بقلم الدكتور/ حسـن علـي مجلـي*
استخدمت مصطلح
(الجغرافيا الزيدية) نقلاً عن أحد الرفاق المصابين بـ (فوبيا الزيدية). والمصطلح دال
بذاته على ما يجري الآن من جرائم قتل بشعة، حيث تم قتل عشرات الجنود ذبحاً في إحدى
مناطق (حضرموت) يوم 8/8/2014م، لأنهم من (الجغرافيا الزيدية)، وهذا النوع من جرائم
القتل هو أخطر أنواع الجرائم طبقاً لقانون المحكمة الجنائية الدولية، ويندرج ضمن جرائم
الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.
صارت العودة إلى
الجذور الفقهية العقلانية الاجتهادية الثورية هماً طاغٍ في اليمن التي باتت تعاني من
أزمة هُويَّة فكرية، في خضم تصاعد مد القوى المذهبية الرجعية الاستبدادية الإرهابية
المتمثلة في الوهابية والسلفية وحركة (الإخوان المسلمين)، مدعومة بمراكز القوى القبيلية
المتنفذة المتواشجة مع مراكز القوى العسكرية الطغيانية الرجعية الفاسدة وحلفائها من
زعماء اللاهوت اليمني، حيث ازداد هذا المد السلفي الوهابي الإرهابي سرعةً وكثافةً وشمولاً
لا مثيل له في تاريخ اليمن القديم والحديث.
جاء هذا المد الفكري
الرجعي المذهبي الإرهابي في اليمن مواكباً لهزائم وانكسارات مشاريع التحديث وخيانات
وانتهازية معظم (النُّخب) الثقافية وعجزها، والصراعات الدموية بين أجنحة الحكم على
السلطة وتضخم سابق في مقولات (الأفندم الانقلاب) والأيديولوجيات (الثورية) الحارقة
للمراحل التي اجتاحت الساحة اليمنية والعربية تحت ألوية القومية والماركسية والناصرية،
حتى جاء انقلاب (عبدالرحمن الإرياني) وجماعته عام 1967م الذي شكل علامة فارقة في تاريخ
اليمن والجسر الذي عبره قادة العصابات القبيلية والعسكرية الرجعيين الفاسدين إلى السيطرة
التامة على الحكم والمشهد الثقافي في اليمن.
الظاهرة المسيطرة
على عدد من الصحف والصحفيين في التعاطي مع الثوار (أنصار الله) والفقه والفكر الزيديين
هي، النـزعة المذهبية الطائفية أو العنصرية بكل مسبقاتها وتحيزاتها وإسقاطاتها ومسكوتاتها
وعماءاتها بل وضلالاتها، وفي المقابل تغيب أو تضعف اللحظة المعرفية الصحيحة بأداتها
الفكرية الضرورية التي هي التحليل العلمي الموضوعي، وبغايتها التي هي الحقيقة التاريخية.
مشكلة التراث الفقهي
الزيدي العظيم ومذهب العقل والاجتهاد والعدل والثورة على الحاكم الظالم، أن القوى الطغيانية
المتخلفة، بمقولاتها ومضمراتها العنصرية والطائفية والمناطقية والمذهبية، عملت بدأب
وما تزال، على إزاحة الفقه الزيدي الثوري بوسائل عديدة منها اغتيال مفكريه وعلمائه
وإقصاء قضاته والتنكيل بمثقفيه وتهميشهم وإحلال أفكار ومذاهب وفتاوى رجعية وإرهابية
(وهابية) و (سلفية) و (إخوانية) وخطاب ديني زائف محله، بينما بعض المثقفين حُسني النية
والكَتَبَة الجهلة بهذا الفكر السياسي والفقهي العظيم يخدمون، بمعاداتهم له ولقواه
المحركة، قوى التخلف والطغيان وخاصة عندما يسقطون ما تظنونه (حقيقة) على هذا الفكر
من خارجه دون معرفة حقيقته أو إدراك طبيعة القوى التي تنتمي إليه أو تناضل تحت لوائه.
تلمس في عدد من
الكتابات الصحفية رغبة مسبقة ومصادرة على المطلوب في إدانة الفكر الزيدي الثوري العقلاني
الذي يشكل فقه المصلحة والتقدم والعمل جوهره، ويعتبر (أنصار الله) بقيادة الزعيم الثوري
السيد (عبدالملك الحوثي) قوته المحركة في محيط التكفير والارتداد عن الحرية و التقدم
والحضارة باسم الإسلام، وفي الوقت ذاته يعمل أصحاب تلك الكتابات على تبرءة مراكز قوى
التخلف والطاغوت القبيلية وقادة العسكر الانكشارية المتحالفة معها والمهيمنة على المدن
و(شبه الدولة) الرخوة من أية مسئولية عن خراب اليمن (العظيم) وبؤس وفقر وضياع الشعب
اليمني الأبي، وفي دوامة هذه الرغبة المسبقة في إدانة اليسار الإسلامي ممثلاً في (أنصار
الله) وحلفائهم، ضاعت الحقيقة التاريخية بما هي كذلك، وستستمر ضائعة ما دامت لا يحترمها
أولئك الكَتَبَة وبعض الكُتّاب والمثقفين في موضوعيتها، بعيداً عن شاغل التثمين من
حيث الربح والخسارة أو التبخيس وتزييف الوعي أو الخوف المزعوم على جنين (الدولة المدنية
الحديثة) التي لا زالت في رحم الغيب وربما مجرد حمل كاذب يحول دون ولادته قوى التخلف
والاستبداد والتكفير والفساد التي يحاربها (أنصار الله). والمعلوم أنه لا سبيل إلى
احترام الحقيقة، في موضوعيتها، إلا باتخاذها موضوعاً للتحليل العلمي، لا شاشة للإسقاطات
الذاتية المناطقية والمذهبية والعنصرية التي تختلط، في الغالب من الأحيان، بالعوامل
النفسية التي يقوم فيها الاعتقاد المغلوط والعامل النفعي المبتذل والضيق مقام الحق
والمبدأ والمصلحة العامة والفكر الخلاق المُحَرِّك والفاعل الأساسي والحافز الجوهري.
