت يوما وجدته ** ظفرت بما أهوى وجُدتُ بما عندي

عسى ولعل الله يجمع شملنا ** فقد يجمع الله الشتيتين من بُعد

فتخضرُّ روضات العلوم ونجتني ** ثمار الهدى والحق من روضها الوردي

وإلا فَصِلني بالدعا كل ساعة ** إذا كنت حيا أو رحلت إلى لحدي

وقل لي جزاه الله خيرا فإنه ** دعانا إلى نهج الهداية والرشد

إلى هديِ خير المرسلين محمد ** عليه صلاة الله تَترَى بلا عد

وصل على الآل الكرام وصحبه الـ  ** ـفخام ذوي العز المشيد والمجد

 

مراجع ذُكر فيها العلم:

هجر العلم، ج2، ص1093، ط1

مؤلفات الزيدية، ج1، ص73، ط1

نشر العرف، ج3، ص253، ط2

ملحق البدر الطالع، ص218، ط1

العلامة محمد بن علي الشوكاني، "البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع"، الجزء الثاني

العلامة محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، "إرشاد ذوي الألباب إلى حقيقة أقوال ابن عبدالوهاب"، تحقيق: عبدالكريم جدبان

العلامة محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، مسألة في الذبائح على القبور

ديون بن الأمير الصنعاني

الثلاثاء، 31 ديسمبر 2019

أكاذيب لا زالت تروج في اليمن دون خجل

بقلم زيد يحيى المحبشي
- محاربة ايران في اليمن التي لا وجود لها باليمن
- اعادة شرعية هادي المنتهية بإباحة الدم اليمني والسيادة الوطنية
- اقامة دولة الجنوب الحلم الساقط بسقوط المتاجرين بقضية الجنوب
- اسقاط انصار الله الجرع ومحاربتهم الفساد وتخفيفهم العبئ عن الضعفاء والمساكين والمطحونيين واقامة سنن العدل
- تسليم الحديدة للأمم المتحدة من أجل الحفاظ على السيادة الوطنية المدنسة بتواجد قوات حفظ السلام الأممية
- شن عاصفة الحزم من أجل اعادة الأمل لليمن
- مجيء السعودية والامارات من أجل انقاذ اليمن من الحوثي اليمني وليس من أجل احتلال اليمن
- مشاركة السودان في عاصفة الحزم من اجل الدفاع عن الحرمين الشريفين
- الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة
- الدولة الاتحادية للحفاظ على وحدة الاراضي اليمنية
- منع تداول العملة الجديدة وسحب العملة القديمة من اجل منع تدهور العملة اللاتينية
- وأكبر كذبة تبرير اطراف الصراع المحلي أفاعيلهم بحق اليمن واليمنيين من أجل تحرير اليمن وانقاذ اليمنيين
.. وتستمر المسرحية ويستمر العرض وللقصة بقية

