زيد يحيى المحبشي، مركز البحوث والمعلومات، 20 ديسمبر 2020
أن تكون مسلماً يرفض
الضيم والتبعية والخضوع والخنوع لدول الاستكبار العالمي، فعليك أن تؤمن بأن عزة ورفعت
وكرامة أمتك لا تكون بالخطابات والشعارات، بل بالعمل الجاد والمخلص للقضاء على كل مظاهر
وأغلال التبعية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مختلف مناشط ومجالات الحياة، بدءاً بزراعة
الغذاء وصناعة الدواء والملابس ومروراً بصناعة الكماليات من مركبات وغيرها، وانتهاءاً
بالصناعات العسكرية والأمنية، وبذلك تحقق الأمة الاكتفاء الغذائي والدوائي والصناعي
والعسكري، ..، وبالتالي تحررها سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وتكنولوجياً، ..ألخ.
هذه الأمور مجتمعة مثلت
المحرك الرئيسي لثورة المستضعفين التي قادها الإمام الخميني رحمة الله عليه، وتكللت
بإزاحة كابوس الشاه المقبور عن صدور الإيرانيين في العام 1979، بعد عقود من التبعية
للصهاينة والغرب وأم الشرور أميركا، وما خلفته تلك التبعية من كوارث لم تقتصر شظاياها
على المجتمع الإيراني، بل فاض لهيبها ليحرق المحيط العربي والإسلامي، ومعها بدأت إيران
تشق طريقها بخُطاً ثابتة وواثقة نحو التحرر من أغلال التبعية، وكانت الصناعات العسكرية
نقطة مضيئة في سجل التحرر السياسي، ما أثار غضب الكيان الصهيوني وأباطرة الطغيان الإمبريالي
العالمي، ومعها بدأت المؤامرات تحاك ضد هذا البلد المسلم الحر، والعقوبات الأممية والأميركية
تنهمر عليه بلا كوابح أخلاقية ولا نواميس إنسانية.
ويُعد البرنامج النووي
إحدى دعائم التصنيع العسكري، وأكثرها إثارة لمخاوف الصهاينة والغرب، رغم التأكيدات
الإيرانية المستمرة باستخدامه للأغراض السلمية، وعدم تعارض ذلك مع القوانين والمواثيق
الدولية، ناهيك عن رُهاب الصناعات الصاروخية وهي الدعامة الثانية للتصنيع العسكري،
رغم أنها حقٌ مشروع للدول، للدفاع عن نفسها، وبما أن البراعة الإيرانية في نفض أغلال
التبعية لم تتوقف على حدود الاكتفاء المحلي، بل تجاوزته إلى مناصرة قضايا الأمتين العربية
والإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، فهذا يعني تلاشي مصالح طغاة الإمبريالية
وأحلامهم الاستعمارية، والإيذان بانقراض غدتهم السرطانية المزروعة في قلب أمتنا العربية،
ما دفعهم إلى رفع مستوى الخطر والعمل بمختلف الوسائل وعلى كل الجبهات من أجل فرملة
هكذا توجهات إسلامية تحررية.
شهدت السنوات العشر
الأخيرة تسريع إيران في رفع عدد أجهزة الطرد المركزي إلى آلاف عدة، بعد أن كان العدد
يقتصر على أجهزة قليلة، وبعد أن امتلكت المعرفة العلمية لدورة الوقود النووي بالكامل،
ما أثار حفيظة واشنطن وتل أبيب والاتحاد الأوربي، واتهام طهران بالسعي لامتلاك سلاح
نووي.
ومن يومها أصبح علماء
النووية الإيرانية هدفاً لعمليات اغتيالات واسعة النطاق، مدروسة ومركزة، قامت بها أجهزة
المخابرات الصهيونية بالتنسيق مع أجهزة مخابرات أجنبية وعملاء محليين، طالت المؤسسة
الأمنية الإيرانية بالصميم، ووضعت على لائحة الاغتيالات، حياة عشرات العلماء الإيرانيين
العاملين في البرنامج النووي، لأهداف وغايات تخدم المشروع الصهيوني بالمقاوم الأول.
تاريخ أسود من الاغتيالات
تمكن الموساد الصهيوني
بالتنسيق مع الاستخبارات الأميركية خلال الفترة 2010 - 2020، من تصفية خمسة من خيرة
علماء إيران في المجال النووي، والتخطيط والتنفيذ لسلسلة من التفجيرات داخل إيران،
راح ضحيتها المئات من أبناء هذا البلد الإسلامي الحر:
1 - "مسعود علي
محمدي":
أستاذ فيزياء الجسيمات
في جامعة طهران وأحد خريجي جامعة شريف الإيرانية، الشهيرة بجامعة النخبة والعباقرة.
أُستُشهد في 12 يناير
2010، بواسطة دراجة نارية مفخخة، وُضعت بالقرب من منزله في شمال طهران، وتم تفجيرها
بالتحكم عن بعد أثناء مروره بسيارته.
وتمكنت أجهزة الأمن
الإيرانية من إلقاء القبض على الجاني، ويُدعى "مجيد جمالي فاشي"، وهو الاغتيال
الوحيد الذي أعلنت فيه طهران عن اعتقال مشتبه فيه واضح، وبعد التحقيق اعترف المتهم
بتلقيه تدريبات مكثفة على يد الموساد الصهيوني في أذربيجان، وتزويده بالتعليمات اللازمة
حول عمليات الاستطلاع وكيفية تنفيذ عمليات الاغتيالات، وتقاضيه 120 ألف دولار مقابل
تنفيذ العملية.
توقيت تنفيذ العملية
يأتي بعد سبعة أشهر فقط من اختطاف الموساد العالم النووي "شهرام أميري" في
مايو 2009، وتوجيه إيران الاتهام لإسرائيل وأميركا في ديسمبر 2009 بالوقوف وراء العملية،
بالتوازي مع بداية الفترة الرئاسية الثانية لـ "محمود أحمدي نجاد"، وما شهدته
من تقدم مُتسارع في عملية تخصيب اليورانيوم، أثارت رعب وفزع تل أبيب، وشنها حملة شرسة
لعرقلة البرنامج النووي الإيراني، افتتحتها باغتيال "مسعود محمدي"، وشن هجمات
إلكترونية على منشأة "نطنز" و"بو شهر" وغيرها من المواقع النووية
الإيرانية.
