Translate

الثلاثاء، 21 مارس 2023

سعادة اللواء محمد بن أحمد بن حسين بن حسن بن يحيى بن هادي النجدي




ضابط، دبلوماسي، أمني، إداري.


مولده بقرية الوعلية من أعمال مديرية المفتاح بمحافظة حجة في العام 1371 هـ، الموافق 1952، ووفاته بصنعاء في يوم الخميس 17 شعبان 1444ھ، الموافق 9 مارس 2023، وتم مواراة جثمانه الثرى بمسقط رأسه.


بنحدر من أسرة علمية عريقة اشتهرت بالعديد من القامات القضائية والعلمية والقيادية والوطنية.


التحصيل العلمي:


أولاً: التعليم الديني:


أخذ مُقدمات العلوم الشرعية عن والده وعمه القاضي عبدالله بن حسين النجدي.

كما أخذ عن مشائخ المدرسة العلمية بالمحابشة.


ثانياً: التعليم النظامي:


التحق بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 بمدرسة الأيتام في المحروسة صنعاء، فدرس بها الابتدائية.

درس الإعدادية بمدرسة الشعب في الأمانة صنعاء.

حصل على درجة البكالوريوس في العلوم الأمنية والعسكرية من كلية الشرطة، ونال الترتيب الثالث بين دفعته، 1978.

حصل على درجة الليسانس في الشريعة والقانون من كلية الشريعة والقانون، جامعة صنعاء.


السجل الوظيفي:


بدأ مشواره الوظيفي في المجال الأمني، فانضم في العام 1978 لجهاز الأمن الوطني المعروف فيما بعد بجهاز الأمن السياسي، واستمر عمله في هذا الجهاز حتى مطلع تسعينيات القرن العشرين الميلادي، وشغل فيه العديد من المناصب، كما أُسندت له العديد من المهام الإدارية والدبلوماسية، منها:


1 - مدير دائرة الأمن الخارجي في جهاز الأمن الوطني، "1978 – 1989".

2 - قُنصل عام وملحق عسكري في سورية، مستهل تسعينيات القرن العشرين الميلادي.

3 - مدير أمن المنطقة الرابعة بأمانة العاصمة صنعاء، "1997 - .. ".

4 - نائب مدير أمن أمانة العاصمة صنعاء، " .. – 2000".

5 - ممثل مديرية المفتاح في المجلس المحلي لمحافظة حجة، "2001 – 2008".

6 - أمين عام المجلس المحلي ونائب محافظ محافظة حجة، "2001 – 2008".

7 - وزير مفوض بسفارة اليمن في الأردن، "2009 – 2019".

8 - عضو اللجنة الدائمة الرئيسية لحزب المؤتمر الشعبي العام، وأحد المشاركين في تأسيس هذا الحزب وصياغة ميثاقه الوطني.


قالوا عنه:


1 - محمد عبدالله النجدي:


اتسم اللواء محمد أحمد النجدي بصفات القيادي الفطرية بين زملائه منذ دراسته الأساسية، وروح الشاب العصامي، المؤمن بقدراته الشخصية في بناء مستقبله، المتطلع بكل حيوية وعنفوان الى خدمة مجتمعه ووطنه.

وهو من أبرز القيادات الأمنية التي تسامت بعملها الى مستوى وحجم الوطن، مُترفعاً عن كل صغيرة قد تُسيئ إلى سيرته المُشرفة، إيماناً منه بأنه في موقع المسؤولية، ما ينبغِ له إلا أن يكون أميناً في تمثيل وطنه ومجتمعه بكل قيمه ومبادئه.

وكان رحمه الله نموذج متفرد، وتعبير خالص عن نبض المواطن البسيط وآماله، وعن روح المسؤولية ورجل الدولة.


عليك سلام الله وقفاً فإنني .. رأيت الكريم الحر ليس له عمر.


2 - علي كامل الملاهي:


اللواء محمد النجدي من قيادات الدولة الذين حضوا بمميزات ومكانة في كل هرم الدولة.

رجل أمن من الطراز الأول، ارتبط بالأجهزة الامنية بحكم مركزه الأمني الحساس، فكان بحق ملاك حارس لأمن هذا الوطن.

عاش مُحباً مخلصاً لوطنه ولشعبه كقائد عسكري وإداري مدني. 

عرفته معرفة الأخ لأخيه، فوجدته نعم الأخ والصديق والمسؤول.

عاش حياته في خدمة الوطن بإخلاص وتفاني ونزاهة يشهد له بذلك القريب والبعيد والخاص والعام، ومات على ذلك مُحباً لوطنه ولأبناء وطنه. 

كان متواضعاً مع الصغير والكبير، مُخلّقاً بشوشاً كريماً وشُجاعاً أبياً مهاباً عزيزاً في بلاده ومحافظته واليمن عامة.

له مواقف وأقوال تشهد له بوطنيته لا مجال هنا لسردها، غير أن هناك كلمة قالها لي في ذات يوم، والتي فيما بعد عرفت أنها من مبادئه في الحياة مفادها: "إذا لم تعرف أن تُصادق (تُصاحب) فلا تُعادي".


3 - الدكتور محمد علي الخطيب:


اللواء محمد أحمد النجدي، الإنسان الذي تجسّدت فيه أجل وأجمل معاني الإنسانية السامية، وأنبل معاني المواطنة المُخلصة والصادقة، فهو أكبر من أن أُعرِّفه بالمركز الوظيفي الذي تبوأه، وهو: أمين عام المجلس المحلي لمحافظة حجة، لقد كان أكبر بكثير من ذلك المنصب، وما يعلوه، وبذلك فقدت، وفقدنا، وفقد الوطن أحد أعظم أبناءه البررة المُخلصين، الصادقين.


4 – الدكتور منصور الحماطي:


اللواء السفير محمد النجدي، كان مثالاً وقدوةً للقائد المُحنك، والقيادي المتميّز، والإداري النزيه، والدبلوماسي الرصين، والسياسي الحصيف، الأمر الذي جعله محل تقدير واحترام كلّ من عرفوه في داخل الوطن وخارجه. 

 

5 - الدكتور أيمن مذكور:


الفندم محمد النجدي من الرجال الأوفياء والنادرين، ورحيله مثّل خسارة كبيرة للوطن.


6 - حسن محمد عثمان:


اللواء محمد النجدي هامة وقامة وطنية فذة، خدم الوطن بكل نزاهة وأمانة، وولاء وطني، ولا ينسَ شبابنا وكوادرنا فضله في الدراسة في الجامعات والتوظيف، كان لهم الداعم والمُتابع والأب، ولولا جهوده لكان أبنائنا في تلك الفترات صفر اليدين، أيضاً في مجالات عدة له باعٌ طويل لعموم اليمن. 


7 - عبدالمجيد إبراهيم حاشد المحمري:


خسرت محافظة حجة على وجه الخصوص واليمن على وجه العموم برحيل اللواء محمد النجدي شخصية فذة وفريدة من نوعها، إداري بارع، وعسكري كاريزمي، ودبلوماسي رائع، وقِيل يماني له بصماته الخالدة في شتى المجالات التنموية والإدارية والسياسية والعسكرية والدبلوماسية، وفي المجال الاجتماعي، وإصلاح ذات البين.


8 - محمد حسن غالب السعيد:


كان معدن اللواء محمد النجدي ذهب وصفاء، لا يُفرّق بين شخص وأخر، ولا يعرف العنصرية والمناطقية، يُحب الجميع، وحُبه للوطن، تجلس معه تشعر بأنه أخ وأب لك، مثل هؤلاء الرجال لا يتكرروا.


9 - الشاعر أبو هيثم العبالي:


الرجل البشوش 

يا حروف القوافي أنعي محمداً

من هنا إلى طيب مثواه

محمد النجدي كل من يعرفه 

بحبه للبلاد وشموخ إباه

هامة من هامات البلاد واليمن

رجل المواقف منذ صباه

رحل عنا إلى جوار ربه

بعد حياة حافلة من عطاه

فيه المروءة والشهامة دمث

في أخلاقه عظيم في وفاه 

حاز المكارم كلها فطن

في كل الأمور بحكمته وذكاه

تقلد العديد من المناصب

وحاز أوسمة في جود سخاه

له العديد من المعالم التي

تذكرنا به حتى لا ننساه

كان أباً لكل الناس قاطبة

خير خدوم لكل من أتاه

رجل بشوش والضحكة التي 

تميز بها لا تفارق شفتاه 

رجل المحاسن والجود والكرم

لا يعرف جوده ما تنفق يداه

علم من أعلام تأريخ مجدنا

وقطب من الأقطاب فقدناه

سنذكره بكل جميل ويذكره 

التأريخ من بعدنا بطيب مسعاه 


أولاده:


عبدالكريم، خالد، رشاد، علي، أحمد، هشام، فارس، زياد.

