زيد يحيى المحبشي، مركز البحوث والمعلومات، 24 يونيو 2020
ترتبط اليمن مع دول القرن
الإفريقي بعلاقات ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، واستقرت في تلك الدول الكثير من
الأسر والعوائل اليمنية، وصار منهم التجار والمسؤولين والدعاة الى الإسلام، ونشأت
بين الضفتين زيجات وعائلات مختلطة، وبسطت مملكة "أوسان" اليمنية سيطرتها
على الساحل الإرتيري والجيبوتي والصومالي، وعُرف تاريخياً
بالساحل الأوساني كما ذكر صاحب كتاب "الطواف حول البحر الإرتيري"، وشكلت
إرتيريا تحديداً الحاضنة الجغرافية والتاريخية، التي حفظت لنا عنصر وثقافة سكان جنوب
غرب شبه الجزيرة العربية، خاصة السبئيين والحميريين، الذين تلاشى وجودهم في مواطنهم
الأصلية وازدهروا في مواطنهم الجديدة في كل من إرتيريا وإثيوبيا، وكانت إرتيريا
منذ ما قبل الإسلام تمثل همزة الوصل بين الجزيرة العربية والحبشة وما ورائها.
واتسمت العلاقة بين الشاطئين في جنوب البحر الأحمر
خلال تلك المرحلة بصفتين متمايزتين، حيث اتسمت في تحركها من الشاطئ الشرقي إلى الغربي
بطابع السلم وكانت تتحرك باستمرار بمؤثراتها الحضارية، بينما كانت في تحركاتها من الشاطئ
الغربي إلى الشرقي يغلب عليها طابع الغزو والهيمنة والاعتداء، وبسبب هذه النزعة
تعرضت اليمن حينها لست حملات عسكرية حبشية، كانت باستمرار ولا تزال الى يوم الناس بالتحالف
مع طرف ثاني يمثل القوة الدولية، وتُعد إرتيريا كنموذج مبسط للعلاقة المزدوجة بين
الضفتين في العقدين الأخيرة بمثابة الشوكة في خاصرة الأمن القومي اليمني.
بعد الإسلام وظهور إمارات الطراز الإسلامي في
الساحل الأوساني، لم يكن العامل الدولي بعيداً عن هذه المنطقة المنكوبة من العالم،
بما لها من أهمية جعلتها على الدوام محط أنظار الغزاة والطامعين، وبالتالي تحولها
الى قوس أزمات وصراعات وحروب واضطرابات، وصارت حياة أبناء المنطقة جحيم لا يطاق،
وهو ما جعل عامل الصراع السمة الغالبة على علاقات دولها، بعد أن أصبحت مصالح
الغزاة والمحتلين الأكثر حضوراً وتأثيراً من المصالح الوطنية لشعوب القرن الإفريقي
الغارقة في الفقر والجوع والمرض.
في هذه القراءة السريعة نتحدث عن مدخلات ومخرجات
العلاقات اليمنية الإرتيرية خلال الفترة 1961 – 2020 وتداعياتها على أمن الدولتين والبحر الأحمر
وباب المندب ومنطقة القرن الأفريقي، وموقع مصالح الكيان الصهيوني من هذه العلاقة
الأكثر غموضاً بين نظيراتها في المنطقة رغم عمقها التاريخي والاجتماعي والثقافي
والحضاري، لكن للمصالح القطرية والإقليمية والدولية لغة أخرى، على أن نتحدث في
مبحث أخر عن دور إرتيريا في عدوان تحالف العاصفة على اليمن، خصوصاً وأنها كانت من
السباقين للانضمام اليه.
* الدعم اليمني للثورة
الإرتيرية:
انقسم الموقف اليمني من
الثورة الإرتيرية خلال مرحلة النضال ضد الاستعمار الإثيوبي "1961 –
1993" الى مؤيد ومعارض، حيث أيدت عدن النظام الإثيوبي، بينما أيدت صنعاء جبهة
التحرير الإرتيرية وحقها المشروع في نيل الحرية والاستقلال، وكان الكثير من
البحارة الإرتيريين يستخدمون شمال اليمن حينها كقاعدة خلفية للتزود بالأسلحة
والمؤون والمعدات، كما سمحت صنعاء للثوار
الإرتيريين باستخدام بعض الجزر اليمنية في البحر الأحمر، ومنها جزيرة حنيش الكبرى، كمركز للتدريب ومواقع
لتخزين الأسلحة وقواعد لانطلاق الثورة، وكانت اليمن من أكثر الدول العربية انخراطاً
في صراع الثورة الإرتيرية بحكم اقتراب السواحل.
