إجلال علي العمراني، 28 ديسمبر 2020
من المفارقات العجيبة في السجل السياسي لـ”بايدن” اعتراضه في عهد “جورج بوش” الأب 1991 على حرب الخليج الثانية، ليصوت في عهد “جورج دبليو بوش” 2002 على قرار بلاده غزو العراق، ومباركته في مارس 2015 إعلان الرياض من واشنطن شن الحرب على اليمن، وكان يومها نائباً لرئيس الولايات المتحدة الأميركية الديمقراطي “باراك أوباما”.
وفي العام 2020 قرر الديمقراطي “جو بايدن” خوض منافسات الانتخابات الرئاسية وإعادة انتهاج موقفه من الخليجية الثانية فيما يتعلق بالعدوان على اليمن، والإفصاح عن مقاربة جديدة لسياسة بلاده الخارجية وأولوياتها المرحلية، تعاكس ما دأبت عليه إدارة “ترامب”، حملت عنوان “لماذا يجب أن تقود أميركا مرة أخرى” : إنقاذ السياسة الخارجية للولايات المتحدة بعد ترامب”، بحسب ما نشرته مجلة “فورين أفيرز” في أبريل 2020، ومن أهم ما ورد فيها، التأكيد على وقف الدعم “للحرب التي تقودها السعودية في اليمن”، لأنها لا تقع ضمن أولويات الولايات المتحدة.
ورغم تشديد “بايدن” على عدم التردد في استخدام القوة العسكرية عند الضرورة لـ “حماية الشعب الأميركي ومصالحه القومية”، فقد حاولت المقاربة المُعلنة الإيحاء بأن استخدام القوة سيكون الملاذ الأخير، وليس الأول: “للدفاع عن مصالحنا الحيوية فقط، عندما يكون الهدف واضحاً وقابلاً للتحقيق، وبموافقة الشعب الأميركي”.
وفي 21 يوليو 2020، وعد “بايدن” بمراجعة سياسة بلاده في الحرب على اليمن وسورية، وأعادت حملته الانتخابية في أكتوبر 2020 التأكيد، على إعادة تقييم العلاقة بالسعودية، والدعم الأميركي لحرب المملكة في اليمن، والتأكيد على أن الولايات المتحدة لا تتنكر لقيمها من أجل بيع الأسلحة أو شراء النفط.
ويتفق برنامج “بايدن” مع موقف الكونغرس، الذي يؤيد بشكل عام وقف الدعم العسكري للتحالف في اليمن وبيع الأسلحة، في ظل عدم الرغبة بانخراط أميركي أكبر في الحرب باليمن، واستمرار دعم السعودية والإمارات في هذا السياق.
وبعد ساعات من إعلان فوز “بايدن”، قال عضو الكونغرس عن الحزب الديمقراطي، “رو خانا”، إن “الولايات المتحدة ستوقف تمويل الحرب التي تقودها السعودية في اليمن”.
وعُرف الحزب الديمقراطي خلال سنوات الحرب الماضية بمعارضته لصفقات الأسلحة للسعودية والإمارات، وخاض أعضائه صراعات مع الأغلبية الجمهورية في مجلسي الشيوخ والكونجرس في سياق وقف الحرب على اليمن.
وتقول صحيفة “ريسبونسبل ستيت كرافت” أن “بايدن” عازمٌ على المضي قُدماً في إيقاف الحرب السعودية على اليمن.
ويعود ذلك لأسباب عدة، من بينها الضغوط والانتقادات القوية والمستمرة من منظمات حقوقية أميركية ودولية، لدور واشنطن، وخروق حقوق الإنسان، ومقتل المدنيين بشكل متواصل في غارات التحالف.
ويُنظر إلى “بايدن” في اليمن على أنه مناهض لسياسات ولي العهد السعودي، “محمد بن سلمان”، خصوصاً فيما يتصل بقرار حرب اليمن، الذي صنع مآسٍ، ودفع بملايين اليمنيين إلى حافة المجاعة.
ويرى مركز “ستراتفور” الأميركي للدراسات الإستراتيجية والأمنية، أن إدارة “بايدن” ستكون لها مقاربة خارجية قائمة على تفاوض طهران والرياض على كلّ الملفات الخلافية بينهما، بما فيها اليمن، في معاكسة واضحة لمقاربة إدارة “ترامب” التي انتهجت سياسة إذكاء الصراع بين السعودية وإيران والاستثمار فيه، ولهذا بدأ القلق يستبدّ بالسعوديين من نهج الإدارة الجديدة حيال طهران، وسِجلّ الرياض في مجال حقوق الإنسان، وبدأت نافذة الخروج من الصراع في اليمن، من دون تعريض كلّ “المكاسب” التي جنتها السعودية للخطر، تنغلق على نحوٍ سريع.
وتَوقّع المركز أن تتّسم علاقات الرياض وواشنطن بمزيد من الخصومة عندما يتسلّم “بايدن” مهامّ منصبه رسمياً في 20 يناير 2021، حيث ستكون المملكة عُرضةً لضغوط سياسية أميركية، ما سيُعمّق فجوة الثقة بين الدولتين الحليفتين.
والواضح أن هدوء الديمقراطي “بايدن” لن يختلف كثيراً عن جنون الجمهوري “ترامب”، فكلاهما يتفقان في: إبقاء الزعامة الأميركية للعالم، لكن يبدو أن الحرب في اليمن قد أتت أُكُلُها في نظر واشنطن، وأنها حَقّقت أهدافها فيما يتعلق بـ”تحجيم” تهديد “أنصار الله”، و”حصر” الحركة في الشمال، و”إبعادها” عن الممرّات البحرية الدولية، وعن المواقع الحيوية والاستراتيجية من موانئ وجزر وشواطئ، وعليه يعتقد المركز أن استمرار الحرب لم يعد مُجدياً لواشنطن، التي باتت معنيّة بالتفاوض مباشرة أو عبر وسطاء مع صنعاء، لإيجاد اتفاق يمنع استمرار تهديد تلك المصالح بحسب زعم الأميركيين، ولذا حان الوقت لوضع حل واتفاق سياسي، وهذا الذي سيحدث من خلال ضغط “بايدن” على السعودية.
واقعياً من غير الواضح حتى الآن إلى أي مدى سيُطبق “بايدن” وعده الانتخابي بإنهاء الحرب في اليمن، خصوصاً أن الدعم الأميركي لهذه الحرب الظالمة لم يبدأ مع “ترامب”، بل تحت إدارة الرئيس السابق “أوباما” الذي كان “بايدن” نائباً له، وأحد المباركين للعدوان على اليمن، وباعت إدارته في حينها، أسلحة بمليارات الدولارات للسعودية، ولم تكن لـ”بايدن” و”أوباما” يومها إي بادرة جادة لتهدئة الرياض، وإيقاف العدوان الغاشم على اليمن، ولا حتى مجرد ادانة لجرائم التحالف بحق اليمن أرضاً وإنساناً.
الكاتب “لقمان عبدالله” في مقاربته لما ستكون عليه مواقف إدارة “بايدن” من الحرب العبثية السعودية الإماراتية في اليمن، يرى أن مصالح أميركا المباشرة بالمنطقة، قد تمنع “بايدن” من تنفيذ وعده الانتخابي بإنهاء الحرب من خلال وقف مشاركة بلاده فيها، والاستجابة لمطالب الكونغرس بحظر مبيعات الأسلحة إلى الرياض، بمعنى عدم المسارعة الى سلوك اتجاهات سياسية تفاوضية في اليمن، بعيداً عن شبكة المصالح المعقدة والمتناقضة، والتي تُصعّب حسم الخيارات.
ومن أبرز السناريوهات المتوقعة عدم ميل إدارة “بايدن” الى عرقلة قرارات الكونجرس لإنهاء الدعم الأميركي للحرب في اليمن، وربّما اتخاذ قرار سريع بتقليص ضلوع واشنطن في الصراع، وترك السعودية من دون الدعم اللوجستي والاستخباراتي الذي يغذّي عملياتها في اليمن.
ويستبعد “لقمان” انخراط إدارة “بايدن” في الحرب على اليمن بشكل مباشر، أو تعميق الانخراط فيها، لمخالفة ذلك استراتيجية إنهاء الحروب التي وعدت بانتهاجها خلال الحملة الانتخابية، مؤكداً أن الإدارة الأميركية لم تعد تلك القوة التي إن قالت فعلت، وإن فعلت حَقّقت النتائج المطلوبة.
سيناريوهات أخرى توقعت تقليص إدارة “بايدن” الدعم العسكري واللوجيستي ومبيعات الأسلحة إلى السعودية والإمارات، خصوصاً في ظل استمرار الضغوط الدولية لوقف الانتهاكات الحقوقية، وقتل المدنيين في اليمن جراء الحرب والجوع والحصار، وما يسببه ذلك من إحراج للإدارة الأميركية.
والعمل بشكل فعّال على دعم وتشجيع الحل السياسي، والضغط على السعودية للسير في هذا الاتجاه، أو على الأقل السير في اتجاه تقليص عدد الضحايا المدنيين، وتهديد التحالف بالمحاسبة للحد من قتل المدنيين.
ومراجعة سياسات واشنطن خلال سنوات الحرب على اليمن، والسير في خطط جديدة تُخرج الرياض من اليمن بأقل الخسائر، أو على الأقل صنع هدنة طويلة، تمهيداً لتسوية سياسية مدعومة أممياً ودولياً.
ويبقى عنصر الزمن مسألة معقدة يصعب التكهن بها، حيث لا أفق حقيقي واضح يُوحي حالياً بقرب انتهاء الحرب السعودية الإماراتية على اليمن.