Translate

الخميس، 8 أبريل 2021

خفايا وأسرار العلاقات اليمنية الصهيونية 4/4

 الزواج العرفي بين المجلس الانتقالي وإسرائيل

مركز البحوث والمعلومات: زيد المحبشي، 8 أبريل 2021

أينما حلّت الإمارات، وُجدت إسرائيل، ووُجد الخراب والدمار، واحدةً من الحقائق المرة التي لم يعد بمقدور أحدٍ حجبها، بالنظر إلى الخراب الذي أحدثته دويلة الإمارات في المشرق العربي، خلال العقد الأخير، رغم حداثتها، ولا عجب، فصنيعة الإنجليز في مهمة قذرة، لتهيئة المنطقة لشقيقتها الكبرى "إسرائيل"، وفتح كل الأبواب المغلقة أمامها بلا كوابح ولا ضوابط.

اليمن إحدى البلدان المكتوية بنيران أحفاد الإنجليز، 6 سنوات من العدوان العبري البربري، مارست الحفيدة الصغرى المسماه بـ"الإمارات" خلالها كل أنواع القذارات في مهد العروبة، ولم تكتفِ بشهوة القتل والخراب، بل وعملت بلا كلل ولا ملل على استحضار لعنة "سايكس بيكو" وإعادة تقسيم المقسم، فأنشأت في مايو 2017 ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن، ودفعت به في أبريل 2020 إلى إعلان استقلال جنوب اليمن ذاتياً، ونفخت فيه أحلام الدولة المستقلة في حدود 1989، وزينت له تطبيع العلاقة مع الكيان الصهيوني، بعد أن مكّنت الصهاينة من كل مفاتيح التحكم باليمن، ورتبت سلسلة من لقاءات العشق المحرمة بين المجلس والصهاينة.

الاهتمام الإماراتي المتعاظم لتأسيس دولة صغيرة تابعة لها في اليمن، يصب في طابعه العام في اتجاهين:

1 - جعل هذه الدولة رأس سهم صغير وفعّال، يمكن من خلاله التحكم فيما يحدث على الممرات الملاحية، ولتكون جسر جيوسياسي، يضاف إلى صفوف مواقع الإمارات الاستيطانية في القرن الأفريقي وباب المندب، بحسب الباحثة في معهد التفكير الإقليمي "عنبال نسيم لوفتون" في حديث مع مركز سوث24 للأخبار والدراسات بتاريخ 6 سبتمبر 2020.

2 - تمكين الصهاينة من اليمن بصورة عامة وجنوب اليمن بصورة خاصة، والإسرائيليون بطبيعة الحال وفقاً للمحلل السياسي اللبناني "محمود علوش": "مُهتمون بما يجري في جنوب اليمن لعدّة اعتبارات، أهمها الموقع الجغرافي الحساس لهذه المنطقة، لكونها تُطل على البحر الأحمر، ووجودهم هناك أمرٌ مهم، سواء كان هذا الوجود مُعلناً أم لا".

وهناك توجهاً على ما يبدو داخل المجلس الانتقالي الجنوبي للانفتاح على إسرائيل: "بعض قادة الانفصال يطمحون إلى الحصول على مساعدة إسرائيل في تحقيق حلم الانفصال، ويعتقدون أن مثل هذه العلاقة قد تُساعدهم في دفع صانع القرار في واشنطن والعواصم الغربية إلى دعم مشروعهم".

"لقد سبق أن أبدى الإسرائيليون دعمهم لمشروع استقلال كردستان العراق، وبالطبع لن يُعارضوا انفصال جنوب اليمن عن شماله، هذا يتناسق إلى حد كبير مع رؤيتهم للشرق الأوسط الذي يتطلعون إليه".

تعددت مجالات وأوجه التعاون "الإماراتي – الصهيوني" في اليمن، وبرعاية ومباركة غير مسبوقة من البيت الأسود، أملاً في أن يقود ذلك في خاتمة المطاف إلى إلحاق اليمن بقطار التطبيع المجاني مع الكيان الصهيوني، وتحويل بلاد السعيدة إلى ماخور لهذا الكيان اللقيط.

وتحاول الإمارات من وراء التنسيق والتعاون العسكري والاستخباراتي مع الصهاينة في اليمن، كسب رضا أولياء نعمتها في البيت الأسود، من أجل غضهم الطرف على تحركاتها وتمدداتها في منطقة القرن الأفريقي واليمن، في العقد الأخير.

في الاتجاه المقابل يعمل الكيان الصهيوني على استغلال عاصفة الإثم من أجل إقامة منشآت استخباراتية وعسكرية في بحر العرب والجزر اليمنية تحديداً، وبصورة خاصة جزيرتي سقطرى وميون/ بريم، ومراقبة جانبي باب المندب وما وراءه.

ويتذرع الكيان الصهيوني لتمرير مخططاته في اليمن كالعادة بإيران التي لا وجود لها في اليمن، من ذلك استغلال "نتنياهو" الفرصة أثناء زيارة وزير الخزانة الأميركي "ستيف مانوشين" لفلسطين المحتلة في خريف العام 2020، لإبداء مخاوف كيانه مما أسماه التمدد الإيراني في المنطقة، و"وضع إيران أسلحتها في اليمن، بهدف الوصول إلى إسرائيل".

 

سياسياً:

أفاد موقع "فورين لوبي" الأميركي المتخصص في الكشف عن جماعات النفوذ الأجنبية في الولايات المتحدة، في منتصف العام 2020، أن الإمارات فتحت مكتباً في نيويورك للمجلس الانتقالي الجنوبي باليمن، لمساعدته على الضغط داخل الأمم المتحدة، لصالح قضيته من أجل الحكم الذاتي.

وأوضح الموقع أن المجلس الجنوبي استأجر مدير فرع للمكتب الجديد في 1 مارس 2020.

وكان المجلس يضغط على إدارة الرئيس السابق "دونالد ترامب" والكونغرس عبر مكتب تمثيلي في واشنطن منذ العام 2018.

 

عسكرياً:

لعب الصهاينة بالتنسيق مع الإمارات دور غير مباشر في تشكيل وتنظيم الأحزمة الأمنية التابعة للمجلس الانتقالي عند تأسيسها في العام 2016، واستأجرت الإمارات ضباط إسرائيليين متقاعدين من شركات أمنية أجنبية، لتدريب قيادات من الأحزمة الأمنية في أبو ظبي، وتعاقدت مع ضباط إسرائيليين متقاعدين يعملون في شركات أمنية أجنبية، مثل شركة "سباير أوبريشن" الأميركية لتنفيذ عشرات الاغتيالات التي استهدفت مناوئين للإمارات والمجلس الانتقالي في محافظة عدن والمحافظات الجنوبية والشرقية، ومن بين الضباط الصهاينة القائد السابق لبرنامج الاغتيالات في فرقة المرتزقة "أبراهام غولان".

وقالت مجلة "شتيرن" الألمانية، في تحقيق لها عام 2018 ان تحالف عاصفة البغي والعدوان استخدم أنظمة تسليح ألمانية في اليمن، حصلوا عليها من شركة مملوكة للكيان الصهيوني، مقرُّها في حيفا، ومعلومٌ أن شركة "ديناميت نوبل ديفينس" الألمانية المصنعة لأنظمة التسليح، ومقرُّها مدينة "بورباخ"، من أبرز الشركات الألمانية التي تم استخدام أنظمتها في الحرب على اليمن، وهذه الشركة تنتمي منذ منتصف العام 2000 إلى شركة الأسلحة الإسرائيلية "رافائيل" لأنظمة الدفاع المتقدمة المحدودة، ومقرُّها مدينة حيفا، وتلعب إسرائيل دور الوسيط في تصدير أسلحة الشركة الألمانية إلى العالم العربي.

وأكدت استخدام الإمارات أسلحةً مُصنّعةً في "بورباخ" في الحرب ضد أنصار الله، وأن ذلك يصب في مصلحة الحكومة الإسرائيلية.

وكشف موقع الأخبار الفرنسي اليهودي "جي فوروم" وموقع "ميدل إيست مونيتور" في العام 2020 عن مخطط "إماراتي – صهيوني" لإنشاء قواعد تجسس مشتركة في جزيرة "سقطرى" اليمنية، لجمع معلومات عن حركة الملاحة البحرية في خليج عدن والقرن الأفريقي ومصر، ومراقبة تحركات إيران في المجال البحري وأنشطة أنصار الله في اليمن، ووصول ضباط من المخابرات الإسرائيلية والإماراتية إلى جزيرة سقطرى.

وتحدثت تقارير محلية عن تعاون مشترك بين الكيان الصهيوني والإمارات لتدمير بيئة جزيرة سقطرى.

وفي 26 ديسمبر 2020 أعلنت صحيفة "هآرتس" العبرية خبراً عن بدء الإمارات والكيان الصهيوني في إنشاء قاعدة عسكرية على جزيرة سقطرى، بهدف تعزيز انتشار القوات الصهيونية في المنطقة، بالتزامن مع تأكيد المتحدث باسم جيش الاحتلال الصهيوني "هيداي زيلبرمان"، نشر غواصات في اليمن تحت مسمى "مواجهة تهديدات محتملة" وهجمات بطائرات بدون طيار "ذكية"، وهي ضمن منظومة تحركات بدأها الكيان الصهيوني بإرسال غواصة إلى مياه الخليج، وفقاً لهيئة البث الإسرائيلية.

وأكد الصحفي والمستشرق الإسرائيلي "إيهود يعاري" في يوليو 2020، متابعة "مسؤولي الاستخبارات الإسرائيلية بفضولٍ كبير معركة السيطرة على هذه الجوهرة الطبيعية"، في إشارة إلى "سقطرى"، وبعد شهرٍ واحدٍ فقط، أفادت عدة وسائل إعلامية أن فريقاً إسرائيلياً إماراتياً مشتركاً زار سقطرى، لاستكشاف مواقع مناسبة لمنشآت استخباراتية وقواعد عسكرية.

وحظي احتلال الإمارات لجزيرة سقطرى باهتمام كبير في الكيان الصهيوني، وبشهادة المستشرق العبري، "إيهود يعاري"، في تقرير نشرته القناة العبرية 12، في منتصف 2017: "إسرائيل سعيدة بهذه الجهود الإماراتية، لمنع الهيمنة الإيرانية على طريق الشحن البحري إلى إيلات، إن نظرةً إسرائيليةً سريعةً على الخريطة توضِّح أن سقطرى تهيمن على ممرات الشحن من وإلى البحر الأحمر، ولها أهمية إستراتيجية هائلة تحظى بمراقبة كثيفة من أجهزة الأمن الإسرائيلية، إسرائيل على استعداد لتقديم المساعدة بالمعدات العسكرية في الحروب التي لا نهاية لها في اليمن، لأن إسرائيل لا تريد أن تقع سقطرى في أيدٍ معاديةٍ لها".

تسارُع وتيرة التنسيقات الصهيونية الإماراتية في سقطرى، أخرج شيخها الأكبر "عيسى بن ياقوت" عن صمته، متهماً الإمارات في أوائل سبتمبر 2020، بالعمل على التغيير الديموغرافي في الجزيرة وتهميش القبائل، لتحقيق أهدافها مع جهات أجنبية.

الباحث اليمني الدكتور "عادل دشيلة"، في حديث مع موقع "الخليج أونلاين" بتاريخ 19 أغسطس 2020، لم يساوره الشك بنجاح الكيان الصهيوني في تثبيت أقدامه في القرن الأفريقي من خلال بناء قاعدة عسكرية في أرتيريا، وهو "ما يرغب في حدوثه بسقطرى اليمنية بواسطة الإمارات".

و"الآن يبدو أنّ الإمارات تُرتبُ الوضع في سقطرى من أجل افتتاح قاعدة عسكرية إسرائيلية - إماراتية في الجزيرة، لمواجهة قوى إقليمية صاعدة، ولهذا يبدو أن إسرائيل تحاول إقناع أميركا بتمكين الانتقالي من السيطرة على الجنوب اليمني".

وأعاد التذكير بما قاله القيادي في المجلس الانتقالي "هاني بن بريك"، خلال تصريحٍ له بأن مجلسه "لن يقف ضد أحد"، وهي إشارةٌ واضحةٌ بأن قادة المجلس "مستعدين حتى للاعتراف بالكيان الصهيوني، طالما سيساعدهم على إقامة دولتهم المزعومة".

وبعد إعلان الإمارات عن سحب قواتها من اليمن في نهاية العام 2019، بدأ الحديث عن احتمالية حلول الكيان الصهيوني محلها في تنفيذ الغارات الجوية التي يشنها تحالف العاصفة على اليمن، وبرز اسم الكيان الصهيوني باعتباره المُخلِّص والمنقذ السحري للتحالف العبري، بعد ست سنوات من الفشل العسكري الذريع في اليمن، وذلك لسببين رئيسيين، هما بحسب الكاتب "رضا توتنجي":

1 - أن سلاح الجو الإسرائيلي من أكثر أسلحة الجو تطوراً في المنطقة، وبإمكانه سد الثغرة التي تركها سلاح الجو الإماراتي، إلا أن الفارق الوحيد هو زيادة المصاريف على السعودية، فإسرائيل غير مستعدةٍ لدفع دولار واحد من أجل السعودية بل ستأخذ أجر تلك الطلعات الجوية مع مرابحها العسكرية.