موقف صنعاء انطلق من
مساعيها لتحقيق الأمن والاستقرار اليمني، وأمن واستقرار البحر الأحمر والمنطقة
العربية في القرن الإفريقي، فأيدت حركة التحرير الوطني الإرتيرية حتى نهاية
ستينيات القرن العشرين، بصورة غير رسمية، ثم أيدت الحكم الذاتي الإرتيري في منتصف
السبعينيات في إطار إثيوبيا الموحدة.
لكنها أخذت تتجه بقوة الى
دعم ومساندة الشعب الإرتيري في تقرير مصيره، وذلك بالنظر الى النفوذ الإسرائيلي
المتنامي في إثيوبيا ومدخل باب المندب، واستمر التأييد الى العام 1974، بعد أن
تغير نظام الحكم في إثيوبيا بنظام معادٍ لإسرائيل في البداية.
وبعد استفتاء 23 – 25
أبريل 1993، والذي نالت بموجبه إرتيريا الاستقلال في 25 مايو 1993، كانت اليمن في
طليعة الدول المعترفة بها، ومشاركتها أفراح الاستقلال بوفد رفيع المستوى.
ومن أهم النتائج المترتبة على استقلال إرتيريا:
1 - إلغاء الوجود
الإثيوبي الجغرافي في البحر الأحمر، وإعادة إثيوبيا تنظيم قواتها – وكانت حينها
تمتلك أحد أقوى جيوش إفريقيا – لتقتصر على قوات برية وجوية، بمعنى خروج قواتها
البحرية عن الخدمة، وتسبب هذا الخروج في أزمة بين جيبوتي وإرتيريا حول قطع القوات
البحرية الإثيوبية، والتي كانت ترابط في أحد موانئ جيبوتي، ورفضت جيبوتي تسليمها
لأسمرة، وكانت جيبوتي مستعمرة أيضا من قبل إثيوبيا.
وما يهمنا هنا هو إحداث
خروج القوات البحرية الإثيوبية عن الخدمة، تغيير جذري في التوازنات العسكرية
البحرية لمنطقة القرن الإفريقي، من المنطقي أن يكون لصالح السعودية واليمن، لكن
لمفرزات الواقع قراءة أخرى، خصوصاً في الجانب اليمني، والذي لم تكن قواته البحرية
بعد الوحدة تتجاوز الـ 15 زورق بحري، تستخدم للدوريات و3 كاسحات و4 برمائيات وقطع
بحرية أخرى، وما عساها أن تفعل أمام ساحل مترامي الأطراف وعشرات الآلاف من الجزر
اليمنية، وهو ما جعلها عُرضة للاستفزاز والاختراق الإرتيري، وليس أخرها محاولة
إرتيريا احتلال جزيرتي حنيش وزقر في 30 مايو 2020 للمرة الثانية بعد الاحتلال
الأول في 1995.
2 – خلق هذا التطور
السياسي والأمني بؤرة صراع وتوتر جديدة في البحر الأحمر، تستهدف النفوذ العربي
والمصالح العربية الاستراتيجية، خصوصاً في باب المندب ومنطقة القرن الإفريقي، بسبب
نجاح إسرائيل في ملئ الفراغ العربي هناك.
3 - سعي القوى الدولية
والإقليمية الى تفعيل الدور الإرتيري، للقيام بدور الوكيل في إشعال المنطقة من
خلال احتلال حنيش والتحرش بجيبوتي والسودان، بهدف تقوية نفوذها وتفوقها، وتهيئة
الفرصة لإسرائيل للسيطرة على باب المندب والقرن الإفريقي، وهذا يشكل تهديد مباشر
للأمن اليمني بالمقام الأول.
ولتل أبيب طموح قديم في
هذه المنطقة، وقد سبق وأن طلبت من بريطانيا بعد منح جنوب اليمن الاستقلال 1967، استمرار
الملاحة البحرية الاسرائيلية في باب المندب، وبالفعل أبقت بريطانيا قواتها البحرية
في جزيرة "بريم/ ميون" اليمنية، والتي تعد بمثابة شرطي المرور في باب
المندب، بحجة المحافظة على عدن من أي تدخل خارجي، بينما كان الهدف الحقيقي تنفيذ وعدها
الذي منحته لإسرائيل باستمرار السيطرة على باب المندب.
