Translate

الثلاثاء، 28 يناير 2020

حالميـــــن

حالمين أحدى مديريات ردفان الأربع م/لحج حالياً ، و إحدى مراكز مديرية ردفان سابقاً ، تحدها من الشمال مديريات الضالع ، و من الغرب الضالع و ردفان ، و من الجنوب الشرقي مديريات المفلحي و يهر و حبيل الجبر ، و من الشرق لبعوس يافع ، سميت المنطقة حالمين نسبة إلى قبيلة كبيرة أستوطنت المنطقة و ما جوارها ، و يبلغ تعداد سكان حالمين بـ 27871 نسمه تقريباً حسب آخر تعداد للسكان، و حالمين سلسلة مناطق جبلية تتخللها وديان عميقة ، و هي من أخصب الوديان و غنية بالمزروعات و يكتسيها الأخضر ، و تعتمد على هطول الأمطار الموسمية و تدفق السيول من أعلى الجبال ، لا تصلها الشمس أبداً إلا عندما تبلغ الشمس في وسط السماء ، كما تكسو المدرجات الزراعية الجشائش و المحاصيل الزراعية مثل الشعير و القمح و الذرة .
و حالمين تتكون من عدة قرى و تسكنها عدة أسر و قبلائل و أشهرها ، قرية النسري و العمري و و الباقري و المسلم و النوبة و وادي الضباب و حبيل آل الصريم كما أن من قبائلها آل الدِباني في الجبل الأنعمى ، و القدحي في القصر ، الليثى في نعمه ، العُكيمي في يسرى و الهور ، علوى في حيد الذئاب و موقر ،عمرى و باقرى و نصرى في الجبل ، خماطي في نعيمه ،حريبي في الضبيه ، جرافي في شعب الجراف ، مسلمى و جبراني في دار الجبل ، حيدرى في حازة الحالمي ، ماسي في حنكة الماس ، أهل بشير جبراني و طوهري في لكمة الركب ، جعشني في الحجف ، عمراني في المعدى ، عيسائي في سهانر ، محبشي في اللقوح ، و مالكي في قرية بلدة المالكي ، و دغفلى في حبيل مدفر ، و راجحي في بوران ، كم أن من قبائلها آل النسري و آل الغلابي و آل مطلق و آل الضحاك.

الجنبية اليمنية سلاح أم وسيلة لإبراز المكانة الاجتماعية ؟

الإثنين, 07 نوفمبر  2011 يمن برس
الجنبية اليمنية تعد دليلاً على الرجولة والقوة والشجاعة، لكنها تعتبر أيضاً إشارة على أصل حاملها، ويختلف شكل جهاز (غمد) الجنبية ورأسها (مقبضها) باختلاف مكانة حاملها في المجتمع اليميني، فما هي أنواعها ورمزيتها الاجتماعية؟
يتميز معظم اليمنيين بحرصهم الشديد على التمنطق بالجنبية (خنجر بغمد وحزام يُلَفُ على الخصر). وبصرف النظر عن الرمزية التي تقدمها الثقافة التقليدية بكونها دلالة على الرجولة والقوة والشجاعة، أو تلك الرمزية (النسبية) التي تقدمها الثقافة المدنية للجنبية بكونها رمزاً للعصبية القبلية، فإن للجنبية في اليمن تأريخاً ودوراً اجتماعياً. فبالإضافة إلى كونها سلاحاً شخصياً فهي لازمة من لوازم الزينة للرجل اليمني وخاصة في المجتمع التقليدي. لكن ما لا يعرفه الكثيرون عن الجنبية في اليمن أنها كانت وما زالت إلى حد ما تعد واحدة من العوامل التي يمكن التعرف من خلالها على أنماط التمايز الاجتماعي في المجتمع، وذلك إما باختلاف شكل جهاز الجنبية (الغمد) أو باختلاف رأس الجنبية نفسها (مقبض الخنجر).
من جنبيتك يعرفك!
يفاجئك صادق عجان بقدرته على تحديد هوية الشخص الذي يقابله لأول مرة ودون سابق معرفة بينهما، قد يقول لك هذا حاشدي (نسبة لقبيلة حاشد) وهذا بكيلي (نسبة لقبيلة بكيل) وهذا مأربي أو بيضاني أو حضرمي أو يافعي (نسبة للمناطق التي يأتون منها)، أو أن هذا الشخص لا ينتمي لقبيلة محددة، أو أنه قاضي (يعمل في القضاء). كل هذه المعرفة يستمدها عجان من طبيعة وشكل مكونات الجنبية التي يلبسها الشخص المعني، فهناك فروق بسيطة لا يلحظها إلا الخبير بالجنابي وأغمادها، خاصة وأن هذه الفروق لم تعد بارزة كما كانت في الماضي.
الجنبية في اليمن كانت وما زالت إلى حد ما تعد واحدة من العوامل التي يمكن التعرف من خلالها على أنماط التمايز الاجتماعي
الجنبية والجغرافية
للجنبية مكونان أساسيان وهما الرأس (المقبض) والنصلة (الخنجر)، والرأس على نوعين، كما يقول بائع الجنابي بسوق الملح بصنعاء علي الأريم، وهما العزيري والكرك. وللنوع الأول أربعة أصناف يحددها في حديث مع دويتشه فيله الخبير بشؤون الجنابي صادق عجان، وهي "الصيفاني والزراف والأسعدي والبصلي"، مرتبة تنازلياً وفقاً لجودتها.
ومصدر هذا النوع هو قرن الحيوان الأفريقي "وحيد القرن" كما يقول الأريم، الذي يستطرد في حديث إلى دويتشه فيله قائلاً، بأنها الأغلى سعراً ولا يقتنيها ويلبسها إلا الأثرياء والوجهاء.
أما النوع الثاني فعلى ثلاثة أصناف، يحددها الأريم بـ"المصوعي والمحبشي والصيني"، ومصدر هذا النوع هو قرن الجاموس. وهذه الأصناف الثلاثة أقل سعراً وأوسع انتشاراً. ومن شكل رأس الجنبية يتم التعرف على الجهة التي أتى منها الشخص، فهناك البدوي، وهي جنبية نحيفة ومبرومة، واليافعي والحضرمي، جنبية مبرومة لكنها عريضة، والصنعاني والذماري، تكون عريضة ومجنحة.
من شكل رأس الجنبية يتم التعرف على الجهة التي أتى منها الشخص
أما النصلة (الخنجر) فقد تكون قديمة أو حديثة، والقديم منها مطلوب وسعره أغلى، وتصنع من الفولاذ أو الحديد وخاصة قطع جنزير الدبابات والأخير هو الأفضل والأغلى سعراً، إذا كانت صناعته حضرمية.
غمد الجنبية بوصلة للهوية
يصف بائع الجنابي بسوق الملح توفيق بدر أنواع أغماد الخناجر (أو الأجهزة بلسان أهل اليمن) بقوله: "الأجهزة ليست على نوع واحد"، وبتابع بالقول: "هناك ما هو خاص بالقبائل وما هو مخصص لغير القبائل".
ويستطرد زميله على الأريم قائلاً: "الجهاز البكيلي يشبه الجهاز المأربي، فكلاهما مصنوعان من الجلد الطبيعي"، لكن المأربي "يُبرم إلى فوق ورأسه عريض"، أما البكيلي "فمفتوح ورأسه أقل عرضاً".

وللسادة والقضاة جهاز خاص بهم يعرف باسم "التوزة أو الثومة" كما يقول الأريم، وهو شبه مستقيم وحزامه عريض ويتجه من أسفل يمين البطن إلى يسار الصدر. أما الفئات التي ينظر لها بأنها الأدنى في السلم الاجتماعي، فيتميز جهاز جنبيتها بكونه أكثر زينة عن بقية الأجهزة.
أشهر وأثمن الجنابي في اليمن
ويتباهى الكثير من اليمنيين في المناطق القبلية والمجتمعات التقليدية بجودة وأصالة ما يملكون من جنابي موروثة في الغالب عن الآباء والأجداد. ولا تندهش  إذا ما وجدت يوماً شخصاً لا تعرفه وهو يحدق بعينيه إلى صدرك (إذا ما كنت ممن يلبسون الجنابي)، فهو بالتأكيد يحاول التعرف عليك بواسطة الجنبية التي تضعها. ولكي تكون الجنبية ثمينة، فلا يكفي أن يكون الرأس صيفاني والنصلة حضرمي أو تكون الجنبية يافعية. لكن  من هو الشخص الذي يملك ويلبس هذه الجنبية أو من كان يملكها ويلبسها. فهناك جنابي قُيل أن سعرها بلغ مليون دولار أمريكي -كما يُشاع عن جنبية يملكها الشيخ البكيلي ناجي بن عبد العزيز الشائف. وهناك روايات تتداولها الأوساط الشعبية عن جنبية الإمام يحيى بن حميد الدين (قائد الحركة الوطنية اليمنية ضد أخر تواجد تركي في اليمن وتولى الحكم 1911-1948)، والتي وصلت إلى شيخ قبيلة حاشد المرحوم عبدا لله بن حسين الأحمر. ولذلك تعد أشهر الجنابي في اليمن كونها قد تنقلت بين ثلاثة ملوك لليمن وشيخ لأكبر القبائل نفوذاً قبل أن يستقر بها المقام الآن في عهدة الشيخ صادق الأحمر، الذي ورث أبيه على رأس القبيلة وورث عنه أيضا الجنبية، ويخوض الآن مواجهة شرسة مع نظام الحكم منذ أن أعلن تأييده للثورة الشبابية الشعبية السلمية في اليمن.

قصيده قديمه إهداء الى مأرب الوادي

 ...
للشاعر عامر بن محمد بن سهيل ...
يقول ابو حمده انا ما لـذ لـي رعـي الدشـوش         رعــي الحـفـاء عـقـب البـثـاء مـاهــوب شـــي
معـاد ابـا قـرب الجبـل والا محالـيـل الجـنـوش         لـــي رعـيـهـا بــــا تـنـبـتـه مــــن كــــل شــــي
بغيت فـي الرملـه سقاهـا الله مـا فيهـا عتـوش         حــيــث الــزهــر يــشــري وكــــرم مـحـبـشــي
ونرعاه بالي تطرب الراعي وسيعات الكروش          الـبــل خــيــار الــمــال عــنــدي احــــب شــــي
والا سعف لغمـار ذي تفـرح فـلا لـم الطـروش          سـيــارهــم وقـطــارهــم هـــــو الــــــذ شــــــي
حنيت ما حن الضوامي لـك يـا مـولا الحبـوش          مــــــولا حـبــيــشــي بـالــخــمــار مـغــمــشــي
بغيـت لـي مزمـوم يالمزيـون محلـي بالنقـوش           اخـــطــــام مــحــلـــي والـــعــــذار مـنــقــشــي
يمـلـك سمـحـه فــلا بقـيـت عـذاريـهـا تـنــوش           لا درهــمـــت كــنــهــا الـــســـراب تــمــرشــي
وانا اذكر الله عندها طرعه وعجله بالقحـوش           وظــهــرهـــا كـــنــــه الــحــريـــر مــفــرشـــي
وسلامتكم
موقع منتديات مأرب
http://www.mareeb.net/vb/archive/index.php/t-32099.html

شـــيخ الفضائل

الإهداء: إلى روح شيخ اليمن // عبدالله بن حسين الأحمر
بقلم العلامة الأديب يحيى بن أحمد الخزان
 ماذا أقول وما عساني أنظمُ  .. شيخاً له جل الفضائلِ تُنسبُ
متجاوزاً شُهُبَ السماءِ وأرفعُ .. فضلاً ومجداً مجدُهُ لا يَذهبُ
أصلاً وفصلاً أصلُهُ لك يشهدُ .. فلك المكارِمُ والمناقبُ تُحسبُ
إن قِيلَ من هذا الهُمَامُ يُجابُ ذا .. إبنَ الأكابِرِ والمكارمِ تُنصَبُ
وابنَ الأجاويدِ العظامِ تواضُعاً .. من حاشدِ الأبطال هذا يُنسَبُ
 نبراسُ هامُ زمانه يتوقدُ .. نُوراً مُضِيئاً بالسماءِ مُركبُ
إبنُ الحسين أكابرٌ ومعالمٌ .. هذا الكريمُ بأصلهِ لا يكذِبُ
هذا المناضِلُ والمجاهِدُ ناصرُ .. مبخوت جدُك أحمرٌ ومهذبُ
وأخو حميدٍ نِعم أخٍ يَصعدُ .. ولكم جميعُ الناسِ دوماً يَصحبُ
يابن الشهيدِ أخو الشهيدِ الأكمَلُ .. حلماً وعفواً سيرةٌ لا تَغضَبُ
هذي شمائلُكَ الغزيرةُ تنزِلُ ..  مدرار غيثٍ من سحابٍ يسكُبُ
دوماً على اليمنِ الحبيبِ ويهطل .. عذباً فراتاً ماءُهُ لا يَنضَبُ
أجدادُك الأفذاذُ هم لك معدِنُ .. لهمُ الفتوحاتُ العظامُ تُرتبُ
فتحوا المشارقَ والمغاربَ دعوةً .. حقاً اليك الفخرُ هذا يُصحَبُ
فلكم مقاليدُ السيادةِ تَعظُمُ ..  وإليك يهفوا من أتى مُتقرِبُ
فصنيعكم في كل قطرٍ يُوجدُ .. موصولةٌ بشمائلٍ لا تُسلبُ
وجميلكم في كلِ قلبٍ يكمُنُ .. حباً على فكرِ العقولِ مُجربُ
هذي شمائلُ فضلكم تتجددُ ..  دوماً على يمن السعيدةِ مكسبُ
تُوجتَ عبدالله أنت مُحَصنٌ ..  بشمائلٍ ما إن تُعَدُ وتُحسَبُ
يابنَ الكمالِ فلم تُعِر ما يُكتَبُ .. من هؤلاءِ سفاهةً لا تُنسَبُ
ها قد غدوت كنور بدرٍ  مُنَصِفٍ .. بل شمسُ ظهرٍ ضوءُها لايغرُبُ
في مشرقين ومغربين فضائلٌ .. ألبستها ضوءاً منيراً يلهبُ
دامت محاسِنُكَ العظيمةُ تزخرُ .. للمسلمين صحائفاً لا تُحجبُ

غيلان المحبشي

للشاعر اليمني الكبير // حسن عبدالله الشرفي
غيلان جئت
فقل لميه أين ميه؟
قالت " مفارجها "
لعلك قلت :أين الدودحيه؟
أرأيت كيف تُبدل الدنيا
ملامحُها فتغدو البابلية "بابكيه"
يا أنت ..يا غيلان
لست هنا
ولست هناك
من قلب الصبيه
عشِقت سواك
لأن جيب سواك للحسناء
مفتوح الشهيه
من أين تدخل قلبها الريفي
وهو محاصر " بالفنطسيه"؟
"بالين" "بالدولار " " باليورو "
بكل مناقصات العشق
باللغه الذكيه
بالأطلس العسال
عشاه الفرزدق
ما تيسر
بالغداة وبالعشيه
عشاه خيمته باطراف
"السمينه" (1)
في الجفان " الدارمية"
والقدور "القرمطية"
* * *
 غيلان جئت
فقل لميه, أين ميه؟
في غابة الاسمنت
ترتفع القواعد فوق نهديها
مدججة الهوية
تمتد أودية الجفاف بها
ليبقى " القات " أولى
بالمحبة والتحيه
من يوم أسلم وجهه
" للهوشلية"
دق الطبول
لزفة الرمل الملقح بالسراب
وبالسموم
إلى الرياح الموسمية
فتراه في " جياح " شحاتاً
يناوب في الخطوط الدائرية
وتراه في " داجون " (2) سمساراً
صفيق الوجه
مشبوه الخليه
* * *
" يا سهل  خطاب" (3)
وقد أدمنته سهراً
وحمى نابغيه
أسمعت زوملة الجراد
على حواشي " المغنمية"(4)
أنا لو أتيت بقلبي الثاني
من النفس الزكيه
ما غمغمت في الحروف
الظامئات
ولا " تغيلنت " القضيه
لكن هذا القات طوح بي
فيا صنعاء .. يا صنعاء
عودي بي إليك
 إلى قصائدك الشجيه
* * *  * * *
*المحابشة
14/6/1999م
الهوامش
(1)رمز إقتبسه الشاعر من شعر مالك بن ريب المازني في قوله
ولكن باطراف السمينه نسوة
عزيز عليهن العشية مابي
(2) داجون: منطقة في علكمة من أعمال كحلان الشرف
(3) سهل خطاب : من أعمال مديرية قفل شمر
(4) المغنمية: من أعمال منطقة بني جيل.
*يذكر بأن مابين الأقواس من أسماء أودية ومناهل في المنطقة من بلاد الشرفين " المحابشة"

طريق الإنسان إلى السعادة

بقلم //زيد يحيى المحبشي
الثلاثاء 23 ديسمبر 2008م
بين الأمل والطموح تُحلّق أرواحنا من أجل الظفر بالسعادة التي تبقى حيّةً في آفاقٍ حاضرة ونحن نعتقد أنه لابُدَّ من الوصول إليها يوماً ما، ولا يوقفنا عن هذا الشعور المخملي إلا الموت وسخرية نهاية الحياة.. إنها أمل كل إنسان ومنشود كل البشر لأن بها يتحقق الأمن الروحي والنفسي، وهو مطلبٌ دونه عقباتٌ كثيرة بفعل بواعث القلق والخوف والاكتئاب، ودواعي التردد والارتياب والشك.. وهي أيضاً قصة الإنسان وشاغله الأول في مسيرة حياته، والفجوة الشاغرة بين الامتلاك والرضا، بين ما لدى الإنسان وما يريده، والحلقة المفقودة المصاحبة له في مكابدته الحياتية من المهد إلى اللحد..
ولذا قال الحكماء “الشيطان يُمنّيِك بالمفقود لتكره الموجود، ولكن الإنسان يظل باحثاً عن المفقود، حتى إذا امتلكه تحول إلى شقاءٍ موجود”، وقالوا أيضاً "إذا لم تستطع أن تعمل ما تُحب، فأحب ما تعمل، فإن السعادة تتحقق حين يسعد الإنسان بما لديه، حين يعجز عن الحصول على ما يتمنى، حين يسعى ويرضى" .
اليوم ونحن في عصر الحداثة والعولمة صارت السعادة بعيدة المنال بل وتكاد أن تنظم إلى قائمة المستحيلات بفعل تعقيدات الحياة، فملامح الاكتئاب تكسو وجوه الكثير ممن لازالوا في مقتبل العمر وأمامهم آمالٌ عريضة، شاخت نُفوسهم باكراً وأصبحوا حين يسألون عن السعادة يبادرونك بتنهدات الأسى والحزن.
لكن ما هي السعادة؟ ببساطة هي حالة معنوية نسبية تختلف من شخص لآخر تبعاً لمقومات الحياة وتطور الإنسان في مراتب الإنسانية وسلالم الكمال البشري، ولذا فهي لا تقاس بالكم ولا تحتويها الخزائن ولا تُشترى بالمال، لأنها حالة من الشعور والإحساس الداخلي بالابتهاج والاستماع وصفاء النفس واطمئنان القلب وانشراح الصدر وراحة الضمير، بصورة تصير معها حياتنا جميلةً مستقرةً خالية من الآلام والضغوط.
دينياً، يختزل الحديث الشريف ماهيتها في ثلاث كلمات “من بات آمناً في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فقد حِيزت له الدنيا بحذافيرها” وهو إيجاز بالغ الدلالة توحي مفرداته بأن الإيمان إشعاعه الأمان، والأمان يبعث الأمل، والأمل يُثمِرُ السكينة، والسكينة نبعُ السعادة، والسعادة حصادها (أمن وصحة وهدوء واطمئنان قلبي).
 وذلك سرّ استمتاعنا بالحياة رغم مرورنا بالشدائد والنكبات، وسرّ تغلبنا على الصعاب المعترضة طريقنا وسرّ معالجتنا المشاكل بنفوس راضية، وصولاً إلى تسخير ما في الكون لمصلحة الإنسان ولتحقيق إنسانيته، وتلك هي السعادة الحقيقية التي عناها الأثر الشريف “بقاءٌ بلا فناء، وعلم بلا جهل، وقُدرةٌ بلا عجز، وغِنى بلا فقر”.
وقد قيل للسعادة يوماً: أين تسكنين؟
قالت: في قلوب الراضين،
قيل: فبم تتغذين؟
قالت: من قوة إيمانهم،
قيل: فبم تدومين؟..
قالت: بِحُسن تدبيرهم،
قيل: فبم تُستجلبين؟
قالت: أن تعلم نفس أن لا يصيبها إلا ما كُتِبَ لها،
 قيل: فبم ترحلين؟
قالت: بالطمع بعد القناعة، وبالحرص بعد السماحة، وبالهم بعد السعادة، وبالشك بعد اليقين.
من خلال الحوار السابق نخلص إلى ضرورة توافر عدة مقومات لأهميتها في تمكين الإنسان من تحديد ما هو الشيء الأهم بالنسبة له والذي يحقق سعادته والتي بدونها يعيش في صراع داخلي وقلق دائم، والعوامل المؤثرة فيها والمثبطات الحائلة دونها وكلها لا تخرج عن مبدأ “الألم واللذة” المعني أساساً بقياس مدى سعادتنا أو تعاستنا، تبعاً للأساليب الحياتية والرغبات الإنسانية المصاحبة لها سواء كانت نبيلة أو غير نبيلة باعتبارها الفيصل في تجسيد سعادتنا أو تعاستنا.
 إن وجود أهداف حقيقية وواقعية وقابلة للتطبيق في حياتنا تساعدنا لنكون سعداء، لأن الإنسان بلا هدف إنسان ضائع وتمتعنا بالقدرة على الاستجابة الصحيحة لتحديات الحياة ومتطلباتها بما يتفق مع طبيعتنا كبشر من قبيل المسؤولية تجاه أنفُسنا، ومن يعتمدون علينا، ومن نتعامل معهم، يجعلنا أقرب إلى بلوغ السعادة. وذلك لن يتم إلا من خلال تقديرنا لذاتنا وللآخرين والشعور بالسيطرة على مجريات الحياة اليومية، ونسج العلاقات الحميمية الدافئة وإعمال الوسطية في كل أمورنا، والقدرة على التفكير والتحكم واتخاذ القرارات الرشيدة في الوقت المناسب، والصحة الروحية، والعقلية والعاطفية والجسدية، ناهيك عن الأحوال المعيشية والعلاقات الاجتماعية والمعتقدات الدينية والقيم الثقافية والحضارية، والانشغال بعمل أو نشاط منتج، والسلوك الحميد الطيب وتوافر القدرة على نسيان وإغفال الماضي بمثالبه ومآسيه، ويبقى الأهم من كل ذلك وهو توافر الإرادة.
وعلى العكس من ذلك، فإن الإخفاق في تحقيق الأهداف أو عدم وجود أهداف متتابعة أو بعيدة المدى، ووجود الحسد والخمول والكسل والتواكل والتسويف والعلاقات السيئة والعزلة والخوف من انتقاد الآخرين يجعل من السعادة أمراً بعيد المنال. ذلك أن الحياة السعيدة تصنعها الأفكار والعمل لا الانتظار والركون.
 فلنستيقظ حتى نرى كم الحياة جميلة.