الاثنين، 20 مارس 2023

2015 .. عام العدوان الدموي على دُور العبادة بصنعاء


مركز البحوث والمعلومات: زيد المحبشي


يظل العام 2015 من أكثر الأعوام دموية في السجل الأسود لسنوات العدوان العبري الثمان، استهدفت الجماعات الإرهابية التكفيرية الوهابية المُتشددة المدعومة من السعودية، والتيارات الدينية اليمنية الموالية لبلاط الدرعية، أكثر من 12 مسجداً بأمانة العاصمة، أثناء أداء المصلين الصلاة، في بادرة خطير كان الهدف منها تمزيق النسيج الاجتماعي، وتلغيم التعايش المجتمعي الذي تفرد به اليمن عن غيره من البُلدان العربية والإسلامية لأكثر من 12 قرناً، وتحويله الى مستنقع وساحة لحرب مذهبية لا تُبقِ ولا تذر، لكن وعي ويقظة وبصيرة أحفاد الأنصار أسقطت كل رهاناتهم ومخططاتهم الشيطانية التدميرية.


الجوامع المُستهدفة:


 الإحسان، القبة الخضراء، قبة المهدي، المؤيد، البليلي، البهرة، الروضة، الصياح، النور، قطينة، بدر، الحشحوش.


أدوات الجريمة:


 تنوعت ما بين حزامٍ ناسف وسيارة مُفخخة وانتحاريين مجبسين.


استراتيجية الجريمة:


ركّزت على تنفيذ عمليات مزدوجة، تستهدف المصلين والناجين والمُسعفين في وقتٍ واحد، بمعنى إبادة جماعية لكل الحاضرين، في حقد يزيدي دفين.


الضحايا:


أكثر من 700 إنسان، غالبيتهم من الأطفال وكِبار السن، بينهم من أُصيب بإعاقات دائمة.

نصيب بدر والحشحوش منها 555 ضحية، بينهم أُسر انتهت تماماً، وأُسر فقدت كل أطفالها، وأُسر فقدت الوالدين معاً، وأُسر فقدت الأب والإبن والأخ وأخاه، وأُسر فقدت ثلاثة أجيال "الجد والإبن والأحفاد".

كما حصدت كوكبة من خيرت علماء اليمن، منهم:

السيد العلامة الدكتور مرتضى المحطوري، السيد العلامة عبدالملك المروني، السيد عبدالإله الكبسي، العلامة عمار اللاعي، العلامة محمد عبدالملك الغيثي.


بنك الأهداف:


تركّز اهتمام المعتدين على المساجد المُشتهِرة بمناهضتها للفكر الوهابي التكفيري الإرهابي، وفي هذا دلالة واضحة على أن تحالف البغي العبري كان يُعد العُدة للقضاء على شيعة اليمن، والنيل من نقاء وطُهر الإسلام المحمدي في بلد الأنصار، وتحويله الى حظيرة لأنعام التكفير الوهابية، وساحة لسادتهم وأولياء نعمتهم في البيت الأسود وتل أبيب، وبوابة للمشروع الاستعماري الاستيطاني القديم المُتجدد بنُسختيه: الشرق الأوسط الكبير والقرن الأفريقي الكبير، بعد فشل رهانات أبقار الأميركان وقُرود الصهاينة في العرق ولبنان، وتالياً صيرورة قُرود أبقار واشنطن في المشرق العربي واسطة العقد في رسم مستقبل المنطقة والتحكم في مسارها ومصيرها، وكعبة حُكام العرب المُشرّفة، والفرقان الحق المسخ لمُنظِّري التقريب البقري القُرودي بين الأديان، كتابهم المُقدّس، ومظلتهم للتعايش والسلام الكاوبوي الهوليودي، ودُعاة الحرية والكرامة من قوى المقاومة والممانعة الإسلامية عدوهم الأوحد، ومحتل أراضيهم المُقدّسة من الصهاينة اللُقطاء مُنقذ ومُحرر وصديق حميم وأخ رحيم، ويا للعجب من هكذا هول عظيم.


شواهد ذلك كثيرة، أكثرها تجلياً الاستهداف المُمنهج لدُور العبادة في اليمن من قبل طيران التحالف العبري، وتدميره أكثر من 1612 مسجداً، خلال سنوات الجمر الثمان من عدوانه الآثم على بلد الإيمان والحكمة، والمساعي المُستميتة لطمس الهوية الإيمانية لأحفاد الأنصار، ومسخ الأخلاق العربية الأصيلة.


مجازر عابرة من مسلسل دموي غير عابر:


1 - مجزرة بدر والحشحوش:


طالت استهدافات الجماعات الإرهابية في 20 مارس 2015 مسجدي بدر بجولة تعز والحشحوش بالجراف، أثناء صلاة الجمعة، نفذها أربعة انتحاريين يحملون أحزمة ناسفة، في عملية مزدوجة وضعت في بنك أهدافها تصفية المصلين والناجين والمُسعفين.


إذن فنحن أمام عملية وحشية غير مسبوقة في تاريخ البشرية، والمُلفت للنظر أن هذه الاستراتيجية الشيطانية كانت السمة الغالبة لعمليات تحالف البغي العبري في اليمن منذ انطلاقتها في 26 مارس 2015، أي بعد 6 أيام فقط من غزوة بدر والحشحوش، والتي لم تكن سوى مُقدمة لأمر جلل كان يُراد تمريره في اليمن، لكن عناية الله ويقظة المُخلصين من أبناء هذا الشعب المؤمن حالت دون مراميهم الشيطانية، وأسقطت كل مشاريعهم التدميرية، وحوّلت سهام مخططاتهم المسمومة إلى نحورهم.


ذلك العدوان الآثم تسبب في استشهاد 155 إنسان، وجرح 400 إنسان، بينهم 40 شخصاً اصابتهم بليغة، وبين كل 5 ضحايا طفل، بواقع 111 طفل بين شهيد وجريح.


واستبقت الجماعات الوهابية الإرهابية التكفيرية هذه العملية الإجرامية باغتيال المناضل والمجاهد والصحافي الكبير "عبدالكريم الخيواني"، في 18 مارس 2015، أي قبل يومين فقط من مذبحة بدر والحشحوش، وهو من الشخصيات الوطنية والثقافية المعروفة بكتاباتها النارية ضد تلك الجماعات الظلامية، منذ حادثة كول الشهيرة وفُقاعات جيش عدن أبين الإسلامي، وما تلاها من نوازل ونكبات "داعشية - قاعدية" ومؤامرات "إخونجية".


ويروي العلامة المجاهد "حمود الأهنومي" وهو أحد شهود مجزرة بدر وله كتابٌ عن شهداء المجزرتين، في مقالٍ مطوّل له عنهما، أن أستاذنا وشيخنا شهيد المنبر الدكتور المرتضى المحطوري كان مُسترسلاً في خُطبة الجمعة الدامية بالحديث عن الإعلامي المجاهد "عبدالكريم الخيواني" والثناء على شجاعته، كأول من رفع سقف الصحافة في اليمن، والتأكيد على ضرورة تطبيق الحزم وعدم التهاون مع المجرمين الذين انتزعوا روحه الطاهرة، متسائلاً بحُرقة وألم: "هل يجب أن ننتظر القتلة ليقتلونا واحداً واحداً؟".


وبينما هو يعود لتفاعله المعهود منه، ويُمهِّد للمصلين بأنه سيُخْبِرُهم بنكتة، قال إنه: "يخشى أن تنقُض الوضوء"، لكنه ما إن أكمل هذه العبارة حتى انتقضت عُرى الإنسانية، وتعرّى إسلامهم الأميركي، فتزلزل المسجد بسقوط عشرات الأبرياء بسرعة خاطفة.


هذا المسلسل الدامي من "الإرهاب اللا إنساني" أعاد للذاكرة مشهد مُماثل حدث في مدينة المحابشة من أعمال محافظة حجة أثناء ثورة 26 سبتمبر 1962، وكان أستاذنا المحطوري رضوان الله عليه أحد شهوده، كما يروي في مُستهل ورقة عمل بعنوان "الجهاد الإرهاب العنف تداول السلطة"، قدّمها في مؤتمر دولي نظّمه مركز القدس للدراسات السياسية في العاصمة الأردنية، تحت عنوان: "نحو خطاب إسلامي ديمقراطي مدني"، لم أعد أتذكر سنة انتظامه.


وكان شمال اليمن يومها يتعرّض لغارات همجية من الطيران المصري، لا تُفرِّق بين ما هو مدني وما هو عسكري، ومنها غارة استهدفت الجامع "المقدس" بمدينة المحابشة، وكان الدكتور المحطوري يومها طالباً بالمدرسة العلمية في منطقة "القرانة" الواقعة جنوب المسجد المُستهدف على بعد نحو 200 متر.


استُشهد في تلك الغارة كل المتواجدين في المسجد، وعددهم 75 إنسان، باستثناء شخص واحد من بيت "سليم"، كُتبت له النجاة، كانوا يحتمون بالجامع من عربدت ذلك الطيران الأرعن، وتطايرت أشلائهم على بُعد 500 متر في الاتجاهات الأربع، في مشهد بشع يُحاكي ما جرى في بدر والحشحوش وغيرها من مساجد صنعاء في العام 2015، وملا تلاها من جرائم "سعودية - إماراتية" بحق اليمنيين في سنوات العدوان العبري الثمان.


ولا يزال أبناء تلك البلاد يتناقلون مشاهد جمع الأشلاء المتناثرة لأحبتهم إلى اليوم، وقد حكى لي والدي رحمه الله عنها والدمع يقطر من عينيه وآهات وحشرجات الألم تُقَطِّعُ أوتار قلبه وتكتم أنفاسه.