تغاريد حرة يكتبها زيد المحبشي


* ابحثوا عن حب رسول الله في بطون الجياع، يا من تدعون حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
الرسول رحمة وقدوة حسنة وما يريده تمثل اخلاقه وأقواله وأفعاله وتعاليمه وليس التفاخر بالمهرجانات  والبهارج الدنيوية الزائفة والزينة والرنج والفعاليات والاستعراضات السياسبة
* معلومة غير مهمة:
رئاسة الحكومة في العراق للشيعة ورئاسة الجمهورية للأكراد ورئاسة البرلمان للسنة بموجب تخريجة بريمر
وفي لبنان رئاسة الجمهورية للمسيحيين ورئاسة الحكومة للسنة ورئاسة البرلمان للشيعة بموجب تخريجة الطائف
في العراق أكثر من اربع قوميات وثلاث ديانات الى جانب اليزيدية؛ وفي لبنان أكثر من 18 قومية وديانة؛ كل شيء في العراق ولبنان موزع بالنسب الطائفية من مدير الإدارة الى رئيس الدولة .. وهو ما يجعل المطالبة بإنشاء انظمة مدنية لا طائفية فيهما اكثر استحالة من مطالبة الجليلة بنت مرة الزير سالم اتيانها بلبن السباع
الله يحقن دماء العراقيين واللبنانيين ويجعل لهم مخرجا جميلا
* علاج الفساد المالي والاداري إن كانوا صادقين، يحتاج الى إجراء بسيط جدا لكنه ممنوع من الصرف لأسباب يعلمها الله ورسوله والراسخون في العلم، هو تفعيل آلية التدوير الجبهاتي للمسؤولين في الدولة بمختلف مستوياتهم والمشرفين الإداريين العائثين في مؤسسات الدولة خارج النظام والقانون بمختلف مراتبهم .. يجروهم الجبهات شهر كل أربعة أشهر زكاة وطهور وتربية روحية .. وما عدا هذا مجرد بيع للوهم وضحك على الدقون كالعادة
* يا رب
ضاقت مساحة الأمل
وتعددت الأحزان والأوجاع
واتسعت المعاناة والمقابر والسجون
واصبحت حياة اليمنيين كلها بؤس وشقاء وتعاسة
فانظر الينا بعين رحمتك واكفنا شر حكامنا وارفع عنا غضب جيراننا من بدو الجزيرة ودهاقنة الاقليم وكن لنا ولا تكن علينا وعجل لنا بالفرج القريب فقد ضاقت بنا المسالك وأودت بنا الى المهالك وليس لها من دونك كاشفة يا أرحم الراحمين
* بالمختصر المفيد
عندما تغيب الدولة وتتوقف عن ممارسة وظائفها، تنتعش المنظمات وينتشر التبشير .. وعندما تكون الدولة حاضرة بكل مؤسساتها وممارسة لكل وظائفها وقائمة بكل واجباتها تجاه مواطنيها تتلاشى المنظمات وتختفي جماعات التبشير
فمن الملام فيما نحن فيه: الدولة أم المنظمات؟؟
* س: ما الذي دفعهم لجمع العملة؟
ج: من أجل يعملوا صفقة تبادل اسرى للمحصول تحت اشراف النحس الدولي
س: ما علاقة الوطن بجمع العملية؟
ج: لا علاقة للوطن ولا للوطنية ولا للجغرافيا ولا للتاريخ بكل ما يجري من عبث
* ‏ما الفرق بين الحمار والمستحمر؟
الحمار خلقه ربنا
والمستحمر اجتهاد بشري والاستحمار سبب كل البلاوي النازلة على نفوخ الأمة

المحامي حزام بن محمد بن مصلح بن مقبل المحبشي


سياسي، كاتب، حقوقي، محامي، قيادي ناصري.


مولده بقرية المجهل بعنس ذمار في العام 1963.


حاصل على ليسانس شريعة وقانون من جامعة صنعاء.


له العديد من الدراسات والأبحاث في مجال الفكر القانوني والاستراتيجي نشر بعضها بصحيفة الوحدوي وصحيفة الوحدة.


وبيت المحبشي الساكنين في قرية "المَجهل" من قرى "سائلة زُبّيد" بمديرية عنس وأعمال محافظة ذمار، هم بحسب روايته كما ينقل عنه المؤرخ "إبراهيم المقحفي" في موسوعة "الألقاب اليمنية"، من أبناء "أبو صالح" الملقب ب "الجذعي"، وهذا انتقل من حضرموت قبل نحو 300 سنة، وهناك من رأى أنهم من قوم "صالح" ورأي أخر يعتقد أنهم "علويون".

ويعتقد البعض أن ثمّة رابطة تجمعهم مع "بني مهدي" ساكني "قَيفة" بالبيضاء، وأن جدهم "أبو صالح" هرب من بلدته "قيفة" بسبب الثأر، واتجه إلى عنس، وهناك أنشأ قرية "أبو صالح" في بيت "الصباري" بعنس، ثم هجرها لنفس السبب وانتقل إلى قرية "المَجهل"، ولذلك قد يُعرف بعضهم بلقب "المجهلي" نسبة إلى الموطن.

وينتمي إليهم فرع "هُداة العشيرة"، سكنوا قرية "موكل" من قرى "صَبَاح" رداع بمحافظة البيضاء، وبينهم صلات وعلاقات وزيارات مستمرة.

ومن أبناء "أبو صالح الجذعي": بني محمد، وبني محسن، والأخير ينقسم إلى بني الفقيه وبني مقبل، ومن بني مقبل من تلقبوا بالمحبشي وهم الساكنين بقرية المجهل، ومنهم صاحب الترجمة، ومنهم سكن قرية "بيت الصباري" ورخين في قرية "الخلقة"، وهي قرى متجاورة.

يعمل أغلبهم في التجارة، ومن أبرز رموزهم التجارية الشيخ "علي بن علي المحبشي"، والشيخ حمدي المحبشي.