كما عقدت إسرائيل اتفاق
مع إثيوبيا نص على وضع قوات صهيونية في الجزر الإرتيرية، وفي 11 سبتمبر 1971 زار
رئيس الأركان الإسرائيلي "أسمرة"، بعدها احتلت إسرائيل جزيرة
"دهلك" الإرتيرية، وعلم العرب بذلك بعد إذاعة أميركا الخبر في مارس
1973، على إثرها صرّح مسؤول "يمني" بعدن بضرورة إقفال باب المندب في وجه
الملاحة البحرية بواسطة جزيرة "بريم/ ميون"، مما أثار أزمة اقتصادية
وخيمة، وبالمقابل سمحت
اليمن للمصريين خلال تحضيرات حرب أكتوبر 1973 بالتواجد العسكري على جزيرة حنيش، ما
آثار مخاوف إسرائيل من تكرار سيناريو إغلاق باب المندب.
* اتفاقيات تعاون غير مُفعّلة:
اقتصرت علاقات البلدين بعد
استقلال إرتيريا على التبادل الدبلوماسي وتبادل الزيارات واللقاءات بين مسؤولي
البلدين خلال الفترة مايو 1993 – ديسمبر 1995، ومشاركة اليمن بوفد رفيع المستوى في
احتفالات الاستقلال الإرتيرية 25 مايو 1993، والتوقيع في 18 نوفمبر 1994 على أول
مذكرة تفاهم للتعاون المشترك في مجالات الثروة السمكية والصيد البحري والتعاون
التجاري والاستثمار والنقل البحري والتعاون الأمني، وكلها ركزة على الجانب الاقتصادي.
في حين شهدة علاقتهما
قطيعة تامة خلال الفترة ديسمبر 1995 – أكتوبر 1998 بسبب احتلال إرتيريا لجزيرة
حنيش وروافدها، وبعد صدور حكم محكمة العدل الدولية بـ "لاهاي" في قضية
حنيش 9 أكتوبر 1998، استأنف البلدان الاتصالات الرسمية والرحلات الجوية وتبادل
الزيارات، وعودة العلاقات الدبلوماسية الى ما كانت عليه في ديسمبر 1995، والتوقيع
على عدة اتفاقيات للتعاون المشترك، منها:
16 أكتوبر 1998 تأسيس
اللجنة الوزارية المشتركة.
17 – 18 أبريل 2001 توقيع
4 اتفاقيات للتعاون الاقتصادي والفني والتجاري وتشجيع وتنمية الصادرات والتعاون في
مجال النقل والشؤون البحرية.
11 ديسمبر 2004 الاتفاق
على إنشاء شركة مختلطة للصيد/ شراكة في مجال الصيد.
24 ديسمبر 2004 التوقيع
على 8 اتفاقيات للتعاون المشترك.
10 مارس 2005 التوقيع على محضر الدورة الأولى
للجنة اليمنية الإرتيرية المشتركة.
14 أغسطس 2006 التوقيع على اتفاقية تضمنت تكوين
اللجنة التنفيذية اليمنية الإرتيرية العليا المشتركة ذات الصلاحيات النافذة
والمختصة بالعلاقات الثنائية بين البلدين والمسؤولة عن سير التعاون المشترك في
كافة المجالات.
ومع ذلك فقد ظلت كل تلك
الاتفاقيات مجرد حبر على ورق، باستثناء وجود تبادل تجاري محدود ومتواضع.
* فزّاعة تجمع صنعاء:
تم إنشائه في 13 – 15 أكتوبر 2002 بمبادرة من صنعاء، وضم في عضويته
الى جانب اليمن، إثيوبيا والسودان، والهدف منه استتباب الأمن والاستقرار، وإطلاق عنان
التنمية لشعوب جنوب البحر الأحمر والقرن الأفريقي "قوس الأزمات"، وتحييد
باب المندب عن الصراعات الإقليمية والدولية.
وقد لقي التجمع ردة فعل عنيفة من القيادة
الإرتيرية، حيث رأت أن القاسم المشتركة من وراء قيامه هو معاناة الدول الثلاث منها،
وأنها الهدف الأساسي منه، لعدة مبررات:
أ- تزامن ميلاد التجمع بعد اسبوع من سقوط مدينة "همشكو
ريب" بشرق السودان في أيدي المعارضة السودانية المدعومة من أسمرة.