والشاهد من كلام الدكتور المحطوري، وكان هدفه تقديم تعريف مُبسّط للإرهاب من الواقع المُعاش بعيداً عن التنظيرات الأميركية السُفسطائية:


"بعد اتصال من السيدة المُبجلة هالة سالم - المدير التنفيذي بمركز القدس للدراسات السياسية، بادرت إلى كتابة ورقة أُسطِّر فيها فهمي للإرهاب، والعنف، والتداول السلمي للسلطة؛ من خلال تجربتي ومُعاناتي الشخصية التاريخية، وقد عرفت العنف عن قرب، واكتويت بنار الإرهاب الفكري، والمادي، فلا أحتاج إلى معاناة لأُنبّش عن ذكريات الإرهاب، والعنف، والاستبداد.

لقد بدأ المسلسل الدامي منذ شاهدت بأم عيني وأنا في سن الثالثة عشرة أو أكثر قليلاً حين كنت مُختبئاً في جبل شرق قريتي؛ خوفاً من الطائرات التي كانت تقصف المناطق الشمالية من اليمن أيام حرب عبدالناصر، والسعوديين في اليمن، وكانت قُرَانا آهلة بالمزارعين وحيواناتهم ليس لها أي علاقة بالنشاط العسكري، بل كُنا في الصف الجمهوري، ومع ذلك لم نسلم من القصف والترويع.

إنما المشهد الذي لا أنساه حين مرت طائرة وقت صلاة الظهر، وقذفت مسجداً في مدينة المحابشة مُكتظاً بالمصلين، وكادت الطائرة أن تُلامس سطح المسجد؛ إذ لا يوجد مُضادات، فنسفت المسجد بمن فيه، كانوا خمسة وسبعين لم ينج منهم إلا واحد.

المشهد الثاني: يوم كنا بمسجد "القُرانة" مهاجرين لطلب العلم، فأقبلت في الصباح الباكر طائرة سوداء، فألقت من الشرق شريطاً كاملاً من القنابل ذرع مدينة المحابشة الوادعة المستطيلة في سفح الجبل، فألقيت بنفسي على الأرض؛ تفادياً للشظايا كما كانوا يعلِّموننا، وقد كنت متعوّداً على إرهاب كهذا، فصارت نيران جهنم الواصلة من الجو عبارة عن ألعاب تُصيبنا ببعض الذعر، لكني لم أفر بل ذهبت لمشاهدة آثار القصف، فشاهدت شيخاً عجوزاً فقيراً قاعداً ميتاً بجوار موقد لقلي نوع من الحُبُوب يعتصر منها لقمة عيش جافة له ولأسرته.

وشاهدتُ طفلاً في السادسة من عمره مرمياً في العراء، قد بُتِرت رجله من فوق الركبة، وبقيت مُعلَّقة، وهو يئن وينزف، وعنده عجوز تبكي لا تدرِ ما تفعل له، وأنا مبهوت أعيش الجهل، والوحشة، والمشاعر المُؤلمة، لم أُقدِّم لهذا الطفل أي مساعدة، فماذا أفعل؟! فلا إسعاف، ولا وسائل ولو بدائية، ولا شيء، فما زلنا كما خَلَّفَنَا نبيُّ الله نوح عليه السلام.

والأكثر إيلاماً أن تسمع الجماهير المنحطة تهتف لهؤلاء الإرهابيين القتلة من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر: نفديك يا عبدالقاهر .. أو بالروح بالدم نفديك يا فندم؟!".


وللأسف ما شاهده الدكتور المحطوري في الثالثة عشرة من عمره يتكرر بكل تفاصيله وللعام الثامن على التوالي، والأكثر مرارة أن يكون أحد ضحاياه، وأن نكون أحد شهوده، لأن الشاهد فارقنا، وأبقى لنا مرارة وعذاب وألم المُشاهدة، لكن دمه ودم رفاقه من اليمنيين الأبرياء لم يذهب هدراً، فها هو اليمن يغتسل بطُهر دمائهم الزكية من خُبث ورجس وأوساخ تلك الجماعات الظلامية وفي سنوات معدودة من الفُراق الأليم.


2 - هكذا يستقبل التكفيريون رمضان:


استهدفت الجماعات التكفيرية في 17 يونيو 2015، عدة أماكن في صنعاء، منها: المكتب السياسي للأنصار، مسجد القبة الخضراء بشارع هائل، مسجد الكبسي بشارع الزراعة، مسجد الحشحوش بحي الجراف، أثناء أداء صلاة المغرب أخر شعبان وعشية رمضان، ما تسبب في استشهاد 30 مُصلياً، في تأكيد واضح وجلي على أن تلك القوى الإجرامية مجرد "بيادق" كما أسلفنا بيد بقر وقرود دهاقنة الشرق الأوسط الجديد.


3 - مجزرة جامع قبة المهدي:


غيرّت الجماعات التكفيرية في 20 يونيو 2015، أدوات الجريمة، فاستبدلت الانتحاريين والأحزمة الناسفة بسيارة مُفخخة انفجرت قُرب جامع قبة المهدي بالتحرير، ما أدى إلى استشهاد شخصين وإصابة ستة آخرين.


4 - مجزرة جامع البهرة:


وهي جماعة شيعية تتبع المذهب الإسماعيلي، ولها تواجد بِعدة مناطق يمنية في الشمال والجنوب، منها أمانة العاصمة صنعاء، وكان جامعها في شارع سوق "الرمّاح" هدفاً لإحدى السيارات التكفيرية المُفخخة في 29 يوليو 2015، تسببت في استشهاد 5 أشخاص.


5 - مجزرة مسجد المؤيد:


يقع في الجراف من أمانة العاصمة، استهدفته تلك الجماعات الظلامية بعملية مزدوجة في 2 سبتمبر 2015، تسببت في استشهاد 34 إنسان وجرح 94 يمني.


6 - قرابين عيد الأضحى:


لأنهم أعداءُ الإنسانية، يكرهون كل مباهج البهجة والفرح، ويُزعجهم ابتهاج المسلمين بأعياد الله، لأنها هِبات ونفحات وكرامات، ولا أعجب أن يكون عباد الله الصالحين المُؤدين صلاة عيد الأضحى بجامع "البليلي" في صافية الأمانة هدفهم التالي، مُرسلين في 24 سبتمبر 2015 أحد انتحاريهم، لانتزاع فرحة الساجدين الراكعين العابدين الحامدين الشاكرين، ما تسبب في استشهاد 10 أشخاص واصابة 21 شخص.

الثلاثاء، 14 مارس 2023

الأب الروحي لابتسامة رمضان الأستاذ القدير محمد بن عبدالرزاق بن حسين بن عبدالله بن محمد المحبشي






كاتب إذاعي ودرامي، مُذيع، إعلامي مخضرم.

مولده بجبل حبور في العام 1361 هـ، الموافق 1942، ووفاته بصنعاء في يوم الأحد 21 صفر 1425 هـ، الموافق 11 أبريل 2004.

من الإعلاميين المخضرمين الذين أثروا الساحة الإعلامية بإبداعاتهم الخّلاقة، وكان لهم دور بارز في تطوير الأداء الإعلامي في الإذاعة والتلفزيون، وكان يوصف بأنه مدرسة في العمل الإذاعي.

التحصيل العلمي:

تلقى تعليمه الأولي في حبور، حيث درس القرآن الكريم وعلومه والحديث والتفسير والفقه. 

تلقى العديد من الدورات في المجال الإعلامي داخلياً وخارجياً.

السجل الوظيفي:

أولاً: العهد الملكي:

التحق، في بداية مشواره الإعلامي، وتحديداً في الخمسينيات من القرن العشرين بإذاعة الجوف، وكانت عبارة عن إذاعة صغيرة ذات معدات بسيطة وقديمة، داخل كهف صغير، وكان حينها وعدد من زملائه منهم "علي يوسف الأمير"، ضمن صفوف الملكيين، وظل يعمل هناك إلى أن تمت المصالحة بين الملكيين والجمهوريين، فتم دمج الجميع في بوتقة واحدة. 

ثانياً: العهد الجمهوري:

انضم في العام 1970 إلى إذاعة صنعاء، فعمل فيها مُعداً ومُذيعاً وكاتباً، حتى وفاته.

وهو أول وجه يُطل ويفتتح شاشة تلفزيون صنعاء في سبتمبر 1975، وأول من تولى منصب مدير عام البرامج فيه، وصاحب أول برنامج توثيقي تلفزيوني.

له مشاركات في العديد من الندوات والدورات الإعلامية الإذاعية محلياً وعربياً، وحصل على عدد من الشهائد والأوسمة التقديرية.

الإنتاج الفكري:

أعد وقدم الكثير من البرامج السياسية والاجتماعية والثقافية، والمنوعات والمسلسلات والتمثيليات الدرامية، منها:

أولاً: البرامج الاجتماعية والثقافية:

1 - مذكرات الأسبوع، وهو أول عمل إبداعي له بإذاعة صنعاء.
2 - الحاضر يُعلِم الغائب، من البرامج الرمضانية التي لاقت أصداء واسعة واكتسبت شهرة كبيرة، ثم تم تغيير اسمه إلى "بسمة"، كان يقدمه قبل الإفطار مع الإعلامي القدير "أحمد البحري".
3 - أوراق ملونة.
4 - مذياع المنوعات.