2 - أن بإمكان إسرائيل تغيير موقف الكونغرس الأميركي بشأن الحرب على اليمن، كونها "الطفل المدلل" للولايات المتحدة، ولديها نفوذ بمراكز القرار في واشنطن، هذا بخصوص الأهداف والمصالح الإماراتية والسعودية، أما الهدف "الإسرائيلي" من هذه المشاركة فهو تعزيز كذبة "العدو الواحد" بين الدول العربية وإسرائيل، والمتمثل بالجمهورية الإسلامية في إيران، العدو اللدود لأميركا والكيان الصهيوني والأبناء غير الشرعيين للإنجليز في الخليج العربي كالسعودية والإمارات والبحرين.

ولم تكن صنعاء بعيدةً عما يجري من تشبيكات وتنسيقات ومخططات صهيونية إماراتية في اليمن، مؤكدةً على لسان وزير الدفاع في حكومة الإنقاذ الوطني، اللواء "محمد ناصر العاطفي"، احتفاظها بـ "بنك من الأهداف العسكرية والبحرية للعدو الصهيوني".

 

استعادة الدولة مقابل التطبيع:

المخططات القذرة للكيان الإماراتي في اليمن، ازالت عامل المفاجأة عن التماهي اللامحدود لدميتهم "المجلس الانتقالي الجنوبي"، مع مشاريع التطبيع، وإن تم اشتراط إعلان تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني بإعادة إحياء دولة جنوب اليمن، والاعتراف الأميركي والصهيوني والخليجي بها، إلا أن التابع لا سيادة له، ولا قرار له، ولا استقلال له، بل عليه تنفيذ ما هو مطلوبٌ منه، بلا نقاش، وهذه هي الوظيفة الوحيدة لموالي ومرتزقة العدوان العبري، بتلاوينهم، ولا شيئ غير ذلك.

ولا نجانب الحقيقة إن قلنا أن الهدف الأهم من عاصفة العدوان، والتي تم التحضير لها قبل سنوات من انطلاقها، هو جر اليمن الى مستنقع التطبيع، وما تكشّف من حقائق في سنواته الست المنصرمة كافيةٌ لمعرفة مراميه، بدءاً بظهور وزير خارجية حكومة الفنادق الأسبق "خالد اليماني" في مؤتمر "وارسو" الدولي، المنعقد بتاريخ 14 فبراير 2019، إلى جانب "نتنياهو"، ومروراً بالتشبيكات الإماراتية الصهيونية اللامحدودة في اليمن منذ بداية العاصفة، وانتهاءاً بتصريحات المجلس الانتقالي الجنوبي المطالبة بالتطبيع المشروط باستعادة الدولة المزعومة.

ففي 15 أغسطس 2020، صدم نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي والقيادي السلفي "هاني بن بريك"، اليمنيين بالإعلان عن رغبته بزيارة الكيان الصهيوني: "إذا فُتحت زيارة الجنوبيين إلى تل أبيب، فسأزور اليهود الجنوبيين في بيوتهم، ..، اليهودُ جزءٌ من العالم وجزء من البشرية، ونحن مع السلام، ..، السلام مطمعٌ لنا ومطمحٌ لنا مع إسرائيل وغير إسرائيل، وأيُ دولةٍ حتى لو كانت في المريخ، ستُعِينُ الشعب الجنوبي بعودة دولته، فإننا سنمُدُ يدنا لها، ..، نحن لا نعادِ أي دولة في العالم ولا ديانة، إلا من يتعرّض للجنوب".

وهذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها عن طموح مجلسه للتطبيع مع الكيان الصهيوني، ما دام ذلك يُحققُ لهم دولتهم المُتوهَمة، من ذلك تغريدته في أكتوبر 2018، تعليقاً على زيارة "نتنياهو" إلى سلطنة عُمان: "الالتقاء بالإسرائيليين، وعقد الصلح معهم، بما يخدم البشرية والسلام العالمي، ليس حراماً".

ونشرت صحيفة "إسرائيل اليوم" القريبة من رئيس الوزراء الصهيوني "نتنياهو"، في 21 يونيو 2020، تقريراً بعنوان "صديق إسرائيل السري الجديد في اليمن"، ووصف رئيس تحريرها "أفييل شنايدر"، المجلس الانتقالي الجنوبي، بـ "الصديق السري الجديد لإسرائيل"، وتحدث عن "قيام دولة جديدة في جنوب اليمن، ستكون مدينة عدن عاصمتها"، وأشار إلى أن "قيادتها تُغازِلُ الدولة العبرية بمشاعر ودية وموقف إيجابي"، وكشف عن انتظام اجتماعات سرية بين الجانبين دون تقديم تفاصيل، وقال أن المجلس الانتقالي يُبدي موقفاً إيجابياً تجاه إسرائيل.

وأشاد بتغريدة نائب رئيس المجلس الانتقالي، "هاني بن بريك": "العرب والإسرائيليين متفقون على حل الدولتين، والدول العربية تطبّع العلاقات مع إسرائيل"، وأضاف: "الكثير من الإسرائيليين تفاعلوا بشكلٍ إيجابي مع تلك المواقف، وأرسلوا التهاني للمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن".

وقال نقلاً عمن وصفه بـ"صديقٍ" يعمل في مطار "بن غوريون"، أن يمنيين ليسوا يهوداً زاروا كيانه في يناير 2020، وهذا أمرٌ غير معتاد بما أنه لا توجد علاقات دبلوماسية بين اليمن واسرائيل، و"علامة على أن مواقف الدول العربية في الشرق الأوسط تجاه إسرائيل تتغير إلى الأفضل"، بحسب زعمه.

وتعليقاً على ذلك، قال مدير مكتب العلاقات الخارجية للمجلس الانتقالي "الخضر السليماني"، في لقاء مع قناة "الجزيرة": المجلس جزءٌ لا يتجزأ من المنظومة العربية، وهو على استعداد "لإقامة علاقة مع إسرائيل إذا لم يتعارض ذلك مع مصالحه الوطنية"، ولا ندرِ عن أي مصالح وطنية يتحدث.

وكشفت صحيفة المنار المقدسية في 23 يونيو 2020 نقلاً عن مصادر وصفتها بـ"المطلعة"، أن وزير خارجية الإمارات "عبدالله بن زايد" ومدير الأمن الاماراتي "طحنون بن زايد" اصطحبا رئيس المجلس الانتقالي "عيدروس الزبيدي" إلى لقاءٍ مع مسؤولين أمنيين إسرائيليين في العاصمة القبرصية، وتحدثت عن ترتيبات واتصالات حثيثة بين أبوظبي وتل أبيب والمجلس الانتقالي لإقامة قاعدة عسكرية اسرائيلية في جنوب اليمن.

موقع "إنتليجنس أونلاين" في تقرير له، بتاريخ 22 يوليو 2020، هو الأخر أكد وجود محادثات سرية بين المجلس الانتقالي الجنوبي والكيان الصهيوني، أبدى فيها المجلس استعداده لإقامة علاقات مع إسرائيل، وذلك لتحقيق أهداف اقتصادية وأمنية.

رئيس المجلس الانتقالي "عيدروس الزبيدي"، في مقابلة مع قناة روسيا اليوم بتاريخ 2 فبراير 2021 أعاد تأكيد تصريحات "بن بريك": "باركنا تطبيع بعض الدول العربية مع إسرائيل، وسنقوم بالتطبيع معها عند استعادة دولتنا، والاعتراف بها دولة مستقلّة، وعندما تكون عدن عاصمة للجنوبيين".

وفي سياق التبريرات التسويقية للتطبيع، يقول رئيس دائرة العلاقات الخارجية بالمجلس الانتقالي "أحمد عمر بن فريد" في تغريدة بتاريخ ٤ فبراير 2021، وبلا خجل: "في مطلع الثمانينات، وبعد أحداث بيروت، فتحت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية أبوابها على مصراعيها للفلسطينيين، دون مِنّةٍ وكواجب أخوي، وبعد نكبة 1994 للجنوب لم نسمع أي مسؤول فلسطيني أدان ما حدث، ولم نسمع حتى يومنا هذا موقفاً يعبر ولو تلميحاً عن حق شعب الجنوب حتى في تقرير مصيره".

وهو نفس تبرير "كوسوفا" للارتماء في أحضان الصهاينة، وتوقيع معاهدة سلام معهم، فأيُ إفلاسٍ، وأي سُقوطٍ، وأي عُهرٍ هذا؟.

وما يهمنا هنا هو التأكيد على ان تماهي مرتزقة وموالي العدوان السعودي الإماراتي مع مشاريع التطبيع الصهيونية، لا تُمَثِلُ اليمن وأبنائه الأماجد، وأبناء المحافظات الجنوبية والشرقية كانوا ولا زالوا في مقدمة اليمنيين الرافضين واللافظين للكيان الصهيوني اللقيط منذ زرع غدته السرطانية في قلب الأمة العربية، ويكفيهم فخراً احتضان نظام عدن بعد التحرر من الاستعمار البريطاني لبعض فصائل الكفاح المسلح الفلسطينية، والسماح لهم بتنفيذ بعض عملياتهم العسكرية ضد الكيان الغاصب انطلاقاً من عدن.

ولا عجب أن تُلاقي تصريحات المجلس الانتقالي، موجة غضب عارمة في صفوف أحرار جنوب اليمن، حيث اعتبر محافظ محافظة لحج، المعين من قبل المجلس السياسي الأعلى بصنعاء، "أحمد جريب"، في حديثٍ لوكالة الأنباء اليمنية "سبأ" التابعة لحكومة الإنقاذ الوطني، بتاريخ 4 فبراير 2021: "الأصوات النشاز المتواطئة مع موجة التطبيع مع الكيان الصهيوني من قبل أدوات صنعها المحتل الإماراتي، لا تُمَثِلُ أبناء المحافظات الجنوبية، وإنما تعبر عن مدى السقوط الأخلاقي والقيمي لتلك الأدوات، التي لا تمثل إلا نفسها"، مؤكداً: "تمسك أبناء المحافظات الجنوبية بالقضية الفلسطينية، ووقوفهم إلى جانب الشعب الفلسطيني في مواجهة الغطرسة الصهيونية".

و"أسقطت - تلك التصريحات - أخر أقنعة الانتقالي الذي تحركه أبو ظبي"، بحسب محافظ شبوة "أحمد الحسن الأمير"، مؤكداً بأن "ما يسمى المجلس الانتقالي مجرد دمية فاقدة للقرار السياسي، ولا يمثل أبناء المحافظات الجنوبية الأحرار الرافضين للوصاية والارتماء في أحضان الكيان الإسرائيلي".

 

المراجع:

1 - رضا توتنجي، هل ستدخل إسرائيل بدلاً عن الإمارات في الحرب على اليمن؟، موقع أثر برس، 29 أغسطس 2019

2 - زيد المحبشي، الإمارات: الأخت الكبرى لإسرائيل، مركز البحوث والمعلومات، 24 أغسطس 2020

3 - عمّار الأشول، إسرائيل والمجلس الانتقالي في جنوب اليمن: واقع العلاقة وآفاقها، معهد كارنيجي للدراسات، 10 مارس 2021

4 - يوسف حمود، الإمارات تفتح الباب لـ"إسرائيل".. التطبيع يتجه لليمن عبر "الانتقالي"، الخليج أونلاين، 19 أغسطس 2020

5 - الجزيرة نت، صحيفة إسرائيلية تكشف عن اتصالات مع "الأصدقاء السريين" الجدد في اليمن، 21 يونيو 2020

6 - الحوثيون يعلقون على تلميح "الانتقالي الجنوبي" بالتطبيع مع إسرائيل، i24news، ٤ فبراير ٢٠٢١

7 - العربي الجديد، "إسرائيل توداي": الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً "الصديق السري الجديد" لإسرائيل في اليمن، 21 يونيو 2020

8 - المهرة بوست، كيف سهَّلت الإمارات تسلُّل إسرائيل إلى اليمن عبر بوابة "الانتقالي الجنوبي"؟، 23 يونيو 2020

9 - الموقع بوست، ما تداعيات تطبيع الإمارات مع إسرائيل على الملف اليمني؟، 18 أغسطس 2020

10 - تي أر تي عربي التركية، أملاً بدولة في الجنوب .. المجلس الانتقالي باليمن يتطلع للتطبيع مع إسرائيل، 4 فبراير 2021

11 - صحيفة المنار المقدسية، بدعم إماراتي .. قاعدة عسكرية إسرائيلية في جنوب اليمن، 23 يونيو 2020

12 - معهد الشرق الأوسط، تقرير غربي يكشف عن مخاطر جسيمة تنتظر اليمن بعد التطبيع الإماراتي مع إسرائيل، 18 سبتمبر 2020

13 - موقع رصيف22، أصدقاء سريون جدد في اليمن .. ما يُحكى عن علاقات إسرائيل بـ"الانتقالي"، 23 يونيو 2020

14 - موقع الخبر اليمني، إسرائيل تقترب خطوة جديدة من التطبيع مع حكومة هادي، 26 ديسمبر 2020

الثلاثاء، 30 مارس 2021

خفايا وأسرار العلاقات اليمنية الصهيونية 3/4

 إسرائيل ضيف الشرف في مسلسل العاصفة

مركز البحوث والمعلومات : زيد المحبشي، 30 مارس 2015

بعد ثورة 21 سبتمبر 2014 زادت المخاوف الصهيونية من سيطرة حركة "أنصار الله" على اليمن المتحكم بـ "باب المندب"، وتحويلها إلى ساحة جديدة لمحور المقاومة والممانعة، وما يشكله ذلك من خطر وجودي على دولة الكيان الغاصب، ما دفعهم إلى التنسيق اللوجستي والاستخباراتي مع السعودية والإمارات في حربهما الإجرامية ضد اليمن، وتدريب مرتزقة التحالف العبري بإرتيريا، ومد تحالف العار السعودي الإماراتي بالأسلحة الفتاكة لقتل اليمنيين، كما حدث في فج عطان، والمساعدة في احتلال الجزر والمدن الساحلية اليمنية.

