Translate

الاثنين، 29 أبريل 2013

الحرية والربيع المتصرم



زيد يحيى المحبشي
الحرية كلمة بسيطة النطق مكونة من ستة حروف, لكنها عميقة المعنى, لأنها تلخص تاريخ كفاح البشرية نحو الإنسانية والسلام, لذا فمن المستحيل لأي أمة من الأمم أن تتحرك نحو الحضارة والتقدم, دون أن تستنشق رحيق الحرية والاستقلال.
حب الحرية يتعارض كلية مع حب القوة.. حب الحرية هو حب الآخر وحب القوة هو حب النفس
حب الحرية الايمان العملي بالتعدد والتنوع والمواطنة المتساوية والتنمية المتوازنة والعدالة الاجتماعية, انها ببساطة حكم الشعب, حكم المؤسسات, مشاركة الجميع في بناء الحاضر والمستقبل.. حب القوة يقوم على الضد.
حب الحرية ثورة شعب ثورة أمة ضد طغيان سلطة قفصية تديرها دكتاتورية الآنا المتسلطة والمتحكمة دون سواها بغرفة الأقدار لأمة مسحوقة مظلومة مقهورة.
حب الحرية ثورة من ثلاثة مراحل متلازمة ومتداخلة هي:(الهدم وهو اسهلها, التحول/الانتقال وهو اخطرها لأنه يمثل جسر العبور الآمن بالثورة الى المرحلة الثالثة ونقطة الفصل في الحكم على نجاح الثورة من عدمه, البناء بناء اوضاع ونظام جديد يتوافق مع الاهداف التي قامة الثورة من اجلها).
وهذا يعني أنه لا قيمة للهدم مالم يكن بهدف البناء, فهدم نظام فاسد بدون وجود خطة حقيقية لإقامة نظام عادل هو اخطر من النظام الفاسد ذاته والمستقبل الواضح المعالم لا يُبنى بالهدم فقط بل برؤى علمية واضحة الترتيب لما بعد الهدم.
انفجار ثورات الربيع العربي المتصرم على ايدي شباب الطبقات الوسطى والدنيا بقدراتهم المادية البسيطة وخبرتهم السياسية والتنظيمية والحزبية الضحلة بعيدا عن الاحزاب ودون قيادة واضحة تدير الفعل الثوري ورؤية عملية واضحة المعالم لما بعد الهدم.. لكن رغم ما سجلوه من مواقف ثورية جسورة بالنظر الى مشروعية المنطلقات الدافعة بهم الى ساحات وميادين الحرية والكرامة.. إلا أن وثبتهم الثورية المتطلعة الى المستقبل وصمودهم الاسطوري امام جبروت الديناصورات المتغولة, لم يكن سوى عامل واحد من عدة عوامل أخرى لعبة دور المساعد وبالأصح المخرج لفيلم السقوط المدوي وخدش طهر ونقاء الربيع العربي ومنعه من الانتقال نحو حسم الصراع لصالح الحرية في الوقت ذاته, ورغم النجاح الساحق لشباب الربيع في اسقاط الديكتاتور/ الديناصور فقد مني الفعل الثوري بالفشل الذريع عندما اراد التطلع للإطاحة بالمنظومة الديكتاتورية/ الديناصورية التي خلفها الديكتاتور العربي المتهاوي.
عوامل كثيرة قادة الى فشل الفعل الثوري في اسقاط المنظومة الديكتاتورية منبعها غياب القيادة الكارزمية الثورية وغياب الرؤية الثورية الواضحة لما بعد الهدم مضافا إليها بروز ثلاثة ظواهر متلازمة ومتداخلة لعبة دورا محوريا في خدش مشروعية احلام وتطلعات الفعل الثوري وخلق الارضية الملائمة لخروج افاعي وخفافيش الابواب الخلفية من جحورها  وانقضاضها على حصان الثورة وكبح جماحه, وهي:(انقسام المعارضات, عسكرة الثورات, الاستنجاد بالأجنبي وطلب التدخل الخارجي).
ولهذا قلنا ان عملية الهدم المتمثلة في تغيير أو اسقاط أو رحيل أو هروب أو قتل الديكتاتور لا تعني بالضرورة تغيير النظام وسقوط منظومته الديكتاتورية(اعوانه, قيمه, أجهزته القمعية) ولا تعني بالضرورة ان طريق الاصلاح والبناء بات مفروشا بالورود, لأن مرحلة التحول ملغومة وحافلة بالكثير من المفاجآت الكفيلة بنسف واجهاض كل الآمال المعلقة على التغيير الآمن والسلس, خصوصا أن الحرس القديم بتلاوينه – وليس صانعي الثورة – هو الذي يضمن ويشرف ويدير هذا  التغيير بدعم وإسناد وتوجيه منقطع النظير من طغاة الامبريالية العالمية وأعوانهم الاقليميين.
والحقيقة المرة أن الحرس القديم ما كان له تسنُم ظهر الثورة والثوار وما كان لقوى النفوذ الاقليمي والدولي هذا التدخل الموغل في الفحش لو كانت هناك قيادة ثورية موحدة ورؤية ثورية واضحة الترتيب لأولويات التحول والبناء.. وهو ما لمسناها في تغير وتزايد وتضارب مطالب الثوار كل يوم وتخبط رؤاهم وتشعبها وتضادها وما خلفته من كوارث ونتائج غير محسوبة العواقب.
والنتيجة استحالة بناء مستقبل واضح المعالم على رؤى غير واضحة واستحالة الانتصار للحرية لأن هدم الباطل يفوق بكثير القدرة على اقامة الحق بديلاً.
اليمن أحد بلدان الربيع العربي المتصرم كنموذج لم يحرز شيء بعد عامين من عمر الفعل الثوري, فالجمعة الجمعة والخطبة الخطبة والديمة الديمة, باستثناء متغير وحيد ويتيم الاحزان طبعا انصافا للتاريخ هو: (الانتقال من خطف الثورة إلى خطف الدولة والسيادة) وهكذا تحولت الحرية الحلم الوردي الى غابة اشواك اقحوانية فتاكة والثورة المحقة في منطلقاتها الاكثر من مشروعة الى كابوس وذعر ومخاوف لا تنتهي من اهاويل حاضر متشضي ومستقبل غير واضح المعالم وحرية لم تجد لها مكانا في عالمنا العربي بعد.. إنها ببساطة فتنة الفوضى بعد سكرة الثورة!!.

الأربعاء، 24 أبريل 2013

الاخ - تلاف



 * بالأمس البعيد كان الاختلاف كفراً سياسياً بواحاً في فقه دولة الاستقلال, يوجب اقامة الحد رمياً بالرصاص, اخماداً لنار الفتنة اليوسفية, وصوناً لعرى الوحدة القومية, ولكن السؤال المحرج المطروح اليوم على اصحاب الدعاوى القضائية, هو: هل كان سيتسع صدر اليوسفيين آنذاك – لومكن لهم في الارض – لخصومهم من معتنقي البورقيبية؟!.
* بالأمس كان "الأخ - تلاف" منبوذاً فلا تكاد تعثر في أدبيات السلطة القمعية إلا على بعض مشتقاته مثل: "المخالفة" وبخاصة, مخالفة التعليمات, أما اليوم فقد تعددت المشتقات وأصبحنا ببركات الاختلاف, نستحضر مفهوم الاستخلاف في الارض ونسمع عن الخلف والسلف ونتطلع – ولو مجازاً – للخلافة الراشدة السادسة, بل ونتوهم اقامة دولة الخلافة على انقاض دولة الفساد, دون مراعاة في كثير من الاحيان لفقه الخلاف وأدب الاختلاف!!.
* ما المزعج اليوم إن إختلف الاحزاب من بينهم, فالاختلاف نعمة ورحمة وسنة إلهية وحاجة إنسانية "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ريك ولذلك خلقهم".
* المفترض أن الاختلاف لا يفسد للود قضية بين من جمعتهم الديكتاتورية – بالأمس – وفرقتهم الديمقراطية – اليوم – لكن شريطة ألا يتحول الأمر إلى مؤامرة سياسية قد يعجز معها برنامج حق الاختلاف عن تطويق الخلاف – الذي هو نقمة وعذاب – فنجد أنفسنا في الاتجاه المعاكس لأهداف الثورة!!.
تم اقتباس ما سبق بتصرف من مقال مطول وشيق للكاتب التونسي (حاتم عباس) تحت عنوان (المجمع عليه) نشرته مجلة العربية السعودية, العدد (427), يوليو 2012 , ص 135

