Translate

الثلاثاء، 31 مايو 2022

فضيلة القاضي العلامة العميد محمد بن عبدالله بن حسن بن حسن بن أحمد بن علي المحبشي


عالم مجتهد، قاضي، فقيه محقق في عدة علوم، أديب، شاعر، ضابط.

مولِّدُه بمعمرة من أعمال الأهنوم في حدود العام 1347 هـ، الموافق 1929، ووفاته بالمحروسة صنعاء في السبت 6 جمادى الآخر 1430 هـ، الموافق 30 مايو 2009.

من أعلام بيت المحبشي القلائل الذين جمعوا بين زهد العلماء وحكمة القضاة وحنكة العسكر وفصاحة الأدباء.

التحصيل العلمي:

أخذ العلوم الشرعية وعلوم الحساب والقضاء والفلك والعربية عن والده وجده سيدنا حسن صاحب الفضائل والكرامات، وكوكبة من عُلماء معمرة وشهارة والأهنوم، وأجازه العديد منهم في مفهوم ومنطوق ومحفوظ تلك العلوم.

السجل الوظيفي:

عمل منذُ وقتٍ مُبكر في القضاء، فحُمدت سيرته، وذاعت شُهرته.

عمل في محكمة استئناف الحديدة وتنقل في عدة مناصب قضائية في الحديدة وصنعاء.

بعد تولي الرئيس الخالد الذكر "إبراهيم الحمدي" مقاليد الحكم في شمال اليمن، تنبّه بعض القادة العسكريين لهذا القاضي الجليل، فتواصلوا معه وأقنعوه بالالتحاق بالسلك العسكري، وهنا برز دوره كقائد عسكري مُحنك جمع بين نزاهة العلماء وإقدام القادة العسكريين، وكان محل إعجاب واحترام وتقدير الجميع.

شغل العديد من المناصب العسكرية في عدة محافظات يمنية، فعمل مُستشاراً عسكرياً ومسؤول مالي وضابط أشغال، وعُرض عليه العمل في القضاء العسكري، لكنه رفض ذلك، مخافة تسخير القضاء في خدمة أهداف عسكرية آن ذاك.

الإنتاج الفكري:

له عدة دواوين شعرية في فنون مُتعددة، لا تزال مخطوطة، من ضمنها نظم في الفرائض، ونظم في توثيق الأحداث وتواريخ وقوعها جامعاً بين مهارتي الشعر والحساب بأسلوب فذ من النادر أن يتقنه أحداً من نظرائه.

قالوا عنه:

1 - المهندس عبدالله محمد المحبشي:

ترعرع القاضي العلامة محمد بن عبدالله المحبشي في أسرة تشرّبت العلم قولاً وعملاً، وانتهجت الزهد أسلوب حياة.

حفظ القرآن الكريم ومتون الفقه واللغة، ودرس حواشيها، واجتهد في طلب العلم، وتتبع منابعهُ منذ طفُولته

إذا تكلّم في القضاء وعلومه يُخيّل لمن حوله أنه لا يعرف إلا القضاء.

وإذا تكلّم في النحو والصرف وعلوم العربية يُخيّل لمن حوله أنه لا يعرف إلا العربية.

وإذا تكلّم في الفرائض يُخيّل لمن حوله أنه لا يعرف إلا الفرائض.

وإذا تكلّم في الفقه يُخيّل لمن حوله أنه لا يعرف إلا الفقه.

وإذا تكلّم في السير والتاريخ والشعر والحساب والفلك أدهش الحاضرون بغزارة علمه، وتنوع معرفته، وحِدة ذكاءه، وإتقان حفظه، حتى أنه تعلّم شيئاً من اللغة الإنجليزية، وكان يقوم بحل مسائل حسابية مُعقدة، مُعتمداً في حلها على ذكائه.

وكان فوق كل هذا رجُلاً شُجاعاً، مِقداماً، وشاعراً فصيحاً، لا يخاف في الله لومة لائم.

جمع رحمه الله بين هيبة القادة، وسِمت العلماء، ووسطية الدُعاة، وحكمة القُضاة، فكان نموذجاً فريداً قلَّ أن تجد له من يُجاريه.

حُكي عنه العديد من المواقف التي تجلتّ فيها وسطيته وحكمته وعدله، داعياً الناس إلى كلمة سواء.

كان عدلاً في أقواله وأفعاله ولو على نفسه وأهله، لا يُحابي أحداً لنسبه أو ماله أو جاهه، القوي عنده ضعيف حتى يأخذ الحق له.

كان كريماً، مُتسامحاً، مُحباً للخير، رؤوفاً باليتامى والمساكين، أحبّ الناس وأحبوه، ورحل من الدنيا وكل من حوله يبكون عليه.

قضى سنواته الأخيرة برفقة كتاب الله، وكُتبه المخطوطة النادرة التي نُقلت إليه عن جده، مُتأمِّلاً آيات الله، مُستنبطاً فوائده وهُداه، مُعتزلاً مجالس النميمة، وحُب الظهور الزائف، إلى أن وافاه الأجل.

2 - الباحث زيد المحبشي:

تعرفت على القاضي الزاهد محمد بن عبدالله المحبشي في نهاية تسعينيات القرن العشرين الميلادي، ومن يومها كنت أزوره كلما سنحت لي الفرصة، فقد كان رحمه الله موسوعة دينية وأدبية وتاريخية ومعرفية، ومرجعية في تاريخ اليمن تُشبِع نَهم وفَضول الباحثين والإعلاميين والمثقفين، ومدرسة في الأخلاق والتواضع والعفة والنزاهة وعزة النفس، وكانت له رُؤية ثاقبة في تحليل الأحداث السياسية واستقراء تداعياتها ومآلاتها، وكانت له روح مرحة، لا يخلو حديثه من الدُعابة والطُرفة والنظم والفائدة والحكمة، ولا يمل جليسه.

3 - القاضي العلامة الأديب عبدالوهاب بن يحيى بن عبدالله المحبشي، رثاه بقصيدة بعنوان "أشجان النفوس":

على كل حالٍ نحن في مركب الفنا .. نسير الهوينا يسرع الموت خلفنا

نودع أهلينا وننسى نفوسنا .. ونألف سلوانا فنسلوَ إلفنا

وما إن أرى طفلي بكفي مُقمطاً .. أراه على كَفَّي بنيه مُكفنا

فدعني أُبادرها لتحيا مُجدداً .. مخافة يوماً أن تموت فتُدفنا

وتلك هي الدنيا وإن جار خطبُها .. وهدَّ قُوانا في الرزايا وأوهنا

وأودى بخير القوم من نسل خيرهم .. وخلى ادعاء الفُقد فيه مُبرهنا

هو الموت صرافٌ ويختار جوهراً .. على الفأل لا يَقني سوى خير مُقتنى

مضى بهُمامٍ ماجدٍ إن تقدَّمت .. به قدماه للمهمات ما انثنى

وكان الذي إن أحجم الناس دونها .. وقالوا فمن للهول؟، قال: له أنا

**

عدى الدهر – آل المحبشي – عليكُمُ .. وأودى بقيلٍ كان حِصناً ومأمنا

غُداة مضى منكم بخاتم معشرٍ .. يُعدون أتقى أهل بيتٍ وأدينَا

فمن كان خيراً من أبيه وجده .. بكل اتجاه ذكرهم عاطر الثنا

يُسوِّدُ في الأغيار حُسنُ سياسة .. وسيِّدُنا في الناس قد كان أحسنا

أما عُلمت في كل أرض يحلها .. كراماتُه للأبعدين ومن دنا

ملائكةُ الرحمن تعرف فضله .. وتُطعمهُ من غير زرعٍ ولا جنا

وليٌّ من الأقطاب إن مدَّ كفَّهُ .. إلى الله عادت بالأماني وبالمنى

وكان هنيئ العيش لو بات طاوياً .. وقد بات من إطعامه الناس بالهنا

زماناً يسير السائرون بذكره .. وإن ذكروه قدموا الذكرى (سِيدَنا)

وهذا حفيدٌ ذاك قد كان جدَّهُ .. وقد ناله من فضله النور والسنى

يُلَقَّن مولوداً على كف جده .. فيا طاب مولوداً وطاب مُلَقَّنا

وقد شيد العزيُّ أيامه على .. أساسات أسلافٍ فأكرم بما بنى

وودَّع دنيا ليس فيها له البقا .. سوى الله لكن ودَّع الكون مُؤمنا

وخلّف من أبنائه كل فائقٍ .. على غيره والجهدُ بالمجد أعلنا

وخلّف ذكرى صالحين لنسله .. دعاهم إلى آباءِ نهجٍ وأمنَّا

**

أحبَّتَنَا هذا العزاء لكم به .. وهذا على القُربى عزاءٌ به لنا

وعذراً على التقصير في كل حالة .. ولا تُنقص الأحداث والبعد وُدَّنا

بنو المحبشي طُراً أصيبوا مصابَكم .. وبعضُ مُصابٍ كان من بعض أهونا

سميَّ النبي المصطفى ما عساؤنا .. نقول وقد حال ارتحالُك دوننا

على قربِ أشجان النفوس وقربِنا .. ويا عِظم ما قد صار في البُعد بيننا

أبا مصطفى لم يبرح الذكرُ عاطراً .. سننقله عِطراً لمن جاء بعدنا

ونهديك من آي الكتاب لعلنا .. نُؤدي بما نتلوه حقاً لعلنا

ولازال من أهليك داعٍ وصالحٌ . تنال ثواباً كلما كان مُحسنا

عليك من الرحمن روحٌ ورحمةٌ .. مع المصطفى والآل رحماكَ ربنا

أولاده:

أحمد، عبدالرحمن، عبدالقدوس، فائق، مصطفى، عبدالله - مهندس.

مراجع ذُكر فيها العلم:

1 - القاضي العلامة عبدالوهاب بن يحيى بن عبدالله المحبشي، تُعيد أُباة الضيم، الطبعة الأولى 2020.

2 - المهندس عبدالله محمد المحبشي، نجل صاحب الترجمة.