Translate

الأحد، 8 مارس 2020

مقابلة مع الدكتور عبدالملك عبدالله الجنداري

مقابلة عن الثأر مع القاضي الدكتور عبدالملك عبدالله الجنداري تنشر لأول مرة
أجراها // زيد يحيى المحبشي بتاريخ 26 أبريل 2004
*ماهو المفهوم العام للثأر؟ وماهي أنواعه؟
- المفهوم العام للثأر - من وجهة نظري - أن يُقتل شخص فيقوم ولي دمه - أو شخص من عشيرته أو قبيلته- بقتل أحد أقارب القاتل أو احد اعيان عشيرته انتقاما للمقتول. أما قيام ولي الدم بقتل قاتل مؤرثه فلا يُعد ثأراً، عملا بقوله تعالى ((ومن قُتِلَ مَظلوماً فقد جَعَلنا لِوَليهِ سُلطاناً فلا يُسرِف في القتل))، ومع ذلك فقد أوجب المقنن اليمني معاقبته بالحبس تعزيراً له على افتئاته على حق الدولة في إقامة القصاص. وعليه فالإسراف في القتل هو الثأر، سواء بقتل أكثر من شخص غير القاتل أو بترك القاتل وقتل غيره بحجة أن المقتول أعلى شأناً من القاتل.
* ما مسببات بروز ظاهرة الثأر واستفحالها، في ضوء القصور التشريعي والاختلال القضائي في اليمن؟
وماهي المعالجات القانونية المطلوبة والإصلاحات القضائية المتخذة لاحتواء ظاهرة الثأر؟
- إن للثأر - كفعل أحادي- أسباب عدة ، ولاشك أن ثمة قصور تشريعي وخلل قضائي بهذا الصدد.
أما الثأر - كظاهرة - فوراءه سببان رئيسان ، الأول الجهل، والثاني بروز سلطة القبيلة - في بعض المناطق - على حساب سلطة الدولة بجوانبها الثلاثة التنفيذية والتشريعية والقضائية. لذلك من التجني وعدم الإنصاف تحميل إحدى سلطات الدولة دون غيرها وزر الثأر كظاهرة. فكثيرون يزعمون أن القضاء هو المسئول الأول عن ذلك، وهذا غير صحيح بدليل أن أولياء الدم في معظم قضايا القتل - في المحافظات التي ينتشر فيها الثأر - يرفضون التقدم بدعواهم بالحق الشخصي إلى القضاء، لقناعتهم الراسخة بأن عدم أخذهم حقهم بأيديهم نقيصة كبيرة. كما أنهم يعلمون أن القضاء سيقتص من القاتل الذي يرون غالباً أنه غير كفء للمقتول.
وقد يقول قائل: إن عدم ثقتهم بالقضاء هو دافعهم لأخذ حقهم بأيديهم. فنقول: إن هذا الوهم كان سائداً إلى عهد قريب، وهذا ما حدا بالمقنن اليمني عند تعديل مشروع قانون الجرائم والعقوبات - الذي أستمر العمل به استئناساً لعدة سنوات فيما كان يعرف بالشطر الشمالي من الوطن- إلى استحداث حكم يجيز للنيابة العامة حق طلب القصاص من المحكمة في قضايا القتل العمد. في حالة امتناع أولياء الدم عن طلب القصاص . بل وأوجب على المحكمة أن تحكم بالقصاص إكتفاء بطلب النيابة العامة (المادة "50" من القرار بالقانون رقم "12" لسنة 1994م). إلا أن المقنن علَّق تنفيذ الحكم الصادر بالقصاص على طلب أولياء الدم، باعتبار أن ذلك حق شرعي لهم دون غيرهم، عملا بقوله تعالى: ((ومن قُتِلَ مَظلوماً فقد جَعَلنا لوليه سُلطاناً)). ورغم ذلك النص القانوني وتطبيقه على الواقع وصدور أحكام مقررة بالقصاص، إلا أن أولياء الدم - في المناطق المشهورة بالثأر - يمتنعون عن طلب تنفيذ الحكم انتظاراً لخروج المحكوم عليه من السجن ليقتصوا منه بأنفسهم، أو لأنهم لا يريدون المحكوم عليه بل يسعون للثأر بقتل غيره.
