Translate

السبت، 16 يناير 2021

القاضي العلامة يحيى بن عبدالله بن عبدالله المحبشي


عالم عارف بالفقه محققٌ له، فقيه مجتهد

وفاته بصنعاء في 23 يونيو 2006، جمادى الأولى 1427 هـ، عن عمر يناهز الـ 85 عاماً، قضّى معظمها في خدمة القضاء والعدالة.

شغل العديد من المناصب القضائية بحجة والحديدة، منها رئيس محكمة المحابشة، ورئيس محكمة الاستئناف بالحديدة، وآخر منصب له قبل رحيله عضوية لجنة الأحزاب والتنظيمات السياسية.

أولاده: عبدالحفيظ – سفير، عبدالله، محمد، أحمد.

 

قالوا عنه:

1 - الرئيس اليمني الأسبق علي عبدالله صالح: كان يحيى المحبشي رحمه الله عالماً مجتهداً، وقاضياً نزيهاً، وكفوءاً خلال كافة المناصب التي شغلها في القضاء، وكان مثالاُ للوطني المخلص والمتفاني في أداء واجبه وخدمة الوطن.

2 - إسماعيل بن محمد الوريث - 10 أغسطس 2006

((الى الصديق الحميم عبدالحفيظ بن يحيى المحبشي في رثاء والده الجليل القاضي يحيى بن عبدالله المحبشي غفر الله له))

ما لديكم من الأسى هو عندي ** ولفقد اصابكم هو فقدي

غاب يحيي فغار كوكب هديٍ** في سمانا وغاب عنوان زهد

غاب قاضي القضاة من نشر العد ** ل طويلاً في كل سهل ونجد

عالم عارف تقي نقي ** لم يدنس عرضاً ولا فضل برد

أنفق العمر في استعادة حق ** لضعيف من القوي الاشد

لم يخف سلطة المشرع للظلم ** ولم يخش سطوة المستبد

أو يحد لحظةً عن الحق في نهجٍ ** قويم وعاش عيشة جد

أو يخلف مالا حراماً ولم يبن ** قصوراً في كل تلٍّ ونهد

من كعبد الحفيظ أنجب يبقى ** ذكره وهو في نعيمٍ وخلد

ولعبد الحفيظ في القلب عرش ** من وفاءٍ ومن حفاظٍ وود

أنبل الاصدقاء في كدر الدهر ** وفي صفوه بقربٍ وبعد

فاصطبر يا أخا المروءة فالمو ** ت سبيل يجتازه كل عبد

 

مراجع ذُكر فيها العلم:

موقع وكالة الأنباء اليمنية سبأ

صحيفة 26 سبتمبر، العدد 1275، 10 أغسطس 2006، ص 7


فضيلة القاضي العلامة أحمد بن عبدالله بن عبدالله بن عبدالرزاق المحبشي








عالم محقق، فقيه مجتهد، قاضي، اداري، مرشد، مفتي.

مولده بشهارة في العام 1328 هجري، الموافق 1910، ووفاته بصنعاء في يوم الإثنين 10 شوال 1436 هجري، الموافق 20 يوليو 2015.


من المرجعيات القضائية المشتهرة في زمانه.

التحصيل العلمي:

أخذ العلوم الشرعية عن كوكبة من علماء حجة وشهارة والحديدة، منهم:

والده، خاله العلامة يحيى السريحي، العلامة ناصر مسلي.

ويذكر تلميذه النجيب العلامة "عبدالمجيد عبدالمجيد شرف الدين" أنه رحمه الله تنقل لطلب العلم اصولاً وفروعا في هجر العلم المختلفة، وخلال عمله في محافظة الحديدة التقى بمفتيها الشيخ العلامة محمد مرعي وعدداً من علماء الشافعية، فالتقت المدرستان الزيدية والشافعية على المودة والحب والتقدير ودراسة كتب السنة.

من تلاميذه:

 اخوانه يحيى وحسين ومحمد وهم علماء أجلاء وقضاة مجتهدين، القاضي علي بن عبدالله المرتضى، القاضي عبدالله بن حسن حميد، الأمين عبدالوهاب حميد، العلامة عبدالمجيد عبدالمجيد شرف الدين وغيرهم

السجل النضالي:

تعرض خلال أحداث ثورة 26 سبتمبر 1962 للسجن من قبل الجمهوريين في سجن نافع بمدينة حجة لمدة عامين، وكل ذنبه أنه أحد الحكام في العهد الملكي فقط، فاستغل فترة الاعتقال في حفظ كتاب الله.

وخلال أحداث العام 1994 كان في طليعة العلماء المعلنين تأييدهم للوحدة الاندماجية بين شطري اليمن، وتحذير الرئيسين علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض من مخاطر التفرقة وعدم جمع الكلمة ومغبة الاستماع لمن في قلوبهم مرض.
 
السجل الوظيفي:

شغل العديد من المناصب القضائية في العهدين الملكي والجمهوري، منها: 

1 - رئيس عدد من المحاكم الابتدائية بمحافظتي حجة والحديدة. 
2 - رئيس محكمة استئناف محافظة حجة، مكث في هذا المنصب نحو 7 سنوات.
3 - رئيس محكمة استئناف محافظة الحديدة، مكث في هذا المنصب نحو 6 سنوات.
4 - عضو هيئة رفع المظالم بمكتب رئاسة الجمهورية.

قالوا عنه:

1 - العلامة "عبدالمجيد عبدالمجيد شرف الدين":

فضيلة القاضي العلامة الصفي" أحمد بن عبدالله المحبشي" من العلماء المجتهدين، جامعاً بين العلم والعمل والتقوى والزهد والأخلاق الكريمة ونظافة الكف واللسان، قائماً ليله في حضره وسفره، صائماً من النوافل يومي الاثنين والخميس من كل اسبوع والأيام البيض من كل شهر وست من شوال، حافظاً لكتاب الله، لا يخلو مجلسه وجميع حالاته من تلاوة أو ذكر أو مذاكرة علمية مع اقرانه من العلماء أو مرشداً واعظاً في مسجده، مواظباً على صلاة الجماعة،   فيصلاً في أحكامه بنباهة وذكاء فطري، يستخرج الغوامض، ويكشف من بين ركام الزيف كل الحقائق، سيماه العدالة والانصاف.
وهو من أسرة علمية وقضائية شهيرة انجبت نوابغ الرجال من القضاة الأفذاذ والعلماء الاجلاء، ومن منارات العدالة المشتهرين بالكفائة والنزاهة والانصاف، لا تغره لوامع الأطماع، ولا تستخفه نوازع الأهواء، منظماً وقته نوماً واستيقاظاً وتلاوة ومطالعة ودراسة للقصايا، ومواظبة على العمل، وفي كل حالاته بابه مفتوح لكل شاك وسائل ومحتاج.

2 - المؤرخ والمحقق اليمني الدكتور "عبدالله بن يحيى بن حسين السريحي":

العالم الجليل القاضي" أحمد بن عبدالله المحبشي"، آخر العلماء والقضاة النابهين من أسرة آل المحبشي، الذين توارثوا القضاء منذ نحو ثلاثة قرون، وبرحيله افتقد آل المحبشي، وافتقدت اليمن أحد أبرز العلماء والقضاة الشرفاء والمخلصين والنزيهين، الذين لن يتكرر مثيلهم كثيراً، وخاصة في عصرنا.
وينطبق عليه قول الشاعر "عبدة بن الطيب" في رثاء "قيس بن عاصم":

فَما كانَ قَيسٌ هُلكُهُ هُلكُ واحِدٍ .. وَلَكِنَّهُ بُنيانُ قَومٍ تَهَدَّما.

وكان رحمه الله يحرص أشد الحرص على مراعاة هيبة ووقار العلم والقضاء في كل تصرفاته وأعماله الشخصية والعامة.

أولاده:

محمد - شغل عدة مناصب في القضاء والنيابة العامة، عبدالله - شغل عدة مناصب في وزارة التربية ومركز الأبحاث التابع لها، يحيى - ضابط بالداخلية، حسن، إبراهيم - شغل عدة مناصب في القضاء.

القاضي العلامة المجتهد أحمد بن أحمد بن محمد بن عبدالحفيظ المحبشي


عالم رباني، فقيه مجتهد، مفتي، مرشد، أديب

عاش خلال الفترة 1930 – 2021.

وفاته بجانح ذِري من أعمال شهارة، في يوم الأحد 10 يناير 2021.

اشتغل في السلك القضائي، لكن لزهده وورعه تخلى عن ذلك بعد فترة يسيرة، وقرر التفرغ للعبادة وتدريس العلوم الشرعية، والإرشاد، والافتاء، والإصلاح بين الناس، وفض الخصومات.

وهو من أعلام الأهنوم الأصفياء الأنقياء الأتقياء الفضلاء، ومن المشهود لهم بالورع والزهد وطيب المعشر ونقاء السريرة ولين الجانب.

أولاده: محمد، عبدالباسط، عبدالواسع

الجمعة، 8 يناير 2021

حمداً لمن أوجد النعماء بالذات




بقلم علم الجهاد والإجتهاد القاضي العلامة صلاح بن أحمد فليته رحمة الله عليه

بني معاذ – صعدة - 12 ربيع الأول 1406 هـ

حمداً لمن أوجد النعماء بالذات .. ومَنَّ بالمصطفى هادي البرياتِ.

هو البشير الذي مَنَّ الإله به .. على البرية يدعو للهداياتِ.

لأنه خيرُ خلق الله قائدنا .. الى الهدى والتقى ماحي الجهالاتِ.

فلتسمعوا يا عباد الله إن لكم .. أجراً فأنتم في خير احتفالاتِ.

فهذه ليلية الميلاد قد حضرت .. تزهو بها الأرضُ والسبع(1)السماواتِ.

أهلاً بذكرى رسول الله إن له .. محبةً وله أزكى التحياتِ.

في ذكريات رسول الله مفخرةٌ .. فالحمد لله في كل المسراتِ.

كل اجتماعٍ وإن جلّت بواعِثُه .. ما مثله قط في حُسن اجتماعاتِ.

يا سيدي يا رسول الله معذرةً .. إن كنت أقَصِّرُ عن شرح الرواياتِ.

لن يستطيع ذو فِهمٍ وذو لِسنٍ .. أن يشرحوا ما أتى في نص آياتٍ.

وسوف آتي بما صحّت روايته .. في مولد المصطفى عالِ المقاماتِ.

محمدٌ خيرُ خلق الله مُنقِذنا .. يسمو به الذِكرُ في كل المجالاتِ.

ونعته، الصحف الأولى له ذكرت .. كل النبيئين جاؤوا بالبشاراتِ.

عليه والآل صلى الله ما تُليت .. آياته وعلت صوتُ النداءاتِ.

لمّا طغى الشركُ في الإنسانِ واشتهرت .. بوادرُ الجهلِ تأتي بالضلالاتِ.

والأرضُ قد مُلِئت جُوراً وكان بها .. أفعالُ سوءٍ وإظهارُ الخياناتِ.

والحقُ متروكٌ والدين مهتضمٌ .. والكفرُ شاد به أهل الرئاساتِ.

والظلم مُشتهرٌ في كل حادثةٍ .. وأدُ البنات وأفعالُ الدناءاتِ.

مَنَّ الإله بطفلٍ فيه مرحمةٌ .. ورحمةٌ شملت كل الخليقاتِ.

في مثل ليلتنا قد كان مولدهُ .. فاصِحُ البشر يبدو بالكراماتِ.

وكانت الأمُ يأتيها بشائره .. وكان في الوضعِ عنوانُ النبواتِ.

تلألأ النورُ في الأفاق وانعكست .. سرُ النبوةِ في كل المجالاتِ.

جاءت حليمةُ حُسنُ الحظ أوصلها .. الى رضيعٍ به نور الهداياتِ.

لما رأت نوره أبدت محبته .. وأيقنت أنها فازت بخيراتِ.

فالخير في أرضها من فضله نَعُمَت .. به النفوس وخَصِبَت النباتاتِ.

وكان ما كان من خيرٍ ومن كرمٍ .. وفي صباه له حُسنُ الدعاياتِ.

وشُق صَدرٌ له يبغونه كرماً .. وطهّروا القلب من شر المضراتِ!!.

رواه مسلمٌ والإعلامُ سادتنا .. وما جرى فيه من خير المقالاتِ!!.

وكم كراماتٍ من وقتِ الرضاع الى .. أن قام يدعو الى خيرِ السعاداتِ.

كم لقبوه أميناً قبل بعثته .. وصادقاً زانه حُسنُ السماتِ(2)

فأظهر الحق يدعو الناس قاطبةً .. الى الهدى والى كل العبادات.

لمّا دعا قامت الكفارُ غاضبةً .. يبغون إطفاء نورٍ للهداياتِ.

والله أرسله، بالنصر أيده .. والمعجزات بها كل الشهاداتِ.

فأُوذي المصطفى من كل ناحية .. وعزمه صاعدٌ رغم الأذياتِ.

وعذّبوا فتية، في الله قد قُتِلوا .. وبعضهم قد لقي ضرب النكاياتِ.

قد هاجروا حينما حلّ البلاءُ بهم .. والمصطفى عمه يُجلي المهماتِ.

لكنه مات فانسدت مسالكهُ .. ولم يجد ناصراً عند المهماتِ.

وقلبهُ واثقٌ باللهِ يعصمهُ .. من كل سوءٍ ومن شر البلّياتِ.

فصار يطلبُ من يأوي لنصرته .. ومن ثقيفٍ فما فازوا بخيراتِ.

لمّا طغى الشرُ واشتدت بوابتهُ .. قد هاجر الطُهرُ واستخفا بآياتِ.

حماية الله، تحميه وتحرسه .. وحكمة الله تجري بالخفياتِ.

وقال من يفدِني بيعاً لمهجته .. بالنوم في مضجعي قصد العماياتِ.

نادى الوصيُ أنا أفديك خالصة .. لله لا أبتغي إلا الدياناتِ.

الله باهى به الأملاك حين فدا .. من مثلهُ قد شرى فردوس جناتِ.

خليفةُ اللهِ بعد المصطفى عَلَمٌ .. للمؤمنين وهادٍ للبرياتِ.

هو الوصي عليٌ رغم العُداةِ، وإن .. قد حاول الكتم مسلوبُ الهداياتِ.

وبابُ علم النبي، لله من رجلٍ .. قد حضّه الله إيجاب الولايات

من حَبّه قد نجا، والبغضُ فيه شقا .. قد صح ذا برواياتٍ قوياتِ.

بفضله قد أتى، في هل أتى، فترا .. إذ جاد مالم يَجد أهل الكمالاتِ.

بسيفه نصر الإسلام واشتهرت .. معالم الشرع في فصل الخصوماتِ.

صلى عليه إله العرش ما طلعت .. شمسٌ وما خطرت ريحٌ بأوقاتِ.

وكم بلايا تلقاها الرسول فما .. في عزمه خورٌ رغم المصيباتِ.

 فهو الرسول الذي مَنَّ الإله به .. لينقذ الحق من ضُرٍّ وآفاتِ.

هو الذي خمدت نار الضلال به .. وطهر الأرض من فعل القبيحاتِ.

أحيا به الله ما قد مات من سننٍ .. والأرض يزهو بها كل الفضيلاتِ.

هو الذي زين الله الوجود به .. الله تم به كل الرسالاتِ.

والله أرسله، بالنصر أيده .. قد خصه بختام النبواتِ.

وكم له من كراماتٍ ومعجزاتٍ(3) .. بها الروايات من طرق عديداتِ.

عليه والآل صلى الله دائمةً .. ما الفُلك تجري وما وبل الغماماتِ.

فاسمع أخي وانظر الحلالاتِ في زمنٍ .. تنكر الأفق من كُثر(4) الخطياتِ.

قد أنثني وفؤادي خائفٌ وَجِلٌ .. ما ان ترى غير مكسوب المهماتِ.

قد أصبحت دولُ الإسلامِ في هرجٍ .. وفي خلافٍ وجلبٍ للمضراتِ.

أودى بها الطيش واللذات فانمحقت .. منها الشجاعة بأوان اضطراباتِ.

في كل ناحية نارٌ مؤججة .. لا يحسبون سوى رمز الحضاراتِ.

عِشنا على هامش الدنيا بغير هدى .. يا للمصيبة من فِعل الشنيعاتِ.

يا رب لطفك فالإسلام في خطرٍ .. فاحفظه يا رب من كل النقيضاتِ.

يا رب عفوك قد حلّت بنا مِحَن(5) .. لم تستطع كشفها كل المعداتِ.

وليس ينفع إلا أنت كاشِفُها .. فالطف بنا أنت جبار السمواتِ.

ووفق الرؤساء، حقٌ يكونُ لهم .. جمع من الرأي، يمحون الخرافاتِ.

والآمر بالمعروف يهدي أمةً غَوِيَت .. والآمر جاء به نصُ آياتِ.

يا قومُ ضاقت بنا أحوال أمتنا .. فجدِدُوا العزم هجراً للملذاتِ.

لا تتركوا عاصياً لله منتهكاً .. وجاهدوا تغنموا حُسن المعافاتِ.

مع الصلاة على طه وعترته .. وخيرها ما علت منها بأصواتِ.

كذب(6) الدخيل يغزو بمذهبه .. يفرِّقُ الصف أيضاً والجماعاتِ.

يمهون على غلف القلوب بما .. يدعونه سنةً دفعُ اعتراضاتِ.

لا تحسب الحق إلا في روايته .. وكلٌ كذبٌ وزورٌ في الرواياتِ.

قد شبهوا الله بل قد جسموه فما .. يأتون عدلاً فجاؤوا بالخرافاتِ.

وجَهَّلُوا الناس، بل بَدَّعوا وأتوا .. بالفاقرات وجاؤوا بالمحالاتِ.

بالعجيب والفخر والتنقيض ديدنهم .. فشنشنةٌ عُرِفَت منهم بزلاتِ.

وحفلنا عندهم سوءٌ ومنقصةٌ .. وبدعة تقتضي سوء العقوباتِ.

 نقول تباً لهم جاؤوا بعجرفةٍ .. وزور قولٍ فباؤوا بالخطيراتِ.

هذه شعائرنا، نحمي رسالتنا .. ومبدأ العدل لا يرضى بالشبهاتِ.(7)

إياك إياك أن تُصغي لكذبهم .. إن كنت تسمع نُصحي في مقالاتِ.

عليك بالمذهب الزيدي فأنت .. في عزلةٍ من مقالات الضلالاتِ.

لا يذهبون الى تأمين فاتحةٍ .. إلا الخشوع وترديدٍ لتلاواتِ.

مجانبين خرافات(8) المقال ومن .. له التطرف أو حزب الدعاياتِ.

نحن على سيرة المختار مذهبنا .. وابحث تجده بمشهور الرواياتِ.

فمذهب الآل محكومٌ بصحتهِ .. في مُنزل الذكر نصٌ في الدلالاتِ.

وفي الأحاديث أخبارُ التمسك بالقرآن .. والآل من طرقٍ عديداتِ.

ابحث تجد، سترى الإنصاف منهجنا .. لا نقتفِ غير مشهور الصحيحاتِ

والله يعلم أن الحق مطلبنا .. لا نرتضِ غير مختار الطريقاتِ.

هذا مقالي ومن قد شك جادلنا .. فنحن نرغبُ في حُسن الجدالاتِ.

وسنةُ المصطفى والذكرُ حاكمنا .. ومن تعنّت يرمي بالملاماتِ.

قد بيّن الله في القرآن شِرعتنا .. وأوضح الحق في منصوص آياتِ.

من جالس المصطفى في كل سيرته .. وكان كالأخ في كل المجالاتِ.

قد أوضحوا هديه في كل حادثةٍ .. وبلَّغوا عنه في كل البياناتِ.

أمُدُّ الزمنا وداً لمن طهّروا .. من عترة المصطفى أخر(9) الرسالاتِ.

جاءت بذلك آيات ٌ مبينةٌ .. إن كنت تجهلُ فسل أهل الدراياتِ.

صلى عليهم إلهي كلما ذُكِروا .. هم عترةُ المصطفى أهل البلاواتِ.

الله الله بهدي المسلمين الى .. هدى الكتاب قياماً بالفريضاتِ.

هيا بنا يا شباب الوقت، إن لنا .. بالمصطفى أسوةٌ فاسمع حكاياتيِ.

وأهدِ الشباب الى التقوى فليس لهم .. عِزٌ وفضلٌ إلا بالدياناتِ.

نقول بالحق لا نرضى بفاحشةٍ .. ولا نجامل من يفشي الدناءاتِ.

هيا بنا نكسب الطاعاتِ خالصةً .. لله نرجوه تفريج المهماتِ.

هيا بنا ننصر الدين الحنيف ولا .. نرضى بذلٍ، دخولاً في المُضِلاتِ.

إن لنا أسوةٌ بالمصطفى وبمن .. قاموا بنصرٍ وما هابوا المنياتِ.

قد جاهدوا، صبروا، للمالِ قد بذلوا .. والنفس تَرخُص في أثمان جناتِ.

ونطلبُ العلم والقرآن نحفظه .. وسنة المصطفى حفظ المرواتِ.

واللهُ أوجدنا، بالفضل أكرمنا .. ونعمته شملت كل الخليقاتِ.(10)

موزعاً في جميع الخلق نعمته .. بحكمة عجزت كل الدرياتِ.

وأشكرُ أياديه واستمسك بعروته .. وشكرُ نعمته باب الزياداتِ.

هذي نصيحتنا فاسمع مقالتنا .. خذها ولا تتبع سوء الظنوناتِ.

ثم الصلاة على طه وعترته .. ما دام صوت النداءات يعلو بأصواتِ.

واغفر إلهي لمن في حفلنا حضروا .. شكراً لكم، ولكم أزكى التحياتِ.


.. تم النقل من مخطوطة كتبناها نقلا عن حياة شيخنا الجليل القاضي صلاح بن أحمد فليته بالمحروسة صعدة من العام 1995، وهي من روائع قصائده، وتضم 114 بيت.

 نرجو أن نكون قد وُفقنا في مقاربة منصوصها والمعذرة من أي أخطأ أو زلل أو تصحيف والحمد لله رب العالمين

.. كتب زيد يحيى المحبشي


الهوامش:

(1) السبع السماوات: في الأصل أفلاك السماوات

(2) السمات: في الأصل البسمات وغالب الظن أنها السمات

(3) معجزات: وفي نسخة معجزة

(4) كُثر: في الأصل كثرة

(5) محن: في الأصل محسن وغالب الظن أنها محن

(6) كذب: في الأصل كذ وغالب الظن أنها كذب

(7) بالشبهات: في الأصل بشبهات وغالب الظن أنها بالشبهات

(8) خرافات: في الأصل خرفات وغالب الظن أنها خرافات

(9) أخر: في الأصل أجر وغالب الظن أنها أخر

(10) الخليقات: في الأصل الخليفات وغالب الظن أنها الخليقات

الاثنين، 28 ديسمبر 2020

ما الذي ينتظر اليمن في عهد بايدن

إجلال علي العمراني، 28 ديسمبر 2020

من المفارقات العجيبة في السجل السياسي لـ”بايدن” اعتراضه في عهد “جورج بوش” الأب 1991 على حرب الخليج الثانية، ليصوت في عهد “جورج دبليو بوش” 2002 على قرار بلاده غزو العراق، ومباركته في مارس 2015 إعلان الرياض من واشنطن شن الحرب على اليمن، وكان يومها نائباً لرئيس الولايات المتحدة الأميركية الديمقراطي “باراك أوباما”.

وفي العام 2020 قرر الديمقراطي “جو بايدن” خوض منافسات الانتخابات الرئاسية وإعادة انتهاج موقفه من الخليجية الثانية فيما يتعلق بالعدوان على اليمن، والإفصاح عن مقاربة جديدة لسياسة بلاده الخارجية وأولوياتها المرحلية، تعاكس ما دأبت عليه إدارة “ترامب”، حملت عنوان “لماذا يجب أن تقود أميركا مرة أخرى” : إنقاذ السياسة الخارجية للولايات المتحدة بعد ترامب”، بحسب ما نشرته مجلة “فورين أفيرز” في أبريل 2020، ومن أهم ما ورد فيها، التأكيد على وقف الدعم “للحرب التي تقودها السعودية في اليمن”، لأنها لا تقع ضمن أولويات الولايات المتحدة.

ورغم تشديد “بايدن” على عدم التردد في استخدام القوة العسكرية عند الضرورة لـ “حماية الشعب الأميركي ومصالحه القومية”، فقد حاولت المقاربة المُعلنة الإيحاء بأن استخدام القوة سيكون الملاذ الأخير، وليس الأول: “للدفاع عن مصالحنا الحيوية فقط، عندما يكون الهدف واضحاً وقابلاً للتحقيق، وبموافقة الشعب الأميركي”.

وفي 21 يوليو 2020، وعد “بايدن” بمراجعة سياسة بلاده في الحرب على اليمن وسورية، وأعادت حملته الانتخابية في أكتوبر 2020 التأكيد، على إعادة تقييم العلاقة بالسعودية، والدعم الأميركي لحرب المملكة في اليمن، والتأكيد على أن الولايات المتحدة لا تتنكر لقيمها من أجل بيع الأسلحة أو شراء النفط.

ويتفق برنامج “بايدن” مع موقف الكونغرس، الذي يؤيد بشكل عام وقف الدعم العسكري للتحالف في اليمن وبيع الأسلحة، في ظل عدم الرغبة بانخراط أميركي أكبر في الحرب باليمن، واستمرار دعم السعودية والإمارات في هذا السياق.

وبعد ساعات من إعلان فوز “بايدن”، قال عضو الكونغرس عن الحزب الديمقراطي، “رو خانا”، إن “الولايات المتحدة ستوقف تمويل الحرب التي تقودها السعودية في اليمن”.

وعُرف الحزب الديمقراطي خلال سنوات الحرب الماضية بمعارضته لصفقات الأسلحة للسعودية والإمارات، وخاض أعضائه صراعات مع الأغلبية الجمهورية في مجلسي الشيوخ والكونجرس في سياق وقف الحرب على اليمن.

وتقول صحيفة “ريسبونسبل ستيت كرافت” أن “بايدن” عازمٌ على المضي قُدماً في إيقاف الحرب السعودية على اليمن.

ويعود ذلك لأسباب عدة، من بينها الضغوط والانتقادات القوية والمستمرة من منظمات حقوقية أميركية ودولية، لدور واشنطن، وخروق حقوق الإنسان، ومقتل المدنيين بشكل متواصل في غارات التحالف.

ويُنظر إلى “بايدن” في اليمن على أنه مناهض لسياسات ولي العهد السعودي، “محمد بن سلمان”، خصوصاً فيما يتصل بقرار حرب اليمن، الذي صنع مآسٍ، ودفع بملايين اليمنيين إلى حافة المجاعة.

ويرى مركز “ستراتفور” الأميركي للدراسات الإستراتيجية والأمنية، أن إدارة “بايدن” ستكون لها مقاربة خارجية قائمة على تفاوض طهران والرياض على كلّ الملفات الخلافية بينهما، بما فيها اليمن، في معاكسة واضحة لمقاربة إدارة “ترامب” التي انتهجت سياسة إذكاء الصراع بين السعودية وإيران والاستثمار فيه، ولهذا بدأ القلق يستبدّ بالسعوديين من نهج الإدارة الجديدة حيال طهران، وسِجلّ الرياض في مجال حقوق الإنسان، وبدأت نافذة الخروج من الصراع في اليمن، من دون تعريض كلّ “المكاسب” التي جنتها السعودية للخطر، تنغلق على نحوٍ سريع.

وتَوقّع المركز أن تتّسم علاقات الرياض وواشنطن بمزيد من الخصومة عندما يتسلّم “بايدن” مهامّ منصبه رسمياً في 20 يناير 2021، حيث ستكون المملكة عُرضةً لضغوط سياسية أميركية، ما سيُعمّق فجوة الثقة بين الدولتين الحليفتين.

والواضح أن هدوء الديمقراطي “بايدن” لن يختلف كثيراً عن جنون الجمهوري “ترامب”، فكلاهما يتفقان في: إبقاء الزعامة الأميركية للعالم، لكن يبدو أن الحرب في اليمن قد أتت أُكُلُها في نظر واشنطن، وأنها حَقّقت أهدافها فيما يتعلق بـ”تحجيم” تهديد “أنصار الله”، و”حصر” الحركة في الشمال، و”إبعادها” عن الممرّات البحرية الدولية، وعن المواقع الحيوية والاستراتيجية من موانئ وجزر وشواطئ، وعليه يعتقد المركز أن استمرار الحرب لم يعد مُجدياً لواشنطن، التي باتت معنيّة بالتفاوض مباشرة أو عبر وسطاء مع صنعاء، لإيجاد اتفاق يمنع استمرار تهديد تلك المصالح بحسب زعم الأميركيين، ولذا حان الوقت لوضع حل واتفاق سياسي، وهذا الذي سيحدث من خلال ضغط “بايدن” على السعودية.

واقعياً من غير الواضح حتى الآن إلى أي مدى سيُطبق “بايدن” وعده الانتخابي بإنهاء الحرب في اليمن، خصوصاً أن الدعم الأميركي لهذه الحرب الظالمة لم يبدأ مع “ترامب”، بل تحت إدارة الرئيس السابق “أوباما” الذي كان “بايدن” نائباً له، وأحد المباركين للعدوان على اليمن، وباعت إدارته في حينها، أسلحة بمليارات الدولارات للسعودية، ولم تكن لـ”بايدن” و”أوباما” يومها إي بادرة جادة لتهدئة الرياض، وإيقاف العدوان الغاشم على اليمن، ولا حتى مجرد ادانة لجرائم التحالف بحق اليمن أرضاً وإنساناً.

الكاتب “لقمان عبدالله” في مقاربته لما ستكون عليه مواقف إدارة “بايدن” من الحرب العبثية السعودية الإماراتية في اليمن، يرى أن مصالح أميركا المباشرة بالمنطقة، قد تمنع “بايدن” من تنفيذ وعده الانتخابي بإنهاء الحرب من خلال وقف مشاركة بلاده فيها، والاستجابة لمطالب الكونغرس بحظر مبيعات الأسلحة إلى الرياض، بمعنى عدم المسارعة الى سلوك اتجاهات سياسية تفاوضية في اليمن، بعيداً عن شبكة المصالح المعقدة والمتناقضة، والتي تُصعّب حسم الخيارات.

ومن أبرز السناريوهات المتوقعة عدم ميل إدارة “بايدن” الى عرقلة قرارات الكونجرس لإنهاء الدعم الأميركي للحرب في اليمن، وربّما اتخاذ قرار سريع بتقليص ضلوع واشنطن في الصراع، وترك السعودية من دون الدعم اللوجستي والاستخباراتي الذي يغذّي عملياتها في اليمن.

ويستبعد “لقمان” انخراط إدارة “بايدن” في الحرب على اليمن بشكل مباشر، أو تعميق الانخراط فيها، لمخالفة ذلك استراتيجية إنهاء الحروب التي وعدت بانتهاجها خلال الحملة الانتخابية، مؤكداً أن الإدارة الأميركية لم تعد تلك القوة التي إن قالت فعلت، وإن فعلت حَقّقت النتائج المطلوبة.

سيناريوهات أخرى توقعت تقليص إدارة “بايدن” الدعم العسكري واللوجيستي ومبيعات الأسلحة إلى السعودية والإمارات، خصوصاً في ظل استمرار الضغوط الدولية لوقف الانتهاكات الحقوقية، وقتل المدنيين في اليمن جراء الحرب والجوع والحصار، وما يسببه ذلك من إحراج للإدارة الأميركية.

والعمل بشكل فعّال على دعم وتشجيع الحل السياسي، والضغط على السعودية للسير في هذا الاتجاه، أو على الأقل السير في اتجاه تقليص عدد الضحايا المدنيين، وتهديد التحالف بالمحاسبة للحد من قتل المدنيين.

ومراجعة سياسات واشنطن خلال سنوات الحرب على اليمن، والسير في خطط جديدة تُخرج الرياض من اليمن بأقل الخسائر، أو على الأقل صنع هدنة طويلة، تمهيداً لتسوية سياسية مدعومة أممياً ودولياً.

ويبقى عنصر الزمن مسألة معقدة يصعب التكهن بها، حيث لا أفق حقيقي واضح يُوحي حالياً بقرب انتهاء الحرب السعودية الإماراتية على اليمن.

السبت، 26 ديسمبر 2020

أطفال اليمن نفسية محطمة ومستقبل مظلم

 زيد يحيى المحبشي، 25 ديسمبر 2020

الحروب لا تدمر البلدان والمدن فحسب، لكنها تدمر النفوس أيضاً، حقيقة مؤلمة تلخص الواقع المرير الذي يعيشه أطفال اليمن، وما خلّفته سنوات الحرب والعدوان السعودي الإماراتي الظالم من آثار كارثية على حياتهم ونفسياتهم، وهذا هو المسكوت عنه في كل الحروب الكونية، لكنه في اليمن أكثر بشاعة ومأساوية، وهنا يكمن الخطر، في ظل صمت دولي مُخجل.

فالعدوان العبري الغاشم لم يرعى حُرمة لشيئ، ولم يكتفِ بتدمير اليمن من مؤسسات وبنية تحتية، وقتل اليمنيين بلا رحمة ولا تفريق ولا تمييز بين مقاتل ومدني أعزل وطفل وامرأة وشيخ طاعن في السن، وحرق الحجر والشجر، بل وأمعن في تدمير نفوس وأحلام أطفال اليمن، الذين لا يعرفون الحقد والكراهية، ولا يعلمون لماذا دُمِرت بيوتهم، وقُتل أحبتهم، وشُردوا في الفيافي والقفار والأمصار، مما أدى إلى إصابتهم وهم يشاهدون الأشلاء والدماء والخراب والدمار، ويهيمون على وجوههم ذات اليمين واليسار بحثاً عما يسد رمقهم بعد أن مات الكافل والُمعين، باضطرابات وأمراض نفسية وعصبية، يقول علماء النفس أن آثارها ستبقى لفترات طويلة حتى لو انتهت الحرب، بما لذلك من تبعات خطيرة على حاضر اليمن ومستقبل أجياله، في جريمة ممنهجة ومتعمَّدة ستظل وصمة عار في جبين المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والطفولة بوجه خاص لسنوات قادمة.

الدكتور المختص في الطب النفسي "محمد الأشول" في تقييمه للآثار المدمرة للحرب والعدوان على الجوانب النفسية سواء للفرد أو الأسرة أو المجتمع، يؤكد بأن التغيرات والضغوط الاجتماعية والنفسية والتعرض للقصف وتدمير البنية التحتية وفُقدان الأحبة والأصدقاء ومشاهد العنف والقتل والجثث، ستترك آثاراً في أذهان ووجدان أفراد المجتمع خاصة الفئات الأكثر عُرضة مثل الأطفال والنساء.

مؤكداً رصد ارتفاع مخيف في معدلات الأمراض النفسية كالقلق والخوف والاكتئاب والإدمان وانتكاس الحالات المرضية السابقة بفعل العدوان، خاصة الأطفال، الذين لُوحظ تأثير أصوات القصف والصواريخ عليهم، وإحساسهم بالرعب، مما أدى الى ارتفاع حالات القلق في أعمار صغيرة مع التبول الليلي وتدهور المستوى الوظيفي وانعزال الطفل – الانطواء والانكفاء والتوحد - وعدم قدرته على النوم في الليل.

هذه الاثار النفسية للأسف سوف تكون لها تداعيات مستقبلية على الأطفال، وحتى البالغين: وستمتد لعدة سنوات، حتى بعد توقف الحرب، وبعضهم سيظل يعاني طوال حياته، خاصة مع استمرار الحرب، والتوقع بارتفاع عدد الحالات نتيجة ذلك.

ومن أهم الآثار النفسية والعصبية التي تظهر لدى شريحة الأطفال بسبب الحروب، وفقاً للدكتور محمد النعماني: الفزع الليلي، والقلق والشعور بعدم الراحة، والفوبيا أو الخوف من الأصوات والظلام، والانتكاسة في بعض المهارات التي تم اكتسابها، فيظهر التبول اللاإرادي، أو الزيادة في التبول، وظهور بعض الاضطرابات السلوكية مثل قضم الأظافر، والكذب – والرغبة في الانتحار والتراجع في المستوى التعليمي والإصابة بحالة من التبلد - وظهور مشكلات في الكلام، كالتلعثم أو الفقدان الوظيفي للكلام، واضطرابات الأكل.

وفيما يتعلق بالحالات التي يتعرض لها الأطفال خلال الحروب، تذكر أخصائية الطب النفسي الدكتورة نعمة البدراوي: سوء التغذية في المناطق الفقير، والمرض، والتشرد، واليتم والفواجع، والمشاهد العنيفة، والإرغام على ارتكاب أعمال عنف، والاضطراب في التربية والتعليم.

ويصنف علماء النفس الصدمة النفسية التي تتركها الحروب لدى الأطفال في باب الآثار المدمرة، وهذا الآثار جعلت الخبراء والمختصين يقومون بالدراسات المستفيضة وتحليلها للوصول إلى نتائج تساعد على بذل كل الجهود من أجل الحد من تبعاتها الكارثية، والعمل على مراعاة الأطفال في زمن الحروب، وإيوائهم وتأهيلهم، وإبعادهم قدر الإمكان عن الآثار النفسية والمعنوية التي يمكن أن تلحق بهم.

صور مرعبة خلفتها سنوات العدوان العبري، تسببت في زيادة حالات الإصابة بالأمراض النفسية بين الأطفال، إما بشكل مباشر كالتأثر بمشاهدة دماء الأشلاء أو المعاناة من رُهاب سماع أصوات الغارات والانفجارات، أو عن طريق الانفصال عن الأسرة وموجات النزوح والعنف والاستغلال الجنسي.

 ومن تلك الصور كنموذج بسيط من آلاف النماذج المأساوية حالة الطفلة "آية قاسم" البالغة من العمر ١٠ سنوات، تسبب مشاهدتها لقصف طيران عدوان العاصفة لمنزلها، أثناء عودتها من المدرسة في فقدانها النطق، والإصابة بانهيار عصبي وهستيريا شديدة.

ويرى رئيس قسم عدالة الأطفال في إدارة الحماية الاجتماعية، الدكتور "رضوان الشرجبي" أن أمراضاً مثل فقدان النطق والهلوسة السمعية والبصرية وكرب ما بعد الصدمة والاختلالات العقلية، نتائج متوقعة خلال فترة الحرب، مؤكداً استقبال إدارة الحماية الاجتماعية نحو ١٢٠ حالة شهرياً، وهي إدارة تهدف إلى إعادة تأهيل المرضى النفسيين ودمجهم بالمجتمع. 

وفي دراسة مسحية أجرتها الباحثة بمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، الدكتورة "فوزية العمار" خلال العام الدراسي 2015 / 2016، أي خلال العام الأول من العدوان، شملت 902 حالة من الأطفال النازحين في المدارس الحكومية بأمانة العاصمة صنعاء، تفاوتت أعمارهم بين 8 - 18 عاماً، مستخدمة مقياس أعراض اضطراب ما بعد الصدمة لدى الأطفال Child PTSD Symptoms Scale CPSS، بعد مواءمته وتكييف فقراته مع البيئة اليمنية، بلغت نسبة المعاناة النفسية للأطفال من اضطرابات ما بعد الصدمة نحو 79 % بواقع 712 طفل من العينة المختارة، وهي نسبة مرعبة.

وتبرز هذه الاضطرابات في معاناة ذهنية تتمثل في:

1 - تكرار الذكريات المرتبطة بالصدمة

2 - اضطرابات الإعياء النفسي والإجهاد الانفعالي 

3 - ضعف القدرة على التعبير وإبداء مشاعر الحزن ومشاعر الفرح

4 - اضطرابات النوم والأحلام المزعجة

5 - الشعور بالإحباط وضعف القدرة على التركيز

6 - تدني التحصيل الدراسي للأطفال

7 - ظهور مشاعر الخوف وتجنب الأماكن والأشياء المرتبطة بالتجربة المسببة للصدمة.

وفي دراسة نشرتها مؤسسة التنمية والإرشاد الأسري في العام 2018، تناولت الفئة العمرية ما فوق 16 عاماً وكبار السن من كافة محافظات اليمن، وحازت أمانة العاصمة صنعاء نسبة مشاركة عالية ضمن العينة بواقع 59.2 %، خَلُصَت الى تجاوز عدد المصابين بحالة من حالات الاضطرابات النفسية والعصبية التي تسببها الحرب، عتبة الـ 5 ملايين يمني، بينهم آلاف الأطفال، ووجدت أن انتشار الاضطرابات والضغوط النفسية ظهر أكثر لدى الفئات العمرية الأصغر سناً عما هو عليه لدى الأفراد من ذوي الفئة العمرية الأكبر سنّاً، ومن حيث الجنس كانت النساء أكثر عُرضة للإصابة بالاضطرابات النفسية بواقع 81 %؛ يعني تسبب العدوان باصابة اكثر من 5 ملايين يمني بالامراض النفسية، هم الان بحاجة ماسة لاعادة التأهيل.

وكانت نسبة المصابين من الأطفال باضطرابات القلق 3.25 %، مقابل 2.3 % يعانون من الاكتئاب، و0.7 % من الاضطراب المرتبط بالصدمات، وفيما يتعلق بالفئات العمرية وجدت الدراسة أن 19.5 % ممن يعانون من الاضطرابات النفسية أعمارهم تتراوح بين 7 – 10 سنوات، و16.8 % أعمارهم بين 16 – 18 سنة.

وتشير دراسات متفرقة الى معاناة نحو ٤٠ % من السكان من مشاكل نفسية، مثل الاكتئاب ٢٠ %، وكرب ما بعد الصدمة ٣٠ %.

وعن الأعراض تذكر دراسة أعدتها منظمة يمن لإغاثة الأطفال، أن أطفال صنعاء وعدن وتعز وأبين، أبانوا عن ارتفاع مهول في مشاعر الخوف وانعدام الأمن والقلق والغضب، حيث عانى 31 % أعراضاً جسدية منها الصداع وآلام الصدر والبطن والإرهاق، وهو ما اعتبرها الباحثون مؤشرات على وجود ضائقة نفسية.

ولاحظت الدراسة تمايزاً واضحاً في شدة الأعراض النفسية بين المحافظات، يعادل تقريباً كثافة النزاع في مختلف المناطق.

 وعند تقييم حالة الأطفال، وجدت الدراسة بناءاً على إفادة أولياء الأمور، أن 5 % من الأطفال يعانون من التبول اللاإرادي، و2 % عادوا إلى التأتأة، و47 % يعانون من اضطرابات النوم، و24 % لديهم صعوبة في التركيز، و17 % يعانون من نوبات هلع.

وبلغت نسبة المترددين على المستشفيات ممن يعانون من الصداع وآلام الظهر والمفاصل وقرحه المعدة والقولون والربو وغيرها من الأعراض الجسدية التي سببها القلق والضغوط النفسية بحسب دراسات متفرقة نحو 70 %.

وتذكر دراسات مسحية في العام 2018 أن هناك نحو 21988 طفلاً يمنياً، يصابون بالرعب يومياً بسبب سماع أصوات الغارات والانفجارات.

وأجرت منظمة save the childern الدولية، وهي من المنظمات العاملة في مجال تحسين حياة الأطفال، دراسة واستطلاع لآراء 1250 من الأطفال وأولياء أمورهم في اليمن، وكانت النتائج صادمة، فقد تبين أن 50 % من الأطفال يعانون من مشاعر الاكتئاب والحزن الشديد، و20 % يعيشون في خوف مستمر، و1 من كل 10 أطفال يعانون من الحزن والاكتئاب، ووضح الأوصياء أن أطفالهم ظهرت عليهم مشاكل مرتبطة بسوء التغذية والصداع الشديد والكوابيس المستمرة والتبول اللا إرادي، واضطرابات في الصحة النفسية، والاكتئاب الشديد، وكرب ما بعد الصدمة.

 وأوضح مديرها التنفيذي "إنغر أشينغ" أن الأطفال الذين تم التحدث إليهم خائفون من اللعب في الخارج، وأنهم يتبولون في الفراش عندما يسمعون طائرات تحلق في سماء المنطقة، أو قنابل تتساقط، متمتماً: هذا ما تفعله خمس سنوات من الحرب على الصحة النفسية للأطفال، ولا يمكننا السماح باستمرار هذه الحرب، دون أن يوضح الطريقة التي سيتم من خلالها إيقاف هذه المذبحة البدنية والنفسية والعصبية البشعة بحق أطفال اليمن، والتي سبق لمنظمة اليونيسيف في العام 2018 القول بأنها تمثل وصمة عار في جبين المجتمع الدولي.

وأكد تقرير صادر على مشروع "يورجن" أن الترتيبات السكانية في اليمن تأثرت بشدة، بسبب الحرب، إلا أن الأطفال يتحملون وطأة هذه الحرب، فقد سُجلت نسبة كبيرة من الأطفال الذين استهلكت الحرب صحتهم النفسية، وأصيب الشباب والشابات بحالات من البؤس والاكتئاب، فتركوا مدارسهم وجامعاتهم، وتدنى أداؤهم الدراسي والأكاديمي نتيجة العجز المادي للأسر، والشعور بضعف قدراتهم الفكرية، وعدم قدرتهم على التركيز في الدرس، وضعف القدرة والرغبة في التحصيل العلمي.

وتعظم الكارثة مع قلة وندرة المشافي والمراكز الصحية المختصة بالعلاج النفسي، ونُدرة الأطباء المختصين في هذا المجال، حيث تذكر منظمة save the childern الدولية، وجود طبيبان فقط في الجمهورية اليمنية مختصين في الصحة النفسية للأطفال، وممرضة واحدة لكل 300000 طفل، بينما تحدثت مؤسسة التنمية والإرشاد الأسري، عن 44 طبيباً نفسياً فقط، موزعين على 4 مستشفيات للصحة النفسية في اليمن، تتمركز في 4 مدن رئيسية، هي: صنعاء وعدن وتعز والحديدة، ما يشير إلى حجم المعاناة الإنسانية لليمنيين.

وهو ما دفع أخصائية علم النفس في جامعة "نورث وسترون"، الدكتورة "كارول دونيلي"، الى التحذير من تفاقم مشكلات الصحة النفسية للأطفال في اليمن: مع عدم وجود حلول لمعالجة هذا الأمر، سنواجه "جيلاً كاملاً من الأطفال المصابين بصدمات نفسية شديدة"، ويكونوا مجرد عبء على المجتمع بأسره.

ويزداد الوضع قتامة بحسب منظمة يمن لإغاثة الأطفال، لأن: الخطر الحقيقي في الجانب النفسي للأطفال سيظل مجهولاً حتى بعد انتهاء الحرب والعدوان، والخطر هنا يكمن بحسب مدير برنامج الصحة النفسية بوزارة الصحة بصنعاء الدكتور "عبدالقدوس حرمل"، في أن: نتائج هذه الأمراض والاضطرابات لدى الأطفال لن تظهر إلا على المدى البعيد، وهو ما يشكلُ كابوساً مقلقاً على مستقبل الاطفال والبلاد.

الخميس، 24 ديسمبر 2020

وكرامتنا من الله الشهادة

 زيد يحيى المحبشي، 25 ديسمبر 2020

"الذكرى السنوية للشهيد هي إحياءٌ للروحية المِعطاءة والصامدة للشهداء، وتأكيدٌ على مواصلة السير في درب الشهداء، واحتفاءٌ وتقديرٌ لأسر الشهداء، وتذكيرٌ بمسؤولية الأمة تجاههم.

وتُعَبّرُ المناسبة عن مظلومية المظلومين، فالجميع يُقتلون بغير حق، ويُستهدفون في حياتهم، وهو أشد أنواع الظلم".

.. قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي.

الشهادة حياة للأمم والشعوب، والأمة الحية تقدس شهدائها، وتعزز من ثقافة الاستشهاد، وتعتبرها قيمة إنسانية، وثقافة إلهية، لأن الموت قتلاً في سبيل الله، حياة، والحياة من دون ثقافة الشهادة، موت، ما نجد مداليله في قول شهيد كربلاء الإمام الحسين بن علي عليهما السلام: "إني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين الا برما"، وما أراده سلام الله عليه هنا ليس التعبير عن اليأس، بل عن حالة الرفض، فالموت في خط الجهاد، سعادة، لأنّ الإنسان يؤكّد رسالته وانتماءه وموقفه وعبوديته لربّه، أما الحياة مع الظالمين دون أن يواجههم، فإنها تمثل الحياة التي برم بها الإنسان، بمعنى أنّه لا يشعر فيها بالحيوية ولا يشعر فيها بالحياة.

والشهادة اصطفاء وتكريم إلهي للمجاهدين المخلصين في سبيل الله، قال الله سبحانه تعالى في محكم التنزيل: "وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء"، آل عمران: 140، أي: ليُكَرَم منكم بالشهادة، من أراد أن يُكَرِمه الله بها، وأي كرامة أعظم من هذه الكرامة.

وللشهداء الكأس المُعَلى عند ربهم، والمكانة الرفيعة، والمقام العالي، فهم أحياء فرحون، عند ربهم يرزقون، وما عداهم أمواتٌ، ولكن لا يشعرون، قال الله سبحانه وتعالي: "وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ"، آل عمران: 169 - 171.

يحيي اليمنيون خلال الفترة 13 – 20 من شهر جماد الأولى من كل عام، الذكرى السنوية للشهيد، وفاءاً لدماء أكثر من 17042 شهيداً و26355 جريحاً من المدنيين، وآلاف الشهداء ممن إرتقوا في جبهات العزة والكرامة من رجال الله، دفاعاً عن سيادة وعزة واستقلال وحرية اليمن، وتطهيرا لأرضه من دنس ورجس الغزاة والمحتلين من بني سعود وبني نهيان، وأسيادهم من اليهود والأميركان.

ست سنوات ونيف من مواجهة عربدة الغزاة والمحتلين من الصهاينة والأميركان وعبيدهم من بدو جزيرة العرب وأضرابها، قدمت اليمن خلالها ولا زالت قائمة طويلة من قرابين العشق الإلهي، ممن نذروا أنفسهم للدفاع عن البلاد والعباد، قُربة الى الله، ورووا بدمائهم الطاهرة شجرة الحرية، تاركين خلفهم حزناً عميقاً، تلونت به كل جبهات العزة والكرامة، التي دونت في سجلاتها، بأحرفٍ من نور مشاهداً من بطولاتهم واستبسالهم وملاحمهم الجهادية، ستظل حكاياتها تتناقلها الأجيال، وتُوقظ في ضمير الأمة عبرة تشير الى الطريق الصحيح الذي سلكوه، وعبرة تسقي في نفوسنا جديب البقاء، لنتذكر دوماً أننا بقينا في وطنٍ حر، عزيز، مُصان، بفضل دمائهم الطاهرة وتضحياتهم الجسيمة، والتي لولاها لأصبحت البلاد في خبر كان، وما نراه في المناطق اليمنية المحتلة خير برهان، لمن كان له عقل يزدان، وفِكرٌ، وعِرفان.

إنهم رجال الله، يكبُرون في زمن الصغار، ويُخَلَّدُون في أمكنة يتآكلها النسيان، ولا يغيبون عنا أبداً، فهم شموع تنير ظلام القلوب، وأسماؤهم؛ محاريب دعاء نتقرب بها إلى الله، وقرابين تسخو - في زمن القحط البشري - في سبيل شجرة الحق والعشق التي لا ترتوي إلا بدماء الأبرار والأحرار، فيرثون الأرض والفردوس معا.


مكانة الشهيد وقيمة الشهادة:

يعرف العلامة الطباطبائي في كتابه القيم "تفسير الميزان" الجزء الثاني، الصفحة 249، ماهية الشهادة، بقوله: هي "نيل نفس الشيء وعينه، إما بحسّ ظاهر كما في المحسوسات، أو باطن كما في الوجدانيات نحو العلم والارادة والحب والبغض". 

وهو من أدق وأشمل التعاريف، فالشهادة وفقاً لتعريفه، تعني المشاهدة ورؤية الشيء بنفسه، ولذلك تُطلق في اللغة على الشاهد، لأنه يشهد بما يعلمُ علماً يقيناً، فهو شاهدٌ، ومن هذه الرؤية أُطلق هذا اللفظ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى المسلمين، لماذا؟.

لأنهم يشهدون على الأمم التي كَذَّبت بالرسل، ويشهد النبي على أعمال أمته، مِصداقاً لقول الله سبحانه وتعالى: "وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً"، البقرة: 143.

ومعلومٌ أن قيمة ومكانة الانسان في المجتمع تتناسب دوماً مع ما يقدمه لمجتمعه، وما يقدمه الشهيد إحياءٌ لمجتمعه بدمه وحياته لا يضاهيه أي عطاء، لهذا يتميز الشهداء عما عداهم من البشر بمكانة خاصة في المجتمع، ومكانة رفيعة عند الله.

ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ"، والشاهدُ هنا كلمة "أحياء"، يقول العلامة "زكي الموسوي": كأن أرواحهم أُحضِرت الى دار السلام، أحياء، وأرواح غيرهم أُخرت الى يوم البعث، فالشهيد هو الحيّ الحاضر، وهو الأمين في الشهادة الذي لا يغيب عن علمه شيئ، وهو اسم من أسماء الله، المقتول في سبيل الله، وهو الخبير، وهو الشهيد الذي يشهد على الخلق يوم القيامة مع نبيها، قال الله سبحانه وتعالى: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً" - البقرة: 134.

وهو الذي تشهده الملائكة وتحضر موته، وهذه المعاني تدل على عظمة الشهيد ومكانته، ولذا سُمِّي شهيداً لتلك الأوصاف، ولأن الله وملائكته شهودٌ له بالجنة.

الشهادة درجة يرفع الله إليها صفوةً مختارةً من عباده، فهي منحة إلهية، وليست محنة دنيوية، لأن معنى اختيار الله سبحانه لبعض الناس ليكونوا شهداء، يعني وقوع هذا البعض في محل الرضى لدى الله عز وجل، ولذلك يتخذه ويرضاه، وأي درجةٍ أسمى وأرفع وأعلى من هذه الدرجة، ما نجد مصداقه في قول الله سبحانه وتعالى: "ويتخذ منكم شهداء"، آل عمران: 140.

الشهادة رتبة عالية، ليس فوقها رتبة، قال الله سبحانه وتعالى: "إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"، التوبة: 111.

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أشرف الموت، قَتُل الشهادة".

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "لودِدت أني أغزو في سبيل الله فأُقتل، ثم أغزو فأُقتل، ثم أغزو فأُقتل".

ويقول الإمام السجاد علي بن الحسين عليهما السلام: "ما من قطرة أحب إلى الله عز وجل من قطرتين: قطرة دم في سبيل الله، وقطرة دمعة في سواد الليل، لا يريد بها العبد إلا الله عز وجل"، ومن دعائه سلام الله عليه: "حمداً نَسعد به في السعداء من أوليائه، ونصير في نظم الشهداء بسيوف أعدائه".

وعن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في كتابه لمالك الأشتر النخعي اليماني: "وأنا أسأل الله بسعة رحمته وعظيم مواهبه وقدرته على إعطاء كل رغبة .. أن يختم لي ولك بالسعادة والشهادة"

وقال سلام الله عليه في التحريض على القتال في سبيل الله: "أيّها الناس، إنَّ الموت لا يفوته المقيم، ولا يعجزه الهارب، وليس عن الموت محيد ولا محيص، من لم يُقتل مات، إنّ أفضل الموت القتل، والذي نفس عليٍّ بيده، لألفُ ضربة بالسيف أهون من موتةٍ واحدة على الفراش".

ولذلك نلاحظ والحديث هنا للعلامة الموسوي، تعاطف الشعوب مع الشهداء والاهتمام بهم دون غيرهم، وهذا يكشف عن عِظم ما قدموا لتلك الشعوب، لأنهم جادوا بأنفسهم، فكان لهم الأثر الواضح من خلال الجانب المادي، والمعنوي، فبدمائهم تتحقق الحرية والاستقلال، ودحر الأعداء المتربصين بالوطن الدوائر، وينجلي الظلم والقهر والفساد، ويتحقق العدل والانصاف، وتترسخ المثل والقيم السماوية، التي تمثل القيم المطلقة، التي شرعها الله تعالى، وهذا الأثر الايجابي للشهيد الذي حققه بدمه أضاء للأمة دربها، وأنار لها طريقها، ولا شك أن من يُثَبِّت هذه القيم ويُرَسِّخُها في الأمة، لابد أن يحظى منها بأعظم اهتمام.

وبدماء الشهداء تُزهر شجرة الحرية والخلود بالوقوف ضد الظلم والظالمين، وتنير للأمة الدرب لسلوك طريق الرقي والتطور، وإشعارها بالحياة، بعد موت الضمير فيها، لقبول الظلم والظالمين، والطغاة والمستبدين، والغزاة والمحتلين.


ما يجب علينا تجاه شهدائنا؟

يجب على الأمة تجاه شهدائها، مبادلة الوفاء بالوفاء، ورد الجميل لتضحياتهم التي أحيت الأمة، وحررتها من قيود وأغلال الطغاة والمستبدين والغزاة والمحتلين، وأعلت من شأنها ومكانتها بين الأمم، ورد الجيل يستوجب:

1 - الحفاظ على نهجهم‏، وحماية الأهداف التي خرجوا من أجلها، وقدموا أرواحهم ودمائهم رخيصة لتحقيقها، وإحياء ذكرهم، وتذكر بطولاتهم وملاحمهم، لتكون حافزاً في وجدان وذاكرة الأجيال الصاعدة.

2 – تعهُد ورعاية وتكفُّل أيتام وأسر الشهداء في جميع النواحي المادية والمعنوية، وتوفير حياة كريمة لهم، وإشعارهم بأن المجتمع كله أسرتهم.

لأن الشهداء تركوا أولادهم وأسرهم أمانة في أعناقنا، ومن المعيب بحقنا أن نُضَيّع الأمانة، ولأهمية هذا الأمر كانت أخر كلمات الأمام علي عليه السلام في وصيته: "الله الله في الأيتام، فلا تغبوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم، فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يقول: من عال يتيماً، حتى يستغني أوجب الله له بذلك الجنة، كما أوجب لأكل مال اليتيم النار".

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة إذا اتقى الله عز وجل"، وأشار بالسبابة والوسطى.

3 – تكفُل الجهات المعنية بقضاء ديون الشهداء، لأن جميع الحقوق كالدين والأمانة والذنوب التي لها علاقة بالناس لا تُغفر بدون رضاهم.

4 – زيارة رياض الشهداء، لما لذلك من أهمية في تذكير الناس بالمعروف الذي قدمه الشهداء، وإدخال السرور على قلوب وأرواح الأموات والشهداء، قال الإمام علي عليه السلام: "زوروا موتاكم فإنهم يفرحون بزيارتكم".


التعاطي الرسمي مع أسر الشهداء:

اتخذت حكومة الإنقاذ الوطني بصنعاء العديد من الخطوات، لتكريم الشهداء، والاهتمام بأسرهم، منها:

1 - إنشاء صندوق خاص لرعاية أسر الشهداء.

2 - تخصيص قطعتي أرض لكل أسرة شهيد ومعاق لبناء مساكن لهم بأمانة العاصمة صنعاء والمحافظات.

3 - تخصيص نسبة لأبناء الشهداء والمعاقين في الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة وكليات المجتمع والمعاهد المهنية والمدارس الخاصة والكليات العسكرية والأمنية.

4 - اعتماد درجات وظيفية لأبناء الشهداء وجرحى الحرب في إطار خطط التوظيف السنوية.

5 - توجيه الوزارات والمؤسسات التي يوجد بها شهداء أو جرحى حرب من موظفيها، بتوفير الرعاية اللازمة لأسرهم، وتخصيص إعانة شهرية لها.

6 - تخصيص منح علاجية مجانية لأسر الشهداء والجرحى بمستشفيات أمانة العاصمة والمحافظات، بما يضمن حصولهم على الرعاية الصحية والعلاجية بصورة مجانية ودائمة.