2 - "مجيد شهر
ياري":
أستاذ الفيزياء بجامعة
"الشهيد بهشتي" في طهران، وأحد المسئولين عن المشاريع الكبرى في برنامج طهران
النووي، وكان له دور رئيسي في البرنامج النووي الإيراني.
اُستُشهد في 20 نوفمبر
2010، بواسطة قنبلة مغناطيسية ألصقها راكب دراجة على سيارته في شمال طهران، وتم تصفيته
في ذروة الأزمة مع القوى العالمية بشأن البرنامج النووي الإيراني.
وفي نفس التوقيت تم
استهداف رئيس هيئة الطاقة الذرية السابق "فريدون عباسي دافاني"، وبذات الطريقة،
وقد نجا بأعجوبة، حيث أحسّ بخبطة أسفل السيارة، فغادرها على الفور مع زوجته، وانفجرت
السيارة بعد لحظات، وأُصيب وزوجته بجراح، ولحُسن طالعه أصبح فيما بعد نائباً لرئيس
الجمهورية، ورئيساً لهيئة الطاقة الذرية، وأشرف على توسيع البرنامج النووي في إنتاج
الوقود في المواقع الذرية الإيرانية.
واتهم الرئيس الإيراني
حينها "محمود أحمدي نجاد" إسرائيل والغرب بالتورط في الاغتيال.
3 - "داريوش رضائي
نجاد":
حائز على شهادة الدكتوراه
في الهندسة الكهربائية من جامعة "خواجة نصيرالدين الطوسي" الصناعية، وأحد
أهم الباحثين المتخصصين فيها، وفي العام 2011 أصبح جزءاً من أبحاث إيران النووية، وأحد
أهم علمائها النوويين.
أُستُشهد في 23 يوليو
2011، بعد أن أطلق عليه مسلحين يستقلون دراجة نارية 5 رصاصات، أمام منزله في طهران.
وأكدت زوجته "شهره
بوراني" في مقابلة صحفية مع موقع "العربي الجديد" تلقيه العديد من الاتصالات
والتهديدات المجهولة، كما تلقى عروض عمل مغرية خارج البلاد، فضلاً عن عروض منح ومناصب
في مراكز بحوث غربية، لكنه رفضها كلها.
وبعد 3 أشهر من استشهاده،
وتحديداً في 12 نوفمبر 2011، تسبب انفجار في مستودع ذخيرة تابع للحرس الثوري بإحدى
ضواحي طهران، في استشهاد ما لا يقل عن 36 شخصاً، بينهم الجنرال في الحرس الثوري
"حسن تهراني مقدم" بتخطيط وإشراف وتنفيذ أميركا وإسرائيل بحسب تقرير لصحيفة
"لوس أنجلوس تايمز"، ضمن حملتهم المسعورة ضد البرنامج النووي الإيراني.
4 - "مصطفى أحمدي
روشن":
أستاذ الفيزياء النووية،
وهو أحد المسئولين عن موقع "نتانز" لتخصيب اليورانيوم، الواقع بالقرب من
أصفهان وسط البلاد، وأحد مديري منشأة "نطنز" النووية المتخصصة في تخصيب اليورانيوم
والمحطة النووية الأم في إيران.
أُستُشهد في 11 يناير
2012، عن عمر يناهز 32 عاماً، بواسطة قنبلة مغناطيسية أُلصقت على سيارته في طهران،
وهو أصغر العلماء النوويين الإيرانيين المستهدفين.
ولأهمية هذا العالم
أدرج مجلس الأمن الدولي اسمه ضمن قوائم لوائح العقوبات المغضوب عليها من قبل البيت
الأسود، كما أنه التقى شخصياً بمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بحسب موقع هيئة
الطاقة الذرية الإيرانية، وهو ما جعل أصابع الاتهام تتجه أيضا نحو هذه الوكالة.
وفي 3 يناير 2015، نجحت
السلطات الإيرانية في إحباط عملية اغتيال كانت تستهدف أحد علمائها النوويين، وفي يونيو
و2 يوليو 2020 تعرض مجمع صواريخ "خوجير" ومنشأة "نطنز" لانفجارات
عنيفة، تسببت في تدمير صالة تجميع أجهزة الطرد المركزي بمنشأة "نطنز".
5 - "محسن فخري
زاده":
أستاذ الفيزياء النووية
بجامعة الإمام الحسين التابعة للحرس الثوري في طهران، ورئيس منظمة البحث والابتكار
"سبند" بوزارة الدفاع الإيرانية، التي كان يعمل نائبا لوزيرها في الوقت نفسه.
وهو من أبرز العلماء
الإيرانيين في مجاله، وأحد أهم النخب العلمية المسئولة عن الصناعات الدفاعية في البلاد،
يصفه الإعلام الإيراني بـ "مؤسس البرنامج النووي" و"مدير البرنامج النووي
العسكري" الإيراني، وتعتبره وكالات الاستخبارات الغربية والصهيونية العقل المدبر
والمسئول الأول عن برنامج سري للأسلحة النووية في إيران، ووصفته بـ "أبو القنبلة
الإيرانية".
وقارنته صحيفة
"نيويورك تايمز" في العام 2015 بالعالم الفيزيائي الذي أدار مشروع
"مانهاتن"، أبو القنبلة الذرية الأميركية "روبرت أوبنهايمر"، لدوره
الهام في قيادة مشروع "عماد AMAD" الإيراني، وإجرائه سلسلة
من الأبحاث حول تطوير قنبلة نووية إيرانية.
وهو ثاني مهندس لإستراتيجية
الردع والأمن القومي الإيرانية، يتم استهدافه، منذ الضربة الأميركية على مطار بغداد
في 3 يناير 2020 والتي أدت إلى استشهاد مهندس إستراتيجية الردع الإيرانية الإقليمية
قائد قوات القدس بالحرس الثوري "قاسم سليماني".
لعب "زاده"
دوراً محورياً في الارتقاء بالقدرات الدفاعية لبلاده عبر التكنولوجيا النووية، التي
نجح في الوصول بها إلى مستويات كبيرة، ونتاجاً لذلك أدرجته مجلة "فورين بوليسي"
الأميركية عام 2013 مع خمسة علماء إيرانيين كبار ضمن أقوى 500 شخصية عالمية، وفي
24 مارس 2007، أدرجه مجلس الأمن الدولي على قائمة العقوبات الأممية، ولطالما أرادت
الوكالة الدولية للطاقة الذرية التحدث إليه في إطار تحقيقاتها في برنامج إيران النووي.