ثانياً: البرامج الرمضانية والمناسباتية:

1 - في وجداني أغاني، عام 1997.
2 - ضيف الإذاعة.
3 - سهرة من منزل.
4 - سهرة مع فنان، أجرى فيه العديد من المقابلات مع الفنانين اليمنيين والعرب، منهم:

 محمد عبدالوهاب، أحمد رياض السنباطي، رياض جمجوم، ياسمين الخيام، تحية كاريوكا، معالي زايد، .. ألخ. 

ثالثاً: البرامج السياسية:

1 - العالم في أسبوع.
2 - قراءة في الصحافة العالمية.

رابعاً: المسلسلات:

1 - الدنيا لله.
2 - الفجر.
3 - العطش.
4 - المعجزة.
5 - الرسم بالكلمات.
6 - صورة طبق الأصل.
7 - أمثال وممثلون.

خامساً: التمثيليات:

له العشرات من التمثيليات التوجيهية الهادفة، عبّر من خلالها عن الواقع الذي يعيشه المجتمع اليمني والمشكلات التي يواجهها الفرد والمجتمع على حد سواء، محاولاً وضع الحلول في قالب درامي متميز، سواء كان ناقداً أم ساخراً.

قالوا عنه:

1 - الإعلامي القدير "شرف الويسي":

لم يقتصر "محمد المحبشي" في كتاباته على نوع محدد من البرامج الإذاعية، بل كانت شاملة ومتعددة، فقد كتب التحليل والتعليق السياسي، كما كتب البرنامج الاجتماعي والتمثيلية الدرامية، وكان كاتباً درامياً من الطراز الأول ومتنوع في التناول من الفكاهة إلى السخرية إلى الواقعية والجدية، وكتب البرامج الجادة والناقدة.

ولا أبالغ إذا قلت أنه مدرسة إذاعية بكل المقاييس.

وكان أستاذاً تعلم منه عدد من كُتاب البرامج بإذاعة صنعاء، واستفادوا كثيراً من مدرسته التي أسسها في العمل الإذاعي.

2 - الإعلامي "محمد الحطامي":

مهما نسينا فلن ننسى صوت الإذاعي "محمد المحبشي" الإنسان، صاحب القلب الكبير الذي ظل يزرع الحب للوطن والناس كل الناس، مُجسداً ذلك بأخلاقه الحميدة وتواضعه وطيبته المتناهية، فدخل قلوب الناس بدون استئذان.

3 - "طاهر الحرازي" - مخرج:

عرفت في "محمد المحبشي" ابتسامة مُشرقة، دائمة الحضور، لا تفارق محياه، عرفت فيه رجاحة العقل المستنير.
"المحبشي" مُذيع قدير وكاتب مرموق وقلم رشيق، السيرة الذاتية لحياته ومراحل نضاله مليئة بالمآثر الوطنية والمواقف الشجاعة منذ أن التحق بالعمل الإعلامي، الكثير من الناس الذين عرفوه من خلال الاستماع لأعماله العظيمة التي جعلت له رصيداً كبيراً في مكتبة الإذاعة يمتدحونه ويعتبرون غيابه عن العالم الدنيوي خسارة كبيرة على الوطن.

4 - "صدام الزيدي" - كاتب:

الإذاعي الراحل "محمد عبدالرزاق المحبشي" من أبرز المحاورين الإذاعيين، في فترة كانت الإذاعة تُمثل المصدر الإعلامي الأكثر انتشاراً ومتابعة، ذلك في السنوات الأولى التي أعقبت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر العام 1962.

5 - صحيفة "لا" اليمنية:

"محمد المحبشي" إذاعي مخضرم من الأوائل، وصاحب صوت يمتاز بُقدرة فائقة على جذب الأسماع عليه. 

6 - الشاعر الكبير "إسماعيل محمد الوريث":

لم أصدق ما جاء عبر الأثير .. عن رحيل الأخ العزيز، الأثيرِ
الزميل الذي تغرد حُباً .. ووفاءً، فمالهُ من نظير
والمذيع الذي له كل قلٍبٍ .. منزلٌ، حلهُ، بغيـض، الشعــورِ
راعني ما سمعت، مات الذي كان .. أنيقاً في النقد والتصــويرِ
وأميرُ البيان، في كلِ فنٍ .. وفتى القومِ، في دقيق الأمورِ
راعني ما سمعتُ، كان أخ الصفوِ .. نديماً، يديرُ كأس السرورِ
وافر القلبِ، بالمودة يلقا .. ك بصوتٍ عذبٍ، ووجه منيرِ
كيف أنسى يا ذكرياتي عهوداً .. جمعتنا في روضةٍ، وحبورٍ
أوّل الأمر، في الإذاعةِ يلقا .. ني بصدر رحبٍ وودٍ وفيرِ
ويدورُ الزمانُ والصحب كثرو .. ن غير أنّ الوفاء غيرُ كثيرِ
كلما خانني الزّمانُ، استداروا .. عن طريقي، وأوغلوا في النفورِ
وبنُ عبدالرّزاق ظلَّ صديقي .. ورفيقي وعمدتي، ونصيري
كيفَ أنسى رب الفصاحةِ في .. كلِ مجالٍ موفق التعبير؟
يابن عبدالرّزاقِ، يا خير من هزَّ .. حنايا الورى، بصوتٍ جهيرِ
كنتَ للمُتعبين عوناً، وللعاني .. كفيلاً، وموئلاً للفقيرِ
وتميزت بالتواضعِ والإخلاصِ .. من دون منَّةٍ أو غرورِ
يا غزير الوداد، إن كنت قد سرتَ .. إلى ذمة الودود الغفورِ
وترجّلت عن حصان الأماني .. وحياة مليئة بالشرورِ
فلقدْ خلّف ارتحالُك وجداً .. وشجوناً تضجُ خلف الصدورِ
كيف ننساك، يا نسيم الصباحا .. تِ وقنديل العشق في الديجورِ
ليس من مات، وهو أعتى من .. الموتِ كمن مات وهو ملءُ الضمير
لم تزل في القلوب حيّاً وإنْ وا .. روك تحت الثرى، وبين القبورِ
خِفةُ الظّل تلك فينا أريجٌ .. أينَ مِنْ طيبها شذىُّ العطورِ
وسجاياك ماثلاتٌ كأنّا .. ما فقدناك، ذاتَ يومٍ مطيرِ
نمْ قريرَ العينين فالعيش مرٌ .. في مُحيط العروبةِ المحصورِ
واسترح بعدما وقفت طويلاً .. تستحثُّ الخُطى لأمرٍ خطيرِ
وتنادي إلى اجتثاث العمالاتِ .. ونبذ الهوى ومدّ الجسورِ
كُنت صوتاً مجلجلاً يتحدى .. رهبةَ الصمتِ، في الفضاءِ الكبيرِ
إنما يا أخي محمد كان الغزو قد .. مدّ ظلّهُ في البحورِ
قبل أن يحرق النخيل ويجتث .. المراعي في الموطنٍ المغرورِ
كان كالداء وهو أكبر داءٍ .. قدْ تفشّى في جلدنا كالبثورِ
أيها الصادحُ المغرد يا حزمة ضوءٍ .. وموجة من عبيرِ
قد يقولون ما المذيع سوى حامل .. ختم، و"مكرفون" أميرِ
ولسانٍ للحاكمين يُغطي .. كلّ عيب فيهم، وكلّ قصورِ
ما دروا أنّ في المذيعين من يبغي .. من يبقى محلّ الثناءِ والتقديرِ
وَهَبَ العمر كله لمُحبيهِ .. وشفته حِدة التفكيرِ
ولأنت المثال ماكنت يوماً .. ظلَّ باغٍ، أو نافخ في الصُّورِ

7 – الشاعر الكبير "عباس الديلمي":

قرابة رُبع قرن، وأنا لا أستعذب سماع ما أكتبه إلاّ بصوت زميلي المرحوم المذيع المبدع "محمد المحبشي"، وبعد رحيل ذلكم الصوت هل اقول "لقد كُسر جناحي"؟

هذا ما أستطيع قوله باختصار
أما الدمعة الأولى فكانت هكذا؟
وأنت محمد
كفَ المنون رمت، فلا سلمت يد
غير التي عند المكاره تُحمد
من لي بقلبٍ عند هول فجيعةٍ
كفجيعتي بمحمد يتجلّد
لا صبر لي بعد الفراق وكيف بي
أنساك، أو أسلو وانت محمد
تأتي المصائب كالجبال عظيمة
لكنها تبلى، يُصغرها غد
إلاّ المصاب بفقد مثلك انه
في كل يوم حزنه يتجدد
كسرت جناحي رمية عن غرة
يا للمنون الصم كيف تسدد
فأنا الجريح وهل رأيتم طائراً
غرداً يطير به جناح مفرد
ستظل في قلبي رفيق محبةٍ
يا شجو سرب للجمال يغرد



 

السبت، 11 مارس 2023

فضيلة القاضي العلامة عبدالرزاق بن عبدالله بن حسين بن عبدالرحمن بن حسين بن عبدالوهاب المحبشي



عالم مُجتهد، فقيه مُحقق، قاضي، إداري، مرشد، مُفتي.

مولده بشهارة في جمادى الثاني 1348هـ، الموافق نوفمبر 1929، ووفاته بالمحروسة صنعاء في يوم الجمعة 16 جمادى الثاني 1410 هـ، الموافق 12 يناير 1990.

التحصيل العلمي:

أخذ تعليمه الديني عن كوكبة من علماء شهارة وحجة وصعدة وساقين والدريهمي.

