Translate

الخميس، 27 يوليو 2023

ما الذي أبقاه النظام السعودي للمسلمين من فريضة الحج؟


مركز البحوث والمعلومات: زيد المحبشي

27 يونيو 2023

لم يعد "الحج" فريضة تعبدية سياسية صحوية تخلُقُ زخماً جديد في ضمير الأمة كل عام، ولم يعد فُرصة لإعادة التقييم في كافة البرامج والمناحي والمناشط الحياتية، ولم يعد مُؤتمراً يُقرر مصير الخليفة الثالث "عثمان بن عفان" ويُنحِّيه من الحكم، كما قرر مصير مُشركي قريش ونحّاهم من جزيرة العرب بقراءة سورة "براءة".

ولم يعد مُؤتمراً إسلامياً عالمياً يُناقش هموم المسلمين والمؤامرات الرامية القضاء على الإسلام وتشويه صورة نبي الإسلام في الذهنية والوعي الجمعي العالمي.

ولم تعد "عرفات" تحتل مركز مجلس الأمن الإسلامي، أو الأمم المتحدة الإسلامية.

ولم تعد "منى" تُمثل الكومنولث الإسلامي أو السوق الإسلامية المشتركة.

ولم يعد "الطواف" يهدف لبيان معنى القُربان والتضحية والفداء.

ولم يعد "السعي" يهدف لتكريس معنى السعي والعمل من أجل الله.

ولم يعد "الإحرام" يرمز لمعنى التقوى عن كل المحرمات وفق حكم الله.

ولم تعد "التلبية" تعني إعادة البيعة مع الله لتطبيق شرائعه.

ولم يعد "رمي الجمرات" يعني رفض شياطين الإنس والبراءة منهم بنفس درجة رفض شياطين الجن والتبرؤ منهم ومن كل الطغاة والمستبدين والمتكبرين والظالمين.

ولم .. ولم ..


إفراغ الحج من محتواه:


تعمل الوهابية والنظام السعودي على إفراغ هذه الفريضة المُقدسة من محتواها ومقاصدها التي أرادها الله في محكم التنزيل، لأن المسلمين إذا قاموا بها كما أراد الله فلن يبقَ لبقر الأميركان وقرودهم في المشرق العربي ولاية على المسلمين، ولن يبقَ لبني سعود ولاية على البيت الحرام، وبما أن هذه الفريضة تُشكِّل خطراً وجودياً على حُكام الدرعية وأولياء نعمتهم في واشنطن وربائبهم في تل أبيب، فمن الطبيعي أن يكون لهم سجل أسود في التعامل مع البقاع الطاهرة وضيوف الرحمن منذ تأسس دولتهم الأولى في نجد والحجاز في القرن السابع عشر الميلادي وحتى يوم الناس، ولم يدخروا طوال القرون الثلاثة الأخيرة وسيلة لتفريغ الحج من محتواه، وتحويله إلى مجرد طقوس جامدة وميتة ومفصولة عن واقع وحياة المسلمين.

وللأسف المتبقي الوحيد من هذه الفريضة المقدسة اليوم هو مجموعة من المُمارسات والقراءات تتخللُها أعمالٌ غريبة يجب التعبُد بها، دون التفّهُم لها، ولمعانيها، ومقاصدها، بعيدة ومفصولة عن كل الممارسات في حياتنا اليومية، هكذا تريده وهابية بني سعود تحت ذريعة الحفاظ على نهج السلف من بني أمية وبني قينقاع.

لذا لا عجب أن نجد الحاج حين يعود إلى منزله، لم يحمل معه من زاد الدنيا شيئاً، كما لم يُفلح في الحصول على زاد التقوى، وكل ما حمله معه إلى دياره اسم "الحاج"، ولا يحق له أكثر من الإسم، لأنه مارس مجموعة من أسماء، وكان نصيبه منها اسماً لا أكثر، ولأنه لم يعد في عُرف الجماهير، ذلك الذي يحمل معه سلوكية جديدة تُعطيه المزيد من الثقة بعلمه وعدالته، بل أصبح عند الناس ذلك الرجل الذي عرف كيف يُحوِّر معاني الدين ويستخدمها في مصالحه الخاصة، عندما قبل بفصل فريضة الحج عن واقع وحياة أمته، واكتفى بالقشور من تعبُّداته، وارتضى بالصمت على ما يُحاك ضد دينه وأمته.

