Translate

السبت، 25 ديسمبر 2021

السياسة الجامحة: المال قبل المناخ

مركز البحوث والمعلومات: زيد المحبشي

تعود بدايات التعاطي السياسي مع قضية المناخ إلى 12 فبراير 1979 إثر انعقاد أول مؤتمر دولي حول مخاطر المتغيرات المناخية بجنيف، تتابعت بعدها المؤتمرات والقمم بالتوازي مع توسع رقعة الجدل السياسي حول حقيقة ارتباط التبدلات المناخية بالكوارث الطبيعية من عدمه، في حين اقتصرت مفرزة العمليات التفاوضية الأممية على إخراج الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة حول المناخ عام 1992، وبروتوكول كيوتو 1997، وهذا الاتفاق بالذات لا يزال محل جدل بين أباطرة العالم الى اليوم.

وعود وتعهدات وكلام كثير وكبير سمعناه في قمم المناخ وما تمخض عنها من بيانات هزيلة غلبتها مسحة الألغاز والطلاسم العصية على الفهم، والتي لا تخدم الأرض، بل تزيد من اشتعال الحروب البشرية الجائرة ضد البيئة، وتُباعد الخطوات والآمال في خروج اتفاقية دولية مُلزمة تضع حداً لهذه الحروب، وتُخفف من معاناة فقراء العالم وتحد من عبثية ومظلومية استمرار دفعهم لفاتورة الطمع والغرور الرأسمالي وتحميلهم القسم الأعظم من تداعيات المناخ.

المشكلة المناخية بدأت اليوم تطرح مشاكل باتت تهدد الجميع، ومع ذلك رغم مرور 30 عاماً من المفاوضات الأممية العقيمة ما يزال دور المال في السياسة يمثل عائقاً كبيراً أمام حل معضلة الاحتباس الحراري، وما تزال الحكومات تستمع لمستشاريها السياسيين أكثر من استماعها للخبراء في العلوم، وما تزال الكارتلات الرأسمالية مستمرة في صم آذانها عما يُحدق بنا من مخاطر كونية كارثية، وترفض التعايش مع المعطيات "البيو- مناخية"، في الوقت الذي تشير فيه المعطيات إلى أن تقدميتها الرأسمالية قد تنقلب إلى رجعية مدمرة، إذا ما بدأ نمط إنتاجها يتناقض ويتضارب مع قدرة الأرض على تحمل مضاعفاته.

الحاجة اليوم ماسة لمنح مركزية الأرض والمناخ الأولوية وليس الاقتصاد والإنسان، والابتعاد عن التسويات السياسية لن الطبيعة والقوانين الفيزيائية لا تحتمل التسويات، وتبقى كما هي، وكون ذلك لا يبدو قريباً في عالمٍ البقاء فيه للأقوى، يبقى الخلاص والباب الوحيد أمام فقراء العالم هو الإكثار من الصلاة والدعاء بأن تكون الكوارث البيئية المقبلة، وهي مقبلة حتماً محدودة وغير شاملة، بحيث يتمكن من يتبقَ من البشر من إعادة بناء علاقة سوية مع الطبيعة انطلاقاً من إدراك القيمة الكامنة في العالم الطبيعي والعمل على الحفاظ عليها.

وتبقى الألطاف الإلهية وحدها لا سواها أرحم بالبشر من أنفسهم.

وبالعودة الى التفاعل السياسي فأهم المحطات في العقدين الأخيرة:


1 – قمة واتفاقية كيوتو 1997

 شهد العام 1995 تفاعل غير مسبوق لمناقشة قضية المتغيرات المناخية وإيجاد حلول تقي البشرية تداعياتها الكارثية، وتوجت هذه التفاعلات بالتوقيع على "اتفاقية كيوتو" في العام 1997، وضمت مجموعة من الدول المُلزمة قانونيّاً بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة حسب أسس وأهداف متفق عليها، وقد تمّ تقسيم الاتفاقية إلى فترتين.

أ - الفترة الأولى "2008 – 2012".

ب - الفترة الثانية "2013 – 2020".


2 - اتفاقية باريس 2015

 هدفت إلى تكثيف وتسريع الإجراءات التي تساعد على مكافحة التغيّرات المناخية، وتخفيض نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو، وتميّزت عن سابقاتها بتوحيد جميع الدول بما فيها الدول النامية في قضية التغيّرات المناخية، وإيجاد حلول مشتركة لمكافحتها، وتعزيز استجابة جميع الدول لمواجهة خطر التغيّرات المناخية من خلال محاولة منع ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض إلى أكثر من 1.5 درجة مئوية فوق معدّلها الطبيعي، ولاتزال هناك حاجة لتقليل معدل الانبعاثات على المستوى العالمي بنحو 45 %، بحلول العام 2030، بينما يجب تقليل المعدلات نفسها إلى ما يقرب من صفر، بحلول منتصف القرن الحالي 2050.


3 - قمة المناخ 2019

انعقدت في 23 سبتمبر 2019 وعملت على وضع مجموعة من الأسس والحلول المشتركة والمتعلّقة بالصناعات الثقيلة، والطاقة، وغيرها من القطاعات التي لها دور بارز في حل هذه المشكلة.


4- قمة "كوب 26" 2021

انعقدت في "غلاسكو" الإسكتلندية بمشاركة 200 دولة, واستمرت 10 أيام، 1 – 12 نوفمبر 2021، وخرجت باتفاقية "غلاسكو"، وهي أول اتفاقية دولية تتضمن تعهدات بتقليل استخدام الفحم، كمصدر للطاقة، وخطة طريق لتقليل معدل زيادة درجة حرارة الكوكب إلى ما دون 1.5 درجة مئوية، كما نصت على ذلك اتفاقية باريس 2015، ومن أهم مخرجاتها:

1 - تقليل معدل الانبعاثات الغازية، وتقليل اعتماد العالم على الفحم.

2 - الوعد بتقديم المزيد من المساعدات المالية للدول الأفقر من أجل مساعدتها على مواجهة تبعات الاحتباس الحراري.

ورغم التأكيد على تسريع وتيرة مكافحة الاحتباس، لم يتمكن المشاركون من التوافق على تقديم ضمانات عملية بتقليل معدل الانبعاثات بحيث تبقى معدلات زيادة درجة الحرارة أقل من 1.5 درجة مئوية، كما أن وعود مساعدة الدول الفقيرة على مواجهات تداعيات الاحتباس الحراري مجرد بيع كلام وحبر على ورق كالعادة.

وأقرت مسودة الاتفاقية بأن الالتزامات الحالية لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تسبب ارتفاع درجة حرارة الكوكب ليست كافية، وطلبت من الدول وضع تعهدات مناخية أكثر صرامة في العام المقبل 2022، بدلاً من كل 5 سنوات، كما هو مطلوب حالياً.

وفي حال التزمت جميع الأطراف ببنود الاتفاقية الأخيرة فإن معدل زيادة درجة الحرارة سيصل إلى 2.4 درجة مئوية، ما يعني أن الخطر لا يزال ماثل، فكيف إذا لم يلتزم أمراء التلويث وعلى رأسهم أميركا والصين والهند ببنود الاتفاقية وهو المتوقع؟!.

ويقول العلماء إن تخفيض ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى 1.5 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعة سيحمينا من تبعات خطيرة للتغيرات والتقلبات المناخية، ولو زادت على ذلك فإن الأرض ستشهد كوارث مُفجعة عديدة منها على سبيل المثال تعرض ملايين البشر لدرجات حرارة عالية بشكل متطرف، وارتفاع شديد في مستوى سطح البحر، والجفاف الشديد، والعواصف القوية، وحرائق الغابات التي هي أسوأ بكثير من تلك التي يعاني منها العالم بالفعل.

ويتطلب تحقيق هذا الهدف تخفيض انبعاث الغازات بنسبة 45 % بحلول العام 2030، وإلى الصفر بحلول العام 2050، كما دعت الى ذلك اتفاقية باريس.

 ويرى العلماء أن ارتفاع درجة حرارة الأرض الى أكثر من 2 درجة مئوية، سيؤدي الى موت جميع الشعاب المرجانية الاستوائية، وتعرض عدة مدن وجزر عالمية للغرق في حال زادت درجة حرارة الكوكب بشكل غير منضبط، وما نراه من إعصار مدمر في الفلبين شاهد إثبات لغضب الطبيعة من عبث الرأسمالية، لكن من يهتم بما يحدق بالبشرية من مخاطر في هذا العالم الأصم؟.

ويتحمل الفحم المسؤولية عن 40 % من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون سنوياً، ما يجعله محط الأنظار لجميع جهود مواجهة التغيرات المناخية، لكن تعهدات الدول حتى الآن لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ومعظمها ثاني أكسيد الكربون الناتج عن حرق الفحم والنفط والغاز، لن تؤدي إلا إلى الحد من متوسط ​​ارتفاع درجة الحرارة العالمية عند حدود 2.4 درجة مئوية، بما يحمله ذلك للبشرية من مخاطر غير محمودة العواقب.

ودعت الأمم المتحدة للحد من استهلاك الفحم والدعم الضخم الذي تقدمه الحكومات في جميع أنحاء العالم للنفط والفحم والغاز من أجل تزويد المصانع بالطاقة وتدفئة المنازل، وهو أمر لم يتم الاتفاق عليه في أي دورة سابقة من مؤتمرات المناخ.

وترى البلدان النامية أنه يجب على الدول الغنية، التي تعتبر انبعاثاتها تاريخياً مسؤولة إلى حد كبير عن ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، دفع المزيد من الأموال لمساعدتها على التكيف مع عواقب تلك الانبعاثات والحد من آثارها.

والمؤكد هنا أن أزمة المناخ ليست جديدة، لكنها أصبحت ملحة حديثاً نتيجة الشره الأعمى للرأسمالية العالمية المتعاظم على حساب الطبيعة وتوجهها المتعمد منذ أن صارت القوة العالمية الوحيدة في العام 1990 إلى رفض إخضاع نموها الاقتصادي للتوازنات البيئية ومستلزماتها، وهذا الموقف ليس سوى صدى لقاعدة انطلاق الرأسمالية تاريخياً والتي أقامت على أساسها صرحها الكبير منذ القرن الثامن عشر، معتبرة الطبيعة "عدواً يجب مقاتلته وإخضاعه واستنزافه حتى الموت"، واعتقادها بأن العالم يمكن فهمه وتغييره في المختبرات والمصانع، وأنه لا يعدو عن كونه مجرد آلة مادية عملاقة يمكن تفكيكها وتركيبها كما يشاء الإنسان، ولذا ليس من قبيل المبالغة أن هذه الفلسفة وليس الدول الغنية وحدها كانت المنتصر الحقيقي في مؤتمرات المناخ المتناسلة من رحم العقم الدولي.

إذن فالجدل السياسي المحتدم حول المناخ وانفصال المفاوضات حول تقلباته المخيفة طوال العقود الثلاثة الماضية، عن الواقع، هو الأكثر خطورة على حاضر ومستقبل البشرية، لاسيما وأنها وجدت لها من العلماء من يخدمها ويُشيع التفاؤل تجاه البيئة وموادعتها، إثر نجاح الكارتلات الرأسمالية الكبرى في اجتذابهم إلى صفها مقابل حفنة من المال.

إنه عاَلمٌ بلا روح وبلا أخلاق وبلا قِيم، يسبح في بحر من ظلمات الحروب والأحقاد والأمراض النفسية والجسدية، رغم تأكد الجميع مما ينتظرهم من عواقب جراء تدميرهم البيئة والطبيعة، فالهوة تزداد عمقاً بين شمال الأرض الغني وجنوبها الفقير، وبين الموت والكفاح من أجل البقاء، وبين الرأسمالية المتوحشة والسماح لها بمواصلة عربدتها القاتلة ضد البيئة والحياة والروح، وتشعّب الشرخ كالجرح العميق ليس فقط خلال مفاوضات قمم المناخ وإنما خلال المجتمع المعولم على المستوى الدولي.

جرحٌ لا نملك معه سوى الارتجاف وجلاً ونحن نرى حفنة من أنصار الجينة الأنانية تقذف بالبشرية بأسرها في أتون الاحتراق الحراري مفرزة أشد المشاعر البشرية قُبحاً: الطمع والغرور والخوف وانعدام الثقة، بيد أن اندمال هذا الجرح من العمق قبل تحوله إلى قُرحة مليئة بالصديد لا يبدو أنه بات قريباً في ظل التزايد المطرد لحجم الظواهر والكوارث الطبيعية كماً ونوعاً وقوة.

المناخ الجامح: حقيقة أم خيال؟

 مركز البحوث والمعلومات: زيد المحبشي

مناخ الأرض لم يعد يتحمل المزيد من الملوثات الصناعية القاتلة التي يتسبب بها الإنسان، ولم يعد يتحمل المزيد من العبثية السياسية وغياب الوعي السياسي بوجود أزمة بيئية شاملة باتت تخترق أكثر الأذهان انغلاقاً، ولم يعد يتحمل المزيد من العربدة البشرية الجامحة بحق الطبيعة، والتي حتماً سترد عاجلاً وليس آجلاً، على الأقل ذلك ما يعتقده البروفسور البريطاني "جيمس لافلوك".

فـ " كوكب الأرض الغاضب سيحاول إعادة التوازن إلى الطبيعة، بيد أن ذلك سيعني إزالة الحضارة ومعظم الجنس البشري، إن جنساً وضع نفسه في حال حرب مع الأرض نفسها، وحدها الكوارث الآن بإمكانها وقف حروب الإنسان الانتحارية ضد بيئة الأرض، التي يدمر فيها التلوث البشري الأعمى، المناخ وتوازنات الرياح والمحيطات"، فهل يعني ذلك أن الإنسان أصبح العدو الأول لنفسه ولمحيطه، وأن زمن الوفاق البشري مع الطبيعة قد ولّى بلا رجعة؟.

مئات الدراسات والتقارير العلمية شارك في إعدادها أكثر من 2000 عالم مناخ من أكثر من 100 دولة حول التقلبات والانفلاتات المناخية التي شهدتها البشرية في العقدين الأخيرة بصورة غير مألوفة وخارجة عن سياقاتها التاريخية، كلها تُحذر من دمار شامل ينتظر الجميع بسبب المناخ والبيئة والإحترار العالمي، وتصفه بـ"الكارثة".

وتنبؤات بزوال مدن بأكملها وهلاك ملايين البشر وانقراض كائنات حية وأنظمة بيئية حيوية نادرة، وشهود البشرية طوفان وعصر جليدي جديد كذلك الذي أودى بحياة الديناصورات قبل 60 مليون سنة، بالتوازي مع تصاعد التحذيرات من اقتراب المناخ من نقطة الانقلاب الشامل، واقتراب نهاية الأرض، واقتراب يوم القيامة.

إن ما نعايشه من قيظ قاس وبرد قارص وفيضانات غامرة وجفاف حارق وأعاصير جامحة وحرائق غابات مهلكة وغيرها من الظواهر العنيفة والفُجائية والخارجة عن سياقاتها التاريخية، كل هذه الفوضى والعذابات هي بفعل احتباس الحرارة داخل الغلاف الجوي للأرض، وسخونة سطحها، بسبب ممارساتنا الخاطئة والجائرة الدافعة ببعض النُظم البيئية إلى إعلان الحرب علينا بعد طول مهادنة في القرون السابقة لعصر الثورة الصناعية.


الغلاف الجوي:

تتميز الأرض عن سائر الكواكب بوجود الغلاف الجوي، وهو عبارة عن غلالة شفافة تحيط بالأرض وتحفظها وتُؤمِّن استمرار الحياة فيها، لذا فوجوده وثبات مكوناته يعني استمرار الحياة المُتعارف عليها، والعكس في حال شهدت هذه المكونات بعض الإضافات، لما يترتب على ذلك من اختلال في توازن أنماط الأنظمة الحيوية الطبيعية كالحرارة والرطوبة والضغط الجوي والمتساقطات المطرية ومسارات وانماط التيارات الهوائية وأمواج البحار والمحيطات والمعادلة المناخية، بما لها من تأثيرات هائلة على الأنظمة الحيوية الطبيعية برمتها.

ويتكون الغلاف الجوي من عدة غازات، منها: النيتروجين 78 %، الأوكسجين 21 %، الغازات الخاملة 0.09 %، الأرغون 0.93 %، غازات الدفيئة 1 %.

وأهمها وأكثرها خطورة "غازات الدفيئة"، فرغم أن نسبتها لا تتجاوز 1 % من إجمالي حجم الغلاف، إلا أن زيارة متوسط تركيزها منذ انطلاق عجلة الثورة الصناعية 1860، بات يشكل خطراً حقيقياً على المعادلة المناخية، ولذا فهي تتحمل المسؤولية الأولى عن التغيرات والتقلبات المناخية المتطرفة وسخونة الأرض.

ومعلومٌ أن الطبقة الداخلية للغلاف الجوي بفعل هذه الغازات أضحت محاطة بطبقة عازلة أخرى من الغازات الدفيئة، تقوم بعمل زجاج الصوبة، مُسببة بذلك الاحتباس الحراري، المؤثر بدوره على الدورة العادية لتحرك التيارات الهوائية حول الأرض والأمواج في البحار والمحيطات واضطراب مساراتها بما يُنذر بكارثة "طوفان ثانية"، حتى ولو تمكن الإنسان من إيقاف كافة الانبعاثات الملوثة للجو اليوم فستظل تأثيراتها المتبقية من النشاطات الإنسانية خلال الـ 150 عاما الماضية قروناً طويلة قبل أن يتمكن الإنسان من السيطرة على الاضطرابات المناخية.


الاحتباس الحراري:

الاحتباس الحراري، دفيئة الأرض، الاحترار العالمي، التغير المناخي، الصوبة - البيوت - الزجاجية الحرارية، مسميات لقضية واحدة هي ارتفاع درجة حرارة الأرض عن معدلها الطبيعي – اختلال التوازن البيئي- نتيجة انبعاث الملوثات في الجو سواء كانت ملوثات طبيعية كالبراكين وحرائق الغابات والملوثات العضوية، أو غير طبيعية بسبب نشاط الإنسان واحتراق الوقود الأحفوري كالنفط والغاز الطبيعي والفحم المؤدي بدوره إلى الارتفاع التدريجي لدرجة حرارة الطبقة السُفلى من الغلاف الجوي بصورة ملحوظة ومتنامية.

 وبمعنى أقرب للفهم: ارتفاع درجة الحرارة في بيئة ما، نتيجة تغير في سيلان الطاقة الحرارية من البيئة وإليها، حيث تقوم الغازات الدفيئة بالقسط الأكبر من مهمة حبس الأشعة المنبعثة من سطح الأرض وعدم السماح بتسريبها إلى الفضاء الخارجي ما يؤدي إلى حدوث الكثير من التغيرات المناخية الكارثية.


غازات الدفيئة الفتاكة:

من أهم غازات الدفيئة المتسببة في رفع درجة حرارة الأرض واختلال المعادلة المناخية:


1 - ثاني أكسيد الكربون CO2:

وهو مسؤول عن ثلاثة أرباع الانبعاثات، والمتهم الرئيسي في سخونة الأرض رغم أنه لا يشكل سوى 0.035 % من حجم الغلاف الجوي إلا أن تزايد النشاط الإنساني والصناعي بعد الثورة الصناعية، وتزايد كميات الانبعاثات الملوثة، وزاد متوسط تركيز الكربون تحديداً في الغلاف الجوي مقارنة بما كان عليه قبل الثورة الصناعية من 1000 طن إلى 6000 طن سنوياً، أي أنه ارتفع من 275 إلى 380 جزء في المليون، بزيادة سنوية قدرها 25 %، ووصل في العام 2018 كنموذج الى 411 جزء في المليون، والمتوقع أن يصل إلى 460 - 560 جزء في المليون بحلول العام 2100، بسبب إزالة وقطع الغابات – مغسلة الكربون – والشعب المرجانية.

معدل بقائه في الجو آلاف السنين، وزيادة تركيزه بأكثر من الثُلث مُنذ بدء الثورة الصناعية، وسيكون له تأثير طويل الأمد على تغيّر المناخ.

ورغم أن معالجته تحتاج إلى قرون عديدة، إلا أن الحاجة ملحة اليوم لتثبيته عند مستوى 350 جزء في المليون، منعاً لحدوث الكارثة.

أهم مصادره: حرق الوقود الأحفوري – النفط والغاز الطبيعي والفحم - والنفايات الصلبة والأخشاب والتفاعلات الكيميائية، ثوران البراكين، إزالة الغابات.


2 - الميثان: 

ارتفع متوسط تركيزه من 700 إلى 1760 جزء في المليون، بزيادة سنوية قدرها 0.09 جزء في المليون.

زاد تركيزه في السنوات الماضية بمعدل 1% سنوياً، وهو مسؤول عن 20 % من تأثير الاحتباس الحراري.

معدل بقائه في الجو 10 سنوات.

أهم مصادره: حظائر الماشية، الزراعة، حقول الأرز، مكبّات النفايات العضوية، تفكيك النفايات العضوية، مناجم الفحم، التسرّب في أنابيب الغاز الطبيعي، عمليات الاحتراق غير المُكتملة للغطاء النباتي في الغابات.

.

3 - أكسيد النيتروز:

يشكّل نسبة قليلة من غازات الدفيئة، ولكنه أقوى ب 264 – 300 مرة من ثاني أكسيد الكربون.

 زاد متوسط تركيزه من 270 إلى 316 جزء في المليون، بفارق سنوي قدره 18 % عما كان عليه قبل الثورة الصناعية.

 ينتج بشكلٍ طبيعي في الغلاف الجوي كجزءٍ من دورة النيتروجين.

معدل بقائه في الجو 100 - 120 سنة.

أهم مصادره: الأسمدة الصناعية المستخدمة في الزراعة، معالجة مياه المجاري، حرق الوقود الاحفوري.


4 - مركبات كلوروفلوروكربون:

لم تكن موجودة قبل الثورة الصناعية، وتكمن خطورتها في خلخلة طبقة الأوزون، وأخذت أهمية خاصة في العام 1985 إثر اكتشاف العلماء وجود ثقب في طبقة الأوزون فوق القارة القطبية الجنوبية قطره 9 كم بسبب انخفاض كثافة الأوزون عن معدلها الطبيعي بنحو 50 %، بعد مرور 15 عاماً فقط منذ بدء ظهور علامات الإحترار العالمي 1970.

يزداد تركيزها بواقع 4 % سنوياً، وتحتاج معالجتها إلى 50 - 100 سنة.

أهم مصادرها: السيارات، المكثفات، معدات التبريد، البخاخات، أجهزة الاستنشاق، المُبرّدات، محاليل التنظيف.


5 - الغازات المفلورة/ الصناعية:

تتضمّن مركبات الفلور المختلفة مثل الكربون الهيدروفلورية، ومركبات الكربون المُشبعة بالفلور، وسداسي فلوريد الكبريت، وثلاثي فلوريد النيتروجين.

تنتج من مجموعة مُختلفة من الأنشطة الصناعية، حيث تُستخدَم في بعض الأحيان كبدائل للمواد المُدمّرة لطبقة الأوزون، ورغم أنَّ نسبة انبعاثها عادةً ما تكون قليلةً إلّا أنَّ لها تأثير قوي في الاحتباس الحراري يفوق تأثير ثاني أكسيد الكربون بآلاف المرات.

تبقى في الجو مئات الآلاف من السنين، وتمثل حوالي 2 % من غازات الدفيئة.

مركبات الكربون المشبعة بالفلور: أهم مصادرها إنتاج الألمونيوم.

سادس فلوريد الكبريت: أهم مصادره: انتقال الطاقة الكهربائية، والماغنيسيوم والألمونيوم.


6 – غاز الأوزون: 

ينتج الأوزون أو الضباب الدخاني على سطح الأرض عندما تتفاعل أكاسيد النيتروجين والهيدروكربونات مع أشعة الشمس.

أهم مصادره: السيارات، محطات الطاقة، ويُعتبر غاز الأوزون الأرضي ملوّثاً خطيراً؛ كما له تأثير على الرئتين، إضافةً إلى أنَّه يُسبّب 5 % من تأثير الاحتباس الحراري.


أمراء التلويث:

68 % من الانبعاثات الملوثة السنوية تأتي من استخدام الوقود الأحفوري في توليد الكهرباء والطاقة، و13 % من وسائل النقل حيث أثبتت الدراسات أن راكب القطار السريع يتسبب في انبعاث 14.2 كيلو جرام من الكربون مقارنة بـ 43.6 كجم لراكب السيارة و82.4 كجم لراكب الطائرة، و17.4 % بسبب إزالة الغابات والشعب المرجانية التي تُعد بمثابة مغسلة الكربون، و14 % من استخدام المبيدات الكيميائية في الزراعة، و74 % من الانبعاثات الزراعية تنشأ في الدول النامية.

واستحقت أميركا لقب أميرة التلوث، فهي تصدر ربع انبعاثات العالم وتستهلك ربع إنتاجه من الوقود الأحفوري، تليها الصين والهند حيث تتحمل الأولى المسؤولية عن 35 % من الانبعاثات الملوثة والثانية 22 %، والسبب في ذلك أن معظم الشركات والمصانع الأميركية والغربية الملوثة موجودة في الصين والهند تم نقلها من موطنها الأم إما لوجود قوانين صارمة تحد من حرية التلويث أو لرُخص الأيدي العاملة.

لذا فأي محاولة لمعالجة أزمة المناخ ستحتاج إلى خفض كبير للانبعاثات من أميركا والصين.

وكانت أميركا مسؤولة عن 5.7 مليار طن، 11 % من إجمالي الانبعاثات، تليها الهند 6.6 % والاتحاد الأوربي 6.4 %.

وعندما يقيس العلماء انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، فإنهم ينظرون إلى إجمالي الانبعاثات التي تسببها دولة ما في الهواء على أرضه كل عام.

في حين تزيد انبعاثات الصين عن ضعف انبعاثات أميركا، ولكن تاريخياً، أصدرت أميركا انبعاثات أكثر من أي دولة أخرى في العالم، لتشمل القائمة دول أخرى كالهند، والاتحاد الأوربي، وإندونيسيا، وروسيا، واليابان، والبرازيل، وإيران، والسعودية.

في العام 2006، تفوقت الصين على أميركا كأكبر مصدر لانبعاث ثاني أكسيد الكربون في العالم.

وفي العام 2019، شكلت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الصين ما يقرب من 2.5 ضعف انبعاثات أميركا، وأكثر من جميع دول العالم المتقدمة مجتمعة، وفقا لتحليل مجموعة Rhodium Group.

وأصدرت الصين 14.1 مليار طن متري من ثاني أكسيد الكربون في العام 2019، وهذا يشكل أكثر من ربع إجمالي انبعاثات العالم.

الحلول:

من اهم الطرق الممكنة والممنوعة من الصرف في ذات الوقت لحل مشكلة التغيّر المناخي:

1 - الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة بأنواعها.

2 - تنظيف الغلاف الجوي من غاز ثاني أكسيد الكربون، من خلال السماح للأنظمة البيئية الطبيعية المختلفة كالغابات والمحيطات بأداء عملها في امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون، فتلك النظم توصف بأنَها بالوعات أو مُصرِّفات الكربون، وذلك من خلال منع عمليات إزالة الغابات، والحد من تدمير موائل الحيوانات سواء في المحيطات أو غيرها من النظم، وتشجيع زراعة الأشجار دائمة الخضرة.