"
تشرق الشمس، خيطُ شمسٍ يشرقُ على ضفاف النهر المتدفق في بساتين السماوات، وفي خيال
الأطفال الحالمين بين الجدران الشديدة التكييف، لصَدّ جيوش الشمس، (كانت بعض الحضارات
اليمنيّة القديمة تعبد الشمس، ربما كانت رحيمة آنذاك أو خوفاً من تعاظم سطوتها
الساحقة) ...وفي خيال بعض البدائيين، النهر يحتضن الجميع بالحنان المحتشد
والياسمين (...)
وحدهم الديماغوجيون والطائفيون وأصحاب العصبيات الضيقة
الرخيصة، يسممون كل طقس ومناخ، مهما كان رسولياً حنوناً ومفرط في الشفافية. مثلما
عليه مدن عربية سحقتها فظاظة التاريخ، إنهم عاهة الوجود، وبأدواتهم السياسية الثقافية
المنمّقة في غسيل الأدمغة، يبيدون أي احتمال لسلام روحي وإنسانية ممكنة. يحشدون
المعرفة، التي تتطاير.. أشلاء، كلمات جوفاء، لصالح الشر والانحطاط. بقدرتهم
التحويليّة هذه يبرزون أكثر شناعة وفتكاً من القتلة الذين يسطع جهلهم في عز
الظهيرة، أو غلواء الليل حيث تلمعُ السكاكين وهي تجز أعناق الرضّع والأطفال (...)
.. منذ أواخر السبعينيات ،..، لم تكن أطروحة الدين
والطائفة، وحتى العرق والجذر بذلك المعنى الظلامّي الذي انفجر على هذا النحو
الوحشي الهمجي، لم تكن حتى تجري الإشارة إليها، على الأقل في الأوساط التي عرفتها
(...)
لسنا في هذه البرهة من التاريخ العربي على عتبة الجحيم
والكارثة، إننا في القلب والقعر منهما، إن الظلمة لغليظة وكالحة، ولا خيط ضوء يلوح
ولو لفجر إنسانية كاذب، إنها اللحظة المثاليّة التي يخلع فيها الكائن أي وعد أو أمل:
عراة نازفون أمام الله والزمن والتاريخ
أيها الجلّادون والقتلة الطائفيّون
هذه هي جنتكم الموعودة"..
سيف الرحبي – كاتب وأديب عماني ورئيس تحرير مجلة نزوى
العمانية (بتصرف) من مقال له وهو جزء من كتاب قادم بعنوان "غرفة في باريس،
تطل على القطب الجنوبي"، العدد(76)، أكتوبر 2013 ، ص (5 - 19)