Translate

الخميس، 24 ديسمبر 2020

وكرامتنا من الله الشهادة

 زيد يحيى المحبشي، 25 ديسمبر 2020

"الذكرى السنوية للشهيد هي إحياءٌ للروحية المِعطاءة والصامدة للشهداء، وتأكيدٌ على مواصلة السير في درب الشهداء، واحتفاءٌ وتقديرٌ لأسر الشهداء، وتذكيرٌ بمسؤولية الأمة تجاههم.

وتُعَبّرُ المناسبة عن مظلومية المظلومين، فالجميع يُقتلون بغير حق، ويُستهدفون في حياتهم، وهو أشد أنواع الظلم".

.. قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي.

الشهادة حياة للأمم والشعوب، والأمة الحية تقدس شهدائها، وتعزز من ثقافة الاستشهاد، وتعتبرها قيمة إنسانية، وثقافة إلهية، لأن الموت قتلاً في سبيل الله، حياة، والحياة من دون ثقافة الشهادة، موت، ما نجد مداليله في قول شهيد كربلاء الإمام الحسين بن علي عليهما السلام: "إني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين الا برما"، وما أراده سلام الله عليه هنا ليس التعبير عن اليأس، بل عن حالة الرفض، فالموت في خط الجهاد، سعادة، لأنّ الإنسان يؤكّد رسالته وانتماءه وموقفه وعبوديته لربّه، أما الحياة مع الظالمين دون أن يواجههم، فإنها تمثل الحياة التي برم بها الإنسان، بمعنى أنّه لا يشعر فيها بالحيوية ولا يشعر فيها بالحياة.

والشهادة اصطفاء وتكريم إلهي للمجاهدين المخلصين في سبيل الله، قال الله سبحانه تعالى في محكم التنزيل: "وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء"، آل عمران: 140، أي: ليُكَرَم منكم بالشهادة، من أراد أن يُكَرِمه الله بها، وأي كرامة أعظم من هذه الكرامة.

وللشهداء الكأس المُعَلى عند ربهم، والمكانة الرفيعة، والمقام العالي، فهم أحياء فرحون، عند ربهم يرزقون، وما عداهم أمواتٌ، ولكن لا يشعرون، قال الله سبحانه وتعالي: "وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ"، آل عمران: 169 - 171.

يحيي اليمنيون خلال الفترة 13 – 20 من شهر جماد الأولى من كل عام، الذكرى السنوية للشهيد، وفاءاً لدماء أكثر من 17042 شهيداً و26355 جريحاً من المدنيين، وآلاف الشهداء ممن إرتقوا في جبهات العزة والكرامة من رجال الله، دفاعاً عن سيادة وعزة واستقلال وحرية اليمن، وتطهيرا لأرضه من دنس ورجس الغزاة والمحتلين من بني سعود وبني نهيان، وأسيادهم من اليهود والأميركان.

ست سنوات ونيف من مواجهة عربدة الغزاة والمحتلين من الصهاينة والأميركان وعبيدهم من بدو جزيرة العرب وأضرابها، قدمت اليمن خلالها ولا زالت قائمة طويلة من قرابين العشق الإلهي، ممن نذروا أنفسهم للدفاع عن البلاد والعباد، قُربة الى الله، ورووا بدمائهم الطاهرة شجرة الحرية، تاركين خلفهم حزناً عميقاً، تلونت به كل جبهات العزة والكرامة، التي دونت في سجلاتها، بأحرفٍ من نور مشاهداً من بطولاتهم واستبسالهم وملاحمهم الجهادية، ستظل حكاياتها تتناقلها الأجيال، وتُوقظ في ضمير الأمة عبرة تشير الى الطريق الصحيح الذي سلكوه، وعبرة تسقي في نفوسنا جديب البقاء، لنتذكر دوماً أننا بقينا في وطنٍ حر، عزيز، مُصان، بفضل دمائهم الطاهرة وتضحياتهم الجسيمة، والتي لولاها لأصبحت البلاد في خبر كان، وما نراه في المناطق اليمنية المحتلة خير برهان، لمن كان له عقل يزدان، وفِكرٌ، وعِرفان.

إنهم رجال الله، يكبُرون في زمن الصغار، ويُخَلَّدُون في أمكنة يتآكلها النسيان، ولا يغيبون عنا أبداً، فهم شموع تنير ظلام القلوب، وأسماؤهم؛ محاريب دعاء نتقرب بها إلى الله، وقرابين تسخو - في زمن القحط البشري - في سبيل شجرة الحق والعشق التي لا ترتوي إلا بدماء الأبرار والأحرار، فيرثون الأرض والفردوس معا.


مكانة الشهيد وقيمة الشهادة:

يعرف العلامة الطباطبائي في كتابه القيم "تفسير الميزان" الجزء الثاني، الصفحة 249، ماهية الشهادة، بقوله: هي "نيل نفس الشيء وعينه، إما بحسّ ظاهر كما في المحسوسات، أو باطن كما في الوجدانيات نحو العلم والارادة والحب والبغض". 

وهو من أدق وأشمل التعاريف، فالشهادة وفقاً لتعريفه، تعني المشاهدة ورؤية الشيء بنفسه، ولذلك تُطلق في اللغة على الشاهد، لأنه يشهد بما يعلمُ علماً يقيناً، فهو شاهدٌ، ومن هذه الرؤية أُطلق هذا اللفظ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى المسلمين، لماذا؟.

لأنهم يشهدون على الأمم التي كَذَّبت بالرسل، ويشهد النبي على أعمال أمته، مِصداقاً لقول الله سبحانه وتعالى: "وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً"، البقرة: 143.

ومعلومٌ أن قيمة ومكانة الانسان في المجتمع تتناسب دوماً مع ما يقدمه لمجتمعه، وما يقدمه الشهيد إحياءٌ لمجتمعه بدمه وحياته لا يضاهيه أي عطاء، لهذا يتميز الشهداء عما عداهم من البشر بمكانة خاصة في المجتمع، ومكانة رفيعة عند الله.

ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ"، والشاهدُ هنا كلمة "أحياء"، يقول العلامة "زكي الموسوي": كأن أرواحهم أُحضِرت الى دار السلام، أحياء، وأرواح غيرهم أُخرت الى يوم البعث، فالشهيد هو الحيّ الحاضر، وهو الأمين في الشهادة الذي لا يغيب عن علمه شيئ، وهو اسم من أسماء الله، المقتول في سبيل الله، وهو الخبير، وهو الشهيد الذي يشهد على الخلق يوم القيامة مع نبيها، قال الله سبحانه وتعالى: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً" - البقرة: 134.

وهو الذي تشهده الملائكة وتحضر موته، وهذه المعاني تدل على عظمة الشهيد ومكانته، ولذا سُمِّي شهيداً لتلك الأوصاف، ولأن الله وملائكته شهودٌ له بالجنة.

الشهادة درجة يرفع الله إليها صفوةً مختارةً من عباده، فهي منحة إلهية، وليست محنة دنيوية، لأن معنى اختيار الله سبحانه لبعض الناس ليكونوا شهداء، يعني وقوع هذا البعض في محل الرضى لدى الله عز وجل، ولذلك يتخذه ويرضاه، وأي درجةٍ أسمى وأرفع وأعلى من هذه الدرجة، ما نجد مصداقه في قول الله سبحانه وتعالى: "ويتخذ منكم شهداء"، آل عمران: 140.

الشهادة رتبة عالية، ليس فوقها رتبة، قال الله سبحانه وتعالى: "إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"، التوبة: 111.

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أشرف الموت، قَتُل الشهادة".

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "لودِدت أني أغزو في سبيل الله فأُقتل، ثم أغزو فأُقتل، ثم أغزو فأُقتل".

ويقول الإمام السجاد علي بن الحسين عليهما السلام: "ما من قطرة أحب إلى الله عز وجل من قطرتين: قطرة دم في سبيل الله، وقطرة دمعة في سواد الليل، لا يريد بها العبد إلا الله عز وجل"، ومن دعائه سلام الله عليه: "حمداً نَسعد به في السعداء من أوليائه، ونصير في نظم الشهداء بسيوف أعدائه".

وعن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في كتابه لمالك الأشتر النخعي اليماني: "وأنا أسأل الله بسعة رحمته وعظيم مواهبه وقدرته على إعطاء كل رغبة .. أن يختم لي ولك بالسعادة والشهادة"

وقال سلام الله عليه في التحريض على القتال في سبيل الله: "أيّها الناس، إنَّ الموت لا يفوته المقيم، ولا يعجزه الهارب، وليس عن الموت محيد ولا محيص، من لم يُقتل مات، إنّ أفضل الموت القتل، والذي نفس عليٍّ بيده، لألفُ ضربة بالسيف أهون من موتةٍ واحدة على الفراش".

ولذلك نلاحظ والحديث هنا للعلامة الموسوي، تعاطف الشعوب مع الشهداء والاهتمام بهم دون غيرهم، وهذا يكشف عن عِظم ما قدموا لتلك الشعوب، لأنهم جادوا بأنفسهم، فكان لهم الأثر الواضح من خلال الجانب المادي، والمعنوي، فبدمائهم تتحقق الحرية والاستقلال، ودحر الأعداء المتربصين بالوطن الدوائر، وينجلي الظلم والقهر والفساد، ويتحقق العدل والانصاف، وتترسخ المثل والقيم السماوية، التي تمثل القيم المطلقة، التي شرعها الله تعالى، وهذا الأثر الايجابي للشهيد الذي حققه بدمه أضاء للأمة دربها، وأنار لها طريقها، ولا شك أن من يُثَبِّت هذه القيم ويُرَسِّخُها في الأمة، لابد أن يحظى منها بأعظم اهتمام.

وبدماء الشهداء تُزهر شجرة الحرية والخلود بالوقوف ضد الظلم والظالمين، وتنير للأمة الدرب لسلوك طريق الرقي والتطور، وإشعارها بالحياة، بعد موت الضمير فيها، لقبول الظلم والظالمين، والطغاة والمستبدين، والغزاة والمحتلين.


ما يجب علينا تجاه شهدائنا؟

يجب على الأمة تجاه شهدائها، مبادلة الوفاء بالوفاء، ورد الجميل لتضحياتهم التي أحيت الأمة، وحررتها من قيود وأغلال الطغاة والمستبدين والغزاة والمحتلين، وأعلت من شأنها ومكانتها بين الأمم، ورد الجيل يستوجب:

1 - الحفاظ على نهجهم‏، وحماية الأهداف التي خرجوا من أجلها، وقدموا أرواحهم ودمائهم رخيصة لتحقيقها، وإحياء ذكرهم، وتذكر بطولاتهم وملاحمهم، لتكون حافزاً في وجدان وذاكرة الأجيال الصاعدة.

2 – تعهُد ورعاية وتكفُّل أيتام وأسر الشهداء في جميع النواحي المادية والمعنوية، وتوفير حياة كريمة لهم، وإشعارهم بأن المجتمع كله أسرتهم.

لأن الشهداء تركوا أولادهم وأسرهم أمانة في أعناقنا، ومن المعيب بحقنا أن نُضَيّع الأمانة، ولأهمية هذا الأمر كانت أخر كلمات الأمام علي عليه السلام في وصيته: "الله الله في الأيتام، فلا تغبوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم، فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يقول: من عال يتيماً، حتى يستغني أوجب الله له بذلك الجنة، كما أوجب لأكل مال اليتيم النار".

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة إذا اتقى الله عز وجل"، وأشار بالسبابة والوسطى.

3 – تكفُل الجهات المعنية بقضاء ديون الشهداء، لأن جميع الحقوق كالدين والأمانة والذنوب التي لها علاقة بالناس لا تُغفر بدون رضاهم.

4 – زيارة رياض الشهداء، لما لذلك من أهمية في تذكير الناس بالمعروف الذي قدمه الشهداء، وإدخال السرور على قلوب وأرواح الأموات والشهداء، قال الإمام علي عليه السلام: "زوروا موتاكم فإنهم يفرحون بزيارتكم".


التعاطي الرسمي مع أسر الشهداء:

اتخذت حكومة الإنقاذ الوطني بصنعاء العديد من الخطوات، لتكريم الشهداء، والاهتمام بأسرهم، منها:

1 - إنشاء صندوق خاص لرعاية أسر الشهداء.

2 - تخصيص قطعتي أرض لكل أسرة شهيد ومعاق لبناء مساكن لهم بأمانة العاصمة صنعاء والمحافظات.

3 - تخصيص نسبة لأبناء الشهداء والمعاقين في الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة وكليات المجتمع والمعاهد المهنية والمدارس الخاصة والكليات العسكرية والأمنية.

4 - اعتماد درجات وظيفية لأبناء الشهداء وجرحى الحرب في إطار خطط التوظيف السنوية.

5 - توجيه الوزارات والمؤسسات التي يوجد بها شهداء أو جرحى حرب من موظفيها، بتوفير الرعاية اللازمة لأسرهم، وتخصيص إعانة شهرية لها.

6 - تخصيص منح علاجية مجانية لأسر الشهداء والجرحى بمستشفيات أمانة العاصمة والمحافظات، بما يضمن حصولهم على الرعاية الصحية والعلاجية بصورة مجانية ودائمة.

الأحد، 20 ديسمبر 2020

ما وراء اصطياد الموساد علماء النووية الإيرانية؟

زيد يحيى المحبشي، مركز البحوث والمعلومات، 20 ديسمبر 2020

أن تكون مسلماً يرفض الضيم والتبعية والخضوع والخنوع لدول الاستكبار العالمي، فعليك أن تؤمن بأن عزة ورفعت وكرامة أمتك لا تكون بالخطابات والشعارات، بل بالعمل الجاد والمخلص للقضاء على كل مظاهر وأغلال التبعية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مختلف مناشط ومجالات الحياة، بدءاً بزراعة الغذاء وصناعة الدواء والملابس ومروراً بصناعة الكماليات من مركبات وغيرها، وانتهاءاً بالصناعات العسكرية والأمنية، وبذلك تحقق الأمة الاكتفاء الغذائي والدوائي والصناعي والعسكري، ..، وبالتالي تحررها سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وتكنولوجياً، ..ألخ.

هذه الأمور مجتمعة مثلت المحرك الرئيسي لثورة المستضعفين التي قادها الإمام الخميني رحمة الله عليه، وتكللت بإزاحة كابوس الشاه المقبور عن صدور الإيرانيين في العام 1979، بعد عقود من التبعية للصهاينة والغرب وأم الشرور أميركا، وما خلفته تلك التبعية من كوارث لم تقتصر شظاياها على المجتمع الإيراني، بل فاض لهيبها ليحرق المحيط العربي والإسلامي، ومعها بدأت إيران تشق طريقها بخُطاً ثابتة وواثقة نحو التحرر من أغلال التبعية، وكانت الصناعات العسكرية نقطة مضيئة في سجل التحرر السياسي، ما أثار غضب الكيان الصهيوني وأباطرة الطغيان الإمبريالي العالمي، ومعها بدأت المؤامرات تحاك ضد هذا البلد المسلم الحر، والعقوبات الأممية والأميركية تنهمر عليه بلا كوابح أخلاقية ولا نواميس إنسانية.

ويُعد البرنامج النووي إحدى دعائم التصنيع العسكري، وأكثرها إثارة لمخاوف الصهاينة والغرب، رغم التأكيدات الإيرانية المستمرة باستخدامه للأغراض السلمية، وعدم تعارض ذلك مع القوانين والمواثيق الدولية، ناهيك عن رُهاب الصناعات الصاروخية وهي الدعامة الثانية للتصنيع العسكري، رغم أنها حقٌ مشروع للدول، للدفاع عن نفسها، وبما أن البراعة الإيرانية في نفض أغلال التبعية لم تتوقف على حدود الاكتفاء المحلي، بل تجاوزته إلى مناصرة قضايا الأمتين العربية والإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، فهذا يعني تلاشي مصالح طغاة الإمبريالية وأحلامهم الاستعمارية، والإيذان بانقراض غدتهم السرطانية المزروعة في قلب أمتنا العربية، ما دفعهم إلى رفع مستوى الخطر والعمل بمختلف الوسائل وعلى كل الجبهات من أجل فرملة هكذا توجهات إسلامية تحررية.

شهدت السنوات العشر الأخيرة تسريع إيران في رفع عدد أجهزة الطرد المركزي إلى آلاف عدة، بعد أن كان العدد يقتصر على أجهزة قليلة، وبعد أن امتلكت المعرفة العلمية لدورة الوقود النووي بالكامل، ما أثار حفيظة واشنطن وتل أبيب والاتحاد الأوربي، واتهام طهران بالسعي لامتلاك سلاح نووي.

ومن يومها أصبح علماء النووية الإيرانية هدفاً لعمليات اغتيالات واسعة النطاق، مدروسة ومركزة، قامت بها أجهزة المخابرات الصهيونية بالتنسيق مع أجهزة مخابرات أجنبية وعملاء محليين، طالت المؤسسة الأمنية الإيرانية بالصميم، ووضعت على لائحة الاغتيالات، حياة عشرات العلماء الإيرانيين العاملين في البرنامج النووي، لأهداف وغايات تخدم المشروع الصهيوني بالمقاوم الأول.

 

تاريخ أسود من الاغتيالات

تمكن الموساد الصهيوني بالتنسيق مع الاستخبارات الأميركية خلال الفترة 2010 - 2020، من تصفية خمسة من خيرة علماء إيران في المجال النووي، والتخطيط والتنفيذ لسلسلة من التفجيرات داخل إيران، راح ضحيتها المئات من أبناء هذا البلد الإسلامي الحر:

 

1 - "مسعود علي محمدي":

أستاذ فيزياء الجسيمات في جامعة طهران وأحد خريجي جامعة شريف الإيرانية، الشهيرة بجامعة النخبة والعباقرة.

أُستُشهد في 12 يناير 2010، بواسطة دراجة نارية مفخخة، وُضعت بالقرب من منزله في شمال طهران، وتم تفجيرها بالتحكم عن بعد أثناء مروره بسيارته.

وتمكنت أجهزة الأمن الإيرانية من إلقاء القبض على الجاني، ويُدعى "مجيد جمالي فاشي"، وهو الاغتيال الوحيد الذي أعلنت فيه طهران عن اعتقال مشتبه فيه واضح، وبعد التحقيق اعترف المتهم بتلقيه تدريبات مكثفة على يد الموساد الصهيوني في أذربيجان، وتزويده بالتعليمات اللازمة حول عمليات الاستطلاع وكيفية تنفيذ عمليات الاغتيالات، وتقاضيه 120 ألف دولار مقابل تنفيذ العملية.

توقيت تنفيذ العملية يأتي بعد سبعة أشهر فقط من اختطاف الموساد العالم النووي "شهرام أميري" في مايو 2009، وتوجيه إيران الاتهام لإسرائيل وأميركا في ديسمبر 2009 بالوقوف وراء العملية، بالتوازي مع بداية الفترة الرئاسية الثانية لـ "محمود أحمدي نجاد"، وما شهدته من تقدم مُتسارع في عملية تخصيب اليورانيوم، أثارت رعب وفزع تل أبيب، وشنها حملة شرسة لعرقلة البرنامج النووي الإيراني، افتتحتها باغتيال "مسعود محمدي"، وشن هجمات إلكترونية على منشأة "نطنز" و"بو شهر" وغيرها من المواقع النووية الإيرانية.

 

2 - "مجيد شهر ياري":

أستاذ الفيزياء بجامعة "الشهيد بهشتي" في طهران، وأحد المسئولين عن المشاريع الكبرى في برنامج طهران النووي، وكان له دور رئيسي في البرنامج النووي الإيراني.

اُستُشهد في 20 نوفمبر 2010، بواسطة قنبلة مغناطيسية ألصقها راكب دراجة على سيارته في شمال طهران، وتم تصفيته في ذروة الأزمة مع القوى العالمية بشأن البرنامج النووي الإيراني.

وفي نفس التوقيت تم استهداف رئيس هيئة الطاقة الذرية السابق "فريدون عباسي دافاني"، وبذات الطريقة، وقد نجا بأعجوبة، حيث أحسّ بخبطة أسفل السيارة، فغادرها على الفور مع زوجته، وانفجرت السيارة بعد لحظات، وأُصيب وزوجته بجراح، ولحُسن طالعه أصبح فيما بعد نائباً لرئيس الجمهورية، ورئيساً لهيئة الطاقة الذرية، وأشرف على توسيع البرنامج النووي في إنتاج الوقود في المواقع الذرية الإيرانية.

واتهم الرئيس الإيراني حينها "محمود أحمدي نجاد" إسرائيل والغرب بالتورط في الاغتيال.

 

3 - "داريوش رضائي نجاد":

حائز على شهادة الدكتوراه في الهندسة الكهربائية من جامعة "خواجة نصيرالدين الطوسي" الصناعية، وأحد أهم الباحثين المتخصصين فيها، وفي العام 2011 أصبح جزءاً من أبحاث إيران النووية، وأحد أهم علمائها النوويين.

أُستُشهد في 23 يوليو 2011، بعد أن أطلق عليه مسلحين يستقلون دراجة نارية 5 رصاصات، أمام منزله في طهران.

وأكدت زوجته "شهره بوراني" في مقابلة صحفية مع موقع "العربي الجديد" تلقيه العديد من الاتصالات والتهديدات المجهولة، كما تلقى عروض عمل مغرية خارج البلاد، فضلاً عن عروض منح ومناصب في مراكز بحوث غربية، لكنه رفضها كلها.

وبعد 3 أشهر من استشهاده، وتحديداً في 12 نوفمبر 2011، تسبب انفجار في مستودع ذخيرة تابع للحرس الثوري بإحدى ضواحي طهران، في استشهاد ما لا يقل عن 36 شخصاً، بينهم الجنرال في الحرس الثوري "حسن تهراني مقدم" بتخطيط وإشراف وتنفيذ أميركا وإسرائيل بحسب تقرير لصحيفة "لوس أنجلوس تايمز"، ضمن حملتهم المسعورة ضد البرنامج النووي الإيراني.

 

4 - "مصطفى أحمدي روشن":

أستاذ الفيزياء النووية، وهو أحد المسئولين عن موقع "نتانز" لتخصيب اليورانيوم، الواقع بالقرب من أصفهان وسط البلاد، وأحد مديري منشأة "نطنز" النووية المتخصصة في تخصيب اليورانيوم والمحطة النووية الأم في إيران.

أُستُشهد في 11 يناير 2012، عن عمر يناهز 32 عاماً، بواسطة قنبلة مغناطيسية أُلصقت على سيارته في طهران، وهو أصغر العلماء النوويين الإيرانيين المستهدفين.

ولأهمية هذا العالم أدرج مجلس الأمن الدولي اسمه ضمن قوائم لوائح العقوبات المغضوب عليها من قبل البيت الأسود، كما أنه التقى شخصياً بمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بحسب موقع هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، وهو ما جعل أصابع الاتهام تتجه أيضا نحو هذه الوكالة.

وفي 3 يناير 2015، نجحت السلطات الإيرانية في إحباط عملية اغتيال كانت تستهدف أحد علمائها النوويين، وفي يونيو و2 يوليو 2020 تعرض مجمع صواريخ "خوجير" ومنشأة "نطنز" لانفجارات عنيفة، تسببت في تدمير صالة تجميع أجهزة الطرد المركزي بمنشأة "نطنز".

 

5 - "محسن فخري زاده":

أستاذ الفيزياء النووية بجامعة الإمام الحسين التابعة للحرس الثوري في طهران، ورئيس منظمة البحث والابتكار "سبند" بوزارة الدفاع الإيرانية، التي كان يعمل نائبا لوزيرها في الوقت نفسه.

وهو من أبرز العلماء الإيرانيين في مجاله، وأحد أهم النخب العلمية المسئولة عن الصناعات الدفاعية في البلاد، يصفه الإعلام الإيراني بـ "مؤسس البرنامج النووي" و"مدير البرنامج النووي العسكري" الإيراني، وتعتبره وكالات الاستخبارات الغربية والصهيونية العقل المدبر والمسئول الأول عن برنامج سري للأسلحة النووية في إيران، ووصفته بـ "أبو القنبلة الإيرانية".

وقارنته صحيفة "نيويورك تايمز" في العام 2015 بالعالم الفيزيائي الذي أدار مشروع "مانهاتن"، أبو القنبلة الذرية الأميركية "روبرت أوبنهايمر"، لدوره الهام في قيادة مشروع "عماد AMAD" الإيراني، وإجرائه سلسلة من الأبحاث حول تطوير قنبلة نووية إيرانية.

وهو ثاني مهندس لإستراتيجية الردع والأمن القومي الإيرانية، يتم استهدافه، منذ الضربة الأميركية على مطار بغداد في 3 يناير 2020 والتي أدت إلى استشهاد مهندس إستراتيجية الردع الإيرانية الإقليمية قائد قوات القدس بالحرس الثوري "قاسم سليماني".

لعب "زاده" دوراً محورياً في الارتقاء بالقدرات الدفاعية لبلاده عبر التكنولوجيا النووية، التي نجح في الوصول بها إلى مستويات كبيرة، ونتاجاً لذلك أدرجته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية عام 2013 مع خمسة علماء إيرانيين كبار ضمن أقوى 500 شخصية عالمية، وفي 24 مارس 2007، أدرجه مجلس الأمن الدولي على قائمة العقوبات الأممية، ولطالما أرادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التحدث إليه في إطار تحقيقاتها في برنامج إيران النووي.

استشهد و6 من مرافقيه في 27 نوفمبر 2020، في منطقة "ابسرد" التابعة لمدينة "دماوند"، على بُعد 45 كيلو متر شرقي طهران، وفي 30 نوفمبر 2020 تحدثت وسائل إعلام إيرانية أن السلاح المستخدم في عملية الاغتيال صُنع في إسرائيل، وهي الاتهامات التي لم تنفها إسرائيل أو تؤكدها.

يأتي اغتياله وسط تجدد القلق من زيادة كمية اليورانيوم الذي تخصبه إيران، والذي يعتبر متطلباً لتوليد الطاقة النووية السلمية، وكذلك لإنتاج أسلحة نووية، رغم التأكيد الإيراني المستمر على أن برنامجها النووي يخدم أغراضاً سلمية فقط.

ورد اسم "زاده" في تصريحات رئيس وزراء الكيان الصهيوني "بنيامين نتنياهو" بوزارة الحرب الإسرائيلية عن البرنامج النووي الإيراني، في 20 أبريل 2018، وحثّ الناس على تذكُر "اسمه"، ليصبح العالم النووي الوحيد الذي فرض نفسه على ألسنة الحكومة الصهيونية.

وقالت وثائق ادعت إسرائيل أنها حصلت عليها في العام 2018، خلال عملية نفذتها لسرقة أرشيف إيران الذري السري، أن "زاده" أشرف على برنامج لإنتاج أسلحة نووية في إطار مشروع "عماد"، بينما قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن العمل في هذا المشروع توقف في العام 2003.

يُذكر بأن مشروع "عماد AMAD" تأسس العام 1989، وتؤكد جميع المؤشرات المعلنة من عمليات تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية على أن المشاريع التي تركز على تطوير الأسلحة النووية تظل خاملة إلى حد كبير، على الرغم من استمرار إيران في برنامجها النووي المتعلق بتخصيب اليورانيوم والطاقة النووية المدنية.

ورغم تسريع هذه الأنشطة منذ مايو 2019 – عندما أوقفت طهران التنفيذ الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة بعد انسحاب أميركا من الاتفاقية النووية في 8 مايو 2018 - فإن ذلك لم يشمل برنامجها للأسلحة، وتحديداً صناعة وتطوير الصواريخ.

وأكدت إيران أن جميع الخطوات التي اتخذتها منذ مايو 2019 قابلة للتراجع إذا دخلت أميركا الاتفاق مرة أخرى.

وكان الاتحاد الأوربي وأميركا والأمم المتحدة قد فرضوا في العام 2010 عقوبات قاسية جداً على طهران، بسبب تخوفهم من استخدام برنامجها النووي السلمي كغطاء لتطوير قنبلة نووية، كما وضع الاتفاق النووي في 2015، الذي توصلت إليه إيران مع أميركا وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا وألمانيا، قيوداً على أنشطة طهران النووية مقابل تخفيف العقوبات عليها.

وفي وقت سابق من نوفمبر 2020، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن لدى إيران الآن أكثر بمقدار 12 مرة من كمية اليورانيوم المخصب التي يُسمح بها بموجب الاتفاق النووي.

وفي غضون ذلك، تصاعدت التوترات بين أميركا وإيران، وبلغت ذروتها في يناير 2020 مع اغتيال واشنطن "قاسم سليماني".

 

لائحة الاتهام:

ثلاثة أطراف شاركت في تصفية علماء النووية الإيرانية، هي الكيان الصهيوني، والذي تولى مهمة التخطيط والتمويل ومحركه إعاقة البرنامج النووي والبرنامج الصاروخي الإيرانيين، وكبح جماح النفوذ الإقليمي الإيراني، وصولاً إلى فصل إيران عن محور المقاومة والممانعة، ثم يأتي الدور الأميركي في عملية التمويه والتغطية، وخاتمتها أدوات تنفيذ الجريمة والمتمثلة في منظمة "خلق" الإيرانية المعارضة والمتخذة من واشنطن مقراً لها، والمعروفة بعلاقتها الوطيدة مع الكيان الصهيوني منذ نشأتها.

 

1 – إسرائيل:

تبقى إسرائيل المشتبه به الرئيسي في كل عمليات الاغتيال لعدة أسباب، حيث لديها الخبرة والقدرة، وقد فعلت ذلك من قبل، ولديها الدافع لذلك.

يؤكد الكاتب والمؤرخ البريطاني "مايكل بيرلي" أن "عمليات اغتيال علماء النووية الإيرانية يمكن أن تُنسب إلى إسرائيل بناءً على مشاريعها السابقة، كعمليات اغتيال العلماء النازيين، وقتل جيرالد بول، وعمليات اغتيال عناصر من حزب الله وحماس، مثل عماد مغنية ويحيى عياش من قبل الشاباك".

وبدأ الموساد حملة اغتيالات ضد علماء إيرانيين كبار منذ سنوات بهدف عرقلة برنامج إيران النووي، على الرغم من انكار إسرائيل لذلك، وفقاً لتقرير الكاتب الصهيوني "دان رفيف" في صحيفة "هآرتس" العبرية.

وفيما يتعلق بـ"زاده" كأخر وأهم هدف للموساد يذكر الصحفي الإسرائيلي "يوسي مليمان"، في كتابه "جواسيس غير مثاليين"، أن "فخري زاده"، يعتبر "دماغ ومدير البرنامج النووي العسكري الإيراني"، وأن الموساد وشعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الصهيوني "أمان"، حاولوا مراراً في السابق تحديد موقعه، من أجل تصفيته، لكن فشلا.

ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز"، الأميركية في 27 نوفمبر 2020، عن ثلاثة من مسئولي المخابرات الأميركية، أن الموساد كان وراء اغتيال "زاده"، ناهيك تهديد "نتنياهو" العلني في العام 2018، باغتياله.

وكالة "رويترز" في تقرير لها، هي الأخرى رجحت مسؤولية الموساد عن اغتيال "زاده"، مستدلة بامتناع مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي عن التعليق على الهجوم، وهو الموقف ذاته الذي اتخذته وزارة الدفاع الأميركية، رغم أن "نتنياهو" كان قد أعلن في كلمة مسجلة له قبل أيام من عملية الاغتيال أنه سيستعرض بعض الإنجازات التي قام بها في الأسبوع السابق للجريمة، في وقت لاحق.

واكتفى وزير حرب الكيان الصهيوني "موشيه يعلون"، في مقابلة مع الصحيفة الألمانية "دير شبيغل"، بالتأكيد على وجوب إيقاف البرنامج النووي الإيراني، وعدم قبول إسرائيل تحت أي ظرف من الظروف أن تمتلك إيران سلاحاً نووياً: "إسرائيل ستستخدم كامل طاقتها لمنع إيران من إنتاج الأسلحة النووية".

وكشف موقع "ذا هيل" القريب من الكونغرس أن الكيان الصهيوني كان يستخدم في الماضي عملاء من خصوم النظام الإيراني للقيام بالمهمات القذرة، التي تشمل عمليات الاغتيال، ولكن من المرجح أن عملية اغتيال "زاده" كانت على يد إسرائيليين من داخل إيران، بسبب الاحتراف والتعقيد في هذه العملية.

وأكد الكاتب "سايمون هندرسون"، مدير برنامج "برنشتاين" لشؤون الخليج وسياسة الطاقة، عودة إسرائيل إلى سياسة الاغتيالات، التي كانت تنفذها بين عامي 2010 و2012 باغتيال علماء إيرانيين.

وقال أنها اضطرت لتعليق برنامج الاغتيالات بطلب من إدارة الرئيس الأميركي السابق "باراك أوباما"، حتى توافق إيران على أن تكون طرفاً في خطة العمل المشتركة "الاتفاق النووي"، وفي عام 2018 خرجت إدارة الرئيس "دونالد ترامب" من الاتفاق، وهي اليوم تحاول استغلال الأسابيع الأخيرة من ولاية "ترامب" لاتخاذ إجراءات ضد إيران، قد يكون من الصعب الإفلات من عواقبها في ظل إدارة الرئيس الأميركي الجديد "جو بايدن".

 

2 – أميركا:

في عهد إدارة "أوباما" نفت وزيرة الخارجية الأميركية "هيلاري كلينتون"، نفياً قاطعاً أي دور لبلادها في قتـل العلماء الإيرانيين.

وفي ذات السياق يرى الكاتب "تريتا فارسي"، أن عملية الاغتيالات لا تتطابق مع أساليب وكالة الاستخبارات الأميركية، لكن ربما حازت على دعم أميركي، فمن المعروف أن الرئيس الأميركي المنتهية ولايته "دونالد ترامب" قد فكر في مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية في مستهل شهر نوفمبر 2020، وهو ما أكدته أيضاً وكالة "رويترز" في إشارتها الى اتهام طهران للرئيس الأميركي "ترامب" بمبارك عملية القتل.

ورفض البيت الأبيض ووزارتا الدفاع والخارجية ووكالة المخابرات المركزية "سي آي أيه" التعليق على اغتيال "زاده"، لكن "ترامب" أعاد بالفعل نشر عدة تقارير تسلط الضوء على الاغتيال.

ومن غير المرجح أن تكون إسرائيل قد نفذت الاغتيال دون الحصول على ضوء أخضر من إدارة "ترامب"، لذا لا يمكن استبعاد دور أميركي أكثر مباشرة، خصوصاً وأن إدارة "ترامب" سبق لها وأن أجرت عدة عمليات تخريبية مشتركة مع إسرائيل ضد المنشآت النووية الإيرانية في العام 2019، واعتمدت جزئياً على المخابرات الإسرائيلية في اغتيال الجنرال "قاسم سليماني".

وفي وقت سابق من شهر نوفمبر 2020، تحدث "ترامب" مع كبار مستشاريه للأمن القومي عن احتمال مهاجمة إيران، في وقت كان فيه وزير خارجيته "مايك بومبيو"، يلتقي برئيس الوزراء الإسرائيلي وقادة في دول لديها خصومة مع إيران في الخليج العربي، ولا سيما السعودية والإمارات، بالتوازي مع تأكيد تقارير غربية ثني مساعدي "ترامب" عن توجيه ضربة عسكرية لإيران في اللحظات الأخيرة، ما يعني أن اغتيال "زاده" قد يكون أحد الخيارات أمام "ترامب" للرد على التعزيز النووي الأخير، قبل انتقال الرئاسة الأميركية للرئيس المنتخب "جو بايدن" والمعروف بتأييده للاتفاق النووي مع إيران.

وتسعى إدارة "ترامب" من هكذا خطوة إلى تسريع ما يسمى بحملة "أقصى ضغط" قبل رحيلها، بدلالة توقيت اغتيال "زاده" بعد أسبوعين فقط من طلب "ترامب" خيارات عسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني، في أعقاب التقرير الفصلي الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية عن إيران.

كما تشير سرعة إعادة "ترامب" تغريد المنشورات التي أبلغت عن الحادث، إلى مستوى معين من تورط بلاده أو معرفتها أو دعمها.

ومن المرجح أن يكون اغتيال "زاده" محاولة أخيرة لإغراء طهران بالانتقام وإحباط أي دبلوماسية مستقبلية بين أميركا وإيران.

 

3 – مجاهدي خلق:

اتهم مسئولان في إدارة الرئيس الأميركي السابق "باراك أوباما" منظمة "مجاهدي خلق" بتنفيذ الاغتيالات بالتنسيق مع الموساد، في حين تنفي المنظمة أي تورط مع إسرائيل.

واستخدمت إسرائيل في الماضي عملاء من هذه المنظمة للقيام بهجمات في إيران، وهي أول منظمة إرهابية نفذت عمليات اغتيال انتحارية داخل إيران، خدمة لأسيادها في تل أبيب والبيت الأسود.

 

تداعيات متدحرجة:

يعتقد الصهاينة، ومن ورائهم راعي البقر "ترامب" بأن اغتيال قامة علمية بحجم العالم النووي الإيراني "محسن زاده"، سيكون له وقع الزلزال على إيران ومن ورائها محور المقاومة والممانعة، وهو اعتقاد خاطئ وواهم، لأن تصفيته بحسب التقديرات الإستراتيجية الغربية سيكون له تأثير رمزي فقط، على أنشطة إيران النووية الحالية، لكن إذا سعت للعودة إلى برنامج أسلحة أكثر نضجاً، فسوف تفتقد خبرته القيّمة.

بمعنى أوضح، إيران فقدت شخص "زاده" لا إرثه المعرفي والعلمي، لذا يرى الرئيس الإيراني، "حسن روحاني"، أن اغتيال "زاده"، "لن يُبَطِئ برنامج إيران النووي"، بل على العكس سيؤدي إلى تسريع وتيرة الأنشطة النووية الإيرانية، مؤكداً أن بلاده سترد "في الوقت المناسب"، لكن مقتل "زاده"، "لن يدفع إيران إلى اتخاذ قرارات متسرعة".

وعموماً لا يمكن قراءة اغتيال زاده بعيداً عن العملية التدميرية التي استهدفت صالة تجميع أجهزة الطرد المركزي بمنشأة "نطنز" النووية، في 2 يوليو 2020، ومن المحتمل أن يكون تأثير استهداف منشأة "نطنز"، على البرنامج النووي الإيراني أكبر من اغتيال "زاده"، لأن الانفجار دمر منشأة جديدة لتجميع أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، كانت إيران تبنيها كجزء من ردها على مغادرة واشنطن خطة العمل الشاملة المشتركة في 8 مايو 2018، ومن ذلك الحين تعيّن على إيران الشروع في بناء واحدة جديدة تحت الأرض، بالقرب من "نطنز".

إذن فنحن أمام استهداف نوعي وممنهج لطهران، لا يقل خطورةً، ولا أهمية عن الاستهداف العسكري والاقتصادي، الذي يتجاوز حاجز التفوق النووي إلى تقزيم الدور الإقليمي للجمهورية الإسلامية في إيران.

اغتيال "زاده" أثار العديد من التساؤلات، حول التداعيات المترتبة عليه والسيناريوهات المحتملة، بالتوازي مع تزايد المخاوف من اتجاه المنطقة إلى مزيد من الحرائق، في ظل الاستقطاب الحاد بين محور التطبيع والانبطاح ومحور المقاومة والممانعة، وما رافقه من كوارث "ترامبية"، ستحتاج إدارة الديمقراطي "بايدن" سنوات، لإخمادها، ولا أحسبها ستفعل، لأن منطوق تصريحاته في العقود الثلاثة الماضية تؤكد بأنه صهيوني أكثر من الصهاينة، وهذا حال كل ساكني البيت الأسود، ولا جديد في ذلك باستثناء زيادة سفور وفجور صهاينة العرب.

أميركا الديمقراطيين اعتبرت على لسان الرئيس السابق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية "جون برينان"، اغتيال "زاده" عمل "إجرامي" و"طائش للغاية" ويهدد بإشعال الصراع في المنطقة، مُبدياً تمنياته بأن تكون الحكومة الإيرانية "حكيمة" لتجنب الانتقام، وانتظار تسلم الساحر "جو بايدن" مقاليد الحكم في بلاده.

في الاغتيالات التي طالت أربعة من علماء البرنامج النووي الإيراني خلال الفترة "2010 – 2012"، سارعت إدارة الديمقراطي "باراك أوباما" إلى إدانتها، لأنها كانت تعلم أن جرائم القتل لن تؤدي إلى انتكاسة كبيرة لبرنامج إيران النووي، بقدر ما ستؤدي إلى تقويض أي جهد، للتفاوض على اتفاق للحد منه.

وبافتراض مسؤولية إسرائيل وتورط إدارة "ترامب" في استفزازات إسرائيلية إضافية، نجد أنفسنا الآن في وضع مشابه، ولكن ربما يكون أكثر خطورة خلال الشهرين المقبلين، خاصة إذا فشل "بايدن" وفريقه للسياسة الخارجية في إيصال رسالة شديدة اللهجة لإسرائيل، بأنها ستتحمل وحدها التكاليف، إذا استمرت في شن هجمات داخل إيران خلال الفترة الانتقالية الحالية.

 

أهداف شيطانية:

يسعى الكيان الصهيوني وإدارة "ترامب" ومعهم صهاينة العرب في السعودية والإمارات، من وراء اغتيال علماء إيران، وتوتير العلاقة مع هذا البلد المسلم الحر، وزيادة الضغوطات والعقوبات عليه، إلى تحقيق رزمة من الأهداف الصهيونية الهوى والهوية، منها ما هو بعيد المدى ومنها ما هو آني ومرحلي.

1 – إنهاء النفوذ الإيراني الإقليمي أو الحد منه: رغم الضغوط الاقتصادية الذي تعيشها إيران، جراء العقوبات الأميركية المتلاحقة عليها منذ انسحاب "ترامب" من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018، إلا أن طهران ما زالت ترفض الانصياع للمطالب الأميركية، ما دفع إدارة "ترامب" في عامها الأخير إلى تطعيم سياسة "الضغط الأقصى" بعمليات عسكرية وأمنية، للحد من النفوذ الإيراني المباشر قبل نفاد الوقت، كما في عملية اغتيال "قاسم سليماني" ونائب قائد الحشد الشعبي العراقي "أبو مهدي المهندس".

كما عملت إسرائيل على تكثيف عملياتها العسكرية في سورية والعرق، استغلالاً للفترة المتبقية لولاية "ترامب"، لتسجيل نقاط كبيرة، فيما يرتبط بالحد من التواجد والنفوذ الإيرانيين في سورية والعراق.

2 - كبح أو عرقلة أو تبطيئ التقدم الإيراني في البرنامج النووي: لم ينفصل انفجار منشأة "نطنز" النووية عن سياق الأهداف الأميركية والإسرائيلية المطلوبة في إطاره، فالانفجار، بحسب المتحدث باسم هيئة الطاقة النووية الإيرانية "بهروز كمالوندي"، أدّى إلى إبطاء تطوير وإنتاج أجهزة طرد مركزي متطوّرة على المدى المتوسط.

3 – إيقاف البرنامج الصاروخي: مع بدء العدّ التنازلي لانتهاء ولاية "ترامب"، وفي ظل المؤشرات القادمة إلى نهج مختلف ستتبعه إدارة الرئيس المنتخب "بايدن" مع طهران، استنفرت إسرائيل طاقاتها للاستفادة من هامش الوقت الذي يسبق تسلُّم "بايدن" مهماته رسمياً في 20 يناير 2021، لتوجيه ضربة لإيران في ملف البرنامج الصاروخي، لذا قررت تصفية "زاده"، المسئول عن تحضير إيران لصواريخ نووية، حد زعم الكيان الصهيوني.

وإجمالاً يسعى الكيان الصهيوني من وراء اغتيال "زاده" إلى خلط الأوراق، أملاً في:

1 - استفزاز إيران تمهيداً لتوجيه ضربة نووية لها: وهو ما أشار إليه خبير الشرق الأوسط والباحث المختص في العلاقات الأميركية الإيرانية "شتيفان كينسلر"، في تغريدة له على "تويتر"، واتخاذ أي رد إيراني متسرع ذريعة لشن حرب ضدها، ووقف أي حلول دبلوماسية معها بشأن برنامجها النووي، وهو ما يذهب إليه الدبلوماسي السابق "مارك فيتسباتريك"، والذي كان مسئولاً عن مكافحة انتشار الأسلحة النووية في وزارة الخارجية الأميركية.

2 – الإبقاء على منسوب التوتر القائم بين طهران وواشنطن بعد قدوم الإدارة الأميركية الجديدة، وتعقيد أي مفاوضات مستقبلية بين إيران وأميركا حول الملف النووي الإيراني، والحيلولة دون عودة إدارة "بايدن" إلى الاتفاق النووي مع إيران، بما يحول دون خفضها، وتراجع "الضغوط القصوى" الأميركية، التي بدأها "ترامب" كإستراتيجية شاملة في مواجهة إيران، بعد الانسحاب من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018.

 وهو ما يُصَعِّب المهمة أمام "بايدن" في التعامل مع هذا الملف الذي بات محفوفاً بالمخاطر، عقب استهداف شخصية بحجم "زاده"، بعد أقل من عام على تصفية أحد أبرز العقول العسكرية القوية في الجيش الإيراني "سليماني".

ومن المرجح تسريع إسرائيل عملياتها السرية ضد البرنامج النووي الإيراني في الفترة المتبقية من ولاية "ترامب"، وأثناء إدارة "بايدن" المقبلة، في محاولة لجعل المفاوضات الأميركية الإيرانية المحتملة أكثر صعوبة.

في المواقف تعتقد مجلة "ستراتفور" الأميركية أن اغتيال "زاده" لن يؤثر مادياً على برنامج إيران النووي، لكن اغتياله مؤشر هام على أن الولايات المتحدة وإسرائيل تُسَرِّعان إستراتيجيتهما السرية ضد إيران في الأيام الأخيرة لإدارة "ترامب".

وعموماً، فالاغتيال بحسب "روبرت مالي" مستشار "أوباما" في الملف الإيراني والمستشار غير الرسمي لفريق "بايدن": يأتي في إطار سلسلة من التحركات التي تمت خلال الأسابيع النهائية في ولاية "ترامب"، وتهدف إلى زيادة صعوبة مهمة "بايدن"، المتعلقة بإعادة التواصل مع إيران.

 

سيناريوهات مفتوحة:

شبح الحرب:

يراهن التحالف "الصهيوني الترمبي السعودي الإماراتي"، على بدء إيران بشن هجوم ضد إسرائيل، ويوظف كل إمكانياته من أجل إشعال صراع أوسع يجذب أميركا، ما يؤدي إلى مواجهة بين أميركا وإيران، كان "نتنياهو" يسعى إليها منذ فترة طويلة، وهي أكثر إلحاحاً الآن، بعد أن تعرض "ترامب" للهزيمة أمام "بايدن"، وتزايد المخاوف من إمكانية انغلاق الفرص المتاحة للحرب.

ويخشى هذا التحالف الشيطاني، من أن تؤدي عملية اغتيال "زاده"، وغيرها من الهجمات والاغتيالات الصهيونية المستقبلية المحتملة، واحتمالية حدوث أي تحول في تعاطي إدارة "بايدن" مع الملف الإيراني، إلى تقوية موقف إيران وتضائل فرص انفتاحها على أي مفاوضات حول ملفات الاشتباك الثلاثة – النووي والصاروخي والنفوذ الإقليمي.

ولذا يحاول رئيس الوزراء الصهيوني بدعم مطلق من الرياض وأبو ظبي استغلال الفترة المتبقية من ولاية "ترامب" لفعل كل ما في وسعه لإنقاذ سياسة "الضغط القصوى"، ويساعده "ترامب" في ذلك من خلال إصدار عقوبات جديدة ضد طهران، والقوى الإقليمية القريبة منها، ولا يستبعد المراقبون أن تذهب حكومة "ترامب" إلى أبعد من ذلك، بهدف إفساد فرص "بايدن" في استئناف الدبلوماسية مع إيران، بدعوى أنّ إيران لا تزال تعمل على صنع قنبلة نووية، وجر أميركا "بايدن" إلى الحرب دون خوف من العقاب.

فـ"نتنياهو" غير مستعد لتأييد مسار أكثر اعتدالاً تجاه طهران، قد تسعى إليه إدارة "بايدن"، وهو منذ سنوات، يعتبر نفسه في مهمة تلمودية مقدسة لردع إيران، ولهذا السبب، يبذل كل ما في وسعه لمنعها من صنع قنبلة نووية، وحتى في ظل ولاية "بايدن"، من غير المرجح أن يتغير شيء في هذا الشأن، حيث تقوم إسرائيل عادةً بفعل ما تراه ضرورياً لضمان أمنها القومي.

 

التمهل والانتظار:

تُفَضِل إيران دوماً استخدام سياسة "الصبر الاستراتيجي"، بمعنى التهدئة والانتظار إلى حين تسلم الرئيس الأميركي الجديد "بايدن" مقاليد الحكم في بلاده في 20 يناير 2021، للتعامل معه، من أجل التوصل لاتفاق أميركي إيراني جديد حول الملف النووي، يُعِيد الحياة إلى اتفاق 2015، بعد عامين من انسحاب واشنطن منه، لكن هذا الخيار محفوفٌ بالكثير من المخاطر، ودونه حقل طويل من الألغام السياسية.

وهناك آمال كبيرة في أوساط دُعاة السلام والتعايش، في أن يتبع "بايدن" سياسة تحفز إيران لانتهاج المسار الدبلوماسي، خصوصاً بعد اعترافه العلني في حوارٍ مع شبكة "سي إن إن"، بتاريخ 4 ديسمبر 2020، تعقيد سياسة "ترامب" جهود منع إيران من امتلاك سلاح نووي: "ما فعله ترامب هو دفع الإيرانيين لزيادة قدرتهم على امتلاك مواد نووية"، متعهداً بعودة واشنطن للالتزام بالاتفاق النووي لعام 2015، إذا التزمت به إيران.

مرشحه لمنصب مساعد الرئيس لشؤون الأمن القومي "جاك سوليفان"، في مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال" بتاريخ 7 ديسمبر 2020، هو الأخر يرى أن العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة بشأن برنامج إيران النووي، "ممكنة"، و"قابلة للتحقيق": سترسخ عودة الولايات المتحدة إلى قائمة المشاركين في الاتفاق النووي، ورفع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة "دونالد ترامب" ضد طهران، الأساس لـ "مفاوضات لاحقة" حول مسائل أوسع.

بمجرد تسلم "بايدن" الرئاسة سيتعين عليه التحرك بسرعة فائقة، للعودة إلى آليات الاتفاق النووي، إن كان كما يزعم يريد التسريع بإبعاد إيران نوعاً ما عن امتلاك قنبلة نووية كبيرة، وكبح البرنامج الصاروخي الإيراني الذي لا يشمله الاتفاق النووي، والحد من التدخلات الإيرانية في الشرق الأوسط، وهي نفس أهداف الكيان الصهيوني.

وترجح مجلة "ستراتفور" الأميركية توجه إدارة "بايدن"، للتفاوض مع إيران، للتوصل إلى اتفاق أولي بشأن "الامتثال مقابل الامتثال'' في أوائل عام 2021 لتجنب حدوث أزمة، لكن يظل التصعيد محتملاً، إذا لم يتمكن "بايدن" من الدخول بسرعة في المحادثات، وتقديم تنازلات.

وفي حال قررت إدارة "بايدن" فتح محادثات مع إيران، فستكون أمام معضلتين:

1 – مواجهة ضغط كبير من الحزب الجمهوري، الذي سيرغب في الحفاظ على الإشراف، على أي نوع من تخفيف العقوبات، مثل قانون المراجعة فيما يتعلق بخطة العمل الشاملة المشتركة، حتى لا يتم التفاوض مع إيران تحت ضغط.

وسيكون هناك خلاف حتى حول اتفاقية تجعل إيران تدخل من جديد في خطة العمل الشاملة المشتركة، لأن صقور واشنطن يريدون استخدام نفوذ العقوبات لانتزاع تنازلات أخرى، مثل برنامج إيران الصاروخي ودعم الوكلاء الإقليميين، حيث أصبحت هذه القضايا أكثر أهمية في نظرهم بسبب استخدام إيران الموسع لتلك الإستراتيجية على مدى السنوات الخمس الماضية.

2 – الرفض الإيراني للخوض في مفاوضات حول ملف الصواريخ، وإبداء الاستعداد للمفاوضات حول الملف النووي فقط، شريطة عودة واشنطن الى الاتفاق النووي، ورفع العقوبات المفروضة على إيران دون شروط، وتعويضها عما تكبدته منذ العام 2018، جراء إخلال واشنطن بالاتفاق النووي.

 

الرد المتحفظ:

تذهب التوقعات الى أنه في حال كان هناك توتر بين "نتنياهو" و"بايدن" ما بعد 20 يناير 2021، فهذا قد يُمكِّن إيران من القيام بعمليات محدودة ضد إسرائيل، للرد على اغتيال "زاده"، لكن مع ضمان ألا تؤدي الى إشعال حرب مفتوحة، لا يبدو أن أحداً مستعداً لها.

الانتقام الإيراني من إسرائيل على اغتيال "زاده" لن يكون محدوداً جغرافياً بالضرورة، وقد يأتي بعد شهور أو حتى سنوات، كما رأينا في سلسلة الاغتيالات التي طالت علماء إيران النوويين خلال الفترة "2010 - 2012"، جاء على شكل هجمات على دبلوماسيين إسرائيليين في جورجيا والهند وتايلاند في العام 2012، بعد عامين تقريباً من الاغتيال الأول وهجوم "ستوكسنت" على برنامج إيران النووي، وتشمل الخيارات الإيرانية المحتملة:

1 - الهجوم على الدبلوماسيين والسفارات الإسرائيلية في الخارج.

2 - استهداف المصالح الإسرائيلية في دول الخليج العربي.

3 – القيام بعمليات "سيبرانية" كبيرة ضد إسرائيل، وهذا يشمل "تجنيد عناصر داخلية، في تل أبيب"، كما حدث في العام 2019، عندما اتهم الكيان الصهيوني وزير الطاقة السابق "غونين سيغيف" بالتخابر لصالح إيران.

4 - الهجمات الصاروخية بما في ذلك صواريخ حلفاء إيران في أماكن مثل لبنان وسورية وفلسطين والعراق واليمن.

عملياً، أصدرت طهران عدة قرارات كمرحلة أولية للرد على اغتيال "زاده"، تمثلت في:

1 - التهديد بإنهاء التعامل مع الوكالة الدولية، وإخراج جميع مفتشيها، والانسحاب من الاتفاق النووي.

2 - إقرار مجلس الأمن القومي الإيراني في 5 ديسمبر 2020 مشروع قانون "الإجراءات الإستراتيجية لإلغاء العقوبات وحماية مصالح الأمة الإيرانية"، القاضي بتحرير طهران من التزاماتها النووية، وتسريع الأنشطة النووية، رفع نسبة تخصيب اليورانيوم الى 20 %، وزيادة مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب.

وتتعارض النسبة المعلنة مع الاتفاق النووي لعام 2015، والذي لا يسمح لطهران بتخصيب اليورانيوم بنسبة تفوق 3.67 %، وحتى الآن لم تتجاوز نسبة التخصيب 4.5 %، بزيادة بسيطة.

ومن المتوقع أن يؤدي تركيب أجهزة الطرد المركزي الأكثر تقدماً إلى زيادة القدرة الإنتاجية لبرنامج التخصيب، بعد أن كان المسموح لإيران بموجب اتفاق 2015، استخدام أجهزة طرد مركزي قديمة من الجيل الأول، ذات قدرات محدودة فقط.

وسيكون إنتاج معدن اليورانيوم، بحسب توقعات مجلة "ستراتفور" الأميركية، مقلقاً أيضاً، لأن التطبيق الرئيسي لمعدن اليورانيوم يكمن في الرؤوس الحربية النووية، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت إيران ستعيد تشغيل جانب الأسلحة في برنامجها النووي، الذي كان يترأسه "زاده"، والذي تم تعليقه إلى حد كبير وفق كل المعلومات المعلنة لما يقرب من عقدين.

كما سيؤدي تعليق "البروتوكول الإضافي للاتفاق النووي" إلى عدم قدرة أميركا وأوربا على مراقبة كل هذه التطورات، مما يجعل الوضع يذكرنا بعامي 2011 و2012، عندما كان الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية احتمالاً واقعياً للغاية، قبل أن تبدأ المحادثات بين إيران وأميركا.

ومن المستبعد إعلان إيران رسمياً الانسحاب من الاتفاق النووي، لأنها خارج الاتفاق بشكل ضمني منذ العام 2019، واللجوء إلى هكذا خطوة حالياً، سيؤدي إلى خسارة كل الجهود الأوربية والروسية والصينية التي تقدم لها دعماً شكلياً وإعلامياً وسياسياً.

ودأبت إيران على تحويل مفاعل "أراك" للمياه الثقيلة إلى مفاعل يعمل بالماء الخفيف بموجب الاتفاق النووي، لكن التراجع عن ذلك من شأنه إثارة قلق الغرب، لأن التصميم الأصلي يمكنه إنتاج "البلوتونيوم" كمنتج ثانوي، وهو ما يمكن استخدامه في سلاح نووي.

ووفقاً لقانون "إلغاء العقوبات"، ستنسحب إيران أيضاً من "البروتوكول الإضافي"، إذا فشلت أطراف الاتفاق في اتخاذ خطوات حول عودة العلاقات المصرفية الإيرانية وصادرات النفط إلى طبيعتها في غضون شهرين.

كما يسعى لمنع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الوصول إلى المواقع النووية الإيرانية في حالة عدم تلبية المحادثات للتوقعات الإيرانية.

ومع ذلك، فإن الغموض في القانون والخيارات السياسية المتاحة للمجلس الأعلى للأمن القومي ومرشد الثورة الإسلامية السيد "علي خامنئي"، يشير إلى أن طهران ستختار كيفية ممارسة أحكام القانون، اعتماداً على مدى التقدم مع أميركا وأوربا بشأن مأزق العقوبات.

لكن في حال تم تنفيذ قانون "إلغاء العقوبات" بالكامل قبل 20 يناير 2021، فسيضع الملف النووي الإيراني على أعتاب أزمة في غضون المائة يوم الأولى من إدارة "بايدن"، لأن التحركات التي تتخذها إيران بموجب القانون، ستهدف إلى الحد بشكل كبير من عوائق الاختراق النووي الإيراني، وهو الوقت الذي ستستغرقه إيران لإنتاج ما يكفي من المواد الحربية من أجل سلاح واحد، وفي هذه الحالة قد يوقع "ترامب" أيضاً على توجيه ضربة استباقية ضد منشأة إيرانية مثل "أصفهان" أو "نطنز" أو "فوردو" لوقف ذلك.

 

المراجع:

1 - تريتا بارسي، شبح الحرب.. ماذا بعد اغتيال العالم النووي الإيراني فخري زادة؟، مجلة ريسبونسيبل ستيت كرافت الأميركية، ترجمة الخليج الجديد، 28 نوفمبر 2020

2- زكريا أبو سليسل، إسرائيل في الوقت الضائع: اعتداء أمني في طهران، الأخبار اللبنانية، 28 نوفمبر 2020

3 - د. عدنان منصور، اغتيال إسرائيل للعلماء النوويّين الإيرانيّين ليس مفاجأة.. فأين الحماية، البناء اللبنانية، 28 نوفمبر 2020

4 - عماد عنان، اغتيال فخري زاده.. 3 أهداف ورسالة وشكوك بشأن الرد الإيراني، نون بوست، 28 نوفمبر 2020

5 - محمد محسن أبو النور، 3 سيناريوهات متوقعة لرد إيران على اغتيال زاده، سبوتنيك عربي، 30 نوفمبر 2020

6 - فرح الزمان شوقي، اغتيال علماء الذرة.. حرب إسرائيل المستمرة ضد إيران، العربي الجديد، 19 مايو 2015

7 - أورينت نت، ماذا يعني اغتيال كبير علماء إيران النوويين في المواجهة مع أميركا وإسرائيل؟، 28 نوفمبر 2020

8 - الخليج الجديد، مجلس الأمن القومي بإيران يقر قانونا يلغي الالتزامات النووية، 5 ديسمبر 2020

9 - الشارع السياسي المصري، اغتيال العالم النووي الإيراني "محسن زاده" – الرسائل والتداعيات وسيناريوهات المستقبل، 3 ديسمبر 2020

10 - القدس العربي، موقع ذا هيل: تفاصيل جديدة في عملية الاغتيال الإسرائيلية للعالم النووي الإيراني، 27 نوفمبر 2020

11 - الموسوعة الدولية الحرة "ويكيبيديا"، اغتيال العلماء النوويين الإيرانيين.

12 - بي بي سي البريطانية، اغتيال محسن فخري زادة: إيران تتهم إسرائيل متوعدة برد "كالرعد في الوقت المناسب"، 28 نوفمبر 2020

13 - روسيا اليوم، مساعد بايدن: من الممكن عودة واشنطن للاتفاق النووي مع إيران، 8 ديسمبر2020

14 - مجلة ستراتفور الأميركية: كيف سترد إيران على اغتيال فخري زاده؟، 28 نوفمبر 2020

وكذا: تفعيل إيران للقانون النووي الجديد يهدد بضربة عسكرية من ترامب، ترجمة الخليج الجديد، 6 ديسمبر 2020

15 - نيويورك تايمز، الموساد وراء اغتيال فخري زاده بطهران، ترجمة الخليج الجديد، 27 نوفمبر 2020

16 - يورونيوز، اغتيالات استهدفت علماء نوويين إيرانيين والاتهام لإسرائيل دائم، 28 نوفمبر 2020

الأحد، 13 ديسمبر 2020

تغاريد حرة يكتبها زيد المحبشي

 * بوابة التطبيع السحرية

من معه مشكلة سار يطبع مع إسرائيل .. فجأة أصبح الكاهن نتن ياهو عفريت المصباح السحري .. 

كوسوفا تبحث عن اعتراف صربيا فطرقت بوابة التطبيع السحرية ..

المغرب تبحث عن اعتراف اميركا واسرائيل بسيادتها على الصحراء الغربية التي ليس لها أي حق تاريخي فيها فطرقت بوابة التطبيع السحرية ..

البحرين تبحث عن غطاء دولي لشرعنت جرائمها ضد مواطنيها فطرقت بوابة التطبيع السحرية ..

الإمارات تبحث عن شرعنت تمددها في موانئ وجزر اليمن والقرن الافريقي فطرقت بوابة التطبيع السحرية ..

السودان تبحث عن رضا ترامب لشطبها من قائمة الإرهاب فطرقت بوابة التطبيع السحرية ..

السلطة الفلسطينية تبحث عن التمويل فلم يكن أمامها سوى دعك المصباح السحري ..

السعودية تبحث عن مغسلة دولية لتطهير جرائمها في اليمن وحمايتها من الحوثي فلم تجد أمامها سوى بوابة التطبيع السحرية وإعلان ذلك رسميا ستكون هدية ترامب للكاهن نتن ياهو قبل مغادرة بوابة البيت الأسود

.. فهل سيحقق عفريت المصباح السحري أحلامهم؟؟

.. #سؤال #افتراضي 

هل يجب على موظفي المؤسسات الحكومية غير الايرادية التابعة لدولة صنعاء دعك الفانوس السحري من أجل مساواتهم بموظفي مؤسسات الحركة وموظفي المؤسسات الحكومية الايرادية وإلغاء عدالة المنارة المقلوبة؟؟؟

* كنا يا أحفادي في العهد الجاهلي نستبشر بقدوم شهر ديسمبر خيرا، ففيه يغاث الناس ويصترفون، لأن سلطات ذلك العصر الكالح تصرف مرتبات موظفيها في العشرين منه، استعدادا لاغلاق البنك المركزي الجاهلي بمدينة سام بن نوح أبوابه من اجل الجرد السنوي في العشره الايام الاخيرة من كل شهر ديسمبر ..

اما اليوم يا احفادي: فعهدكم الزاهر لم يعد فيه رواتب، ولا بنك مركزي، ولا عملة، ولا اقتصاد، ولا دولة، ولا حياة، ولا ضمير، ولا إنسانية .. ولم يتبقى لكم من نفح الجاهلية سوى الجرد والجرد فقط

* دورة الصراع في اليمن تاريخيا تستهلك من 30 إلى 40 سنة يعقبها هدوء نسبي أشبه باستراحة محارب تتراوح فترته ما بين 30 و70 سنة لتعاود دورة الصراع كرتها وهكذا دواليك وهي السمة الغالبة على مدى 5000 سنة .. وقد مضى من الدورة الحالية 10 سنوات نسأل الله اللطف فيما تبقى

* ما بعد الموت حياة ابدية ومن مات قامت قيامته وتحدد مصيره ولا صحة لوجود حياة برزخية لتنافي ذلك مع الحياة الاخروية الأبدية .. وكذا الحال بالنسبة لعذاب القبر وانما هو عذاب واحد يوم القيامة بالآخرة لما في ذلك من ظلم لا يليق بالله سبحان وهو العدل أن يجمع على عباده عذابين في القبر وبعد العرض والنشور

الأربعاء، 9 ديسمبر 2020

الكادر التربوي في اليمن لا بواكي لهم

 الاستاذ والتربوي القدير "F" المخلافي يعمل وزوجته منذ نحو ثلاثة عقود في حقل التدريس وتخرج على يديهما الآلاف، أصيب قبل عام بورم أضطره مع إلى بيع ذهب زوجته والاستدانة من الناس، من أجل الذهاب إلى مصر للعلاج وعمل عملية، واليوم عاوده المرض فاضطر إلى بيع دباب صغير هو مصدر رزقه الوحيد في ظل انقطاع المرتبات من أجل السفر لمصر للعلاج، ومن سوء حضه قرر صاحب العمارة التي يسكنها طرده وأسرته بسبب تراكم الإيجارات وعدم استطاعته سدادها، فاضطر لبيع العفش لسداد ما أمكن وعمل ورقة في البقية وإخلاء الشقة مع نهاية الشهر ..

قصة الأستاذ الفاضل F للأسف هي قصة عشرات الآلاف من موظفي الدولة وقطاع التربية والتعليم بصورة خاصة، وحكومة صنعاء وكأن الأمر لا يعنيها، وكل المعالجات التي أعلنت عنها من أجل تحسين الوضع المعيشي للمدرسين والمدرسات ذهبت أدراج الرياح..

من ذلك على سبيل المثال

إقرار مجلس النواب حق صنعاء في  أغسطس 2019 قانون لإنشاء صندوق لتمويل العملية التربوية خصص له 15 مورد كافية لدفع مرتبات الكادر التربوي شهريا وإعادة إعمار ما دمره العدوان، للأسف لا أحد يدري حتى اللحظة شيئا عن مصير الأموال المخصصة لهذا الصندوق المثقوب ..

المساهمة المجتمعية المفروضة على أولياء الأمور، هي الأخرى تقوم المدارس بتحصيلها وتوريدها مكاتب التربية وهناك تدخل مع يهود بني إسرائيل في متاهة صحراء سيناء .. رغم أن الغرض من فرضها إعادة توزيعها على المدرسين والمدرسات من أجل ضمان استمرار العملية التربوية

العاملين في مجال التدريس يعيشون وضع كارثي بكل تعنيه الكلمة وهم أكثر الفئات تضررا من انقطاع المرتبات، وحديثنا هنا ليس عن اشكالية الايجارات بل عن وزارة التربية وحكومة البقباق الوطني والتي لم تعمل أي شيئ من أجل تخفيف المعاناة عن ورثة الانبياء بل وما تم اتخاذه من إجراءات خجولة، كانت من باب رفع العتب والاستثمار الاعلامي الرخيص ولم يصل المدرسين منها شئيا

الخميس، 26 نوفمبر 2020

خط أنابيب النفط الإماراتي الصهيوني الحيثيات والتداعيات

زيد يحيى المحبشي، مركز البحوث والمعلومات، 26 نوفمبر 2020

منذ العام 1948 والكيان الصهيوني في بحث دءوب عن بدائل لنقل النفط والغاز دون المرور بقناة السويس، بهدف تحويل كيانه الغاصب إلى مركز إقليمي للطاقة وحلقة وصل بين الشرق والغرب، وقد ساعد يومها ارتماء شاه إيران المقبور في أحضان الأميركان، وتحويل بلاده إلى شرطي إقليمي في بلاط العم سام، في تقارب وجهات النظر بين نظامه والكيان الصهيوني لجهة البحث عن بدائل لنقل النفط الإيراني إلى الغرب بعيداً عن قناة السويس، وبالفعل أدى تسارع الأحداث التي شهدتها المنطقة في خمسينيات القرن الماضي إلى تعجيل الاتفاق على إنشاء خط أنابيب لنقل النفط من إيلات على ضفاف خليج العقبة بالبحر الأحمر إلى عسقلان على شواطئ البحر الأبيض المتوسط ومنها إلى الدول الغربية، وافتتاحه في العام 1956، ومعه أصبحت إيران الشاه بئر النفط الذي لا ينضب لإسرائيل.

وها هو الكيان الصهيوني على وشك إعادة إحياء هذا الخط بتمويل إماراتي بحت ودعم خليجي مخزي، رغم ما يترتب على ذلك من تداعيات خطيرة على الأمن القومي العربي، ولذات الغاية والأهداف والأحلام، في سباق مع الزمن لتحقيق كيانه التفوق المطلق في المشرق العربي، والإمساك بكل خيوط التحكم بتجارة الطاقة في المنطقة، والسياسات البترولية، والاستثمارات الكبيرة في النفط، وتحويل الخليج العربي إلى بئر نفط لا ينضب لإسرائيل.

خُطى متسارعة لصيرورة الحلم الصهيوني واقعاً، وتحول هذا الكيان اللقيط إلى مركز إقليمي رئيسي لنقل النفط الخليجي إلى أوربا وأميركا الشمالية، ودخول نادي تجارة النفط عالي المخاطر، ولكن هذه المرة من بوابة الخليج، وبتمويل عربي فاق كرم حاتم الطائي، في ظل التشظي والتقزم والتفسخ والانبطاح العربي، خصوصاً بعد تطبيع العلاقات مع الإمارات، وما رافق ذلك من سيولة وإسهال شديد في اتفاقيات التعاون المشترك، جعلت رئيس وزراء الكيان الصهيوني "بنيامين نتنياهو" يفاخر بضخ الكيان الإماراتي الملايين - والأصح المليارات - لدعم الاقتصاد الإسرائيلي.


الخط الإيراني الصهيوني:

يعرف باسم: "تيب‌لاين" أو خط أنابيب "إيلات - عسقلان" تم افتتاحه عملياً في العام 1956، بعد العدوان الثلاثي الصهيوني البريطاني الفرنسي على مصر، بسبب فرض الرئيس الراحل "جمال عبدالناصر" قيوداً على الشحن عبر قناة السويس، واستخدامها كورقة ضغط في الصراع العربي الصهيوني، وقرار الاتحاد السوفييتي حينها وقف تزويد إسرائيل بالنفط، ما دفع الأخيرة للبحث عن مصادر نفطية جديدة، بالتوازي مع رغبة إيران تجنّب المُرور عبر قناة السويس، خشية إقدام "عبدالناصر" على إغلاقها في وجه ناقِلات النّفط الإيرانيّة.

وفي العام 1968 سجّل الكيان الإسرائيلي وإيران شركة خط أنابيب "إيلات – عسقلان" كمشروع مشترك 50-50، لإدارة تصدير النفط الخام الإيراني عبر الأراضي الفلسطينية المحتلة وما بعدها عن طريق الناقلات إلى أوربا، وفي العام 1969 تم مد الجزء الأخير من الخط، وهو مشروع ضخم يهدف إلى ضمان إمدادات الطاقة للكيان الصهيوني وأوربا.

 وتضمن المشروع يومها مد أنبوب طوله 254 كم وقطره 105 سم "42 بوصة"، بين ميناء إيلات على خليج العقبة بالبحر الأحمر وميناء مدينة عسقلان على البحر الأبيض المتوسط، بقدرة 1.2 مليون برميل في اليوم، و400000 برميل في الاتجاه المعاكس.

وتعود ملكية الخط لشركة خط أنابيب "إيلات – عسقلان" (EAPC) الصهيوني، وهي تشغـّل أيضاً عدة خطوط لأنابيب النفط في فلسطين المحتلة.

وكشفت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية أن معظم النفط المتدفق عبر خط الأنابيب كان من إيران، التي كانت تربطها علاقات وثيقة ولكن سرية مع إسرائيل لعقود من الزمن في عهد الشاه المقبور "محمد رضا بهلوي".

ويستخدم أنبوب "إيلات-عسقلان" حالياً في نقل الغاز الذي تستورده إسرائيل من أذربيجان وكازاخستان، ويقوم بمعظم أعماله في الاتجاه المُعاكس، حيث يقوم بضخ النفط الذي يتم تفريغه في عسقلان من السفن المُرسَلة من قبل مُنتجين مثل أذربيجان وكازاخستان إلى ناقلات في إيلات بخليج العقبة، ومن إيلات يقوم أسطول ناقلات النفط التابع لشركة "ترانس آسياتيك" للنفط (TAO) الصهيونية، بنقله إلى الصين أو كوريا الجنوبية أو أي مكان آخر في آسيا، ويعمل بالتوازي مع خط الأنابيب الخام أنبوب آخر قطره 16 بوصة يحمل المنتجات البترولية مثل البنزين والديزل.

بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران في 1979، توقف التعاون بين البلدين، وتوقف ضخ النفط الإيراني إلى الكيان الغاصب، وقامت إيران برفع ثلاث قضايا تحكيم ضد إسرائيل والشركات الإسرائيلية للمطالبة بتعويضها عن النفط الذي أمدت به إيران الشاه إسرائيل، قبل 1979، كإئتمان حتى يتم بيعه، وللحصول على نصف قيمة الشراكتين بينهما، ويبلغ إجمالي المبلغ المتنازع عليه 7 مليار دولار.

وبالفعل فازت شركة النفط الإيرانية في عام 2015، بحكم صادر عن محكمة التحكيم الدولية في جنيف، ألزم إسرائيل بدفع 1.2 مليار دولار لإيران، مقابل 50 شحنة نفط تسلمتها إسرائيل من نظام الشاه المقبور قبل الثورة الإيرانية، و362 مليون دولار فوائد.

وسبق للاحتلال البريطاني بحسب الكاتبة الإسرائيلية "فازيت رابينا" وأن قام ببناء مصافي تكرير النفط في حيفا، وربطها بخط أنابيب ينقل النفط من كركوك العراقية إلى حيفا الانتدابية، وبعد الغزو الأميركي للعراق 2003، كانت هناك فترة وجيزة من النهضة ظهر فيها هذا الخيار من هاوية النسيان، لكن سرعان ما تلاشى أمام واقع الشرق الأوسط، ما يجعل الصهاينة اليوم يعلقون أمالاً كبيرة على المال الخليجي في إعادة إحياء أنابيب النفط المندثرة، التي تمر عبر الأراضي الفلسطينية المحتلة، لأهداف بعيدة المدى، بما لذلك من أبعاد ومخاطر ستكون محور قراءتنا التالية والتي تليها، مع ردة الفعل الإيرانية والمصرية تحديداً، باعتبارهما أكثر المتضررين من هذا المخطط الاستعماري الاستيطاني، بسبب تحكم مصر في قناة السويس التي يمر منها 10 بالمائة من حجم التجارة العالمية، وإيران في مضيق هرمز الذي يمر منه 40 بالمائة من النفط العربي.


الخط الإماراتي الصهيوني:

قطعت الشركات الإماراتية والإسرائيلية خلال الأعوام الماضية خطوات كبيرة في تحقيق التناغم والتطبيع الاقتصادي في مجال الطاقة، وقد تكلمنا عن ذلك في قراءات سابقة، ما يعني أن اتفاقية أنبوب "إيلات – عسقلان" ليست سوى تتويج لتاريخ من التربيطات والمشروعات والاتفاقيات المبرمة بين الجانبين، والتي لم يُسلط الضوء عليها بصورة كافية لأبعاد سياسية وأمنية.

أثمرت تلك المباحثات عن توقيع عدد من الاتفاقيات بشأن مشاركة شركات إماراتية في تمويل مشروعات في قطاع الطاقة الإسرائيلي، والمشاركة في خط أنابيب الغاز البحري الذي اقترحت "إسرائيل" إقامته من شرق المتوسط إلى أوربا عبر كريت وإيطاليا، وأخر من إيلات إلى عسقلان، وثالث من أبوظبي الى إيلات عبر الأردن والأراضي السعودية، وكان وزير الطاقة الإسرائيلي "يوفال شتاينتز" قد كشف في العام 2018، عن موافقة أبو ظبي على المشاركة في تمويل الخط بقيمة 100 مليون دولار.

بعد الإعلان الرسمي عن تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل في 13 أغسطس 2020، والتوقيع الرسمي على ذلك الاتفاق المشؤم في 15 سبتمبر 2020، تسارعت وتير التشبيكات، وتجاوزت الإمارات في ذلك كل الخطوط الحمراء، وداست على كل المحرمات، ورمت بكل المقدسات عرض الحائط، ومعها بدأت تطفو على السطح كل مشاريع المخططات الاستعمارية الصهيونية القديمة، لتفرض نفسها على المشرق العربي بتمويل أعراب الإمارات والسعودية من وراء حجاب، ومن أخطرها مخطط ربط منظومات تصدير النفط الخليجي إلى أوربا عبر إسرائيل، تحت ذريعة تعزيز أمن الطاقة.

وكشفت صحيفة "ميكور ريشون" الصهيونية عن عقد وزارتي الخارجية والدفاع في تل أبيب سلسلة من الاجتماعات لبحث فرص نقل النفط الخليجي، شارك فيها مسئولون كبار من شركة النفط الحكومية "كاتشا"، وتحدثت وسائل الإعلام الصهيونية في 1 أكتوبر 2020 عن اتفاق ثلاثي أميركي إسرائيلي إماراتي "لتطوير إستراتيجية مشتركة" في قطاع الطاقة تشمل تطوير بنى تحتية لنقل الغاز والنفط من آسيا والشرق الأوسط إلى أوربا، من بينها تطوير البنى التحتية لإقامة أنبوب "إيلات – عسقلان".

ووفقاً لشركة خط أنبوب نفط إيلات عسقلان KSAA المعنية بتشغيل الخط، ستتضمن المرحلة الأولى من المشروع، نقل النفط من الإمارات إلى محطة شركة خط الأنابيب في إيلات، ومن إيلات إلى محطة الشركة في عسقلان، ومنها إلى الزبائن في مختلف أنحاء البحر المتوسط، بموجب مذكرة التفاهم التي وقعتها مع شركة RED MED.

ووقعت شركتا "موانئ دبي العالمية" الإماراتية و"دوفرتاور" الإسرائيلية في 16 سبتمبر 2020 عدة اتفاقيات للتعاون في أنشطة الشحن والموانئ، وفي اليوم التالي 17 سبتمبر 2020 كشفت صحيفة "جلوبس" الإسرائيلية عن اقتراح تل أبيب على أبوظبي بناء ممر برّي يربط بينها وبين دول الخليج العربي، بما فيها السعودية وصولاً إلى ميناء عسقلان الإسرائيلي.

ووفقًا للتقديرات التي سُمعت في المناقشات بشأن المشروع، فإنه سيدر عائدات تصل إلى مئات الملايين من الشواكل سنوياً للحكومة الإسرائيلية.

وفي 20 أكتوبر 2020 زار وفد إماراتي مطار بن غوريون، أعلنت بعدها شركة خطوط الأنابيب الإسرائيلية في 21 أكتوبر 2020 أنها وقعت اتفاقاً مبدئياً للمساعدة في نقل النفط من الإمارات إلى أوربا، وتتراوح قيمة المشروع ما بين 700 إلى 800 مليون دولار على مدى عدة سنوات، على أن تبدأ عملية الإمدادات في مطلع 2021".

وتدرس "إسرائيل شيبياردز" و"موانئ دبي" عرض مشترك لتطوير ميناء حيفا، وهو بصدد الخصخصة، وهي المرة الأولى، التي تشارك فيها شركة إماراتية وخليجية، في مناقصة رسمية للبنية التحتية الحكومية في إسرائيل.

وقالت شركة "دوفرتاور" الصهيونية إنها ستدخل في شراكة أيضا مع "موانئ دبي" لتأسيس خط شحن بحري مباشر بين دبي وإيلات.

وستدرس "إسرائيل شيبياردز" و"الأحواض الجافة العالمية - دبي" شراكة في إنتاج وتسويق منتجات في دبي.

وتوفر هذه الاتفاقيات لأبوظبي جسراً لنقل الوقود الأحفوري مباشرة إلى أوربا، وتعد من أهم وأخطر مجالات التطبيع بين الجانبين منذ إعلان إقامة العلاقات بينهما.

وفي تعليقها على التطور في علاقات الكيانين قالت الكاتبة الإسرائيلية "فازيت رابينا" أن: الواقع الجديد بعد التطبيع الخليجي الإسرائيلي يعيدنا لنظرية التهديدات، لأن الاتفاق مع الإمارات بشكل خاص يفتح أمامنا شراكة استراتيجية، وسلسلة من الفرص غير المسبوقة، بينها أن تقترح إسرائيل على الإمارات تعزيز بناء ممر بري لتدفق زيت الغاز ونواتج التقطير لأوربا وأميركا الشمالية، باستخدام البنية التحتية للنقل لوكالة حماية البيئة من إيلات إلى عسقلان.

ويسعى الكيان الصهيوني من وراء هذا المشروع الى الاستحواذ على ما بين 12 و17% من تجارة النفط التي تستخدم الآن قناة السويس بحسب مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، ويسرد الإعلام الصهيوني قائمة طويلة لمزايا هذا الخط، منها:

1 - تقليل مدة نقل النفط والغاز الطبيعي ونواتج التقطير من السعودية ودول الخليج إلى الغرب.

2 - توفير بديل أرخص من قناة السويس المصرية، وخياراً للاتصال بشبكات أنابيب عربية تنقل النفط والغاز ليس فقط إلى المنطقة، ولكن إلى الموانئ البحرية التي تزود العالم.

3 - قدرة المحطات في عسقلان وإيلات على استيعاب الناقلات العملاقة التي تهيمن على شحن النفط اليوم، وعمل الخط في اتجاهين، عكس قناة السويس التي تعمل في اتجاه واحد ولا يستوعب عمقها تلك الناقلات العملاقة مثل " VLCCs".

ويقول الرئيس التنفيذي لشركة خط أنابيب آسيا الصهيونية، "إيزيك ليفي":

إذا تعلمت إسرائيل بالفعل تسخير قادة الإمارات لإقناع السعوديين، فسيكون ممكنا الاتصال بنظام نقل النفط العربي في نقطة النهاية السعودية، وبعد ذلك نقل النفط السعودي من البقيق، نفس موقع شركة النفط السعودية أرامكو التي تعرضت للهجوم "الإيراني"  - حد زعمه - إلى مصفاة ينبع، البعيدة 700 كم، بينما يطير من إيلات، حيث سيؤتي الاتصال بها ثماراً كثيرة في مجال الأعمال.


الذرائع والمبررات:

قدم الكيان الصهيوني الغاصب في الأشهر الأخيرة قائمة طويلة من الذرائع لتسويق مشروعه القديم المتجدد المتمثل في إعادة إحياء خط الأنابيب الصحراوي "إيلات – عسقلان"، من أجل انتزاع موافقة أعراب الإمارات على تبني وتمويل هذا المخطط الاستعماري الاستيطاني، وهو لا يقل خطورة عن المستوطنات المُقَطِعَة أوصال القدس وقطاع غزة والضفة الغربية، وكلاهما يهدف إلى كتم أنفاس الفلسطينيين وصولاً إلى قطع أحلام التحرر وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ودفن القضية الفلسطينية إلى الأبد، واستبدالها بما بات يعرف بالسلام الاقتصادي.

وتبقى الخطوة الثانية بعد التوافق الصهيوني الإماراتي، وهي إقناع السعودية للانخراط في المشروع، لأنه بدونها لن يكون له أي معنى، ولا يُستبعد أن تكون الزيارة السرية لرئيس وزراء الكيان الصهيوني للسعودية في 22 نوفمبر 2020، من أجل مناقشة المشروع، لتقارب الأهداف والغايات من هكذا توجه، وتقارب المخاوف والهواجس من مخاطر الفزاعة الإيرانية واليمنية، بعد أن تحولت هذه الفزاعة إلى خطر وجودي بالنسبة لأعراب الخليج، وليس إسرائيل العدو التاريخي للعرب والمسلمين.

وسبق لمجلة "كلوبس" الاقتصادية الإسرائيلية وأن كشفت في 16 سبتمبر 2020، عن طلب إسرائيل من الإمارات إقناع السعودية السماح لشركة خط الأنابيب الإسرائيلية بمد خطوط أنابيب من إيلات إلى مصفاة النفط في ينبع السعودية، إما براً عبر الأردن أو بحراً، وذلك لنقل النفط السعودي ومشتقاته عبر أنبوب "إيلات – عسقلان"، بزعم أن هذه الخطوة ستقلص من قدرة إيران وأنصار الله في اليمن على استهداف خطوط تصدير النفط. وأكدت المجلة أن إسرائيل عقدت عدة لقاءات بين شخصيات رفيعة في وزارتي الخارجية والدفاع مع رئيس الشركة "إرز كلفون" والرئيس التنفيذي "إتسك لفي"، لمناقشة تفاصيل الاقتراح، ويتميز الاقتراح بحسب المجلة بخفض مدة شحن النفط وكُلفته ومتطلبات تأمينه المالية والعسكرية، لأنه يتفادى الشحن عبر مضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس.

ويرى الدكتور والأكاديمي المصري "محمد الزواوي" أن السعودية يمكن أن تدخل على الخط ذاته، بإعادة تشغيل خط "التابلاين الأطول عالمياً لنقل النفط، بتقليل تكلفة النقل ولو على حساب مصر.

ويمتد خط "التابلاين" السعودي من ساحل الخليج العربي بالسعودية إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وتوقف تصدير النفط من خلاله بعد احتلال إسرائيل لهضبة الجولان.

ويأمل الكيان الصهيوني في توسيع وتطوير أنبوب "إيلات - عسقلان"، وربط أنابيب البترول والغاز في دول الخليج العربي به، وذلك من خلال استثمارات خليجية في هذا الأنبوب، بحسب موقع "العربي الجديد".

وفي حال تأمين موافقة الرياض، فإنه سيكون بالإمكان نقل النفط السعودي من منطقة "بقيق"، في أقصى الشرق السعودي، التي تعرضت للهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية في 14 سبتمبر 2019، إلى ميناء إيلات عبر خط بري طوله 700 كيلومتر، وربطه بخط "إيلات عسقلان"، ليتم تصديره إلى أوربا وأميركا الشمالية.

ويتذرع الكيان الصهيوني في تسويق خط الأنابيب المزمع تدشينه مع الإمارات، بأن الطريق البحري المار من بحر العرب ومضيقي هرمز وباب المندب مروراً بقناة السويس في البحر الأحمر، بات أكثر كلفة مادياً وأمنياً، في ظل الحرب الجائرة على اليمن وانتشار عمليات القرصنة في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، بحسب مجلة "كلوبس" الإسرائيلية في 15 سبتمبر 2020.

وكان عمل الخط على مدار السنوات الماضية، أحد أسرار الكيان الإسرائيلي، ويخضع لحراسة مشددة حتى اليوم.

وأوضحت أن الأبعاد التي يذهب إليها عملاء الخط الصحراوي لإخفاء هوياتهم من خلال عمليات التسجيل المتعددة وأساليب إخفاء الشركات الأخرى تعتبر أسطورية، حيث إن المقاطعة التي فرضتها الإمارات وجيرانها المنتجون للنفط، كانت تعني أن الناقلات التي تعترف بالرسو في إسرائيل سيتم منعها من عمليات التحميل المستقبلية في الخليج، وهو ما يؤدي إلى تدمير أعمالهم.

ويحاول الكيان بهذا التبرير الممجوج إقناع دول الخليج بأنّ مضائق هرمز وبحر العرب وباب المندب وقناة السويس لم تَعُد آمِنَةً، بسبب الوجود الإيراني واليمني في مضيق هرمز وباب المندب، وما يشكله ذلك من خطورة على الدول المسبحة بحمد أميركا وإسرائيل، مستشهدا بالتهديدات الإيرانية لإغلاق مضيق هرمز والهجوم اليمني المتكرر على منابع النفط في السعودية، وما يشكله ذلك من خطورة على الملاحة البحرية حد زعمه.

ومن الذرائع عمل الخط الصهيوني على تقصير مسافة نقل النفط، وتقليل تّكاليف النقل، والسماح بنقل النفط في الاتجاهين، والسماح بمرور الناقلات العملاقة، على عكس قناة السويس، والقيود الصارمة التي تفرضها، حيث يقتصر عمل خط "سوميد" المصري في اتجاه واحد فقط، ولا يسمح بمرور الناقلات العملاقة، ويفرض رسوم باهظة، ما يجعله أقل فائدة من منافسه الإسرائيلي.

ومعلوم أن أكثرية نفط الخليج الخام المتجه إلى أوربا وأميركا الشمالية يتم ضخه عبر خط أنابيب "السويس - البحر الأبيض المتوسط"، المعروف بخط "سوميد" في مصر، والذي تمتلك فيه السعودية والإمارات وقطر حصة، ولهذا كان الانتقاء الصهيوني للإمارات والسعودية لدعم وتمويل مشروع خط الأنابيب الصحراوي في غاية الدقة والخطورة.

الانفتاح على إسرائيل ودول الخليج كمصدر لاستيراد النفط وتخزينه، يحمل أهمية إستراتيجية بعيدة المدى تجاه إيران، ومن شأن الطريق البري أن يقلل بشكل كبير من ضعف دول الخليج أمام إيران ومحور المقاومة والممانعة، ما ينقذ التجربة المشكوك فيها لعبور مضيق هرمز على طول طريق بحري شديد الخطورة، لأن إنشاء طريق بري سيجعل من الممكن تقليل استخدام الطريق البحري لتصدير النفط إلى الغرب، وما يحفه من مخاطر بسبب الوجود الإيراني واليمني في مضيق هرمز وباب المندب.


مكونات المشروع:

تدير المشروع شركة خط أنابيب إيلات عسقلان "EAPC" الصهيونية، والمعروفة أيضاً باسم شركة خط أنابيب آسيا - أوربا "EAPC" الإسرائيلية، وهذه قامت في الأساس على أنقاض شركة إسرائيلية - إيرانية مشتركة، تم إنشاؤها عام 1956، وأعلن الكيان الصهيوني تأميمها بعد قيام الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979.

طول الخط 158 ميلاً، ويسمح بالعمل في اتجاهين، ويقوم بنقل النفط من ميناء ايلات جنوب فلسطين المحتلة على خليج العقبة في البحر الأحمر الى محطة الناقلات في موانئ عسقلان وأشدود وحيفا وأشكول على البحر الأبيض المتوسط، ومنها إلى أوربا ودول الحوض الأبيض المتوسط وأميركا الشمالية.

ومن أهم مميزات ميناء عسقلان وجود خزانات للنفط بسعة 2.3 مليون برميل، واستقبال ناقلات للخام بحجم 300 ألف طن، وهو ما يفوق قدرة قناة السويس على استيعاب هذا النوع من الناقلات، ما يضفي على الممر الجديد أهمية إستراتيجية، تعمل إسرائيل على استغلالها، من أجل كسر المقاطعة العربية المفروضة عليها منذ عقود، وجر الدول العربية تِباعاً إلى حضيرة التطبيع، وتوظيفها لخدمة الاقتصاد الصهيوني والمشروع الصهيوني البعيد المدى.

ويؤكد الكاتب الفلسطيني "عبدالباري عطوان" أن هناك مشروعان اقتَربت مُناقشتهما، مرحلة التّنفيذ العمليّة حسب آخِر التّقارير الإخباريّة الغربيّة والإسرائيليّة:

1 - بناء خط أنابيب من أبو ظبي إلى ميناء إيلات عبر الأراضي السعوديّة، وخط الجبيل ينبع على البحر الأحمر لنقل النّفط، ووصله بخط أنابيب آخر من إيلات إلى عسقلان، وهذا الأمر قد يتطلّب امتِداد خط أنابيب الجبيل ينبع السعودي 700 كيلومتر شمالاً إلى إيلات وإيصاله بالخطّ المذكور.

2 - إرسال ناقلات نفط إماراتيّة عِملاقة، تبلغ حُمولتها ضعفيّ حُمولة النّاقلات العاديّة الأصغر المسموح لها بالمُرور عبر قناة السويس، إلى ميناء إيلات، عبر خليج العقبة، ليتم تفريغها هُناك ثمّ ضخّها عبر خطّ الأنابيب المذكور، وتجنّب القناة المِصريّة كُلياً، وربّما هذا ما يُفسِّر تنازل الحُكومة المِصريّة عن جزيرتيّ صنافير وتيران في فمِ الخليج المذكور للسّيادة السعوديّة.

وتُفيد المعلومات التقنيّة بأنّ سعة خطّ أنبوب إيلات عسقلان، أو الموانئ الإسرائيليّة الأخرى يَبلُغ 42 بوصة للنّفط الخام وطوله 254 كيلومتراً، ويُوازيه خطّ أنابيب آخَر سعة 16 بوصة لنقل المازوت والديزل والمشتقّات النفطيّة الأخرى المُكرّرة، وهذان الخطّان يُستَخدمان لتصدير النّفط الأذربيجاني والطاجيكستاني إلى الصين وكوريا الجنوبيّة تَجنُّباً لرسوم قناة السويس الباهظة.

ويستفيد المشروع من الموقع الاستراتيجي لفلسطين المحتلة عند تقاطع ثلاث قارات، الواصلة بين طرق التجارة البحرية الدولية لإفريقيا والشرق الأقصى وأوربا.

وتصل الطاقة التصديرية إلى 1.2 – 2 مليون برميل يومياً، وهو قادر على نقل 55 مليون طن من البترول، وإشعال نار المنافسة مع قناة السويس، التي تستحوذ على 51 بالمائة من كميات النفط التي تعبر القناة، وتقدر بـ 107 ملايين طن.


الأبعاد والدلالات:

سياسياً:

يُعَبِّر الاتفاق الصهيوني الإماراتي في طابعه العام عن واقع إقليمي جديد لمثلث استراتيجي تشارك فيه إسرائيل والإمارات وأميركا، وسيكون له تبعات خطيرة على الأمن القومي العربي والقضية الفلسطينية.

ويرى أستاذ الاقتصاد بالجامعة العربية الأميركية "نصر عبدالكريم" في حديث له مع موقع "عربي بوست" بتاريخ 8 أكتوبر 2020 أن التوجه الإسرائيلي لإعادة تأهيل خط "عسقلان – إيلات" يفوق الجوانب الاقتصادية ليصبح ذا أبعاد استراتيجية، فإسرائيل تسعى لإعادة التموضع في المنطقة، بما يحقق لها المميزات والمكاسب على المدى الطويل.

إعادة تشغيل خط النقل النفطي "إيلات – عسقلان" سيمنح تل أبيب النفوذ السياسي والسيطرة على موارد الغاز ومياه شرق المتوسط، وخطوط النقل والمواصلات والاتصالات، مما يؤهلها لوضع نفسها في مكان مميز على خريطة المنطقة.

الكيان الصهيوني يظل الأكثر استفادة من الناحية "الجيو – سياسية"، لأن الخط يمنحه موطئ قدم عسكري أمني في المنطقة، ويُعَمِّق مصالحه مع باقي الأطراف، ولأنه يتطلب توفير احتياجات أمنية لتوفير سلامة النقل، وما يشمله من إجراءات الحراسة والحماية، فهو يحقق المزيد من المصالح الأمنية لإسرائيل في المنطقة والعالم.

وهو ما يتيح لإسرائيل أريحية مُطلقة لتغيير قواعد اللعبة في المشرق العربي، وجعل كيانها اللقيط ملجأ آمناً للدول العربية المطبعة، لأنها ستكون أقل ضعفاً أمام إيران، لتراجع اعتمادها الكبير على مضيق هرمز، المتأثر بالتوتر الخليجي الإيراني، واستمرار حرب اليمن، والصراع الأميركي الإيراني في الخليج.

وتوجهٌ كهذا يعتقد الكيان الصهيوني أنه سيعمل على تقليص هامش المناورة أمام إيران، ويحُد من قدرتها على استهداف إمدادات النفط الخليجية.

ويمثل خط النفط الصحراوي الحلقة المركزية في مخطط إسرائيل لإحكام سيطرتها على مسار الطاقة في المنطقة، وإعادة صياغة علاقاتها الاستراتيجية القائمة على الارتباط المصلحي طويل الأمد مع الدول العربية المُطبِّعة معها.


اقتصاديا:

يرى الباحث بمركز القدس للدراسات الإسرائيلية "عواد أبو عواد" أن خط النقل النفطي "إيلات – عسقلان" سيحقق لإسرائيل أرباحاً بقيمة 3 مليارات في العام الأول، و10 مليارات أخرى بعد 7 سنوات على تشغيله.

ويرتبط هذا الخط بما أعلنه سابقاً وزير المواصلات الصهيوني السابق "يسرائيل كاتس" حول تشغيل خط السكة الحديد لربط حيفا والإمارات، لنقل البضائع الخليجية عن طريق البر، بحيث يكون أسرع وأقصر، ويوفر لها سرعة الوصول، مما سيرفع حجم التبادل التجاري الإسرائيلي الخليجي بعد مرور 10 سنوات إلى 30 مليار دولار، أي ثلث قيمة التجارة الخارجية الإسرائيلية.

الكاتبة الإسرائيلية "فازيت رابينا" في قراءتها لأبعاد الاتفاق الإماراتي الصهيوني، ترى أن للاتفاق إمكانات كامنة مهمة وفي المدَيَيْن، المتوسط والبعيد، ومن المتوقع أن يكون له تأثير أيضاً في الاقتصاد الإسرائيلي بداية، وقدّرت حجم المداخيل المتوقعة لكيانها من رسوم العبور بنحو 800 مليون دولار سنوياً، كما أن النشاطات التي ستنمو حول أنبوب النفط وتشعباته إلى مرفأ أشدود وحيفا ومحطات التكرير، من المتوقع أن تُنشىء فرعاً اقتصادياً جديداً في إسرائيل، سيشمل نقل وتخزين وصيانة موانئ تكرير النفط ومشتقاته.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة خط الأنابيب "إيزيك ليفي"، في مقابلة له مع مجلة موقع "فورين بوليسي" الأميركية: أن خط الأنابيب، يُمكن أن يزيل ويسرق حصة كبيرة من شحنات النفط التي تتدفق الآن عبر قناة السويس القريبة، ويفتح الكثير من الأبواب والفرص، فبعدما كسر الإماراتيون الجليد، أصبحت فرص صفقات الطاقة العربية - الإسرائيلية واسعة ومُربحة، بدءاً من الاستثمار في خط الأنابيب الإسرائيلي نفسه، إلى تكييفه لنقل الغاز الطبيعي أو توصيله بخطوط الأنابيب عبر السعودية والشرق الأوسط الأوسع.

عربياً، ستوفر الإمارات، وأي دول أُخرى تستخدم قناة السويس بعد توقيع اتّفاقات التّطبيع المهينة، مِئات الآلاف من الدّولارات كرسوم عبور عبر القناة عن كُلِّ شُحنةٍ نفطيّة، وهو ما يمثل ضربة قاتلة للاقتصاد المصري.


استعدادات على أعلى المستويات:

صحيح أن إقامة خط النفط الصحراوي الصهيوني الإماراتي "إيلات – عسقلان" لا يزال قيد الدراسة والبحث، وأن نجاحهُ متوقفٌ على الموافقة السعودية للسماح بمد خط الأنابيب عبر أراضيها، فالصحيح أيضاً أن الموافقة السعودية بإجماع جن بني الأصفر وجن بني الأحمر مجرد تحصيل حاصل لأسباب يعلمها العم سام والراسخون في طلاسم التطبيع والانبطاح، والمؤكد وهذا الأكثر وجعاً وإيلاماً أن تجميع النفط الخليجي عبر خط أنابيب بري رئيسي إلى شرق البحر الأبيض المتوسط سيكون بمثابة ضربة قاتلة للأمن القومي العربي، ومؤلمة للممرات المائية الاستراتيجية في المنطقة، على رأسها مضيق هرمز وخليج عُمان وباب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس وخط "سوميد"، وأن مصر المسبحة بحمد التطبيع منذ أربعة عقود ستكون الأكثر ضرراً.

وفي حال الشروع في تشغيله سيفتح الباب على مصراعيه أمام مشروعات أخرى موازية له، كإقامة طرق إقليمية سريعة للشاحنات، وخط سكة حديد لنقل البضائع من الخليج وآسيا إلى أوربا، ..، وهذا يعني المنافسة الشرسة لمشروع طريق الحرير الصيني، فضلاً عما يمثله من خسارة فادحة لقناة السويس، والتي ستكون الخاسر الأكبر بحسب مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، وتخفيض حركة المرور في هرمز وباب المندب وخليج عُمان والبحر الأحمر، وحتى روسيا لن تسلم من تهديد خط "إيلات - عسقلان" هيمنتها على أسواق الطاقة الأوربيّة بشَكلٍ أو بآخر.

عملياً، بدأت الشركة الصهيونية المخولة بتشغيل الخط المزمع، وهي شركة "EAPC" في التواصل مع بيوت تجارة النفط في أوربا وآسيا، وشركات التكرير في هولندا وسنغافورة والهند والصين وكوريا الجنوبية واليابان، لعقد اتفاقات لتصدير النفط الخام والمشتقات النفطية عبر إسرائيل.


قناة السويس "خط سوميد":

تشكل أحد أهم الممرات في العالم لنقل النفط إلى أوربا بدلاً من دوران السفن حول أفريقيا، وهي ثاني أكبر مصدر للعملة الأجنبية لمصر بعد السياحة، وتُدِرُ سنوياً نحو 6 مليارات دولار، وتأتي 17 بالمائة من عائداتها من ناقلات النفط، ويمر منها 10 بالمائة من حجم التجارة العالمية، وتخطط مصر لزيادة هذه السعة إلى 12 بالمائة بحلول 2023.

وتعتبر روسيا وقطر أكثر الدول استخداماً لقناة السويس، لنقل حمولات النفط والغاز المُسال، حيث تستحوذ روسيا على ما يقرب من رُبع حمولات النفط، بينما تستحوذ قطر على ما يقرب من 95 بالمائة من حمولات الغاز المسال العابرة من الجنوب إلى الشمال.

وتشارك في خط "سوميد" كلاً من مصر والسعودية والإمارات والكويت وقطر.

افتتحت قناة السويس في عهد الخديوي إسماعيل عام 1869، ويبلغ طولها 193 كيلومتراً، وفي العام 2015 تم افتتاح تفريعة بطول 72 كيلومتراً، بهدف تقليص فترة انتظار السفن والسماح بمرورها في الاتجاهين طوال الوقت، لكنها لم تحدث إي فارق في أداء القناة.

ويكفي عُمقُها واتساعها للتعامل مع ما يسمى بسفن "سويز ماكس"، مع نصف سعة ناقلة النفط العملاقة فقط، وبالتالي يتعين على تجار النفط استئجار سفينتين عبر القناة مقابل كل سفينة يرسلونها عبر الأراضي الفلسطينية المحتلة، مع رسوم باتجاه واحد عبر السويس تصل لما بين 300 ألف دولار و400 ألف دولار.

ووفقاً للتقديرات الأولية ستستحوذ الشركة الصهيونية على نحو 15 بالمائة من تدفقات النفط عبر قناة السويس، من خلال تحويل مسارات ناقلات النفط إلى طريق إيلات - عسقلان، فيما تذهب مجلة "فورين بوليسي" الأميركية إلى أن حركة التجارة الإجمالية في القناة مرشحة للتناقص بأكثر من 17 بالمائة، مع بداية تشغيل الأنبوب الجديد.

وتوقع أستاذ الاقتصاد "نصر عبدالكريم" تراجع حركة مصر التجارية البحرية، والاستِغناء عن قناة السويس التي تُدِر 5.72 مِليار دولار سنوياً على الخِزانة المِصريّة، وفُقدان بريقها، وإيذاء مصر ومركزها الاستراتيجي، بجانب مضيق هرمز الذي يمر منه 40 بالمائة من النفط العربي.

وكل هذا سينعكس بالسلب على إيرادات مصر من رسوم العبور والتخزين وخدمات الشحن والتفريغ من العين السخنة إلى سيدي كرير غرب الإسكندرية، وبدلاً من اقتراب مصر من حلم الاستحواذ على ما يقرب من 10 بالمائة من النفط المنقول بحراً حول العالم من خلال قناة السويس وموانئ الإسكندرية، إذ بها تفقد حصتها الحاليّة، ومن ثم تراجع إيراداتها، في الوقت الذي تهرول فيه لإنعاش خزائنها بعائدات إضافية، لمواجهة العجز الذي تعاني منه، بسبب السياسات الاقتصادية والمالية الكارثية التي يتبعها النظام الحالي.

وحذر رئيس هيئة قناة السويس، الفريق "أسامة ربيع" على استحياء من التأثير السلبي الذي يمثله خط أنابيب النفط "إيلات - عسقلان" على الأمن القومي المصري وقناة السويس: الخط سيستحوذ على أكثر من نصف كميات النفط التي تعبر القناة، ما سيؤثر على إيراداتها.

مُبدياً مخاوفه من تركيز البضائع الخليجية في يد إسرائيل: نراهن ونعتمد على العروبة في أن تكون التجارة البينية مع إسرائيل قائمة على عدم التأثير على قناة السويس بشكل كبير.

مشيراً إلى أن قناة السويس تشهد عبور أكثر من 107 ملايين طن من النفط سنوياً، مقارنة بـ 55 مليون طن محتمل عبورها عبر خط "إيلات - عسقلان"، بمعنى أن الخط سيستحوذ على 51 بالمائة من كميات النفط التي تعبر قناة السويس حالياً.

واعتبر أن الأمر يأتي في إطار ترتيبات إقليمية تمس الأمن القومي لمصر.

يُذكر بأن طاقة خط "إيلات – عسقلان" حالياً نحو 600 ألف برميل يومياً، أي ما يعادل ربع طاقة النقل عبر خط "سوميد"، ونحو ثلث كميات النفط الخام التي تعبر قناة السويس في المتوسط منذ عام 2017.

ومع أن إسرائيل في نظر المتفائلين والطوباويين من المصريين لا تسعى إلى استعداء مصر بالاستحواذ على نسبة كبيرة من حركة الناقلات النفطية العابرة لقناة السويس، بسبب العلاقات الوطيدة بينهما، واتفاقية السلام الموقعة في العام 1979 وما ترتب عليها من تشبيكات وتربيطات واتفاقات، إلا أنهم يتوقعون انخفاض إيرادات القناة بنسبة تتراوح بين 5 إلى 7 بالمائة، قابلة للزيادة إلى حدود معينة، بسبب التحول في مسار بعض الناقلات.

في حين توقعت صحيفة "معاريف" الصهيونية ومجلة "فورين بوليسي" الأميركية، استحواذ أنبوب "إيلات – عسقلان"، في حال تحقيق الحلم الإسرائيلي، على 12 – 17 بالمائة من حجم الغاز والوقود الذي يمر في قناة السويس حالياً، والإسرائيليين والأميركيين أكثر دقة في حساباتهم، وأكثر واقعية من نرجسية بِغال العرب.

وأضافت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية بكل وضوح أن مصر ستشهد ضعف الأعمال، وستكون لديها سيطرة أقل على الأسعار الآن مع وجود منافسة.


السعودية .. مراوغة مفضوحة:

انضمام السعودية إلى المشروع الصهيوني الإماراتي، لم يعد ينقُصه سوى توقيت الإعلان، كل المؤشرات تؤكد ذلك، مخاوف أعراب الخليج من الفزاعة الإيرانية والصواريخ اليمنية، ورُهاب أحرار المقاومة الإسلامية في فلسطين المحتلة ولبنان نصر الله، ويمن أنصار الله، جعلتهم يرتمون في أحضان اليهود ويرون فيهم المنقذ والحامي والساتر لعوار حاضرهم المنخور، وخوار مستقبلهم المجهول.

وتذهب التوقعات إلى ربط خط الأنابيب النفطي المقترح، السعودية ومصر مباشرة، عن طريق مد خط ينبع البري إلى شمال غرب السعودية، قُبالة شرم الشيخ، ومد الخط بحرياً من هناك إلى العين السخنة، ليرتبط بخط "سوميد".

وحذر خبراء من تداعيات التطبيع الخليجي الإسرائيلي على مصالح مصر، مشيرين إلى إمكانية أن تدخل السعودية على الخط ذاته بإعادة تشغيل خط التابلاين الممتد من ساحل الخليج العربي بالسعودية إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط.


ميناء بيروت في مرمى حيفا: 

في حال تفعيل الخط الصحراوي، لبنان هو الأخر لن يكون بعيداً عن تداعياته الكارثية، وهناك مخاوف كبيرة في أوساط اللبنانيين من حلول ميناء حيفا محل ميناء بيروت، خصوصاً وأن واحدة من أهم بنود الشراكة الصهيونية الإماراتية هي إعادة تأهيل ميناء حيفا، ليكون إحدى نقاط استقبال النفط الخليجي المتدفق إلى الكيان الصهيوني عبر أنابيب خطوط النفط البرية المتوقع أن تمتد من الإمارات عبر السعودية، والأردن إلى فلسطين المحتلة، ومنها الى مختلف دول أوربا وأميركا الشمالية.

ويرى النائب عن كتلة القوات اللبنانية، العميد "وهبة قاطيشا"، أن المصالحة بين إسرائيل وبعض الدول الخليجية قادرة على أن تفتح الباب على ميناء حيفا، خاصة أنه أقرب جغرافياً إلى الدول الخليجية، وأن إسرائيل لديها إمكانات واسعة لناحية تجهيز ميناء حيفا وطرقاته والتعامل معه، من خلال الشركات الأجنبية وتسهيل تبادل الحاويات، هذه التسهيلات تقابلها تعقيدات وخلافات في لبنان، وسط غياب أي رؤية مستقبلية.

متوقعاً تراجع دور مرفأ بيروت، في حال قررت الدول العربية أن تأخذ مرفأ حيفا لها باباً ثانياً، لاسيما أن واجهة المشرق العربي محصورة بثلاثة مرافئ، وهي حيفا وبيروت وطرابلس شمال لبنان.


تَرَقّب إيراني ومخاوف صهيونية:

يرى الباحث بمركز القدس للدراسات الإسرائيلية "عواد أبو عواد" أن إيران ستتضرر كثيراً من خط النفط الصهيوني الإماراتي، مما قد يُحدث نوعاً من الاحتكاك الحربي لمنع الوصول لمرحلة تفقد فيها إيران قدرتها على إدخال الأموال عبر مضائقها الإستراتيجية. 

ودفع الحديث الإسرائيلي عن هذا الخط وكالة أنباء "فارس" الإيرانية لعنونة مقالها المنشور بتاريخ 25 سبتمبر 2020: "خط أنابيب النفط إيلات - عسقلان ليس آمناً من هجمات المقاومة"، ويحمل هذا العنوان تلميحاً إيرانياً وتهديداً باستهداف الخط من المقاومتين الفلسطينية واللبنانية وتخريبه بحسب الكاتبة الصهيونية "فازيت رابينا"، وحماس في غزة تمتلك إمكانيات متقدمة لوحدات "الكوماندوز" البحرية، ومنشآت إيلات وعسقلان وخطوط أنابيب النفط في نطاق نيرانها، وكذلك شواطئ "زيكيم" كما في حرب 2014.

وفرضية العمل هي أن الإيرانيين لن يسكتوا وسيحاولون تخريب الممر البري أيضاً في النقاط القصوى على البحر الأحمر.

مؤكدة بأن سفن سلاح البحر الإسرائيلي تبحر اليوم على بُعد ألف كيلومتر من سواحل فلسطين المحتلة للدفاع عن سفن شحن إسرائيلية، ولمنع تهريب سلاح إيراني عبر البحر الأحمر، وتحتفظ إسرائيل بقاعدة استخباراتية في إرتيريا التي تطل على البحر الأحمر، ومؤخراً صعد أيضاً اسم جزيرة سقطرى القريبة من سواحل اليمن، كقاعدة استخباراتية محتملة مشتركة بين الإمارات وإسرائيل.

الخبير في الشؤون الإيرانية في معهد بحوث الأمن القومي الإسرائيلي "راز تسيمت"، في قراءته لردة الفعل الإيرانية، يرى أن عملية التطبيع مع الإمارات ستزود الإيرانيين بأهداف إسرائيلية جديدة، يجب أن تُقلق إسرائيل، وخصوصاً، إذا تبلور تخوّف في إيران من وجود عسكري استخباراتي إسرائيلي في دول الخليج، هذه مسألة من الصعب على إيران تجاهلها: أي وجود مادي أو دليل على بنية تحتية أمنية في الإمارات تُستخدم لجمع معلومات استخباراتية من أجل إسرائيل ستشكل خطاً أحمر بالنسبة إلى إيران.


المخاطر والتداعيات:

التطبيع الإماراتي البحريني يمثل الخطوة الأولى نحو تدشين مرحلة "الشرق الأوسط الجديد"، وحين يحدث ذلك فإن الدور المصري هو الأكثر تعرّضاً للتهديد، بوصفها الدولة الأكبر عربياً، والأكثر التصاقاً بالقضية الفلسطينية، بجانب الأردن.

والأكثر كارثية من مشاريع التطبيع المجاني، هو عدم إدراك أنظمة الخُواء العربي لأبعاد وانعكاسات هذه التطورات الكارثية على الأمن القومي المصري والعربي على حد سواء، ومن أبرزها بحسب الكاتب المصري "محمد عصمت":

1 – اقتصار التفاعل المصري إقليمياً على لعب دور هامشي في السيناريوهات المتوقعة لمستقبل الإقليم، بعد أن كانت قائدةً بل وملهمةً له طوال قرون طويلة.

وتعقيباً على كلام "عصمت" كشفت دراسة أعدها معهد واشنطن أن مركز القوة في العالم العربي، بدأ يتحوّل نحو دول الخليج في السنوات الأخيرة، وأن البساط بدأ يُسحب من تحت أقدام مصر، متوقعةً خُفُوت النفوذ المصري بشكل سريع في أعقاب الإعلان عن التطبيع الإماراتي الصهيوني، لا سيما بالنظر إلى القدرة المالية والتكنولوجية للإمارات على تسريع مثل هذه المبادرات.

 2 - تراجع القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب المركزية إلى خلفية المشهد بـ"تسوية" أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في الدول التي يعيشون فيها، على أن يحصل من يعيش منهم في فلسطين المحتلة على "شبه دولة" تهيمن عليها إسرائيل من الألف إلى الياء.

3 – تفكيك منظومة الأمن القومي العربي بأبعادها العسكرية والسياسية والاقتصادية بالكامل، وتكهيِّن كل مقولات العالم العربي عن الحرية والوحدة والتنمية المستقلة ووضعها في المخازن، فالمخططات الإسرائيلية والأميركية جاهزة بالبدائل من خلال بناء تحالف وثيق بين دولارات النفط الخليجية والتكنولوجيا الإسرائيلية، ومواجهة إيران وإجهاض كل طموحاتها النووية، بانتظار وصول القطار السعودي بقيادة محمد بن سلمان إلى محطة التطبيع، بعد أن يحل محل والده، والذي يُتردد في الصحف الغربية أنه يعارض الصلح مع إسرائيل قبل إعطاء الفلسطينيين دولتهم المنتظرة، فإن الطريق سيكون ممهداً أمام إسرائيل لكي تحقق كل أهدافها في الهيمنة على عالمنا العربي.

ويعتقد الكاتب "مصطفى عبدالسلام" أن خطي "إيلات – عسقلان"، و"بقيق – إيلات"، هما الأخطر بالنسبة لمصر، لأنهما يهددان بشكل مباشر قناة السويس، ويُفقِدان مصر ليس فقط 6 مليارات دولار تحصدها سنوياً عن رسوم المرور، ولكنهما يُهددان مشروعات تنمية إقليم السويس وإعادة تعمير سيناء ومئات الآلاف من فرص العمل، وموانئ مصر الواقعة على البحر الأحمر، والتي تساهم الإمارات في إدارة بعضها مثل ميناء السخنة الذي تديره موانئ دبي، أو الموانئ الأخرى الواقعة على البحر المتوسط سواء في السويس أو بورسعيد أو الاسكندرية أو دمياط.

وأضاف بأن خط "إيلات - عسقلان" وعمليات التطبيع الخليجية ستعمل على تحوّل مصير الخليج الاقتصادي المتمثل بالنفط ليكون واحدة من أدوات الابتزاز الإسرائيلي على المستوى الاستراتيجي، بتمكنها من التحكم في نقل النفط وبيعه وفقاً لشروطها وتوجهاتها السياسية والأمنية والاقتصادية، وسيقضي على آمال مصر بتطوير إيراداتها، والحفاظ عليها عبر عائدات القناة، التي تشكل الناقل الرئيسي للنفط من الخليج عبر البحر الأحمر، مروراً بالقناة إلى البحر المتوسط، وصولاً لأوربا.

كما أن تطوير الإمارات موانئ إسرائيلية مهمة منافسة للموانئ المصرية مثل حيفا وأشدود وإيلات، وإنشاء 3 مناطق تجارة حرة بين الإمارات وتل أبيب، هذه المناطق الحرة والموانئ تهدد مثيلتها في مصر، خاصة أن الإمارات سمحت للشركات الصهيونية بإطلاق أنشطتها من مناطق التجارة الحرة في دبي وغيرها من موانئها دون الحاجة إلى وجود شريك محلي، ومنحتها الكثير من المزايا الضريبية واللوجستية والتنظيمية، وهنا ستنافس الشركات الإسرائيلية الشركات والموانئ المصرية على أسواق العالم.


مصر .. الخيارات مفتوحة:

كان من الممكن لمصر أن تقف عائقا أمام المشاريع الصهيونية المتغوِّلة في المشرق العربي بالمال الخليجي، لولا تخليها عن سيادتها على جزيرتي "تيران" و"صنافير" للسعودية، واللتان تتحكمان في مدخل خليج العقبة وميناءي العقبة في الأردن وإيلات في فلسطين المحتلة، وتقعان على امتدادٍ يتسم بأهمية استراتيجية، ويمثل طريق إسرائيل لدخول البحر الأحمر.

ومع ذلك لا يزال أمامها العديد من الخيارات المتاحة لرفض مسار التطبيع وتجنب السيناريوهات الكارثية لتفعيل خط "إيلات – عسقلان"، من أبرزها بحسب رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط الأردني "جواد الحمد":

 1 - تطوير وتفعيل علاقات أفضل مع غزة وحماس من جهة، والسلطة الفلسطينية من جهة أخرى، وتشجيعهما على الاتفاق والوحدة.

2 -  دعم موقف الفلسطينيين ضد صفقة القرن ومخطط الضم للقدس.

3 - توثيق التنسيق المصري والأردني والعراقي – وكذا إيران واليمن ممثلة بحكومة الإنقاذ باعتبارها دولا متضررة - لمواجهة هذا التحول الخطير.

4 – تطوير علاقاتها مع تركيا، لحل الأزمة الليبية.

5 - المساهمة في سرعة إنهاء الأزمة السورية بالتعاون مع تركيا وإيران وروسيا والعراق والأردن في وقت واحد.

6 – إنشاء هيئة تنسيقية للطاقة والغاز مع كل من الأردن وفلسطين ولبنان وسورية وتركيا، بموازاة منظمة شرق المتوسط، حتى تملك حرية أكثر في اختياراتها، وحتى لا تظن إسرائيل أنها قادرة على تحجيم وإضعاف ومحاصرة دورها القيادي في المنطقة.


المراجع:

1 - إبراهيم نوار، القدس الفلسطينية، من يفوز بالجائزة قناة السويس أم خط إيلات – عسقلان؟، 25 نوفمبر 2020

2 - جوناثان ش. فيرزيغر، صفقة الإمارات تُعزّز خطّ أنابيب النفط الإسرائيلي الذي تمَّ بناؤه سراً مع إيران، موقع أسواق العرب، 12 سبتمبر 2020

3 – عبد الباري عطوان، مِصر أبرز المُتضرّرين من خطّ أنابيب النّفط الإماراتي الإسرائيلي، الإشراق، أكتوبر 2020

4 – عدنان أبو عامر، تنشيط الإمارات لخط إيلات - عسقلان النفطي يحرم قناة السويس من بترول الخليج، عربي بوست، 8 أكتوبر 2020

5 – محمد عصمت، قبل أن يجرفنا الطوفان، بوابة الشروق، 21 سبتمبر 2020

6 – محمود سامي، بعد أن ابتلعت الإمارات اقتصاد مصر .. لماذا يهدد التطبيع مع إسرائيل قناة السويس؟، الجزيرة نت، 26 سبتمبر 2020

7 - مصطفى عبدالسلام، الإمارات تخنق الاقتصاد المصري، العربي الجديد، 4 أكتوبر 2020

8 - فازيت رابينا، المثلث الذهبي: احتمال أن تتحول إسرائيل دولة نفطية عظمى، صحيفة "مكور ريشون" الصهيونية، ترجمة عربي21، 4 أكتوبر 2020

9 - الجزيرة نت، تطبيع إماراتي إسرائيلي في مجال الطاقة.. هل يحطم حلم مصر في قناة السويس؟، 29 أكتوبر 2020

وكذا: خط مباشر بين دبي وإيلات.. تطبيع إسرائيلي إماراتي بمجال الشحن والموانئ، 16 سبتمبر 2020

10 -  الخليج الجديد، عبر أنبوب إيلات عسقلان.. مخطط إسرائيلي لنقل النفط السعودي إلى أوربا، 3 أكتوبر 2020

11 -  إيماسك، كيف يشكل اتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي خطراً على قناة السويس وميناء بيروت، 1 أكتوبر 2020

12 -  موقع الشارع السياسي المصري، التطبيع الإماراتي .. مصر تقف على أعتاب تهديدات مصيرية، 15 أكتوبر 2020

13 -  مجلة فورين بوليسي الأميركية، كيف يهدد التطبيع الإماراتي الإسرائيلي مكانة قناة السويس؟، ترجمة وتحرير الخليج الجديد، 8 سبتمبر 2020

14 -  ملفات المعرفة، خط الأنابيب عبر إسرائيل

15 - نون بوست، أنبوب "إيلات - عسقلان" الإماراتي الإسرائيلي.. ضربة مؤلمة لقناة السويس، 1 نوفمبر 2020