مدونة شخصية تهتم بنشر بعضاً من كتابات ودراسات وخواطر وأبحاث واقتباسات الباحث اليمني زيد يحيى حسن المحبشي
Translate
الثلاثاء، 7 فبراير 2023
ببليوجرافيا بالإنتاج الفكري للكاتب زيد المحبشي خلال الفترة "أغسطس 2019 - ديسمبر 2023"
الاثنين، 20 سبتمبر 2021
ثورة 21 سبتمبر المجيدة
زيد المحبشي، 20 سبتمبر 2021
الثورة من المصطلحات التي واكبت ظهور الدولة والحياة السياسية منذ ما قبل التاريخ، ومن حينها تم استخدام هذا المصطلح في سياقات مختلفة لوصف حالة التغييرات الجوهرية التي تطرأ على حياة الشعوب وعلى الحضارة الإنسانية.
كل الثورات السياسية والاجتماعية المشهورة - والكلام هنا للدكتور "إبراهيم أبراش" – "استمدت قوتها وأهميتها من قدرتها على التغيير الواسع في كل بنيات المجتمع، ذلك أنها تُمثل نقطة تحول مفصلية في حياة الشعوب، لذا فمن الطبيعي أن يكون هدفها: تحقيق التحول نحو الأفضل، لأنها تعمل على الإطاحة بكل ما تعتبره الشعوب مسئولاً عن بؤسها وشقائها، وبالنخبة المحيطة به، وبمرتكزات نظامه السياسي، وإقامة نظام بديل، يأخذ بعين الاعتبار المطالب والتطلعات الشعبية"، وهذا ما سعت اليه ثورة 21 سبتمبر، على عكس ثورات اليمن السابقة.
إذن فالثورة فعلٌ جماهيريٌ شامل، غايته تغيير الأوضاع القائمة، تغييراً جذرياً، في مرحلة تعتبرها نهاية المراهنة على التغيير والإصلاح من خلال النظام القائم، بالتوازي مع عجز المعارضة السياسية عن الإمساك بزمام المبادرة، وتهيبها من الإقدام على تحمل مسؤولية التغيير، ما يجعل من الجماهير هي المتصدرة للمعركة.
ويضع علماء الاجتماع ثلاثة شروط لا تقوم ولا تنجح الثورة أو يُكتب لها النجاح والبقاء والاستمرارية بدون توافرها:
1 - أزمة "النظام/ السلطة" أو أزمة "سياسية - اجتماعية – اقتصادية"، مستفحلة وممتنعة على الاستيعاب، وهذا الشرط متوافر على الدوام.
2 – توافر الوعي السياسي بالحاجة إلى التغيير سبيلاً أوحداً لكسر نطاق أزمة السلطة أو أزمة الدولة.
3 – وجود تنظيم أو فعل سياسي ينهض بدور التوعية والتعبئة والقيادة والإنجاز نيابة عن المجتمع كله.
وهذه الشرط الثلاثة هي التعبير المباشر عن نضوج الشرط الذاتي للتغيير، والذي بدوره يجب أن يمر بثلاث مراحل متلازمة ومتأرجحة في نفس الوقت بين الصعود والانحدار والركود:
1 - مرحلة الهدم "الصعود": وفيها يتم إسقاط النظام القائم، وهذه المرحلة تنجح فيها كل الثورات تقريباً، لكن لا يمكن وصفها بالثورة الكاملة بل نصف ثورة ونصف انتصار.
2 - المرحلة الانتقالية "المراوحة والركود": وفيها يظهر كثيرون ممن يريدون سرقة الثورة وحرفها عن أهدافها سواء كانوا أطرفاً داخلية أو خارجية، وقد يكونوا من بقايا النظام السابق أو من أحزاب سياسية تريد ركوب موجة الثورة في آخر لحظة بما يسمى بالثورة المضادة.
3 - مرحلة بناء نظام بديل وأوضاع جديدة "الانحدار": وفيها يتم إقامة نظام بديل، وأوضاع جديدة، تتوافق مع أهداف الثورة والوعود التي قدمها الثوار للشعب، وهي الأكثر صعوبة، وفي كثير من الأحيان تتعثر الثورة في بناء أوضاع جديدة ما يدفعها إلى الانتكاسة، وهذا بطبيعته يتوقف على مدى تمكن الثوار من تجاوز المرحلة الانتقالية، ومدى قدرتهم على المناورة السياسية والتصدي السياسي للثورة المضادة التي قد تنشأ في المرحلة الانتقالية، باعتبارها تمثل نقطة العبور إلى المحطة الثالثة، والنقطة الفصل لمعرفة مدى نجاح الثورة من عدمه في مرحلتها الأولى، ومدى قدرتها على الانتقال السلس الى المرحلة الثالثة.
بالعودة الى ثورة 21 سبتمبر 2014 فكل شروط تنضيجها توافرت، عكس انتفاضة 11 فبراير 2011، سواءً لجهة أزمة النظام المتزايدة في الاستفحال والتعقيد بصورة لافتة للعيان منذ الحرب الأهلية في العام 1994، وما تلاها، من أحداث أدت الى الانفجار الكبير في 21 سبتمبر 2014، أو لجهة توافر الوعي بضرورة التغيير، وإن كانت ضريبته باهظة، لكن من يريد الحرية والحياة والكرامة لا بُد له من تحمل ضريبة ذلك، وعلى العكس تماماً من انتفاضة 11 فبراير فقد حظيت ثورة 21 سبتمبر المجيدة بقيادة ثورية واعية وحازمة لجهة تنضيج الفعل الثور وإيصاله الى بر الأمان، وتجاوز ألغام خفافيش الظلام في مرحلة التحول، وبالتالي تمكنها من تجاوز مراحل الثورة الثلاث، وحمل لواء الدفاع عن الوطن وتحريريه من أذيال الاستعمار في المنطقة، بعد أكثر من تسعة عقود من التبعية والوصاية السعودية على اليمن.
ولعظمة وأهمية ومكانة هذا الحدث التاريخي والمفصلي في حياة اليمنيين، يقول قائد المسيرة والثورة السيد "عبدالملك الحوثي": "ثورة 21 سبتمبر، ثورة نقيّة وخالصة، تحققت بمشاركة شعبية وجماهيرية واسعة من مختلف فئات ومكونات الشعب اليمني.
ثورة 21 سبتمبر هي المحطة التي انطلق من خلالها الشعب للخروج من الماضي المظلم، ولبناء المستقبل على أساس المبادئ والقيم التي ينتمي إليها هذا الشعب.
ثورة 21 سبتمبر كانت نابعة من وعي وإحساس بالمسؤولية، ومن واقع معاناة حقيقية، ولم يكن تحركاً بدفع خارجي، هذا التحرك كان حكيماً ومميزاً بخطواته الفاعلة والقوية، ويعبر عن هوية الشعب اليمني، شعب الإيمان والحكمة".
الحيثيات والأسباب:
ثورة 21 سبتمبر 2014 لم تكن وليدة لحظتها السياسية، بل هي نتيجة صراع طويل ممتد إلى زمن الصرخة الأولى التي أطلقها الشهيد المؤسس السيد "حسين الحوثي" من مران: "إن مشاريع الهيمنة على اليمن ليس لها إلا الموت".
تاريخياً، لا يمكن فصلها عن السياق السياسي الذي عاشته اليمن في مرحلة ما بعد ثورة 26 سبتمبر 1962، وما صاحبها من إقصاء وتهميش لشريحة كبيرة من الشعب اليمني، وحرمان مناطق معينة باسم الثورة، وبعد قيام الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990، استمر النظام في ممارسة هواية استعداء المكونات الرافضة التسبيح بحمده بذرائع واهية، كانت نتيجتها شن ست حروب ظالمة على صعدة "2004 – 2010".
وفي العام 2011 انخرط "أنصار الله" في صفوف ثورة 11 فبراير على أمل إيجاد دولة حرة، عادلة، مستقلة، قابلة للحياة في اليمن، لكن أعداء الحياة في الإقليم وعبيدهم داخل اليمن حالوا دون ذلك، ما أدى الى فشل الفعل الثوري، وإعادة تخليق النظام السابق من جديد، وبتبعية أكثر انبطاحاً وإباحة لليمن.