استشهد و6 من مرافقيه
في 27 نوفمبر 2020، في منطقة "ابسرد" التابعة لمدينة "دماوند"،
على بُعد 45 كيلو متر شرقي طهران، وفي 30 نوفمبر 2020 تحدثت وسائل إعلام إيرانية أن
السلاح المستخدم في عملية الاغتيال صُنع في إسرائيل، وهي الاتهامات التي لم تنفها إسرائيل
أو تؤكدها.
يأتي اغتياله وسط تجدد
القلق من زيادة كمية اليورانيوم الذي تخصبه إيران، والذي يعتبر متطلباً لتوليد الطاقة
النووية السلمية، وكذلك لإنتاج أسلحة نووية، رغم التأكيد الإيراني المستمر على أن برنامجها
النووي يخدم أغراضاً سلمية فقط.
ورد اسم "زاده"
في تصريحات رئيس وزراء الكيان الصهيوني "بنيامين نتنياهو" بوزارة الحرب الإسرائيلية
عن البرنامج النووي الإيراني، في 20 أبريل 2018، وحثّ الناس على تذكُر "اسمه"،
ليصبح العالم النووي الوحيد الذي فرض نفسه على ألسنة الحكومة الصهيونية.
وقالت وثائق ادعت إسرائيل
أنها حصلت عليها في العام 2018، خلال عملية نفذتها لسرقة أرشيف إيران الذري السري،
أن "زاده" أشرف على برنامج لإنتاج أسلحة نووية في إطار مشروع "عماد"،
بينما قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن العمل في هذا المشروع توقف في العام
2003.
يُذكر بأن مشروع
"عماد AMAD" تأسس العام 1989، وتؤكد
جميع المؤشرات المعلنة من عمليات تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية على أن المشاريع
التي تركز على تطوير الأسلحة النووية تظل خاملة إلى حد كبير، على الرغم من استمرار
إيران في برنامجها النووي المتعلق بتخصيب اليورانيوم والطاقة النووية المدنية.
ورغم تسريع هذه الأنشطة
منذ مايو 2019 – عندما أوقفت طهران التنفيذ الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة بعد
انسحاب أميركا من الاتفاقية النووية في 8 مايو 2018 - فإن ذلك لم يشمل برنامجها للأسلحة،
وتحديداً صناعة وتطوير الصواريخ.
وأكدت إيران أن جميع
الخطوات التي اتخذتها منذ مايو 2019 قابلة للتراجع إذا دخلت أميركا الاتفاق مرة أخرى.
وكان الاتحاد الأوربي
وأميركا والأمم المتحدة قد فرضوا في العام 2010 عقوبات قاسية جداً على طهران، بسبب
تخوفهم من استخدام برنامجها النووي السلمي كغطاء لتطوير قنبلة نووية، كما وضع الاتفاق
النووي في 2015، الذي توصلت إليه إيران مع أميركا وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا وألمانيا،
قيوداً على أنشطة طهران النووية مقابل تخفيف العقوبات عليها.
وفي وقت سابق من نوفمبر
2020، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن لدى إيران الآن أكثر بمقدار 12 مرة من
كمية اليورانيوم المخصب التي يُسمح بها بموجب الاتفاق النووي.
وفي غضون ذلك، تصاعدت
التوترات بين أميركا وإيران، وبلغت ذروتها في يناير 2020 مع اغتيال واشنطن "قاسم
سليماني".
لائحة الاتهام:
ثلاثة أطراف شاركت في
تصفية علماء النووية الإيرانية، هي الكيان الصهيوني، والذي تولى مهمة التخطيط والتمويل
ومحركه إعاقة البرنامج النووي والبرنامج الصاروخي الإيرانيين، وكبح جماح النفوذ الإقليمي
الإيراني، وصولاً إلى فصل إيران عن محور المقاومة والممانعة، ثم يأتي الدور الأميركي
في عملية التمويه والتغطية، وخاتمتها أدوات تنفيذ الجريمة والمتمثلة في منظمة
"خلق" الإيرانية المعارضة والمتخذة من واشنطن مقراً لها، والمعروفة بعلاقتها
الوطيدة مع الكيان الصهيوني منذ نشأتها.
1 – إسرائيل:
تبقى إسرائيل المشتبه
به الرئيسي في كل عمليات الاغتيال لعدة أسباب، حيث لديها الخبرة والقدرة، وقد فعلت
ذلك من قبل، ولديها الدافع لذلك.
يؤكد الكاتب والمؤرخ
البريطاني "مايكل بيرلي" أن "عمليات اغتيال علماء النووية الإيرانية
يمكن أن تُنسب إلى إسرائيل بناءً على مشاريعها السابقة، كعمليات اغتيال العلماء النازيين،
وقتل جيرالد بول، وعمليات اغتيال عناصر من حزب الله وحماس، مثل عماد مغنية ويحيى عياش
من قبل الشاباك".
وبدأ الموساد حملة اغتيالات
ضد علماء إيرانيين كبار منذ سنوات بهدف عرقلة برنامج إيران النووي، على الرغم من انكار
إسرائيل لذلك، وفقاً لتقرير الكاتب الصهيوني "دان رفيف" في صحيفة "هآرتس"
العبرية.
وفيما يتعلق بـ"زاده"
كأخر وأهم هدف للموساد يذكر الصحفي الإسرائيلي "يوسي مليمان"، في كتابه
"جواسيس غير مثاليين"، أن "فخري زاده"، يعتبر "دماغ ومدير
البرنامج النووي العسكري الإيراني"، وأن الموساد وشعبة الاستخبارات العسكرية في
الجيش الصهيوني "أمان"، حاولوا مراراً في السابق تحديد موقعه، من أجل تصفيته،
لكن فشلا.
ونقلت صحيفة "نيويورك
تايمز"، الأميركية في 27 نوفمبر 2020، عن ثلاثة من مسئولي المخابرات الأميركية،
أن الموساد كان وراء اغتيال "زاده"، ناهيك تهديد "نتنياهو" العلني
في العام 2018، باغتياله.
وكالة "رويترز"
في تقرير لها، هي الأخرى رجحت مسؤولية الموساد عن اغتيال "زاده"، مستدلة
بامتناع مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي عن التعليق على الهجوم، وهو الموقف ذاته الذي
اتخذته وزارة الدفاع الأميركية، رغم أن "نتنياهو" كان قد أعلن في كلمة مسجلة
له قبل أيام من عملية الاغتيال أنه سيستعرض بعض الإنجازات التي قام بها في الأسبوع
السابق للجريمة، في وقت لاحق.
