* بالأمس البعيد كان الاختلاف كفراً سياسياً
بواحاً في فقه دولة الاستقلال, يوجب اقامة الحد رمياً بالرصاص, اخماداً لنار الفتنة
اليوسفية, وصوناً لعرى الوحدة القومية, ولكن السؤال المحرج المطروح اليوم على اصحاب
الدعاوى القضائية, هو: هل كان سيتسع صدر اليوسفيين آنذاك – لومكن لهم في الارض – لخصومهم
من معتنقي البورقيبية؟!.
* بالأمس كان "الأخ - تلاف" منبوذاً
فلا تكاد تعثر في أدبيات السلطة القمعية إلا على بعض مشتقاته مثل: "المخالفة"
وبخاصة, مخالفة التعليمات, أما اليوم فقد تعددت المشتقات وأصبحنا ببركات الاختلاف,
نستحضر مفهوم الاستخلاف في الارض ونسمع عن الخلف والسلف ونتطلع – ولو مجازاً – للخلافة
الراشدة السادسة, بل ونتوهم اقامة دولة الخلافة على انقاض دولة الفساد, دون مراعاة
في كثير من الاحيان لفقه الخلاف وأدب الاختلاف!!.
* ما المزعج اليوم إن إختلف الاحزاب من
بينهم, فالاختلاف نعمة ورحمة وسنة إلهية وحاجة إنسانية "ولو شاء ربك لجعل الناس
أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ريك ولذلك خلقهم".
* المفترض أن الاختلاف لا يفسد للود قضية
بين من جمعتهم الديكتاتورية – بالأمس – وفرقتهم الديمقراطية – اليوم – لكن شريطة ألا
يتحول الأمر إلى مؤامرة سياسية قد يعجز معها برنامج حق الاختلاف عن تطويق الخلاف –
الذي هو نقمة وعذاب – فنجد أنفسنا في الاتجاه المعاكس لأهداف الثورة!!.
تم اقتباس ما سبق بتصرف من مقال مطول وشيق
للكاتب التونسي (حاتم عباس) تحت عنوان (المجمع عليه) نشرته مجلة العربية السعودية,
العدد (427), يوليو 2012 , ص 135