كان رجال الدولة العثمانية في جميع أيام حكمهم لليمن يسعون إلى بذر
بذور الشقاق بين أهل البلاد، فتارة كانوا يستميلون إليهم الشوافع ويضربون بهم
الزيود، وتارة كانوا يستعينون ببعض الزيود لضرب الشوافع!! وقد بثوا داخل بلاد
اليمن وخارجها دعاية باطلة خلاصتها أن الزيود والشوافع لا يحب بعضهم بعضاً وأنهم
يتحينون الفرص لإيقاع بعضهم ببعض، وأن هناك اختلافاً في العقائد الدينية بينهم.
ومما يُؤسف له أن نجد بعض كُتاب العرب في هذا الوقت يأخذون بهذه
الدعاية فيكتبون عن العرب فصولاً في هذا الباب كلها أباطيل.
أنا لا أنكر أن هناك بعض اختلافات مذهبية ثانوية بين الزيود والشوافع،
ولكني لا أُعِيرَها أية أهمية، لأنه لا شأن لها من الوجهة القومية، ولا من الوجهة
الدينية، واليك بعض الامثلة:
يجوز عند الزيود تحليف اليمين للمدعي والمدعى عليه، ولا يجوز عندهم أن
يُقال آمين في نهاية فاتحة القرآن الكريم.
وفي الطلاق لا يعتبر الزيود قول الرجل لامرأته طلقتك ثلاثاً، إلا
بمثابة قوله طلقتك مرة واحدة، فيجب على من أراد طلاق امرأته ثلاثاً أن يُعيد هذه
العبارة ثلاث مرات – في ثلاث حيضات متتابعة دون مواقعة أو مراجعة - .... إلى غير
ذلك من الاختلافات اليسيرة.
والزيود جمع (زيدي) نسبة إلى زيد بن علي، ومذهب زيد بن علي فرع من
فروع مذاهب المعتزلة!!، فلا يجوز والحالة هذه أن يُطعن في الزيود من الوجهة
الدينية، وما من عاقل من المسلمين يجرؤ على الطعن في مذهب زيد بن علي.
وقد قال أحد الأدباء الذين زاروا اليمن في كتاب كتبه عن رحلته ان حكم
الإمام يحيى حكم زيدي لا حكم عربي، وأن الشوافع ليسوا راضين عنه وأنهم محرومون من
الوظائف، وهذه الأقوال مُبالغٌ فيها كثيراً، فجلالة الإمام يحكم جميع البلاد على
السواء، ولا يفرق بين حقوق رعيته، لإختلاف مذهبهم أو دينهم، وهو لا يحترم الشوافع
فقط، بل يحترم اليهود أيضاً، الذين هم أقلية ضئيلة، ويعاملهم كمعاملة الخلفاء
الراشدين رضي الله عنهم في صدر الإسلام لأهل الذمة.
وأما الشوافع فهو يحترمهم كثيراً ويعتمد على بعض كبار رجالهم، وقد عين
منهم الكثيرين في وظائف مختلفة، فالمزجاجي من الشوافع وهو عامل الإمام في لحية –
اللحية بالحديدة – وأخوه عبدالله عامل في زبيد ومحمد باسلامة عامل إب وهو أيضاً من
الشوافع ومأمور خزينة الإمام من الشوافع واسمه الحاج لطف.
كما أن كثيرين من أئمة الجوامع هم من الشوافع، والمثال على ذلك الشيخ
طاهر إمام جامع بئر العزب في صنعاء، وجميع من ذكرت هم من الموظفين الكبار.
وأما الموظفون الصغار من الشوافع المستخدمون في اليمن، لا يحصى عددهم،
كما أن وزير خارجية الإمام القاضي محمد راغب هو من الشوافع أيضاً ويُنسب إلى أصل
تركي.
ويجدر بالذكر هنا أن معظم الكُتاب الذين كتبوا عن اليمن عقيب الحرب
العالمية، لا تخلوا كتاباتهم من الدعايات والأغراض، وذلك لأن بعض الدول الأجنبية
أخذت تزاحم على هذه البلاد، ولا تمر سنة إلا ونجد في صنعاء مندوبين كثيرين أوفدتهم
دول مختلفة أو شركات اجنبية لمفاوضة الإمام في بعض الشئون السياسية والاقتصادية.
وقد إتفق أنني عندما زرت صنعاء في إحدى رحلاتي المتعددة كانت فيها
وفود ألمانية وأميركية وإيطالية وبريطانية وروسية.
وبكل أسف أن هذه الدول وتلك الشركات، وجدت لنفسها خارج اليمن بعض
الدُعاة المأجورين!! الذين أخذوا يكتبون عن اليمن أشياء كثيرة تسويداً لصفحته!!
ومعظم هذه الأشياء إفتراء وإختلاق!!.))
المصدر// نزيه مؤيد العظم "رحلة في بلاد العربية السعيدة سبأ
ومأرب"، الجزء الأول، مؤسسة فادي برس- لندن، الطبعة الثانية 1985م، ص 57 - 58