زيد يحيى المحبشي
التغيير الحقيقي والشامل حسبما قرئنا في العلوم السياسية يختلف كليةً
عن التغيير الجزئي في مبناه ومعناه, لسبب بسيط هو أن الثاني مجرد محطة ترانزيت
غايتها ترميم وتجميل الموجود القائم دون إحداث أي تحول فعلي في المنظومة العامة المثار عليها (تغيير في الأشخاص دون المساس
بالسياسات ممزوجاً ببعض المحسنات الاقتصادية الممرحلة).
بينما يقوم الأول على إحداث
تحولات فعلية عميقة ونهائية على نحو يقطع مع عصر استبدادي كامل, وإقامة نظام جديد
يتسع لكل أبنائه ودولة جديدة لم يعد فيها البلد مزرعة لأحد, وشعب يؤمن بحتمية
التغيير كخيار وقدر غير قابل للمساومة والمتاجرة, شعب مستعد للتضحية ودفع الأثمان
المترتبة على التغيير, وصولاً إلى امتلاك زمام المبادرة, شعب قادر على أن يحدد
بالدستور والقوانين والشرعيات شروط ومواصفات "من يحكمه وكيف يحكمه", شعب
لديه من الضمانات ما يكفي لمنع أي سلطة رئاسية أو حكومية من التحول مجدداً إلى
سلطة قمعية واستبدادية..
ضمانات تنبني على انشاء عقد اجتماعي جديد يضم دستور وأركان نظام
ديمقراطي مؤسساتي مدني, يُؤسَسَ على أنقاض سلطة الرأي الأوحد والحزب الواحد, عقد
اجتماعي جديد يُسمح فيه للمجتمع – بعيداً عن أهواء السلطة الديكتاتورية المتهاوية
وسيوفها التي لا زالت مسلطة على رقاب الناس- بوضع قواعد وأسس دولة مدنية عصرية, لا
رغبات فيها لسلطة تسعى إلى تأييد وتأليه وتقديس الأنظمة القفصية الاستبدادية, ولا
ينفرد فيها الحاكم بالتحكم في غرفة الأقدار.
التغيير الحقيقي والشامل ببساطة هو نتاج طبيعي وترجمة عملية لتوافر
الثقة المتبادلة بين أطياف الفعل الثوري والسياسي وإعمال الولاء الوطني وتقديمه
على ما عداه من ولاءات ضيقة وقبل هذا وذاك وجود إرادة وطنية تؤمن بحتمية وضرورة
التوجه الجِدِي الجمعي لتجاوز الرؤى الكلاسيكية القائمة على ثقافتي الغالب
والمغلوب وإبدال التنابذ والتحاقد والتحارب بالتحاور والتدافع, والتوافق على
معايير وآليات واضحة, تسهم بشكل ناجز في بناء منظومة علاقات متينة بين أطياف الفعل
السياسي والثوري, علاقات واثقة ومطمئنه تضمن استمرار الطاقات المتعددة والمتنوعة
وتضمن الاختلاف المذهبي وخصوصياته وتكفل طبيعة المحتوى الثقافي والفكري وخصائصه
المتنوعة وتدفع بأطياف المجتمع "معاً" إلى ساحة الفعل الحضاري والتنموي,
حسب رؤية المواطنة المتساوية والعيش الواحد المشترك والوطن المتسع لجميع أبنائه,
ومن خلال روافد المحبة والتسامح والإقرار بمبدأ تكافؤ الفرص بين أبناء الوطن عامة.
وكل هذا لا يتأتى ولا يكون إلا في حالة واحدة وواحدة فقط, هي امتلاك
القدرة والإرادة الجمعية لبناء منظومة متنوعة من الأسس والمرتكزات المُتَنَاغَم
والمُتَوَافق عليها وإليها, تضمن البناء السليم للحاضر والانطلاقة الواثقة نحو
المستقبل...