مراجع ذُكر فيها العلم:


إبراهيم المقحفي، موسوعة الألقاب اليمنية، الجزء السادس، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر - بيروت، الطبعة الأولى 2010

السبت، 28 ديسمبر 2019

بريكست: الخروج الكبير لبريطانيا من الاتحاد الأوربي


بقلم زيد يحيى المحبشي
بريكست ينهي 46 عاما من الزواج القائم على الحذر المتبادل بدلاً من الأحلام المتبادلة بين بريطانيا والاتحاد الأوربي، لم يبالغ أحد المحللين عندما شبه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي بـ"الزلزال"، بما لها من ثقل كدولة عظمى، تتمتع بكل مقومات القوة، رغم مرور أكثر من ستة عقود على أفول نجم إمبراطوريتها التي لا تغرب عنها الشمس، لكنها كمركز اقتصادي وسياسي وعسكري وحضاري لا زالت محتفظة بكل مظاهر العظمة، وهو ما جعل وقع خروجها من الاتحاد الأوربي كارثياً ليس على أوربا التي باتت تتوجس خيفة من انفراط مسبحة الاتحاد وتداعي أحجار الدومينو فحسب، بل وعلى بريطانيا نفسها، والمكونة من أربع مقاطعات، باتت هي الأخرى مهددة بانفراطها، وصولاً إلى دول الكومنولث وثيقة الصلة ببريطانيا بما لها من اتفاقات مع الاتحاد الأوربي، لا أحد يدري ما مصيرها بعد مغادرة لندن للاتحاد.
يضم الاتحاد الأوربي 28 دولة، وهو عبارة عن شراكة اقتصادية وسياسية، تعود فكرة إنشائه إلى العام 1951 مع تشكيل الجماعة الأوربية للحديد والفحم، بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي بين دوله، انطلاقاً من فكرة أن الدول التي تتبادل المعاملات التجارية لا تتحارب فيما بينها، والأهم من هذا إيجاد شيئ اسمه "أوربا"، ثم تبلورت مع مرور الزمن رزنامة من الأهداف العامة، حاول الأعضاء ترجمتها إلى مشاريع عملية تخدم تطلعات مواطني التكتل, ولم تكن بريطانيا ضمن قائمة المؤسسين، كما لم يتم دعوتها إلى عضوية المجموعة الأوربية، بسبب العلاقة الخاصة التي كانت تربطها بالولايات المتحدة الأميركية، والتي لم تكن تروق للفرنسيين، ولذا كان الرئيس الفرنسي شارل ديغول دائم المعارضة لانضمام بريطانيا لعضوية المجموعة الأوربية.
وفي العام 1960 قامت لندن بتكوين تجمع اقتصادي موازي، عرف باسم منطقة التجارة الحرة EFTA ومن أعضائه إلى جانب بريطانيا، النرويج والسويد والدنمارك والنمسا وسويسرا.
مثلت وفاة الرئيس الفرنسي شارل ديغول فرصة ذهبية للندن، انتظرتها طويلاً، ومدعاة لبداية مفاوضات لتوسيع المجموعة الأوربية وضم بريطانيا والدنمارك وايرلندا في عام 1973، وفي العام 1975 صوت الشعب الانجليزي بأغلبية الثلثين لمصلحة البقاء في المجموعة الأوربية، ولأول مرة منذ ذلك العام أصبحت فكرة خروج بريطانيا من التكتل الأوربي احتمالاً قائماً وتحدياً عميقاً لعملية الاندماج الأوربي.
وفي العام 2015 جرى استطلاع للرأي العام البريطاني، أظهرت نتائجه تفضيل 51 بالمائة من البريطانيين ولأول مرة الخروج من الاتحاد الأوربي، وحينها أعلن رئيس الوزراء البريطاني "ديفيد كاميرون" استعداد حزب المحافظين تقديم الاستفتاء على بقاء أو خروج بريطانيا من الاتحاد إلى 23 يونيو 2016 بدلاً من نهاية 2017 ، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق مع مؤسسات الاتحاد، يضمن تحقيق مصالح بريطانيا.
وبالفعل جرى الاستفتاء كما خطط له كاميرون في 23 يونيو 2016 وكانت نتائجه لصالح الخروج من الاتحاد بواقع 52 بالمائة، وسجلت مقاطعة انجلترا وويلز أعلى نسبة مؤيدة للخروج بواقع 53.4 ، 52.5 بالمائة على التوالي بينما كانت نسبة التأييد لعملية الخروج في اسكتلندا وايرلندا الشمالية بواقع 38 ، 44.2 على التوالي.
وفي اليوم التالي للاستفتاء تولت السيدة "تيريزا ماي" رئاسة الحكومة البريطانية، خلفاً لكاميرون، لتبدأ معركة جديدة أكثر شراسة وسخونة بين مؤيدي الخروج من الاتحاد يتقدمهم حزب المحافظين، ومؤيدي البقاء فيه يتقدمهم حزب العمال، ولكل منهم مبرراته ودوافعه وحساباته ومخاوفه.
وكان النائب العمالي "هيلاري بن" قد قدمت للبرلمان في سبتمبر 2019 مشروع لتمديد بريكست ومنع رئيس الوزراء من المضي في إجراءات الخروج من دون اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوربي، والذي كان مقرراً في 31 أكتوبر 2019 وتأجيله لمدة ثلاثة أشهر أخرى، وفي 19 أكتوبر 2019 صوت البرلمان على تعديل النائب المستقل السير "أوليفر ليتوين" بواقع 322 صوت مقابل 307 لصالح تأجيل الخروج من 31 أكتوبر 2019  إلى 31 يناير 2020 ونص التعديل على تعليق التصديق على اتفاق جونسون مع الاتحاد حتى يتم إقرار التشريعات التنفيذية اللازمة لتطبيقه ووضع متطلبات "هيلاري بن" قيد التنفيذ لجهة تمديد عملية الخروج لثلاثة أشهر أخرى إذا لم يتمكن "جونسون" من إبرام صفقة مع الاتحاد أو حث النواب للمصادقة على عملية الخروج من دون اتفاق مع الاتحاد.
وفي 2 ديسمبر 2019 وافقت دول الاتحاد الأوربي على تأجيل انسحاب بريطانيا حتى 31 يناير 2020 مقابل موافقة بريطانيا على عدم إعادة التفاوض حول اتفاق الانسحاب الذي تم التوصل إليه في نوفمبر 2019.
هذه التباينات والانقسامات في المسرح السياسي البريطاني، كان لها تأثيرها في عرقلة الإعلان الرسمي لعملية الخروج ثلاث مرات على التوالي، وسط رهانات مفتوحة على نجاح التوقيت الثالث المحدد بنهاية يناير 2020 .
 الفوز الساحق الذي أحرزه حزب المحافظين برئاسة رئيس الوزراء الحالي "بوريس جونسون" في الانتخابات التشريعية المبكرة، التي جرت في 12 ديسمبر 2019 والتي حصد فيها الحزب 387 مقعدا من مقاعد مجلس العموم الـ 650 وبنسبة 56.62 بالمائة، عزز فرص تمرير حكومة جونسون خطة الخروج من الاتحاد الأوربي، وعملية إعادة تشكيل الاقتصاد البريطاني، ولذا اعتبر جونسون عقب إعلان النتائج مباشرة أن فوز حزبه تفويض جديد وقوي، ليس لإنجاز بريكست في موعده فحسب بل ولتوحيد البلاد والنهوض بها.
وفي 20 ديسمبر 2019 قدم جونسون مشروع اتفاق البريكست الذي أبرمه مع قادة الاتحاد الأوربي في منتصف أكتوبر 2019، لمجلس العموم للتصويت عليه مرة أخرى قبل 31 ديسمبر، بعد رفضه من البرلمان المنتهية ولايته، كمقدمة لإعلان بدء العد التنازلي للخروج في 31 ديسمبر2019، بعدها يتم إحالته لمجلس اللوردات للنظر فيه، وبمجرد التصديق عليه من البرلمان البريطاني سيحال للبرلمان الأوربي للتصديق، وتذهب كل التوقعات إلى مرور هذه الإجراءات بسلاسة ونجاح عملية الخروج النهائي رسمياً في 31 يناير 2020، وما بينهما مرحلة تحول يتم خلالها انجاز وإقرار التشريعات التنفيذية الخاصة بعملية الخروج والمصادقة عليها من مجلس العموم، وتمكين المواطنين والشركات من التكيف مع عملية الخروج.
 وفور خروج لندن تبدأ مفاوضات شاقة مع وبروكسيل، يفترض أن تنجز في نهاية 2020 حول شكل العلاقات المستقبلية بين الطرفين على كافة الأصعدة، التجارية والأمنية والدفاعية وصيد الأسماك وحماية البيانات والمعلومات والنقل والتنقل والسلع والخدمات الرقمية والأسواق العامة والطاقة والحدود .. الخ، وهي مهمة صعبة وشاقة ومعقدة قد تستغرق من سنة إلى أربع سنوات.
وكان رئيس المجلس الأوربي "شارل ميشال" قد أوضح في تصريح له، استعداد الاتحاد للتفاوض بشأن اتفاق تجاري يتيح التوصل إلى قواعد منصفة .. لكن مشكلة بريكست لا تكمن بالمبدأ فقط وإنما أيضاً بالتفاصيل التي تتشابك فيها المصالح على نحو قد يكون صعباً تفكيكها، قبل أن يُصار إلى إعادة تركيبها وفق صيغة ما بعد بريكست.
والمسلم به هنا حسم جدلية الخروج بشكل نهائي مع بقاء الجدل حول شكل عملية الخروج، بمعنى كيف سيتم الخروج وهل سنكون أمام خروج آمن ومنظم وسلس كما يسوق جونسون أم لا، وما يحوطها من مخاطر قد يكتوي بنارها الطرفين، على خلفية الجدل المحتدم حول ضرورة أن تكون هناك مرحلة انتقالية تحددها اتفاقية الانسحاب، يتعهد جونسون بانتهائها قبل 31 يناير 2020 كموعد أخير وفاصل لإعلان الخروج النهائي بشكل منظم وسلس وآمن من الاتحاد الأوربي، تليها مرحلة ثانية يتم فيها الاتفاق على شكل العلاقات المستقبلية بين الطرفين، وهذه قد تأخذ أربع سنوات على الأقل، ستظل خلالها بريطانيا تحت رحمة قوانين الاتحاد، في ظل مخاوف الاتحاد من تحول بريطانيا بعد البريكست إلى منافس غير منصف لأوربا بحسب الرئيس الفرنسي في مؤتمر صحفي ببروكسيل عقب فوز حزب جونسون، مبدياً أمله بأن تبقى المملكة المتحدة دولة حليفة وصديقة وشريكاً مقرباً .. لا منافسأ غير منصف.
وأهم نقطة هنا تقارب وجهات النظر بين رئيس الوزراء البريطاني فيما يتعلق بالخروج قبل إنجاز اتفاق تجاري مع الاتحاد، والاتحاد الأوربي المعبر على لسان رئيس المجلس الأوربي "شارل ميشال" بأنه ليس من الوارد إتمام المفاوضات وإنجاز الاتفاق التجاري قبل 31 يناير 2020 ، وهذه إحدى النقاط التي أعاقة الخروج لثلاث مرات متوالية، بسبب إصرار البرلمان البريطاني المنتهي على ضرورة إنجاز الاتفاق التجاري قبل 31 يناير 2020، ومن المرجح ترحيله لقائمة الملفات المطروحة للنقاش حول العلاقات المستقبلية في المرحلة التالية، إذ ما يهم حكومة المحافظين حالياً هو إنجاز البريكست في موعده المحدد بأي ثمن.