إذن فالحج الذي أراده الله ليس رحلة سياحية أو زيارة طقوسية جامدة بل فريضةً عباديةً وسياسيةً وصحوية مُقدسة، ومؤتمر إسلامي عالمي، يجتمع فيه المسلمون من كل حدبٍ وصوب، لباسهم واحد، ومناسكهم واحدة، وصلاتهم واحدة، وقرآنهم واحد، وقبلتهم واحدة.

وهو مناسبة سنوية عظيمة لمناقشة قضايا وهموم المسلمين، وما يُحاك ضدهم وضد دينهم من مؤامرات، ناهيك عن أهميته في توثيق العلاقات الإسلامية البينية، وإظهار قوة المسلمين، ووحدتهم، واجتماع كلمتهم، وإرسال رسائل متعددة لأعداء الإسلام والمسلمين، مُفادها أن المسلمين يقظون وحاضرون لبذل كل غالٍ ونفيسٍ من أجل دينهم وكرامتهم.

ونظراً لما لهذه الشعيرة المقدسة من أهمية يعمل النظام السعودي جاهداً على منع وقمع أي حراك أو صحوة في مواسم الحج، تُحاول تجسيد الغاية التي أرادها الله من هذه الفريضة العظيمة، وإعادة العظمة والهيبة إليها، لأن في ذلك تنغيصٌ وتكديرٌ لحياة الطغاة والمستكبرين والظلمة والمستبدين.

ويتهم العلامة "حمود عبدالله الأهنومي" النظام السعودي بتحويل فريضة الحج "من مؤتمر لوحدة المسلمين إلى مؤتمر للتفريق بينهم، وتكفيرهم، وتضليلهم وتبديعهم، وقتلهم، وإضفاء المشروعية لجرائمهم التي يخزى حتى الخزي أن ينسبَها لنفسه، تفريقٌ وتمزيق من قبل شيوخ الدين الوهابيين الذين أصاخوا سمع العالم بنعيقهم العالي بخطورة بعض المسلمين، ولكنهم صمٌ بكمٌ عن خطورة المعتدين في فلسطين والعراق وغيرها من بلدان المسلمين"، حقيقة مرة لكن ذلك واقعهم.

والحج في مفهوم قائد الثورة الإسلامية الإيرانية السيد "علي الخامنئي": 

"فُرصةٌ لإعلان البراءة من المشركين والظالمين والطُغاة، وفُرصةً لإجتماع الكلمة ووحدة الصف بين المسلمين، وكل محاولةٍ لتغيير حقيقة هذه الفريضة وحرفها، ما هي إلا محاولات شيطانية، يسعى الشياطين الصغار لتحقيقها كسباً لرضا الشياطين الكبار"، وهو أيضاً "قضية عالمية وحضارية، أي أنه ليس فرضاً فردياً، بل موضوع سياسي، ..، الهدف منه هو الرقي للأمة الإسلامية ووحدتها أمام الكفر والظلم والاستكبار والأصنام البشرية وغير البشرية".

الشهيد القائد السيد "حسين بدرالدين الحوثي" حرص هو الآخر على التأكيد في عدة مواضع من ملازمه على أهمية هذه الفريضة في وحدة المسلمين، وكشف المؤامرات اليهودية لتعطيلها وإفراغها من محتواها:

"اليهود يفهمون قيمة الحج أكثر مما نفهمه، اليهود يعرفون خطورة الحج وأهمية الحج أكثر مما نفهمها نحن، ما أكثر من يحجون ولا يفهمون قيمة الحج.

