Translate

الأربعاء، 5 يونيو 2013

(لقد رأى من آياتِ رَبِه الكبرى)

زيد يحيى المحبشي
يحتفل المسلمون في أنحاء المعمورة في 27 رجب من كل عام بذكرى عظيمة على قلوب المؤمنين هي ذكرى "الإسراء والمعراج" إمتثالاً لقوله سبحانه وتعالى: "ومن يُعَظِم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب" الحج/32 .
معجزة الإسراء والمعراج واحدة من الآيات الإلهية الكبرى التي أيد الله بها نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بعد حصار قريش لبني هاشم في الشعب وموت الناصر - أبي طالب شيخ الأبطح -  والونيس - خديجة الكبرى - ونكبة وصد أهل الطائف، فكان فرج الله لنبيه بالإسراء والمعراج: "لنُرِيَهُ من آياتنا.." الإسراء/1
(من) تبعيضية بمعنى بعض آياتنا وليس كل آياتنا؛ تثبيتاً لقلب نبيه حتى يتحمل كل ما يلاقيه من سخرية واستهزاء وعذاب قريش وغيرها.
الإسراء والمعراج هدية ربانية أتت لتنفيس وتفريج كرب المصطفى عما كان يلاقيه من ألم صدود وجحود أهل الطائف وألم تعقب ورفض كفار قريش، وهي بالمرتبة الأولى رحلة استكشاف للكون .. وما في قوله تعالى: "لقد رأى من آيات ربه الكبرى" النجم/ 18
(من) تبعيضية بمعنى بعض آيات ربه الكبرى وليس كلها، من الغموض وعدم الإفصاح وعلامات التعجب والاستفهام عما رآه صلى الله عليه وآله وسلم ما يكفي لتبيين أهمية هذه المعجزة التي كرم الله بها نبيه.
معجزة الإسراء والمعراج التي يحتفي بها المسلمون في السابع والعشرين من شهر رجب الأغر كما هو واضح من مسماها تتكون من مرحلتين
الأولى: الإسراء من المسجد الحرام - محطة الإنطلاق - على ظهر البراق إلى المسجد الأقصى - محطة الإستراحة - والصلاة بأرواح الأنبياء إماماً في تلك البقعة الطاهرة والتهيؤ النفسي والمعنوي لبدء المرحلة الثانية: من الرحلة المقدسة وهي العروج إلى السماوات العلى؛ والمعراج كالسلم يصعد فيه إلى سماء الدنيا ثم إلى سِدرة المنتهى وهي مجرد رمزية لتوصيف عملية الانتقال من عالم الخلق الى عالم الخالق .. وفي كليهما تنقل صلى الله عليه وآله وسلم روحاً وجسداً .. وفي كليهما لم يتحدث صلى الله عليه وآله وسلم عن كل ما رآه بل عن شيئ يسير فقط تناقله الرواة فأضافوا إليه ما خُيل لهم أنه صالح لشرح آيات الله الكبرى التي رآها صلى الله عليه وآله وسلم .. فكان بعضها بحسن نية وبعضها من دس المنافقين ليشوشوا علينا أمر ديننا وليجعلوه مع العقل السليم والفطرة السليمة والسنة السليمة على اختلاف وتناقض .. فيتسرب الشك إلى القلوب ثم الكفر والجحود.
وحسبنا أن القرآن الكريم قد وصفها بـ"الكبرى" وهذا الإجمال في الوصف لطفٌ من الله لنا .. لأن عقولنا أقل من مستوى تلك المعلومات التي اختص الله بها نبيه مع أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يرى إلا ما أذن الله له أن يراه .. وقد وصف سبحانه وتعالى محافظة نبيه على حدود اللياقة والأدب وعدم مد النظر إلى ما لم يُأذن له برؤيته فقال سبحانه: "ما زاغ البصر وما طغى، لقد رأى من آيات ربه الكبرى" النجم/17 – 18
ولنا أن نتصور ما شئنا من آيات الله الكبرى التي أطلع عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكن شريطة أن نعرض ذلك على كتاب الله فما وافقه فهو الصواب وما خالفه فهو باطل مردود .. وعقل المخالف بلا شك محتاج إلى طبيب وليس القصد الإطالة وتصحيح وتنقية ما روي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الرحلة العظيمة المباركة وإنما الوقوف على الحكمة من هذه المعجزة الإلهية ..
وقد عرفنا أن القرآن الكريم جعل الحكمة "الصريحة" في ذلك: تثبيت قلب الرسول الخاتم بما رآه من آيات ربه الكبرى ليزداد هُدى ونوراً وصبراً على تحمل ما لاقاه ويلاقيه بعد موت أبي طالب وخديجة من ضروب الإهانة والسخرية والتعذيب ..
 والحكمة "الضمنية": اشعار الرسول الخاتم وأمته بوحدة الشريعة السماوية المنزلة عليه والرسل من قبله فهو صلى الله عليه وآله وسلم لم يأتِ بشيئ جديد ولم يكن أول من تلقى الإهانة والتعذيب في سبيل الله، فقد تلقاها من قبله إبراهيم الخليل وموسى الكليم، ويشير إلى هذا رحلته صلى الله عليه وآله وسلم إلى بلد الأنبياء "القدس الجريح" وتعريجه على طور سيناء جبل الكليم موسى عليه السلام وإتفاقه بأرواح الأنبياء عليهم السلام.
لذا وجدت قريش في هذه الحادثة التي سمتها "خرافة" مرتعاً خِصباً لنشر الأقاويل والأكاذيب والدعايات المغرضة ضد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .. ويأبى الله إلا أن يُتِمَ نوره ولو كره الكافرون .. وتظهر آيات ذلك في وصفه صلى الله عليه وآله وسلم لبيت المقدس وصفاً دقيقاً كأنه يراه الساعة وإخباره صلى الله عليه وآله وسلم ببعير لقريش في الطريق وما شرد منها وما جرى لماء قافلتهم ومتى يصلون مكة .. وبرغم من كل ذلك: أمن من أمن وصدق، وكفر المعاند الجهول الغوي.
الاسراء والمعراج ببساطة إعجازٌ أبهر الكافر والمعاند والزنديق والمنافق .. وأظهر مدى علم الله وضآلة العلوم الحديثة التي لا زالت تدور في محك بسيط من سماء الله المليئة بالأسرار والعجائب