درس بعضاً من أجزاء القرآن الكريم بالمدرسة العلمية في شهارة لدى السيد محمد مصبح، والحاج عبدالله أحمد الخدري.

انتقل مع والده كحلان الشرف بمحافظة حجة، فأتم فيها دراسة القرآن الكريم لدى الحاج مسعد عبده، والحاج عائض بن علي موانس، وشرع بعدها في حفظ وتغييب مجموع المتون لدى والده.

عاد إلى شهارة ثانية، ماكثاً فيها أربعة أعوام، أكمل خلالها دراسة مجموع المتون لدى العلامة علي بن محمد بن عبدالله المتوكل، وبعضاً من أصول وفروع العلوم الشرعية لدى كوكبة من علمائها.

في الـ 12 من عمره انتقل الى صعدة مع أخويه العلامة الزاهد عبدالكريم بن عبدالله المحبشي - من مواليد شهارة في العام 1345هـ، الموافق 1926 - والعلامة فتح الله بن عبدالله المحبشي، واللذان لازماه في كافة مراحله التعليمية، ماكثاً فيها أربعة أعوام، تمكن خلالها من دراسة علوم النحو - متن الأجرومية وقطر الندى وبل الصدى - والجزء الأول وأكثرية الثاني من شرح الأزهار لدى العلامة أحمد بن عبدالواسع الواسعي، وعلوم التوحيد في العقيدة - الثلاثين مسألة، وكنز الرشاد، وسبيل الرشاد في معرفة رب العباد لدى السيد العلامة محمد بن حسن الوادعي الحسني بهجرة ساقين، وكافل لقمان في أصول الفقه لدى العلامة عبدالله سهيل، والفرائض في علم المواريث لدى العلامة أحمد مرق، وحاشية الحاجب في النحو لدى العلامة عبدالكريم علي الرازحي، وقواعد الإعراب في النحو لدى العلامة محسن بن عبدالرحمن المحبشي، ومجموع المتون إعادة لدى العلامة محمد بن حسن بن حسين المحبشي، والتجويد لدى العلامة علي المراني.

انتقل بعدها إلى مدرسة حورة بمدينة حجة، ماكثاً فيها أربعة أعوام، درس خلالها بقية أجزاء شرح الأزهار وكافل لقمان إعادة وكامل الطبري لدى العلامة يحيى قاسم العزي، وحاشية الحاجب إعادة لدى العلامة يحيى بن محمد الجرباني، والمعاني والبيان في علوم البلاغة لدى العلامة عبدالله الجوبي.

عاد إلى شهارة للمرة الثالثة عقب تأسيس مدرستها العلمية رسمياً، فدرس فيها شرح الأزهار والعُمدة وسُبل السلام وغاية السؤال لدى العلامة يحيى بن يحيى الأشول، والكشاف في تفسير القرآن وعلومه، والمناهل، وصحيح البخاري لدى العلامة محمد بن قاسم الوجيه، والشرح الصغير في المعاني والبيان والبديع ومُغني اللبيب لدى العلامة حسن حرب.

وممن أخذ عنهم في مدينة الدريهمي من أعمال محافظة الحديدة: العلامة عمر بن عبدالله فاشق، والعلامة يحيى بن عمر الضرير، عندما كان حاكماً فيها بعد وفاة حاكمها عام 1376هـ، الموافق 1956.

السجل الوظيفي:

مارس خلال مسيرته العلمية التدريس والتدريب على أعمال القضاء رغم انشغاله بالدراسة، فدّرس الفرائض في علم المواريث والتاج المذهب في أحكام المذهب وقطر الندى وشرح الأزهار لطلاب المدرسة العلمية بشهارة، وتدرب على أعمال القضاء لدى حاكم مدينة حجة العلامة يحيى بن حسين المحبشي - عمه لأبيه - وحاكم لواء صعدة العلامة عبدالرحمن بن حسين المحبشي - عمة لأبيه - وهو لا يزال في العقد الثالث من عمره وقتها.

انتسب إلى سلك القضاء في العام 1376هـ، الموافق 1956، وعمره لم يتجاوز ألـ 27 عاماً، وحتى العام 1411هـ / 1990، مانحاً القضاء والعدالة 34 عاماً من عمره، تنقل خلالها في العديد من محاكم محافظة الحديدة.




العهد الملكي:

1 - حاكم الدريهمي، 1376هـ/ 1956، بتزكية من حاكم الحديدة وقتها القاضي محسن بن عبدالرحمن المحبشي، نالت استحسان وموافقة الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين بموجبها تم استقدامه إلى صنعاء للاختبار من خلال العمل في القصر الملكي، وبعد مُضي ثلاثة أشهر صدر قرار تعيينه، ماكثاً فيها 14 عاماً، منها 7 أعوام في العهد الملكي و7 أعوام في العهد الجمهوري.
2 - تصريف أعمال محكمة الحديدة خلال فترات غياب القاضي محسن المحبشي.

العهد الجمهوري:

1 - حاكم مدينة المنصورية، أربعة أعوام.
2 - حاكم ناحية كسمة، شهر ونصف.
3 - عضو محكمة الحديدة الأولى، ستة أشهر.
4 - رئيس محكمة المراوعة، أربعة أعوام.
5 - رئيس محكمة السلفية من أعمال ريمة، ثلاثة أشهر.
6 - رئيس محكمة المنصورية ثانية، حتى العام 1979.
7 - تصريف أعمال محكمة السخنة بسبب وفاة حاكمها، عامين.
8 - رئيس المحكمة الجنوبية بالحديدة عقب تأسيس نيابة استئناف لواء الحديدة في 19 ربيع الثاني 1400 هـ، الموافق 6 مارس 1980، وظل فيها حتى العام 1989.
10 - رئيس الشعبة الثالثة - أحوال شخصية - بمحكمة استئناف الحديدة حتى وافته المنية.
11 - قاضي الأهِلّة بالحديدة، "1980 - 1990".
12 - قاضي الأمور المستعجلة في شهر رمضان بالحديدة، "1980 - 1990".

وإليه يعود فضل تحديد دخول وخروج شهر رمضان، إلى أن وافته المنية.


أولاده:

 محمد - كاتب محكمة، عبدالولي، فؤاد.

مراجع ذُكر فيها العلم:

1 - أحمد عثمان مطير، الدرة الفريدة في تاريخ مدينة الحديدة، دار المصباح للطباعة والنشر، الحديدة، 1983، ص 174 - 175.
2 - النجل الأكبر للمترجم له محمد عبدالرزاق المحبشي.

فضيلة القاضي العلامة يحيى بن يحيى بن محمد الشبامي


 


عالم رباني، قاضي، فقيه مجتهد، مُفتي، مُرشد، أديب، مؤلف، سياسي، برلماني.

مولده بمدينة شبام كوكبان من أعمال محافظة المحويت في حدود العام 1350 هـ، الموافق 1932، ووفاته بالمحروسة صنعاء في يوم السبت 21 شوال 1438 هـ، الموافق 15 يوليو 2017.

عُرف بنهجه الإرشادي الجامع لقلوب الناس بمختلف توجهاتهم وتبايناتهم الفكرية والمذهبية والثقافية والسياسية .. وكان أباً للجميع، ومُحباً لفعل الخير، وتعهُد أصحاب الحاجة من الفقراء والمساكين، والسعي للإصلاح بين المتخاصمين.

كان صاحب وقار وبهاء وهيبة وابتسامة، ولا تخلو الطُّرفة من فمه، وخُطَبُه يأتي إليها الناس من أنحاء صنعاء، ومجلسُه لا يُمل، وحديثه يغسل القلوب، ويروي عطش النفوس.

جالس الوزراء والقادة والرؤساء والساسة، وكلُّ تلك المناصب والمكانة لم تَحُلْ بينه وبين التواضع، وخَفْض الجَناح، ولين الجانب، وتعهد أصحاب الحاجة، ومخالطة البُسطاء.

التحصيل العلمي:

درس لدى كبار علماء شبام وصنعاء والروضة وتعز، منهم:

العلامة حسن بن أحمد الحيمي، العلامة أحمد بن قاسم الناصر، العلامة علي بن شمس الدين الناصر، العلامة لطف بن إسماعيل الفسيل، العلامة علي بن أحمد الهيصمي، العلامة محمد بن علي بن أحمد الهيصمي، أحمد بن علي بن أحمد الهيصمي، ..، ألخ.

حفظ القرآن الكريم وهو لا يزال في الـ 12 من عمره، وفاق أترابه ذكاءاً وفطنة وعلماً، حتى صار الغرة الشاذخة في أعيان عصره.

ويُعدُ امتداداً لمدرسة ابن الوزير، وابن الأمير الصنعاني، والمُقبلي، والجلال، والكوكباني، والشوكاني، وأحد أعلامها المجددين في عصره الى جانب القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني.

ظل مسجده ومجلسه عامرٌ بالدروس الدينية حتى اللحظات الأخيرة من حياته، وتخرج على يديه مئات العلماء.

 لخُطبه الدينية وقعها في قلوب المستمعين، بما فيها من فخامة الألفاظ، وتنوع الصور البلاغية من سجع وخلافه، وغزارة المعرفة الدينية والثقافية، وقد تشرفنا بحضور بعضها. 