ولم يكن الانخراط الصهيوني المبكر في عاصفة الإثم والعدوان بمستغرب، بالنظر إلى ما تمثله اليمن من أهمية جيواستراتيجية في جنوب شبه الجزيرة العربية والقرن الأفريقي وباب المندب والبحر الأحمر، كما أن تنامي وجود حركة أنصار الله في اليمن، وما تمثله من نفس كربلائي مقاوم، وموقف عربي مؤيد وداعم للقضية الفلسطينية كان له وقع الصاعقة في الحسابات الصهيونية، ولذا وجدت تل أبيب في عاصفة الخزي والعار متنفساً للتخفيف من كابوس تسونامي  الأنصار الصاعد، وفرصة ذهبية للتقرب من دول المنطقة واحتوائها وإقناعها بالانخراط في مهزلة التطبيع، وبصورة خاصة السعودية، لما تمثله من رمزية دينية وثقل في العالم العربي والإسلامي.

وفتحت اتفاقية السلام مع الإمارات، للكيان الصهيوني نهجاً من النوع الذي لم تشهده من قبل في البحر الأحمر، لا سيما فيما يتعلق بتحقيق الحلم القديم المتمثل في تهويد البحر الأحمر وإحكام السيطرة على مدخله الجنوبي، ولم تكن أميركا بعيدة عن كل ما يجري في المنطقة ما دامت مخرجاتها تصب في صالح الصهاينة، وتحريك المياه الراكدة بينهم وبين العرب، وإكساب هذا الكيان اللقيط شرعية الوجود والبقاء، وتظل يمن الأنصار نقطة الفصل في تمرير المشاريع والأحلام الصهيونية، أو تلاشيها وتحطمها على صخرة الصمود والممانعة اليمنية.


صعود أنصار الله أرعبهم:

حذر الباحث الصهيوني "آرييه سيتمان" في دراسة له نشرتها مجلة "عدكون استراتيجي"، الصادرة عن "مركز أبحاث الأمن القومي" الصهيوني في النصف الأول من العام 2020، من وجود تداعيات إستراتيجية خطيرة على كيانه بسبب تنامي قوة حركة "أنصار الله" في اليمن، والتي اعتبرها امتداد لإيران ومحور المقاومة، مؤكداً بأنها باتت تُمَثِّل تهديداً على كيانه الغاصب، ومبعث الخوف هو الترسانة الصاروخية لأنصار الله، والتي يمكن أن تطال مناطق داخل فلسطين المحتلة، وقد كاشف رئيس الوزراء الصهيوني "نتنياهو" الجانب الأميركي بهذه المخاوف في عدة مناسبات، أخرها أثناء الزيارة التي قام بها وزير الخزانة الأميركي "ستيفن منوشين" لتل أبيب في 28 أكتوبر2019، وناقش معه ما أسماه بـ "التحول الخطير الذي طرأ على القدرات الحوثية".

وأكد "سيتمان" أن على كيانه مراقبة الأوضاع في باب المندب واليمن، والحيلولة دون تمكن أنصار الله من الحصول على صواريخ متقدمة، يمكن استخدامها في مهاجمة العمق "الإسرائيلي"، أو أهداف "إسرائيلية" في المنطقة.

ويرى المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، "أليكس فيشمان" أن العدوان الذي تشنه السعودية والإمارات على اليمن، يخدم مصالح إسرائيل، ويشكل فرصة ثمينة لجني ثمار إستراتيجية حيوية للأمن الإسرائيلي، مضيفاً في مقالٍ له نُشِر بتاريخ 27 مارس 2015 تحت عنوان "ساعة اليمن تدق": "إنّ إسرائيل تجد نفسها من جديد في نفس الجانب من المتراس، مع الدول المعتدلة كالسعودية، لأنّ سيطرة الحوثيين على ميناء الحديدة الذي يُعتبر الميناء الأهم لليمن على البحر الأحمر، مكّنهم من التحكم بخط الملاحة البحرية، وأثّر على مستوى التأهب والحراسة للسفن الإسرائيلية التي تجتاز مضيق باب المندب، وسيطرة الحوثيين على صنعاء وتمدد نفوذهم إلى المحافظات الأخرى، يعني انهيار النظام الذي يعتمد على السعودية والولايات المتحدة، وإقامة نظام جديد يعتمد على إيران، العدو اللدود لإسرائيل، ولذلك ليس من مصلحة إسرائيل أن تسيطر إيران على مضيق باب المندب".

ولم يخفِ رئيس الوزراء الصهيوني "بنيامين نتنياهو" في أكثر من مناسبة نية كيانه المشاركة في العملية العسكرية لتحالف العاصفة لفك ما اسماه الحصار عن مضيق باب المندب، حيث قال في كلمته أمام مؤتمر رؤساء الجاليات اليهودية في أميركا الشمالية بتاريخ 16 فبراير 2015، أن اليمن بعد "سيطرة أنصار الله على العاصمة صنعاء، بات ضمن أطراف محور المقاومة"، مؤكداً بأن سيطرة ونفوذ إيران، متنامياً في العواصم العربية: دمشق، بيروت، بغداد وصنعاء.

 وأضاف في كلمة له أمام "الكونجرس" الأميركي في 3 مارس 2015 أي قبل 3 أسابيع من انطلاق عاصفة الحزم الصهيونية: "إذا حاولت إيران إغلاق باب المندب، فإنني متأكد أنها ستواجه تحالفاً دولياً، سيشمل إسرائيل بقواتها المسلحة"، مؤكداً في كلمة أمام عرض عسكري في حيفا بتاريخ 1 أغسطس 2018، أن كيانه سيشارك في العملية العسكرية لفك الحصار عن مضيق باب المندب، وهدد بالإعلان عن تحالف عسكري دولي بمشاركة قوات كيانه في حال تم إغلاق باب المندب، وتعهد بعدم السماح لإيران بالتمدد في المنطقة.

وحثت وزارة الخارجية الصهيونية في 6 نوفمبر 2017، سفرائها حول العالم على دعم موقف السعودية في حربها في اليمن، بحسب القناة التلفزيونية الإسرائيلية العاشرة.

وفي 2018 ادعى رئيس أركان الجيش الصهيوني السابق "غادي إزنكوت" في مقابلة غير اعتيادية مع صحيفة "إيلاف" السعودية، أنّ "طهران تخطط للسيطرة على الشرق الأوسط بالعمل على محورين: أحدهما يمر عبر العراق إلى سورية ومن هناك إلى لبنان، ويمر المحور الثاني عبر الخليج من البحرين إلى اليمن إلى البحر الأحمر".

 وأوضح مسؤول كبير في البحرية الصهيونية آنذاك أن "تأسيس إيران في اليمن، ونقل أسلحة متطورة لقوات أنصار الله في المنطقة يشكلان تهديداً للسفن التجارية التي تشق طريقها إلى البحر الأحمر".

وفي أغسطس 2019 كشفت صحيفة "الجريدة" الكويتية عن مخطط صهيوني لضرب منشآت ومواقع حساسة، قرب مضيق باب المندب، وأكدت أن جهاز "الموساد والاستخبارات العسكرية الصهيونية رصدت تحركات كثيرة، ومحاولات نقل أسلحة وقطع صواريخ ومنصات وقوارب مُسِّيرة، وطائرات مُسِّيرة إيرانية" بحسب زعمها، وأنها شاركت تلك التفاصيل مع واشنطن ودول عربية.

وكلها دعاوى ساقطة، فإيران لا وجود لها في اليمن، ولا وجود لسلاحها في اليمن، ولو كانت موجودة فهذا مبعث فخر واعتزاز، لأنها البلد الإسلامي الوحيد الذي وقف الى جانب القضية الفلسطينية منذ الأيام الأولى لقيام الجمهورية الإسلامية في إيران 1979، وحتى يوم الناس، بينما كان زعماء الخليج ولا زالوا يتسابقون على اقتناء باراهات ومواخير وكازينوهات وملاهي أميركا وبريطانيا وفرنسا، وإيران صنعت قوة عسكرية جعلت منها رقماً لم يعد بمقدور أحد تجاوزه في مسائل السلم والحرب في المشرق العربي ووسط وجنوب شرق آسيا، واليمن ليست بحاجة لسلاح إيران، فلديها من منتجاتها، من كل ما لذ وطاب بحمد الله وتوفيقه.

ومن أهم مخاوف الكيان الصهيوني من سيطرة أنصار الله على اليمن بحسب الإعلام العبري:

1 - الخوف من احتمال قيام إيران بنصب صواريخ بحر - بحر على السواحل اليمنية.

2 – تهديد حركة الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر.

وقد حذرت المؤسسة الأمنية الصهيونية منذ وقت مبكر بحسب صحيفة "يديعوت أحرنوت"، "شركات سفنها باتخاذ إجراءات متشددة على مستوى الحماية والتأهب عند عبورها مضيق باب المندب، وقالت ان هناك خشية من إغلاق المضيق أو التعرض للسفن الإسرائيلية بواسطة صواريخ تطلق من الساحل".

وادعت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية أن: "قدرة أنصار الله على فرض سيطرتهم على اليمن، تمثل خطراً على الكيان الإسرائيلي وحركة المرور البحرية للدول الأخرى".

3 - تعزيز محور المقاومة والممانعة، لأنّ اليمن سيشكل نقطة انطلاق أفضل لتسهيل حركة إيصال السلاح إلى قطاع غزة.

تدعي صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية أن: "سيطرة أنصار الله على اليمن، وفقاً للتقديرات الإسرائيلية، سيكون لها تأثير فوري في حجم تهريب السلاح الإيراني إلى مصر وغزة"، حيث سيحل اليمن محل السودان، كمحطة لنقل السلاح الإيراني المهرب إلى سيناء عبر قناة السويس أو عبر مصر، خاصة مع وجود العلاقة الجيدة التي تربط إيران مع الثورة اليمنية وحركة أنصار الله.


مكاسب الصهاينة من العاصفة:

المخاوف السابقة كان الغرض منها تعزيز مخاوف الخلايجة تجاه إيران، واستخدامهم كقاعدة انطلاق لتحجيم المقاومة الإسلامية في المنطقة، وفصلها عن إيران، وإحلال إيران كعدو بديل، وتحويل الكيان الصهيوني إلى صديق حميم، وبالتالي تحريك قطار التطبيع بعد عقود من الركود والمراوحة، ما جعل من العاصفة السعودية الإماراتية العصى السحرية لإنجاز ما عجز عنه الكيان الغاصب في السبعة العقود الماضية، وبشهادة المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، "أليكس فيشمان":فـ "الحرب التي تشنها السعودية ضد اليمن، تخدم مصالح إسرائيل، وتشكل فرصة ثمينة لجني ثمار إستراتيجية حيوية للأمن الإسرائيلي، ويجب دعمها".

وقال المستشرق اليهودي "رؤوفين باركو" أن: "ما يحدث اليوم من صراع محتدم في اليمن قد يكون فرصة لاندماج إسرائيل سراً في المخططات الجيواستراتيجية لدول المنطقة"، لكن السري الذي يتحدث عنه لم يعد سري، فإسرائيل ضيف الشرف الأول في مسلسل العاصفة منذ بدء بث حلقاته في مارس 2015، وبحسب صحيفة "معاريف" العبرية في العام 2019؛ "تتدخل إسرائيل في الحرب على اليمن بحجة الدفاع عن مصالحها في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ..، والحقيقة أنّ التدخل الإسرائيلي في الساحة اليمنية جاء بهدف مساعدة السعودية في تصفية الحوثيين".

وتحدثت صحيفة "لوموند" الفرنسية في العام 2018، عن مخاضات لتحالف جديد بين أميركا وإسرائيل والخليج، سيكون مزيجاً غير مسبوق من القوة العسكرية ورأس المال وموارد الطاقة، وبحسب رئيس قسم الشؤون الدولية فيها "كريستوف عياد"، فهذه تأتي ضمن إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد، وهو بيت القصيد، وهذا بحاجة إلى قراءة مستقلة.

وكعادتهم في اللعب بالأوراق المذهبية والدينية لتمرير أجنداتهم، ركزت التعليقات الصهيونية منذ اليوم لانطلق العاصفة على العوامل الطائفية والمذهبية، وجعلت من الحرب السعودية الإماراتية على اليمن، حرباً سنية - شيعية، لأنّ مخططي السياسة الإسرائيلية يعلمون جيداً أنّ ذلك له تأثيره القويّ على العقليات العربية، وليقينهم أنّ ذلك يساعد على تفتيت ما تبقَ من العرب، فإسرائيل حريصة على إيقاظ كلِّ ما من شأنه إشاعة مزيد من أجواء التوتر والتصعيد بين مكونات دول المنطقة، والعربُ في الأصل تربة خصبة لتقبل أيّ شيء يأتيهم من الخارج، والكلام للكاتب العُماني "زاهر المحروقي".

 ويكفي أن تُصيغ وسيلة إعلامية شكل الحرب القادمة، فإذا بالوسائل العربية تتلقفه وتتبناه، من هنا فإنّ الكثير من الكُتاب والمحللين الإسرائيليين يرون أنه يجب أن يكون التمدد الإيراني في سورية، والعراق ولبنان واليمن، مقدمة لـ "تبددها" دون أن يكلف الإسرائيليون أنفسهم عناء إطلاق رصاصة واحدة، وفي الوقت ذاته يسعون لأن تتورط الدول العربية في مستنقع حروب داخلية، تبدأ ولا تنتهي، كي يتسنى في النهاية فرض الوصاية الإسرائيلية على المنطقة، وتُعيد من جديد طرح شعارها القديم الجديد بأنها "واحة الأمان في غابة الخوف العربية".

وقالت دراسة أعدها الباحثان "يوئيل جوزينسكى" و"أفرايم كام" في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، نُشرت في مستهل أبريل 2015، أن: "العمليات التي يشنها التحالف السعودي ضد حركة أنصار الله في اليمن، تحمل في طيّاتها أثراً إيجابيا على الكيان الإسرائيلي، وليس من المستبعد أن تساعد تلك العملية في صناعة مصالح مشتركة بين هذا الكيان ودول أعضاء في التحالف السعودي" وهو ما نراه اليوم بوضوح.


المشاركة العسكرية:

تنوعت مشاركة الصهاينة في عاصفة الإثم والبغي بين التخطيط والتدريب والدعم الاستخباراتي والمشاركة المباشرة في العمليات العسكرية، وكان لهم دور محوري في معارك الساحل الغربي واحتلال عدن.

فقد نقلت صحيفة "يلي" العبرية في مستهل أبريل 2015 عن رئيس سلاح الجو "الإسرائيلي" الفريق "أمير إيشيل"، أن: "سلاح الجو الإسرائيلي يشارك في قوات عاصفة الحزم بسرب من الطائرات المقاتلة من كومنز ماركوس الصاعقة لمساعدة الدول العربية للسيطرة على اليمن .. إننا نثبت الآن للعالم أن إسرائيل ليست مجرد جسد مريض بين الدول العربية بل الأخيرة تستعين بنا اليوم للتخلص من أحد أصدقائها".

وقالت الصحيفة، أن: "على البيت الأبيض اليوم أن يعلم أن اليهود من يشاركون المسلمين في قتل أصدقائهم المتمردين عليهم وليس البيت الأبيض من يساعدهم".

وفي النصف الثاني من العام 2015 تحدثت وسائل الإعلام نقلاً عن مصادر قريبة من الحراك الجنوبي، أن طائرة شحن إسرائيلية "بوينغ 767" نقلت أسلحة وعتاداً عسكرياً وذخائر متطورة من تل أبيب إلى قاعدة العند.

وقالت القناة الإسرائيلية العاشرة، أن: "إسرائيل تُرسل ضباطها لدعم الرياض في حربها على اليمن، ..، الحوثيين حصلوا على وثائق دامغة لهذا التعاون في السفارة السعودية بصنعاء، شملت خططاً أميركية إسرائيلية لإقامة قاعدة عسكرية في باب المندب بهدف حماية مصالحهما في المنطقة،.. ، السعودية طلبت من إسرائيل سلاحاً متطوراً لمساعدتها في حربها باليمن".

وتقوم الطائرات الإسرائيلية على الدوام بنقل أسلحة وعتاد عسكري من جزر أرتيرية إلى قاعدة "الملك خالد" الجوية، التي قتل فيها قائد القوة الجوية السعودي "محمد بن أحمد الشعلان" إلى جانب أكثر من 50 عسكري سعودي و20 خبيراً إسرائيلياً، وفقاً لموقع "ديبكا فايل" الإسرائيلي المعروف بقربه من جهاز الموساد الإسرائيلي.

وأكد موقع "Veterans Today" الأميركي نقلاً عن الخبير الأميركي "غوردون دوف"، أن "طائرة إسرائيلية مطلية بألوان سلاح الجو السعودي هي التي ألقت بالقنبلة النيوترونية" على جبل "نقم" بصنعاء في 20 مايو2015، مؤكدا أن "القنبلة ليست تقليدية بل هي سلاح متطور جداً وفتاك".

وتحدثت وثيقة نشرها موقع النجم الثاقب اليمني في منتصف العام 2016 عن تعميم أصدره محمد بن سلمان، يقضي باستخدام شركة "مجال جروب فور" العبرية في تفخيخ وزرع الألغام في الحد الجنوبي مع اليمن مقابل دفع 45 مليون دولار.

وكشفت وثيقة سربتها زعيمة حزب "ميرتس" اليساري الليبرالي العبري "زهافا جال أون" عن تواجد أكثر من 100 ضابط جوي إسرائيلي في قاعدة الملك فيصل، بحسب موقع "إسرائيل بالعربية".

وكانت السعودية قد أبرمت اتفاقاً مع الرئيس الأميركي الأسبق "أوباما" أثناء زيارته للرياض في 20 أبريل 2016 يسمح بتواجد ضباط أميركيين وإسرائيليين بالقاعدة الجوية في تبوك، اُسندت لهم مهمة إدارة عمليات القصف الجوي في اليمن، والمشاركة في الطلعات الجوية، وتنفيذ الغارات انطلاقا من قاعدة الملك فيصل الجوية.

وفي مايو 2017، كشف موقع "ليبرتي فايترز" الإخباري البريطاني عن مشاركة إسرائيل في التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، بسرب من طائرات الـ F16.

ويؤكد الكاتب العبري "زفي بارئيل" في مقال مطول نُشر في صحيفة "هآرتس" في فبراير 2019، ضلوع الكيان الصهيوني في العدوان على اليمن، وشراكته في عمليات العاصفة بصورة غير رسمية، بالتنسيق مع دول التحالف وواشنطن، من خلال شركات الإنترنت الإسرائيلية، وتجار الأسلحة، ومدربو الحرب على الإرهاب، والمهاجمين المأجورين، الذين تديرهم شركة مملوكة لإسرائيل.

ونشرت صحيفة "الخليج أونلاين" في سبتمبر 2018، مقالاً طويلاً من أبرز ما جاء فيه قيام قوات صهيونية خاصة بتدريب المرتزقة الكولومبيين والنيباليين، الذين جندتهم الإمارات للحرب في اليمن في صحراء النقب، مستشهداً بمصادر في لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأميركي. 

ولعب القيادي الفلسطيني المقيم في الإمارات "محمد دحلان" دور الوسيط بين الكيان الصهيوني والإمارات، وشارك هؤلاء المرتزقة في العدوان على مدينة الحديدة ومعارك الساحل الغربي.

كما باع الكيان الصهيوني للسعودية طائرات مقاتلة وبرامج تجسس وقنابل وصواريخ بعضها محظور دولياً، ونشطت العديد من الشركات الصهيونية في تنفيذ عمليات الاغتيالات التي صاحبة عاصفة العدوان في اليمن، منها مجموعة عمليات "سبيرهيد"، أسسها "أفراهام جولان" الإسرائيلي، ومسجلة في الولايات المتحدة.

وكشفت الكاتبة المصرية "شيماء حسن" في أبريل 2018 عن تنسيق عسكري "إماراتي – صهيوني"، لتدريب مليشيات موالية لـ "صالح"، وإمدادهم بالمال والسلاح، خلال اجتماعات عُقدت في جزيرة سقطرى ضمت القيادي الموالي للإمارات "طارق محمد عبدالله صالح" وضباط إماراتيين وإسرائيليين.

وتعهد الجانب الإماراتي بإعادة تدريب 1200 عنصر من الموالين لصالح، وذلك في معسكرات للقوات الإماراتية في مدينة عدن، وشارك في التدريب ضباط إسرائيليون سابقون، وسنقف مع مزيد من التفصيل حول هذه النقطة في القراءة التالية.


المراجع:

1 - حسن علي وولد جميل، للتعاون الإسرائيلي السعودي في اليمن تاريخ طويل، 30 نوفمبر 2015

2 - زاهر المحروقي، الحرب على اليمن.. وجهة نظر إسرائيلية، جريدة الرؤية العمانية، 29 ابريل 2015

3 - زفي بارئيل، الدور الإسرائيلي المساند للسعودية والإمارات باليمن، صحيفة هآرتس العبرية، ترجمة الموقع بوست، 17 فبراير 2019

4 - عباس السيد، الدور الإسرائيلي في الأزمة والحرب على اليمن صحيفة الثورة اليمنية، 26 مارس 2019

5 - علي حيدر، اليمن مأزق إسرائيلي ــ سعودي .. أولاً، الأخبار اللبنانية، 18 أكتوبر 2016

6 - الشرق القطرية، وثيقة سرية إسرائيلية تفضح التنسيق مع السعودية، 8 نوفمبر 2017

7 - جريدة الشعب السورية، صحيفة إسرائيلية: سلاح الجو الإسرائيلي يُشارك في عاصفة الحزم، 20 أبريل 2015

8 - سكاي برس، بالوثيقة.. هكذا تعاونت السعودية مع إسرائيل في عاصفه الحزم، 18 يونيو 2016 

9 - وكالة القدس للأنباء، دراسة تحذر من تبعات الحرب السعودية في اليمن على مصالح إسرائيل، 18 مايو 2020 

10 - موقع الوقت التحليلي، الكيان الإسرائيلي: عاصفة الحزم تعود علينا بالنفع، 11 أبريل 2015  

وكذا: صحيفة ألمانية تكشف عن الدور الإسرائيلي في الحرب على اليمن، 9 أبريل

الجمعة، 26 مارس 2021

خفايا وأسرار العلاقات اليمنية الاسرائيلية 2/4

 العلاقة المحرمة بين صالح وإسرائيل

مركز البحوث والمعلومات: زيد المحبشي؛ 26 مارس 2021

مرت العلاقات "اليمنية - الصهيونية" بمحطات متعددة بدءاً ببساط الريح 1948، ومروراً بتغذية وتفخيخ الحرب الأهلية اليمنية "1964 – 1972"، لتصل ذروتها في عهد الرئيس اليمني السابق "على عبدالله صالح" "1978 - 2012، ولم يكن الانخراط العسكري، والتمدد الاستخباراتي الصهيوني في عهد العاصفة السعودية الإماراتية "2015 – 2021"، سوى نتاج طبيعي لمخاضات تلك الحقبة وعلاقاتها المحرمة.

وبدء تداول اسم اليمن في أروقة صُنع القرار العبري في منتصف القرن الماضي، وتحديداً بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ومبعث الاهتمام المبكر باليمن، موقعها الاستراتيجي، الذي من خلاله فقط يمكن للكيان الصهيوني الوليد السيطرة على البحر الأحمر، وبوابته الجنوبية، وما تمثله هذه السيطرة من أهمية مصيرية ووجودية في الفكر الاستراتيجي الصهيوني.

ويعتقد الصهاينة ان بقاء وديمومة كيانهم والحفاظ عليه من الانقراض والفناء، متوقفٌ على تحويل البحر الأحمر الى بحيرة يهودية خالصة، وإحكام سيطرة الكيان اللقيط على الشعوب الواقعة على ضفتي الأحمر، وحينها فقط يمكن للكيان اتقاء لعنة الفناء والتلاشي، وتوفير عوامل القوة للمُضي في تنفيذ المشاريع الصهيونية الكبرى، وإقامة دولة إسرائيل الكبرى، والتي يعتقدون بأن قيامها سيمهد الطريق لخروج المنقذ والمخلص اليهودي الثالث من أولاد داوود عليه السلام، وإقامة الدولة اليهودية العالمية، وهي هرطقات ممجوجة إعتاد كهنة شعب الله المحتال تسويقها لتبرير وتمرير مشاريعهم الاستعمارية.



باب المندب وجهتهم: 

يتمتع البحر الأحمر بمنزلة خاصة في الفكر الاستراتيجي الصهيوني، فبعد تولي "ديفيد بن غوريون" الحكم في فلسطين المحتلة عام 1948، أعلن استراتيجية كيانه في البحر الأحمر، وأكدت نصوصها أن سيطرة الكيان الصهيوني على نقاط في البحر الأحمر هي ذات "أهمية قصوى"، لأن هذه النقاط ستساعد الكيان على الفِكاك من أية محاولات لمحاصرته وتطويقه، كما ستشكل قاعدة انطلاق عسكرية لمهاجمة أعداء الكيان في عُقر دارهم، قبل أن يبادر الأعداء الى مهاجمة الصهاينة في فلسطين المحتلة، وهذا ما لمسناه بوضوح في تبرير الكتابات الصهيونية لانخراط الكيان اللقيط في عاصفة الإثم منذ الأيام الأولى لانطلاقها، كما سنعرف في القراءة القادمة.

ووضع "بن غوريون" ثلاثة أهداف للتحكم الصهيوني في منافذ البحر الأحمر:

1 – جعل البحر الأحمر منفذاً إسرائيلياً الى القارة الأفريقية والشرق آسيوية.

2 – استخدام البحر الأحمر كشريان إسرائيلي، والإفادة منه عِوضاً عن قناة السويس.

3 – تفكيك الروابط القومية للعالم العربي.

وقال وزير خارجية العدو الصهيوني الأسبق "أبا إيبان": "إن موطئ قدم لإسرائيل على البحر الأحمر يعوضها عن الحصار الإقليمي المفروض عليها، ..".

لكن السيطرة على البحر الأحمر مرهونة بالسيطرة على باب المندب، والسيطرة على الأخير يتطلب إيجاد موطئ قدم في اليمن، وهذا ما تسعى له إسرائيل اليوم، بمساعدة الإمارات بحسب وزير الإعلام اليمني في حكومة الإنقاذ "ضيف الله الشامي" في تصريح نشره موقع MiddleEastMonitor البريطاني بتاريخ 22 يونيو 2020: "العدو الإسرائيلي يرى اليمن خطراً عليه بموقعه الاستراتيجي، ويعمل على إيجاد موطئ قدم له في اليمن عبر دور إماراتي".

وشرع الصهاينة منذ وقت مبكر في ترجمة تلك الأهداف، فطلبوا من بريطانيا بعد منح جنوب اليمن الاستقلال 1967، استمرار الملاحة البحرية الاسرائيلية في باب المندب، وبالفعل أبقت بريطانيا قواتها البحرية في جزيرة "بريم/ ميون" اليمنية، والتي تعد بمثابة شرطي المرور في باب المندب، بحجة المحافظة على عدن من أي تدخل خارجي، بينما كان الهدف الحقيقي تنفيذ وعدها الذي منحته لإسرائيل باستمرار السيطرة على باب المندب.

وحصلوا من أثيوبيا على جزيرة "دهلك" عام 1970 بموجب اتفاق مع أديس أبابا، وبنوا عليها أول قاعدة عسكرية صهيونية في باب المندب، وفي 11 سبتمبر 1971 زار رئيس الأركان الإسرائيلي "أسمرة"، لتدشين القاعدة العسكرية، وعلم العرب بذلك بعد إذاعة أميركا الخبر في مارس 1973، على إثرها صرّح مسؤول "يمني" في عدن بضرورة إقفال باب المندب في وجه الملاحة البحرية بواسطة جزيرة "بريم/ ميون"، مما أثار أزمة اقتصادية وخيمة، وبالمقابل سمحت اليمن للمصريين خلال تحضيرات حرب أكتوبر 1973 بالتواجد العسكري على جزيرة حنيش، ما آثار مخاوف إسرائيل من تكرار سيناريو إغلاق باب المندب، وللكيان اليوم في أرخبيل حنيش أبراج مراقبة عسكرية واستخبارية.

بعد استقلال أرتيريا عن أثيوبيا في مايو 1993، تغلغل الكيان الصهيوني في هذه الدولة الوليدة، واستأجر منها جزيرتي "فاطمة" و"حالب" جنوب غرب البحر الأحمر، وجزيرتي "سنشيان" و"دميرا" الأكثر قُرباً من باب المندب، وأقام هناك سلسلة من أبراج المراقبة الاستخبارية والعسكرية، بهدف رصد تحركات قوى محور المقاومة، العدو الأول للكيان اللقيط.

وسبق لتل أبيب إرسال أول بعثة عسكرية الى جزر جنوب البحر الأحمر في أبريل 1970، أكدت في توصياتها على ضرورة توسيع النفوذ العسكري الإسرائيلي ليشمل الجزر اليمنية: "زقر، جبل الطير، حنيش، ميون"، وتحدثت مصادر تاريخية متعددة عن تمكن قوة استطلاعية اسرائيلية مسنودة بوحدة من "الكوماندوز" الاسرائيلي وعدد من الخبراء والمهندسين من الوصول الى جزيرة "زقر" خلال الفترة "1971 – 1972"، ومرابطتها فيها وتركيب أجهزة حديثة للرادارات والرصد والاستطلاع عليها، وهي تبعد عن الساحل اليمني بنحو 32 كيلو متر.

وخلال عدوان 1995 أكد الباحث الصهيوني "مارتن كرامر"، وهو مدير معهد "موشى ديان" في تل أبيب، على أن انتزاع جزيرة حنيش الكبرى من الجيش اليمني من خلال أرتيريا، يندرج في إطار استراتيجية إقليمية وقائية تنفذها إسرائيل، تحسباً لأي تهديدات عربية يمكن أن تحدث مستقبلاً، من خلال اعتراض حركة الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر.

وكشف حينها المركز العربي للدراسات الاستراتيجية عن تقديم إسرائيل معدات حديثة لأرتيريا تمثلت في 6 زوارق بحرية طراز "ريشيف"، وقيادة الطيار الإسرائيلي "مايكل دوما" عملية السيطرة على أرخبيل حنيش، بعد عدة محاولات أرتيرية فاشلة، كما أكد تقرير لجامعة الدول العربية في نوفمبر 1995، وجود اتصالات إسرائيلية أرتيرية حول جزيرة حنيش الكبرى، بهدف إنشاء محطة مراقبة لاسلكية فيها، لمراقبة حركة السفن في الممرات الدولية، القريبة من مضيق باب المندب.

وتمكنت إسرائيل في تلك الفترة من بناء موضع قدم لها قُبالة الساحل اليمني في ميناء مصوع الأرتيري، وقدّمت دعماً لوجستياً وأمنياً لعملية احتلال أرخبيل جزر حنيش اليمنية التي قامت بها البحرية الأرتيرية عام 1995.

وهي اليوم تُقدم مختلف أنواع الدعم اللوجستي لعمليات التحالف في الساحل الغربي، والتي تمثل نقطة مفصلية في تمرير المخطط الصهيوني المتعلق بتحويل البحر الأحمر الى بحيرة يهودية خالصة، وإحكام السيطرة على مضيق باب المندب، وسبق للمبعوث الأممي الخاص إلى اليمن "مارتن غريفيث" التأكيد مرات عديدة أن عمليات الساحل الغربي هي الركن الأساسي في الحرب على اليمن، وأن السيطرة عليه هي "أولوية" التحالف، وهذه "الأولوية" تتطابق بصورة كلية مع المصالح الصهيونية في هذه المنطقة الاستراتيجية. 

كما أن إعلان أميركا مشاركة قواتها الخاصة في عمليات الساحل الغربي، بما لها من خبرة في هذه المنطقة، لتواجدها خلال فترة ما قبل العام 2011 في معسكر العمري، الذي فتحه لها الرئيس السابق "علي عبدالله صالح" قُرب تعز، يصب في خانة تنضيج عمليات الساحل الغربي، خدمة لمشروع تهويد البحر الأحمر.



الحرب الأهلية "1964 – 1972":

استغل الكيان الصهيوني أجواء الحرب الأهلية اليمنية خلال الفترة "1964 – 1972" لإيجاد نافذة عسكرية للتدخل في اليمن، وتأجيج نيران الصراع بما يخدم مشاريعه في المنطقة، بالتنسيق مع الكيان السعودي والاستعمار البريطاني، وبالفعل وعد الملحق العسكري الإسرائيلي في لندن، البريطانيين بتوفير الأسلحة والأموال ومدرّبين للقوى اليمنية المتناحرة، وارسال جواسيس صهاينة الى اليمن، بوثائق بريطانية مزورة.

وخلال العامين "1964 – 1966" قام الكيان الصهيوني بإرسال 14 طائرة محملة بالأسلحة الى القوى اليمنية المتناحرة، بالتنسيق مع البريطانيين، وتمويل النظام السعودي، وأرسل أيضاً عدداً من الجواسيس لجمع معلومات عن حركة الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب بصورة خاصة، أشهرهم اليهودي المصري الجنسية "باروخ مزراحي"، والذي بقي في اليمن الى أن تم اعتقاله بمدينة الحديدة عام 1972، وتسليمه للسلطات المصرية، والتي بدورها سلمته للكيان الصهيوني في عملية تبادل أسرى جرت في العام 1974.

وحصلت صحيفة "هآرتس" العبرية، على وثائق أُفرِج عنها بموجب قانون الوثائق الإسرائيلي، تتناول أرشيف التعاون بين مشيخات الخليج العربي وإسرائيل، وتلبية الكيان الصهيوني طلب سعودي بالتدخل ضد مصر خلال الحرب الأهلية اليمنية عام 1962. 

وفي جنوب اليمن سمح النظام الحاكم بعد التحرر من الاستعمار البريطاني، بإقامة قاعدة لتدريب وانطلاق الجبهتين الشعبية والديمقراطيّة لتحرير فلسطين، وسمح للفدائيين الفلسطينيين في العام 1971 بمهاجمة ناقلة نفط متجهة الى الكيان الصهيوني، وفي العام 1973 أغلقت اليمن باب المندب في وجه الملاحة الصهيونية.

وخلال فترة الرئيس اليمني الراحل "إبراهيم الحمدي" تم تقديم اليمن كطرف أساسي ومُبادر في مسألة الحفاظ على أمن البحر الأحمر من التهديدات الصهيونية، وعقد مؤتمر تعز لأمن البحر الأحمر في مارس 1977، ونشر قوات يمنيّة على جزيرتي "حنيش الكبرى" و"جبل زقر" في نفس العام، لكن ما حصلت عليه اليمن في عهد "الحمدي"، سرعان ما بدأ بالتلاشي في عهد "صالح"، ليلفظ أنفاسه الأخيرة في عهد رئيس جمهورية فندق النارسيس، العَشّار "عبدربه منصور هادي".



عصى "صالح" السحرية:

اتسم تعاطي نظام الرئيس اليمني السابق "علي عبدالله صالح" مع التواجد الصهيوني المتنامي في البحر الأحمر والقرن الأفريقي وباب المندب باللامبالاة، والتزام الصمت، ما دام الصمت يضمن البقاء في الكرسي، وتلاشى في عهده الزخم اليمني العروبي المضاد للكيان الصهيوني وتمدداته الاستعمارية في المنطقة، بإستثناء بعض الفرقعات الإعلامية بين الفين والأخرى، لأهداف وأغراض تجميلية لا علاقة لها بجوهر القضية.

ولم يقم "صالح" طوال فترة حكمه ببناء سلاح بحري قادر على حماية سيادة السواحل والجزر والمياه البحرية اليمنية المستباحة من كل جراد المنطقة والعالم، واكتفى بخفر سواحل وأسلحة بدائية في دولة بحريّة، يبلغ طول سواحلها نحو 2400 كيلومتر، وتحيط بها القواعد العسكرية من كل الاتجاهات، وهو ما أثار الكثير من علامات الاستفهام حول علاقاته بالكيان الصهيوني، وكانت على الدوام مثار جدل في الأوساط اليمنية.

ولا عجب، فالجدل حول العلاقة المحرمة بين "صالح" والكيان الصهيوني، لم يأتي من فراغ، بل له مقدمات ومبررات ومعطيات، ووقائع، وإن تم توريتها عن عيون الناس خلال فترة حكمه بفعل رُهاب السلطة، لكنها لم تنمحي من ذاكرة المؤرخين.

يعود تنامي الحب العذري بين "صالح" والكيان الصهيوني الى بداية سبعينيات القرن الماضي، من خلال لقاء جمع "صالح" بمسؤولين اسرائيليين، ولا يُستبعد لعب السعودية دور الوسيط، فالرجل حينها كان شغُوفاً بالحكم والنفوذ داخل اليمن، ولم يكن أمامه سوى مغازلة الكيان الصهيوني من وراء حجاب، لتمكينه من تحقيق طموحه، عبر ضمان توفير الرضا والدعم الاستخباري الأميركي والبريطاني، بعد أن تكفل المال السياسي السعودي بتذليل العقبات الداخلية.

وأكد شقيق الرئيس الشهيد "إبراهيم الحمدي" في إحدى تصريحاته الصحفية، لقاء الرئيس اليمني السابق "علي عبدالله صالح" في سبعينيات القرن الماضي بالموساد الإسرائيلي في جيبوتي، وكان حينها قائداً للواء المخا بتعز.

كما أكدت المخابرات المصرية لقاء الموساد بشخص يمني بجيبوتي ونيروبي في العام 1972، وكان يعطيهم معلومات حول الجاسوس الإسرائيلي "باروخ مرزاحي"، واحتجز هذا الجاسوس فيما بعد بميناء الحديدة، وسلّمه النظام اليمني لمصر، والتي بدورها سلمته للكيان الصهيوني في عملية تبادل أسرى.

والسؤال هنا: ما مصلحة "صالح" من هكذا لقاء، وفي وقت لا يزال فيه مجرد ضابط في القوات المسلحة اليمنية، وقائداً عسكرياً لأحد ألويتها، وهل لذلك ارتباط بعملية تصفية الحمدي، بعد خمس سنوات من لقاء المحبة بين "صالح" وضباط الموساد؟. 

في ثمانينيات القرن الماضي سيطر الصهاينة بالتنسيق مع حلفائهم في القرن الأفريقي على جزيرة يمنيّة بالقرب من جزيرة "بريم"، والسيطرة العملية من خلالها على "بريم"/ "ميون"، دون أن يحرك نظام صالح ساكناً.

وخلال الحرب الأهلية في صيف 1994 بين "علي عبدالله صالح" و"علي سالم البيض" استغل صالح علاقته بالصهاينة، لكسب رضا واشنطن في ضرب خصمه "علي سالم البيض" والانفراد بالحكم، مقابل منح إسرائيل حرية الحركة والتواجد داخل الحدود البحرية اليمنية، وتحدثت وسائل الإعلام حينها عن رصد الدفاعات الجوية اليمنية تحليق مقاتلات تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي فوق الساحل الجنوبي الغربي لليمن، وصولاً الى مضيق باب المندب أكثر من مرة.

وأثناء الحرب السادسة التي شنها نظام "صالح" ضد أبناء صعدة خلال الفترة "أغسطس 2009 ـ فبراير 2010"، كشفت حينها مجلة العلاقات الخارجية الأميركية "فورين أفيرز"، عن مشاركة طائرات اسرائيلية في قصف صعدة.

وأكدت وثائق سرية عبارة عن محاضر اجتماع، عُمق العلاقة بين "صالح" وإسرائيل، وتأكيد "صالح" في مرات عديدة أن هناك موانع لعدم اعلان العلاقة بين اليمن واسرائيل.

والتقى "صالح" في إحدى زياراته لأميركا خلال الفترة "1980 – 1983" برؤساء الجاليات اليهودية، ومعه رئيس وزرائه حينها "عبدالكريم الإرياني"، وأبدى رؤساء الجاليات اليهودية امتنانهم لقبول "صالح" اللقاء بهم، وأكدوا أنهم يسعَون لتأسيس علاقات بين اليمن وإسرائيل، ورد "صالح" بعدم وجود مانع لإقامة علاقة مع إسرائيل، لكن الظرف لا يسمح، ويُفَضِّل أن تكون العلاقة سرية.

وفي اعترافات بوثائق أخرى، يؤكد "صالح" علاقته بإسرائيل، ولكن خوفه من الاعلام، هو ما يمنعه: "في مرة كنتُ في باريس، والتقيت الرئيس الإسرائيلي عيزر فايتسمان، ولم تمضِ 10 دقائق إلا وراديو إسرائيل يعلن المقابلة"،

وحكم الرئيس الصهيوني في الفترة " 1993 – 2000"، ما يعني أن اللقاء تم خلال هذه المرحلة.

وكشفت وثيقتان سريتان، الأولى بتاريخ 3 مارس 2004، والثانية بتاريخ 16 يوليو 2007، عن لعب الإمارات دور بارز في إقناع اليمن بتطبيع العلاقات رسمياً مع الكيان الصهيوني، ونظمت الإمارات بالتنسيق مع نظام "صالح" في 14 – 16 يوليو 2007 زيارة سرية للمستشار الخاص لوزير الخارجية الإسرائيلي والبطل الخفي لتطبيع العلاقات "الإسرائيلية – الخليجية"، "بروس كاشدان"، الى اليمن.

واقر رئيس جهاز الأمن القومي في نظام "صالح"، "علي محمد الآنسي"، متابعة جهازه زيارة المسؤول الصهيوني، بناءً على توجيهات "صالح" بتاريخ 2 نوفمبر 2005، والانتباه عند تكرار زيارته لليمن، وهذا يؤكد أن زيارته لليمن في يوليو 2007، ليست الأولى بل هناك سلسلة طويلة من الزيارات والتعاون المشترك، وهي نتاج تراكمي لسنوات من التشبيكات السرية بين النظامين، كما هو حال كل الأنظمة العربية المسبحة بحمد أميركا.

وتحدثت وثيقة كشف عنها المتحدث باسم الجيش اليمني "يحيى سريع، في مؤتمر صحفي عقده في صنعاء بتاريخ 5 أكتوبر 2020، عن تولي "عمار محمد عبدالله صالح" مهمة تنسيق زيارات المسؤول الصهيوني.

وناقش المسؤول الصهيوني 5 ملفات مع المسؤولين في نظام "صالح":

1 - توسيع النشاط الاقتصادي الصهيوني في اليمن، والذي بدوره سيدير العجلة السياسية لاحقاً. 

2 - التعاون في المجال الزراعي والمياه.

3 - تعزيز التعاون في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب.

4 - ضمان أمن البحر الأحمر.

5 - تطوير وتحديث المعدات العسكرية وخفر السواحل. 

ويعمل "كاشدان" مستشاراً خاصاً لوزير الخارجية الصهيوني، ويقيم بصورة شبه دائمة في دبي، وهو منسق العلاقات الصهيونية بين كيانه الغاصب والإمارات والسعودية واليمن وجيبوتي، ويحمل جواز سفر أميركي، ويتنقل في المنطقة بكل أريحية تحت غطاء رجل أعمال.

وفي أغسطس 2010 كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية عن حصول الكيان الصهيوني في مايو 2010 على وثائق من "جهة" يمنية، تتضمن أسماء مواطنين عرب، زودوا المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ببعض الأموال.

الصورة بمفرداتها تضعنا أمام علاقة ظاهرها التحريم وباطنها العناق والوفاق، تنوعت محطاتها ما بين لقاءات رسمية، وزيارات وفود، وتقديم معلومات استخبارية، وتسهيلات لا متناهية للمشاريع الإسرائيلية في المناطق القريبة من اليمن، وبصورة خاصة باب المندب.

وكل اللقاءات والزيارات بين الطرفين كانت تتم بسرية مطلقة، باستثناء لقاء جمع "علي عبدالله صالح" بالرئيس الإسرائيلي الأسبق، وكشفته القنوات التلفزيونية العبرية في حينه بالصوت والصورة بحسب الكاتب الفلسطيني "محمد علوش".

ومثلًت السعودية بوابة السعد لوصول "صالح" الى الحكم، بالتنسيق مع الموساد، وترسيخ أركان حكمه، في بلدٍ قال أنه يحكم فيه على رؤوس الثعابين، ولولا تلك العلاقة المحرمة التي نشئت وترعرعت في ظل فراغات الإحتراب الأهلي، واحتدام صراعات أجندات الأغيار، لما تمكن "صالح" من البقاء في كرسي الحكم 34 عاماً، وترويض الثعابين المعكرة صفوه، لكنه ترويض ماحق للسلم المجتمعي، وحارق للسيادة الوطنية.

في حين لعبت الإمارات دور السمسار في بناء تلك العلاقة المحرمة بين نظام "صالح" والكيان الصهيوني، سابقاً، وتعزيزها، حالياً، بالزواج العرفي بين المجلس الانتقالي الجنوبي والكيان الصهيوني، وتحدثت وثائق كشفتها صنعاء في 5 أكتوبر 2020 عن لعب الفلسطيني المتصهين "محمـد دحلان" دور محوري في نسج خيوط الحب العذري بين "صالح" والكيان الصهيوني.

ويعيد الكاتب الفلسطيني "محمد علوش" سبب التقارب بين "صالح" والكيان الصهيوني الى عاملين أساسيين:

1 - علاقة "صالح" بالسعودية.

2 - قرب "صالح" من الأميركيين والبريطانيين.

ولذا لا نستغرب من علاقاته مع إسرائيل، بحكم تلك العلاقات مع وكلاء إسرائيل، وحارسي أحلامها في واشنطن ولندن .

هذه العلاقات القديمة أراد لها "ًصالح" أن تظل سرية، لأن الوقت لم يحن لعلاقة علنية، كما كان يقول، لكن رياح العاصفة كشفت عنها الغطاء، فعرف الشعب سر العصى السحرية التي روّض بها رؤوس الثعابين، فأين صالح، وأين الثعابين، وأين العصى؟؟.



المراجع:

1 - زيد المحبشي، أرتيريا قاعدة مفتوحة لإدارة العدوان على اليمن، مركز البحوث والمعلومات، 15 يوليو 2020

2 - شيماء حسن، تطورات الموقف الأميركي من الأزمة في اليمن، مجلة المستقبل العربي، العدد 470، أبريل 2018

3 - هاني باراس، تقرير تاريخي يكشف حقائق مذهلة عن علاقات قيادات شمال اليمن، موقع عدن لنج، 19 فبراير 2019 

4 - الخليج الجديد، وثيقتان سريتان: الإمارات تدفع اليمن للتطبيع مع إسرائيل منذ 16 عاما، 7 أكتوبر 2020

5 - موقع الشاهد برس، أسرار خطيرة حول عاصفة الحزم والأطماع الدولية والإقليمية للسيطرة على باب المندب، 31 مارس 2015

6 - إسرائيل والإمارات واليمن: تعاون سيغيّر المنطقة، صحيفة MakorRishon الإسرائيلية، ترجمة مركز سوث24 للأخبار والدراسات، 6 سبتمبر 2020

7 - قناة الميادين اللبنانية، ما الذي كشفته وثائق سريّة بين علي عبد الله صالح والـ CIA؟، 14 مارس 2021

الأربعاء، 24 مارس 2021

خفايا وأسرار العلاقات اليمنية الصهيونية 1/4

اليمن في مواجهة ثالوث التهويد والصهينة والتجنيس

زيد يحيى المحبشي؛ مركز البحوث والمعلومات؛  24 مارس 2021

منذ قديم الزمان واليمن حاضرة بقوة في أجندة الأطماع اليهودية بسبب الموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به، والتحكُّم في مضيق باب المندب، والذي يُعتبر بمثابة مجمع الأمن الإقليمي وهمزة الوصل بين الشرق والغرب، وتعززت أطماع اليهود بعد وعد بلفور المشؤم عام 1917، والذي منحهم وطناً بديلاً في فلسطين المحتلة بعد قرونٍ من الشتات والتيه، وكانت اليمن قبل صدور الوعد إحدى البلدان المتداولة في أوساط اليهود لإقامة دولتهم الموعودة، لهرطقات دينية تدعي وجود الهيكل السليماني فيها.

وبصدور الوعد المشؤم بدأت الوكالات الصهيونية بجمع شتات يهود العالم إلى فلسطين، برعاية وحماية بريطانيا وتمويل أميركا، ومعها بدأت المشاريع الصهيونية في اليمن والبحر الأحمر وبوابته الجنوبية تتكشف تِباعاً، معززة بقائمة طويلة من مصالح رعات إسرائيل، الذين رأوا فيها الوكيل المؤتمن على مصالحهم في منطقة تعج بكل ذباب العالم.

وفي نوفمبر 1947 صدر قرار الأمم المتحدة رقم 181 الخاص بتقسيم فلسطين المحتلة بين اليهود الغاصبين وأصحاب الأرض والحق، فصوتت المملكة المتوكلية اليمنية ضد هذا القرار الجائر، والذي بموجبه أصبح الكيان اللقيط واقع يتمتع بشرعية دولية عوراء، على العرب قبوله والتعايش معه، وهذا القبول بحاجة إلى تخليق أنظمة خانعة، وخاضعة، وبالفعل نجح الرهاب الأميركي في إقناع مصر السادات بالتطبيع مع الكيان اللقيط وتوقيع معاهدة سلام، تلاها الأردن، وبعد عقدين من الزمن زاد عدد المسبحين بحمد التطبيع جهاراً ليشمل الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، والبقية سراً ومخافتة، وأصبحت صفقة العار الأميركية مزاراً للهاربين من غضب شعوبهم، والتطبيع أماناً للحفاظ على كراسي العفن العربي.

وفي وسط معمعة الانبطاح والخنوع ظلت اليمن الحاضر الغائب في القاموس الصهيوني، والأكثر تأريقاً لأحلامهم الاستعمارية في منطقة تموج بالمسبحين والمستغفرين، لكن لا جدوى من كل ذلك، ما دامت اليمن لازالت تغرد خارج السرب، وتعظم الكارثة مع ظهور حركة أنصار الله في البلد المنكوب بلعنة الجغرافيا والتاريخ، وتمكنها في سنوات معدودة من قطع أنفاس الطامعين في تل أبيب وواشنطن، وتلقين أحذيتهم الإقليمية دروساً ستظل قبساً يستضيئ به الباحثين عن الحرية والكرامة والعزة والسيادة والريادة والاستقلال والتحرر من التبعية والاستكبار لعقود، إن لم يكن لقرون قادمة، بعد عقود من الخضوع والخنوع.

لكن مشاريع الهيمنة هي الأخرى ما زالت تعمل بلا كلل ولا ملل في بذل محاولات جر اليمن إلى مستنقع التطبيع، ولا فرق بين ترامب وبايدن، فكلاهما يسير في نفس النسق، وإن اختلفت أدوات التنفيذ، فالهدف واحد، صفقة القرن لا رجعة عنها، ومشاريع التطبيع لا رجعة عنها، وحماية الكيان الصهيوني من المقدسات الغير قابلة للمساومة، وعلى اليمن الاختيار بين التطبيع هرباً من نيران العاصفة، أو السير في طريق شهيد كربلاء المحفوف بالمخاطر، وهيهات منا الذلة.

ولأن لعنة الجغرافيا وضعت اليمن في إطار جغرافي مهم وحيوي لمصالح الولايات المتحدة، بسبب التحكم في مضيق باب المندب، لذا لا يمكن الحديث عن السياسة الأميركية في منطقة حيوية بالنسبة إليها من دون الإشارة إلى مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يستهدف تقسيم المقسّم وتجزئة المُجزَّأ على أنقاض اتفاق "سايكس - بيكو" 1917، والذي يستهدف بالنهاية إعادة هندسة المنطقة العربية بما يتناسب مع مصلحة إسرائيل، وإشراكها ضمن نظام شرق أوسطي تؤدي فيه دوراً واسعاً، وهو الهدف الجامع لصفقة القرن ومشاريع التطبيع.

 

أحلام التهويد:

واحدة من الأهداف الكبرى للمشروع الصهيوني، التي تم وضعها في قائمة بنك الأهداف العبرية منذ بداية القرن التاسع عشر الميلاد:  تحويل البحر الأحمر إلى بحيرة يهودية، انطلاقاً من زعمهم بأن "بحر سوف" المذكور في سفر الخروج هو نفسه البحر الأحمر، وبالتالي فهو حق تاريخي لليهود بمقتضى النص التوراتي.

قبل احتلال فلسطين، تم طرح أسماء عدة أماكن قريبة من البحر الأحمر لتكون وطنناً لليهود منها اليمن وأثيوبيا وجنوب السودان، لكن وقع الاختيار في الأخير على فلسطين المحتلة، بالتوازي مع تكثيف التحركات الصهيونية لإيجاد موطئ قدم في القرن الأفريقي وباب المندب تحديداً لأسباب تتعلق بالحفاظ على الوجود الصهيوني.

وبالفعل نجحت شركة SIA الزراعية الصهيونية عام 1920 في افتتاح مشاريع استثمارية في غرب أرتيريا، وقد سبق لنا الحديث عن هذا في سلسلة قراءات نشرها مركز البحوث والمعلومات قبل أشهر، وبعد ترسيخ وجودها في فلسطين المحتلة، تنامي وجود الكيان الصهيوني في المناطق المحيطة بباب المندب، وتوثّقت علاقاته بأثيوبيا، ونجح في استئجار عدة موانئ في القرن الأفريقي، وإقامة قواعد عسكرية، ومراكز رقابة استخبارية.

التمدد الصهيوني في القرن الأفريقي يأتي انطلاقا من الإستراتيجية الإسرائيلية تجاه تلك المنطقة، والتي عبر عنها الدبلوماسي العبري الشهير "والتر إيتان" في خمسينيات القرن الماضي: "إن أمن إسرائيل من أمن وحرية بوابتها على البحر الأحمر"، متعهداً بالدفاع عن هذه البوابة مهما كلف الثمن، لهذا كان الكيان الصهيوني في مقدمة المباركين والداعمين لعاصفة الإثم السعودية الإماراتية منذ يومها الأول، وتوظيفها لخدمة مشروع تهويد البحر الأحمر، وتأمين بوابة الدموع في باب المندب.

 

فخ الصهينة:

 الوجود اليهودي في اليمن ليس وليد اللحظة، كانت اليهودية من الديانات الرئيسية التي انتشرت وسادة في اليمن قبل الإسلام، وحافظ من تبقَّ منهم بعد الإسلام على وجودهم، وأصبحوا جزءاً من هوى وهوية اليمن، وحصلوا على كامل حقوقهم في عهد أئمة الزيدية، بما في ذلك الحماية والرعاية من قبل الدول الزيدية المتعاقبة، وحرية ممارسة الشعائر الدينية.

ومع بداية ظهور الوكالة الصهيونية، تم استمالت العديد من يهود اليمن، وترغيبهم بالهجرة إلى فلسطين المحتلة، مقابل منحهم وعوداً بمزايا، سرعان ما تبخرت مع بداية وصولهم إلى فلسطين المحتلة.

ونشطت العديد من المنظّمات اليهوديّة الأوربيّة، في اليمن، منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي، تحت مبرر تحسين وضع يهود اليمن، وشهد العام 1911 أول نشاط صهيوني في اليمن، تمثل في زيارة "شموئيل يفنئالي" مبعوث "منظّمة العامل الصغير" الصهيونيّة، وسكرتير "منظّمة الاستيلاء على الأراضي"، منتحلاً صفة "حاخام" فلسطيني، ونجح بالفعل في إقناع عدة أسر من يهود اليمن بالهجرة إلى فلسطين المحتلة.

بدأت هجرة يهود اليمن الى فلسطين المحتلة بعد صدور وعد بلفور عام 1917، والذي بموجبه منحت بريطانيا فلسطين لليهود كي يقيموا عليها دولتهم، وكانت هجرة يهود اليمن عادة ما تتم بصورة سرية، وفردية، ومتقطعة، وغير منتظمة، وبعضهم جاء الى فلسطين قبل ذلك.

في العام 1923 تنبه الإمام يحيى حميد الدين لنشاط الوكالات اليهودية، فأصدر رحمة الله عليه قانوناً يمنع اليهود من السفر إلى فلسطين، ومع ذلك استمرت الهجرة بشكل سري ومتقطع، وكان يهود اليمن الجماعة اليهودية العربية الوحيدة التي تواجدت بأعداد كبيرة في فلسطين المحتلة قبل عام 1948، وهاجر جزء كبير منهم أيضاً إلى بريطانيا.

ومثلت مستعمرة عدن قاعدة لتنسيق نشاط المنظمات الصهيونية، وتحدثت المصادر التاريخية عن أخذ المنظمات الصهيونية عدداً من شباب يهود عدن لتدريبهم في المعسكرات الصهيونيّة في فلسطين المحتلة، وإعادتهم إلى عدن بعدها، والهدف من هكذا خطوة محاولة صهينة يهود اليمن، وتوظيفهم لصالح الاستعمار البريطاني الأب الشرعي للكيان الصهيوني.

وفي العام 1947 وقعت مجزرة ليهود عدن، فاستغلت الوكالة الصهيونية تلك المجزرة، ونجحت في تهجير نحو 50 ألف يهوديّ يمنيّ الى فلسطين المحتلة بما أُسمي حينها بعملية "بساط الريح" أو ما يعرف عبرياً بعملية "ميكتزي تايمان" وتعني بالعربية عملية "أقاصي اليمن"، وهي أول عمل أمني إسرائيلي في اليمن، بدأ التحضير لها في العام 1944، بالتنسيق مع الاحتلال البريطاني في عدن.

واستمرت بعدها الوكالة بنقل من تبقى من يهود اليمن بالتنسيق بين المؤسسات الأميركية والصهيونية داخل فلسطين المحتلة، وتكفلت الحكومة الأميركية بتغطية نفقات إعادة توطينهم داخل فلسطين المحتلة، ونفقات عمليات نقلهم من اليمن، وكانت تتم عادة بطرق سرية، وبصورة متقطعة، وغير منتظمة، باستثناء عملية بساط الريح.

وكان عدد اليهود في العام 1948 نحو 55000 نسمة يعيشون في شمال اليمن، و8000 في آخر مستعمرة بريطانية من عدن.

وفي عهد نظام "علي عبدالله صالح"، يذكر المؤرخ اليمني "مطهر الإرياني"، أن وفداً إسرائيلياً – من منظمة "ساتمار هاسيديم" الصهيونية - زار صنعاء ومُدناً يمنية – في ثمانينيات القرن العشرين - وقُوبل باستياء شعبي كبير، بلغ حد تلفظ الأهالي عليه بألفاظ قاسية، ووصل الحال ببعض السكان في قاع العلفي – بصنعاء - الذي كان يعرف بقاع اليهود قديماً إلى طردهم من الحي، بعد أن سألوا عن بعض الأسماء التي كانت تسكن هناك، وأرادوا التعرف إلى منازلهم".

وفي 21 مارس 2016، تمكن الكيان الصهيوني من نقل 19 يهودياً من اليمن، وهي أخر دفعة هجرّتها إسرائيل من يهود اليمن سراً، وأحدثت جدلاً عارماً حول وجود علاقات لتل أبيب مع أطراف نافذة داخل اليمن موالية لتحالف العاصفة.

ورغم سيل المغريات التي قدمتها الوكالة اليهودية ليهود اليمن، كان الوضع في فلسطين المحتلة مغايراً تماماً، وكان حال اليهود اليمنيين المهاجرين أكثر بؤساً وشقاءاً، ولحقهم الكثير من الظلم، ناهيك عن قيام الأجهزة الصهيونية بخطف أكثر من 5000 من أطفالهم، وبيعهم للعائلات الإشكنازية والأميركية – وبلغت قيمة الطفل من يهود اليمن حينها 5000 دولار - ومعاملتهم أقلّ من أقرانهم اليهود الغربيين.

ونشطت في العقدين الأخيرة العديد من مراكز الأبحاث الصهيونية، منها مركز "قافي"، ومركز "دايان"، في توثيق ممتلكات ورصد أماكن سكن اليهود في الدول العربية وخصوصاً في جزيرة العرب واليمن، وجمع البيانات والخرائط التاريخية، وإرسال مختصين، بغرض استعادة أملاكهم.

ومما يُحسب للإمام يحيى حميد الدين إلزام اليهود ببيع ممتلكاتهم قبل مغادرة اليمن، ما يجعل مخطط استعادة أملاكهم في المحافظات الشمالية والغربية ساقط قانونياً.

 

لغم التجنيس:

كشف المتحدّث باسم القوات المسلحة اليمنية "يحيى سريع" في مؤتمر صحفي بتاريخ 5 أكتوبر 2020، عن وثيقة سرّية أصدرتها السفارة الإماراتية بصنعاء في 3 مارس 2004، تتضمن مخطط صهيوني لإعادة توطين وتجنيس عشرات الآلاف من الإسرائيليين في اليمن، بالجنسية اليمنية، بطلب من وفد "هيئة التراث اليهودية".

الوثيقة حملت رقم 1/1/ 4-11، أرسلها سفير الإمارات لدى اليمن، "حمد سعيد الزعابي"، إلى وكيل وزارة الخارجية الإماراتية، تحدث فيها عن زيارة وفد من هيئة التراث اليهودية إلى اليمن، ولقائه بالعديد من المسؤولين اليمنيين، بِمَن فيهم "علي عبد الله صالح".

وضم الوفد: "يحيى مرجى" يحمل الجنسية الصهيونية، و"إبراهيم يحيى يعقوب" يحمل الجنسية الأميركية، و"سليمان جرافى"، وأتت زيارته في إطار الجهود الصهيونية للتطبيع مع اليمن.

ومن أهم وأخطر المطالب التي قدمها الوفد إلى نظام "صالح": إعادة توطين وتجنيس 45 ألف يهودي من الكيان الصهيوني، و15 ألف يهودي أميركي بالجنسية اليمنية، بما لذلك من مفاعيل كارثية على الأمن القومي اليمني.

والتقى الوفد بـ"صالح"، ونائب وزير داخليته "مطهر المصري"، وقائد المنطقة الشمالية - الغربية ورئيس مصلحة الجوازات، "علي محسن الأحمر".

وأكدت الوثيقة زيارة "مطهر المصري" للكيان الصهيوني، بترتيب مع هيئة التراث اليهودية.

مخطط التجنيس يأتي في سياق الجهود الأميركية المبذولة لجر اليمن إلى مستنقع التطبيع، وتمكين الكيان الصهيوني منه، وتفخيخ السلم والأمن المجتمعي اليمني، وهو من المشاريع القذرة التي تكفلَّت الإمارات بلعب الوسيط في ترويجها وتمويلها خدمة لأسيادها في تل أبيب وواشنطن.

وعن سبب اهتمام السفير الإماراتي بهذا الحدث، ترى الكاتبة اللبنانية "بيروت حمود"، أن الهدف من ذلك إطلاع وكيل وزارة الخارجية الإماراتية على الدور الذي يُراد لصنعاء أن تلعبه في إطار ما سمّاه "التطبيع اليهودي اليمني"، والذي يندرج ضمن "مخطّط أكبر ترسمه الولايات المتحدة للمنطقة".

وتحدث تقرير صادر عن أحد مكاتب الخارجيّة الأميركيّة بتاريخ 30 مايو 1998، عن إعادة تفعيل المعابد اليهوديّة والمسيحيّة، والدور الذي تلعبه القوات الأميركيّة في عدن لحماية أفراد الجالية اليهوديّة في صعدة وصنعاء، وإنشاء قاعدة بحريّة أميركيّة لقوات المارينز في منطقة البريقة بمحافظة عدن.

الصورة بمفرداتها تؤكد صحة المؤكد في تواطؤ نظام "صالح" مع الأميركيين، واستعداده منذ وقت مبكر لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، إلا أن تدحرج الأحداث، وانفراط العقد على "صالح"، حال دون ذلك.

 

 المراجع:

1 - الموسوعة الحرة "ويكيبيديا"، العلاقات اليمنية الإسرائيلية.

2 - أيمن نبيل، مائة عام من السياسات الإسرائيليّة في اليمن، موقع متراس، 2 مايو 2018

3 - بيروت حمود، وثائق مِن زمن علي عبد الله صالح: هكذا حاولت الإمارات جرّ اليمن إلى التطبيع، الأخبار اللبنانية، 7 أكتوبر 2020

4 - حسن عبده حسن، منافسة أميركية - إسرائيلية لاجتـذاب يهود اليمن، الإمارات اليوم، 15 يونيو 2009

5 - زيد المحبشي، اليمن وأرتيريا .. علاقات ملغومة، مركز البحوث والمعلومات، 24 يونيو 2020

6 - علي حمية، التغلغل الإسرائيلي في اليمن، موقع راصد اليمن، نقلا عن الأخبار اللبنانية.

7 - محمـد علوش، العلاقات اليمنية – الإسرائيلية كشف المستور في الزمن المحذور، وكالة قدس نت للأنباء، 12 أكتوبر 2020


الثلاثاء، 16 مارس 2021

التداعيات النفسية والعقلية للعدوان على اليمن

صحيفة السياسية: إجلال العمراني

في الحياة اليومية لجميع بلدان العالم، يعاني شعوبها العديد من الضغوطات والأزمات العابرة، التي يعتقد أدعياء حقوق الإنسان أنها ستجعلهم عُرضة للأزمات النفسية، رغم حرص بلدانهم على توفير كافة احتياجاتهم المادية والمعنوية، وإشعارهم بالراحة والأمان.

في اليمن الوضع مغاير تماماً، ولا عجب، بعد سبع سنوات من العدوان السعودي الإماراتي الأكثر قذارة في تاريخ الصراعات البشرية، وما خلفه من تداعيات كارثية، وضغوطات وأزمات غير محمودة العواقب، تسببت مجتمعة في الحاق صدمات واضطرابات نفسية بشريحة عريضة من اليمنيين، وخصوصاً في أوساط النساء والأطفال، لكن من يهتم لضحايا حرب اليمن المنسية في هذا العالم المنافق.

عند مرورك في الشوارع اليمنية تجد شباباً وشيوخاً بملابس رثة، وجسم نحيف، تملئُهُ الأوساخ، وشَعرٍ مُجعد، وعندما تقترب منه، تجده يهمهم بكلمات غير مفهومة، وعند سماع أصوات الطائرات يصرخ بأعلى صوته: “قد جوا، قد جوا، اهربوا”، ويطلق لسيقانه العنان، في سباق مع الريح، بحثاً عن مكانٍ يتوارى فيه، رغم علمه بأن العدوان لا محرمات ولا مقدسات في قاموسه العبري العفن.

في احدى شوارع صنعاء، تجد شاباً في الأربعين، تبدو عليه الاناقة والنظافة والاهتمام، وفجأة يصرخ، ويسب بأبشع الالفاظ، وعندما تسأل عنه، يخبرونك بأنه يعاني من الهيجان العقلي، والتأزم النفسي، إما بسبب رُهاب أصوات الطائرات والانفجارات، أو بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية وانقطاع المرتبات، أو بسبب تدمير العدوان منزله أو مقر عمله، أو بسبب استشهاد أو إصابة أحد أحبته.

سبع سنوات من المعاناة بسبب العدوان الجائر، وما ألحقه من اضرار نفسية وعقلية وعاطفية ووجدانية، طالت أكثر من 20 % من سكان اليمن، في بلد يفتقر لأبسط مقومات الحياة، بعد أن دمر العدوان كل مقومات الحياة، وأمعن بصورة ممنهج في تدمير المرافق الصحية، كي يضمن موت من نجى من نيران غاراته الهستيرية.

ورغم عدم توافر بيانات كافية عن الوضع العام للصحة النفسية في اليمن، والتي كان لها حصة الأسد من تداعيات العدوان الغاشم على بلادنا، خصوصاً مع محدودية المشافي المختصة بهكذا نوع من الأمراض، والارتفاع الجنوني في الأدوية المستخدمة لعلاجها، ومنع العدوان دخولها، ما تسبب في انعدامها في بعض الفترات، ومع ذلك تتحدث الأرقام المتاحة عن ارتفاع مهول في معدلات الانتحار في العام الأول من العدوان بنسبة 40.5 % عما كان عليه الوضع قبل العدوان، ومعاناة الكثير من السكان من التبعات السلبية النفسية والاجتماعية والعاطفية، لهكذا منحى خطير.

وتحدثت وزارة الصحة اليمنية في العام 2014 عن مليون ونصف مصاب بالأمراض النفسية، بينهم نحو 500 ألف مريض ذهني، وارتفع العدد بعد العدوان بنسبة 25 %، وحاجة 80 % من اليمنيين إلى دعم نفسي، بحسب موقع خيوط نقلاً عن اخصائيين نفسيين في تقرير له بتاريخ 3 فبراير 2021.

الوضع في اليمن جد خطير، فإما أن تموت جوعاً، أو ينتهي بك المطاف بأحد مشافي ومصحات الأمراض النفسية والعصبية، ووفقاً للطبيب النفسي “ماجد سيف”، فقد ازدادت حالات المرضى النفسيين خلال سنوات العدوان بنسبة 30 %.

وتُعدّ النساء والأطفال الفئة الأكثر عُرضة للإصابة بسبب ضغوط الحياة اليومية، والصدمات الشديدة نتيجة الانفجارات وأصوات الطائرات، في بلدٍ مستوى الرعاية النفسية فيه سيئ للغاية، بحسب استشاري الطب النفسي والإدمان في مستشفى الأمل للأمراض النفسية بصنعاء، الدكتور “سامي العربي” في مقابلة مع صحيفة “عُمان” بتاريخ 28 سبتمبر 2020.

مدير مستشفى الأمل الدكتور “سامي الشرعبي”، هو الأخر يؤكد في حديث لموقع منصتي بتاريخ 10 أكتوبر 2020 تسجيل ارتفاع كبير في حالات الإصابة بالأمراض النفسية والعصبية خلال الفترة الأخيرة، وصلت إلى 200 %، مع بروز حالات مرضية تسبب بها العدوان والأوضاع الصحية والاقتصادية الراهنة، منها: كرب ما بعد الصدمة، والاكتئاب الشديد، والقلق، والرُهاب.

وذكرت “منظمة الصحة العالمية” أن 1 من كل 5 يمنيين، أو 22 %، ممن يعيشون في منطقة متأثرة بالحرب، يعانون من الاكتئاب، والقلق، واضطراب ما بعد الصدمة، والاضطراب الثنائي القطب أو الفصام، ناهيك عن تزايد حالات الاكتئاب والقلق مع تقدم العمر في أوضاع الصراع، وسجلت محافظات تعز ولحج والحديدة زيادة مرعبة في أعداد الحالات النفسية تجاوزت الـ 300 %، بحسب موقع منصتي في تقرير له بعنوان “الصحة النفسية في اليمن .. الموت الخفي” نشره في 10 أكتوبر 2020.

وسجل العام 2017 زيادة صادمة في عدد الإصابة بالأمراض النفسية والعقلية تراوحت بين 40 – 50 %، والسبب بحسب استشاري الأمراض النفسية والعصبية الدكتور “محمد الخليدي” في مقابلة مع موقع “الخليج أونلاين” بتاريخ 15 أكتوبر 2017: العدوان، وانقطاع المرتبات، وعدم الشعور بالأمان.

وأكدت دراسة أعدتها مؤسسة “التنمية والإرشاد الأسري” في العام 2017 بعنوان “تقدير انتشار الاضطرابات النفسية بين السكان المتضرّرين من الحرب في اليمن” تجاوز النسبة العامة لانتشار الاضطّرابات النفسية بين اليمنيين المتضرّرين من الحرب 19.5 %، وهي من أعلى النسب في العالم.

وخلال الفترة “2014 – 2017″، تحدثت الإحصائيات عن 5455348 إنسان في اليمن، يعانون من الأمراض النفسية والعقلية، 80.5 % من اجمالي الحالات، من الشباب بين 16 الى 30 سنة.

هذه الارقام والاحصائيات عن الحالات المرضية التي تم تسجيلها في المراكز الصحية والمستشفيات فقط، وتُعد الحالات غير المعلنة أكثر بكثير مما تم إعلانه، ما يُنذر بوضع كارثي ومستقبل مظلم.

لم يكن تأثير العدوان على الأصحاء فقط، بل وتسببت غارته الإجرامية في اغلاق المستشفيات، والمراكز الحكومية الخاصة بالأمراض النفسية، لعدم تمكن حكومة الإنقاذ الوطني من توفير النفقات التشغيلية، وعدم قدرت أهالي المرضى على تحمُّل نفقات المشافي، ناهيك عن ارتفاع وغلاء اسعار الأدوية الخاصة بالأمراض النفسية والعصبية، ما أدى الى تفاقم الحالات المرضية، وللأسف فقد اكتفت المنظمات الدولية، ومنها الصحة العالمية، بتقديم دعم نفسي محدود النطاق والجدوى والفاعلية، يستهدف الأصحاء فقط، وفقاً للدكتور “محمد الخليدي”.

وتعاني اليمن من رداءة الخدمات الصحية المتعلقة بالأمراض النفسية، ومحدودية المصحات النفسية، والأخصائيين النفسيين، إذ لا يوجد فيها سوى 13 منشأة نفسية، و35 عيادة خاصة، عبارة عن أقسام وعيادات في مستشفيات عامة وخاصة، أغلبها في مدينة صنعاء، و46 طبيباً نفسياً، بمعدل طبيب لكل 600000 شخص، و130 معالج وأخصّائي، و25 ممرّض بحسب مؤسسة “التنمية والإرشاد الأسري”.

وتحدث أطلس الصحة النفسية لمنظمة الصحة العالمية في العام 2016 عن وجود 3 مستشفيات للصحة النفسية، ووحدة واحدة للطب النفسي في مستشفى عام في اليمن، و40 طبيباً نفسياً، معظمهم في صنعاء، في حين أشار مدير برنامج الصحة النفسية في وزارة الصحة بصنعاء في ديسمبر 2016 إلى وجود 36 طبيباً.

وبحسب احصاءات الجهاز المركزي للإحصاء في 2006: 45 طبيباً نفسياً، بواقع طبيب لكل 500 ألف شخص، وهذا هو نفس الرقم بالنسبة لعدد السكان عام 1980، وخلال أربعة عقود من الزمن زاد عدد الأطباء النفسيين 15 طبياً وطبيبة، ليصبح عددهم في العام 2020، نحو 59 طبيباً، موزعين بشكل غير متساوي على 5 محافظات، فيما 18 محافظة لا يتوفر فيها أطباء للأمراض العقلية والنفسية، وفقاً للاستراتيجية الوطنية للصحة النفسية الصادرة في مارس 2010.

ويمارس 34 طبيباً العمل في صنعاء، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، و11 في تعز، و6 في عدن، و3 في الحديدة، و5 في حضرموت.

ويؤكد استشاري الأمراض النفسية والعقلية، الدكتور “طالب غشام” تخصيص سرير نفسي واحد لكل 200 ألف فرد، وطبيب واحد لكل 500 ألف شخص، بحسب المعهد اليمني لحرية الاعلام في تقرير بعنوان “الصحة النفسية في اليمن .. الكارثة الموقوتة” نشره بتاريخ 8 يناير 2021.

محذراً من تفاقم مشكلة الصحة النفسية، لأنها ستؤدي على المدى البعيد إلى ظهور آلاف من المرضى النفسيين، وبصورة غير متوقعة.


……………….//