الحج له أثره المهم، والكبير في خدمة وحدة الأمة الإسلامية، ألم يجزئوا البلاد الإسلامية إلى دويلات إلى خمسين دولة أو أكثر؟ وجزأوا البلاد العربية إلى عدة دويلات، لكن بقي الحج مشكلة، ففيه يلتقي المسلمون من كل منطقة، إذاً ما زال الحج رمزاً لوحدة المسلمين ويلتقي حوله المسلمون ويحمل معاني كثيرة جداً لو جاء من يُذكِّر المسلمين بها ستشكل خُطورة بالغة عليهم، على الغربيين، على اليهود والنصارى.

ولهم نصوص نحن نقرأها نصوص من وزراء منهم ومفكرين منهم يتحدثون عن خطورة الحج وأنه يجب أن يستولوا على الحج، وأنهم يجب أن يهيمنوا على هذه البقعة".

والهيمنة في طابعها العام لن تكون مباشرة بل عبر وكيلهم الحصري في جزيرة العرب "النظام السعودي"، كل الشواهد والوقائع تؤكد ذلك.

وألمح الشهيد القائد إلى جزئية مهمة يعملون عليها من أجل الوصول إلى غايتهم الشيطانية هي تقليل عدد الحُجاج بالتدرج ورفع تكاليف الحج وافتعال المشاكل في مواسم الحج:

"الحج إذا ما خُفِّض العدد يكون مقبولاً جداً؛ لأنه روضنا أنفسنا، وروضتنا حكوماتنا المباركة الجاهلة التي لا تعرف عن اليهود شيئاً، التي لا يهمها أمر الدين ولا أمر الأمة، ..، يكونون قد عودونا قليلاً، ثم أحيانا يقولون: السنة هذه اتركوها للمصريين، والشعب الفلاني والشعب الفلاني السنة هذه يُؤجل، أو السنة هذه احتمال يكون هناك وباء ينتشر يُؤجل .. وهكذا حتى يموت الحج في أنفسنا، حتى يضيع من ذاكرتنا…".

"لو نقول لكم الآن بأن إسرائيل بأن اليهود والنصارى يُخططون للاستيلاء على الحج فقد تقولون: مستحيل، ألسنا نعرف جميعاً بأن السعودية هي دولة صديقة لأميركا؟ أليس كل الناس يعرفون هذا؟ السعودية دولة صديقة لأميركا".

"تقليل عدد الحُجاج وكل بلد لا يحج منه إلا عدد مُعين ثم رفع تكاليف الحج هذه خطة يبدو أميركية، كل سنة يُخفِّضون أكثر، وكل سنة يفتعلون شيئاً فيما يتعلق بالكعبة، يقولون: قد حصل وباء أو حصل كذا من كثرة الازدحام، إذاً قللوا العدد قللوا العدد حتى يُصبح الحج قضية لا تُعد محط اهتمام عند المسلمين أو في الأخير يوقفوه".


ابتزاز سياسي رخيص:


يحرص النظام السعودي على إخضاع نِسب الحج لأهوائه ومصالحه السياسية، والتحكم بتحديد من يحق له الحج ومن لا يحق له، وتحويل الحصص والتأشيرات إلى ورقة للابتزاز والاستثمار السياسي.

وتؤكد العديد من التقارير الإخبارية قيامه برفع حصّة الحُجاج للعديد من الدول التي لها مواقف سياسية مُساندة له على الساحة الإقليمية والعالمية، وتقليص حصص الدول المُنتقدة له ولممارساته في محيطه العربي والإسلامي، والمُخالفة لهواه السياسي والمذهبي. 

وبالتالي خضوع منح التأشيرات أو حجبها، والتلاعب في حصص الدول لنوع العلاقات البينية، ومدى الاستجابة للابتزاز، أو التدخّل في الجهات التي تملك اختيار من يحصلون على التأشيرة في داخل تلك الدول، والتمييز بين الحجاج على أساس الولاء السياسي، ومن ذلك منع حُجاج دول كاملة السيادة، وتتمتع بالشرعية الدولية من أداء فريضة الحج، والسماح لحُجاج مناطق تقع تحت سيطرة داعش الإرهابية بأداء الفريضة، من ذلك السماح لحُجاج من مدينة الموصل العراقية ومناطق شمال سورية الواقعة خارج سيطرة الدولة السورية خلال فترة خضوعها لتنظيم داعش. 