ب- وصول الخلاف اليمني الإرتيري حول حنيش إلى محكمة
العدل الدولية.
ج- حرب الـ 26 شهراً بين إريتريا وإثيوبيا، والتي بدأت
في 6 مايو 1998، ولا زالت تلقي بظلالها على علاقة البلدين.
هذه الأمور جعلت أسمرة تصنف التجمع ضمن قائمة
الأخطار المهددة لأمنها القومي، بينما أرادت اليمن من خلاله تعزيز أمن البحر
الأحمر وباب المندب، وتهدئة أعاصير الصراعات العاصفة بمنطقة القرن الإفريقي، وهو
ليس أول تجمع يمني إفريقي، فقد سبق للرئيس الشهيد "إبراهيم الحمدي"
الدعوة لعقد قمة رباعية بمدينة تعز تحت شعار "التضامن العربي وأمن البحر
الأحمر" 22 مارس 1977، بمشاركة رؤساء شطري اليمن والصومال والسودان، ناقشت
الاوضاع في البحر الأحمر، ودعت لإبقائه خارج دائرة صراعات الدول الكبرى، ورفض تواجد
القوات الأجنبية فيه، والحفاظ على حركة الملاحة، وجعله بحيرة للسلم.
وقال الحمدي حينها أن القمة ليست مظاهرة ضد أحد ولا
من أجل التآمر على أحد، وأن الجمهورية العربية اليمنية تدرك أن هناك من يحاول زج الدول
المطلة على حوض البحر الأحمر في حلبة الصراع الدولي، في إشارة واضحة الى الكيان
الصهيوني، وهو ما أعاد تأكيده تجمع صنعاء، لذات الغاية ولذات السبب.
* الأجندة الإسرائيلية في حنيش:
أثار سعي إرتيريا بعد
استقلالها لتثبيت حدودها مشكلة جزر حنيش ومسألة الحدود الجيوسياسية البحرية مع
اليمن، ما جعل اليمن أمام تحدي صارخ لأمنها القومي، وتعاملت مع مشكلة حنيش بالطرق
الدبلوماسية، فلجأت الى التحكيم الدولي، وبالفعل تمكنت من استعادة سيادتها على
جزرها.
بينما حاولت التعامل مع
إشكالية الحدود البحرية من منطلق المفهوم اليمني للأمن القومي العربي المستمد من
مخرجات قمة تعز 1977 والقائم على تحييد البحر الأحمر عن الصراعات الدولية
والإقليمية، إي إبقائه بعيداً عن الصراعات الإقليمية والدولية، وللأسف لا زالت هذه
الإشكالية قائمة الى اليوم.
يضم أرخبيل حنيش الواقع
على البحر الأحمر جزر "حنيش الكبرى والصغرى وزقر"، ويعد جبل زقر
الاستراتيجي بمثابة القلعة الحامية لباب المندب، كما يضم جزر صغيرة، هي: "القمة وسيل حنيش
وأبوعيل"، ويبعد عن الساحل اليمني بنحو 17 ميلا / 27.3 كيلومتر، ومساحته
الاجمالية نحو 185 كيلومتر مربع، وهو اليوم تحت سيطرة الاحتلال السعودي الإماراتي.
ويوجد بجزيرة حنيش الكبرى مركز تجمع الصيادين
اليمنيين، وفي 1995 سمحت اليمن لشركة ألمانية ببناء فندق، ومدتهم بـ 200 من
قواتها، فاعتقدت إرتيريا أن ما تقوم به اليمن هو نوع من السيطرة على الأرض، وفي
نوفمبر 1995 أرسل رئيس الوزراء الإرتيري تحذيراً إلى القوات اليمنية، وأمرها
بالانسحاب في مهلة أقصاها ديسمبر، وفي 15 ديسمبر 1995هجمت القوات الإرتيرية على حنيش
وطردت الحامية العسكرية اليمنية منها، فتوجهت اليمن الى محكمة العدل الدولية،
وحصلت منها في 9 أكتوبر 1998 على حكم أعاد لليمنيين سيادتهم على الأرخبيل، وانسحاب
إرتيريا في مطلع نوفمبر 1998.