السجل الوظيفي:

تولّى العديد من المناصب في مجال القضاء والإدارات العامة في خولان وتعز وصنعاء والحديدة.

تبوأ مكانة عالية في الدولة، وشغل العديد من المناصب الرفيعة فيها، منها:

1 - عضوية مجالس الاستشاري والشورى والنواب.
2 - رئيس لجنة العدل والأوقاف بمجلس النواب.
3 - وكيل وزارة الأوقاف برتبة وزير.
 4 - مستشار وزارة الأوقاف، وهو أخر منصب تولاه قبل وفاته.

كان له دور محوري في تفعيل التعاونيات خلال سبعينيات القرن العشرين، وله بصماته في تقنين القوانين بمجلس النواب، وحتى بعد تركه المجلس، كانت اللجان البرلمانية المختصة لا تستغنِ عن أخذ أرائه ومشورته.

الأنشطة الاجتماعية:

1 - عضو جمعية علماء اليمن.
2 - عضو هيئة علماء اليمن.

الإنتاج الفكري:

1 - "الفجر المنير "على شواهد فتح القدير للإمام محمد علي الشوكاني، 12 مجلداً. 
2 - "مفاتيح الأسرار" تخريج وتحقيق وشرح أحاديث كتاب "فتح الغفار".

له العديد من القصائد في مجالات متنوعة، وترك كم كبير من الخُطب والمحاضرات الدينية المُسجلة.

قالوا عنه:

1 - "صالح الصماد" - الرئيس الأسبق للمجلس السياسي الأعلى بصنعاء: 

القاضي الشبامي مثالاً للعالم الجليل والقاضي الزاهد الحريص على تحقيق الإنصاف والعدل بين الناس، وكما عرفناه أثناء أدائه لمهامه الوطنية التي كُلف بها فقد كان مثالاً يُحتذى به في الإخلاص والتفاني في أداء مهامه، كما كان خلال رحلة عطائه الطويلة مُفعماً بحُب الواجب، مُنتصراً للحق والعدل، مُغلباً مصالح الوطن والشعب على المصالح والاعتبارات الأخرى.

2 - الدكتور "عبدالعزيز بن حبتور" - رئيس الوزراء بحكومة صنعاء:

لقد خسر الوطن برحيل القاضي الشبامي واحداً من علمائه الإجلاء الذين كان لهم دور مشهود في تكريس روح التسامح والوسطية والاعتدال في أوساط المجتمع، ومواجهة الفكر المتطرف، والوقوف في وجه كل الدعوات الهدّامة لوحدة المجتمع وسكينته العامة.

3 - القاضي "شرف القليصي" - وزير الأوقاف والإرشاد الأسبق: 

القاضي الشبامي من العلماء والقُضاة التُقاة العدول الذين تميزوا بالوسطية والاعتدال.

4 - الشيخ "محمد الصادق":

صَهٍ لِلشِّعْرِ أو نَظْمِ الكلامِ .. فنَظْمُ القَلْبِ أَوْلَى فِي الشبامِي 
هو المَشغوفُ بالآثارِ دَوْماً .. وبالأَخبارِ عن خَيْر الأَنامِ 
وبالتذكِيرِ والتدرِيسِ دَهْراً .. وبالطاعاتِ عامًا بعدَ عامِ 
وبالإِنكارِ إنْ فَشَتِ المعاصي .. ولا يَخْشَ تَقَاريعَ الملامِ 
وبالأَسفارِ للتبليغِ نَشْراً .. وتَقريباً إلى دارِ السلامِ 
له الأَسفارُ خطَّتْها يَمينٌ .. وتَنْتَظِرُ الشروقَ على الكِرامِ 
وإنْ حصَلَ التَّبايُنُ فِي أُمُورٍ .. فإنَّ الوُدَّ أقْوَى فِي الدَّوامِ 
سَمِعْتُ لِمَوْتهِ سَببًا وفَأْلاً .. بِهِ تُرْجَى الشَّهَادَةُ في الخِتامِ 
وتَشْييعُ الجُموعِ لَهُ دَليلٌ .. كَمَا قَدْ صَحَّ عن سَلَفٍ كِرامِ 
سألْتُ اللهَ يَغْمُرهُ بعَفْوٍ .. ويَغْمُرنا كأَمطارِ الغَمَامِ


أولاده: 

عبدالرحمن - نائب سابق للمدير العام للشؤون التجارية ومستشار المؤسسة العامة للاتصالات، محمد، عبدالعزيز - مستشار المؤسسة العامة للاتصالات، مطهر - موظف إداري برئاسة الجمهورية، إبراهيم - محامي وموظف بالمؤسسة العامة للاتصالات، رضوان، أمين.

الخميس، 9 مارس 2023

أهمية الموالاة والمعاداة في حفظ دولة الإسلام من الضياع والانهيار

مركز البحوث والمعلومات: زيد يحيى المحبشي

 

المُوالاة والمُعاداة من المفاهيم الأكثر إثارة للجدل والانقسام في أوساط علماء المسلمين في الـ 14 قرناً الماضية، وتباينهم في تفسير مفهومهما، والأحكام المترتبة عليهما، ولعلى أحد أهم أسباب هذه البلبلة تصادم مدلولاتهما مع شهوة الأنا الإستئثارية التسلُّطية الإستحواذية لدى حكام وملوك وسلاطين المُلك العضوض، وهو ما كان له عظيم الأثر في توهين وإضعاف دولة الإسلام، وجعلها مرتعاً للغزاة والمحتلين والطامعين من طُغاة العالم.

 

ولا عجب عندما تتعارض الإرادة البشرية التسلُّطية مع الإرادة الإلهية أن تتهدّم أركان الدين، وتنهار حضارة الإسلام، وتتحول أمة الضاد، التي جعلها الله خير الأمم، وأمة وسطاً شاهدة على الناس، من العزة والعلِّية الى الشتات والتقزّم والتيه، وهذا نتاجٌ طبيعي لـ:

 

1 - ابتعاد الأمة الإسلامية عمن أمر الله بموالاتهم وولايتهم وتولِّيهم وتوليتهم من أهل الحق المُحقِّين بنص مُحكم التنزيل، وجعله مودّتهم والولاء لهم أمنٌ وأمانٌ وحِصنٌ حصين من مهاوي السقوط والانزلاق في بركة الباطل الآسنة.

 

2 - رضوخ المسلمين لإرادة من أمر الله بمعاداتهم من أعد الحق وأهله، خوفاً من سياطهم وسيوفهم.

 

إذن فنحن أمام قاعدة إلهية ثُنائية الأبعاد، لا يُعذر بتركها أحد من المُكلّفين بإجماع كل علماء الدين من خارج بلاط سلاطين المُلك العضوض، من تمسك بها نجا في الدنيا من الذل والاستعباد والتيه والهوان، وفاز في الأخرة بالأجر الجزيل والثواب الكبير ورضا الرب الجليل.

 

روى الإمام الناصر عليه السلام في "البِساط" عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أن الإمام علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لو أن عبداً قام ليله وصام نهاره، وأنفق ماله في سبيل الله عِلْقاً عِلْقاً وعَبَدَالله بين الركن والمقام، ثم يكون آخر ذلك أن يُذْبَحَ بين الركن والمقام مظلوماً لما صعد إلى الله من عمله وزنُ ذرةٍ، حتى يُظهر المحبة لأولياء الله والعداوة لأعدائه".

 

يقول الشهيد القائد السيد "حسين بدر الدين الحوثي" رضوان الله عليه في تعليقه على هذا الحديث:

هذا حديثٌ خطير، القرآن يشهدُ لهُ فيما يتعلق بخطورة المُوالاة والمُعاداة؛ ولهذا قال الله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ، أليس الله هنا يُخاطب مؤمنين؟ "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ"؟، قال: "وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ"، أي: منكم أيها المؤمنون، "فَإِنَّهُ مِنْهُمْ"، يُصبح حُكمه حُكمهم، فيكون يُصلِّي وهو يهودي، يُسبِّح وهو يهودي، يصوم وهو يهودي، يُزكّي وهو يهودي.

خطيرة هذه جداً، يقول: "ومن يتولهم منكم"، منكم أيها المؤمنون، من يشملهم اسم الإيمان فإنه منهم، حُكمه حُكمهم، ومصيره مصيرهم.

 

فما هي الموالاة والمعاداة، وما أنواعهما، وما هي الأحكام الشرعية المترتبة عليهما، وما أهميتهما في حياتنا المعاصرة؟.

 

ماهية الموالاة وأنواعها

 

تعددت مُسمياتها وأصلُها ومعناه واحد، منها: الموالاة، الولاية، التولّي، الولاء.

 

وهي تعني في لغة العرب: المحبة، المودة، النُصرة، التقرُّب، الإكرام، ..، وفي الشرع: محبة المحاسن للغير، وكراهة المساوئ مع النصيحة وعدم الخذلان حسب الإمكان، لأن من خذل لم يكن منه ضد المعاداة ضرورة، والتقرب إلى الله في الأقوال والأفعال، وخُلوص النية له سبحانه وتعالى، واتخاذ المولى، وتقديم كامل المحبة والنُصرة للمُتوليَّ، وإتباع نهجه وسيرته.

 

والموالاة بحسب النوع:

 

1 - عامة:

 

مثال ذلك موالاة المؤمنين والمؤمنات بعضهم لبعض، قال الله سبحانه وتعالى:

"وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أولئك سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ".

 

2 - خاصة:

 

وهي ما أوجب الله سبحانه وتعالى على المؤمنين من طاعة أولي الأمر منهم ومودتهم، وتوقيرهم وسُؤالهم، والرد إليهم، والاقتفاء لآثارهم في الدين قولاً وعملاً واعتقاداً.

 

وبحسب الظرف:

 

1 - مستترة:

 

مثال ذلك موقف أهل الكوفة من ثورتي الإمام الحسين عليه السلام، وحفيده الإمام زيد بن علي عليه السلام، فقد كانت قلوبهم مع الثورتين، لأن قادتهما على حق، وخرجا ضد باطل طغى واستفحل شره، لكن ساعة المواجهة بين الحق والباطل تبدّلت النوايا وتحوّلت سيوفهم الى صدر سبط الرسول وحفيده عليهما السلام، خوفاً من بطش الطُغاة والظلمة من بني أمية، ولهثاً وراء بريقٍ خادع من متاع الدنيا الفانية.

 

2 - بارزة:

 

ما نجد دلالتها في موقف الناس في موسم الحج من الملك الأموي "هشام بن عبدالملك" والإمام السجاد "علي بن الحسين" عليه السلام.

 

يذكر المؤرخون أن "هشاماً" ذهب الى الحج وأراد استلام الحجر الأسود، لكن زحمة الناس حالت دون ذلك، رغم أنه الملك والسلطان، لكن لا هيبة لهما في ذلك المكان الطاهر، وصادف وجود الإمام "السجاد" في نفس المكان والموسم، وعند اقترابه سلام الله عليه من الحجر، أفسح الناس له تهيُّباً وتكريماً وإجلالاً وتعظيماً، فغضب جلاوزة وعبيد "هشام"، وسألوه عن هوية ذلك العبد الصالح، فرد سيدهم العفن المُتسلِّط: "لا أعرفه".

 

 حينها برز من بين الجُموع الشاعر العربي الشهير "الفرزدق"، وقال: "أنا أُعرِّفكم به"، وردد على مسامعهم قصيدته المشهورة:

 

هَذا الَّذي تَعرِفُ البَطحاءُ وَطأَتَهُ .. وَالبَيتُ يَعرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ

هَذا اِبنُ خَيرِ عِبادِ اللَهِ كُلِّهِمُ .. هَذا التَقِيُّ النَقِيُّ الطاهِرُ العَلَمُ

هَذا اِبنُ فاطِمَةٍ إِن كُنتَ جاهِلَهُ .. بِجَدِّهِ أَنبِياءُ اللَهِ قَد خُتِموا

وَلَيسَ قَولُكَ مَن هَذا بِضائِرِهِ .. العُربُ تَعرِفُ مَن أَنكَرتَ وَالعَجَمُ

كِلتا يَدَيهِ غِياثٌ عَمَّ نَفعُهُما .. يُستَوكَفانِ وَلا يَعروهُما عَدَمُ

سَهلُ الخَليقَةِ لا تُخشى بَوادِرُهُ .. يَزينُهُ اِثنانِ حُسنُ الخَلقِ وَالشِيَمُ

حَمّالُ أَثقالِ أَقوامٍ إِذا اِفتُدِحوا .. حُلوُ الشَمائِلِ تَحلو عِندَهُ نَعَمُ

ما قالَ لا قَطُّ إِلّا في تَشَهُّدِهِ .. لَولا التَشَهُّدُ كانَت لاءَهُ نَعَمُ

عَمَّ البَرِيَّةَ بِالإِحسانِ فَاِنقَشَعَت .. عَنها الغَياهِبُ وَالإِملاقُ وَالعَدَمُ

إِذا رَأَتهُ قُرَيشٌ قالَ قائِلُها .. إِلى مَكارِمِ هَذا يَنتَهي الكَرَمُ

يُغضي حَياءً وَيُغضى مِن مَهابَتِهِ .. فَما يُكَلَّمُ إِلّا حينَ يَبتَسِمُ

بِكَفِّهِ خَيزُرانٌ ريحُهُ عَبِقٌ .. مِن كَفِّ أَروَعَ في عِرنينِهِ شَمَمُ

يَكادُ يُمسِكُهُ عِرفانُ راحَتِهِ .. رُكنُ الحَطيمِ إِذا ما جاءَ يَستَلِمُ

اللَهُ شَرَّفَهُ قِدماً وَعَظَّمَهُ .. جَرى بِذاكَ لَهُ في لَوحِهِ القَلَمُ

 

وبحسب الأهمية:

 

1 - إيجابية:

 

كولاء المسلمين لدينهم وكيانهم الإسلامي، يقول الله سبحانه وتعالى: "وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ"، أي تنتمون لأعلى كيان أو مجتمع، كما يقول الحق سبحانه: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ"، فجعلت الآية الأمر بالمعروف ولاء للإسلام، لأن فيه حفاظٌ على قيم الإسلام، وترسيخٌ لمبادئه.

 

2 - سلبية:

 

كولاء المسلمين لمن يُعادون الإسلام أو أولياء الله، قال الحق تبارك وتعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ"، والمودة هنا "الولاء المُتبادل"، وقال سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ".

 

ماهية المعاداة وأقسامها

 

تنوعت مُسمياتها وضابطها واحدٌ، منها: المُعاداة، العداوة، البراء، البراءة، التبرّي.

 

أصلها من "عدا" إذا غَشم وظَلم، ونقصد بها في لغة العرب البُغض والبُعد والكراهية والمُباينة، ..، وفي الشرع: محبة المساوئ، وكراهة المحاسن، والبُعد عن طريق الصلاح والإسلام، وإتباع الكافرين والمنافقين، والبُعد عن الله تعالى بالمعاصي والشرك والنفاق.

 

وهي على قسمين:

 

1 - المُبارأة لكل عاصٍ لله تعالى بالقلب واللسان مع جواز البر له والإقساط إليه - إذا كان مُسالماً - بكل ممكن.

2 - المُبارأة لمن حارب أئمة الهُدى، وظاهر على حربهم، والمعاداة لهم.

 

موقف الشرع منهما

 

تنفرد الزيدية عن سائر المذاهب الإسلامية الأخرى بالخروج على الظالمين أياً كانوا، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإعمال مبدأ الموالاة والمعاداة، أو ما يسمى بالولاء والبراء، وتتشدد في أحكامها تشدُداً كبيراً، ولا تُجَوِّز موالاة الظالمين إلى حد تحريم مُجالستهم ومُؤانستهم ومُداهنتهم، كما تُحَرِّم مُعاداة أولياء الله ولو بمجرد الكراهية النفسية، بل وتعتبر الموالاة والمعاداة من مسائل أصول الدين، وأحد أركانه الوثيقة التي لا يُعذر بتركها أحد.

 

والولاء والبراء في مفهوم علماء الزيدية، ومنهم الإمام الأجل "حُميدان بن يحيى القاسمي" عليه السلام، من جُملة البلوى، أي من الأمور التي أُبتلي بها المؤمنين في هذه الدنيا الفانية من أجل التمحيص والاختبار، وهما مأخوذان من وجوب إكراه النفس على البُغضة والمُهاجرة لمن وَلِعَت نفسه بمحبته، وأَنِست بصُحبته، من الآباء والأبناء، والسادة والأخلاء، إذا كانوا مُحادِّين لله ولأوليائه، وإكراهها على ما تكره من الموادّة، والموالاة لمن عاداهم.

 

ووجوبهما، ظاهرٌ بما في كتاب الله من الأمر بموالاة أوليائه، وأوليائه هنا "العترة الطاهرة" ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم، والوعد على ذلك بالثواب، والنهي عن مُوادّة أعدائه، ويندرج في ذلك المناوئين والمُبغضين لأئمة الحق، والوعيد على ذلك بالعقاب.

 

وبما في أقوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأفعاله، واشتراطه للولاء والبراء على من تابعه.

 

قال الإمام الناصر "الحسن بن علي" عليه السلام: فيما حكاه عنه مُصنف "المُسفر":

"لا إيمان إلا بالبراءة من أعداء الله وأعداء رسول الله، وهم الذين ظلموا آل محمد، وأخذوا ميراثهم، وغصبوا خُمسهم، وهمّوا بإحراق منازلهم".

 

وقال الإمام الهادي "يحيى بن الحسين" عليه السلام في جوابه لأهل صنعاء:

"وإلى الله أبرأ من كل رافضٍ غوي، ومن كل حروريٍ ناصبي، ومن كل معتزليٍ غال".

 

وقال سلام الله عليه في "الأحكام":

"لا يجوز مُكاتبة الظالمين، ولا يحِل مُؤانستهم بكتاب ولا غيره، ..، يجب على المؤمنين إنكار المُنكر على الظالمين بأيديهم إن استطاعوا ذلك، فإن لم يستطيعوا وجب عليهم إنكاره بألسنتهم، فإن لم يستطيعوا وجب عليهم الهجرة عنهم والمعاداة للظالمين بقلوبهم وترك المقام بينهم والمجاورة لهم"، وكذلك جاء التشديد في مصنفاته، فكيف يصح التولِّي من جهتهم، وذلك من أعظم الإيناس لهم!، ويلزم منه مساكنتهم، وعدم الهجرة من بينهم مع ترك النكير عليهم، لأن عوائدهم جائرة بالتجبر والتكبر وعدم الرضا بالنكير عليهم.

 

ولا خلاف في وجوب الولاء والبراء على الجُملة، لأن أهل كل مذهبٍ يوجبونهما على أتباعهم، ويدّعون أنهم هم "الفرقة الناجية".

 

لكن يبقَ الخلاف في معرفة الفرق بين "ولي الله" و"عدوه"، ومعرفة الفرق بينهما فرع على معرفة الفرق بين "الحق" و"الباطل" بصفاتهما وأدلتهما التي من عرفها لم يُوالِ من تجب مبارأته، ولم يبارِ من تجب موالاته.

 

ومعرفة الفرق بين الحق والباطل فرعٌ على معرفة الفرق بين أدلة العقل وما يُعارضها من الشُبه المُتوهمة، وبين مُحكم الكتاب والسنة، وما يُعارضهما من المُتشابه، والآراء المُبتدعة.

 

وبمعرفة هذا الأصل وهذه الجملة من مُقدمات البلوى يُعرف الفرق بين الحق والباطل، وبين أهلهما، وبمعرفة ذلك كله يُستعان على معرفة البلوى بما أوجب الله تعالى على الأمة من طاعة من جعله الله ولياً لهم بعد رسول الله، وأميراً لهم في حياته وبعد مماته، ونقصد بذلك الإمام "علي بن أبي طالب" عليه السلام ومن توافرت فيهم شروط الدعوة والقيام من ذريته الطاهرة الى يوم البعث والنشور، وما يستوجبه الشرع الشريف من موالاتهم ومعاداة من نازعهم، ولا يجوز رفض كليهما لما في ذلك من تجويز خروج الحق من أيدي جميع الامة.

 

ومن التقولات المتهافتة الواجب التنبُّه لها، ادعاء البعض بأن البراء يتنافى مع كرامة الإنسانية، ومع المحبة والمودة والترابط والتعاطف بين أبناء المجتمع الإسلامي، لأنه يعمل على تأليب القلوب على أشخاص آخرين، ونشر الكراهية والحقد بين أبناء المجتمع الإسلامي، لذا فهو غير حضاري بحسب زعمهم.

 

وهذا زعمٌ باطلٌ، وكلامٌ ممجوجٌ ومردودٌ عليه، لأن البراء موجهٌ في الأساس لمن يجاهرون بالعداء للإسلام والمسلمين، لكن لا مانع من إقامة علاقات صداقة مع من يحترموننا ويحترمون ديننا ومُعتقداتنا من الديانات الأخرى، يقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا"، وقال الحق سبحانه: "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ".

 

الأهمية والغايات

 

الحُب والبُغض، والولاء والبراء، والمودة والعداء، في مفهوم العلامة "محمد الرصافي المقداد" أحاسيس تنمو في البشر، وتتفاعل زيادة أو نُقصاناً، كلما طرأ على القلب طارئ، فأنت عندما تُحبُ أحداً، يكون لحبك سببٌ دفع بقلبك إلى أن يُفسح المجال لذلك الإحساس، كي يستقر فيه وينمو.

 

والدين كل الدين ليس إلا تولِّياً وتبرِّياً، تولِّياً لأولياء الله، وما يستوجبه ذلك من المعرفة والحب والاقتداء والإتباع والنُصرة والمؤازرة، وتبرياً من أعدائه وما يستوجبه ذلك من معرفتهم وبغضهم ومقاطعتهم ومناوئتهم وحربهم.

 

وإن كنت من أهل الدين، فابحث داخل قلبك عن التوِّلي والتبرِّي، فإن وجدت لهما مكاناً، فإنك على خير، وإن لم تجد أحدهما، فإنك تتأرجح بين طريقي الهداية والغواية، وإن لم تجد كليهما فكبّر على دينك وعُمرك اللذين ضيعتهما خمساً.

 

إذن فهما كما يرى السيد العلامة "محمد بدرالدين الحوثي" أساسٌ من أُسس الدين القويم، وقاعدةٌ عريضةٌ ارتكزت عليها دولة الإسلام يوماً ما، وعندما فقد المسلمون التزامهم بهذه القاعدة الإلهية، وركنوا إلى أعداء الله الظالمين والمُستكبرين، انهارت دولة الإسلام، وتهاوى ذلك البناء الشامخ، وتخطّفهم المستعمرون، واحتلوا بُلدانهم، وسيطروا على ثرواتهم.

 

ولا خلاف بين علماء أهل البيت بمختلف مذاهبهم وتوجهاتهم ومراتبهم ومُسمياتهم بأن التولِّي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام، ومودّتهم، ومحبّتهم، تكليفٌ إلهي لا عُذر لأحدٍ فيه، وولائهم، ولاءٌ للإسلام والرسالة المحمدية، وأمانٌ من الانحراف واتباع الهوى، ورُكنٌ وثيقٌ من أركان الدين، وأحد أهم العوامل المُساعدة على ترسيخ العقيدة في قلوب المؤمنين.

 

ذكر القاضي "عيّاض" رحمة الله عليه في "الشفاء"، أنه صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "معرفة آل محمد براءةٌ من النار، وحُب آل محمد جوازٌ على الصراط، والولاية لأهل محمد أمانٌ من العذاب".

 

ورُوي أنه صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "ألزموا مودّتنا أهل البيت، فإن من لقي الله وهو يودّنا، دخل الجنة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينفع عبداً عمله إلا بمعرفة حقنا"، والمودة في الحديث هي الموالاة والولاية بمفهومها الشرعي الواضح المتمثل في التولّية والحكم.

 

والموالاة لهم أيضاً لا تعنِ الحُب المُتعارف عليه بين المُتحابِّين، بل الالتحام المنهجي والفكري والسياسي للإنسان المسلم في كافة الميادين والمناشط الحياتية مع قادة وأئمة أهل البيت عليهم السلام، قال تعالى: "ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ".

 

وهناك فرقٌ كبير بين "الحب"، و"الولاء"، كي تتوضّح الصورة وتكتمل الفائدة، فالأول يعني "الميل النفسي والقلبي" لشخصٍ أو جِهةٍ ما، بسبب وجود صفةٍ أو شكلٍ أو سلوكٍ مُعين جاذب، بينما يعني الثاني "الارتباط المنهجي"، والارتباط أكبر وأعظم من الحُب، وهذا يعني اعتبار الموالاة "رمزاً" و"مثلاً" و"قدوة"، لأنها نهجٌ رباني شمل الكون والحياة، نتيجة التخلُّق بأخلاق الله، والتولّي لأوليائه، ورفض كل أشكال الانحراف والازدواجية في شخصية الانسان المؤمن، كون الانسان لا يستطيع أن يُوازي بين فعل الخيِّر الذي يتولاه الولي، والفعل الشنيع الذي يتولاه أعداء الله، ما يجعل من الموالاة لأهل الحق شِفاءٌ ناجع لأمراض النفس، والسمو بها في سلالم اليقين والتقوى.

 

من هنا تأتي أهمية هذه القاعدة الإلهية في الحفاظ على دولنا وثرواتنا وسيادتنا وكينونتنا وديننا وكرامتنا وهويتنا الإيمانية من دنس وعبث الغزاة والمحتلين والمخذولين والمنبطحين والمُتصهينين من أبناء جلدتنا، وهذا لا يكون إلا بموالاة من أمر الله بموالاتهم في محكم التنزيل، وجعل موالاتهم حِصناً وأمناً لأهل الأرض من مهاوي الضلال والضياع والتيه، ونوراً يستضيئُ به الباحثين عن الحق والهُدى والحرية والكرامة والعلِّية والعزة والرفعة.

 

كما للعمل بهذا المبدأ الديني السامي أهمية كبيرة في تربية المسلمين على رفض الظلم من أي جهةٍ كانت، قال تعالى: "قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ"، وقال سبحانه: "إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ".

 

وعليه يمكننا القول بيقينٍ قاطع وإيمانٍ ساطع بأن الموالاة والمعاداة ثقافة إسلامية وقرآنية أصيلة، مطلوبٌ من المسلمين اشاعة هذه الثقافة التي يُشكِّل أهل البيت عليهم السلام محورها، إذا ما أرادوا الظفر والعلِّية.

 

المراجع:

 

1 - السيد العلامة أحمد بن محمد بن صلاح الشرفي، اللآلئ المضيئة، الجزء الأول.

2 - مجموع الإمام القاسم بن محمد عليه السلام.

3 - السيد العلامة حسين بدر الدين الحوثي، الموالاة والمعاداة، اليمن ـ صعدة، شوال 1422هـ.

4 - مجموع السيد حُميدان بن يحيى القاسمي عليه السلام.

5 - الشيخ الدكتور عبدالزهراء البندر، الولاية ومفهوم التولي والتبريء، مؤسسة الأبرار الإسلامية، 23 مارس 2018.

6 - السيد العلامة محمد بدر الدين الحوثي، الولاء والبراء الأهمية والأثر، المنطلقات والضوابط، دائرة الثقافة القرآنية بالمكتب التنفيذي لأنصار الله، 7 مارس 2018

7 - العلامة محمد الرصافي المقداد، ولاية الله تعالى، مركز الأبحاث العقائدية، تونس.

8 - العلامة منير الخباز القطيفي، الولاء المقدس، شبكة المنير، 1 يناير 2009.

9 - موقع شبكة عريق، التولي والتبري.