* مبررات المؤيدين لبريكست
المؤيدين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي يتقدمهم حزب المحافظين يبررون إصرارهم على ضرورة  تعجيل الخروج بقائمة طويلة من الأسباب، التي يعتقدون بأنها ستصب في صالح الخير الأعظم للأمة البريطانية، منها على سبيل الإيجاز:
1-  فرض الاتحاد الأوربي الكثير من الشروط على الشركات البريطانية وإلزامها بدفع مليارات الجنيهات سنوياً كرسوم عضوية مقابل القليل من العوائد، ولذا فمن شأن الخروج من الاتحاد تمكين بريطانيا من توفير المساهمة السنوية الصافية في ميزانية الاتحاد والبالغ قيمتها 11 مليار دولار.
2 – استعادة بريطانيا السيادة والديمقراطية والسيطرة على كامل حدودها واستعادة التحكم في القانون والوضع المالي والتمكن من الحد من عدد الوافدين/ المهاجرين إلى بريطانيا بهدف العمل والعيش فيها، وهو أحد الملفات الأكثر إثارة للجدل بين لندن والاتحاد الأوربي ما بعد بريكست.
3 – زيادة الهجمات الإرهابية في بعض الدول الأوربية، دفعت لندن لتسريع عملية الانفصال، من أجل إيقاف اتفاقية الحدود المفتوحة بين دول الاتحاد الأوربي، بهدف الحد من حركة المواطنين الأوربيين، والحد من مجيء الإرهابيين إلى بريطانيا، وردع الهجمات الإرهابية المحتملة في المستقبل.
4 – تمكين بريطانيا من عقد صفقات تجارية حرة مع الدول الأخرى، بعيدا عن وصاية وقيود الاتحاد الأوربي، في مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية التي وعدت على لسان رئيسها ترامب عقب فوز المحافظين، بأن بلاده ستوقع مع لندن اتفاق تجاري جيد للبلدين، وروسيا ومنطقة الخليج العربي وغيرها من دول العالم.
5 - تحرير بريطانيا من سقف العجز المفروض من قبل بروكسل عند 3% من الناتج المحلي الإجمالي، والسقف المحدد للدين العام عند 60% من الناتج المحلي الإجمالي ومن مراقبة المفوضية الأوربية.

* مخاوف المعارضين لبريكست
المعارضين لبريكست يتقدمهم حزب العمال والمقاطعات المطالبة بالاستقلال عن المملكة المتحدة وبعض الشركات التجارية الكبيرة، يرون أن بقاء بلادهم تحت مظلة الاتحاد الأوربي سيمنحها دعم كبير، محذرين من انعكاسات خطيرة قد تترتب على الخروج من الاتحاد قبل التوصل إلى اتفاق تجاري.
أولا: مخاطر وتداعيات مغادرة الاتحاد
1 – فرض ضوابط تنظيمية ورسوم جمركية ضارة بين مقاطعة ايرلندا الشمالية والمملكة المتحدة بعد عملية البريكست، وإلحاق أضرار اقتصادية كبيرة بايرلندا الشمالية.
2 – كارثية البريكست على الشركات والتوظيف في إنحاء المملكة المتحدة، وخسارة بريطانيا آلاف الوظائف لصالح الدول الأخرى، وتخطط بعض المصارف في لندن نقل نحو ألف وظيفة إلى باريس مثل مصرف HSBC
3 - توقع المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية (NIESR) بلندن، خسارة الاقتصاد البريطاني نحو 70 مليار جنيه إسترليني بما يعاد 90 مليار دولار، خلال العشر السنوات المقبلة بسبب الخروج من الاتحاد الأوربي، وإمكانية انخفاض إجمالي الناتج المحلي في 2029 بنحو 3.5 بالمائة.
4- يرى محللون اقتصاديون في بريطانيا ومؤسسات مثل صندوق النقد الدولي أن الانسحاب سيجعل بريطانيا "أفقر" وفقاً لرؤى متفاوتة لحجم التأثير، حيث أكدت دراسات اقتصادية أعدها البنك الدولي أن خروج بريطانيا سيتسبب في خسارتها لاتفاقيات التجارة الحرة، وحوالي 224 مليار جنيه إسترليني، وانكماش الاقتصاد البريطاني بنسبة 1.4% على الأقل بحلول 2019، ويفقدها القدرة على التأثير في الاتحاد الأوربي على المستوى الاقتصادي والسياسي.
وتفيد السيناريوهات الأكثر تفاؤلاً بحسب الباحث المغربي في العلاقات الدولية بالمركز الديمقراطي العربي "أحمد بوخريص" بأن الاضطراب المالي والاقتصادي قد يستمر لخمس سنوات مقبلة على الأقلّ، في حال مغادرة لندن الاتحاد، وأن الاستقرار لن يُستعاد فعلياً قبل سنة 2030، أما السيناريوهات الأكثر تشاؤماً فتعتبر أن شيئاً مما اكتسبه الاقتصاد البريطاني بوجوده في الاتحاد، من الجنيه الإسترليني القوي إلى لندن كمركز مالي مهم عالمياً، لن يتمكّن من المحافظة عليه من دون أوربا التي ساعدته على "التعولم"، وأعطته ميزات خاصة منها اعتراف محكمة العدل الأوربية للندن بحقّها في الحدّ من المساعدات الاجتماعية للمهاجرين الأوربيين، بعدما كانت إلزامية.