وأحياناً يتم منع حُجاج بلدٍ ما استجابة لرغبة بلد أخر، من ذلك منع الحجاج الليبيين من أداء فريضة الحج بعد حادثة "لوكربي" الشهيرة نهاية العام 1988 بضغط من واشنطن ولندن وباريس، فقرر القذافي توجيههم الى القدس لأداء الحج بدل مكة المكرمة.

ومن النماذج حصر منح تأشيرات الحج للسوريين فيما يُسمى "الائتلاف السوري المعارض"، رغم أنه لا علاقة له بالداخل السوري، ولا يتعامل معه المواطنون المقيمون داخل سورية، وليس جهة يمكن التعامل معها دولياً، وبالمثل في لبنان في سنوات سابقة على جماعة قوات الحاخام "سمير جعجع" رغم أنه لا علاقة له بالإسلام.

ومن الشواهد رفضه زيادة عدد من الحجّاج الماليزيين على خلفية سحب "ماليزيا" قوّاتها من تحالف العدوان على اليمن عام 2018

ناهيك عن مُمارسة قائمة طويلة من الضغوط والشروط التعجيزية من أجل منع مئات الآلاف من أداء فريضة الحج، أملاً في الوصول لمرحلة تعطيل فريضة الحج نهائياً، وهذا مُخططٌ له سلفاً.


تجارة رابحة وتكاليف باهظة:


نشرت وكالة "أ ف ب" في 14 ذو الحجة 1438 هـ، الموافق 4 سبتمبر 2017 أرقاماً فلكية عن الأرباح التي جنتها السعودية خلال موسم الحج للعام 1438 هـ، نقلاً عن رئيس الغرفة التجارية والصناعية في مكة المكرمة "ماهر جمال"، حيث بلغت نفقات الحُجاج من داخل السعودية وخارجها "20 - 26" مليار ريال سعودي، ما يعادل "5.33 - 6.67" مليارات دولار بحسب أسعار تلك الفترة، بينما كانت في العام 1437 هـ، نحو 14 مليار ريال، ما يعادل 3.73 مليارات دولار، بزيادة 10 مليار ريال سعودي، ووصلت إيرادات المناسك والعمرة والزيارات الدينية الأخرى على مدار العام نحو 12 مليار دولار سنوياً، بحسب تقديرات "الفرنس برس" في يوليو 2022.

وبلغ عدد الحجاج لذلك العام 2.350 مليون حاج، بينهم مليون و750 ألف حاج من 168 دولة، والبقية من داخل السعودية، ولنا اليوم أن نتخيل عائدات المهلكة من موسم الحج لهذا العام بما رافقه من انتهاء جائحة "كورونا"، وتخفيف القيود عن الدول التي كانت ممنوعة من زيارة بيت الله الحرام لرفضها السياسة العوجاء لإبن سلمان في المنطقة.

وتعتمد خطة إبن سلمان2030 بدرجة أساسية على زيادة الحجاج، لما تُمثلُه من مصدر دخل ثابت للخزينة السعودية، ويؤكد الخبير الاقتصادي "عبدالمنعم بخاري" أن معدلات إنفاق حُجاج الخارج أكثر من حُجاج الداخل في الغالب.

ويصل مُتوسط نفقات الحاج من خارج السعودية خلال 12 يوماً، وهي الفترة المُقدّرة لأداء فريضة الحج نحو 2000 - 7000 دولار، ومتوسط إنفاق حُجاج الداخل 3 آلاف دولار بحسب تقديرات العام 2017.

حجاج اليمن كنموذج وصلت نفقات الحاج إلى 2300 دولار بحسب تقديرات العام 2017، وتتفاوت تقديرات الإنفاق من دولة إلى أخرى، مع الأخذ بالحسبان الرسوم الكبيرة التي يفرضها النظام السعودي بمسميات مُختلفة على ضيوف الرحمن دون وجه حق.

ارتفاع جنوني في تكاليف الحج إلى حدود جعلته حكراً على الأغنياء والمقتدرين، بسبب رفع السعودية أسعار الخدمات الإلزامية مثل خدمات المشاعر والطواف والنقل، وإضافة خدمات إلزامية جديدة مثل حالات الطوارئ والتأمين الصحّي ورسوم التأشيرة، وزيادة الضريبة على القيمة المضافة من 5% إلى 15%، ورفع خدمات الإيواء والغذاء وأسعار تذاكر الطيران تحت مبرر التضخّم العالمي.


اصطياد المخالفين والمعارضين:


شهدت السنوات الأخيرة الكثير من حالات الاعتقال في أوساط الحجاج خلال أدائهم مراسم الحج والعمرة، إما بسب معارضتهم لسياسات النظام السعودي في المنطقة كما حدث للكاتبة والمجاهدة المصرية الحرة "رانيا العسال" أثناء أداء فريضة العمرة قبل قرابة الشهرين، أو من أجل تسليمهم لدولهم من ذلك اعتقال حُجّاج ليبيون وتسليمهم إلى قوات "خليفة حفتر" قبل سنوات، وآخرون أردنيون وفلسطينيون ومصريون وعراقيون وحتى خليجيون وخصوصاً الناشطين من شيعة البحرين أخرهم الشيخ  "جميل الباقري" أثناء السعي بن الصفا والمروى قبل أيام ، وطالت الاعتقالات حُجاجاً من الأقلّية الأويغورية الصينية المسلمة وتسليمهم لنظام بلادهم من أجل التودد إليه.

هذه الإجراءات اللا إنسانية واللا أخلاقية استفزت العديد من المنظمات والشخصيات الحرة، من ذلك تدشين عدة مؤسسات حقوقية وسياسية وعلماء ودعاة وشخصيات بارزة، في 16 يونيو 2022 حملة لمواجهة "تسييس الحج"، وأصدروا بياناً بعنوان "الحج ليس آمناً"، اتهموا فيه النظام السعودي بتعمد "تسييس الحرمين، وجعل الحج والعمـرة أداة للقمع ووسيلة لتصفية الخصوم، وطريقاً لدعـم الأنظمـة القمعية، واعتقال عدداً من حجاج بعض الدول الذين يعيشون في المنفى، وتسليمهم لدولهم وأنظمتهم المشهورة بقمعها وانتهاكها للحقوق والحريات، واستخدام منبر الحرمين الشريفين أداة لتلميع سياسات نظام محمد بن سلمان، ولوحة دعائية له"، وأكدوا رفضهم وإدانتهم للاستغلال السياسي السعودي الرخيص لفريضة الحج والعمرة، وتحويلها إلى وسيلة للبطش واستدراج الآمنين ومصيدة لاعتقالهم، وتسليم ضيوف الرحمن قُرباناً للأنظمة القمعية، وناشدوا كل الأحرار في العالم الإسلامي من منظمات حقوقية وجمعيات ومجامع عُلمائية القيام بواجبهم لدفع الضرر عن بيت الله الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإدراج حقوق الحُجاج والمُعتمرين ضمن قوائم الحقوق والمعايير.

وفي يوليو 2018 أكدت "الهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين"، ومقرها العاصمة الإندونيسية جاكرتا، استغلال النظام السعودي مكرُمات الحج والعمرة لتعزيز مواقفه السياسية في المنطقة.

وكان النظام السعودي قد حذّر "إندونيسيا"، بوضع عقبات أمام سفر حُجّاجها إلى مكة ما لم تُصوّت لصالحه عند الحاجة في مجلس الأمن.

هذه التصرفات المنافية لأخلاقيات الإسلام دفعت الكاتب اللبناني "حسين إبراهيم" للتحذير مما هو قادم:

لقد "صار الحجُ مكاناً للخوف وانعدام الأمان، ومِصيدة للاعتقال التعسّفي والترحيل القسري لمعارضين أجانب إلى بلدانهم، وبؤرة للتجسّس على آخرين، ولم يَعُد ملايين المسلمين، نتيجة ذلك، قادرين على الوصول إلى مكة لزيارة مُقدّساتهم".


غياب الأمن وفوضوية التنظيم:


شهدت العقود العشرة الأخيرة فوضوية وعبثية غير معهودة في البقاع الطاهرة راح ضحيتها الآلاف من ضيوف الرحمن، بسبب سوء الإدارة والتنظيم والتخطيط والتأمين لمناسك الحج، والتعامل الفوقي والعبثي معها.

ناهيك عن طمس المعالم الإسلامية التاريخية، وللقيادة "السعودية - الوهابية" سجل حافل بالاعتداء على ضيوف الرحمن والتفنن في التنكيل بهم وقتلهم منذ اليوم الأول لتوقيع التحالف المشؤم بين "محمد بن سعود" و"محمد بن عبدالوهاب" عام 1744، وصارت أكثر توحُشاً ودموية بعد احتلال مكة والمدينة في العام 1220 هـ، الموافق 1806م، وما تلاه من حصار لمكة والمدينة لمرات عديدة، وقتل الآلاف من ضيوف الرحمن وسكان مكة المكرمة والمدينة المنورة، وتدنيس البقاع الطاهرة والعبث بمقدساتها، من أبرز الشواهد:


1 - هدم القبور والقباب بعد الاستيلاء على مكة المكرمة في العام 1218 هـ، الموافق 1804، وكانوا يرتجزون ويطبلون ويغنون ويشتمون القبور ومن بداخلها من الصحابة، وبعد أشهرٍ من العبث في بيت الله الحرام تمكن الشريف "غالب" من استعادة مكة، وفي العام 1219 هـ، 1805م فرض السعوديون والوهابيون حصار خانق على مكة استمر من ذي الحجة 1219 إلى ذي القعدة 1220، وفي المحرم من عام 1220 شنوا سلسلة غارات على أطرافها دون مراعاة لحُرمة شهر محرم الحرام وحُرمة وقُدسية تلك البقاع الطاهرة.

2 - هدم قباب المدينة المنورة بما فيها قباب البقيع، في العام 1221 هـ، الموافق 1807، ونهب ذخائر الحُجرة النبوية من أموال وجواهر، وطرد قاضي المدينة ومكة وبعض عُلمائها، وتعيين قُضاة من الوهابية، ومنع الناس من زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

3 - هدم القباب والمزارات بمكة والمدينة وجدة والطائف، في العام 1343هـ، الموافق 1924، وصب الرصاص على قُبة قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ويتحدث المستر "هامفر" في مذكراته وهو ضابط في وزارة المستعمرات البريطانية وأحد مُعاصري ومُدربي "محمد بن عبدالوهاب"، عن تقديم مشروع لإبن عبدالوهاب لهدم الكعبة المشرفة، لكن الأخير اعتذر خوفاً من غضب سُلطات الاحتلال العثماني، فصرف النظر عن المشروع، ولكن الوهابية لم يألوا جُهداً عن صد عباد الله عن بيت الله الحرام كلما وجدوا إلى ذلك سبيلاً، أملاً في إيقاف فريضة الحج نهائياً، وهو مشروع جاري العمل له على قدمٍ وساق بالتنسيق مع تل أبيب والبيت الأبيض.

هذه الحقائق الصادمة تُؤكد عدم أهلية النظام السعودي لإدارة المقدسات الإسلامية في الحجاز.

4 - مجزرة الحُجاج اليمنيين في "تنومة" عسير، عام 1341 هـ، الموافق 1921، وهي من الجرائم الأكثر فضاعة في تاريخ الوهابية السعودية، استشهد فيها أكثر من 3000 حاج يمني، امتنع اليمنيون بعدها عن أداء فريضة الحج لأكثر من 13 عاماً، ليعاودوا أداء الحج بعد توقيع اتفاقية الطائف بين الملك السعودي والإمام يحيى في العام 1934.

5 - تدمير النظام السعودي في الفترة 1344 – 1346 هـ، الموافق 1925 - 1927، كل ما في المدينة ومكة من آثار ثورية مرتبطة بانتصارات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على اليهود من بني قينقاع وبني النضير والملوك الخونة، وهدم مساجدها ومآثرها وقبور الشهداء والصحابة، بما في ذلك قباب وأضرحة البقيع، وقتل ونهب ونفي الآمنين من علماء وعامة، وتشويه جمالية المدينة المنورة، والتقليل من أهميتها، وقتل الجزار السعودي "عبدالعزيز بن إبراهيم"، أكثر من 7 آلاف مسلم غالبيتهم من الأطفال والنساء، منهم محمل بعثة الحج المصرية في منى عام 1926.

وتحدث تقرير للوزير البريطاني المفوض في جدةNORMAN MAYERS  عن قيام الوهابيين في موسم الحج للعام 1926 بقتل 4 من الحجاج الأفغان، وجرح اثنين، لأنهم كانوا يُؤدون الصلاة في جبل ثور، حيث اختبأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

6 - انفجار قناني الغاز في 8 ذو الحجة 1395 هـ، الموافق 10 ديسمبر 1975، بمخيمات الحجاج، واحتراق أكثر من 200 حاج.

7 - حدوث اضطرابات في المسجد الحرام في 1 محرم 1400 هـ، الموافق 20 نوفمبر 1979، واحتلاله من قبل جماعة سلفية مُحتسبة يقودها "جهيمان العتيبي"، واحتجاز عشرات الحجاج رهائن، ما تسبب في حدوث مواجهات داخل الحرم دون احترام لحرمته، راح ضحيتها أكثر من 150 قتيل و560 جريح.

8 - هجوم قوى الأمن السعودي في 6 ذو الحجة 1407 هـ، الموافق 31 يوليو 1987، على حجاج إيرانيين أرادوا إعلان براءتهم من المشركين، والإفراط في استخدام العنف والرصاص الحي ضدهم ما تسبب في استشهاد 402 حاج، منهم 275 حاجّاً إيرانيّاً، وإصابة 649 شخص، بينهم 303 من الإيرانيين.

واستغل النظام السعودي ذلك لتقليل العدد المسموح به من الحجاج الإيرانيين من 150 ألف حاج إلى45 ألفا، وفي العام 1991 شهدت العلاقات "الإيرانية - السعودية" تحسُناّ نسبياً، من أهم مخرجاته وضع حدٍّ أقصى للحجاج الإيرانيين يبلغ 115 ألف حاج فقط، بنقص 35 ألف حاج عما كان عليه في العام 1987. 

9 - شن قوى الأمن السعودية في 8 ذو الحجة 1409 هـ، 10 يوليو 1989، هجومين قرب المسجد الحرام، ما تسبب في قتل حاج وجرح 16، واعتقال 20 حاجاً كويتياً، وإعدامهم بعد أسابيع.

10 - وفاة 1426 حاجاً في 10 ذو الحجة 1410 هـ، الموافق 2 يوليو 1990، اختناقاً وسحقاً بالأقدام بسبب انعدام نظام التهوية في نفق "معيصم" الشهير بمكة المكرمة.

11 - سحق 270 حاجاً تحت الأقدام في 14 ذو الحجة 1414 هـ، الموافق 24 مايو 1994، بسب فوضى عارمة سادت رمي الجمرات.

12 - وفاة 3 حُجاج في 8 ذو الحجة 1415 هـ، الموافق 7 مايو 1995، بسبب حريق اندلع في خيمتهم وسقوط 99 جريحاً.

13 - اندلاع حريق في مخيمات الحُجاج في 8 ذو الحجة 1417 هـ، الموافق 15 أبريل 1997، أسفر عن احتراق 340 حاجاً وجرح 1500.

14 - وفاة 118 حاجاً وإصابة 180 بجروح بليغة في 13 ذو الحجة 1418 هـ، الموافق 9 أبريل 1998، بسبب التدافع.

15 - سحق 35 حاجاً تحت الأقدام بينهم 23 امرأة في 10 ذو الحجة 1421 هـ، الموافق 5 مارس 2001، خلال رمي الجمرات.

16 - استشهاد 87 حاجاً وجرح 14 بينهم 6 نساء بمنى، في 10 ذو الحجة 1423 هـ، الموافق 11 فبراير 2003.

17 - وفاة 251 حاجاً وسقوط مئات الجرحى في 10 ذو الحجة 1424 هـ، الموافق 1 فبراير 2004، خلال رمي الجمرات.

18 - استشهاد 3 حُجاج في 12 ذو الحجة 1425 هـ، الموافق 22 يناير 2005، خلال رمي الجمرات.

19 - انهيار فندق بمكة، في 6 ذو الحجة 1426 هـ، الموافق 6 يناير 2006، ما تسبب في وفاة 76 حاجاً.

20 - استشهاد 260 حاجاً في 12 ذو الحجة 1426 هـ، الموافق 12 يناير 2006، خلال رمي الجمرات.

21 - سقوط رافعة على رؤوس الحُجاج في 10 ذو القعدة 1436 هـ، الموافق 11 سبتمبر 2015، ما تسبب في وفاة 110 حاجاً وجرح 400.

وتسبّب ولي العهد السعودي باستشهاد 5000 حاج وجرح الآلاف، بسبب توجيه سيول بشرية منهم في اتجاهات متعاكسة، أدى إلى تدافعهم ودعس بعضهم بعضاً في "منى"، لكي يمر سربٌ طويل من السيارات الفارهة يمتطيها أمير مهفوف، لا يبالِ بحياة الناس ولا كرامتهم.

22 - اعتداء الأمن السعودي في ذو الحجة 1440 هـ، الموافق أغسطس 2019 على الحجاج الفلسطينيين بعد احتجازهم على الحدود ليومٍ كامل، ومنعهم من الدخول، رغم حصولهم على تأشيرات حج، ومتفق على دخولهم بالتنسيق بين وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية ووزارة الحج السعودية.


وما خفي أعظم، فأي حُرمة باقية للبقاع المقدسة، وفريضة الحج؟؟.


المراجع:


1 - أحمد ناصر، الثقافة الرسالية، دار التوجيه الإسلامي، بيروت - الكويت، ص 48 - 49.

2 - أحمد عبدالرازق، هل ترون أن السعودية تسيس الحج فعلاً؟، موقع بي بي سي عربي، 1 أغسطس 2017.

3 - الدكتور حمود عبدالله الأهنومي، سياسة السعودية الاستراتيجية، تقوم على إفراغ الحجّ عن محتواه، وأَهدَافه، وغاياته، صدى المسيرة، 10 سبتمبر 2016.

4 - حسين إبراهيم، هندسة "تجارية – سياسية" للحجّ، ابن سلمان للمسلمين: الكعبة للأكثر مالاً، الأخبار اللبنانية، 5 يوليو 2022.

5 - زيد يحيى المحبشي، الحج في زمن دولة بني سعود الوهابية، مركز البحوث والمعلومات، 25 يوليو 2020.

وكذا: الحج .. أبعاد ودلالات، صحيفة الأمة، العدد 268، 6 فبراير 2003.

6 - سعيد عكاشة، تسييس الحج عبر التاريخ... ملاحظات أولية، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.

7 - العربي الجديد، هذه نفقات الحج في 10 دول عربية، 21 اغسطس 2017.

8 - الموقع الرسمي للسيد علي الخامنئي، بين تسييس الحج ومحاربة الشياطين، 13 سبتمبر 2016.

9 - سبوتنيك عربي، كم ربحت السعودية من الحج هذا العام، 4 سبتمبر 2017.

10 - صحيفة الثورة اليمنية، المؤامرة على الحج كما يراها الشهيد القائد برؤية القرآن الكريم، 14 يونيو 2021.

11 - فرانس برس، تُجار وفنادق مكة متفائلون بتعويض الخسائر خلال موسم الحج، 5 يوليو 2022.

12 - موقع قطر عاجل، تسييس الحج مقابل الوحدة والمساواة بين المسلمين، 23 يونيو 2022.

13 - موقع سعودي ليكس، ملاحقات أمنية وخُطب سياسية واستغلال مادي في موسم الحج، 11 يوليو 2021.

14 - وكالة تسنيم الدولية للأنباء من يسيس الحج .. السعودية أم إيران؟، 22 مايو 2016.

ليست هناك تعليقات: