زيد يحيى المحبشي 10 يوليو, 2009
بعد مرور 75 يوماً على توليه رئاسة حكومة الاحتلال الإسرائيلي في31 آذار/ مارس الماضي و10 أيام من توجيه أوباما رسالته التصالحية إلى العرب والمسلمين من على منبر جامعة القاهرة في 4 حزيران/ يونيو الماضي, قرر نتنياهو في 14 حزيران/ يونيو الماضي الإفصاح عن رؤيته التي طال انتظارها عربياً ودولياً, إزاء عملية السلام بالمنطقة عموماً وفلسطين المحتلة على وجه التحديد, بالتزامن طبعاً مع الذكرى الثانية للانقلاب في غزة ومن على منبر جامعة مئير بار إيلان اللاهوتية التي تخرج منها إيجال عامير قاتل إسحاق رابين وباروخ جولدشتاين مهندس مجزرة الحرم الإبراهيمي , وفي وقت تمر فيه المنطقة بحالة من الركود السياسي عنوانها تقطيع الوقت انتظاراً لما قد تفرزه عجلة الحوار الأميركي الإيراني حول الملف النووي والتي سيتم بموجبها تحديد المفاصل التي ستحكم ضوابط الواقع القائم فيما يتعلق بما يجب عمله تجاه عملية السلام تبعاً لمؤشرات واتجاهات البوصلة الإقليمية والدولية على حدٍ سواء.
خطاب نتنياهو في إطاره العام اقتصر على العموميات مفسحاً المجال للمناورات السياسية حول التفاصيل والتي ستخضع للمزيد من اللعب على الخطوط الداخلية- إسرائيل وفلسطين- والخارجية -إقليمياً ودولياً- طبعاً فيما عدا الخطوط الحمراء لأن الموقف فيها نهائي وحتمي وغير قابل للمساومة والمناورة.
نتنياهو بدا أكثر وضوحاً وهو يستحضر المخاوف الإسرائيلية المتراكمة على عكس أوباما الذي بدا أكثر ضبابية ولذا نجده وهو يرسم رؤية ائتلافه الحاكم حريصاً كل الحرص على عدم التصادم مع أوباما ولكن دون الموافقة أو الرفض النهائي لأطروحات واشنطن حول عملية السلام وحل الدولتين وتجميد المستوطنات وهي خطوة ذكية وغمزة خفيفة وشقية جعلت أوباما في مقدمة المرحبين بها.
صحيح أن هذه الخطوة لم تأتِ بجديد باستثناء فتحها المجال لإمكانية استئناف المفاوضات خصوصاً وأنها لم تتعدى حدود عالم الخُدع في مجال العلاقات العامة لكنها رغم ذلك أتاحت لنتنياهو اصطياد 3 عصافير بطلقة واحدة هي ثناء أميركا وإجماع إسرائيلي نادر من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وإقناع كتلة الليكود بأن شيئاً لم يحدث بل مجرد تقليد للمحافظين الجدد في حين بدا المشهد الفلسطيني والعربي رغم مسارعته لرفض أجندة نتنياهو في أسوأ حالات الانقسام والتشتت.
نتنياهو نجح أيضاً في إعادة خلط كل الأوراق عندما طرح مقاربة توازي بين الضغط الدولي لجهة القبول بحل الدولتين وتجميد المستوطنات وبين حاجة كيانه للاعتراف بشرعيته كوطن يهودي، وبين مطالبة المجتمع الدولي بالضغط على الفلسطينيين والعرب للقبول بذلك بصورة توازي ضغطه الحالي على إسرائيل، في محاولة منه لإقناع الجميع بأهمية الربط السلس بين المصالح الإسرائيلية والخطر الإيراني الماثل أمام إسرائيل والمنطقة وبين المستوطنات وضرورة قيام المجتمع الدولي بدور بناء وإيجابي تجاه الخطر الإيراني وعملية السلام بالشرق الأوسط يؤكد التزامه بأمن إسرائيل والضغط على العرب للدخول الفوري في التطبيع وتدشين مرحلة السلام الاقتصادي دون قيد أو شرط كخطوة أولى لتخفيف العزلة عن الفلسطينيين والسير الجدي في عملية السلام.
قراءة في المضامين
إسرائيل وجود استعماري مصطنع وهجين بدأ بالبرج والسور وترسخ بهما وينتهي بهما, نصف الحقيقة، نعم للدولة الفلسطينية تعني لا للدولة اليهودية والعكس صحيح نعم للدولة اليهودية تعني لا للدولة الفلسطينية، كل الحقيقة، إذن ليس من قبيل المفارقة أن نجد نتنياهو وهو يستحضر مواقف كيانه المتراكمة والمتناثرة وإبرازها في قالب جديد ظاهره الرغبة في السلام والاستقرار وباطنه التأكيد على طلائعية وقيمية المشروع الاستيطاني والحق التاريخي والامتداد التراثي اليهودي دون الاكتفاء بمجرد الوجود والاعتراف به كما كان يطالب بذلك حزب العمل بل والتطلع إلى إقرار كوني بحق يهودي تاريخي مزيف في أرض فلسطين التاريخية يحفظ المستقبل عبر التطبيع مع الحاضر ويُشرع الأبواب أمام الإقرار بحق اليهود في أن تكون لهم دولتهم اليهودية الخالصة النقية على أرضهم التاريخية (أرض 48)، ولكن مع إضافة يهودا و السامرة (الضفة الغربية في إطار ما يسمى بالحل الإقليمي).
نتنياهو واليمين الصهيوني وجد نفسه اليوم مضطراً لقبول مستحيل الأمس أملاً في احتواء ما يمر به الكيان من مشاكل أيديولوجية تهدده بالعودة إلى حياة الشتات والتيه ثانية ولكن هذه المرة بشروط تدخل في باب المساومات واللعب على الخطوط الداخلية والخارجية بما يضمن ليس تقريب الحل بل التمييع والابتذال للقضية الفلسطينية برمتها من خلال إيجاد منافذ تخدم الأساطير الخرافية للدولة اليهودية وتفيد من أي تغيير إقليمي ودولي لتحويلها إلى حقائق تاريخية.
إذن فإشارته إلى حل الدولتين والدولة الفلسطينية أمر لا يستحق الوقوف أمامه طالما وأن الهدف تحويل التاريخ الخرافي اليهودي إلى حقائق ومسلمات وجودية تاريخية وهو ما أتاح لنتنياهو نقل ائتلافه المأزوم إلى ائتلاف يمثل روح الجمهور اليهودي برمته وما لم يرتكب حماقات تهدم ما بناه خلال المرحلة المقبلة فإنه سيعيش مرحلة ازدهار ذهبية وفي اعتقاده فهذه هي السياسة السليمة المطلوبة راهنا ليبقى ارتكاب الحماقات حق حصري على العرب.
واللافت هنا توقف نتنياهو خلال الـ75 يوماً الأولى من حكومته عند تقرير العميد أودي ديكل رئيس قسم التخطيط الاستراتيجي في إدارة أولمرت والذي كان له دور كبير في حسم تردده لما تضمنه من خلاصة مهمة لمسارات التفاوض في المراحل السابقة أكدت له عدة حقائق منها:
1- غياب الشريك الفلسطيني القادر على توقيع اتفاق الحل النهائي: إذ كلما تم الاقتراب من أفق الحسم النهائي بدأ هذا الأفق في التباعد أي كلما كانت هناك محاولة للوصول إلى نقطة الحسم تنتهي بالضرورة في غياب الشريك الفلسطيني القادر على توقيع الحل النهائي ولذا فهو قلق لاعتقاده بأن الجانب الفلسطيني بعد كل جولة يحرز حقوقاً مستقبلية وكل تنازل إسرائيلي يسجل ويتحول إلى نقطة البداية في الجولة التالية، ومطمئن أيضاً لأن الفلسطينيين غير قادرين على توقيع اتفاق لإنهاء الصراع لذا فهم يعفونه من الحاجة لمواجهة القرارات الصعبة والأزمات الداخلية أي أن السماء لن تسقط والدولة الفلسطينية لن تقوم.
2- مرور قضية نزع سلاح الدولة الفلسطينية بعملية تآكل: حيث سبق لعرفات الموافقة على نزعه بالكامل في العام 1995 كما وافق عباس على عدم توقيع معاهدات عسكرية خارجية وعدم تخزين السلاح وتقييد الأجهزة الأمنية ووقف المقاومة المسلحة لكن الخلاف حول الغلاف الجوي والبري والبحري لتناقضه مع السيادة وهو ما ركز عليه نتنياهو كونه لم يبحث في خارطة الطريق بل ورد في تحفظات كيانه المرسلة لواشنطن في حين تتضمن الفقرة (ب) من الخارطة تشكيل الدولة الفلسطينية ضمن حدود مؤقتة بما يقتضيه ذلك من حقوق سيادية في الحماية والدفاع والتعامل الدولي معها على هذا الأساس.
ما يعني أن ذلك سيكون حينها لغماً مؤرقاً لاسيما وأن الاحتلال ليس في وارد الانسحاب إلى حدود 4 حزيران/ يونيو 67 كما دعت القرارات الدولية بدلالة عدم تطرق نتنياهو للحدود المستقبلية للدولة الموعودة.
في التفاصيل ما يريده نتنياهو واضح إلى حد بعيد، صحيح أنه أثار الانطباع بإمكانية القيام بكل شيء لكنه لن يفعل أي شيء، وعد لكنه لم يعد بالتنفيذ.
الدولة الموعودة ستكون نتاج مفاوضات شاقة ومعقدة لكن بعد تحقيق شروطه المنظور إليها فلسطينياً على أنها تعجيزية وتحتاج إلى ألف عام قبل أن تجد فلسطينياً واحداً يوافق عليها فأي دولة تلك التي يريدها نتنياهو إذن؟.
- أرض فلسطين أرض يهودية وعلى الفلسطينيين أولاً الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية للشعب اليهودي, طبعاً منظمة التحرير الفلسطينية سبق لها الاعتراف بيهودية الكيان عام 1993 لكن هذا غير كاف خصوصاً بعد إضافة نتنياهو يهودا و السامرة - الضفة الغربية - إلى أراضي 48 باعتبارها أرض أجداده وهو بذلك يريد تأكيد حقيقة أن الفلسطينيين الذين لا زالوا في 48 مجرد ضيوف على أرض يهودية وعلى السلطة الفلسطينية إعطاء الضوء الأخضر لإجلائهم لأن ذلك يهدد أمن إسرائيل كما يريد الاحتفاظ بـ40 بالمائة من أراضي الضفة لأنها أرض يهودية مع طرح أميركا إمكانية تبادل الأراضي لأسباب ديمغرافية وأمنية بنفس الحجم وربما النوعية فيما يتعلق بالضفة.
- لا توقف عن الاستيطان بل مجرد حديث عن مستوطنات عشوائية يمكن التنازل عنها حالياً أو في الحل النهائي فيما يتعلق بتلك التي تم بنائها بعد أوسلو 1993 كما لا حديث عن القدس لأنها ستبقى عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل ولا حديث عن عودة اللاجئين إلى أراضي 1948 لأن عودتهم يناقض استمرار إسرائيل كدولة يهودية مع وضع ثلاثة خيارات هي عودتهم إلى أراضي الدولة المقترحة ومن لم يعد منهم يتم توطينه في الدول المضيفة -والمقصود هنا الأردن ولبنان وغيرها من الدول العربية- ومن تبقى منهم يُوطن في أميركا وكندا واستراليا ودول أخرى مستعدة لاستقبالهم ولا حديث عن حدود إسرائيل لاسيما وأنها لم تحدد في أي وثيقة منذ 1967 بحيث يتأسس الحل على انسحاب من مساحة محدودة فقط من الضفة.
مواصفات الدولة الفلسطينية:
منزوعة السلاح باستثناء قوات أمنية محدودة تعمل تحت الرقابة وليس لها أي حق في إبرام المعاهدات العسكرية، واحتفاظ الاحتلال بغلافها الجوي والبري والبحري للرد على أي تهديدات أمنية من إيران وحزب الله، ناهيك عن الارتباط المباشر وغير المباشر لاقتصادها بإسرائيل, أي أننا سنكون أمام مجرد منطقة صناعية ومحمية مقطعة الأوصال على أرخبيل منزوع السيادة والإدارة والقرار والإرادة وليس أمام دولة بالمعنى المتعارف عليه دولياً وبالمفهوم الأميركي مجرد حكم ذاتي مسلوب الصلاحيات.
ولذا نجد الاحتلال حريصاً كل الحرص في الحديث عن ضمانات عربية – اقتصادية - ودولية – أمنية- بأن هذه الدولة الموعودة ستكون منزوعة السلاح ولن تشكل خطراً مستقبلياً أكثر من حديثه عن حقوق فلسطينية لا أحد يأبه لها.
- استئناف المفاوضات دون شروط مسبقة وبدء العرب بالتطبيع الفوري في كافة المجالات لإثبات حسن النية تجاه الاحتلال تحت إطار السلام الاقتصادي وهو المصيدة القديمة المتجددة لاستجلاب أموال النفط العربي بغية توظيفها في عمليات التوطين وإنعاش الاقتصاد الإسرائيلي وبالتالي جعلها نقطة عبور لتحويل مشروع السلام العربي إلى مبادلة التطبيع بالانسحاب من أجزاء من أراضي 67 وإقامة الدولة الفلسطينية على ما تبقى منها, وهي الضمانات التي قصدها نتنياهو عربياً إلى جانب المطالبة بضمانات أمنية دولية وتحديداً من أميركا فيما يتعلق بإرسال قوات أميركية أو من الأمم المتحدة لتحل محل القوات الإسرائيلية في الإشراف على المعابر وداخل الدولة الفلسطينية مع احتفاظ الاحتلال بوادي الأردن وإعطاء القوات المتواجدة فيه حق الدخول والخروج إلى الدولة الموعودة.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم لمواجهة خطاب نتنياهو الصريح والحتمي والنهائي بما له من رافعات وأثقال وعوامل قوة وضغط تجعل الموازين تصب لصالح كيانه وتحول دون الدخول في مساومات خاسرة,وسؤالنا هو: ماذا لدى العرب والفلسطينيين من أثقال وعوامل قوة وضغط لجعل الموازين في صالحهم خصوصاً بعد ارتضائهم بتجزئة مسارات التفاوض و الحلول وتخليهم عن سلاح المقاومة؟, أم أنهم سيكتفون بالتعويل والرهان على الوسيط الأميركي الذي لم يكن في يوم من الأيام نزيهاً أو محايداً؟.
في حين يقتضي المنطق الاتجاه – وذلك أضعف الإيمان - نحو شد أزر الفلسطينيين ومساعدتهم على إعادة توحيد صفوهم وتوحيد كلمتهم وتشجيعهم على تقديم رؤيتهم الخاصة بهم حول عملية السلام إلى المجتمع الدولي قبل أن تتحول رؤية نتنياهو إلى رافعة أساسية ووحيدة للحل في المرحلة المقبلة.
ومعلوم أن رؤية أوباما تجاه عملية السلام لم تنضج بعد, وما يهمه حالياً هو محاولة تسهيل عقد مؤتمر دولي يكرس التسوية الشاملة على الجبهات المحيطة بالاحتلال و ترك الملف الفلسطيني للمفاوضات الثنائية بعدما تكون كل الدول العربية معنية بالعلاقة والتطبيع مع إسرائيل حصيلة توقيع معاهدات جديدة مع سورية ولبنان تحديداً.
وكل ما تريده واشنطن خلال فترة المؤتمر وما بعده هو تجميد المستوطنات وتسهيل تنقلات الفلسطينيين بالضفة والقطاع في سياق زمني تكون فيه نتائج المفاوضات الثنائية حول القضايا الرئيسية متوقفة على الوقائع الميدانية وعلى مدى قوة الموقع التفاوضي لكل طرف, لسبب بسيط هو طرح أوباما فكرة الدولة الفلسطينية كحلم وهدف دون أن يحدد ملامح هذا الحلم ولا كيفية الوصول إلى ذلك الهدف.. فعلى ما الرهان إذن؟
رابط هذا المقال:http://www.arabvoice.com/modules.php?op=modload&name=News&file=article&sid=1562
بعد مرور 75 يوماً على توليه رئاسة حكومة الاحتلال الإسرائيلي في31 آذار/ مارس الماضي و10 أيام من توجيه أوباما رسالته التصالحية إلى العرب والمسلمين من على منبر جامعة القاهرة في 4 حزيران/ يونيو الماضي, قرر نتنياهو في 14 حزيران/ يونيو الماضي الإفصاح عن رؤيته التي طال انتظارها عربياً ودولياً, إزاء عملية السلام بالمنطقة عموماً وفلسطين المحتلة على وجه التحديد, بالتزامن طبعاً مع الذكرى الثانية للانقلاب في غزة ومن على منبر جامعة مئير بار إيلان اللاهوتية التي تخرج منها إيجال عامير قاتل إسحاق رابين وباروخ جولدشتاين مهندس مجزرة الحرم الإبراهيمي , وفي وقت تمر فيه المنطقة بحالة من الركود السياسي عنوانها تقطيع الوقت انتظاراً لما قد تفرزه عجلة الحوار الأميركي الإيراني حول الملف النووي والتي سيتم بموجبها تحديد المفاصل التي ستحكم ضوابط الواقع القائم فيما يتعلق بما يجب عمله تجاه عملية السلام تبعاً لمؤشرات واتجاهات البوصلة الإقليمية والدولية على حدٍ سواء.
خطاب نتنياهو في إطاره العام اقتصر على العموميات مفسحاً المجال للمناورات السياسية حول التفاصيل والتي ستخضع للمزيد من اللعب على الخطوط الداخلية- إسرائيل وفلسطين- والخارجية -إقليمياً ودولياً- طبعاً فيما عدا الخطوط الحمراء لأن الموقف فيها نهائي وحتمي وغير قابل للمساومة والمناورة.
نتنياهو بدا أكثر وضوحاً وهو يستحضر المخاوف الإسرائيلية المتراكمة على عكس أوباما الذي بدا أكثر ضبابية ولذا نجده وهو يرسم رؤية ائتلافه الحاكم حريصاً كل الحرص على عدم التصادم مع أوباما ولكن دون الموافقة أو الرفض النهائي لأطروحات واشنطن حول عملية السلام وحل الدولتين وتجميد المستوطنات وهي خطوة ذكية وغمزة خفيفة وشقية جعلت أوباما في مقدمة المرحبين بها.
صحيح أن هذه الخطوة لم تأتِ بجديد باستثناء فتحها المجال لإمكانية استئناف المفاوضات خصوصاً وأنها لم تتعدى حدود عالم الخُدع في مجال العلاقات العامة لكنها رغم ذلك أتاحت لنتنياهو اصطياد 3 عصافير بطلقة واحدة هي ثناء أميركا وإجماع إسرائيلي نادر من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وإقناع كتلة الليكود بأن شيئاً لم يحدث بل مجرد تقليد للمحافظين الجدد في حين بدا المشهد الفلسطيني والعربي رغم مسارعته لرفض أجندة نتنياهو في أسوأ حالات الانقسام والتشتت.
نتنياهو نجح أيضاً في إعادة خلط كل الأوراق عندما طرح مقاربة توازي بين الضغط الدولي لجهة القبول بحل الدولتين وتجميد المستوطنات وبين حاجة كيانه للاعتراف بشرعيته كوطن يهودي، وبين مطالبة المجتمع الدولي بالضغط على الفلسطينيين والعرب للقبول بذلك بصورة توازي ضغطه الحالي على إسرائيل، في محاولة منه لإقناع الجميع بأهمية الربط السلس بين المصالح الإسرائيلية والخطر الإيراني الماثل أمام إسرائيل والمنطقة وبين المستوطنات وضرورة قيام المجتمع الدولي بدور بناء وإيجابي تجاه الخطر الإيراني وعملية السلام بالشرق الأوسط يؤكد التزامه بأمن إسرائيل والضغط على العرب للدخول الفوري في التطبيع وتدشين مرحلة السلام الاقتصادي دون قيد أو شرط كخطوة أولى لتخفيف العزلة عن الفلسطينيين والسير الجدي في عملية السلام.
قراءة في المضامين
إسرائيل وجود استعماري مصطنع وهجين بدأ بالبرج والسور وترسخ بهما وينتهي بهما, نصف الحقيقة، نعم للدولة الفلسطينية تعني لا للدولة اليهودية والعكس صحيح نعم للدولة اليهودية تعني لا للدولة الفلسطينية، كل الحقيقة، إذن ليس من قبيل المفارقة أن نجد نتنياهو وهو يستحضر مواقف كيانه المتراكمة والمتناثرة وإبرازها في قالب جديد ظاهره الرغبة في السلام والاستقرار وباطنه التأكيد على طلائعية وقيمية المشروع الاستيطاني والحق التاريخي والامتداد التراثي اليهودي دون الاكتفاء بمجرد الوجود والاعتراف به كما كان يطالب بذلك حزب العمل بل والتطلع إلى إقرار كوني بحق يهودي تاريخي مزيف في أرض فلسطين التاريخية يحفظ المستقبل عبر التطبيع مع الحاضر ويُشرع الأبواب أمام الإقرار بحق اليهود في أن تكون لهم دولتهم اليهودية الخالصة النقية على أرضهم التاريخية (أرض 48)، ولكن مع إضافة يهودا و السامرة (الضفة الغربية في إطار ما يسمى بالحل الإقليمي).
نتنياهو واليمين الصهيوني وجد نفسه اليوم مضطراً لقبول مستحيل الأمس أملاً في احتواء ما يمر به الكيان من مشاكل أيديولوجية تهدده بالعودة إلى حياة الشتات والتيه ثانية ولكن هذه المرة بشروط تدخل في باب المساومات واللعب على الخطوط الداخلية والخارجية بما يضمن ليس تقريب الحل بل التمييع والابتذال للقضية الفلسطينية برمتها من خلال إيجاد منافذ تخدم الأساطير الخرافية للدولة اليهودية وتفيد من أي تغيير إقليمي ودولي لتحويلها إلى حقائق تاريخية.
إذن فإشارته إلى حل الدولتين والدولة الفلسطينية أمر لا يستحق الوقوف أمامه طالما وأن الهدف تحويل التاريخ الخرافي اليهودي إلى حقائق ومسلمات وجودية تاريخية وهو ما أتاح لنتنياهو نقل ائتلافه المأزوم إلى ائتلاف يمثل روح الجمهور اليهودي برمته وما لم يرتكب حماقات تهدم ما بناه خلال المرحلة المقبلة فإنه سيعيش مرحلة ازدهار ذهبية وفي اعتقاده فهذه هي السياسة السليمة المطلوبة راهنا ليبقى ارتكاب الحماقات حق حصري على العرب.
واللافت هنا توقف نتنياهو خلال الـ75 يوماً الأولى من حكومته عند تقرير العميد أودي ديكل رئيس قسم التخطيط الاستراتيجي في إدارة أولمرت والذي كان له دور كبير في حسم تردده لما تضمنه من خلاصة مهمة لمسارات التفاوض في المراحل السابقة أكدت له عدة حقائق منها:
1- غياب الشريك الفلسطيني القادر على توقيع اتفاق الحل النهائي: إذ كلما تم الاقتراب من أفق الحسم النهائي بدأ هذا الأفق في التباعد أي كلما كانت هناك محاولة للوصول إلى نقطة الحسم تنتهي بالضرورة في غياب الشريك الفلسطيني القادر على توقيع الحل النهائي ولذا فهو قلق لاعتقاده بأن الجانب الفلسطيني بعد كل جولة يحرز حقوقاً مستقبلية وكل تنازل إسرائيلي يسجل ويتحول إلى نقطة البداية في الجولة التالية، ومطمئن أيضاً لأن الفلسطينيين غير قادرين على توقيع اتفاق لإنهاء الصراع لذا فهم يعفونه من الحاجة لمواجهة القرارات الصعبة والأزمات الداخلية أي أن السماء لن تسقط والدولة الفلسطينية لن تقوم.
2- مرور قضية نزع سلاح الدولة الفلسطينية بعملية تآكل: حيث سبق لعرفات الموافقة على نزعه بالكامل في العام 1995 كما وافق عباس على عدم توقيع معاهدات عسكرية خارجية وعدم تخزين السلاح وتقييد الأجهزة الأمنية ووقف المقاومة المسلحة لكن الخلاف حول الغلاف الجوي والبري والبحري لتناقضه مع السيادة وهو ما ركز عليه نتنياهو كونه لم يبحث في خارطة الطريق بل ورد في تحفظات كيانه المرسلة لواشنطن في حين تتضمن الفقرة (ب) من الخارطة تشكيل الدولة الفلسطينية ضمن حدود مؤقتة بما يقتضيه ذلك من حقوق سيادية في الحماية والدفاع والتعامل الدولي معها على هذا الأساس.
ما يعني أن ذلك سيكون حينها لغماً مؤرقاً لاسيما وأن الاحتلال ليس في وارد الانسحاب إلى حدود 4 حزيران/ يونيو 67 كما دعت القرارات الدولية بدلالة عدم تطرق نتنياهو للحدود المستقبلية للدولة الموعودة.
في التفاصيل ما يريده نتنياهو واضح إلى حد بعيد، صحيح أنه أثار الانطباع بإمكانية القيام بكل شيء لكنه لن يفعل أي شيء، وعد لكنه لم يعد بالتنفيذ.
الدولة الموعودة ستكون نتاج مفاوضات شاقة ومعقدة لكن بعد تحقيق شروطه المنظور إليها فلسطينياً على أنها تعجيزية وتحتاج إلى ألف عام قبل أن تجد فلسطينياً واحداً يوافق عليها فأي دولة تلك التي يريدها نتنياهو إذن؟.
- أرض فلسطين أرض يهودية وعلى الفلسطينيين أولاً الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية للشعب اليهودي, طبعاً منظمة التحرير الفلسطينية سبق لها الاعتراف بيهودية الكيان عام 1993 لكن هذا غير كاف خصوصاً بعد إضافة نتنياهو يهودا و السامرة - الضفة الغربية - إلى أراضي 48 باعتبارها أرض أجداده وهو بذلك يريد تأكيد حقيقة أن الفلسطينيين الذين لا زالوا في 48 مجرد ضيوف على أرض يهودية وعلى السلطة الفلسطينية إعطاء الضوء الأخضر لإجلائهم لأن ذلك يهدد أمن إسرائيل كما يريد الاحتفاظ بـ40 بالمائة من أراضي الضفة لأنها أرض يهودية مع طرح أميركا إمكانية تبادل الأراضي لأسباب ديمغرافية وأمنية بنفس الحجم وربما النوعية فيما يتعلق بالضفة.
- لا توقف عن الاستيطان بل مجرد حديث عن مستوطنات عشوائية يمكن التنازل عنها حالياً أو في الحل النهائي فيما يتعلق بتلك التي تم بنائها بعد أوسلو 1993 كما لا حديث عن القدس لأنها ستبقى عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل ولا حديث عن عودة اللاجئين إلى أراضي 1948 لأن عودتهم يناقض استمرار إسرائيل كدولة يهودية مع وضع ثلاثة خيارات هي عودتهم إلى أراضي الدولة المقترحة ومن لم يعد منهم يتم توطينه في الدول المضيفة -والمقصود هنا الأردن ولبنان وغيرها من الدول العربية- ومن تبقى منهم يُوطن في أميركا وكندا واستراليا ودول أخرى مستعدة لاستقبالهم ولا حديث عن حدود إسرائيل لاسيما وأنها لم تحدد في أي وثيقة منذ 1967 بحيث يتأسس الحل على انسحاب من مساحة محدودة فقط من الضفة.
مواصفات الدولة الفلسطينية:
منزوعة السلاح باستثناء قوات أمنية محدودة تعمل تحت الرقابة وليس لها أي حق في إبرام المعاهدات العسكرية، واحتفاظ الاحتلال بغلافها الجوي والبري والبحري للرد على أي تهديدات أمنية من إيران وحزب الله، ناهيك عن الارتباط المباشر وغير المباشر لاقتصادها بإسرائيل, أي أننا سنكون أمام مجرد منطقة صناعية ومحمية مقطعة الأوصال على أرخبيل منزوع السيادة والإدارة والقرار والإرادة وليس أمام دولة بالمعنى المتعارف عليه دولياً وبالمفهوم الأميركي مجرد حكم ذاتي مسلوب الصلاحيات.
ولذا نجد الاحتلال حريصاً كل الحرص في الحديث عن ضمانات عربية – اقتصادية - ودولية – أمنية- بأن هذه الدولة الموعودة ستكون منزوعة السلاح ولن تشكل خطراً مستقبلياً أكثر من حديثه عن حقوق فلسطينية لا أحد يأبه لها.
- استئناف المفاوضات دون شروط مسبقة وبدء العرب بالتطبيع الفوري في كافة المجالات لإثبات حسن النية تجاه الاحتلال تحت إطار السلام الاقتصادي وهو المصيدة القديمة المتجددة لاستجلاب أموال النفط العربي بغية توظيفها في عمليات التوطين وإنعاش الاقتصاد الإسرائيلي وبالتالي جعلها نقطة عبور لتحويل مشروع السلام العربي إلى مبادلة التطبيع بالانسحاب من أجزاء من أراضي 67 وإقامة الدولة الفلسطينية على ما تبقى منها, وهي الضمانات التي قصدها نتنياهو عربياً إلى جانب المطالبة بضمانات أمنية دولية وتحديداً من أميركا فيما يتعلق بإرسال قوات أميركية أو من الأمم المتحدة لتحل محل القوات الإسرائيلية في الإشراف على المعابر وداخل الدولة الفلسطينية مع احتفاظ الاحتلال بوادي الأردن وإعطاء القوات المتواجدة فيه حق الدخول والخروج إلى الدولة الموعودة.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم لمواجهة خطاب نتنياهو الصريح والحتمي والنهائي بما له من رافعات وأثقال وعوامل قوة وضغط تجعل الموازين تصب لصالح كيانه وتحول دون الدخول في مساومات خاسرة,وسؤالنا هو: ماذا لدى العرب والفلسطينيين من أثقال وعوامل قوة وضغط لجعل الموازين في صالحهم خصوصاً بعد ارتضائهم بتجزئة مسارات التفاوض و الحلول وتخليهم عن سلاح المقاومة؟, أم أنهم سيكتفون بالتعويل والرهان على الوسيط الأميركي الذي لم يكن في يوم من الأيام نزيهاً أو محايداً؟.
في حين يقتضي المنطق الاتجاه – وذلك أضعف الإيمان - نحو شد أزر الفلسطينيين ومساعدتهم على إعادة توحيد صفوهم وتوحيد كلمتهم وتشجيعهم على تقديم رؤيتهم الخاصة بهم حول عملية السلام إلى المجتمع الدولي قبل أن تتحول رؤية نتنياهو إلى رافعة أساسية ووحيدة للحل في المرحلة المقبلة.
ومعلوم أن رؤية أوباما تجاه عملية السلام لم تنضج بعد, وما يهمه حالياً هو محاولة تسهيل عقد مؤتمر دولي يكرس التسوية الشاملة على الجبهات المحيطة بالاحتلال و ترك الملف الفلسطيني للمفاوضات الثنائية بعدما تكون كل الدول العربية معنية بالعلاقة والتطبيع مع إسرائيل حصيلة توقيع معاهدات جديدة مع سورية ولبنان تحديداً.
وكل ما تريده واشنطن خلال فترة المؤتمر وما بعده هو تجميد المستوطنات وتسهيل تنقلات الفلسطينيين بالضفة والقطاع في سياق زمني تكون فيه نتائج المفاوضات الثنائية حول القضايا الرئيسية متوقفة على الوقائع الميدانية وعلى مدى قوة الموقع التفاوضي لكل طرف, لسبب بسيط هو طرح أوباما فكرة الدولة الفلسطينية كحلم وهدف دون أن يحدد ملامح هذا الحلم ولا كيفية الوصول إلى ذلك الهدف.. فعلى ما الرهان إذن؟
رابط هذا المقال:http://www.arabvoice.com/modules.php?op=modload&name=News&file=article&sid=1562