إذن فثورة 21 سبتمبر المجيدة نتيجة طبيعية لكل هذه السياقات، ونتيجة طبيعية لإقصاء وتهميش نظام ثورة 11 فبراير لشريحة واسعة من المجتمع اليمني، ونتيجة طبيعية لسلسلة من المظالم تعامل معها نظام "صالح" بروح التعالي، وصمت عنها الفاعلين السياسيين من أحزاب وشخصيات اجتماعية مؤثرة بل وحاول البعض تجيير موقف النظام السابق من قضية ومظلمة صعدة لصالحه مدفوعاً بالعصبية المذهبية ومصالح دول الجوار، والأهم من هذا أنها ثمرة من ثمار خطاب "أنصار الله"، الذي دعا منذ لحظاته الأولى إلى الانتفاض ضد الهيمنة وإسقاطها لاستعادة الكرامة اليمنية.
الكاتب اليمني "أنس القاضي" في قراءته لبواعث الثورة الشعبية في 21 سبتمبر، خَلُص الى أن "القهر الاجتماعي المتراكم منذ عقود الاستغلال والحرمان والفساد وسياسات السلطة المرتهنة للوصاية الأجنبية التي انعكست إفقاراً وديوناً وديكتاتورية" كان له دور كبير في انفجار الفعل الثوري.
الأهداف:
يؤكد رئيس حكومة الإنقاذ الوطني الدكتور "عبدالعزيز بن حبتور" بأن ثورة ٢١ سبتمبر جاءت لتطور مسارات ثورة الـ٢٦ من سبتمبر والـ١٤ من أكتوبر، وتحملت مسؤولية كبيرة تجاه الوطن وأبنائه.
وهي نفس رؤية عضو المجلس السياسي الأعلى "سلطان السامعي": "ثورة 21 سبتمبر الخالدة جاءت لتصحيح مسار ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر .. إنها ثورة مستقلة لم تأت من الخارج بل جاءت لسحب البساط من الأنظمة التي مارست الوصاية والهيمنة على اليمن منذ سبعينيات القرن الماضي.
بعد 7 سنوات من العدوان أصبح اليمن أكثر قوة وتماسكاً سياسياً وعسكرياً رغم كل الضغوط والحروب التي مورست على اليمن من مختلف النواحي".
ومن أهم أهدافها:
1 – تصحيح مسار الثورات اليمنية السابقة 26 سبتمبر 1962، و14 أكتوبر 1963، و11 فبراير 2011، واستكمال تنفيذ أهدافها، ومعالجة الاختلالات التي صاحبت الوحدة اليمنية 22 مايو 1990، وتداعيات الحرب الأهلية 1994.
2 – القضاء على الفساد والاستبداد والظلم والمحسوبية والإقصاء والتهميش والاستئثار بالثروة.
3 – بناء دولة يمنية قوية وعادلة وحرة، وتكريس مفهوم الشراكة الحقيقية في الحكم.
4 – الحفاظ على سيادة اليمن والدفاع عنه، وحماية أراضيه، وصون مقدراته وثرواته من السلب والنهب، وإفشال مؤامرات تقسيمه وتمزيقه، وتشتيت أبنائه.
5 - التحرر من الهيمنة والتبعية والوصاية الخارجية.
6 - استعادة الهوية اليمنية.
المزايا والخصائص:
أكد رئيس المجلس السياسي الأعلى فخامة الأستاذ "مهدي المشاط" في أحد خطاباته على تفرُّد ثورة 21 سبتمبر المجيدة بمصفوفة واسعة من المزايا والخصائص، منها:
1 – انطلاقها من رحم الشعب، وانبثاقها من صميم آلامه وأماله وتطلعاته، فجاءت مبصرة وواعية ومُشبّعة بخصائص اليمن الأرض والإنسان، واليمن الكبرياء والتاريخ.
2 - وطنية الوجه واليد، ووطنية القيادة والقرار، فلم يخالطها أو يشاركها في قرارها أحد من خارج اليمن، ولم تمد يدها لغير أهلها أو تتوسل أحداً غير الله، أو تطلب النجدة من غير بلدها وشعبها، وهذه ميزة لم تتوفر لأي ثورة يمنية أو عربية من قبل، وهذه الميزة نفسها هي سر عظمتها ومصدر قوتها وديمومتها، وأساس صمودها وانتصاراتها رغم قسوة التحديات، وشراسة المخاطر.
3 - عملية وواقعية، فلم تحبس أو تحنط نفسها في قوالب التنظير والنظريات الجامدة، وإنما اقتحمت الواقع وحشدت الطاقات وأثارت من حولها كل الهمم، فكانت لهذا السبب ثورة متحركة ومستمرة ومتطورة، وما تزال كل يوم تبني نفسها وتطور أهدافها وسياساتها.
4 - سَمْتِها الأخلاقية ونزعتها التربوية، وميلها إلى الصفح والعفو، وحرصها الدائم على السلام، وتفردت بالجمع بين كل هذه المزايا، وبين خصائص القوة، وصلابة الإرادة، والحفاظ على المبادئ، والثقة والثبات والاعتماد على الذات، والاستعداد العالي للتضحية والمواجهة والصمود في أي وقت وتحت أي ظرف.
5 - ثقافتها المرتكزة في جوهرها على مناهضة الظلم والفساد والإرهاب والاستبداد وإرساء قيم التسامح والتعايش والتعاون والتكامل، والانحياز المطلق للشعب والأرض، ورفض التبعية والارتهان وكل أشكال الوصاية والهيمنة الخارجية، والنضال المستمر من أجل الحرية والاستقلال والسيادة والأمن والاستقرار ووحدة وسلامة الأرض والمياه اليمنية والقرار اليمني.
6 - إرسائها قيم العمل المشترك لبناء يمن جديد يشترك في بنائه وينعم بخيراته كل أبنائه.
محافظ عدن في حكومة صنعاء "طارق مصطفى سلام"، هو الأخر يرى بأن اليمنيين "جسدوا في هذه الثورة المباركة عبق الأصالة والنضال والتحرر، ونبذ أشكال التفرقة والارتهان، فيجدون أن الروح المتطلّعة إلى الحرية والكرامة رسمت بدمائها خُطوطاً واضحة المعالم، ومبادئ ثابتة، ترسّخت على أساس قوي لا يقبل بأيّ شكل من أشكال الوصاية والارتهان للخارج، وكان مسيرها على خطى آل البيت العظماء، الّذين يستلهم منهم اليمنيون الدروس والعبر للمضي نحو مستقبل واعد بالنصر والاستقلال".
ويضيف الكاتب "يحيى السني" أن: "ثورة 21 سبتمبر جاءت بوعي جديد، واستعادت اليمن، وقدمت حلولاً للتصحيح والتغيير عما كان سائداً، وأدرك معظم اليمنيين أن لصوتهم قيمة كبيرة".
ويكفي ثورة 21 سبتمبر المجيدة شرفاً عدم ارتمائها في احضان الخارج، وعدم إباحتها البلاد للغزاة والمحتلين، كما فعل نظام 11 فبراير، وبالتالي تحمل نظام ثورة 21 سبتمبر مسؤولية مواجهة الاحتلال السعودي الاماراتي وتبعاته، وهذا وسام وشرف وطني وقومي وعروبي لا يمكن تجاهله أو تجاوزه وطنياً وقومياً وتاريخياً، ولا وجه للمقارنة بين من يرتمي في أحضان الغزاة والمحتلين ومن يدافع عن وطنه وعرضه وشرفه.
المنجزات:
يقول السيد "عبدالملك الحوثي" إن: "من أول وأهم وأكبر إنجازات الثورة تحرر الشعب اليمني من الوصاية الخارجية واستعادة حقه في الاستقلال والسيادة والحرية".
ومثّلت الثورة بحسب فخامة الرئيس "مهدي المشاط": "الخيار الذي يليق باليمن الكبير، وإن كان الثمن باهظاً، لكنها خيار الضرورة، والتصحيح الشُجاع ضمن إرادة شعب قرر أن يتحرر من كل صيغ الضعف والارتهان، ويخلع عن كاهله وطأة الهيمنة الخارجية".
ومن أبرز منجزاتها:
1 - انشاء مؤسسة الحبوب اليمنية، والبدء في عمل خطة تنفيذية مُزمّنة لإيصال اليمن إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي.
2 - إسقاط منظومة الفساد ومراكز القوى المتنفذة والعميلة للغرب.
3 - تصحيح المنظومة السياسية في اليمن، وفقاً لفرشات عمل الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة.
4 - نقل اليمن من موقع الاستباحة واستلاب القرار، إلى موقع التأثير في مجريات الأحداث في المنطقة والعالم.