الثلاثاء، 23 أبريل 2013

الدولة المدنية بين الواقع والخيال



بقلم زيد يحيى المحبشي
الدولة المدنية لم تكن في يوم من الأيام دينية أو بوليسية بل مدنية مدنية في مبناها ومعناها.. الدولة المدنية كانت ولا تزال الأمل والملاذ لكل من يؤمن بالتعدد والتنوع والحرية للجميع دون تفرقة عنصرية على أساس المذهب أو العرق أو الجنس أو المستوى الاجتماعي..
الدولة المدنية الحلم والحضن الدافئ لكل من يؤمن بأن عملية التحول نحو المدنية لا يمكن ترجمتها دون توافر النية الصادقة والعزيمة النافذة والإرادة القوية والثقة المتبادلة بين مكونات الفعل السياسي وتجذر الولاء الوطني الخالي من شوائب التبعية وتقديم المصلحة الوطنية على ما عداها من المصالح والحسابات الضيقة والابتعاد عن التشنجات والنعرات الدينية والمذهبية والفكرية..
الدولة المدنية المرفأ الآمن لك وطني غيور يطمح إلى بناء المستقبل على أسس ومبادئ جامعة يؤمن بها جميع أبناء وطنه باختلاف مشاربهم ومأربهم واتجاهاتهم السياسية والثقافية والمذهبية والعلمية..
المدنية هي التعلم من التاريخ لا التغني به لأن المجد الحقيقي ما نبنيه في الحاضر ويحياه الناس دون أوهام ماضوية ماتت وشبعت موت..
المدنية تعني ضرورة أن يعادل رفضنا للماضي الفاسد شجاعتنا في بناء المستقبل, والانتقال من الهدم إلى البناء ومن الشجب إلى العمل ومن اتهام الاخرين أو تخوينهم إلى اتهام النفس ومحاسبتها قبل الآخرين(جدية التخلي عن ثقافة اتهام وتخوين الاخرين للتهرب من مسؤوليتنا), والانتقال من سياسة الاستحواذ والإقصاء والتفرد بمفاتيح غرفة الاقدار إلى ثقافة المواطنة والمشاركة الوطنية المتسعة للجميع..
 المدنية تعني ضرورة أن يدافع كل فرد من أفراد المجتمع عن حقوق الاخرين بنفس القوة التي يدافع بها عن حقوقه, دفاع المجتمع عن المظلوم والمقهور, دفاع القوي عن الضعيف وليس العكس, لأن التحضر يقاس بدرجة حماية الأكثرية للأقلية..
المدنية تعني خلق بيئة ثقافية وفكر إنساني حر لا يخاف بطش الاكثرية أو قوى النفوذ بتلاوينها ولا يبحث عن دغدغة المشاعر باللعب على وتر الدين, ووجود مثقفين يدافعون عن الحق والمجتمع دون تصفيق أو رياء لأصحاب السلطة والنفوذ, دون أن يبيعون أفكارهم وأرائهم لمن يدفع أكثر..
المدنية تعني وجود ارادة شعبية حقيقية ومؤثرة (قاعدة شعبية يمكن البناء عليها بشجاعة) تفهم معنى مدنية الدولة, ومستعدة لفعل أي شيء من أجل الوصول إليها, ووجود قائد قوي يملك حجة الحديث والمنطق لا قوة السلاح والبطش, قائد لديه رؤية علمية واضحة المعالم وواضحة الترتيب لأولويات البناء, ومستعد للموت من أجلها, لإيمانه بالوطن وبالمستقبل..
والمدنية قبل هذا وذاك تتطلب وجود قادة جدد يقدرون الثورات الشعبية السلمية ويحترمون ارادة شعوبهم ويحمونها ويمنعون الفساد ويضعون حداً للانتهازيين والمتسلقين على أكتاف ودماء وتضحيات الثوار والثورات..
المدنية حلم وردي يحمل في طياته كل معاني الجمال, حلم اشبهه بطيف علان (قوس قزح) علا سماء ما بات يعرف بالربيع العربي.. غير أن فجائة الظهور السريع بما اشاعه من أحلام وأمال وطموحات, سرعان ما تلاشت وبذات الطريقة, مخلفة ورائها كومة من الاسئلة المتعثرة عن مستقبل شعوب ما يزال مكتنفا بالغموض الكبير, مستقبل شعوب سمية ظلما بسلة ورد الربيع المتفتح, ورد لم تنال منه سوى السراب/الطيف القزحي, ورد سرعان ما تحولت سلته العابقة الى اشواك متوحشة في تنمرها متوحشة في شدة ايلامها, وفي وسط غُدرة الربيع بدت شاسعة بين فساد الانظمة وحاشيتها ورغبات الشعوب وطموحاتها, بين اسقاط الديكتاتور المستبد وبقاء الديكتاتورية, بين شعوب تحلم بالتغيير وتخشاه تصيح بالثورة وترفض دفع الثمن, بين عقل جمع لا يزال يمارس سطوته في الساحات والميادين الربيعية القزحية يتمنع التفكير على اصحابه وهواجس تحل محل الأفكار, محولة في طريقها احلام المدنية الى كابوس مخيف وحلم مستحيل

