Translate

الاثنين، 25 يناير 2021

من الإرهابي أحرار اليمن أم رُعاة الإرهاب؟


زيد يحيى المحبشي، 25 يناير 2021

منذ اليوم الأول لانطلاق العاصفة العبرية، وتحالف العار السعودي الإماراتي يطالب الأمم "الملتحدة" والبيت الأسود بتجريم حركة أنصار الله، وضمها إلى القائمة السوداء، وقدموا من أجل الفوز بهذه الغاية الدنيئة أموالاً طائلة لإدارة "ترامب"، أينعت شجرتها الخبيثة عدداً من القرارات الأممية المتضمنة سيلاً من العقوبات على حركة "أنصار الله" وقادة الثورة اليمنية المباركة، وهي قرارات ليس لها أي قيمة ولا أي تأثير، فقادة الحركة والثورة مجرد يمنيين بسطاء من عامة الناس، ليس لديهم شركات فرعون البيت الأسود يخافون تضررها، ولا أرصدة قارون الدرعية يخافون تجميدها.

وطوال سنوات العدوان لم تكن العلاقة الملوكية بين أموال الدرعية وأساطين البيت الأسود بخافية على أحد، وهو ما وفر مظلة سياسية للعدوان السافر على اليمن، ودِرعاً واقياً ضد سهام المنظمات الحقوقية المنددة بجرائم التحالف بحق اليمنيين، وفي كل تفاصيل العدوان كانت إدارة "ترامب" حاضرة بقوة السلاح والسياسة والتخطيط والتوجيه والتغطية والتستر والتبرير، مقابل مئات المليارات من الدولارات.

ولم يكن مفاجئاً لأحد إعلان وزير الخارجية الأميركي، في إدارة "ترامب" الآفلة قبل أسبوع واحد من انتهاء ولاية مرؤوسه، وتحديداً في 10 يناير 2021، نية إدارته إبلاغ الكونغرس بتصنيف حركة "أنصار الله" تنظيماً إرهابياً أجنبيا، ووضع قائد الثورة اليمنية السيد عبدالملك الحوثي، وقائد المنطقة العسكرية المركزية اللواء عبدالخالق الحوثي، ورئيس هيئة الاستخبارات والاستطلاع اللواء عبدالله يحيى الحاكم في قائمة المطرودين من جنة البيت الأسود.

وفي 19 يناير 2021، قدم الوزير الفلتة خطته الجهنمية إلى الكونجرس الأميركي، ليدخل معها القرار حيز التنفيذ، ويمنح القانون الأميركي، الكونجرس 7 أيام لمعارضة قرار تصنيف أي جماعة أجنبية كجماعة إرهابية، أو المصادقة، وبما أن إخطاره بقرار ضم "أنصار الله" إلى القائمة السوداء كان في 19 يناير 2021، أي قبل يوم واحد من تنصيب الرئيس المنتخب "جو بايدن"، لكن انشغاله بقضايا أخرى، لا سيما قضية عزل الرئيس الأميركي الأسبق ترامب، جعله يمنح الأولوية لقضايا الداخل الأميركي ليبقى مصير قرار تصنيف أنصار الله مفتوحا على كل الاحتمالات.

وحتى لو لم تعمل إدارة بايدن على إبطال هذا التصنيف، فما ستحصل عليه دول العدوان هو "دعاية" جديدة لتبرير استمرار الحرب على اليمن، بحسب ناطق حكومة الإنقاذ الوطنية اليمنية "ضيف الله الشامي": هذه الخطوة الأميركية تقطع الطريق أمام إيقاف العدوان والحصار.

وأصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، في 20 يناير 2021، عدداً من التراخيص العامة المتعلقة بالجوانب الإنسانية في اليمن، شملت إعفاءات لأنشطة منظمات إغاثية معيّنة من بينها الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومنظمات غير حكومية تدعم المشاريع الإنسانية، ومعاملات معينة تتعلق بتصدير أو إعادة تصدير السلع الزراعية، والأدوية، والأجهزة الطبية، وقطع الغيار والمكونات للأجهزة الطبية، أو تحديثات برامج للأجهزة الطبية إلى اليمن.

ورغم ذلك، يُتوقّع أن يُعرقل التصنيف الكثير من التعاملات مع أنصار الله، بما فيها التحويلات المالية، والدفعات المالية للطواقم الطبية والمواد الغذائية والمحروقات، خوفاً من التعرّض للعقوبات الأميركية.

مبررات القرار كالعادة لا جديد فيها، ووقائع الميدان لا جديد فيها يدعو لهكذا خطوة غير محسوبة العواقب، وغير مبررة، وحتى ديباجة الإعلان بدت مرتبكة، ومبهمة، وحافلة بالتناقضات، بما في ذلك ربط القرار بالحفاظ على وحدة وسيادة وسلامة اليمن، التي يعملون للسنة السادسة على التوالي على تقطيعها وتمزيقها، وإجبار حركة أنصار الله على التفاوض وتقديم التنازلات، ولا ندري عن أي سلام يتحدثون وهم يُجَرِّمُون فصيلاً يمثل أكثر من 45 % من الشعب اليمني، وكيف لهم أن يطالبوه بالعودة إلى طاولة الحوار، ويُجَرِّمُوه في ذات الوقت، وكيف له العودة وهو مُجَرّم، ثم من يُصدر قراراً كهذا ضد حركة مقاومة وطنية تقاوم الغزاة والمحتلين، عن أي تنازلات يتحدث، وهو يدفع بكل ما أُوتِّي من قوة لتقسيم البلاد وتدنيس سيادتها وتبرير جرائم أدواته الإقليمية بحق شبعها الأعزل المظلوم.

العجيبة الثانية من عجائب الإجراء الأميركي الجائر، تبرير هذا التوجه بالضغط على إيران من البوابة اليمنية، فأين هي إيران وأين هي اليمن، وهو تبرير استهلاكي ودعائي ممجوج وساقط سقوط إدارة السفاح ترامب.

العجيبة الثالثة إقرار وزير ترامب الهُمام بوجود مخاوف من أن يكون للتصنيف "تأثير على الوضع الإنساني في اليمن"، لكنه أكد أن الولايات المتحدة ستضع تدابير للحد من تأثيرها، طيب ما دمتم مُقِرُّون بأن له تأثير على الوضع الإنساني، لما تم إقراره من الأساس، أم أن لأموال أعراب التحالف مفعولها السحري؟.

الأكاديمي العراقي الدكتور محمد العبادي في تعليقه على هذا الإجراء التعسفي أكد عدم وجود أي منطق أخلاقي أو إنساني خلفه سوى رائحة المال، لأنهم يتحدثون عن فرض عقوبات وتصنيف للحركة من دون تقديم أدلة تستند إلى حقائق، وكل ما قدمه هذا الوزير وجوقته هو تبريرات سياسية سمجة فيها تعبيرات عن الإفلاس، كما أن جلسة الإحاطة ومداولاتها مع المسؤولين في الخارجية والخزانة الأميركية داخل الكونجرس، كانت جلسة فيها إثارة وجدل، وقد اُتهموا بالكذب على أعضاء الكونجرس، ولم يُقدموا معلومات تُذكر عن الكيفية التي سيقومون بها في إيصال إمدادات الإغاثة لليمن.

القرار في طابعه العام زاوج بين المال والسياسة، فوزير خارجية ترامب يريد تحسين وضعه ونيل شطراً من حليب الرياض وأبو ظبي، بتقديم خدمة أخيرة لهم قبل رحيل إدارة ترامب حتى وإن لم تكن مجدية، وتقديم خدمة لإسرائيل وحلفائها في الخليج بزيادة الضغط على إيران من بوابة حركات المقاومة والممانعة بمحور المقاومة، وبالتالي تلغيم الملفات التي ستتسلمها إدارة "بايدن"، الذي يريد تخفيف العقوبات على إيران والعودة إلى الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب، وتصعيب الأمور لوجستياً وسياسياً عليه، خصوصاً فيما يتعلق بعملية السلام في اليمن

 

التداعيات والتأثيرات:

يرى موقع وكالة "سبوتنيك" الروسية في مقال بعنوان "ماذا بعد تصنيف أميركا أنصار الله حركة إرهابية" نُشر بتاريخ 12 يناير 2021، أن القرار الأميركي سيُعقد المشهد اليمني، ويُؤخر العملية السلمية، ووقف الحرب، ولن يكون له تأثير يذكر على حركة أنصار الله، ولن تستفيد منه الحكومة الموالية للتحالف، وهو قرار مليء بالمتناقضات، ففي الوقت الذي يصنف فيه حركة أنصار الله، جماعة إرهابية يدعوها للتفاوض، والجمع بين المتناقضات واحدة من عجائب السياسة الخارجية لإدارة ترامب الآفلة.

إذن فنحن أمام تداعيات إنسانية وسياسية، كلها تقود إلى المجهول، بدلالة تزايد الأصوات المنددة بالإجراء الأميركي والمطالبة بإلغائه.

 

1 - التداعيات الإنسانية:

الجانب الإنساني هو الأكثر تضرراً من القرار الأميركي، ويضع على عاتق المنظمات الدولية والدول الكبرى ثِقلاً كبيراً، مع وصف الأمم المتحدة ما يحدث في اليمن بأنه أكبر أزمة إنسانية في العالم، في ظل تزايد مخاوف المنظمات الإنسانية والشركات التجارية المتعاملة مع حكومة الإنقاذ الوطني.

فالتصنيف الأميركي يعيق الأطراف الخارجية بما فيها المنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني من التعامل مع السلطات في صنعاء، مما قد يحول دون وصول تحويلات بنكية، ويُعيق عمليات شراء مواد غذائية ووقود، وذلك خوفاً من الملاحقة الأميركية، ويعرقل المساعدة الإنسانية، ويشل إيصالها عبر قطع التواصل مع المسؤولين في حكومة الإنقاذ، إضافة إلى جباية الضرائب واستخدام النظام المصرفي وسداد رواتب الطواقم الطبية وشراء المواد الغذائية والنفط ..ألخ.

ولذا ترى منظمات الإغاثة أن "أي تصنيف لأنصار الله يجب على الأقل أن يتضمن إعفاءات واضحة وفورية للمساعدات الإنسانية"، وحتى هذه الإعفاءات لن تحل المشكلة، ما لم تشمل تسهيل أعمال القطاع التجاري الخاص في اليمن، لأن المنظمات عامل مساعد، وليس بديلاً عن القطاع التجاري اليمني، في التخفيف من التداعيات الإنسانية في بلد يعاني من مجاعة هي الأسوأ في العالم منذ 40 عاماً.

 

2 - التداعيات السياسية:

يهدف القرار بدرجة رئيسية ليس للضغط على أنصار الله للعودة إلى طاولة المفاوضات وتقديم التنازلات، بل العمل على الحد من التواصل الدبلوماسي الغربي مع حركة أنصار الله، وإعاقة عملية المفاوضات السياسية لحل الملف اليمني، وبالتالي نسف كل الجهود الأممية لإعادة السلام الى اليمن، وقطع الطريق على إدارة "جو بايدن" التي وعدت بإيقاف الحرب في اليمن، وحل الملف اليمني، وإعادة النظر في بيع السلاح للسعودية.

 

مصداقية أنصار الله:

على عكس ما خططت له إدارة ترامب يرى السفير الأميركي المتقاعد "ريان كروكر" – وهو أحد الذين خدموا في الشرق الأوسط، في تعليقه على قرار تصنيف أنصار الله جماعة إرهابية: هذا لا يحقق أي فائدة على الإطلاق.

ومعلوم إن حركة أنصار الله لم تأتي من خارج النسيج الوطني بل أتت من أوساط اليمنيين، وهي حركة وطنية تحررية، ويمنية الهوى والهوية، لا أحد يزايد على وطنيتها ومشروعية نضالها ضد الغزاة والمحتلين، لذا فمن شأن التصنيف الأميركي منحها قوة إضافية للتمسك بمواقفها الوطنية وتجاهل المطالب والضغوط الدولية لتقديم تنازلات لإنهاء الحرب، وربما إيقاف المفاوضات مع حكومة الفنادق، التي ترعاها الأمم المتحدة.

ومن غير المرجح أن يؤدي التصنيف للجانب الذي يربح على الأرض – أنصار الله - إلى تقدُّم مفاجئ في المفاوضات والمعارك بشهادة الباحث في معهد "بروكينغز" الأميركي، "جورجيو دي جونسنفي".

الكاتب الأميركي "ميشيل هورتون" هو الأخر يؤكد بأن: تصنيف "أنصار الله" بالمنظمة "الإرهابية" لن يُحقّق الكثير على الإطلاق، لكنه قد يُقوّي "الحوثيين" من خلال إثبات "صوابية" خطابهم. 

حركة "أنصار الله" تُقدِّم نفسها على أنها تدافع عن اليمن ضد العدوان الخارجي والمجموعات الإرهابية مثل تنظيم "القاعدة"، "ذلك ليس بعيداً عن الحقيقة"، "أنصار الله" أعداء لتنظيمَي "القاعدة" و"داعش"، وهم منعوا هذيْن التنظيمَيْن من دخول المناطق التي يسيطرون عليها.

المفارقة أن حركة "أنصار الله" تحارب "القاعدة" و"داعش"، في حين أن الإمارات تغضّ الطرف عن هذه التنظيمات الإرهابية.

 ولنا هنا أن نتساءل عطفاً على كلام "هورتون": من هو الإرهاب، الذي يقاتل الإرهاب أم الذي يرعاه ويدعمه ويغض الطرف عنه .. ومن الأحق منهما بالتصنيف الأميركي  .. مالكم كيف تحكمون؟.

التصنيف الإرهابي بحق "أنصار الله" قد يؤدي إلى انهيار المفاوضات غير الرسمية بين الحركة والسعودية وما يسمى "حكومة عبدربه منصور هادي"، لكن لن يكون له تأثير يُذكر على قدرة أنصار الله على مواصلة القتال في اليمن، واعتماد هذا التصنيف قد يدفع بالحركة إلى أحضان إيران.

فحزب الله في لبنان - كنموذج - تمكن من تطوير قدراته رغم قيام واشنطن بتصنيفه بالمنظمة الإرهابية عام 1997، كما قام بتعميق علاقاته مع إيران بعد ذلك.

ويضع "هورتون" مقاربة بديلة تتضمن تشجيع المفاوضات "عبر القنوات الخلْفية" بين السعودية و"أنصار الله"، وتكثيف الضغوط عليهم عبر سلطنة عمان وقوى إقليمية أخرى.

 

إفلاس تحالف العاصفة:

التحالف العبري وحكومة الفنادق اعتبرت التصنيف الأميركي هدية الوداع من إدارة ترامب قبل رحيله، على أمل أن يحقق التصنيف ما عجزت عن تحقيقه الترسانة العسكرية والمفاوضات السياسية، ولذا اعتبرته الرياض على لسان سفيرها في الأمم المتحدة، "عبدالله المعلمي"، "خطوة إيجابية"، في محاولة للفت أنظار المجتمع الدولي للتعاطف معها وإنقاذها من صواريخ أحرار اليمن، وهي محاولة عبثية لن يُكتب لها النجاح، وقد جربوا ذلك سابقاً فكان الخزي والعار مكسبهم الوحيد.

وقرار التصنيف الأميركي هو عامل إضافي لكشف مدى إفلاس دول العدوان وغرقها في مستنقع اليمن، لذا فهي تحاول التمسك بـ"قشة" التصنيف؛ أملاً في الحصول على دعم دولي لإنقاذها من فشلها العسكري الفاضح، في الوقت الذي تُحبط المواقف الدولية ومواقف الداخل الأميركي هذه الآمال، ويعود الضوء مُسلطاً على انعدام الخيارات ذات الفعالية أمام تحالف العدوان، بينما تزداد إنجازات صنعاء وتتطور قدراتها أكثر فأكثر، ويبقى النصر والتمكين حليف أصحاب الحق والأرض، والخزي والعار للغزاة والمعتدين ومن تحالف معهم من أبناء اليمن المنفوثين منها كما تنفث النار خبثها.

 

الأصداء والمواقف:

تباينت المواقف الدولية والمحلية من قرار إدارة الرئيس الأميركي الأسبق "دونالد ترامب"، الخاص بتصنيف حركة أنصار الله، جماعة إرهابية أجنبية، ما بين منتقد ومندد ومطالب بمراجعته وإلغائه.

وهو واحداً من رزمة قرارات أصدرتها هذه الإدارة الهمجية قبل رحيلها، واستهدفت بشكل سافر محور المقاومة والممانعة وأحرار العالم أفراداً وحركات ودول، بالتوازي مع انكشاف وإفلاس محور العمالة والتطبيع والإنبطاح والركوع والخنوع، عسكرياً وسياسياً وأخلاقياً وإنسانيا، ما جعل قرارات ضم مكونات الفعل الثوري والتحرري في محور المقاومة إلى القائمة السوداء لإمبراطورية الإرهاب الإمبريالي العالمي، خطوة مكشوفة الهدف، غايتها التغطية على عوار عملائها في المنطقة، وخدمة جليلة لربيبتها الصهيونية.

ورغم تصدر الأمم المتحدة بمنظماتها المختلفة قائمة الناقدين لهذا القرار الهمجي، لكنها لم تُقدم أي بديل عملي لتجاوز مفاعيله، وحلحلة عُقده، في حين لا تزال آلية تعاطي الإدارة الأميركية الجديدة مع الملف اليمني غير واضحة المعالم، ولا نتوقع حدوث تغييرات جوهرية في تعاطي إدارة بايدن مع الملف اليمني، باستثناء بعض الرتوش التجميلية لوجه تمثال الحرية القميئ.

 

1 - الأمم المتحدة:

للمرة الأولى في تاريخها الانهزامي تنتقد تصرفات الولايات المتحدة بصورة واضحة وصريحة، مُطالبة واشنطن بالتراجع عن قرار تصنيف حركة أنصار الله جماعة إرهابية أجنبية وإلغائه، ومُحذرة على لسان أمينها العام "أنطونيو غوتيريش"، من عواقب التصنيف: إن اليمن في خطر وشيك بدخول أسوأ مجاعة يشهدها العالم منذ عقود.

وأكد المتحدث باسم مكتبه، "ستيفان ديوجاريك" أن تنفيذ القرار الأميركي سيؤدي على "الأرجح" إلى "تداعيات إنسانية وسياسية خطيرة"، مطالباً واشنطن بسرعة إصدار "التراخيص والاستثناءات الضرورية، لضمان استمرار وصول المساعدات الإنسانية اللازمة إلى كل الناس دون انقطاعات".

فواردات الأغذية وغيرها من المواد الأساسية قد تتأثر سلباً، في وقت يتضور فيه المزيد من اليمنيين جوعاً، لكن العملية الإنسانية الضخمة في هذا البلد، وهي الأكبر في العالم، لا يمكن أن تحل محل القطاع الخاص أو تعوض عن الانخفاضات الكبيرة في الواردات التجارية، يمكن فقط للقطاع الخاص مواصلة العمل من أجل درء الانهيار الاقتصادي الكامل والمجاعة واسعة النطاق.

كما لقرار التصنيف تأثير سلبي على الجهود الرامية إلى استئناف العملية السياسية في اليمن، ويؤدي إلى مزيد من الاستقطاب في مواقف أطراف النزاع.

وتعهد بأن تواصل المنظمة الدولية العمل مع جميع الأطراف "لاستئناف ومواصلة عملية سياسية شاملة، للتوصل إلى تسوية تفاوضية شاملة لإنهاء الصراع"؟!.

وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ "مارك لوكوك" في مداخلة أمام مجلس الأمن بتاريخ 14 يناير 2021 لم يخفِ مخاوفه من تسبب التصنيف في حدوث "مجاعة على نطاق لم يشهده العالم منذ ما يقرب من 40 عاماً"، فالتصنيف قد يكون القشة الأخيرة التي تنقل اليمن من مجاعة محدودة، إلى مجاعة ضخمة بالفعل.

كما أنّ منح الوكالات الإنسانية إعفاءات لتوصيل المواد الأساسية إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، لن يساعد في تفادي الكارثة.

هناك نحو 50 ألف يمني يعانون من الجوع لدرجة الموت، ما يعني مجاعة على نطاق صغير، و5 ملايين شخص باتوا على عتبة المجاعة، والإجراءات المقترحة من قبل الإدارة الأميركية – السابقة - لن تساعد في تفادي المجاعة، في بلد يستورد 90 % من احتياجاته الغذائية، حيث تشير التقديرات إلى أنّ 16 مليون شخص من سكان اليمن يعانون من الجوع بالفعل، وما يساعد في تفادي المجاعة، هو تراجع الولايات المتحدة عن التصنيف.

ومعلومٌ أن معظم المواد الغذائية في اليمن، مستوردة عبر القنوات التجارية، لذا لا يمكن لوكالات الإغاثة – المستثناة من القرار الأميركي - أن تصير بديلة عن منظومة الاستيراد التجاري.

وكشف عن مبادرة بعض الموردين، والمصارف، وشركات الشحن والتأمين، إلى إخطار شركائهم اليمنيين بأنّهم "يخططون لمغادرة اليمن بالكامل"، لأنهم يخشون "المخاطرة الكبيرة" أو مواجهة مشاكل بسبب "الإجراءات التنظيمية الأميركية، ما قد يتسبّب في إفلاسهم أو سجنهم".

ويقدّر التجار الراغبون في مواصلة العمل، بأن ترتفع التكاليف بنحو 400 %، ما قد يجعل الغذاء باهظ الثمن بالنسبة لعدد كبير من اليمنيين.

وبدوره أبدى مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، "مارتن غريفيث"، في احاطته إلى مجلس الأمن، 14 يناير 2021، تأييده المطلق لموقف الوكيل المساعد للأمم المتحدة البريطاني "مارك لوكوك"، وطالب واشنطن بالتراجع عن القرار في أقرب فرصة ممكنة لأسبابٍ إنسانية، كما أبدى مخاوفه من أن يؤدي القرار الأميركي إلى إبطاء وعرقلة عمل بعثة السلام الأممية في إحداث تقارب بين الأطراف اليمنية.

وتتحدث أرقام صادرة عن الأمم المتحدة في ديسمبر 2020، عن مقتل أكثر من 230 ألف يمني في الحرب، معظمهم بسبب نقص الغذاء والخدمات الصحية والبنى التحتية، ونزوح نحو 3.3 ملايين شخص، وترك بلداً بأسره على شفا المجاعة، وحدوث "أسوأ كارثة إنسانية في العالم"، نظراً لكون 80 % من السكان بحاجة لمساعدة أو حماية، ومعاناة أكثر من مليوني طفل من سوء التغذية الحاد.

 

2 - المنظمات والوكالات الإغاثية:

لم يختلف موقفها عن موقف الأمم المتحدة، وكان لافتاً فيها وصف مدير برنامج الأغذية العالمي، والحائز على جائزة نوبل للسلام عام 2020، الأميركي "ديفيد بيسلي"، القرار الأميركي بالـ "كارثة": ما الذي تعتقدون أنه سيحدث لخمسة ملايين شخص مصنفين حالياً على أنهم في وضع طارئ؟، سوف يتراجع وضعهم إلى حالة المجاعة، نحن الآن نكافح ضد التصنيف – الذي - سيكون كارثياً، سيكون حرفياً "حكماً بالإعدام" على مئات الآلاف إن لم يكن الملايين من الأبرياء في اليمن، يجب إعادة التفكير في هذا التصنيف، وبصراحة إلغاؤه.

اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن، في بيان لها دعت واشنطن إلى ضرورة أن تضع في اعتبارها العواقب الإنسانية وأن تتخذ خطوات، من قبيل منح استثناءات للأعمال الإنسانية، للتخفيف من أي أثر سلبي على السكان المتضررين وعلى الأعمال الإنسانية غير المتحيزة.

وسبق لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" الأميركية وأن حذرت في تقرير لها بتاريخ 11 ديسمبر 2020 من تداعيات أي تصنيف أميركي لحركة أنصار الله، لأن "العديد من اليمنيين باتوا على شفا المجاعة بالفعل، والتحركات الأميركية التي تتداخل مع عمل منظمات الإغاثة ستكون لها تداعياتٌ كارثية".

وفي نوفمبر 2020 أكد الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، "يان إغلاند" على ضرورة أن تكون منظمات الإغاثة قادرة على التفاوض مع كل الأطراف في كل الصراعات بشأن وصول المساعدات وحماية المدنيين، ولا بديل من التعامل مع حكومة الإنقاذ الوطني بصنعاء، ولا يجوز تجريم أو عرقلة العمل في المجال الإنساني، تحت إي اعتبارات كانت، فالوضع الإنساني في اليمن مُزري بالفعل بحسب مدير المجلس في اليمن "محمد عبدي"، وخطوة واشنطن "ستعرقل قدرة وكالات الإغاثة على الاستجابة".

فالقرار "سياسة خطرة وغير مُجدية، تعرض حياة الأبرياء للخطر"، بحسب منظمة "أوكسفام" الخيرية الدولية، وستترتب عليه عواقب تطال كل أنحاء البلاد التي تعاني من الجوع والأوبئة.

 

3 - روسيا والإتحاد الأوربي:

استنكرت القرار العديد من الدول من أبرزها روسيا والمكسيك والنيجر وبريطانيا، وإيران والاتحاد الأوربي، ..، وطالب بعضها بإلغائه، كما هو موقف روسيا والاتحاد الأوربي، خوفاً من تداعياته السلبية على المساعدات الإنسانية والجهود الرامية لإطلاق عملية السلام في اليمن، بحسب المندوب الروسي في مجلس الأمن، واصفاً القرار بأنه "خطأ لا يُغتفر"، بينما اعتبره الرئيس التنفيذي للجنة الإنقاذ الدولية "ديفيد ميليباند"، "تخريب دبلوماسي محض".

ومن جهته أكد الاتحاد الأوربي أنه سيواصل الدعوة للحوار بين كل أطراف الصراع في اليمن.

 

4 - الإدارة الأميركية الجديدة:

تعهّد فريق الرئيس الأميركي الجديد "جو بايدن" بإعادة النظر فوراً بقرار تصنيف حركة أنصار الله اليمنية منظمة إرهابية، ويتطلع مستشاروه إلى إنهاء حرب اليمن، وهي نوايا طيبة لكن آلية التنفيذ محاطة بهالة كبيرة من علامات الاستفهام والتعجب والغموض.

وكان 25 من أبرز المشرعين الأميركيين قد أخطروا في 19 يناير 2021 وزير خارجية "ترامب" من خطورة قرار تصنيف أنصار الله في تقويض أعمال الإغاثة الإنسانية، والجهود الرامية للتوصل إلى حلٍ سلمي في اليمن، واعتبر  السيناتور الديمقراطي "كريس مورفي" "تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، حكم بالإعدام على آلاف اليمنيين".

واستهجنوا قيام إدارة ترامب باتخاذ هذه الخطوة في أيامها الأخيرة، في إشارة إلى أنها خطوة "سياسية " تأتي ضمن صفقات خاصة بهذه الإدارة، وهو ما كشفته مختلف المؤشرات والتداعيات المصاحبة لهذا القرار الكارثي، ودعوا إلى التراجع سريعاً عن هذه الخطوة.

وأكد مستشار الأمن القومي في إدارة بايدن، "جيك سوليفان" زيادة قرار التصنيف معاناة اليمنيين، وعرقلت كـل الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب.

وتعهد وزير خارجية بايدن، "أنتوني بلينكن" في 19 يناير 2021 بإعادة النظر فوراً بقرار وزير الخارجية المنتهية ولايته "مايك بومبيو" تصنيف أنصار الله منظمة إرهابية: سنقترح إعادة النظر فوراً بهذا القرار لضمان عدم إعاقة وصول المساعدات الإنسانية، وأوضح الرئيس المنتخب أنّنا سننهي دعمنا للحملة العسكرية في اليمن، سنفعل ذلك بسرعة كبيرة.

وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية في إدارة "بايدن" في 22 يناير 2021 أن الوزارة بدأت في مراجعة تصنيف حركة أنصار الله في اليمن، منظمة إرهابية، وتعمل بأسرع ما يمكن لإنهاء العملية واتخاذ القرار.

نظرياً، يمكن لوزير خارجية "بايدن" إلغاء التصنيف إذا ما انتفت أسباب صدوره، لكن هذا غير وارد كما هو واضح من تصريحات "أنتوني بلينكن"، فهو يُحَمّل أنصار الله "مسؤولية كبيرة" عن الأزمة الإنسانية في اليمن، وفي ذات الوقت يقول أّن الحملة العسكرية للتحالف العبري "ساهمت بشكل كبير في هذا الوضع"، وهو بذلك يساوي بين الضحية والجلاد، والجمع بين المتناقضات من عجائب الإدارات الأميركية المتعاقبة، بما يفتح أبواب المساومة والمتاجرة على مصراعيها.

كما أن الرئيس الأميركي المنتخب "جو بادين"، هو الأخر بإمكانه إلغاء قرار التصنيف الجائر، لكن قرار الإلغاء يتطلب مراجعة قانونية تستغرق أشهراً في العادة بحسب القوانين الأميركية، ما يعني التسويف والمماطلة، وما بينهما استمرار المتاجرة بمآسي اليمنيين، واستمرار التغطية على جرائم التحالف العبري بحق اليمنيين ما دامت عطاياه لراعي البقر الجديد مستمرة، وربما يكون "بايدن" أكثر نهماً وشبقاً على حليب بقر الخليج من إدارة سلفه.

وفي المحصلة لا نتوقع تراجعاً سريعاً لإدارة "بايدن" عن هذا القرار التعسفي، وإنما إصدار حزمة من القرارات لتخفيف القيود عن منظمات الإغاثة، وأتاحت المجال أمام الكونجرس للتعاطي مع ملفات المنطقة، بعد أن كان "ترامب" يقطع عليه أنفاسه، ولا نتوقع حدوث تغييرات ذات أهمية في علاقة الإدارة الأميركية مع حلفائها العتيدين في المنطقة وبالأصح أدواتها الإقليمية القذرة، وفي مقدمتهم السعودية والإمارات، ما دامت علاقة هذه الدول في تحسُّن مستمر مع الكيان الصهيوني، وقد قالها "بايدن" صراحة: "أنا صهيوني أكثر من الصهاينة".

 

5 - أحرار صنعاء:

دانت السلطات في صنعاء ممثلة بالمجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ الوطني وأطياف الفعل السياسي والمكونات المجتمعية المختلفة القرار الأميركي التعسفي الظالم، وأكدت احتفاظها بحق الرد المشروع، أمام أي تصنيف ينطلق من إدارة ترامب أو أي إدارة أخرى – إدارة بايدن - بحسب الناطق باسم حكومة الإنقاذ الوطني "ضيف الله الشامي"، مؤكداً بأن تأثيرات الخطوة الأميركية على المساعدات الدولية ليست بذاك القدر الذي يصورونه، فنحن نعتمد على الله وعلى شعبنا وعلى ما تنتجه أرضنا.

ولا معنى للقرار على الأرض، ولن يؤثر على مسارنا العسكري أو الاجتماعي، بل سنزداد قوة وعزيمة وإصراراً لمواجهة أميركا، والهدف منه في الأساس تخفيف الوطأة على حلفاء واشنطن السعوديين والإماراتيين.

وأوضح عضو المجلس السياسي الأعلى، "محمد علي الحوثي"، بأن: "أميركا هي مصدر الإرهاب، وسياسة إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب إرهابية، وتصرفاتها إرهابية، وما تُقدِمُ عليه من سياسات، تُعبِرُّ عن أزمة في التفكير"، ولذا فالتصنيف الأميركي "لا يهم الشعب اليمني كون الولايات المتحدة شريكاً فِعلياً في قتله وتجويعه".

وأكد مستشار وزارة الإعلام في حكومة الإنقاذ بصنعاء، "توفيق الحميري"، أن: التصنيف الأميركي، لن يكون له تأثير على مجريات الأحداث، وهو محاولة أخيرة من إدارة ترامب الفاشلة التي مارست الإرهاب والحصار في حق الشعب اليمني دون مسوغ قانوني، كما أن دعمها للعدوان وبيعه الأسلحة المحرمة دوليا هو عين الإرهاب.

هذا التصنيف لن يبقينا معزولين عن العالم وإنما سيضع النظام والقانون الدولي أمام رهان خاسر، وسيجعل المنطقة برمتها غير خاضعة لمثل هذا التصنيف الأميركي، وسوف يُكسر هذا التصنيف على مستوى المنطقة والعالم في القريب العاجل، لأننا نفرض تواجدنا وحضورنا، ولسنا معتمدين على أحد سوى الله، ثم الواقع الميداني عسكرياً، وقوتنا الحاضرة في المنطقة، والتي لا يمكن تجاوزها أو تصنيفها بحسب رغبة أميركا أو غيرها.

صنعاء ترفع شعار "الموت لأميركا" علناً ومنذ سنوات، وبالتالي لا يخيفنا تصنيف أميركا ولا شطحات إسرائيل، هذا القرار لن يكون له تأثير إلا على زيادة تعاطف خصوم أميركا معنا، ولا يمكن إسقاطه على الواقع، لأننا قوة حاضرة وفاعلة، والمرحلة القادمة سوف تشهد تواجد "قوة إقليمية" من محور المقاومة ومعترف بها رغماً عن أميركا وحلفائها.

مؤكداً بأن التصنيف الأميركي، مجرد غطاء لطمس معالم الجرائم التي تم ارتكابها، وما تعرض له الشعب اليمني من جرائم وحصار يفوق أي تأثير لمثل هذه القرارات.

ناطق أنصار الله، رئيس الوفد الوطني، "محمد عبدالسلام"، في تصريح لوكالة "سبوتنيك" الروسية أكد هو الأخر عدم وجود أي جديد في الموقف الأميركي على المستوى العملي، فقد مارسوا بحق الشعب اليمني أبشع أنواع الجرائم والعقوبات الاقتصادية والإنسانية والتدخل العسكري والدعم الشامل للعدوان، لذا إذا لم تحصل مراجعة جادة من قبل الولايات المتحدة، فإن هذا الموقف سيفرض علينا أن نتعامل بالمثل مع الأميركيين في ملفات كثيرة.