5 - إفشال مشروع تقسيم اليمن إلى أقاليم متناحرة.
6 - إسقاط الوصاية الدولية على اليمن، والتي جاءت محمولةً على قرارات مجلس الأمن وما يسمى بـ"الفصل السابع" الذي كان الغرضُ منه حمايةُ نظام المبادرة الخليجية ومعاقبة أية قوة سياسية تقوض هذا النظام الذي يريدُ الخارجُ من خلاله وعبره تمزيق اليمن وتجزئته ونشر الفوضى والحروب فيه.
7 – الحفاظ على ما تبقَ من مؤسسات الدولة، ومنع انهيارها وشللها، وفرضها الأمن والاستقرار في مناطق نفوذها، وهي أمور تكاد تكون شبه معدومة في المناطق الواقعة تحت الاحتلال.
كما نجحت في كسر وتغيير العديد من المفاهيم التي كانت سائدة عبر التاريخ، وخلقت مفاهيم أخرى سوف تُحفر في صفحات التاريخ، من ذلك بحسب موقع "المرصاد نت" في تقرير له بعنوان "ماذا حققت ثورة اليمنيين في 21 سبتمبر عام 2014 في تاريخ الشعوب؟" نشره في 21 سبتمبر 2017:
1- كسر مفهوم البلد الضعيف المرتهن للدول القوية، وخلق مفهوم البلد الصامد الثابت الواثق المنتصر، غير المرتبط إلا بقوة وبعنفوان شعبه.
2 - كسر مفهوم الهيمنة الخارجية المفروضة على الدول الفقيرة، وخلق مفهوم "السيادة تُفرض فرضاً"، و"الكرامة تُنتزع انتزاعاً"، و"الحرية تُسحب سحباً من أعناق المتسلط الظالم".
3 - كسر مفهوم: "الجيش الضعيف غير المجهز بقدرات وبأسلحة متطورة سوف يخسر الحرب، وكل جيش لديه امكانيات وقدرات عسكرية ومالية ضخمة سوف يربح الحرب"، وخلق مفهوم: "أن الحرب يربحها فقط من يثبت بإيمانه بالله وبولائه لوطنه ولشعبه وبالتزامه بمبادئ الحق والقانون والكرامة والحرية والعنفوان".
4 - كسر مفهوم: "الجيش المتواضع المرتبطة قوته بما تقدمه له جيوش متطورة سيبقى مرتهناً لها ولقرارات حكوماتها"، وخلق مفهوم: "كل جيش مؤمن بعقيدته وبوطنه يستطيع أن يصنّع اسلحة متطورة وقدرات صاروخية لافتة من إمكانيات متواضعة، وكل جيش بصبره وبالتزامه لديه القدرة أن يصنع ويطور أسلحة وقدرات عسكرية تفوق وتضاهي بفعاليتها في الميدان، قدرات الجيوش الغنية صاحبة الإمكانيات الكبيرة".
السبت، 18 سبتمبر 2021
هل ستنجح حكومة ميقاتي في معالجة أوجاع لبنان؟
زيد يحيى المحبشي، 18 سبتمبر 2021
لبنان الصغير بتركته الكبيرة لم يكن في تاريخه قادراً على حسم موقعه ودوره، ولم تكن أي مفردة من مفرداته السياسية حاسمة لجهة نقله من مكان لأخر بشكل حاسم ونهائي، ولعل هذا سر استمراره وبقائه كما هو، لكن هذا الاستمرار لا يُشكّل ظاهرة الدولة القابلة للحياة بشكل طبيعي لسببِ بسيط هو انعدام التوازن السياسي، الذي كان للتدخل الخارجي دوراً رئيسياً فيه، كما في ربط تطوره السياسي بالتطورات الإقليمية، فكانت نتيجة ذلك انعدام وجود أي تنمية اقتصادية حقيقية تُشكّل رافعة أساسية لتنمية سياسية فعَّالة، بل وُجدت تنمية سياسية مفاعيلها الرئيسية في ساحة الصراع الإقليمي، وبالتالي بروز ما يسمى بمذهبية الرهان على الدور الخارجي باعتباره شرطاً ضرورياً للتنمية والازدهار الداخلي.
تاريخياً، استخدم فرقاء الداخل شعارات لكسب المعارك السياسية بالنقاط لا بالضربة القاضية، وكان من نتائج هذا التعادل السلبي بروز ما يسمى بالأزمة اللبنانية بصورة لم تعد معها مجرد أزمة طائفية تظهر متواترة من خلال أداء أجهزة الدولة، وإنما أزمة هيكلية تجد مفاعيلها المؤسسية ضمن أجهزة الدولة نفسها، ولم يكن تفاقم الأزمة الاقتصادية، وتردي الأحوال المعيشية، واتساع رقعة الفقر وانفجار الشارع ضد حُكامه وساسته سوى نتاج طبيعي لهذا التعادل السلبي.
وظلت محركات الحياة السياسية اللبنانية المعاصرة قائمة على توازنات داخلية وخارجية تحت مظلة القاعدة الشهيرة "لا غالب ولا مغلوب"، وكانت معها لبنان بلد التسويات بامتياز لكافة الأزمات العاصفة بها مهما كبُرت، والمنتهية في كافة مراحلها بإشارات وتقاطعات غير لبنانية للأسف الشديد، نظراً لقوة التجاوزات والتدخلات الخارجية المتوالدة، وسط منطقة مواجهات استراتيجية إقليمية ودولية، مترافقاً مع وجود سلطة لبنانية ضعيفة وهشة، وديمقراطية طوائفية ملغومة، وتشرذم اجتماعي، وتقوقع طائفي، ساعد بصورة أو بأخرى الدول الكبرى في تحويل هذا البلد العربي إلى منطقة حروب بالوكالة، وقذفه في عين الإعصار الإقليمي والدولي.
اليوم ومع نجاح "ميقاتي"، في تشكيل الحكومة بعد توافقات وتسهيلات خارجية كالعادة، في فترة حساسة يشهد فيها لبنان استعصاء وانهيار اقتصادي ومعيشي وسياسي وأمني هو الأسوأ في العالم منذ العام 1850 بحسب البنك الدولي، يتساءل الجميع عن مدى قدرته على الوفاء بتعهده الذي أعلنه عقب تشكيل حكومته بإخراج لبنان من أزماته؟
والتحدي الرئيسي الذي ينتظر "ميقاتي"، هو طرح حلول مبتكرة وغير تقليدية للخروج بلبنان من سلسلة الأزمات المزمنة التي يعاني منها.
ويُعرف "ميقاتي" في الأوساط اللبنانية بـ "رجل المهمات الصعبة"، وهو براغماتي وسطي، يُجيد طبخ وحياكة التسويات، وأحد أثرياء العالم ينحدر من مدينة طرابلس إحدى أكثر مدن لبنان ودول شرق البحر الأبيض المتوسط فقراً.
مواقفه قريبة من مواقف حزب الله فيما يتعلق بالمقاومة وعدم التفريط بها، وله علاقات طيبة مع سورية، ومن المتوقع استئناف حكومته العلاقة مع دمشق على الأقل على المستوى التقني، من أجل تسهيل الحصول على الطاقة.
وهذه هي ثالث حكومة ينجح في تشكيلها، في لحظات مفصلية من تاريخ لبنان، متجاوزاً ألغاماً كبيرة، معززاً برغبة دولية واقليمية لفرملة الانهيار في لبنان.
تشكلت حكومته الأولى في 19 أبريل – 19 يوليو 2005، بعد شهرين من اغتيال رئيس الوزراء الأسبق "رفيق الحريري"، واُسندت لها مهمة إدارة العملية الانتخابية، والثانية في 13 يونيو 2011 – 15 فبراير 2014، وكانت أمام استحقاقات مخاضات الربيع العربي.
حكومة "ميقاتي" الثالثة:
تحتل حكومة "ميقاتي" الثالثة الترتيب الـ 77 بين الحكومة اللبنانية المتشكلة بعد الاستقلال، والحكومة الرابعة المتشكلة في عهد رئيس الجمهورية الحالي "ميشال عون".
صدر مرسوم تشكيلها في 10 سبتمبر 2021، وتم تشكيلها بعد 13 شهراً من التناحر والشلل السياسي والتجاذبات السياسية، وشهر ونصف من تكليفه بتشكيلها 26 يوليو 2021، وحصلت على 72 صوت من 118 في المجلس النيابي.
تضم 24 وزيراً، بينهم سيدة، موزعين على 3 تحالفات، بواقع 8 حقائب لكل تحالف، وكل تحالف ضم في صفوفه من كل ألوان الطيف الديني والمذهبي، وهذه ميزة فريدة في روح التسامح والتعايش.
التوليفة الحكومية كسرت حاجز الطائفية، وتجاوزت خندق تمترسات المحادل المتبلورة بعد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق "رفيق الحريري" 15 فبراير 2005، وما رافقه من ألغام، تحوّل معها لبنان الى ساحة مفتوحة للصراعات الإقليمية، وحلبة لتصفية الحسابات الدولية.
1 - تحالف رئيس الجمهورية:
6 بترشيح مباشر من "عون"، و2 بترشيح من حلفائه بموافقته، وتم التغلب على إصراره على حيازة كل الوزارات السيادية، والمفيدة للإعداد للانتخابات البرلمانية القادمة.
التيار الوطني الحر برئاسة الوزير السابق "جبران باسيل" وهو محسوب على "عون":
الخارجية والمغتربين، الدفاع الوطني، العدل، الشئون الاجتماعية، الطاقة والمياه، السياحة.
حلفائه:
حزب الطاشناق الأرمني: الصناعة.
الحزب الديمقراطي اللبناني الدرزي برئاسة النائب "طلال أرسلان": شؤون المهجرين.
2 - تحالف رئيس الحكومة:
تيار العزم برئاسة "ميقاتي": رئيس الحكومة، الداخلية والبلديات، الصحة العامة، الاقتصاد والتجارة، الشباب والرياضة – توافقية بين "ميقاتي" و"عون"، البيئة، التنمية الإدارية – توافقية بين "ميقاتي" و"عون".
الحزب التقدمي الاشتراكي الدرزي برئاسة "وليد جنبلاط": التربية والتعليم العالي.
3 – تحالف حزب الله - أمل:
أمل: المالية، الزراعة، الثقافة
حزب الله: الأشغال، العمل
تيار المردة المسيحي برئاسة "سليمان فرنجية": الإعلام، الاتصالات.
الحزب السوري القومي الاجتماعي، وهو محسوب أيضاً على التيار الوطني الحر: نائب رئيس الحكومة
ورفضت بعض القوى المشاركة فيها كما هو حال حزب الكتائب برئاسة "سامي الجميل"، وحزب القوات برئاسة "سمير جعجع".
من مزايا هذه الحكومة عدم حصول أي طرف سياسي على الثلث "المعطل/ الضامن" كما كان سائداً في الحكومات التي تلت اغتيال رفيق الحريري 15 فبراير 2005، ما يجعلها أكثر تجانساً وانسجاماً، ما يعني عدم وجود رابح أو خاسر بين أطرافها، وهذا سيساعد "ميقاتي" في تجاوز مرحلة الانقسام السياسي الداخلي، وتسهيل مهمة التفاوض مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وتسريع وتير جلب المساعدات الأممية، ولهذا حرص على ضم حقيبة "الاقتصاد" الى تحالفه، من أجل الإمساك بملف التفاوض مع صندوق النقد الدولي.
ونجح بتطعيم حكومته بوجوه جديدة بموافقة الكتل السياسية، من أجل المزج بين هدفين متضادين، هما حكومة "تكنوقراط" وحكومة "سياسيين"، ومن بينهما تشكل فريق متجانس في حكومة "خبراء" كانت أحد شروط المانحين الدوليين، وأحد مطالب الشارع اللبناني.
ومع ذلك فهي أمام لحظة فارقة، تتطلب اتخاذ قرارات اقتصادية قاسية، وعقد اتفاقات مالية دولية لا يمكن إتمامها دون غطاء سياسي من الكتل البرلمانية كي يسهل تمرير هذه الاتفاقات في البرلمان، كما تم تسهيل تمرير الوزراء الجدد.
المهام والتوقعات:
ينتظر حكومة "ميقاتي" استحقاقين أساسيين، وما عداهما تفرعات.
أ – تسريع وتيرة التفاوض مع صندوق النقد الدولي بشأن حزمة إنقاذ، والحصول على التمويل اللازم لتوفير الاحتياجات الأساسية كالوقود والغذاء والدواء والكهرباء والمياه، ووقف الانهيار المالي الحاد والمتسارع، والعمل على الحيلولة دون الانفجار الاجتماعي الذي كاد يكون محتوماً بسبب شح الدولار.
ويشهد لبنان اهتزازات عنيفة على خليفة الاحتجاجات المطالبة بإصلاحات شاملة بالتوازي مع تداعيات تفجير مرفأ بيروت، وارتفاع معدلات البطالة والتضخم، في بلدٍ يعيش ثلاثة أرباع سكانه دون حد الفقر، وتتحدث أرقام الأمم المتحدة عن 78 % من الشعب اللبناني يرزحون تحت خط الفقر في ظلّ تضخم جامح وعمليات تسريح من الوظائف، ونقص حاد في إمدادات الكهرباء والأدوية والوقود.
وأكد "ميقاتي" أنه سيباشر فوراً الاتصالات الدولية من أجل التوصل الى اتفاق مُرضٍ مع صندوق النقد الدولي.
ب - إنجاز الانتخابات البرلمانية المتوقع إجرائها في مايو 2022، والتي يترتب عليها انتخاب البرلمان الجديد، رئيس جديد للجمهورية، حيث تنتهي ولاية الرئيس الحالي، "ميشال عون"، في نهاية أكتوبر 2022.
ومن المتوقع عدم تجاوز عمر حكومة "ميقاتي" التسعة أشهر، لانتفاء بقائها بعد الانتخابات البرلمانية.
في التفاصيل، تحدثت عدة وسائل إعلامية نقلاً عن مقربين من "ميقاتي"، أن الحكومة ستعمل على:
1 - ضبط سعر صرف الليرة ضمن سقف يتراوح بين 10 و13 ألف ليرة لبنانية مقابل الدولار الأميركي، وهو سقف قابل للانخفاض إلى حدود 8 آلاف ليرة فور إنجاز برنامج التفاوض مع صندوق النقد، وكانت العملة اللبنانية قد فقدت خلال الأشهر الأخيرة 90 % من قيمتها.
وهناك حديث عن وجود تعليمات أميركية للمعنيين في صندوق النقد بتسريع المفاوضات مع الحكومة اللبنانية ضمن سقف لا يتعدى نهاية العام الحالي.
كما أعلنت وزارة المالية اللبنانية أن صندوق النقد الدولي سيُسلم لبنان مبلغ مليار و135 مليون دولار أميركي.
ومن المتوقع إشراف حكومة "ميقاتي" على تدقيق مالي شامل للبنك المركزي، لأن تأمين دعم صندوق النقد الدولي سيتطلب إصلاحات فشلت الحكومات السابقة في تنفيذها.
2- وضع آلية لتوزيع البطاقة التمويلية الممولة من البنك الدولي للعائلات الأكثر فقراً.
ومن المتوقع الإسراع في إصدار وتوزيع البطاقات التمويلية بالتزامن مع رفع الدعم المرتقب عن عدد كبير من السلع الأساسية، مقابل حصر الحصول عليها بالسعر المدعوم لحاملي هذه البطاقة.
3 - إنجاز خطة مع شركات أميركية وأوربية لتطوير معامل الكهرباء.
4 – ربط قطاع الاتصالات ببرامج الخصخصة، وفق شروط صندوق النقد الدولي.
5 - مواجهة كورونا.
6 - معالجة الانعكاسات المرتبطة بانفجار مرفأ بيروت.
الوضع في لبنان بالمختصر المفيد "كارثي"، وتشكيل الحكومة لن يؤدي بشكل مباشر إلى تحسين الظروف المعيشية، بل سيُسرع من عملية رفع الدعم دون استكمال إجراءات الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر عُرضة للتضرر من رفع الدعم، ولذا سيكون "ميقاتي" مُجبراً لاتخاذ خطوات تقشفية بمجرد مباشرة حكومته عملها.
المراجع:
1 - جنى الدهيبي، تشكيل حكومة ميقاتي .. كيف نجحت مفاوضات الساعات الأخيرة في "تعويم" الطبقة السياسية؟، الجزيرة نت، 10 سبتمبر 2021
2 - رابحة سيف علام، حكومة ميقاتي: الممكن في زمن الأزمات، مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 11 سبتمبر 2021
3 - زيد يحيى المحبشي، لبنان ما بعد الانتخابات رهانات مفتوحة، مركز البحوث والمعلومات، 15 يونيو 2009
وكذا: لبنان 2008 لحظات بألوان رمادية، مركز البحوث والمعلومات، 2 يناير 2008
4 - شفيق شقير، الحكومة اللبنانية الجديدة: هل توقف الانهيار؟، مركز الجزيرة للدراسات، 11 سبتمبر 2021
5 - صحيفة النهار اللبنانية، تشكيلة حكومة الرئيس ميقاتي، 10 سبتمبر 2021
6 - موقع بي بي سي البريطاني، تشكيل حكومة جديدة في لبنان برئاسة نجيب ميقاتي بعد عام من التناحر السياسي، 10 سبتمبر 2021
7 - موقع عربي بوست، هل يستطيع ميقاتي انتشال لبنان من أزمته أم يرسخ مساوئ النظام السياسي؟، 13 سبتمبر 2021
الثلاثاء، 22 يونيو 2021
خازن أسرار الكيان العبري "آفي هار إيفين"
زيد المحبشي، 22 يونيو 2021
مدينة "عكا" المحتلة، كغيرها من المناطق الفلسطينية الواقعة ضمن ما يسمى بأراضي 1948، لم تكن بعيدة عن مجريات معركة "سيف القدس"، 10 – 20 مايو 2021، وما صاحبها من احتجاجات عارمة في أوساط فلسطينيي الداخل، لمساندة ودعم سكان حي "الشيخ جراح" المُهدد بالتهجير القسري، واحتجاجاً على الاعتداءات الصهيونية ضد المصلين في المسجد الأقصى ومحاولات اقتحامه، والعدوان على غزة، فنظم أحرارها سلسلة من الاحتجاجات الغاضبة ضد الكيان الغاصب، ولعدة أسابيع، كانت فيها مدينتي "اللد" و"عكا" من أكثر المدن الفلسطينية المختلطة تضرراً من الاضطرابات العنيفة بين العرب واليهود، وفي أكثر من مرة أجبر أحرار "عكا" قُطعان المستوطنين على الهروب من أجزاء واسعة من المدينة.
بعد يوم واحد فقط من بدء معركة "سيف القدس"، وبالأصح ملحمة "سيف القدس"، شهدت مدينة "عكا" في 11 مايو 2021 احتجاجات ومواجهات عنيفة بين العكاويون المنتفضون وقوات الاحتلال وقُطعان المستوطنين، أحرقوا فيها بؤرة استيطانية، ومع مرور الأيام كشف الصحافي العبري "يائير كراوس" عن إصابة مصمم القبة الحديدية وعالم الصواريخ الحربية والفضائية الإسرائيلية "آفي هار إيفين" بجروح شديدة واختناق بسبب "قنبلة حارقة" ألقاها شباب "عكا" الثائرون على فندق "الأفندي" الذي كان يقيم فيه، وتم نقله الى مركز "رمبام" الطبي في "حيفا"، وبقي في غيبوبة لأكثر من 27 يوماً، ليلقى حتفه في 6 يونيو 2021، ويمثل مقتله أهم انتصار يسجله أبناء "عكا" خلال المواجهات الأخيرة مع الكيان الغاصب.
زجاجة "مولوتوف" حارقة، تقضي على أهم وأخطر وأكثر شخصية عسكرية وعلمية متطرفة في الكيان الصهيوني، بعد 50 عاماً من تفننه في رسم وابتكار الوسائل القتالية والاستخباراتية والتقنيات والمنظومات الأمنية والدفاعية، وصناعة وتطوير مختلف أنواع الأسلحة الفتاكة والصواريخ المحرمة التي قتلت عشرات الآلاف، وشردت أكثر من 6 ملايين فلسطيني، وأحرقت الحرث والنسل في هذا البلد المنكوب، ودمرت حياة أبنائه، دون أن تقتل الأرض، والقدس الشريف، والقضية الفلسطينية، وهوية عرب 48، وروح الثورة المُتقدة في قلوب الفلسطينيين بمختلف مسمياتهم ومكوناتهم.
إنها واحدة من أهم عجائب محور المقاومة، والذي كان على الدوام محل سخرية واستهزاء "آفي هار إيفين"، وعادةً ما كان يُذَكِّر زملائه من الجنود الصهاينة بملحمة النبي داود ضد جالوت، فكانت نهايته نهاية جالوت، إنها عدالة السماء.
ليس مهماً ما إذا كان لدى شباب "عكا" عِلمٌ مُسبق بتواجده في الفندق أثناء إلقاء الزجاجة أم أنها مصادفة، فمقتله بتلك الطريقة أثار رعب الصهاينة، وأطّر لمرحلة جديدة من المواجهة بين محور المقاومة وهذا الكيان المتغطرس، لخصها سيد المقاومة "حسن نصر الله" بكلمة واحدة: "فليقلقوا".
والسؤال هنا: إذا كان السفاح "آفي هار إيفين"، بهذه الأهمية، لماذا لم يعمل جهاز "الشاباك" المسؤول عن حماية الشخصيات العبرية الهامة داخل الكيان الغاصب على توفير الحماية له، ووضعه في مكان أكثر أمناً من المدن المحتلة المختلطة التي تتعرض للاضطرابات المستمرة؟.
لا جواب على ذلك، سوى الخوف والقلق على حياته ومكان وجوده، وهذا في منظور الكاتب الأردني "مهدي مبارك عبدالله" الترجمة العملية للاستراتيجية التي بناها محور المقاومة، "فليقلقوا"، وهي المعادلة التي أوجدتها المقاومة رداً على اغتيال قادتها في فلسطين ودول عربية وإسلامية أخرى، والتي تحولت بتوالي المواجهات إلى حرب نفسية في كل الكيان الصهيوني، والتي لم يُجدي معها التحذير والإجراءات الاحترازية، نظراً لرد المقاومة المدمر في كل مرة، وفي وضع لا يملك فيه الكيان العبري أي قوة للرد أو الردع، بعدما ساد مفهوم "توازن القوى والرعب".
وهو يرى أن هلاك "آفي هار إيفين" أبو الصناعات الفضائية والصاروخية الإسرائيلية، وأهم مُطَوِري منظومات الدفاع والصواريخ الإسرائيلية، بزجاجة "المولوتوف" الحارقة، انتقامٌ ربانيٌ عاجل، يسَّره الله بقدرته للرد على اغتيال الكيان الصهيوني الشهيد المهندس الدكتور "جمال الزبدة"، وعدد من أبرز قادة كتائب القسام في أحد الأنفاق خلال العدوان الأخير على غزة، ووصفه الإعلام العبري بـ "الصيد الثمين"، حيث كان يمثل قوة رئيسية في منظومة سلاح حماس والمسؤول عن إنتاج وتطوير الصواريخ، ولذا فهذا العالم والجنرال الصهيوني "إيفين"، أيضاً "صيدٌ ثمين" ساقه الله للفلسطينيين.
أهمية الرجل السري:
"آفي هار إيفين"، وصفته صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، بعد مقتله، بـ "الرجل السري" و"الرجل الغامض": كان شخصاً يعرف كل الأسرار في إسرائيل، وكان أيضاً الرئيس التنفيذي لشركة رافائيل للصناعات الحربية، ..، حصل على جائزة الأمن الإسرائيلي بعد أكثر من 50 عاماً، من عمله على تطوير مشاريع، لا يزال من غير الممكن سرد تفاصيلها، والتي فاز لأجلها بهذه الجوائز، ..، فالكثير من خدماته وأعماله، لا تزال سرية، ولا يمكن نشرها.
ويضيف ابنه اللواء احتياط "يوآف هار إيفين": لن تكون مساهمة والدي الكاملة في الأمن القومي معروفة لسنوات عديدة قادمة.
بمقتله خسر الكيان الصهيوني عنصراً عسكرياً هاماً، بشهادة وزير الحرب الإسرائيلي "بيني غانتس": سمعت بأسف كبير خبر وفاة "آفي هار إيفين" بطل إسرائيل الحائز على جائزة أمن إسرائيل، ومدير وكالة الفضاء السابق، والذي ساهم كثيراً في تحقيق أمن إسرائيل بطرق بعضها لا يمكن الحديث عنها، لأهميتها وسريتها – والأصح لخطورتها - وعندما تمنح الجوائز للفائزين هذا العام سنذكر مساهماته التي لا تُقدّر بثمن، ..، إن رحيله شكل خسارةً كبيرة لإسرائيل.
رئيس وكالة الفضاء الإسرائيلية البروفيسور "إيتسيك بن إسرائيل" هو الأخر يؤكد بأن: "هار إيفين" من أوائل رواد ومدراء وكالة الفضاء الإسرائيلية، في تقديم خدمات قيِّمة، ووضع الأسس لبناء القدرات الفضائية الإسرائيلية الحالية، ..، مساهمته لا تُقدر بثمن.
شغل خلال مسيرته العسكرية الطويلة، مناصب علمية وعسكرية رفيعة داخل الكيان، يشغلها الآن جنرالات كبار في الجيش الصهيوني بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ونجح في إدخال أسلحة متطورة إلى ترسانة الجيش، وتولى خلالها رئاسة مجموعة مُنحت جائزة إسرائيل للأمن، وتم الكشف عنه للجمهور فقط بعد تسريحه من الخدمة وفقاً لموقع "تايمز أوف إسرائيل".
وهو مصمم القبة الحديدية وأبوها الروحي، وأحد أهم علماء ومصممي ومطوري منظومات الدفاع والصواريخ في الصناعات "الجو – فضائية" للكيان العبري، ورمز الأمن والصواريخ في هذا الكيان المهترئ، والشخصية الصهيونية الأكثر غموضاً وخطورة، وربما نحتاج سنوات لفك طلاسم صندوقه الأسود.
منحه الكيان جائزة الدفاع، المخصّصة لتكريم أصحاب الدور الكبير في تعزيز أمن إسرائيل ومنظوماتها الدفاعية، مكافأة لأكثر من 50 سنة من خدماته الأمنية والعسكرية والاستخبارية، والتي كان لها دور محوري وأساسي في تغوّل وتفرعُن الكيان وترسيخ أركانه.
صفحات سوداء من سيرة غامضة:
مولده في رومانيا بأوربا الشرقية في 7 مايو 1937، وفي العام 1950 هاجر الى فلسطين المحتلة، اسمه عند مولده "آبا هارتستين"، لكنه غيّره بعد انخراطه في الجيش الصهيوني أوائل الستينيات من القرن العشرين ليصبح "آفي هار إيفين".
تخرج من ثانوية "رحافيا" في القدس المحتلّة، وحصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية من الجامعة التقنية بالكيان الصهيوني "1955 – 1963"، ودرجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة تل أبيب.
انخرط أثناء فترة دراسته الجامعية بالخدمة في سلاح المدفعية والمدرعات في الجيش الصهيوني، وأصبح ضابطاً في الكتيبتين 402 و404، وبعد تخرجه من الجامعة ترأس تطوير أبحاث المدفعية، وفقاً لصحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية.
بدأ حياته المهنية في أوائل الستينيات من القرن العشرين بالانخراط في المجال الأمني للجيش الإسرائيلي، وأنظمة الدفاع الجوي، وصار رئيساً لدائرة الدراسات والتطوير في هيئة الأركان المشتركة، ورئيساً لقسم الإجراءات – المهمات - الخاصة في وزارة الحرب الصهيونية.
عملَ في الستينيات قائداً لوحدة بطارية منظومة الصواريخ الدفاعية "أرض – جو" من طراز "هوك" أميركية الصنع، ومقرها بالقرب من منشأة "ديمونة" النووية في صحراء "النقب".
اتجه في العام 1965 الى "أوغندا"، للمشاركة في تأسيس منظومتها الدفاعية الجوية، ثم شارك في تأسيس وحدة في الجيش العبري باسم "ميتال"، تُشرف على بحث وتطوير المنظومات الدفاعية والتعاون العلمي مع الدول الصديقة للكيان العبري، وفي العام 1968، انتقل للعمل في مجال البحث وتطوير الصواريخ في قوات الدفاع الجوي، وقاد مجموعة فازت بجائزة الأمن الإسرائيلية، وفي العام 1979 أصبح رئيساً لبحث وتطوير الأسلحة في الجيش الإسرائيلي وإدخال الحديث منها.
من أوائل المشاريع الصناعية العسكرية التي شارك في تطويرها المدافع السويدية المضادة للطائرات، من طراز "L-70"، والتي كانت في ذلك الوقت تُمثل جُزءاً مُهماً من قدرات الاحتلال الاسرائيلي المضادة للطائرات.
بعد تركه الخدمة في الجيش، شغل العديد من المناصب في الصناعات الجوية، فانضم في العام 1982، إلى شركة الصناعات الجوية الصهيونية، وقاد فريق " شويت" لتطوير الأقمار الصناعية، وقام ببناء وتطوير صاروخ القمر الصناعي "شافيت/ شافيط"، وهو صاروخ قوي يستخدمه الجيش الإسرائيلي لإطلاق أقمار التجسس "OFAC، أوفيك" في الفضاء.
تولى خلال الفترة "1987 – 1990"، منصب رئيس قاذفات الصواريخ، ومدير الفضاء في مصنع منشأة "مالام" الأكثر أهمية في الصناعات العسكرية "الجو – فضائية" الصهيونية، ومسؤول التسويق والبحث والتطوير في قلب الصناعات "الجو- فضائية" للكيان، وفي هذه الفترة وقع الكيان الصهيوني على سلسلة من الاتفاقيات مع الولايات المتحدة لتطوير نظام الدفاع المضاد للصواريخ "Peykan"، وبدأت عملية تطوير هذا النظام.
في العام 1994، قرر "إيفين" التقاعد من منظمة الصناعات الجوية الإسرائيلية (IAI)، ليتم تعيينه خلال الفترة "1995 – سبتمبر 2004" مديراً تنفيذياً لوكالة الفضاء الإسرائيلية، وهو خامس صهيوني يتولى إدارتها منذ تأسيسها، وعمل خلال فترة رئاسته على تعزيز العلاقات الدولية لكيانه مع وكالات الفضاء الدولية، وبصورة خاصة وكالة الفضاء الأميركية "ناسا"، ووكالات الفضاء الفرنسية والألمانية والهندية، ويقول خبراء إسرائيليون عن جهوده هذه بأنها سمحت للوكالة الإسرائيلية بالتموضع في السوق العالمي بشكلٍ أفضل، وساعدت إسرائيل في أن تُصبح قوّةً فضائية من الناحية العسكرية والعلمية.
وخلال فترة عمله، تم اختيار "إيلان رامون" ليكون أول رائد فضاء إسرائيلي، وأطلق في العام 2003 على متن مكوك كولومبيا لرحلة لم يعد منها.
ومنذ العام 2008 أُسنِدت له مهمة باحث أول في معهد البحوث العليا التابع لمركز "بيغن - السادات" للدراسات الاستراتيجية، بجامعة "بار إيلان" في تل أبيب، وتم اختياره كأفضل باحث بالمركز، وهو أحدُ أهم المراكز البحثية الإسرائيلية.
وفي الوقت نفسه، كان عضواً في مجلس إدارة منظمة "مستقبل مضمون"، المعنية بتعزيز القيادة الشبابية وريادة الأعمال ومنع العنف السيبراني.
وهو أحد العلماء الصهاينة المشاركين في صناعة وتطوير القبة الحديدية، وتولى مهمة تصميمها.
ويُعد ابنه اللواء احتياط "يوآف هار إيفين"، من نخبة علماء الصواريخ في الكيان العبري، ويشغل منذ العام 2015 منصب الرئيس التنفيذي لشركة "رافائيل" للصناعات العسكرية الإسرائيلية، المتخصصة في صناعة الأنظمة الدفاعية المتقدمة، ونائباً لمدير قسم العمليات في الجيش الإسرائيلي.
وشركة "رفائيل" مجموعة تسليح حكومية اسرائيلية مقرها "حيفا"، ومموّلة جزئياً من الولايات المتحدة، وهي الشركة التي صنَّعت منظومة الدفاع الإسرائيلية المعروفة بـ "القبة الحديدية" في العام 2007، وطوّرتها بالتعاون مع شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية، التي ترأس "آفي هار إيفين" البحث والتطوير فيها سابقاً.
المراجع:
1 - مهدي مبارك عبدالله، كيف قتل شباب عكا مصمم القبة الحديدية؟، موقع "جراسا نيوز" الأردني، 13 يونيو 2021
2 - موقع "الوقت" التحليلي، نهاية مصمم القبة الحديدية، 9 يونيو 2021
3 - موقع قناة "العالم" الايرانية، نفوق الصهيوني "آفي هار إيفين"، 7 يونيو 2021
4 - موقع "ساسة بوست"، أبو الصناعات الفضائية والصاروخية الإسرائيلية الذي قتله "مولوتوف"، 8 يونيو 2021
5 - موقع "تايمز أوف إسرائيل"، وفاة الرئيس الأسبق لوكالة الفضاء الإسرائيلية متأثرا بإصابته في حريق فندق "الأفندي" خلال أحداث عكا، 7 يونيو 2021
6 - موقع موسوعة المعرفة، "آفي هار إيفين".
7 - صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، مقتل "آفي هار إيفين"، الحائز على جائزة الأمن الإسرائيلي للتطوير الذي لا يزال سرياً، ترجمة موقع الهدهد للشؤون الإسرائيلية، 7 يونيو 2021
الأربعاء، 26 مايو 2021
دهس ابنتي زهراء من قبل ابن أحد المشرفين
** تعرضت ابنتي الغالية زهراء ظهر الخميس 20 مايو 2021 لخدوش وجروح بليغة من سيارة لأحد المفحطين باسم الله أثناء خروجها من بوابة المنزل، السيارة حبة يقودها طفل في الـ 15، والى جواره ثلاثة أشخاص، وتمكن المتواجدين من أبناء الحي من إيقاف السيارة قبل مواصلته دهسها والإجهاز عليها، ونادوني فهرعت إلى المكان، وتحت الصدمة طلبوا مني الصعود إلى السيارة فأخذوني إلى المستشفى الجمهوري، وليس معي أحد من أقاربي، ولا حتى تلفوني، وفي الطريق سألتهم من أنتم؟، فأجابوا بنبرة حادة ومتغطرسة: نحن مع الله ..
قلت طيب ولو أنتم مع الله تدهسوا عيال الناس هكذا، قالوا هي السبب، ويا للعجب من هكذا قول ..
وعند عودتي سألت المتواجدين من الجيران قالوا البنت كانت خارجة من بوابة البيت والسيارة مفحطة، فقرشت البنت بالإطارات وطحست، والسائق لا زال مواصل السير، وكأن شيئاً لم يحدث، ولولا عناية الله وتقافز المتواجدين وإيقافه، لواصل سيره على جسدها الهزيل، هكذا وصل الإستهتار بأرواح الناس ..
وصلنا المستشفى فأوقفوا السيارة على بُعد 15 متر من المشفى، وعندما سألتهم عن السبب، قالوا بنبرة حادة السيارة عليها بلاغات ونخاف يحجزوها، يعني في سوابق، ولأن مالكها مع الله من يجرؤ على محاسبته، والكارثة أنها بدون أرقام
نزلت من السيارة ورافقني أحدهم والبقية فحطوا، دخلنا المشفى فذهب الأخ المرافق إلى مندوب أنصار الله، من أجل يوجه بعمل أشعة للبنت، بحسب وأنهم مع الله، وبعد ساعة من الانتظار تم عمل الأشعة وقررت الدكتورة عمل تلفزيون للتأكد من عدم وجود نزيف في المعدة، وفحوصات اخرى، وحينها أتى شخص أخر يدعى نجيب الجعدبي من سكان حارة الغدير الشرقي بمديرية معين مسلح، ومعه سيارة سنتافي صغيرة ومرافقين، بالتزامن مع وصول زوجتي وبعض أنسابي، وقال انه مع الله فور وصوله، وقال مرافقوه أنه مشرف، وأخذنا إلى دكان بجوار كهرباء القاع قال أنه عيادة وأتى بشخص لم يعمل شيئي لإبنتي التي تصرخ من الألم، وبنبرة التحدي والترهيب قال أنا مع الله وبنتكم ليس فيها شيئ واخذ صورة الأشعة والفحوصات كي لا نتخذها إدانة عليه ورحل ..
وبعد يومين من التواصل معه من أجل يأتي لنعمل أشعة تلفزيونية وفحوصات للبنت رفض وأعاد تكرار مقولته المعتادة: أنا مع الله، ومش فاضي لكم وبنتكم بخيرة ووو، حمدنا الله وشكرناه وقمنا بمعالجة ابنتنا التي لا تزال طريحة الفراش، وإحتسبنا الأمر عند الله، فهو الحكم وهو المنصف ..
المهم في الأمر:
من صدم البنت سيارة حبة، بعد سؤالنا عنه قالوا أنه من سكان حارة مدرسة صنعاء الأهلية، معاق من بيت تقي الجعدبي ومن يقود السيارة ابنه، وهذا الولد معروف في المنطقة بالتفحيط، لكن من يهتم إذا أبوه مع الله وعمه مشرف، وعندما أتى المدعو نجيب الجعدبي قال أنه من صدمها بسيارته مستغلا عمله مع أنصار الله للترهيب وتزييف الحقائق، ورغم أني قلت لهم من البداية عالجوا إبنتي فقط ولا أريد منكم شيئ، لكن إذا غريمك مشرف ومن صدمك مع الله، فعليك أن تحتسب أجرك عند الله، وهو حسبنا ونعم الوكيل ..
وما أردته من هذا العرض هو التأكيد على أن الله بريئ من هكذا نوعية من البشر، وأنا هنا لا أطالب أنصار الله بوضع حد لمن يستغلون الانتماء إليهم، في الإضرار بالناس، وما أكثرهم، فهم لا يقرؤون ولا يتابعون ولا يهتمون، بل أطلب من الله اللطف بعباده ممن يلحقون الأذى بهم بإسمه
** لا زلنا نأمل من الأخوة أنصار الله وضع ضوابط واضحة وصارمة للحد من استغلال اتباعهم سلطة الاتتماء للحركة في الإضرار بالناس، فإذا كان زيد المحبشي إعلامي ولديه قلم ينافح به عن مظلمته، فهناك آلاف الناس يتعرضون للظلم من النافذين بمسمياتهم المختلفة، ولا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، ولا يجرؤون حتى على مجرد الحديث عن مظلمتهم خوفا على أنفسهم وأسرهم ..
.. زيد يحيى المحبشي
الثلاثاء، 16 مارس 2021
التداعيات النفسية والعقلية للعدوان على اليمن
صحيفة السياسية: إجلال العمراني
في الحياة اليومية لجميع بلدان العالم، يعاني شعوبها العديد من الضغوطات والأزمات العابرة، التي يعتقد أدعياء حقوق الإنسان أنها ستجعلهم عُرضة للأزمات النفسية، رغم حرص بلدانهم على توفير كافة احتياجاتهم المادية والمعنوية، وإشعارهم بالراحة والأمان.
في اليمن الوضع مغاير تماماً، ولا عجب، بعد سبع سنوات من العدوان السعودي الإماراتي الأكثر قذارة في تاريخ الصراعات البشرية، وما خلفه من تداعيات كارثية، وضغوطات وأزمات غير محمودة العواقب، تسببت مجتمعة في الحاق صدمات واضطرابات نفسية بشريحة عريضة من اليمنيين، وخصوصاً في أوساط النساء والأطفال، لكن من يهتم لضحايا حرب اليمن المنسية في هذا العالم المنافق.
عند مرورك في الشوارع اليمنية تجد شباباً وشيوخاً بملابس رثة، وجسم نحيف، تملئُهُ الأوساخ، وشَعرٍ مُجعد، وعندما تقترب منه، تجده يهمهم بكلمات غير مفهومة، وعند سماع أصوات الطائرات يصرخ بأعلى صوته: “قد جوا، قد جوا، اهربوا”، ويطلق لسيقانه العنان، في سباق مع الريح، بحثاً عن مكانٍ يتوارى فيه، رغم علمه بأن العدوان لا محرمات ولا مقدسات في قاموسه العبري العفن.
في احدى شوارع صنعاء، تجد شاباً في الأربعين، تبدو عليه الاناقة والنظافة والاهتمام، وفجأة يصرخ، ويسب بأبشع الالفاظ، وعندما تسأل عنه، يخبرونك بأنه يعاني من الهيجان العقلي، والتأزم النفسي، إما بسبب رُهاب أصوات الطائرات والانفجارات، أو بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية وانقطاع المرتبات، أو بسبب تدمير العدوان منزله أو مقر عمله، أو بسبب استشهاد أو إصابة أحد أحبته.
سبع سنوات من المعاناة بسبب العدوان الجائر، وما ألحقه من اضرار نفسية وعقلية وعاطفية ووجدانية، طالت أكثر من 20 % من سكان اليمن، في بلد يفتقر لأبسط مقومات الحياة، بعد أن دمر العدوان كل مقومات الحياة، وأمعن بصورة ممنهج في تدمير المرافق الصحية، كي يضمن موت من نجى من نيران غاراته الهستيرية.
ورغم عدم توافر بيانات كافية عن الوضع العام للصحة النفسية في اليمن، والتي كان لها حصة الأسد من تداعيات العدوان الغاشم على بلادنا، خصوصاً مع محدودية المشافي المختصة بهكذا نوع من الأمراض، والارتفاع الجنوني في الأدوية المستخدمة لعلاجها، ومنع العدوان دخولها، ما تسبب في انعدامها في بعض الفترات، ومع ذلك تتحدث الأرقام المتاحة عن ارتفاع مهول في معدلات الانتحار في العام الأول من العدوان بنسبة 40.5 % عما كان عليه الوضع قبل العدوان، ومعاناة الكثير من السكان من التبعات السلبية النفسية والاجتماعية والعاطفية، لهكذا منحى خطير.
وتحدثت وزارة الصحة اليمنية في العام 2014 عن مليون ونصف مصاب بالأمراض النفسية، بينهم نحو 500 ألف مريض ذهني، وارتفع العدد بعد العدوان بنسبة 25 %، وحاجة 80 % من اليمنيين إلى دعم نفسي، بحسب موقع خيوط نقلاً عن اخصائيين نفسيين في تقرير له بتاريخ 3 فبراير 2021.
الوضع في اليمن جد خطير، فإما أن تموت جوعاً، أو ينتهي بك المطاف بأحد مشافي ومصحات الأمراض النفسية والعصبية، ووفقاً للطبيب النفسي “ماجد سيف”، فقد ازدادت حالات المرضى النفسيين خلال سنوات العدوان بنسبة 30 %.
وتُعدّ النساء والأطفال الفئة الأكثر عُرضة للإصابة بسبب ضغوط الحياة اليومية، والصدمات الشديدة نتيجة الانفجارات وأصوات الطائرات، في بلدٍ مستوى الرعاية النفسية فيه سيئ للغاية، بحسب استشاري الطب النفسي والإدمان في مستشفى الأمل للأمراض النفسية بصنعاء، الدكتور “سامي العربي” في مقابلة مع صحيفة “عُمان” بتاريخ 28 سبتمبر 2020.
مدير مستشفى الأمل الدكتور “سامي الشرعبي”، هو الأخر يؤكد في حديث لموقع منصتي بتاريخ 10 أكتوبر 2020 تسجيل ارتفاع كبير في حالات الإصابة بالأمراض النفسية والعصبية خلال الفترة الأخيرة، وصلت إلى 200 %، مع بروز حالات مرضية تسبب بها العدوان والأوضاع الصحية والاقتصادية الراهنة، منها: كرب ما بعد الصدمة، والاكتئاب الشديد، والقلق، والرُهاب.
وذكرت “منظمة الصحة العالمية” أن 1 من كل 5 يمنيين، أو 22 %، ممن يعيشون في منطقة متأثرة بالحرب، يعانون من الاكتئاب، والقلق، واضطراب ما بعد الصدمة، والاضطراب الثنائي القطب أو الفصام، ناهيك عن تزايد حالات الاكتئاب والقلق مع تقدم العمر في أوضاع الصراع، وسجلت محافظات تعز ولحج والحديدة زيادة مرعبة في أعداد الحالات النفسية تجاوزت الـ 300 %، بحسب موقع منصتي في تقرير له بعنوان “الصحة النفسية في اليمن .. الموت الخفي” نشره في 10 أكتوبر 2020.
وسجل العام 2017 زيادة صادمة في عدد الإصابة بالأمراض النفسية والعقلية تراوحت بين 40 – 50 %، والسبب بحسب استشاري الأمراض النفسية والعصبية الدكتور “محمد الخليدي” في مقابلة مع موقع “الخليج أونلاين” بتاريخ 15 أكتوبر 2017: العدوان، وانقطاع المرتبات، وعدم الشعور بالأمان.
وأكدت دراسة أعدتها مؤسسة “التنمية والإرشاد الأسري” في العام 2017 بعنوان “تقدير انتشار الاضطرابات النفسية بين السكان المتضرّرين من الحرب في اليمن” تجاوز النسبة العامة لانتشار الاضطّرابات النفسية بين اليمنيين المتضرّرين من الحرب 19.5 %، وهي من أعلى النسب في العالم.
وخلال الفترة “2014 – 2017″، تحدثت الإحصائيات عن 5455348 إنسان في اليمن، يعانون من الأمراض النفسية والعقلية، 80.5 % من اجمالي الحالات، من الشباب بين 16 الى 30 سنة.
هذه الارقام والاحصائيات عن الحالات المرضية التي تم تسجيلها في المراكز الصحية والمستشفيات فقط، وتُعد الحالات غير المعلنة أكثر بكثير مما تم إعلانه، ما يُنذر بوضع كارثي ومستقبل مظلم.
لم يكن تأثير العدوان على الأصحاء فقط، بل وتسببت غارته الإجرامية في اغلاق المستشفيات، والمراكز الحكومية الخاصة بالأمراض النفسية، لعدم تمكن حكومة الإنقاذ الوطني من توفير النفقات التشغيلية، وعدم قدرت أهالي المرضى على تحمُّل نفقات المشافي، ناهيك عن ارتفاع وغلاء اسعار الأدوية الخاصة بالأمراض النفسية والعصبية، ما أدى الى تفاقم الحالات المرضية، وللأسف فقد اكتفت المنظمات الدولية، ومنها الصحة العالمية، بتقديم دعم نفسي محدود النطاق والجدوى والفاعلية، يستهدف الأصحاء فقط، وفقاً للدكتور “محمد الخليدي”.
وتعاني اليمن من رداءة الخدمات الصحية المتعلقة بالأمراض النفسية، ومحدودية المصحات النفسية، والأخصائيين النفسيين، إذ لا يوجد فيها سوى 13 منشأة نفسية، و35 عيادة خاصة، عبارة عن أقسام وعيادات في مستشفيات عامة وخاصة، أغلبها في مدينة صنعاء، و46 طبيباً نفسياً، بمعدل طبيب لكل 600000 شخص، و130 معالج وأخصّائي، و25 ممرّض بحسب مؤسسة “التنمية والإرشاد الأسري”.
وتحدث أطلس الصحة النفسية لمنظمة الصحة العالمية في العام 2016 عن وجود 3 مستشفيات للصحة النفسية، ووحدة واحدة للطب النفسي في مستشفى عام في اليمن، و40 طبيباً نفسياً، معظمهم في صنعاء، في حين أشار مدير برنامج الصحة النفسية في وزارة الصحة بصنعاء في ديسمبر 2016 إلى وجود 36 طبيباً.
وبحسب احصاءات الجهاز المركزي للإحصاء في 2006: 45 طبيباً نفسياً، بواقع طبيب لكل 500 ألف شخص، وهذا هو نفس الرقم بالنسبة لعدد السكان عام 1980، وخلال أربعة عقود من الزمن زاد عدد الأطباء النفسيين 15 طبياً وطبيبة، ليصبح عددهم في العام 2020، نحو 59 طبيباً، موزعين بشكل غير متساوي على 5 محافظات، فيما 18 محافظة لا يتوفر فيها أطباء للأمراض العقلية والنفسية، وفقاً للاستراتيجية الوطنية للصحة النفسية الصادرة في مارس 2010.
ويمارس 34 طبيباً العمل في صنعاء، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، و11 في تعز، و6 في عدن، و3 في الحديدة، و5 في حضرموت.
ويؤكد استشاري الأمراض النفسية والعقلية، الدكتور “طالب غشام” تخصيص سرير نفسي واحد لكل 200 ألف فرد، وطبيب واحد لكل 500 ألف شخص، بحسب المعهد اليمني لحرية الاعلام في تقرير بعنوان “الصحة النفسية في اليمن .. الكارثة الموقوتة” نشره بتاريخ 8 يناير 2021.
محذراً من تفاقم مشكلة الصحة النفسية، لأنها ستؤدي على المدى البعيد إلى ظهور آلاف من المرضى النفسيين، وبصورة غير متوقعة.
……………….//