ثانيا: فوائد البقاء ضمن دول الاتحاد:
1 – تسهيل عملية التبادل التجاري بين لندن والدول الأخرى في الاتحاد.
2 – تنصيص إحدى المبادئ الرئيسية لعضوية الاتحاد على حرية تنقل الأفراد في جميع أنحاء دوله، ما يعني أن المواطنين الأوربيين لن يكونوا بحاجة إلى تأشيرة للانتقال من بلدهم والعيش في أي بلد أوربي أخر.
3 – إسهام تدفق المهاجرين الشباب القادرين على العمل في تحقيق النمو الاقتصادي، من خلال زيادة الإيرادات الضريبية، التي بدورها ستساعد بريطانيا على دفع تكاليف الخدمات العامة.
4 – التسهيل على أصحاب الشركات الكبيرة عمليات تحويل الأموال والأفراد والبضائع في جميع أنحاء العالم، نظرا للدور المهم الذي تلعبه لندن كمركز مالي لأوربا.

* ابرز مضامين البريكست
- تمديد الفترة الانتقالية حتى نهاية 2020 ، تبقى خلالها الأمور كما هي، بمعنى تطبيق البريطانيون الأنظمة الأوربية والاستفادة منها ودفع مساهمتهم المالية، ولكن دون أن يكونوا أعضاء في المؤسسات الأوربية أو يشاركوا في القرارات الصادرة عنها.
والهدف من هذه المرحلة، تفادي القطيعة الحادة، خصوصاً للفاعلين الاقتصاديين، ومنح فرصة للمؤسسات التجارية لتعديل وضعها، ومنح الوقت لمناقشة مستقبل العلاقة بين الطرفين.
- احترام بريطانيا الالتزامات التي تم التعهد بها بموجب الموازنة المتعددة السنوات (2014-2020)، والتي تغطي أيضًا الفترة الانتقالية، واستفادتها من الصناديق الهيكلية الأوربية والسياسة الزراعية المشتركة.
- دفع بريطانيا 39 مليار جنيه إسترليني للاتحاد الأوربي لتغطية ما تدين به.
- تمكين 3,2 مليون أوربي في المملكة المتحدة و1,2 مليون بريطاني في أوربا من مواصلة الدراسة والعمل والحصول على مكافآتهم وجلب عائلاتهم، كما هو الحال قبل الانفصال.
- عدم رغبة بريطانيا والاتحاد في وجود حدود مرئية من نقاط حراسة وتفتيش بين ايرلندا الشمالية وجمهورية ايرلندا، إلا أن بريكست نص على تطبيق الحواجز في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق تجاري بين لندن والاتحاد خلال الفترة الانتقالية، وهذا يعني أن ايرلندا الشمالية وليس باقي بريطانيا ستظل تتبع القوانين الأوربية في بعض الأمور، مثل منتجات الطعام ومعايير التصنيع.
- بقاء مقاطعة إيرلندا الشمالية البريطانية ضمن المنطقة الجمركية للمملكة المتحدة بموجب البروتوكول المبرم، وإذا ما دخلت منتجات من بلدان أخرى إلى إيرلندا الشمالية وبقيت فيها، تطبق عليها الرسوم الجمركية البريطانية، وفي حال كانت البضائع القادمة من دولة ثالثة متجهة إلى الاتحاد الأوربي عبر إيرلندا الشمالية، فستطبق سلطات المملكة المتحدة عليها الرسوم الجمركية للاتحاد الأوربي.
- مواصلة إيرلندا الشمالية تطبيق مجموعة محدودة من لوائح الاتحاد الأوربي، بما فيها الخاصة بالسلع الصحية التي تخضع للفحوصات البيطرية.
- لتجنب وجود حدود فعلية بين المقاطعة الإيرلندية وإيرلندا وحماية سلامة السوق الأوربية الموحدة، سيستمر تطبيق قواعد ضريبة القيمة المضافة للاتحاد الأوربي على البضائع في إيرلندا الشمالية وستكون دائرة الجمارك في المملكة المتحدة مسئولة عن تطبيق وتحصيل هذه الضريبة، وفي "إعلانه السياسي" المنقح حول العلاقات المستقبلية، يعد الاتحاد الأوروبي باتفاقية "بلا رسوم جمركية ولا حصص" مع لندن.
- طلب بروكسل "ضمانات" بشروط منافسة منصفة، لمنع بريطانيا من إقامة ما يشبه "سنغافورة" على أبواب الاتحاد، لا تحترم المعايير الاجتماعية والمالية والبيئية للاتحاد الأوربي