واكتفى وزير حرب الكيان
الصهيوني "موشيه يعلون"، في مقابلة مع الصحيفة الألمانية "دير شبيغل"،
بالتأكيد على وجوب إيقاف البرنامج النووي الإيراني، وعدم قبول إسرائيل تحت أي ظرف من
الظروف أن تمتلك إيران سلاحاً نووياً: "إسرائيل ستستخدم كامل طاقتها لمنع إيران
من إنتاج الأسلحة النووية".
وكشف موقع "ذا
هيل" القريب من الكونغرس أن الكيان الصهيوني كان يستخدم في الماضي عملاء من خصوم
النظام الإيراني للقيام بالمهمات القذرة، التي تشمل عمليات الاغتيال، ولكن من المرجح
أن عملية اغتيال "زاده" كانت على يد إسرائيليين من داخل إيران، بسبب الاحتراف
والتعقيد في هذه العملية.
وأكد الكاتب "سايمون
هندرسون"، مدير برنامج "برنشتاين" لشؤون الخليج وسياسة الطاقة، عودة
إسرائيل إلى سياسة الاغتيالات، التي كانت تنفذها بين عامي 2010 و2012 باغتيال علماء
إيرانيين.
وقال أنها اضطرت لتعليق
برنامج الاغتيالات بطلب من إدارة الرئيس الأميركي السابق "باراك أوباما"،
حتى توافق إيران على أن تكون طرفاً في خطة العمل المشتركة "الاتفاق النووي"،
وفي عام 2018 خرجت إدارة الرئيس "دونالد ترامب" من الاتفاق، وهي اليوم تحاول
استغلال الأسابيع الأخيرة من ولاية "ترامب" لاتخاذ إجراءات ضد إيران، قد
يكون من الصعب الإفلات من عواقبها في ظل إدارة الرئيس الأميركي الجديد "جو بايدن".
2 – أميركا:
في عهد إدارة
"أوباما" نفت وزيرة الخارجية الأميركية "هيلاري كلينتون"، نفياً
قاطعاً أي دور لبلادها في قتـل العلماء الإيرانيين.
وفي ذات السياق يرى
الكاتب "تريتا فارسي"، أن عملية الاغتيالات لا تتطابق مع أساليب وكالة الاستخبارات
الأميركية، لكن ربما حازت على دعم أميركي، فمن المعروف أن الرئيس الأميركي المنتهية
ولايته "دونالد ترامب" قد فكر في مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية في مستهل
شهر نوفمبر 2020، وهو ما أكدته أيضاً وكالة "رويترز" في إشارتها الى اتهام
طهران للرئيس الأميركي "ترامب" بمبارك عملية القتل.
ورفض البيت الأبيض ووزارتا
الدفاع والخارجية ووكالة المخابرات المركزية "سي آي أيه" التعليق على اغتيال
"زاده"، لكن "ترامب" أعاد بالفعل نشر عدة تقارير تسلط الضوء على
الاغتيال.
ومن غير المرجح أن تكون
إسرائيل قد نفذت الاغتيال دون الحصول على ضوء أخضر من إدارة "ترامب"، لذا
لا يمكن استبعاد دور أميركي أكثر مباشرة، خصوصاً وأن إدارة "ترامب" سبق لها
وأن أجرت عدة عمليات تخريبية مشتركة مع إسرائيل ضد المنشآت النووية الإيرانية في العام
2019، واعتمدت جزئياً على المخابرات الإسرائيلية في اغتيال الجنرال "قاسم سليماني".
وفي وقت سابق من شهر
نوفمبر 2020، تحدث "ترامب" مع كبار مستشاريه للأمن القومي عن احتمال مهاجمة
إيران، في وقت كان فيه وزير خارجيته "مايك بومبيو"، يلتقي برئيس الوزراء
الإسرائيلي وقادة في دول لديها خصومة مع إيران في الخليج العربي، ولا سيما السعودية
والإمارات، بالتوازي مع تأكيد تقارير غربية ثني مساعدي "ترامب" عن توجيه
ضربة عسكرية لإيران في اللحظات الأخيرة، ما يعني أن اغتيال "زاده" قد يكون
أحد الخيارات أمام "ترامب" للرد على التعزيز النووي الأخير، قبل انتقال الرئاسة
الأميركية للرئيس المنتخب "جو بايدن" والمعروف بتأييده للاتفاق النووي مع
إيران.
وتسعى إدارة "ترامب"
من هكذا خطوة إلى تسريع ما يسمى بحملة "أقصى ضغط" قبل رحيلها، بدلالة توقيت
اغتيال "زاده" بعد أسبوعين فقط من طلب "ترامب" خيارات عسكرية ضد
البرنامج النووي الإيراني، في أعقاب التقرير الفصلي الأخير للوكالة الدولية للطاقة
الذرية عن إيران.
كما تشير سرعة إعادة
"ترامب" تغريد المنشورات التي أبلغت عن الحادث، إلى مستوى معين من تورط بلاده
أو معرفتها أو دعمها.
ومن المرجح أن يكون
اغتيال "زاده" محاولة أخيرة لإغراء طهران بالانتقام وإحباط أي دبلوماسية
مستقبلية بين أميركا وإيران.
3 – مجاهدي خلق:
اتهم مسئولان في إدارة
الرئيس الأميركي السابق "باراك أوباما" منظمة "مجاهدي خلق" بتنفيذ
الاغتيالات بالتنسيق مع الموساد، في حين تنفي المنظمة أي تورط مع إسرائيل.
واستخدمت إسرائيل في
الماضي عملاء من هذه المنظمة للقيام بهجمات في إيران، وهي أول منظمة إرهابية نفذت عمليات
اغتيال انتحارية داخل إيران، خدمة لأسيادها في تل أبيب والبيت الأسود.
تداعيات متدحرجة:
يعتقد الصهاينة، ومن
ورائهم راعي البقر "ترامب" بأن اغتيال قامة علمية بحجم العالم النووي الإيراني
"محسن زاده"، سيكون له وقع الزلزال على إيران ومن ورائها محور المقاومة والممانعة،
وهو اعتقاد خاطئ وواهم، لأن تصفيته بحسب التقديرات الإستراتيجية الغربية سيكون له تأثير
رمزي فقط، على أنشطة إيران النووية الحالية، لكن إذا سعت للعودة إلى برنامج أسلحة أكثر
نضجاً، فسوف تفتقد خبرته القيّمة.
بمعنى أوضح، إيران فقدت
شخص "زاده" لا إرثه المعرفي والعلمي، لذا يرى الرئيس الإيراني، "حسن
روحاني"، أن اغتيال "زاده"، "لن يُبَطِئ برنامج إيران النووي"،
بل على العكس سيؤدي إلى تسريع وتيرة الأنشطة النووية الإيرانية، مؤكداً أن بلاده سترد
"في الوقت المناسب"، لكن مقتل "زاده"، "لن يدفع إيران إلى
اتخاذ قرارات متسرعة".
وعموماً لا يمكن قراءة
اغتيال زاده بعيداً عن العملية التدميرية التي استهدفت صالة تجميع أجهزة الطرد المركزي
بمنشأة "نطنز" النووية، في 2 يوليو 2020، ومن المحتمل أن يكون تأثير استهداف
منشأة "نطنز"، على البرنامج النووي الإيراني أكبر من اغتيال "زاده"،
لأن الانفجار دمر منشأة جديدة لتجميع أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، كانت إيران تبنيها
كجزء من ردها على مغادرة واشنطن خطة العمل الشاملة المشتركة في 8 مايو 2018، ومن ذلك
الحين تعيّن على إيران الشروع في بناء واحدة جديدة تحت الأرض، بالقرب من "نطنز".
إذن فنحن أمام استهداف
نوعي وممنهج لطهران، لا يقل خطورةً، ولا أهمية عن الاستهداف العسكري والاقتصادي، الذي
يتجاوز حاجز التفوق النووي إلى تقزيم الدور الإقليمي للجمهورية الإسلامية في إيران.
اغتيال "زاده"
أثار العديد من التساؤلات، حول التداعيات المترتبة عليه والسيناريوهات المحتملة، بالتوازي
مع تزايد المخاوف من اتجاه المنطقة إلى مزيد من الحرائق، في ظل الاستقطاب الحاد بين
محور التطبيع والانبطاح ومحور المقاومة والممانعة، وما رافقه من كوارث "ترامبية"،
ستحتاج إدارة الديمقراطي "بايدن" سنوات، لإخمادها، ولا أحسبها ستفعل، لأن
منطوق تصريحاته في العقود الثلاثة الماضية تؤكد بأنه صهيوني أكثر من الصهاينة، وهذا
حال كل ساكني البيت الأسود، ولا جديد في ذلك باستثناء زيادة سفور وفجور صهاينة العرب.
أميركا الديمقراطيين
اعتبرت على لسان الرئيس السابق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية "جون برينان"،
اغتيال "زاده" عمل "إجرامي" و"طائش للغاية" ويهدد بإشعال
الصراع في المنطقة، مُبدياً تمنياته بأن تكون الحكومة الإيرانية "حكيمة"
لتجنب الانتقام، وانتظار تسلم الساحر "جو بايدن" مقاليد الحكم في بلاده.
في الاغتيالات التي
طالت أربعة من علماء البرنامج النووي الإيراني خلال الفترة "2010 –
2012"، سارعت إدارة الديمقراطي "باراك أوباما" إلى إدانتها، لأنها كانت
تعلم أن جرائم القتل لن تؤدي إلى انتكاسة كبيرة لبرنامج إيران النووي، بقدر ما ستؤدي
إلى تقويض أي جهد، للتفاوض على اتفاق للحد منه.
وبافتراض مسؤولية إسرائيل
وتورط إدارة "ترامب" في استفزازات إسرائيلية إضافية، نجد أنفسنا الآن في
وضع مشابه، ولكن ربما يكون أكثر خطورة خلال الشهرين المقبلين، خاصة إذا فشل "بايدن"
وفريقه للسياسة الخارجية في إيصال رسالة شديدة اللهجة لإسرائيل، بأنها ستتحمل وحدها
التكاليف، إذا استمرت في شن هجمات داخل إيران خلال الفترة الانتقالية الحالية.
أهداف شيطانية:
يسعى الكيان الصهيوني
وإدارة "ترامب" ومعهم صهاينة العرب في السعودية والإمارات، من وراء اغتيال
علماء إيران، وتوتير العلاقة مع هذا البلد المسلم الحر، وزيادة الضغوطات والعقوبات
عليه، إلى تحقيق رزمة من الأهداف الصهيونية الهوى والهوية، منها ما هو بعيد المدى ومنها
ما هو آني ومرحلي.
1 – إنهاء النفوذ الإيراني
الإقليمي أو الحد منه: رغم الضغوط الاقتصادية الذي تعيشها إيران، جراء العقوبات الأميركية
المتلاحقة عليها منذ انسحاب "ترامب" من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018، إلا
أن طهران ما زالت ترفض الانصياع للمطالب الأميركية، ما دفع إدارة "ترامب"
في عامها الأخير إلى تطعيم سياسة "الضغط الأقصى" بعمليات عسكرية وأمنية،
للحد من النفوذ الإيراني المباشر قبل نفاد الوقت، كما في عملية اغتيال "قاسم سليماني"
ونائب قائد الحشد الشعبي العراقي "أبو مهدي المهندس".
كما عملت إسرائيل على
تكثيف عملياتها العسكرية في سورية والعرق، استغلالاً للفترة المتبقية لولاية
"ترامب"، لتسجيل نقاط كبيرة، فيما يرتبط بالحد من التواجد والنفوذ الإيرانيين
في سورية والعراق.
2 - كبح أو عرقلة أو
تبطيئ التقدم الإيراني في البرنامج النووي: لم ينفصل انفجار منشأة "نطنز"
النووية عن سياق الأهداف الأميركية والإسرائيلية المطلوبة في إطاره، فالانفجار، بحسب
المتحدث باسم هيئة الطاقة النووية الإيرانية "بهروز كمالوندي"، أدّى إلى
إبطاء تطوير وإنتاج أجهزة طرد مركزي متطوّرة على المدى المتوسط.
3 – إيقاف البرنامج
الصاروخي: مع بدء العدّ التنازلي لانتهاء ولاية "ترامب"، وفي ظل المؤشرات
القادمة إلى نهج مختلف ستتبعه إدارة الرئيس المنتخب "بايدن" مع طهران، استنفرت
إسرائيل طاقاتها للاستفادة من هامش الوقت الذي يسبق تسلُّم "بايدن" مهماته
رسمياً في 20 يناير 2021، لتوجيه ضربة لإيران في ملف البرنامج الصاروخي، لذا قررت تصفية
"زاده"، المسئول عن تحضير إيران لصواريخ نووية، حد زعم الكيان الصهيوني.
وإجمالاً يسعى الكيان
الصهيوني من وراء اغتيال "زاده" إلى خلط الأوراق، أملاً في:
1 - استفزاز إيران تمهيداً
لتوجيه ضربة نووية لها: وهو ما أشار إليه خبير الشرق الأوسط والباحث المختص في العلاقات
الأميركية الإيرانية "شتيفان كينسلر"، في تغريدة له على "تويتر"،
واتخاذ أي رد إيراني متسرع ذريعة لشن حرب ضدها، ووقف أي حلول دبلوماسية معها بشأن برنامجها
النووي، وهو ما يذهب إليه الدبلوماسي السابق "مارك فيتسباتريك"، والذي كان
مسئولاً عن مكافحة انتشار الأسلحة النووية في وزارة الخارجية الأميركية.
2 – الإبقاء على منسوب
التوتر القائم بين طهران وواشنطن بعد قدوم الإدارة الأميركية الجديدة، وتعقيد أي مفاوضات
مستقبلية بين إيران وأميركا حول الملف النووي الإيراني، والحيلولة دون عودة إدارة
"بايدن" إلى الاتفاق النووي مع إيران، بما يحول دون خفضها، وتراجع
"الضغوط القصوى" الأميركية، التي بدأها "ترامب" كإستراتيجية شاملة
في مواجهة إيران، بعد الانسحاب من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018.
وهو ما يُصَعِّب المهمة أمام "بايدن" في
التعامل مع هذا الملف الذي بات محفوفاً بالمخاطر، عقب استهداف شخصية بحجم "زاده"،
بعد أقل من عام على تصفية أحد أبرز العقول العسكرية القوية في الجيش الإيراني
"سليماني".
ومن المرجح تسريع إسرائيل
عملياتها السرية ضد البرنامج النووي الإيراني في الفترة المتبقية من ولاية "ترامب"،
وأثناء إدارة "بايدن" المقبلة، في محاولة لجعل المفاوضات الأميركية الإيرانية
المحتملة أكثر صعوبة.
في المواقف تعتقد مجلة
"ستراتفور" الأميركية أن اغتيال "زاده" لن يؤثر مادياً على برنامج
إيران النووي، لكن اغتياله مؤشر هام على أن الولايات المتحدة وإسرائيل تُسَرِّعان إستراتيجيتهما
السرية ضد إيران في الأيام الأخيرة لإدارة "ترامب".
وعموماً، فالاغتيال
بحسب "روبرت مالي" مستشار "أوباما" في الملف الإيراني والمستشار
غير الرسمي لفريق "بايدن": يأتي في إطار سلسلة من التحركات التي تمت خلال
الأسابيع النهائية في ولاية "ترامب"، وتهدف إلى زيادة صعوبة مهمة "بايدن"،
المتعلقة بإعادة التواصل مع إيران.
سيناريوهات مفتوحة:
شبح الحرب:
يراهن التحالف
"الصهيوني الترمبي السعودي الإماراتي"، على بدء إيران بشن هجوم ضد إسرائيل،
ويوظف كل إمكانياته من أجل إشعال صراع أوسع يجذب أميركا، ما يؤدي إلى مواجهة بين أميركا
وإيران، كان "نتنياهو" يسعى إليها منذ فترة طويلة، وهي أكثر إلحاحاً الآن،
بعد أن تعرض "ترامب" للهزيمة أمام "بايدن"، وتزايد المخاوف من
إمكانية انغلاق الفرص المتاحة للحرب.
ويخشى هذا التحالف الشيطاني،
من أن تؤدي عملية اغتيال "زاده"، وغيرها من الهجمات والاغتيالات الصهيونية
المستقبلية المحتملة، واحتمالية حدوث أي تحول في تعاطي إدارة "بايدن" مع
الملف الإيراني، إلى تقوية موقف إيران وتضائل فرص انفتاحها على أي مفاوضات حول ملفات
الاشتباك الثلاثة – النووي والصاروخي والنفوذ الإقليمي.
ولذا يحاول رئيس الوزراء
الصهيوني بدعم مطلق من الرياض وأبو ظبي استغلال الفترة المتبقية من ولاية "ترامب"
لفعل كل ما في وسعه لإنقاذ سياسة "الضغط القصوى"، ويساعده "ترامب"
في ذلك من خلال إصدار عقوبات جديدة ضد طهران، والقوى الإقليمية القريبة منها، ولا يستبعد
المراقبون أن تذهب حكومة "ترامب" إلى أبعد من ذلك، بهدف إفساد فرص
"بايدن" في استئناف الدبلوماسية مع إيران، بدعوى أنّ إيران لا تزال تعمل
على صنع قنبلة نووية، وجر أميركا "بايدن" إلى الحرب دون خوف من العقاب.
فـ"نتنياهو"
غير مستعد لتأييد مسار أكثر اعتدالاً تجاه طهران، قد تسعى إليه إدارة "بايدن"،
وهو منذ سنوات، يعتبر نفسه في مهمة تلمودية مقدسة لردع إيران، ولهذا السبب، يبذل كل
ما في وسعه لمنعها من صنع قنبلة نووية، وحتى في ظل ولاية "بايدن"، من غير
المرجح أن يتغير شيء في هذا الشأن، حيث تقوم إسرائيل عادةً بفعل ما تراه ضرورياً لضمان
أمنها القومي.
التمهل والانتظار:
تُفَضِل إيران دوماً
استخدام سياسة "الصبر الاستراتيجي"، بمعنى التهدئة والانتظار إلى حين تسلم
الرئيس الأميركي الجديد "بايدن" مقاليد الحكم في بلاده في 20 يناير 2021،
للتعامل معه، من أجل التوصل لاتفاق أميركي إيراني جديد حول الملف النووي، يُعِيد الحياة
إلى اتفاق 2015، بعد عامين من انسحاب واشنطن منه، لكن هذا الخيار محفوفٌ بالكثير من
المخاطر، ودونه حقل طويل من الألغام السياسية.
وهناك آمال كبيرة في
أوساط دُعاة السلام والتعايش، في أن يتبع "بايدن" سياسة تحفز إيران لانتهاج
المسار الدبلوماسي، خصوصاً بعد اعترافه العلني في حوارٍ مع شبكة "سي إن إن"،
بتاريخ 4 ديسمبر 2020، تعقيد سياسة "ترامب" جهود منع إيران من امتلاك سلاح
نووي: "ما فعله ترامب هو دفع الإيرانيين لزيادة قدرتهم على امتلاك مواد نووية"،
متعهداً بعودة واشنطن للالتزام بالاتفاق النووي لعام 2015، إذا التزمت به إيران.
مرشحه لمنصب مساعد الرئيس
لشؤون الأمن القومي "جاك سوليفان"، في مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال"
بتاريخ 7 ديسمبر 2020، هو الأخر يرى أن العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة بشأن
برنامج إيران النووي، "ممكنة"، و"قابلة للتحقيق": سترسخ عودة الولايات
المتحدة إلى قائمة المشاركين في الاتفاق النووي، ورفع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها
إدارة "دونالد ترامب" ضد طهران، الأساس لـ "مفاوضات لاحقة" حول
مسائل أوسع.
بمجرد تسلم "بايدن"
الرئاسة سيتعين عليه التحرك بسرعة فائقة، للعودة إلى آليات الاتفاق النووي، إن كان
كما يزعم يريد التسريع بإبعاد إيران نوعاً ما عن امتلاك قنبلة نووية كبيرة، وكبح البرنامج
الصاروخي الإيراني الذي لا يشمله الاتفاق النووي، والحد من التدخلات الإيرانية في الشرق
الأوسط، وهي نفس أهداف الكيان الصهيوني.
وترجح مجلة "ستراتفور"
الأميركية توجه إدارة "بايدن"، للتفاوض مع إيران، للتوصل إلى اتفاق أولي
بشأن "الامتثال مقابل الامتثال'' في أوائل عام 2021 لتجنب حدوث أزمة، لكن يظل
التصعيد محتملاً، إذا لم يتمكن "بايدن" من الدخول بسرعة في المحادثات، وتقديم
تنازلات.
وفي حال قررت إدارة
"بايدن" فتح محادثات مع إيران، فستكون أمام معضلتين:
1 – مواجهة ضغط كبير
من الحزب الجمهوري، الذي سيرغب في الحفاظ على الإشراف، على أي نوع من تخفيف العقوبات،
مثل قانون المراجعة فيما يتعلق بخطة العمل الشاملة المشتركة، حتى لا يتم التفاوض مع
إيران تحت ضغط.
وسيكون هناك خلاف حتى
حول اتفاقية تجعل إيران تدخل من جديد في خطة العمل الشاملة المشتركة، لأن صقور واشنطن
يريدون استخدام نفوذ العقوبات لانتزاع تنازلات أخرى، مثل برنامج إيران الصاروخي ودعم
الوكلاء الإقليميين، حيث أصبحت هذه القضايا أكثر أهمية في نظرهم بسبب استخدام إيران
الموسع لتلك الإستراتيجية على مدى السنوات الخمس الماضية.
2 – الرفض الإيراني
للخوض في مفاوضات حول ملف الصواريخ، وإبداء الاستعداد للمفاوضات حول الملف النووي فقط،
شريطة عودة واشنطن الى الاتفاق النووي، ورفع العقوبات المفروضة على إيران دون شروط،
وتعويضها عما تكبدته منذ العام 2018، جراء إخلال واشنطن بالاتفاق النووي.
الرد المتحفظ:
تذهب التوقعات الى أنه
في حال كان هناك توتر بين "نتنياهو" و"بايدن" ما بعد 20 يناير
2021، فهذا قد يُمكِّن إيران من القيام بعمليات محدودة ضد إسرائيل، للرد على اغتيال
"زاده"، لكن مع ضمان ألا تؤدي الى إشعال حرب مفتوحة، لا يبدو أن أحداً مستعداً
لها.
الانتقام الإيراني من
إسرائيل على اغتيال "زاده" لن يكون محدوداً جغرافياً بالضرورة، وقد يأتي
بعد شهور أو حتى سنوات، كما رأينا في سلسلة الاغتيالات التي طالت علماء إيران النوويين
خلال الفترة "2010 - 2012"، جاء على شكل هجمات على دبلوماسيين إسرائيليين
في جورجيا والهند وتايلاند في العام 2012، بعد عامين تقريباً من الاغتيال الأول وهجوم
"ستوكسنت" على برنامج إيران النووي، وتشمل الخيارات الإيرانية المحتملة:
1 - الهجوم على الدبلوماسيين
والسفارات الإسرائيلية في الخارج.
2 - استهداف المصالح
الإسرائيلية في دول الخليج العربي.
3 – القيام بعمليات
"سيبرانية" كبيرة ضد إسرائيل، وهذا يشمل "تجنيد عناصر داخلية، في تل
أبيب"، كما حدث في العام 2019، عندما اتهم الكيان الصهيوني وزير الطاقة السابق
"غونين سيغيف" بالتخابر لصالح إيران.
4 - الهجمات الصاروخية
بما في ذلك صواريخ حلفاء إيران في أماكن مثل لبنان وسورية وفلسطين والعراق واليمن.
عملياً، أصدرت طهران
عدة قرارات كمرحلة أولية للرد على اغتيال "زاده"، تمثلت في:
1 - التهديد بإنهاء
التعامل مع الوكالة الدولية، وإخراج جميع مفتشيها، والانسحاب من الاتفاق النووي.
2 - إقرار مجلس الأمن
القومي الإيراني في 5 ديسمبر 2020 مشروع قانون "الإجراءات الإستراتيجية لإلغاء
العقوبات وحماية مصالح الأمة الإيرانية"، القاضي بتحرير طهران من التزاماتها النووية،
وتسريع الأنشطة النووية، رفع نسبة تخصيب اليورانيوم الى 20 %، وزيادة مخزونها من اليورانيوم
منخفض التخصيب.
وتتعارض النسبة المعلنة
مع الاتفاق النووي لعام 2015، والذي لا يسمح لطهران بتخصيب اليورانيوم بنسبة تفوق
3.67 %، وحتى الآن لم تتجاوز نسبة التخصيب 4.5 %، بزيادة بسيطة.
ومن المتوقع أن يؤدي
تركيب أجهزة الطرد المركزي الأكثر تقدماً إلى زيادة القدرة الإنتاجية لبرنامج التخصيب،
بعد أن كان المسموح لإيران بموجب اتفاق 2015، استخدام أجهزة طرد مركزي قديمة من الجيل
الأول، ذات قدرات محدودة فقط.
وسيكون إنتاج معدن اليورانيوم،
بحسب توقعات مجلة "ستراتفور" الأميركية، مقلقاً أيضاً، لأن التطبيق الرئيسي
لمعدن اليورانيوم يكمن في الرؤوس الحربية النووية، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت
إيران ستعيد تشغيل جانب الأسلحة في برنامجها النووي، الذي كان يترأسه "زاده"،
والذي تم تعليقه إلى حد كبير وفق كل المعلومات المعلنة لما يقرب من عقدين.
كما سيؤدي تعليق
"البروتوكول الإضافي للاتفاق النووي" إلى عدم قدرة أميركا وأوربا على مراقبة
كل هذه التطورات، مما يجعل الوضع يذكرنا بعامي 2011 و2012، عندما كان الهجوم على المنشآت
النووية الإيرانية احتمالاً واقعياً للغاية، قبل أن تبدأ المحادثات بين إيران وأميركا.
ومن المستبعد إعلان
إيران رسمياً الانسحاب من الاتفاق النووي، لأنها خارج الاتفاق بشكل ضمني منذ العام
2019، واللجوء إلى هكذا خطوة حالياً، سيؤدي إلى خسارة كل الجهود الأوربية والروسية
والصينية التي تقدم لها دعماً شكلياً وإعلامياً وسياسياً.
ودأبت إيران على تحويل
مفاعل "أراك" للمياه الثقيلة إلى مفاعل يعمل بالماء الخفيف بموجب الاتفاق
النووي، لكن التراجع عن ذلك من شأنه إثارة قلق الغرب، لأن التصميم الأصلي يمكنه إنتاج
"البلوتونيوم" كمنتج ثانوي، وهو ما يمكن استخدامه في سلاح نووي.
ووفقاً لقانون
"إلغاء العقوبات"، ستنسحب إيران أيضاً من "البروتوكول الإضافي"،
إذا فشلت أطراف الاتفاق في اتخاذ خطوات حول عودة العلاقات المصرفية الإيرانية وصادرات
النفط إلى طبيعتها في غضون شهرين.
كما يسعى لمنع مفتشي
الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الوصول إلى المواقع النووية الإيرانية في حالة عدم
تلبية المحادثات للتوقعات الإيرانية.
ومع ذلك، فإن الغموض
في القانون والخيارات السياسية المتاحة للمجلس الأعلى للأمن القومي ومرشد الثورة الإسلامية
السيد "علي خامنئي"، يشير إلى أن طهران ستختار كيفية ممارسة أحكام القانون،
اعتماداً على مدى التقدم مع أميركا وأوربا بشأن مأزق العقوبات.
لكن في حال تم تنفيذ
قانون "إلغاء العقوبات" بالكامل قبل 20 يناير 2021، فسيضع الملف النووي الإيراني
على أعتاب أزمة في غضون المائة يوم الأولى من إدارة "بايدن"، لأن التحركات
التي تتخذها إيران بموجب القانون، ستهدف إلى الحد بشكل كبير من عوائق الاختراق النووي
الإيراني، وهو الوقت الذي ستستغرقه إيران لإنتاج ما يكفي من المواد الحربية من أجل
سلاح واحد، وفي هذه الحالة قد يوقع "ترامب" أيضاً على توجيه ضربة استباقية
ضد منشأة إيرانية مثل "أصفهان" أو "نطنز" أو "فوردو"
لوقف ذلك.
المراجع:
1 - تريتا بارسي، شبح
الحرب.. ماذا بعد اغتيال العالم النووي الإيراني فخري زادة؟، مجلة ريسبونسيبل ستيت
كرافت الأميركية، ترجمة الخليج الجديد، 28 نوفمبر 2020
2- زكريا أبو سليسل،
إسرائيل في الوقت الضائع: اعتداء أمني في طهران، الأخبار اللبنانية، 28 نوفمبر
2020
3 - د. عدنان منصور،
اغتيال إسرائيل للعلماء النوويّين الإيرانيّين ليس مفاجأة.. فأين الحماية، البناء اللبنانية،
28 نوفمبر 2020
4 - عماد عنان، اغتيال
فخري زاده.. 3 أهداف ورسالة وشكوك بشأن الرد الإيراني، نون بوست، 28 نوفمبر 2020
5 - محمد محسن أبو النور،
3 سيناريوهات متوقعة لرد إيران على اغتيال زاده، سبوتنيك عربي، 30 نوفمبر 2020
6 - فرح الزمان شوقي،
اغتيال علماء الذرة.. حرب إسرائيل المستمرة ضد إيران، العربي الجديد، 19 مايو 2015
7 - أورينت نت، ماذا
يعني اغتيال كبير علماء إيران النوويين في المواجهة مع أميركا وإسرائيل؟، 28 نوفمبر
2020
8 - الخليج الجديد،
مجلس الأمن القومي بإيران يقر قانونا يلغي الالتزامات النووية، 5 ديسمبر 2020
9 - الشارع السياسي
المصري، اغتيال العالم النووي الإيراني "محسن زاده" – الرسائل والتداعيات
وسيناريوهات المستقبل، 3 ديسمبر 2020
10 - القدس العربي،
موقع ذا هيل: تفاصيل جديدة في عملية الاغتيال الإسرائيلية للعالم النووي الإيراني،
27 نوفمبر 2020
11 - الموسوعة الدولية
الحرة "ويكيبيديا"، اغتيال العلماء النوويين الإيرانيين.
12 - بي بي سي البريطانية،
اغتيال محسن فخري زادة: إيران تتهم إسرائيل متوعدة برد "كالرعد في الوقت المناسب"،
28 نوفمبر 2020
13 - روسيا اليوم، مساعد
بايدن: من الممكن عودة واشنطن للاتفاق النووي مع إيران، 8 ديسمبر2020
14 - مجلة ستراتفور
الأميركية: كيف سترد إيران على اغتيال فخري زاده؟، 28 نوفمبر 2020
وكذا: تفعيل إيران للقانون
النووي الجديد يهدد بضربة عسكرية من ترامب، ترجمة الخليج الجديد، 6 ديسمبر 2020
15 - نيويورك تايمز،
الموساد وراء اغتيال فخري زاده بطهران، ترجمة الخليج الجديد، 27 نوفمبر 2020
16 - يورونيوز، اغتيالات استهدفت علماء نوويين إيرانيين والاتهام لإسرائيل دائم، 28 نوفمبر 2020