ومع ذلك - وكمعالجة قانونية لهذا الوضع - يمكن العمل على استحداث نص يمكن المحكمة من إجبار أولياء الدم على الحضور أمامها وتخييرهم بين ثلاثة أمور لا رابع لها: إما طلب القصاص أو الدية أو العفو، عملا بقول الرسول صلى الله عليه وآلهوسلم : (من أصيب بدم أو خَبلٍ "جراحٍ" فهو بالخيار بين إحدى ثلاث إما أن يقتص أو يأخذ العقل "الديه" أو يعفو ، فإن أراد الرابعة فخذوا علي يديه، ومن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم). وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : { من قُتِلَ له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يعفو وإما أن يقتل}. ومع ذلك فإن وجود مثل هذا النص القانوني لن يجدي إلا بتفعيله، وهذا لن يتأتي إلا بوجود آلية تنفيذية تمكن جهات الضبط القضائي - في مناطق الثأر المعروفة- من إجبار الخصوم على المثول أمام القضاء.
هذا ما يتعلق بتلافي القصور التشريعي، أما القصور القضائي بهذا الشأن - وإن كان لا يخلو- إلا أن تأثيره في بروز ظاهرة الثأر ليس بالصورة التي يتوهمها الكثيرون، بدليل العدد الكبير من الأحكام القضائية التي تصدر سنويا بالقصاص والتي ينفذ العديد منها في معظم محافظات الجمهورية، كما أن ثمة مئات منها لم تلق طريقها للتنفيذ بسبب سعي الكثيرين للتدخل بالصلح بتنازل أولياء الدم، وبسبب تدخل كثيرين أيضاً لإعاقة تنفيذها بالتشكيك بصحة أحكام القضاء، وبغير ذلك من الأسباب. المهم هنا أن القضاء اليمني - وبالذات في قضايا القتل - يقوم بدوره على نحو يفوق غيره في معظم دول العالم سواء من حيث مدد التقاضي أو من حيث سلامة الإجراءات.
ولاشك أن من بين العدد الكبير من الأحكام الصادرة في قضايا القتل ما يكون بالقصاص ومنها ما يكون بالدَية وفي أحيان قليلة بالبراءة، كل ذلك بحسب مدى كفاية الأدلة التي يطرحها الخصوم أمام المحاكم. ولمن يريد التأكد من صدق ما ذكرناه الرجوع الى أرشيف المحاكم والنيابات العامة وإحصائياتها.
هل يمكن تحديد رقم معين للقضايا المتعلقة بالثأر المطروحة أمام المحاكم اليمنية؟
- قضايا الثأر تدخل في التصنيف القضائي ضمن قضايا القتل، وهذا الصنف من القضايا ينقسم إلى قتل عمد وقتل خطأ، ولا يوجد تصنيف لقضايا القتل باعتبار السبب. ومن ثم فتحديد رقم معين لقضايا الثأر يحتاج إلى باحثين لاستخلاص ذلك من بين قضايا القتل العمد المنتهية المؤرشفة في خزائن النيابات العامة.
كيف يمكن الحد من الاختراقات العرفية، وخصوصاً قاعدة "المواخاة" وقاعدة "الرباعة"؟
- المواخاة والرباعة ونحوها هي قواعد قبلية عريقة لها جذور عميقة - ليس في تاريخ اليمن فحسب بل في التأريخ العربي عموماً - تمتد إلى عصر ما قبل الاسلام ، وهي مما قال عنه صلى الله عليه وآله وسلم "{ إنما بعثت لإتمم مكارم الأخلاق}، ومن ثم فالخلل ليس في القواعد ذاتها بل في تطبيقها، فتلك القواعد ليس على إطلاقها بل لها ضوابط وأسس استمر العمل بها بين قبائل اليمن مئات السنين. بيد أن تطبيق تينك القاعدتين- شأنهما شأن غيرهما من القواعد القبلية - قد أعتراه الكثير من الخلل بسبب تدني المفاهيم القبلية الأصيلة، نتيجة الجهل المستمر بتلك الأعراف والقواعد، وهذا نوع من ا لجهل الذي اشرنا إليه في بداية حديثنا كسبب رئيس من أسباب تفشي الثأر الذي كان وما يزال مذموماً عند عقلاء قبائل العرب منذ العصر الجاهلي حتى اليوم.
كلمة ختامية:
- أخيراً نقول إن أية معالجة لظاهرة الثأر لن تنجح إلا بتفاعل وتكاتف الجميع. ومن ثم فإن الحملة الوطنية التي تبناها فخامة الاخ رئيس الجمهورية المشير علي عبدالله صالح لمحاربة هذه الظاهرة هي الخطوة الصحيحة والطريقة المثلى للتغلب عليها. لذلك نأمل من الجميع - وبالذات مشائخ القبائل - من بذل أقصى جهودهم في المشاركة في الحملة الوطنية والتفاعل معها.