الاثنين، 22 أبريل 2013

على هامش دفتر الثورة



عَمَرنَا فوق رأس الديك ديوان                        وعلوينا بقندة من عشيه
ذبحنا ذرة في أرض صنـــعاء                        فسال دمها لا أرض اللحيه
وزِنَا القُمَلِي, والثور الأحمـر                         وزاد القُملي رجح وقــــيه
وقطعنا من القُملي مئة رطل                         وباقيها لحوم وشِـــــــــوَيه
وثوب البطن مديناه على أرحب                     وقاع البون ما خلى لديـــه
وقطعنا من الإبرة مئة سيف                        وباقيها جنابي حضرميــــه

هذا الزامل الشعبي القديم فيه من الوصف والبيان والتوضيح ما يكفي لكشف حقيقة الراكبين لأمواج الثورة بعد أن أينعت الثمرة وفضح المبالغة والمزايدة في تنميق وتجميل احاديثهم وصورهم وتوصيف وتسويق أعمالهم ووطنيتهم والحقيقة انهم ينشرون الوهم والسراب ينشرون الخراب والدمار يزيفون الحقائق يستعذبون ميديا التغيير المغموسة بالسم الزعاف والعمالة المقيتة والسعار الممزوج بصراعاتهم ومماحكاتهم ومناكفاتهم وحساباتهم الاتية على الاخضر واليابس دون أن يكون هناك أي دور يذكر للعقول القادرة على عقلنة الامور ووقف انفجارها ليقولوا لؤلئك المتاجرين بآلام ومآسي شعبهم  كفى كفى كفى خرابا ودمارا وعبثا فالشعب لم يعد يكترث لأوهامكم بعد ان بلغ السيل مداه والتمادي في الظلم حتما سيولد الانفجار الجارف لكل أحلام بائعي الاوهام طال الزمن أم قَصُر.