لو كانت كل الخسائر
المترتبة على منهج الإسقاط الطائفي المناطقي العنصري المذهبي تتمثل في عجزه عن الوصول
إلى الحقيقة التاريخية لهانت المصيبة نسبياً، ولكن هذا المنهج يتنطع لما هو أكثر من
الفهم أو عدم الفهم، فهو يُنَصِّب نفسه في الأوقات العصيبة جَرَّاحاً يعمل على إخضاع
الواقع اليمني لعملية جراحية ليستأصل منه ما يعتقد أنها أورامه الخبيثة أو زوائده الدودية،
بينما هي، في الواقع، أعضاؤه الأكثر حيوية (قوى الثورة وفي مقدمتها أنصار الله)، ومن
هنا بالذات خطورة منهج الإسقاط هذا، فهو ليس منهجاً أعمى فحسب، بل إنه ليستعين أيضاً،
بدل العكاز لدعم معقتداته الخاطئة بخنجر مسموم هو تزييف الوعي أو مبضع مسموم هو الجهل
ممزوجاً بالنفعية الشخصية المبتذلة والمصلحة الخاصة غير المشروعة.
وحسبنا أن نسوق
من الواقع الذي ما زلنا نعيش إلى اليوم هذا المثال:
إن عدداً من الكُتّاب
في اليمن يدافعون عن (التراث) بشكل عام ودون توضيح خيارهم، وفي الغالب يأخذون بما هو
استبدادي ورجعي في التراث والواقع، ويصطفون إلى جانبه في مضمار معاداة الفكر الفقهي
المتقدم وتشجيع الرجعية الوهابية والسلفية و (الإخوان المسلمون) ضداً على الفكر العقلاني
والفقه الثوري الذي تعتبر المدرسة الزيدية المعتزلية أكبر وأعظم حاضن له في اليمن والعالم
الإسلامي.
إننا بصدد ازدواجية
خطيرة، هي الانشطار في الحقيقة نفسها بين (حقيقة تاريخية) ينادي بها العلماء والمفكرون
والأكاديميون التقدميون و (حقيقة أيديولوجية) أو (دعائية) يتم فيها تزييف وعي الجماهير
والزج بها في دائرتها الجهنمية ويتبناها الكَتَبَة المرتزقة من سفهاء القوم وجهالهم.
ما أضر أشد الضرر
ببعض أدعياء (الوطنية) و (التقدمية) و (العلمانية) و (الثورية) و (الدولة المدنية الحديثة)
هو أنهم يخوضون معركة إعلامية ضارية وخاطئة وخاسرة ضد اليسار الإسلامي وفي مقدمته
(أنصار الله)، بينما لا زال قادة التحالف المشائخي - العسكري الطغياني التكفيري وأجنحته
الإرهابية المسلحة التي تذبح عشرات الجنود الذين في عمر الزهور، لأنهم من (الجغرافيا
الزيدية) و (روافض) يؤيدون (أنصار الله). يرتكب الإرهابيون أبشع الجرائم في اليمن،
ويتحكم داعمو الإرهاب وأصحاب الفكر التكفيري بالبلاد ويستبدون بالمواطنين وينهبون المال
العام والخاص ويحتكرون الوظائف العامة، ويبيحون الوطن للغزاة الرجعيين والإمبرياليين
ويشرذمونه، وينشرون الإرهاب في كافة ربوع اليمن (بلد الإيمان والحكمة)، حيث يستيقظ
الشعب كل صباح على أخبار سيطرة قوى الإرهاب والتخلف على مناطق مختلفة من اليمن وجرائم
الاغتيالات تحصد التقدميين والثوار من (أنصار الله) وغيرهم من أساتذة الجامعات اليمنية
والمفكرين والمثقفين والضباط والجنود بواسطة جماعات الذبح الهمجية المعادية لـ (الزيود)
و (الحوثيين الروافض)، ويجري كل ذلك بينما لا يرتفع صوت قوي من هؤلاء الكَتَبَة المرابطين
في خندق الصحافة ضد الثوار (أنصار الله) أو (الحوثيين) لإدانة هذه الجرائم البشعة وبيان
مدى خطورتها على الشعب والوطن وتبصير الناس بمن ينفذها ويقف وراءها ويخطط لها ويشكل
الحاضن الإعلامي والفكري لها؟!.
* أستاذ علوم القانون
الجنائي - جامعة صنعاء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق