Translate

السبت، 18 مايو 2013

اضاءات زيدية

بقلم//القاضي العلامة صلاح بن أحمد فليته رحمة الله تغشاه
إن الاستئثار يُوجب الحسد, والحسد يُوجد البغضاء, والبغضاء تُوجب الفُرقة, والفُرقة تُوجب الضعف, والضعف يُوجب الذل, والذل يُوجب زوال الدولة وزوال النعمة وإهلاك الأمة..
  والتاريخ يُحدثنا والوجدان والعيان يشهدان لنا, شهادة حق, أنها حينما تكون السخائم والمآثم, فهناك فناء الأمم وموت الهمم, وفشل العزائم, وفشل العناصر, والاستعباد والاستعمار والهلكة والبوار,  وتغلب الأجانب, وسيطرة العدو, أما (حينما) تكون الآراء مجتمعة والأهواء مؤتلفة, والقلوب متآلفة والأيدي متماسكة, والبصائر متناصرة والعزائم متآزرة, فهناك العز والبقاء والعافية والنعمة والغلبة والقوة والملك والثروة والكرامة والسطوة, ويجعل الله لهم من مضايق البلاء فرجاً, ومن حال السوء مخرجاً, وكان العز مكان الذل والأمن مكان الخوف..
هيهات أن يتحد المسلمون ما لم يتساعدوا, وهيهات أن يَسعَدوا ما لم يتحدوا, ليس الإتحاد ألفاظاً فارغة وأقوالاً بليغة وحِكَماً بالغة مهما بلغت من دون إعمال جِد ونشاط متحد, وأخلاق فاضلة ونفوس متضامنة, وسجايا شريفة, وعواطف كريمة مع اشتراك في الفوائد, وميزان عدل وقسط, وليس من العدل أن يُهضَم أحد حقوقه, أو يقال له إذا اشتكى: إنك مُفَرق أو مُشَاغب, بل يُنظَر إلى حقيقة الحال, فإن كان طلبه حقاً نصره, وإن كان حيفاً أرشده وأقنعه وجادله بالتي هي أحسن, مجادلة الحميم لحميمه والأخ لأخيه, لا سخط ولا سباب ولا منابزة بالألقاب بل المرونة والصبر والاحتمال, وبالخُلق والأخلاق الحسنة يبلغ غاية المراد, ومقابلة السيئة بالحسنة من أفضل الأعمال, ومعالجة القطيعة بالصلة من أشرف الأفعال... وقد قيل: " عند الشدائد تذهب الأحقاد "...
إذا اجتمعت الأهداف وتآزرت البصائر ووُجِدَ الائتلاف وكان كل واحدٍ منا يسعى في صالح الآخر, واندفع الجميع نحو العمل الجِدِي والحركة الجوهرية, وحرروا أخلاقهم, وكبحوا جماح أهوائهم ونفوسهم بأرسان العقل والروية والحنكة والحكمة, فيجد كل واحد منا أن مصلحة أخيه المسلم هي مصلحة نفسه فيسعى لها كما يسعى لمصالح ذاته, ذلك حيث ينزع الغل من صدره والحقد من قلبه, وينظر كل واحد منا لأخيه نظر الإخاء لا نظر العداء وبعين الرضاء لا بعين السخط, وبلحظ الرحمة لا الغضب والنقمة, ويعلم أنه لا عِزَة له ولا قوة إلا بعزة أخيه وقوته وعونه ..
والملاك في ذلك اقتلاع رذيلة الحرص والجشع والغلبة والاستئثار والحسد والتنافس, لأن هذه سلسلة شقاء وحلقات بلاء يتصل بعضها ببعض ويجر بعضاً إلى بعض حتى تنتهي إلى هلاك الأمة وتهوي بها المهاوي والشقاء والتعاسة ..
وأعلم أنه لم يبقى ذو حس وشعور في أنحاء المعمورة إلا وقد عرف وتحقق بضرورة الإتحاد وجمع الكلمة والاتفاق ومضرة الاختلاف والافتراق, حتى أصبح هذا الشعور والعرفان وجدانياً محسوساً وأمراً واضحاً ملموساً, فلا بُد إذاً من التدارك وجمع الكلمة والوحدة قبل أن يقضي الافتراق على الجنس البشري الحي فيدخل في خبر كان ويعود كأمس الدابر ونعوذ بالله والله المستعان.
* المصدر: القاضي العلامة صلاح بن أحمد فليته, النصيحة العسجدية, مكتبة التراث الإسلامي – صعدة, الطبعة الأولى 1995 (بتصرف من عدة مواضع بالكتاب)

الجمعة، 17 مايو 2013

مأسات البحث العلمي في عالمنا العربي


مأسات البحث العلمي في الوطن العربي
" لماذا في بعض المدن مثل نيويورك وحدها تتوفر على 2000 مركز للدراسات والبحوث تنتج أفكاراً لأهل السياسة عندما تصل السياسة سقفاً محدداً يُوكل الأمر إلى أهل الخبرة لهذا فلا غرابة أن تكون جامعات مثل جورج باول أو هار وورد هي التي تمد السياسة الإميركية بالأفكار القادرة على التغيير وهي بمثابة هيئات استشارية غير معلنة وهو ما نفتقر إليه في مجتمعاتنا ودولنا .. التي إن لم تستعن بالخبرة الأجنبية فإنها لا تثق بخبرة أبنائها وتنظر إليهم على أنهم قاصرون!! وأفكارهم دون مستوى ما تأمله!! .. وفي هذا تفاوت أيضاً بين تجربة بلد عربي وأخر ثم إن الصراعات التي نراها في المشهد الثقافي النخبوي العربي حولته إلى ما يشبه الميلبشيات".. عزالدين ميهوبي/ شاعر وكاتب ورائي جزائري 

الخميس، 16 مايو 2013

قراءة في مفهوم التغيير

زيد يحيى المحبشي
التغيير الحقيقي والشامل حسبما قرئنا في العلوم السياسية يختلف كليةً عن التغيير الجزئي في مبناه ومعناه, لسبب بسيط هو أن الثاني مجرد محطة ترانزيت غايتها ترميم وتجميل الموجود القائم دون إحداث أي تحول فعلي في المنظومة العامة  المثار عليها (تغيير في الأشخاص دون المساس بالسياسات ممزوجاً ببعض المحسنات الاقتصادية الممرحلة).
 بينما يقوم الأول على إحداث تحولات فعلية عميقة ونهائية على نحو يقطع مع عصر استبدادي كامل, وإقامة نظام جديد يتسع لكل أبنائه ودولة جديدة لم يعد فيها البلد مزرعة لأحد, وشعب يؤمن بحتمية التغيير كخيار وقدر غير قابل للمساومة والمتاجرة, شعب مستعد للتضحية ودفع الأثمان المترتبة على التغيير, وصولاً إلى امتلاك زمام المبادرة, شعب قادر على أن يحدد بالدستور والقوانين والشرعيات شروط ومواصفات "من يحكمه وكيف يحكمه", شعب لديه من الضمانات ما يكفي لمنع أي سلطة رئاسية أو حكومية من التحول مجدداً إلى سلطة قمعية واستبدادية..
ضمانات تنبني على انشاء عقد اجتماعي جديد يضم دستور وأركان نظام ديمقراطي مؤسساتي مدني, يُؤسَسَ على أنقاض سلطة الرأي الأوحد والحزب الواحد, عقد اجتماعي جديد يُسمح فيه للمجتمع – بعيداً عن أهواء السلطة الديكتاتورية المتهاوية وسيوفها التي لا زالت مسلطة على رقاب الناس- بوضع قواعد وأسس دولة مدنية عصرية, لا رغبات فيها لسلطة تسعى إلى تأييد وتأليه وتقديس الأنظمة القفصية الاستبدادية, ولا ينفرد فيها الحاكم بالتحكم في غرفة الأقدار.
التغيير الحقيقي والشامل ببساطة هو نتاج طبيعي وترجمة عملية لتوافر الثقة المتبادلة بين أطياف الفعل الثوري والسياسي وإعمال الولاء الوطني وتقديمه على ما عداه من ولاءات ضيقة وقبل هذا وذاك وجود إرادة وطنية تؤمن بحتمية وضرورة التوجه الجِدِي الجمعي لتجاوز الرؤى الكلاسيكية القائمة على ثقافتي الغالب والمغلوب وإبدال التنابذ والتحاقد والتحارب بالتحاور والتدافع, والتوافق على معايير وآليات واضحة, تسهم بشكل ناجز في بناء منظومة علاقات متينة بين أطياف الفعل السياسي والثوري, علاقات واثقة ومطمئنه تضمن استمرار الطاقات المتعددة والمتنوعة وتضمن الاختلاف المذهبي وخصوصياته وتكفل طبيعة المحتوى الثقافي والفكري وخصائصه المتنوعة وتدفع بأطياف المجتمع "معاً" إلى ساحة الفعل الحضاري والتنموي, حسب رؤية المواطنة المتساوية والعيش الواحد المشترك والوطن المتسع لجميع أبنائه, ومن خلال روافد المحبة والتسامح والإقرار بمبدأ تكافؤ الفرص بين أبناء الوطن عامة.
وكل هذا لا يتأتى ولا يكون إلا في حالة واحدة وواحدة فقط, هي امتلاك القدرة والإرادة الجمعية لبناء منظومة متنوعة من الأسس والمرتكزات المُتَنَاغَم والمُتَوَافق عليها وإليها, تضمن البناء السليم للحاضر والانطلاقة الواثقة نحو المستقبل...  

الأحد، 12 مايو 2013

يسوع الهاشمي (الامام زيد بن علي عليه السلام)

إلى السيد المسيح في ذكرى شروقه, زيداً معلقاً كسماء ..

للشاعر العراقي مهدي النهيري..

25 كانون الأول/ ديسمبر 2011م

قل للحلاجين جميعاً:

طوباكم فيما تصبون

إليه من الصلب,

ولكن لستم زيديين

بمعنى أن تطأوا درب

سماوات الله

بأقدامٍ من دمكم ..

لا ساعة أن يجري من

أعلى جذع الصلب إلى

الأرض,

ولكن ساعة أن يصعد من

وهج الجبهات

إلى أعمدة العرش

فتنقع فيه ..

قل للصوفيين جميعاً:

بُوركتم فيما تُعزون

إليه من العزلة,

لكن لستم ولهين بأن

تنشق كهوفكم الصوفية

كي تُسفر عنكم في

شكل سيوف ..

قل للشعراء جميعاً أو

بعض الشعراء:

تباركتم فيما تقصون به

من أبهاء قصائدكم,

لكن زيدٌ دمه أشعر من

حبر مطالعكم,

لما أغمس نخل الكوفة

أقلاماً

في محبرة الموت

السوداء,

فأشرق منها قمراً كوفياً,

كان قريباً من أن مواجعه

تشبه أحلام الله ..

###

إذا الدم أطفالاً وأسئلة جرى

من اهتنز فاحتز البلاد وما درى

إذا النخل زكى نفسه من جناية

وقال: بريء, لست من شنق الذرى

إذا الماء أوصى أن في جريانه

نبياً رمادي التباريح أسمرا

يخط بنقش مصحفي بأنه

رأى كإلهٍ في التآويل مبحرا

إذا الفجر أدلى أن زيداً أجابه

قبيل سؤالات العصافير والقرى

وقال له: ها ذاك قلبي معلقاً

على الصحو آناء الصباح مبكرا

إذا كل شيء مؤمن في مكوثه

فمن فيه ذبحاً بارز الله يا ترى؟

ومن ورط التأريخ أن صفحاته

تحدث عن ذاك الصليب, لتمطرا

دماً في وجوه القارئين, وأحرفاً

مغمسة بالكاتبين تذمرا

من استاء من رأى السماء وشانه

أن الله يختار النبيين أنهرا

فآثر أن يبني السدود لردهم

إلى الله, أن هاك اقتراحك أحمرا

من الصحف البيض استمالت مزاجه

إلى صحف سود وصرح: لا أرى

وعلق أشياء الإله بنخله

وخاطب: يا ألله, ظلك مفترى

أفي الله شك أن اولاد ذوقه

قبيحون؟ كي يمحوا نخيلاً وأبحرا

وينتهكوا أن يسفكوا كدمائهم

ولا بدع أن تذرى الجسوم وتنثرا

أفي لغة وضاحة في شفاههم

تردد لفظ: أنهم خيرة الورى؟

وحاق بجبرائيل صمت فلم يقل:

أولاء سطور عندما الله فكرا؟

وهل لم يطرق قلب الحسين بكربلا

إلى أن تلاقى والثريا مكبرا؟

وهل لم يضيء رأس الحسين وقد سرى

عن الجسم رأسا مشمس الدم مقمرا

وهل زينب لم تكتشف أن صوتها

سماواتها غيما وغيثا معبرا

وهل لم يكن زيد النخيل مجرة

من الحدق المشغول: أن كيف أثمرا

وكيف نجا من أن يموت منارة

مهشمة لا ضوء لا باب لا عرى

هل القابضون الريح أدرك يأسهم

بأن بني المعنى جديرون أن نرى

وأن المسمين: الهواشم أسوة

بأن نتهجاهم إلى البدء معبرا

وان ننتقي كالمفردات, ونكتسي

بقمح النبواءات الفصيح وننشرا

وأن نترامى كالفضاء وندعى

بأن لنا حجم الفجيعة منبرا

وأن ننبغي أدمى وأنمى وأكثرا

لحد العمى أن يستفز ويبصرا

فيدرك أنا خاضنا جذع زيدنا

صليبي زمان ملنا حد أنكرا

فأنبأنا أنا جحدنا صحاحه

وأخرجنا من معجم الموت مجبرا

الأربعاء، 8 مايو 2013

الربيع العربي وعقدة الأسلمة

 لا يمكن لجماعة دينية متزمتة ومتكلسة أن تتحول بين ليلة وضحاها من جماعة متطرفة في رؤيتها ومنهجها وشعاراتها, إلى جماعة حضارية ومدنية تفتح أبوابها للجميع وتحتضن الجميع وتدافع عن الجميع!!.
تجارب الثورات البشرية الكبرى كانت على الدوام تظهر أن أصحاب الأفكار الجذرية والمتشددة, لم تكن تتصدر واجهات الثورات في البداية, ثم لا تلبث أن تنقض عليها بوحشية لتسيرها بحسب أهدافها الايديولوجية المتشددة ومنطلقاتها الفكرية المتخشبة وطبائعها العنيفة القهرية الإقصائية الاستحواذية.
التفشي المخيف والمرعب اليوم لظاهرة استغلال الدين والثقافة التي تُدِين أفكار وضمائر البشر – ثقافة تأمثُل الذات وشيطنة الآخر - وتتكلم بطريقة مطلقة وكأنها المالك الحصري للحقيقة والمسئول المفوض عن توزيعها وتفسيرها وبيعها وشرائها ومنحها ومنعها, والاكتفاء بظاهر الأشياء.. أمرٌ لا يستطيع إنكاره سوى أعمى البصر والبصيرة.
 هذا الوضع الكارثي المتمخض من رحم الربيع العربي ليس بالأمر الجديد علينا, فهو بحسب الكاتب علي أبو طالب: " فرز طبيعي لما يشهده واقعنا العربي والإسلامي من تراجعات حادة على مختلف النواحي الإنسانية والتنموية والحقوقية .. يساهم فيه بشكل واضح تلك الصورة السياسية المحنطة, فضلاً عن الجمود والتكلس اللذين يشهدهما الخطاب الديني بالتحديد .. فلا غِرو إذن إن عاشت شعوب العالم العربي هامش التقدم والحضارة, وهي تفتقر إلى أقل ما تتمتع به الشعوب الأخرى من استحقاقات سياسية أو مدنية .. فما يزال الإنسان العربي بعيداً كل البعد من أن ينخرط في عملية تنافسية ونزيهة ذات طابع ديمقراطي حقيقي للوصول إلى مواقع صنع القرار..!!".
اسباب كثيرة افضت بنا إلى هذا الوضع الكارثي ابشعها تضخم وطغيان عقدة الأنا المثالية(التأمثل وادعاء الطهرانية) في السلوكيات والممارسات, وتزايد الصراع بين ثقافتي الغالب(الغلبة) والمغلوب(المغلوبة), والتي لا تزال تتحكم في مسارنا ومصيرنا, مع فارق نسبي هو أن "الأولى" تأخذها العزة بالإثم ومن منطق نشوة الانتصار تُجِيز لنفسها أن تفعل "ما تشاء وقت ما تشاء" دون أن يردعها قانون أو يُلزمها عهد أو ميثاق؟!, و"الثانية" المغلوبة على أمرها تظل في غيها مكابرة, تلتقط من الماضي ما يدغدغ  مواطن النشوة الوهمية لديها..
الانتشار المخيف للجماعات والتيارات الدينية المتزمتة الخارجة من جحورها بعد سقوط الديناصورات العربية و سعيها إلى نسج علاقاتها مع الآخر المختلف معها في الفكر والمعتقد والرؤية وفق مبدأ امتلاكها للحقيقة المطلقة أو أنها تمثل النموذج  الطهراني الفريد.. نهج كارثي موغل في الظلام ومجافي لكل الحقائق والنواميس الكونية المجمعة على أن: "الدين واحد والشرائع مختلفة, وأن مشكلتنا ليست في الأديان بقدر ما هي في المعارف والأفهام البشرية, وأن الإنسان نفسه يبقى اللاعب الأبرز وراء كل المعطيات الحيوية والقيمة الحقيقية ليس لفهم الوجود فحسب بل باعتباره المسئول الأول عن تشخيص علاقته بنفسه وبالأخر أيضاً..في قُبالة معطيين رئيسيين هما: الدين بمجموعه التاريخي والتراثي والحيوي, والواقع بكل تفاصيله وتساؤلاته المكثفة..".
العجب كل العجب ان تلك الجماعات المتزمتة الخارجة من كهوف الظلام والنسيان التاريخي بعد قرون من تقيدها الصارم بفقه الخنوع والخضوع القائم على قاعدة الولاء المطلق والطاعة العمياء لحكام الجور والظلم ولا تتوان أو تتورع عن مزج ذلك بفتاوى تحريم الخروج مهما كانت فضاعت وفُحش افعال وأعمال الحاكم باعتباره قدر إلهي والاعتراض عليه اعتراض على الارادة الالهية والاعتراض على الارادة الالهية موجب للكفر ومهدر للدم والمال والعرض.. بحيث صار يطلق على هذه الجماعات اسم(مذهب ذيل بغلة السلطان) .. فإذا بها فجأة تعلن رغبتها في المشاركة بالعمل السياسي والحزبي الذي ظل إلى عهد قريب من المحرمات والكبائر الموجبة لسخط الله, على الأقل لدى بعضها, والسؤال هنا: (هل هذا التحول المفاجئ والصادم وغير المفهوم عن اقتناع أم أنه فقط لإقناع أو خداع الساذجين؟!!)..
 خصوصاً وأنه قد تجاوز حدود الرغبة في المشاركة إلى خطف الثورة والدولة كما هو الحال في تونس ومصر وإلى حد ما اليمن وليبيا, بما يحمله هذا الخطف والاستحواذ من مخاطر كارثية قاتلة على الديمقراطية والمدنية المنشودة.. لم تعد مدخلاتها خافية على أحد, وبدعم غربي أميركي غير مسبوق هذه المرة.. مصحوباً بشن حملة إعلامية مكثفة يقودها الإعلام المسبح بحمد الغرب وأميركا لتلميع صورة أحزاب وحركات الإسلام السياسي وتقديمها كحليف بديل عن الأنظمة العربية المتهاوية للغرب وأميركا وتهوين المخاوف منها وبالتالي العمل على تهيئة المناخ الملائم لتصدرها واجهة المسرح السياسي العربي الجديد وإدارة دفته, وهذا لغز أخر من ألغاز الربيع العربي بحاجة إلى قراءة مستفيضة, لأنه ينم عن قصة حب عذري غريبة الأطوار ومغازلة أضداد مفضوحة أشعلتها ايديولوجية "تبدل المصالح والأثمان" القائمة على لهيب المساومة والمقايضة, فالغرب وأميركا بحاجة إلى ضمان مصالحهم ونفوذهم وحركات الإسلام السياسي بحاجة الى الاعتراف بشرعيتها والدعم اللازم لضمان تسيدها وتمددها, أي أنهما أصبحا سمن على عسل أو هكذا اعتقد ساركوزي عام 2011 عندما قال بانتشاء فاضح: "إن الثورات العربية لم ترفع شعارات إسلامية ولم تطلب الموت للغرب, وهي تناضل من أجل سيادة القيم الغربية, فلماذا نتردد في دعمها؟!!".
أما الصورة في سورية فتبدو اكثر فضاعة بعد أن حولت جماعات الإسلام السياسي احلام التغيير الاكثر من مشروعة الى فرامات اغتيال وقتل مدمر للأرض والإنسان والحضارة, فرامات ممهدة بفتاوى شيوخ التابو والذعر المحرم الاكثر فتكاً وفُحشاً واستباحةً وإباحةً لكل المحرمات؟!! وسكوت وصمت طغات العالم ودعم مستميت من حلفائهم الإقليميين, إنها فرامات ملونة بصبغة الدين تبتغي القتل والخراب والدمار لأخر قلاع الصمود والممانعة بذريعة التغيير وهذه أم المصائب.
ربيع متلاشي وحركات متزمتة تخرج وتتمدد بهستيرية باعثة على الغثيان وتدخل خارجي موغل في الفحش.. وأنظمة متوالدة من رحم الأمل المأساة, أنظمة لا جديد فيها, أنظمة لا زالت بفعل طغيان العقل الجمعي الاستحواذي "مجرد ديكور جديد لمعطيات ثابتة وعقائد جامدة" دون أن يكون هناك أي أثر على صعيد الحرية والديمقراطية, التي هي أساس المشكلة وأساس الحل.
والنتيجة الفاقعة لمحصلة الربيع الممنوع من الصرف "سر مكانك" وبلغة الكاتب   والمبدع الطاهر بنجلون(فبراير 2012): " الثورات العربية التي كشفت في بداياتها أن خطاب الإسلامويين لا يتناسب مع تطلعاتها.. صارت تجد نفسها اليوم فريسة بين الحركات الاسلاموية.. مما يدفعنا للقول إنها ليست في مرحلة الديمقراطية.. الالتباس وقع لما اعتقد البعض أن ممارسة حق الانتخاب تكفي لادعاء الديمقراطية .. الانتخابات هي تقنية.. الديمقراطية شيئ آخر, هي ثقافة تتجسد في قيم أهمها: الاعتراف بالفرد والاقرار باختلافه وبحقوقه وبواجباته أيضاً .. ثقافة احترام حرية الآخر ما تزال تبحث عن مكان لها في الدول العربية".



الثلاثاء، 7 مايو 2013

منهج الزيدية في سياسة الرعية

يقول الامام الناصر للحق الحسن بن علي الاطروش(230 – 304 هـ) مخاطباً رعيته: ".., وأنتم أيضاً معاشر الرعية, فليس عليكم دوني حجاب, ولا على بابي بواب, ولا على رأسي خلق من الزبانية, ولا علي أحد من أعوان الظلمة, كبيركم أخي, وشابكم ولدي, لا آنس إلا بأهل العلم منكم, ولا أستريح إلا إلى مفاوضتكم"..الحدائق الوردية, ج2(مخطوط), ص 31.

هذه الصورة الرائعة التي عكست منهج أل بيت المصطفى في تعاملهم مع الناس بما فيها من أخلاقيات رفيعة وإنسانية نادرة كانت السبب في نفور الناس منهم خوفا من الحكام الظلمة المتوجسين خيفة من منازعة ائمة الهدى لهم وزعزعة عروشهم القائمة على الحديد والنار.

وهناك مقولة شهيرة لعامر بن شراحيل بن عبدالله الشعبي الهمداني الحميري الكوفي(19 – 105 هـ) تلخص المعاناة والجور والظلم الذي لحق بالأئمة وشيعتهم ولا يزال لا لجريرة اقترفوها ولا لذنب أتوه سوى مودة من أمر الله بمودتهم القائمة على العدالة الإلهية والشرعة المحمدية, ولذا يقول الشعبي : " إن أحببنا أهل البيت هلكت دنيانا وإن أبغضناهم هلك ديننا"

الاثنين، 6 مايو 2013

الاستعمار والاستدمار


* لماذا مفردة "الاستعمار" أبدلناها بـ"الاستدمار" , ومنذ متى كان الغرباء يُعَمِرون بلداناً أخذوها بالقوة ونهبوا خيراتها وأذلوا شعوبها؟.
* لا منفى منعزل – لعالمنا العربي – بل أتصور خلال الثلاثين أو الأربعين سنة القادمة ستعاد صياغة المنطقة العربية بشكل مختلف لأن تحولات العالم ودخوله مرحلة "حروب المعرفة " وما يطلق عليه مفهوم: "التاريخ ما نصنعه مستقبلاً وليس ما صنعناه في الماضي" يجعل كل التركيز على هذه المنطقة لأنها قلب العالم ولأنها كانت عبر التاريخ مجالاً للصراع ففيها تتركز الأديان وصراعات اللغة والمصالح.. نحن جزء من هذه العولمة لأن ابطالها شخوص وفدوا من جهات الأرض.. فلا منفى منعزل حتى وإن كان دورنا مغيباً وتم اختزالنا:"أمة منتجة للإرهاب والتطرف والديكتاتورية بين الأفراد أنفسهم"
* قرأت للمفكر الفرنسي "دومينيك مويزيه"في كتابه "جيوبوليتيكيا المشاعر" الصادر عام 2007 عما يسمى " الربيع العربي / 2011 " أن العالم يتشكل من ثلاثة مشاعر أو عواطف أو مناطق هي:
1 – مشاعر "الأمل" : وتقودها الصين واليابان وكوريا وهي من يصنع السعادة للإنسانية.
2 – مشاعر "الخوف" :  ويمثلها الغرب بقيادة أميركا وأوربا وتعيش حالة فوبيا دائمة من الدين والإرهاب والخوف من فقدان إمتيازها في قيادة العالم.
3 – مشاعر "الإذلال" : ويمثلها العرب والمسلمون العاجزون عن التخلص من حالة الخوف مما سيكون!! والعاجزون عن بلوغ درجة الأمل!! وهي مشاعر بارزة منذ سقوط غرناطة الأندلس.. وحالة الإحباط هذه هي التي أنتجت فعل العنف والرفض والشك والخوف والانفلات في الذات...
تم الاقتباس (بتصرف) من مقابلة أجرتها الكاتبة غالية خوجة مع الشاعر والروائي والكاتب الجزائري "عزالدين مهيوبي" ونشرتها مجلة دبي الثقافية في العدد (95) أبريل 2013 ص 24 – 27