يتمتع الأرخبيل بأهمية عسكرية كبيرة، بسبب تحكمه
وإشرافه على طرق الملاحة البحرية في جنوب البحر الأحمر، لذا كان على الدوام محط
أطماع الغزاة والمحتلين، فاحتله البرتغال عام 1513، بعد فشلهم في احتلال مينائي
عدن والمخا، ثم الفرنسيون عام 1738، وفي 1799 تعرضت جزره للاحتلال البريطاني، وتخلّى
عنها، ثم عاد وسيطر عليها عام 1857، لتعود الى السيادة اليمنية في العام 1967.
واللافت هنا احتلال إرتيريا
أرخبيل حنيش وروافده في 1995، من اتجاهين:
1 - من الجزر الشمالية الإرتيرية تحديداً جزيرة "دهلك"
التي بها قواعد عسكرية إسرائيلية.
2 - من الجنوب عبر جيبوتي رغم احتجاج الأخيرة.
ما يعني أن المستفيد الأول من وراء احتلال إرتيريا
لأرخبيل حنيش 1995 وتحرشاتها وقرصنتها المتكررة على جزره هو الكيان الصهيوني، وله
أطماع قديمة، فقد سبق لتل أبيب إرسال أول بعثة عسكرية الى جزر جنوب البحر الأحمر
في أبريل 1970، أكدت في توصياتها على ضرورة توسيع النفوذ العسكري الإسرائيلي ليشمل
الجزر اليمنية: "زقر، جبل الطير، حنيش، ميون"، وتحدثت مصادر تاريخية
متعددة عن تمكن قوة استطلاعية اسرائيلية مسنودة بوحدة من الكوماندوز الاسرائيلي
وعدد من الخبراء والمهندسين من الوصول الى جزيرة "زقر" خلال الفترة 1971
– 1972 ومرابطتها فيها وتركيب أجهزة حديثة للرادارات والرصد والاستطلاع عليها، وهي
تبعد عن الساحل اليمني بنحو 32 كيلو متر.
وخلال عدوان 1995 أكد الباحث الصهيوني "مارتن
كرامر"، وهو مدير معهد "موشى ديان" في تل أبيب، على أن انتزاع
جزيرة حنيش الكبرى من الجيش اليمني من خلال إرتيريا، يندرج في اطار استراتيجية
إقليمية وقائية تنفذها إسرائيل تحسباً لأي تهديدات عربية يمكن أن تحدث مستقبلا من
خلال اعتراض حركة الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر.
وكشف حينها المركز العربي للدراسات الاستراتيجية عن
تقديم إسرائيل معدات حديثة لإريتريا تمثلت في 6 زوارق بحرية طراز "ريشيف"،
وقيادة الطيار الإسرائيلي "مايكل دوما" عملية السيطرة على أرخبيل حنيش،
بعد عدة محاولات إرتيرية فاشلة، كما أكد تقرير لجامعة الدول العربية نوفمبر 1995 وجود
اتصالات إسرائيلية إرتيرية حول جزيرة حنيش الكبرى؛ بهدف إنشاء محطة مراقبة لاسلكية
فيها، لمراقبة حركة السفن في الممرات الدولية القريبة من مضيق باب المندب.
وعموماً فما تريده إرتيريا من وراء التحرشات
المستمرة والمحاولات المستميتة للسيطرة على أرخبيل حنيش سواء تحت مظلة دولتها
المستقلة عام 1995 أو تحت مظلة تحالف عدوان العاصفة ما بعد 2015 هو إظهار نفسها
كقوة إقليمية صاعدة، قادرة على القيام بدور مهم في البحر الأحمر، بهدف كسر العزلة
الدولية عنها واستدرار المساعدات الأميركية والإسرائيلية والخليجية، مقابل ما تقوم
به من جهود لإحباط فكرة أن البحر الأحمر عربي، وتمهيد الطريق لعبرنته وإخضاعه مع
مدخله الجنوبي للسيطرة الصهيوني.
* إشكالية الحدود البحرية
والصيد التقليدي:
رغم التوقيع على مذكرة
تفاهم 18 نوفمبر 1994، واتفاقية لترسيم ما تبقى من الحدود البحرية 18 نوفمبر2001،
وتطبيق نظام الصيد البحري التقليدي وفقاً لقرار هيئة التحكيم الدولي 17 ديسمبر
1999 واتفاق الأمم المتحدة لقانون البحار 1982، لا تزال مشكلة الحدود البحرية وتحت
مظلتها الصيد التقليد من أكثر الإشكاليات العالقة بين البلدين حتى اليوم.
