بقلم// حمود
عبدالله الأهنومي
هو العالم (علي بن إبراهيم بن علي بن المهدي بن صلاح بن علي بن أحمد بن محمد بن جعفر–ومحمد بن جعفر هو المقبور في جبل حرام من بلاد الأمرور- وينتهي نسب العالم إلى الإمام محمد بن القاسم بن إبراهيم عليهم السلام، ولد بهجرة الجاهلي (وتقع اليوم في مدينة الشاهل) يوم الخميس ١٣ صفر سنة ٩٣٠ ه، ونشأ بها ويبدو أنه كان يتيما ولهذا تربى برعاية عمه السيد العلامة صلاح الدين بن علي بن المهدي القاسمي،متولي القضاء والأوقاف من جهة الإمام شرف الدين عليه السلام في بلاد الشرف الأسفل.
تلقى العالم علومه الأولية في بلده الشاهل، ثم هاجر إلى صنعاء فتتلمذ على يد العلامة محمد بن عبد الله راوع في الأزهار وشرحه لابن مفتاح، وفي مفتاح الفائض للعصيفري وشرحه للناظري، ثم عاد إلى بلده، ولما ضعفت وطأة دولة
الإمام شرف الدين يحيى بن شمس الدين، ونزع بعض الأشراف في صعدة إلى الاستقلال اضطر بعض أهل وادي علاف من الأشراف ومن بني عقبة أن يتركوا بلدهم وحطت بهم الرحال في جناب هذا العالم الشرفي، وكان رجلا كريما معطاء، غير أن الأهم أنه لما عرف أهليتهم العلمية عكف عليهم دراسة مستغلا وجودهم لديه؛ فاستفاد منهم علما عظيما؛ ثم أصبح كعبة الطلاب المسترشدين للتعلم عليه، وهذا يدل على صفات عظيمة كانت عماد ملامح شخصيته الفذة ومنها الجود والتواضع والنهمة في طلب العلم والتضحية في سبيل العلم.
ويبدو أن طلاب الشرفين آنذاك حطوا بجنابه ينهلون العلم لديه؛ ورغم ندرة الكتابات التاريخية عن بلاد الشرف إلا أن ما وصلنا من أسماء بعض طلابه وهجرهم التي أقبلوا منها يدل دلالة واضحة على انتشار العلم بصورة كبيرة؛ ومن طلابه الذين ذكرهم التاريخ - على غمطه للشرفين ورجالها - العلامة الهادي بن الحسن من هجرة بني أسد (منطقة حجر المحابشة)، والزاهد شمس الدين يونس بن صلاح من (هجرة أسلم ناشر)، والسيد العلامة أحمد بن الحسين بن علي من (هجرة الخواقعة) في الشاهل نفسه، ويكفيه شرفا أن بدأ الإمام الثائر المنصور القاسم بن محمد حياته العلمية لديه، وقرأ كتاب الأزهار، وقد كان الأزهار وتذكرة النحوي وبيان ابن مظفر أهم الكتب الفقهية التي عني بها العالم الشرفي.
لقد رأى بلديه وقرينه المشهور بالعابد وهو العلامة علي بن إبراهيم العابد – وستأتي ترجمته لاحقا - في المنام أنه وقع بالمسلمين خطب فهرب الناس منه، ووجد نفسه يهرب معهم بينما لاحظ أن العالم علي بن إبراهيم الشرفي كان مشغولا بمساعدتهم، ولما عرض عليه منامه فسره بأنه (أي العابد) يهتم بأمر عبادته ونفسه، بينما كان العالم مهتما بأمور المسلمين العامة؛ وهو ما يشير إلى عنايته بقضايا المسلمين ورفضه للظلم والبغي؛ فحينما حكم غوث الدين بن المطهر بن شرف الدين الناس في بلاد الشرف بالظلم من مقره في (قفل مدوم) بكحلان الشرف وظهرت بعض المنكرات - ذهب جمع من الناس إلى المترجم له إلى هجرته (الجاهلي) وقرينه العابد طالبين منهما الجهاد ضد هؤلاء الذين يظلمون الناس ويحكمون فيهم بالجهل والطاغوت بدون علم ولا معرفة، ويتعسفونهم في الجبايات المالية، ولقي قبائل المحابشة استجابة سريعة من العالم والعابد الشاهليين، وانتهت تلك المحاولة باستكانة القبائل مرة أخرى إلى الظالمين؛ مما اضطره إلى الهجرة إلى حجور حتى قيام الإمام الثائر الحسن بن علي بن داود ضد الأتراك المحتلين.
ويذكر التاريخ أن الإمام الناصر الحسن بن علي بن داوود بسط نفوذه على أرجاء اليمن ما عدا مدينة صنعاء فقد بقيت تحت حكم الأتراك، ثم أعاد الأتراك الكرة فأسقطوا كل تلك البلدان ولم تثبت في يد الإمام إلا بلاد الشرفين والأهنوم وعذر، وتحركت حملة عسكرية ضخمة انتهت بالقبض على الإمام الناصر محصورا في الأهنوم وبعض الأمراء آل شرف الدين ونفيهم إلى القسطنطينية، ليقضوا بقية أعمارهم هناك؛ في حين لجأ العالم الشرفي إلى التدريس وإرشاد الناس حتى إطلاق الإمام القاسم بن محمد شرارة الثورة ضد الأتراك من سوق طهنة الذي يعرف اليوم بالسوق القديم؛ وهو ما لقي تأييدا وحماسا شديدا من شيخه العالم الشرفي فأرسل إليه الرجال والأموال نصرة للحق والمحقين؛ وبقي على مسلكه الجهادي والدعوي حتى لقي ربه سنة ١٠٣٢ هـ بهجرته وعليه مشهد خربه الأتراك في أيام المنصور محمد بن يحيى حميد الدين، ثم قام وكيل أوقاف الشاهل أحمد حسن الجرب بخلفية وهابية بتدمير ضريحه والأضرحة التي بجواره وتسويتها بالأرض.
جدير بالذكر أن العالم خّلف ولدين عالمين هما محمد وإبراهيم رحمهما الله، ولا يزال في ذريته حتى اليوم من يحمل مشاعل العلم ويعشق المعرفة، ومنهم من تأثر بالوهابية ومنهم وكيل الأوقاف المذكور.
تنبيه:
أرجو ممن لديه وثيقة تاريخية
كالعرائض والشروح والولايات والمكاتيب أو أي وثيقة تاريخية التي كانت تصدر من الموظفين
الرسميين إلى معاصريهم أو بين طرفين فاعلين في التاريخ والتي تتحدث عن تاريخ وأحداث
الشرفين إرسالها إلينا ليتم الاستفادة منها في إعادة صياغة تاريخ الشرفين
الذي يعاني من الضياع والتجهيل شعبيا ورسميا.
نقلاً عن مجلة مفتاح المجد العدد (7) 30 رجب 1433 هـ