وكان حكم هيئة التحكيم قد
أعطى للصيادين اليمنيين والإرتيريين حق الاصطياد التقليدي من الساحل اليمني الى
الساحل الإرتيري، عدا المياه الداخلية، بالنسبة لإرتيريا جزر "دهلك"،
وبالنسبة لليمن جزيرة "كمران"، والمياه المرتبطة بهما، كما أن التعريف
القانوني للصيد التقليدي حدد حجم القارب ونوع محركه وطريقة الاصطياد، بحيث يشمل
فقط الصيادين الذين يصطادون لكسب قوت يومهم، بينما قال الحكم الدولي أن على حكومتي
اليمن وإرتيريا حماية الصيد التقليدي، والصيادين، بمعنى أن هذا حقٌ للصيادين، وليس
للحكومات.
وهو ما أدى في المحصلة
الى تباين التفسير القانوني اليمني والإرتيري لقرار التحكيم الدولي حول مناطق
الصيد التقليدي، والتي ما تزال تشكل بُعداً صراعياً في علاقة الطرفين، وتندرج في
إطار قضية "الحدود وترسيمها" التي لم تحسم بعد.
وبسبب هذا التباين لا زال
الصيادون اليمنيون حتى يوم الناس يتعرضون للكثير من المضايقات الإرتيرية، وتتعرض
أحواض الصيد في المياه الإقليمية اليمنية لعمليات تسلل الصيادين الإرتيريين بقوارب
صيد غير رسمية، وممارسة الصيد بطرق عشوائية، تؤثر على حجم الثروة السمكية اليمنية،
ناهيك عن الاعتقالات المتكررة من الجانب الإرتيري للصيادين اليمنيين خلال العقدين
الأخيرة وسجنهم وتعذيبهم وموت بعضهم تحت التعذيب في المعتقلات الإرتيرية ومصادرة
زوارقهم، دون أن تحرك الأنظمة اليمنية المتعاقب ساكناً.
ووصل عدد من افرجت عنهم
السلطات الإرتيرية خلال الفترة "يونيو 2012 - أغسطس 2013" نحو 1400 صياد يمني، وفي 18
سبتمبر 2013 كشف البرلماني في مدينة الحديدة "عبده محمد ردمان"، عن وجود
أكثر من 475 صيادا، معتقلين لدى إرتيريا، واحتجاز 1000 قارب، وتحدثت وسائل اعلام محلية مؤخراً عن 172 صياداً
يمنياً في سجون إرتيريا، منهم:
88 صياداً
من أبناء مديرية الخوخة مع 18 قارب محتجزين منذ 3 يونيو 2020
60 صياداً مع 16 قارب صيد محتجزين منذ مايو 2020
24 صياداً من أبناء مديرية حيس وقاربين محتجزين منذ
ديسمبر 2019
وازداد وضع الصيادين مأساوية بعد إيقاف السلطات
الإرتيرية في 4 نوفمبر 2016 العمل بتراخيص الصيد المشترك الموقعة بين صنعاء وأسمرة،
والتي بموجبها تسمح القوات البحرية الإرتيرية للصيادين اليمنيين بممارسة نشاط الصيد
في جزر أرخبيل دهلك.
* المراجع
1 - زيد يحيى المحبشي، الأهمية الجيوسياسية لتجمع صنعاء،
مركز البحوث والمعلومات، 2004
2 - زيد يحيى المحبشي وأخرون، اليمن ودول القرن
الأفريقي، مركز البحوث والمعلومات، صنعاء، الطبعة الأولى، نوفمبر 2003
3 - محمد صالح حاتم، جزيرة حنيش والاطماع
الاسرائيلية، المشكاة نت، 8 يونيو 2020
4 - محمد شرف، السعودية تلتهم 50 جزيرة ضمن مساعي
إحكام السيطرة على الجزر اليمنية، صحيفة الثورة، 13 يونيو 2020
5 - عبدالله بن عامر، التواجد العسكري الإسرائيلي
جنوب البحر الأَحْمَر وباب المندب، صدى المسيرة، 3 ديسمبر 2019
6 - الدكتور عمر زرآي، العلاقات الإرتيرية العربية
قراءة تاريخية ورؤية مستقبلية، مركز دراسات القرن الأفريقي، يناير 2018.
7 - أحمد عبدالله، ما دوافع هجوم إريتريا على الجزر
اليمنية؟، المشاهد، 13 يونيو 2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق