Translate

الأحد، 18 أكتوبر 2020

مجاعة تهامة اليمن 1891


صورة حقيقية لمجموعة من الناس من رأس الكثيب شمال مدينة الحديدة وجدت بهدا الشكل سنة 1891 خلدها طابع بريدي صادر عن سنجق الحديدة

.. الدكتور عبدالودود قاسم مقشر، الكوارث الطبيعية والحرائق والمجاعات في تهامة 1849 -1921

الأربعاء، 14 أكتوبر 2020

ما الذي تبقى من ثورة 14 أكتوبر؟

زيد يحيى المحبشي، مركز البحوث والمعلومات،  14 أكتوبر 2020

"14 أكتوبر ثورة شعب حر، طال انتظاره لثوار النصر الأكتوبري، لتحريره من أذيال الاستعمار البريطاني".

ادّعت بريطانيا في العام 1837 قيام الصيادين اليمنيين بنهب سفينة هندية ترفع علمها تسمى "دريا دولت"، كانت راسية بالقرب من ساحل عدن، ووضعت سلطان لحج "محسن بن فضل العبدلي" أمام خيارين: إما التعويض أو تمكينها من السيطرة على ميناء عدن، فاختار "العبدلي" الخيار الأول، لكن بريطانيا سرعان ما تراجعت عن قبول التعويض، وأصرت على ضرورة احتلال مدينة عدن، فوافق "العبدلي" في 22 يناير 1838 على تسليم عدن مقابل شطب ديونه البالغة نحو 15 ألف وحدة من عملة سلطنته، وبقاء وصايته على رعاياه، وفي 16 يناير 1839 هجمت السفن الحربية الإنجليزية على عدن، واحتلّتها بعد ثلاثة أيام من القصف العنيف، بعد أن وفر لها "العبدلي" الغطاء الشرعي.

ويعود اهتمام الاستعمار البريطاني بعدن والمناطق الساحلية اليمنية الى العام 1609، في اطار المنافسة التجارية الأوربية، حيث بدأت شركة الهند الشرقية في إرسال أولى رحلاتها الى عدن والبحر الأحمر، وتأسيس وكالة تجارية بريطانية في المخا، وظلت تمارس من خلالها أنشطتها في المنطقة الى أن تمكنت من احتلال مدينة عدن في 19 يناير 1839، والتي تم التمهيد لها بعقد معاهدة تجارية مع "العبدلي" في العام 1802، بموجبها أصبح ميناء ثغر اليمن الباسم مفتوحاً أمام البضائع الإنجليزية، وضمنت فيها توفير الحماية الخاصة لرعاياها وتأسيس وكالة تجارية.

وخلال الفترة "1802 – 1837" اتسعت رقعت نفوذ بريطانيا بعدن، ونجحت في تكبيل السلطان "العبدلي" بالديون، وبالتالي فبركة قصة نهب السفينة "دريا دولت"، واستخدامها كذريعة لاحتلال عدن والمناطق اليمنية الجنوبية والشرقية، ومع مرور السنين نجحت في تكبيل سلاطين السلطنات المجاورة لعدن، باتفاقيات ومعاهدات بعناوين وتسميات مختلفة، هدفت من ورائها إلى إحكام القبضة على كامل المناطق الجنوبية والشرقية من اليمن، وإدارتها من خلال شركة الهند الشرقية، والتي كانت تتخذ من "مومباي" مقراً لها، ليتم في 1 أبريل 1937 فصلها عن "مومباي"، وإلحاقها بوزارة المستعمرات البريطانية، ومعها بدأت بممارسة نوع جديد من السياسات الاستعمارية في المناطق اليمنية المحتلة، لضمان تثبيت بقائها، وضمان الاحتفاظ بالنفوذ والمصالح بعد جلائها.

ومثلما كانت السفينة "دريا دولت" ذريعة بريطانيا لاحتلال عدن قبل 181 عاماً، ها هي أذيال الاستعمار البريطاني بالخليج العبري اليوم تعاود احتلال اليمن انطلاقاً من عدن، بذرية إعادة شرعية الرئيس المنتهية ولايته والفار من وجه العدالة العبدلي الجديد "عبدربه منصور هادي"، ومن المفارقات العجيبة أن "العبدلي الجديد" وشقيقه "ناصر" كان قبل ثورة 14 أكتوبر 1963 المجيدة من أهم المقربين للحاكم العسكري البريطاني في السلطنة الفضلية، ما دفع الرئيس "سالمين" في مطلع السبعينيات من القرن العشرين الى الاعتراض على تعيينه مديراً للكلية العسكرية في عدن، محتجّاً بارتباط عائلته بالاستعمار البريطاني.

 وهاهو صنيعة الإنجليز ينافح اليوم وللسنة السادسة على التوالي وبأريحية مخزية من أحد فنادق الدرعية عن الحرب التي تشنها السعودية والإمارات على بلاده، خدمة لأسياده في لندن والبيت الأسود وتل أبيب، والأكثر إثارة للتعجب إرتضاء من تبقى من الإكتوبريين لهذا المسخ، قائداً وسائساً، وارتضائهم قذفه لهم الى جحيم الإستعمار مجدداً.

بين 14 أكتوبر 1963، و14 أكتوبر 2020، 57 عاماً، وثورة تحرر وطني أنهت تراكمات 130 عاماً من الطغيان والعبث الاستعماري البريطاني، وقدمت في سبيل ذلك عشرات الألاف من الشهداء، وللأسف لم يتبقَ من هذه الثورة سوى الإسم فقط، الصورة إنقلبت رأساً على عقب، والمفاهيم تغيرت، والأدوار تبدلت، والمستعمر لم يعد مستعمراً بل محرراً، ومقاومة المستعمرين لم تعد عملاً وطنياً بل عمالة وخيانة وإرهاباً، وبقي المشترك بين زمنين: الخاصرة الجنوبية للجزيرة العربية، بما تتوافر عليه من موقع استراتيجي وثروات، ساحة لعبث الغرباء، ومسرحاً للأطماع ونهب المهيمنين، القدماء والجدد، وما بين الزمنين لا زالت ثورة 14 أكتوبر تبحث عن الأكتوبريين، بلا كلل ولا ملل، بعد أن تبخرت كل أهدافها.


ألغام بريطانيا تفجر الجنوب:

حرصت السياسة الانجليزية في المناطق اليمنية المحتلة في طابعها العام على تمزيق الوحدة اليمنية والنسيج اليمني، وتعميق اليأس في أوساط أبناء الشعب اليمني من عودة التحام جسدهم الواحد، وتلغيم حياتهم بسموم الكيانات والكانتونات المناطقية المتنافرة والمتصادمة من سلطنات وإمارات وولايات ومشيخات، وها هي عاصفة عدوان أذيال الاستعمار البريطاني تعيد إنعاشها من جديد، مع تغيير مسمياتها، وبقاء هدفها.

عناوين السياسة الاستعمارية واحدة في معانيها ومبانيها منذ عام 1839 وحتى انطلاق شرارة ثورة 14 أكتوبر في العام 1963 من جبال ردفان، بدءاً بسياسة "فرق تسد"، ومروراً بسياسة معاهدات واتفاقيات الحماية، وانتهاءاً بسياسة التقدم نحو الأمام وإعمال نظام الانتداب والاستشارة، تبعاً لمقتضيات التجزئة ومتطلبات كبح جماح نمو الوعي الوطني، والواصلة ذروتها في 1959 بإنشاء اتحاد الجنوب العربي، بدعم وتواطؤ رابطة أبناء الجنوب والجمعية العدنية، أملاً في تمديد سيطرة الاستعمار السياسية والعسكرية على المنطقة أكبر مدة ممكنة.

وتكمن خطورة ذلك في توجه الاستعمار منذ بداية عام 1934 إلى سلخ هوية الأجزاء الجنوبية والشرقية من اليمن، عن هويتها التاريخية والجغرافية، من خلال تغليب الثقافات والهويات المحلية، وتغذية النزعات الانفصالية، وتعميق هوة الخلافات والصراعات البينية، بهدف طمس الثقافة والهوية الوطنية اليمنية، وتكبيل ووأد أي هبة شعبية تحررية، وتفخيخ مستقبل الأجيال بألغام العنصرية المناطقية والعشائرية والفئوية.

ومع إطلالة العام 1952 بدأ الانجليز بترجمة سياستهم الجديدة عبر الترويج لإقامة كيانين اتحاديين فيدراليين حسب التقسيم الإداري في الإمارات ومستعمرة عدن، وتوحيدها في دولة جديدة تسمى "دولة الجنوب العربي الاتحادية"، على أن تبقى مستعمرة عدن خارج الاتحاد، وفي 1954 قدموا وجهة نظرهم بشأن الاتحاد الفيدرالي وإدارته، على أن تتكون من المندوب السامي، وتكون له رئاسة الاتحاد والعلاقات الخارجية والقرار الأول في حالة الطوارئ، ومجلس رؤساء يضم رؤساء البلاد الداخلية في الاتحاد، ومجلس تنفيذي وآخر تشريعي، وفي 11 فبراير 1959 أُعلن رسمياً عن قيام اتحاد إمارات الجنوب العربي.

ضم الاتحاد في البداية 6 إمارات من محميات عدن البالغ عددها 20 إمارة مع تخلف سلطنة لحج، وهي مجموعة من القبائل المتنافرة والمتناحرة، وكان الهدف من هذه الخطوة تصفية قضية تحرير جنوب اليمن، وإبقاء عدن قاعدة عسكرية استراتيجية لبريطانيا، واستغلال الاتحاد لتهديد شمال اليمن، والضغط على السلطات الجنوبية للحصول على المزيد من التنازلات للمستعمر في الجنوب، وجعل الاتحاد قاعدة متقدمة لضرب الحركات التحررية العربية، وقمع أية انتفاضة شعبية وطنية.

حدث إعلان دولة الجنوب العربي المزيف والمجافي للحقائق التاريخية والسياسية والاجتماعية والثقافية، لم يشذ عن مخطط تدجين الهوية الوطنية لصالح الهويات المحلية المصطنعة، وتعميق الهوة بين علاقات أبناء هذه المناطق وهويتهم الوطنية الأم، وتعميق النزعة الانفصالية، التي وجدت في الجمعية العدنية ورابطة أبناء الجنوب العربي ضالتها المنشودة، على أمل الحلول مكان الاستعمار، بعد رحيله، لتنفيذ مخططاته.

والحقيقة أن الاستعمار وجد حينها أن قوة وجوده واستمراره ومقومات أمانه، متوقفة على تجزئة المجتمع اليمني، واغراقه في الخلافات والصراعات البينية، لأنها ستبقى إذا اُضّطر للرحيل.

وهو ما بدى واضحاً في تباين وجهات نظر رفاق الكفاح المسلح واختلاف صفوفهم ووصولهم الى مرحلة الصدام الدامي في أكثر من مرة، خلال مرحلة النضال لنيل الحرية والاستقلال، وما بعد نيل الحرية والاستقلال للأسف الشديد، وما نراه اليوم بالمحافظات الجنوبية والشرقية مجرد صدى واجترار شائه وممجوج لآثار تلك الحقبة المظلمة من تاريخ اليمن.


الفعل الثوري الأكتوبري:

خلقت سياسات الاستعمار منذ اليوم الأول لدخول مدينة عدن موجة غضب شعبية، قابلها المحتل بعنف مفرط، وبقية العلاقة بين الاستعمار والمقاومة الوطنية في حالة مد وجذب، تبعاً لشخصية قادة النضال الوطني وقوة حضورهم وتأثيرهم، بالتوازي مع تفنن الاستعمار في تخليق سياسات التركيع والتطويع، ومع إطلالة العقد الثالث من القرن الماضي بدأت المقاومة الشعبية تأخذ طابعها التنظيمي تحت مظلة حركة وطنية جامعة تُسيِّر وتُنظم الفعل الثوري التحرري.

ومرت الحركة الوطنية التحررية في المناطق الجنوبية والشرقية، بأربع مراحل، هي:

1 - مرحلة العمل السياسي والإعلامي السري في الثلاثينيات من القرن الماضي.

2 - مرحلة الإيقاظ والتيقظ في الأربعينيات.

3 - مرحلة الاحتجاجات والإضرابات في الخمسينيات.

4 - مرحلة التمرد والثورة في الستينيات.

وعلى امتداد سنوات الخمسينيات وبداية الستينيات، كان الشعب اليمني في المناطق الجنوبية والشرقية قد تمرّس على أساليب النضال الوطني، وخاض مختلف طرق النضال السلمي، من أجل تحرره الوطني، كما يذكر "عبدالفتاح إسماعيل"، وفي البداية الأولى للستينيات بدأت تغزو بعض التنظيمات السياسية، أفكار الكفاح المسلح، وكانت في الواقع تجسيداً لجوهر رفضها للوجود الاستعماري في البلاد.

وكانت في نفس الوقت ملجأها الأخير، بعد أن أثبتت تجربة النضال السلمي فشلها، وعدم جدواها في الاطلاع بالمهام الحقيقية للتحرر الوطني، بفعل الطبيعة الاستعمارية.

ميدانياً، بدأت التشكيلات التنظيمية للعمل الفدائي في عدن أوائل عام 1946، وتشكلت قيادة للمدينة مكونة من القطاع العسكري والقطاع الشعبي، وكان يضم قطاعات العمال والمرأة والطلاب والتجار، وتحمّل الشهيد "نورالدين قاسم" في البداية المسؤولية لعدة شهور، ثم تعرض للاعتقال، فخلفه "عبدالفتاح إسماعيل".

والى جانب العمليات الفدائية المتواصلة ضد الاحتلال بعدن، كان هناك نضج ثوري بدأ يتشكل في أوساط المواطنين بمحافظات أبين والضالع وحضرموت ولحج، والأهم من ذلك تحديد المسؤوليات ميدانياً، تمهيداً للثورة المسلحة الشاملة التي فجرت الحرب في وجه المستعمر وأرغمته على الرحيل.

وفي 23 - 24 فبراير 1963 احتضنت صنعاء مؤتمراً للقوى الوطنية اليمنية، انبثق عنه تأسيس "جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل"، وإقرار الثورة المسلحة، بينما شهد يوم 19 أغسطس 1963 تأسيس "الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل"، إنقلاباً على "جبهة تحرير الجنوب"، بتغيير الإسم دون مؤتمر، وحضور 10 أفراد فقط من حركة القوميين العرب، واختزلت تحت مظلتها 7 تنظيمات سرية، أعلنت إيمانها بالكفاح المسلح، هي: فرع حركة القوميين العرب، والجبهة الناصرية في الجنوب المحتل، والمنظمة الثورية لجنوب اليمن المحتل، والجبهة الوطنية، والتنظيم السري للضباط والجنود والأحرار، وجبهة الإصلاح اليافعية، وتشكيل القبائل، ثم التحقت بها ثلاثة تنظيمات أخرى، هي: منظمة الطلائع الثورية بعدن، ومنظمة شباب المهرة، والمنظمة الثورية لشباب جنوب اليمن المحتل.

تُوجت هذه التحركات بانطلاق الشرار الأولى لثورة التحرير الوطني من جبال ردفان في 14 أكتوبر 1963، بقيادة "راجح بن غالب لبوزة"، واستشهد مع مغيب شمس يوم الثورة.

ومنذ اليوم الأول لانطلق ثورة التحرير، شنت سلطات الاستعمار البريطاني حملات عسكرية غاشمة ضد قبائل ردفان، استمرت 6 أشهر، اعتمد فيها العدو على استراتيجية "الأرض المحروقة"، وخلّفت كارثة إنسانية فضيعة، جعلت أحد أعضاء مجلس العموم البريطاني يدين تلك الأعمال اللا إنسانية.

اندلاع الثورة من ردفان هي البداية لمرحلة الكفاح المسلح، الذي استمر ملتهباً طيلة أربع سنوات كاملة (1963 - 1967) إلى أن انتهى باستقلال الشطر الجنوبي من اليمن في 30 نوفمبر 1967، وفي الثمانية الأشهر الأولى من عام 1964، اضطرت بريطانيا إلى القيام بعمليات حربية كبيرة ضد الثوار، عُرِّفت بعضها في الوثائق البريطانية بعمليات "نتكراركر" و"رستم" و"ردفورس"، وكانت تلك المعارك بالفعل أكبر معارك بريطانيا خلال حرب التحرير، اشترك فيها آلاف الجنود، واستخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة، كما أن الصحافة البريطانية أصبحت تسمي ثوار ردفان بـ"الذئاب الحُمر".

هذه التحولات دفعت الجمعية العامة للأمم المتحدة الى إصدار قرار في 11 ديسمبر 1963، تضمن الدعوة لحل مشكلة الجنوب اليمني المحتل، والإقرار بحقه في تقرير مصيره والتحرر من الحكم الاستعماري البريطاني، واعتراف الأمم المتحدة في العام 1965 بشرعية كفاح شعب الجنوب، طبقاً لميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وفي 2 أكتوبر 1965 أعلنت بريطانيا البقاء في عدن حتى عام 1968، ما أدى الى انتفاضة شعبية عنيفة ضدها، أسفرت عن خسائر بشرية ومادية كبيرة، وفي 22 فبراير 1966 أعادت التأكيد على منح مستعمرة عدن والمحميات الاستقلال في مطلع العام 1968، والاعتراف في أغسطس 1966 بقرارات منظمة الأمم المتحدة لعامي 1963 و1965 حول حق شعب الجنوب اليمني المحتل في تقرير مصيره، وإعلان وزير خارجيتها "جورج براون" في 14 نوفمبر 1967 تحت وطأة اشتداد المقاومة الوطنية، منح الاستقلال لجنوب اليمن في 30 نوفمبر 1967 وليس في 9 يناير 1968، كما كان مخططاً له سابقاً، وبدء التفاوض بجنيف في 21 نوفمبر 1967 بين الجبهة القومية والحكومية البريطانية حول الانسحاب، وتوقيع "قحطان محمد الشعبي"، واللورد "شاكلتون" اتفاقية الاستقلال.

وفي 29 نوفمبر غادر مدينة عدن آخر جندي بريطاني، وإعلان الاستقلال في 30 نوفمبر 1967 عن الاستعمار البريطاني، وقيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية.

عوامل عديدة ساعدت على تعجيل خروج الاستعمار في نهاية نوفمبر من عام 1967، بعد أربع سنوات من الكفاح المسلح المتدحرج من السرية إلى العلنية، وما تخلله من تباينات بين فصائل الكفاح المسلح، دفعتهم الى التصادم والاقتتال أكثر من مرة، والالتهاء عن العدو الأكبر المتمثل في الاستعمار البريطاني، أهمها بحسب الأستاذ المناضل محمد سعيد عبدالله "محسن":

1 – توجيه الضربات القوية للعملاء والأجانب من الهنود والصوماليين، الذين كانوا يلعبون دوراً كبيراً في مراقبة ومتابعة الفدائيين، ورصد تحركات المشكوك فيهم، ورفعها إلى الاستخبارات البريطانية.

2 – وقوف الشعب إلى جانب الثورة بمدينة عدن.

3 – السلوك والأخلاق الجيدين اللذين كان يتحلى بهما الثوار في علاقاتهم وتعاملهم مع المواطنين.

4 – العلاقة الرفاقية الحميمة بين رفاق النضال، والثقة الكاملة وعدم التفكير إلا بنجاح مهماتهم، وحفاظهم على بعضهم.


المراجع:

1 - الموسوعة الدولية الحرة "ويكيبيديا"، ثورة 14 أكتوبر

2 - زيد يحيى المحبشي، 30 نوفمبر عيد الجلاء للاستعمار البريطاني من عدن، مركز البحوث والمعلومات، 28 نوفمبر 2019

3 - عامر الدميني، كيف تشكلت جبهة التحرير بصنعاء وكيف استشهد لبوزة بردفان؟، الموقع بوست، 13 أكتوبر 2018

4 - العميد الركن ثابت حسين صالح، ثورة 14 اكتوبر 1963 لمحة موجزة، المشهد العربي.

https://almashhadalaraby.com

5 - المركز اليمني للإعلام، ثورة 14 أكتوبر من المهد الى النصر، 13 أكتوبر 2017

6 - خليل كوثراني، عودة الإنكليز: العين على القواعد والجزر، صحيفة الأخبار اللبنانية، 14 أكتوبر2017

7 - دعاء سويدان، أين "رفاق" الأمس؟، الأخبار اللبنانية، 14 أكتوبر2017

8 - محمد سعيد عبدالله "محسن"، عدن كفاح شعب وهزيمة إمبراطورية، دار بن خلدون/ بيروت، الطبعة الثانية 1989

9 - مركز البحوث والمعلومات، اليمن في 100 عام، الطبعة الأولى 2000

الاثنين، 12 أكتوبر 2020

التعليم في اليمن أزمات وحلول



زيد يحيى المحبشي، 21 يوليو 2009

 “النظام التعليمي إذا لم يتغيّر جذرياً، فلا معنى للحديث عن التنمية” .. د. عبدالكريم الأرحبي

 استشعار مبكر لبوصلة الإصلاحات الجزئية في سياق الاستراتيجيات المتعددة لإصلاح العملية التعليمية في اليمن وأهمها مشروع تطوير وتوسيع التعليم الأساسي (2005 –  2010) المُدشّن في 2005 بدعم المانحين, وهو ما دفع الدكتور عبدالكريم الأرحبي قبل عامين في سياق الحديث عن مؤتمر المانحين للتأكيد على ضرورة تغيير النظام التعليمي, بما يتلاءم والتحديات التي تعترض العملية التنموية الشاملة في بلادنا, في إشارة واضحة إلى أنه – في وضعه الحالي – بات يشكل عبئاً على الميزانية العامة والتنمية، لاسيما وأن العلاقة بين التعليم والتنمية علاقة طردية متوازية؛ فالتعليم السليم والهادف والمثمر معناه بناء قاعدة تنموية متينة وسليمة تلبي متطلبات ومتغيرات العصر.

إلا أن الملاحظ هنا غياب الرابط بين استراتيجيات إصلاح التعليم وانعزالها عن السياق المجتمعي العام وعملية الإصلاح الشاملة, ما أوجد فجوة بين مخرجات التعليم من جهة والمجتمع والبيئة الاجتماعية وحاجة سوق العمل ومتطلبات التنمية من جهة ثانية, نجم عنها العديد من المظاهر المؤثرة سلباً في حياة الناس ورقيّهم ومعيشتهم, وبالتالي زيادة معدلات البطالة والفقر والأمية والحرمان الاجتماعي وغيرها من الأزمات المتفاقمة بحيث لم يعد السكوت ممكناً عمَّ يعانيه التعليم من خلل, لما يترتب على ذلك من تداعيات تهدد حاضر ومستقبل العملية التعليمية والتنمية الشاملة على حدٍّ سواء.

عالمياً، تخلص الدراسات إلى أن 34 بالمائة من النمو الاقتصادي يُعزى إلى المعارف العلمية الجديدة, وأن 16 بالمائة من النمو ناتج عن الاستثمار في الإنسان من خلال التعليم, أي أن 50 بالمائة من النمو الاقتصادي متوقفٌ على التعليم بمفهومه الشامل, وبمعنى أدق ارتباط تحسّن حالة الناس المعيشية طردياً بما لديهم من مستويات ومؤهلات تعليمية.

إذن فالتعليم يظل أحد أهم مجالات التنمية البشرية كون الإنسان في المحصلة النهائية هو الثروة الحقيقية للأمم, أي أن مقياس التطور الحضاري لا يتوقف فقط على الانجاز المادي والثراء النقدي وإنما أيضاً على ما تم إحرازه من إنجازات علمية ومعرفية، وما أحدثه التعليم من تطور في بناء القدرات البشرية والمهارات الإنسانية والقدرات الذهنية والإبداعية. الكاتب أحمد الزرقة في قراءته لمظاهر الأزمة خلص إلى أن “التعليم وحده الضمان للاستثمار في المستقبل, ولا تنمية أو حداثة أو تغيير من دون تعليم نوعي, يعزز من أي جهود لتغيير حياة الناس والارتقاء بها وتخفيف الفقر والحد من البطالة”، مُبدياً استغرابه من غياب إستراتيجية واضحة لمفهوم التعليم العصري والحديث بمختلف مستوياته ومجالاته لمعالجة المخرجات الهزيلة للعملية التعليمية, العاكسة في جوهرها هشاشة المدخلات والعناصر المكونة لهذه العملية لعدم ارتباط المخرجات بالواقع والمجتمع بما سببه من خسائر فادحة، وليس أدل على ذلك ارتفاع معدلات الرسوب بصورة متصاعدة في السنوات الأخيرة, مكبدةً خزينة الدولة 68 مليون دولار سنوياً.

بدوره، بدا الأستاذ عبد الباري طاهر جازماً بأن “التعليم العقيم والقروسطي في اليمن لا ينتج معرفة, ولا يخلق وعياً, ولا يبني إنساناً سوياً, أو حياةً سليمة, فهذا التعليم الشائه والبليد, يُعمّق أزمة المجتمع, ويركب الجهل, ويوسع دائرة الفقر, ويخلق حالة زائفة من التحضر والتعالم. يومياً يزداد عدد المتعلمين ويزداد معه أعداد الأميين الحقيقيين”, بصورة باتت تُشَكِّل فيها الأمية بقسميها الأبجدي والمعرفي عائقاً حقيقياً أمام بناء مجتمع حديث أو كيان حضاري أو تنمية حقيقية، لاسيما وأن الأمية المعرفية تتجاوز 75 بالمائة والأبجدية 56 بالمائة, ومن لغو القول الحديث عن بناء ديمقراطي أو تنمية أو تحديث في مجتمعٍ تسوده الأمية.

 

حقائق وأرقام

بصورة عامة ما يزال التعليم، رغم ما شهده من تطور وتوسع, ينوء بكل جوانب الضعف والقصور سواء في المدخلات أو المخرجات أو التغذية العكسية, بسبب اقتصار الاهتمام على الكمّ وإهمال الجودة وهو ما أحدث خللاً فاقِعاً بات يهدد عجلة التنمية بمقتل وسط تصاعد التحذيرات من تفاقم الظاهرة.

في قراءتنا السريعة لأهم الأزمات المعترية التعليم بمستوياته الثلاثة (العام، الفني، العالي), تبقى الأرقام وحدها أبلغ تعبير لما يعانيه من اختلالات، منها على سبيل المثال وفقاً لمؤشرات الأعوام الأخيرة:

 

– التعليم العام (الأساسي والثانوي):

 يحتوي نحو 5 ملايين و177 ألف طالب وطالبة موزعين على نحو 12558 مدرسة ومنشأة تعليمية, ومع ذلك ما زالت معدلات الالتحاق به متدنية، إذ لا تتجاوز لمن هم في سن السادسة 30 بالمائة وعند السابعة 59 بالمائة, أي بمتوسط عام  64.8 بالمائة للأساسي و37.9 بالمائة للثانوي، ونسبة التسرب والتمرد الدراسي 35.2 بالمائة للأساسي و62.1 بالمائة للثانوي، وسط تنامي ملحوظ للتسرب في أوساط من هم في سن التعليم الأولى (6- 15 سنة).

أما بالنسبة للمعلمين والمعلمات فهناك نحو 197 ألف معلم ومعلمة منهم 90 ألف من حملة الثانوية ولذا فهم بحاجة ماسة إلى التدريب والتأهيل, كما هي الحاجة لإعادة النظر في سياسات قبول وإعداد المعلمين والمعلمات,وعدد مدراء المدارس 9998 , ومعدل الالتحاق السنوي العام بالتعليم 65 في المائة فقط. وفيما يتعلق بالمباني والمنشآت التعليمية, فإن الصالح منها حسب المسوحات التربوية 30 بالمائة فقط مقابل 55 بالمائة بحاجة إلى ترميم و15 بالمائة غير صالحة وتحتاج إلى هدم وإعادة بناء، وبالتالي فهناك حاجة ماسة لبناء  3 آلاف مدرسة لمواجهة زحمة الطلاب في ظل النمو السكاني المتزايد. أما المناهج فتعاني من النزعة الموسوعية المعرفية, ولا تلبي حاجات المجتمع دون التقليدية, ما يستدعي ضرورة ضم التكنولوجيا كقسم ثالث إلى الثانوية وإدخال تقنية العصر وعلومه ومتطلباته على المناهج, مع مراعاة متطلبات التنمية الوطنية والفلسفة والأهداف التربوية.    

 

– التعليم الفني والمهني:

 أستحدث أساساً لتخفيف الضغط على التعليم العام والعالي بهدف تلبية حاجات سوق العمل, ورغم تجاوز منظومته 73 مؤسسة تدريبية فيها نحو 90 برنامج وتخصص في مختلف المجالات الفنية والمهنية إلى جانب  6 كليات مجتمع تستوعب أكثر من 20 ألف  طالب وطالبة في السنة, لكنه يظل محدوداً كون الاهتمام به أتى متأخراً وتحديداً بعد إنشاء وزارة التعليم الفني عام 2001, لكن المشكلة هنا تكمن في نظرة المجتمع لهذا النوع من التعليم فيما يتعلق بالمرتبة والمكانة الاجتماعية على عكس التعليم العالي, وهو ما أدى إلى تدني نسبة الالتحاق به, أي بواقع 7.1 بالمائة مقارنة بالتعليم الثانوي، ما يجعل مخرجاته محدودة للغاية ولا تفي باحتياجات سوق العمل.

واللافت أن مخرجاته حسب المتعارف عليه عالمياً (4 فنيين) مقابل (خريج جامعي واحد), لكن المعادلة مقلوبة في اليمن بواقع (خريج فني واحد) مقابل ( 38 خريج جامعي)، ولذا يرى الخبراء أن طاقته الاستيعابية ستبقى على حالها على الأقل خلال السنوات العشر القادمة.

 

– التعليم العالي (الجامعي والإبتعاث والدراسات العليا):

هناك أكثر من 16 جامعة منها 7 حكومية بها نحو 84 تخصص و286 ألف طالب وطالبة، و9 جامعات أهلية يدرس بها أكثر من 16 ألف طالب, وسط تزايد الضغط على الجامعات الحكومية والإبتعاث الخارجي والذي يشمل 26 جهة.

 والمفارقة هنا اقتصار الاهتمام على التخصصات الإنسانية والنظرية المستحوذة على 85 بالمائة من المخرجات دون وجود أي خطوة للحد من ذلك, وسط تنامي عدد العاطلين من خريجي الجامعات, ووجود نحو 20 بالمائة من الموفدين في تخصصات غير نادرة ويوجد لها مناظر في الجامعات اليمنية, ناهيك عن الأنماط المكررة للأقسام والتخصصات والكليات داخلياً، والتي تتم دون تخطيط أو دراسة جدوى اقتصادية وتعليمية.

والأخطر من هذا – حسب الدكتور عادل الشرجبي – دراستنا تاريخ العلم وليس العلم المتطلبة دراسته التطبيق والنزول الميداني، الأمر الذي ترك بصماته على جودة المخرجات، ناهيك عن فشل التعليم العام في تكوين المعرفة والمهارات اللازمة للتعليم الجامعي.

مؤشرات التنمية البشرية وضعت اليمن في الترتيب 151 من بين 177 بلداً معيدة ذلك إلى التفاوت بين الجنسين في التعليم والمساواة، إذ أن 70 بالمائة فقط من فتيات المدن في سن التعليم الأساسي ملتحقات بالمدارس و50 بالمائة لفتيات الأرياف, وضعف خدمات تنمية الطفولة المبكرة – رياض الأطفال – والتعليم اللاحق للمرحلة الأساسية, خصوصاً بعد دمج الإعدادية مع الابتدائية تحت مسمى “الأساسي”، ومكمن الخلل هنا الأخذ بمنهج جديد يتطابق مع الدول التي يمر فيها التعليم بالحضانة فالأساسي دون مراعاة حالة الطالب اليمني, مضيفاً بذلك عبئاً جديداً على الطالب والمعلم على حدٍ سواء.

وفي المحصلة، لا تزال التقارير الرسمية تقرع ناقوس الخطر بسبب ارتفاع معدلات الأمية بشكل غير معقول, إذ وصلت نسبتها إلى 49 بالمائة في الأوساط العمرية 10- 45 سنة من إجمالي سكان اليمن, بينما شكَّل ارتفاع تسرب الأطفال من المرحلة الأساسية بسبب الحالة المعيشية عاملاً إضافياً, وبالتالي تجاوز أرقام الأمية 5 مليون و545 ألف نسمة ( 67 بالمائة منهم إناث), ومعدل الإلمام بالقراءة والكتاب 25.9 بالمائة,في ظل انضمام نصف مليون نسمة إلى طابور الأمية سنوياً. ما يعني أن نصف سكان اليمن في العام 2015 سيكونوا أميين بدرجة امتياز، أي بمعدل عام 56 بالمائة مصحوباً بنسب متقاربة للفقر والبطالة.

واللافت هنا إشارة تقرير أصدره مجلس الشورى مؤخراً إلى وجود مليون طفل غير ملتحقين بالتعليم ضمن الفئة العمرية 6- 14 سنة، علماً أن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة يشكلون 45.7 بالمائة من سكان اليمن، فيما أضاف التقرير الاستراتيجي اليمني إلى أن هناك 30 – 40 بالمائة من الأطفال ينضمون سنوياً إلى طابور الأمية.

 

 المخارج والحلول

أسباب كثيرة أدت إلى شلل العملية التعليمية بما فيها القيود التمويلية لكنها في نظر الخبراء مبرر غير متماسك أمام غياب فلسفة تربوية وتعليمية واضحة في ظل التشتت الإداري الواسع المتنازع بين ثلاث وزارات ما سمح للفساد بالترعرع, في حين لا زالت الرؤية العامة مقتصرة على إبقاء الدور الخدمي للمؤسسات التعليمية، وهو ما أوقعها في هذه الفجوة المتزايدة هوتها, بينما يقتضي المنطق لتحسين أداء هذه الوزارات تحويلها إلى وزارات استثمارية لا خدمية, لأهمية ذلك في تخفيف العبء المالي, كون الطابع الخدمي من موروثات بداية القرن السابق وباتت النظريات الحديثة اليوم تقوم على أساس إشراك المجتمع والقطاع التجاري في توفير الخدمة التعليمية كما يمكن تقديمها بمعايير السوق,كما يمكن فتح أقسام عملية بحتة للمحبطين في الدراسات النظرية كي لا يشكلوا بطالة وحتى يجدوا عملاً يقتاتون منه.

والحاجة ماسة أيضاً لتطوير المناهج كخطوة أولى بما يتلاءم مع البيئة والظروف الاجتماعية كون التأسيس القوي للتلميذ ولو كان بطيئاً سيعطينا قاعدة انطلاق متينة للمستقبل. ناهيك عن عدم مصاحبة التوسّع الكمي للتعليم بتوسّع نوعي موازي، ما أفقد الكمية جزءاً من قيمتها, وكذا اقتصار المناهج على المهارات العقلية الدنيا وإهمال الجوانب الأخرى, وضعف ربطها بقضايا المجتمع وضعف اهتمامها بتنمية ملكات التفكير العلمي والمنطقي الحرّ والمستقل.

إذن فنحن في حاجة ماسة أكثر من ذي قبل لوجود فلسفة تربوية وتعليمية واضحة إذا ما أردنا دخول بوابة العصر, لكنها ستبقى مرهونة بمدى قدرتنا على تحديد ركائزها الرئيسية – حسب د. عبدالله عوبل – من قبيل: “ماذا نريد أن نربي؟ وأي مواطن نريد؟ وأية تنمية نريد؟”. وكلها تصبّ في خانة صيرورة التعليم، القضية الأولى للمجتمع والدولة لأن حلها سيوفر الجهد والوقت للشروع في تنمية وطنية شاملة تمكنا من اللحاق بالعصر ومنجزاته. وهذا يتطلب ضرورة مراجعة برامجنا وخططنا التعليمية ومناهجنا وإعداد المعلم الكفء، وضرورة تلبية التعليم حاجات مجتمعنا دون التقليدية وتطوير الإدارة التربوية بمستوياتها المختلفة والتوجيه والتقويم التربوي وفق معايير جادة وبما يتواكب والمتغيرات الكونية السريعة، والاهتمام بالكفاءات التربوية في مختلف المواقع وتأهيلها للقيام بالأدوار المناطة بها واستيعاب دورها وتوفير مستلزمات التعليم العملية والتعليمية والعلمية مع بداية العام الدراسي، ومن ثمّ –  كما يقترح الأستاذ أحمد عبده سيف – عقد مؤتمر وطني لإنجاز الفلسفة التربوية والتعليمية الوطني في إطار من المناقشة الشفافة لقضايا التعليم وأزماته مع كل المعنيين بالتربية والمجتمع والمؤسسات الرسمية والشعبية, والتوافق على ضمان مبدأ الشراكة المتساوية لجميع المهتمين بالأمر بحيث تكون الأزمة التعليمية همّاً وطنياً يتجاوز المصالح الضيقة ويربط بين القراءة الدقيقة لقيم ومثل الشعب وبين قيم العصر وتياراته وتطوره وتقدمه العلمي

السبت، 10 أكتوبر 2020

من اصدارات الزمن الجميل لمركز البحوث والمعلومات

1 - "اليمن والدول الكبرى"/ الجزء الثاني

كتاب من الحجم الكبير، يضم 450 صفحة، صدرت الطبعة الاولى في مايو 2004 عن مركز البحوث والمعلومات بصنعاء، وهو عبارة عن دراسات تحليلية وتوثيقية وتأصيل تاريخي لعلاقات اليمن مع ألمانيا وهولندا واليابان وإيطاليا وكندا

الكتاب من تأليف:

زيد يحيى المحبشي

د. سامي محمد السياغي

 فؤاد محسن ثامر

زايد محمد جابر

2 - "اليمن والصين: خمسون عاما من العلاقات"

كتاب من الحجم الكبير يقع في 270 صفحة

صدرت الطبعة الاولى عن مركز البحوث والمعلومات بوكالة سبأ بالشراكة مع وزارة التخطيط والتعاون الدولي في مارس 2006 

وهو من تأليف:

زيد يحيى المحبشي

فؤاد ثامر

أحمد الشرعبي

عبدالله سنان

الكتاب أطر للعلاقات الثنائية بين اليمن والصين في مراحلها المختلفة بدءا بالقرن الأول الميلادي وحتى 2005 تحليلا وتوثيقا وتأصيلا تاريخا وتفاعلات الطرفين من القضايا التي تهم بلديهما محليا واقليميا ودوليا ولها تأثير مباشر او غير مباشر على علاقتهما ومصالحهما القومية ..

3 - "ظاهرة الثأر في اليمن"

صدرت الطبعة الاولى عن مركز البحوث والمعلومات في أغسطس 2004 ويضم 260 صفحة تناولت الابعاد المختلفة لظاهرة الثأر في اليمن وتداعياتها والمعالجات الواجب اتخاذها للحد من هذه الظاهرة المؤرقة لليمنيين منذ القدم

الكتاب من تأليف: 

زيد يحيى المحبشي

زايد محمد جابر

د.علي أحمد عمر العبسي

فؤاد محسن ثامر

عبدالله أحمد سنان

إبراهيم المزعقي

4 - "اليمن ودول الخليج العربي"

كتاب من الحجم الكبير، يقع في 451 صفحة، صدرت الطبعة الأولى عن مركز البحوث والمعلومات في سبتمبر 2005؛

وهو من تأليف:

 زيد يحيى المحبشي

فاتك عبدالله الرديني

فؤاد محسن ثامر

د. علي علي العبسي

عايش عواس

مجيب الرحمن أحمد عبيد

أحمد عبدالحافظ الحضرمي

 وهو تحليلي توثيقي؛ أطر للعلاقات اليمنية مع دول  مجلس التعاون في مختلف المجالات وتفاعلاتها، والعوامل والظروف التي أثرت فيها: صعودا وهبوطا، تقاربا وتنافرا، إنسجاما وتصادما،والجذور التاريخية لهذه العلاقات منذ ما قبل ميلاد المسيح وحتى العام 2004 ..

5 - "اليمن ودول القرن الأفريقي"

كتاب من الحجم الكبير، يقع في 316 صفحة، صدرت الطبعة الأولى عن مركز البحوث والمعلومات بصنعاء في نوفمبر 2003

وهو عبارة عن دراسة تحليلية توثيقية وتأصيل تاريخي  لعلاقات اليمن مع كلا من جيبوتي والصومال وأثيوبيا وارتيريا والسودان خلال الفترة الممتدة من القرن العشرين قبل ميلاد المسيح عليه السلام وحتى العام 2002

الكتاب من تأليف:

زيد يحيى المحبشي

عبدالله أحمد سنان

أحمد عبدالحافظ الحضرمي

عائش علي صالح عواس

6 - "المبادرة اليمنية لتفعيل العمل العربي المشترك .. رؤية تحليلية"

كتيب يقع في 170 صفحة، صدرت الطبعة الأولى عن مركز البحوث والمعلومات بصنعاء في سبتمبر 2003

وهو من تأليف:

زيد يحيى المحبشي

فاتك عبدالله الرديني

د. سامي محمد السياغي

فؤاد محسن ثامر

عبدالله احمد سنان

توجد نسخ من اصدارات مركز البحوث والمعلومات والتي قاربت نحو 74 اصدار غطت مختلف مجالات المعرفة في دار الكتب اليمنية وفروعها بالمحافظات والمكتبات العامة باليمن ومكتبات مراكز البحوث والدراسات ودور الثقافة اليمنية وبعض المكتبات العامة العربية والدولية منها مكتبة جامعة محمد بن سعود ومكتبة الاسكندرية والمكتبة الوطنية الصينية

 وليس لها نسخة الكترونية على الشبكة العنكبوتية

وكانت قبل 2011 تباع بمكتبة أبو ذر بصنعاء وبعض المكتبات التجارية ومعارض الكتاب السنوية

توضيح:

كان العمل جاري لاطلاق مكتبة الكترونية خاصة بإصدارات المركز، غير أن أحداث 2011 قضت على كل شيئ وتم خلالها للاسف نهب المركز وتدمير محتوياته بما في ذلك نحو عشرة كتب كانت معدة للنشر

الأحد، 27 سبتمبر 2020

"يوسي كوهين" مهندس التطبيع مع صهاينة العرب


 زيد يحيى المحبشي، مركز البحوث والمعلومات، 27 سبتمبر 2020

للموساد وقادته في ذاكرة الفلسطينيين والعرب والمسلمين، شريط أسود من جرائم قتلة لا يخجلون، ويتباهون بالقتل بأيديهم، ويتلذذون لمرأى الضحية وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، سيارة مفخخة قتلت طفلاً وأباه البطل، سائحٌ يأتي بلاد العرب والمسلمين، فيُستقبل على الرحب والسعة ثم يغادر تحت جُنح الظلام مخلفاً وراءه ضحايا من دمنا ولحمنا، علماء، وقادة، وأدباء ومفكرين.

هكذا يراه الباحث بالمعهد المصري للدراسات "رامي أحمد"، وهكذا هو واقع هذا الجهاز الأكثر بشاعة ودموية وإرهاباً في تاريخ البشرية، منذ بدأ عمله في العام 1949 تحت رئاسة السفاح "رؤوفين شيلواح"، وحتى وصول السفاح "يوسي كوهين" الى رئاسته في يناير 2016.

يعمل الموساد بصورة رئيسية في مجال المخابرات الخارجية، ويحتل المرتبة الثانية بعد وكالة المخابرات المركزية الأميركية، وله سجل أسود في تصفية المخالفين لهوى وهوية وممارسات كيانه الغاصب، والحديث عن الصندوق الأسود للموساد بحاجة الى قراءة مستقلة، وما يهمنا هنا هو فتح خزانة أسرار الرئيس الثاني عشر للموساد، "يوسي كوهين".

ولذا سنحاول في هذه القراءة والتالية استجلاء الشخصية الصهيونية الأكثر حضوراً في الإعلام خصوصاً في الأشهر الأخيرة، والأكثر اثارة في الأوساط السياسية داخل فلسطين المحتلة وعلى مستوى الإقليم والعالم، والمقرّب الأول من رئيس حكومة الكيان "بنيامين نتنياهو"، والمرشح الأوفر حظاً لخلافته في رئاسة الحكومة الصهيونية.

ترك "يوسي كوهين" الشهير بمهندس عملية التطبيع مع الإمارات والبحرين بصمات خاصة في تطوير عمل الموساد، ونقل عملياته من السرية الى العلنية، وتطعيمها بمكسرات السياسة، بما لها من مخرجات سحرية، أعطت الكيان الغاصب ما عجز عن نيله بقوة البطش والقتل والعنف والدموية، وفي عهده أصبح الموساد يتجول في الدول العربية بأريحية تامة تحت عنوان التطبيع والسلام المزعوم، بعد عقود من المقاطعة العربية.

اشتهر "كوهين" في الإعلام العبري بالجاسوس الوسيم والجاسوس رقم واحد، وعرّاب ومهندس عملية التطبيع، ويسميه العاملون معه "العبري"، ويُعرف في أروقة جهاز الموساد بـ "عارض الأزياء" و"الموديل" و"الأنيق" لحرصه على الظهور بثياب أنيقة وربطة عنق، وفي أوساط ضحاياه بالعقرب السام.

شكله الخارجي مضلل، ويمتاز بمكره ودهائه، ودقته ونشاطه، وقدراته في الممازجة بين العمل الاستخباراتي والنشاط السياسي، وقدرته الفائقة على الإقناع والاتصال ونسج العلاقات العامة، والالتزام بقواعد صارمة في تجنيد الوكلاء والجواسيس والعملاء والمخبرين.

قال عنه الكاتب الصهيوني "يوآف ليمور" في مقال له بعنوان "جبهة الموساد الجديدة" نُشر بتاريخ 11 ديسمبر 2015: مبدع، ذكي، مخادع، شجاع التفكير والعمل، تربطه علاقة حميمية مع سارة نتنياهو، والتي كان لها الفضل في وصوله الى رئاسة الموساد.

وهو تلميذ رئيس الموساد الأسبق "تامير باردو"، وصنيعة رئيس الوزراء الصهيوني الحالي "بنيامين نتنياهو"، وأحد أبر المنافسين لخلافته في رئاسة الحكومة.

 تولى "كوهين" مناصب رفيعة دون أن يُخفي "نتنياهو" أمله في أن يكون خليفته، ويتمتع بصلاحيات واسعة للتدخل في الكثير من الملفات الداخلية، وإدارة السياسة الخارجية.

يحرص "يوسي كوهين" على توظيف خبراته الاستخبارية والدبلوماسية، وظهوره الإعلامي المتكرر من أجل تهيئة البيئة الصهيونية للانتقال إلى مربع السياسة، وأداء دور سياسي في مستقبل دولة الاحتلال، خصوصاً في ظل لعبته الأبرز "عرّاباً للتطبيع" مع دول الخليج العبري، وكله أمل بأن يصبح رئيساً لوزراء الاحتلال، وحاكماً فعلياً للكيان الصهيوني، كما عبّر عن ذلك بوضوح في مقابلة صحفية نهاية العام 2019: يخبرني الناس بأنه يمكنني أن أحل مكان "نتنياهو"، بالتأكيد أرى نفسي في القيادة الإسرائيلية أيضاً في المستقبل، لكنني لم أقرر بعد.

ويُبدي "نتنياهو" تفهماً وتأييداً مبدئياً لهذه الرغبة، من خلال ترك "كوهين" يعبر عنها بحرية وأريحية، وإفساح المجال لحضوره الإعلامي، وتلميحه لجدارته السياسية مؤخراً، ومنحه صلاحيات مطلقة في صناعة السياسة الخارجية، تجاوزت وزارة الخارجية، وأفرغتها من صلاحياتها في ملفات كثيرة.

واعتبر محلل الشؤون العسكرية "يونا جيرمي بوب" في مقال بصحيفة "جيروزلم بوست" الإسرائيلية، في أبريل 2020، أن إنجازات "كوهين"، خاصة في مكافحة كورونا، إلى جانب تسريب تفاصيل عمليات أخرى قادها، وُصِفت بإنجازات هائلة، ودوره غير المعلن في مقتل قائد فيلق القدس الإيراني "قاسم سليماني"، وجهوده في فتح قنوات دبلوماسية مع دول الخليج والسودان، تمهّد له شيئاً فشيئاً لقيادة إسرائيل.

وأشار إلى أنه يتمتع بموهبة في الإقناع، وصعوده إلى قيادة إسرائيل، سيكون الصعود الأول لرجل أمني من باب الموساد، ما يضع الاستخبارات على الخريطة السياسية بطريقة جديدة.

وبرأيه، قد يكون معسكر اليمين المتطرف أكثر راحة مع تولي رئيس مخابرات سابق قيادته، مضيفاً: إذا لم يتخذ أي شخص آخر عباءة "نتنياهو" في اليمين، في هذه المرحلة، فقد يحصل "كوهين" على الفرصة.

يهندس "كوهين" بهدوء اللقاءات، ويرفع الميزانية، وينشئ وحدات جديدة، بعضها متعلق بمأسسة "التطبيع" مع الدول العربية، وينوب عن "نتنياهو" في زيارات مهمة، ويرفع تقاريره إليه مباشرة، ويُسدي له كثيراً من الخدمات الحاسمة، حتى أنه شكره على دوره المبكر في أزمة كورونا: أريد أن أشكرك، كلفتك مع وزارة الدفاع لشراء المعدات اللازمة، وقمت بذلك بشكل جيد للغاية، النتائج تتحدث عن نفسها.

وتحدثت بعض التقارير العبرية أن "نتنياهو"، في أوقات سابقة من عمر دولة الاحتلال، لم يكن مرتاحاً للتعامل مع رؤساء الموساد السابقين، خاصة "مائير داغان" و"تامير باردو"، لكنه كان مضطراً للتعامل معهما، وفقا للأعراف المؤسسية الحاكمة لموقع كل شخص في دولة الكيان، بينما نجح "يوسي كوهين" في تقديم نفسه لـ "نتنياهو"، على أنه نقيضٌ لأسلافه، في كل شيء، فقدم نفسه على أنه رجل "نتنياهو" القوي في الموساد، وحليفه الموثوق، وجزء من مشروعه السياسي، حيث يلتقي المؤسسي بالشخصي، وقدم نفسه في الموساد، باعتباره الرجل الذي يستطيع تنفيذ مصالح الدولة ونتنياهو في نفس الوقت.

ومع ذلك لا تزال هناك العديد من العقبات التي يمكن أن تؤثر على أحلامه وطموحاته السياسية الداخلية، لجهة خلافة "نتنياهو" تحديداً، منها اتهامه في العام 2016 في قضية فساد سياسي تتمحور حول انتفاعه من نفوذ رجل الأعمال الأسترالي "جيمس باكر"، المُقرّب من عائلة "نتنياهو"، كما أثار دعمه في الأشهر الأخيرة الإمارات للحصول على مقاتلات أميركية من الجيل الخامس، الكثير من علامات الاستفهام، وما إذا كان وراء ذلك رشاوى.

وهناك من يرى أن جولاته الخارجية مؤخراً لتطبيع علاقات نظامه مع بعض الدول العربية والإسلامية، بعد عقود من المقاطعة العربية والإسلامية، لا تهم الداخل الإسرائيلي، لأن الغالبية العظمى من الإسرائيليين يهمها العمل والمال والوظيفة، أكثر من التطبيع.


تطرف ديني منذ الولادة:

نشاء في أوساط العصابات "الحريدية" الدينية الأكثر تعصباً وتشدداً ودموية وعنفاً داخل فلسطين المحتلة.

مولده بحي "القطمون" من مدينة القدس المحتلة 10 سبتمبر 1961، من أبوين من أصول بولونية، أمه معلمة، ووالده من أبرز قادة ومؤسسي عصابات التنظيم الحريدي الإرهابي الشهير "إرغون" أو "إتسيل"، والذي تأسس في العام 1931 على أساس أحلام الوطن الديني الجامع، ونفذ العديد من المجازر البشعة ضد الفلسطينيين في الفترة ما بين 1931 و1948 بهدف إرغامهم على ترك أراضيهم.

وهو مُتزوج من ممرضة تعمل في مستشفى بالقدس المحتلة، وأب لأربعة أولاد، أحدهم يعاني من إعاقة جسدية، جرّاء إصابته بشلل دماغي، ورغم إعاقته يعمل ضابطاً في وحدة النخبة الإسرائيلية "Unit 8200" المكلفة بتحليل المعطيات والمعلومات الاستخباراتية السرية، ولهذه الوحدة علاقات واتفاقات تعاون مع الإمارات.

وتنتمي عائلته الى "الماسورتي"، وهي من أكثر الطوائف اليهودية تقليدية ومحافظة وتزمتاً وتطرفاً.

أنهى تعليمه الثانوي في مدرسة "أورعتسيون تشيفا" الدينية بالقدس المحتلة، ويديرها السفاح الأكثر عدائية لعرب فلسطين المحتلة الحاخام "حاييم دوركمان"، ونال شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة "بار إيلان".

قبل وصوله إلى رئاسة الموساد، كان "يوسي كوهين"، يمينياً صهيونياً كلاسيكياً، بعد الدراسة في مدرسة تلمودية، قبل تغيير مساره إلى التعليم العام، لكنه حافظ على تزمته الديني رغم مظاهر الحداثة.

نال جائزة "أمن إسرائيل" على ابتكاره طريقة - لم تُكشف طبيعتها حتى الأن - لجمع معلومات استخباراتية عميقة، من دول مجاورة، وتمريرها الى الكيان الصهيوني، دون الحاجة إلى العنصر البشري، وتسمى هذه الطريقة في القاموس العسكري بالتجسس عن بُعد، وأحدث ابتكاره اختراقاً كبيراً في الاستخبارات الإسرائيلية، لأول مرة منذ تأسيس الموساد.

ويعمل "كوهين" بمبدأ "السياسة الفعّالة ضد أهداف منتقاة تؤدي إلى تحقيقات إنجازات"، خصوصاً أن الموساد يقوم بعمليات أكثر تعقيداً وإنتشاراً، لا سيما في آسيا وأفريقيا.


38 عاما من العمل في الموساد:

شغل العديد من المناصب التنفيذية والاستخباراتية والإدارية بالموساد منذ انضمامه اليه في العام 1982، وعلى مدى 38عاما، تولى الكثير من المهام السرية، وشارك بعمليات "خطيرة" للموساد، سنتحدث عنها في القراءة التالي، وكانت له نظريات خاصة في انتقاء وصناعة الجواسيس.

أدى الخدمة العسكرية في العام 1979، وتطوع في لواء المظليين بجيش الاحتلال، قبل أن يغادره وينضم إلى جهاز المخابرات الإسرائيلية "الموساد".

التحق بصفوف الموساد وعمره لم يتجاوز 21 عاما، وعمل في إطار الوحدات العملياتية فرداً وقائداً، وتدرج وظيفياً في معظم الترقيات المتعلقة بالاستخبارات البشرية وتوظيف التكنولوجيا في أغراض جمع المعلومات، فعمل رئيساً لبعثة الموساد في أوربا، ومسؤولاً عن ملف اصطياد الجواسيس، ورئيساً لوحدة "تسومت"، المسؤولة عن تجنيد العملاء بين 2006 و2011، ورئيساً لوحدة جمع المعلومات التكنولوجية، ونائباً لرئيس الموساد ما بين 2011 و2013، وقائماً بأعمال رئيس "مديرية العمليات"، وكان يرمز له بحرف "ي""U" بسبب منع نشر الأسماء الحقيقية لمن هم في هذا المنصب.

وفي أغسطس 2013 تولى رئاسة هيئة الأمن القومي ومستشار رئيس الوزراء الصهيوني "بنيامين نتنياهو" لشؤون الأمن القومي.

وفي ديسمبر 2015 رشحه "نتنياهو" لمنصب رئيس الموساد، وفي يناير 2016 أصبح الجاسوس الأول بإسرائيل رئيساً للموساد، أحد أبرز مؤسسات الكيان الصهيوني الأمنية، خصوصاً المرتبطة بالتهديدات الخارجية التي قد يتعرض لها الكيان الغاصب، بالإضافة الى تنفيذ عمليات الاغتيالات والتجسس، والمهمات الخارجية المرتبطة بتوسيع دائرة العلاقات الدبلوماسية والعسكرية لتل أبيب.

أنشأ بعد وصوله الى رئاسة الموساد وحدة إلكترونية تضم 2000 عنصر، ليزيد عداد العاملين في الجهاز ومنتسبيه إلى أكثر من 9000 عنصر، كما أنشأ دائرة خاصة بالعلاقات العربية، وعمل على تعميق علاقة الجهاز بالمجتمع المدني، وبالأخص في مجال التكنولوجيا، ليصبح تحت قيادته بحسب صحيفة "جيروزاليم بوست" الصهيونية: "آلة قاسية تعمل في الساحة الإيرانية، وتنشط في جهود إضعاف حماس عسكرياً، وتُقنع مزيداً من الدول العربية والإفريقية بالإفصاح عن علاقتها بإسرائيل"، وذلك مقارنةً بالفترة التي تولى فيها مهمته، حينما كانت إيران تتمدد في سورية والعراق واليمن، بشكل مهدد لمعادلات الأمن الصهيونية بحسب زعم الصحيفة.

قال عنه السفاح "بنيامين نتنياهو": "كوهين" ثروة من الخبرة والإنجازات، مع قدرة مثبتة في مختلف مجالات نشاط جهاز الموساد.

انتهت ولايته الأولى في رئاسة الموساد والمحددة بخمس سنوات، في العام الجاري، غير أن رئيس حكومة العدو الصهيوني مددها لمدة عام - يونيو 2021 - قابلة للتجديد ستة أشهر أخرى – نهاية ديسمبر 2021 - وسيكون عليه بعدها البقاء 3 سنوات بعيداً عن العمل العام، كي يتمكن من المنافسة على خلافة "نتنياهو".

ويتعين عليه خلال رئاسته للموساد (2020 – 2021) انجاز العديد من الملفات، أهمها: ملف التطبيع مع الدول العربية بصورة خاصة، والدول الإسلامية ما أمكن، والتمهيد لخليفته القادم لرئاسة الموساد في ملف تحييد مخاطر تركيا التي يعتبرها أكثر تهديداً على "إسرائيل" من إيران، التي يعتبرها مجرد قوة هشة، يمكن تقويضها بالعقوبات وحظر توريد السلاح والعمليات السرية وتبادل المعلومات، عكس أنقرة التي تُمَثِل بحسب رؤيته، تهديداً ناعماً وخشناً ينبغي الاتحاد مع العرب لكبحها، حد قوله.

غير أن للواقع رأي أخر بسبب ما يربط كيانه من علاقات وثيقة مع تركيا تفوق في متانتها وقوتها وزخمها وامتيازاتها ما بين تركيا والدول العربية مجتمعة، من علاقات، بمراحل كبيرة.


التهيئة للتحالف السني الصهيوني:

يُعد رئيس الموساد الصهيوني الحالي "يوسي كوهين" من أخطر الشخصيات داخل الكيان العبري بعد "بنيامين نتنياهو"، لجهة خدمة أحلام الصهيونية في إقامة دولة إسرائيل الكبرى، ورفض خيار الدولتين لحل القضية الفلسطينية، والأكثر توافقاً وتناغماً مع سياسة "نتنياهو" في الشأن الداخلي والخارجي.

أنجز "كوهين" في الخمس سنوات الماضية من رئاسته للموساد، ما لم يستطع كيانه الغاصب تحقيقه في الستة العقود الماضية، وتحديداً على صعيد إقناع العرب للتعامل مع إسرائيل كدولة طبيعية، وتطبيع العلاقات معها على قاعدة "السلام مقابل السلام"، والإقرار بشرعيتها وبحقها في العيش بسلام مع محيطها العربي، وحقها في مواصلة عمليات الاستيطان والتهويد، وشطب حق العودة، والإقرار بالقدس بشقيها عاصمة أبدية لها، وتبييض جرائمها بحق الفلسطينيين وعرب الطوق، وتجريم عمليات المقاومة الفلسطينية ومطالب الشعب الفلسطيني المشروعة للتحرر وإقامة دولتهم المستقلة، وتجريم كل من يقف الى جانب الشعب الفلسطيني المظلوم وقضيته العادلة، وصولاً الى تحويل بوصلة العداء العربي من إسرائيل الى إيران ومحور المقاومة.

في ديسمبر 2015 قام السفاح "بنيامين نتنياهو" بترشيح "كوهين" لرئاسة الموساد بعد أن لمس فيه كاريزما غير متوافرة في قادة الموساد السابقين، مشيداً بهذا الاختيار الاكتشاف: "الموساد جهاز عملياتي واستخباراتي، وأحياناً هو يشق الطريق إلى إقامة علاقات سياسية خاصة مع دول لا علاقات رسمية معها، حين جئت لتعيين رئيس الموساد أخذت بالحسبان الجوانب الثلاثة الآنفة الذكر".

وكشف كلامه حينها جانب مهم عن حقبة جديدة من تعريف "إسرائيل" بنفسها، كدولة طبيعية في محيطها الجغرافي، بعد مساعٍ متواصلة، أدت إلى هرولة خصومها السابقين لتطبيع العلاقات معها، بل والدخول في تحالفات استراتيجية، ينسب لـ"كوهين" كثيرٌ منها.

ومنذ نشأة جهاز "الموساد" في العام 1949، تولى قيادته 11 شخصاً، لكن يظل "كوهين" أكثرهم إبداعاً، بحسب الإعلام العبري، ليس لجهة الحفاظ على العمل السري فقط، بل وفي طريقة الظهور، فالرجل يحرص دائماً على تطبيق أساسيات العلاقات العامة والذكاء الاجتماعي في لقاءاته، التي تنعكس على مظهره، فلا يخلو لقاء له من الابتسامات الواضحة والشعر المصفف والملابس الضيقة مثل الرياضيين.

في العام 2015 نجح "كوهين" في تلطيف الأجواء بين كيانه وتركيا، على خلفية مهاجمة القوات الصهيونية سفينة "مرمرة" التركية، أثناء محاولتها فك الحصار عن غزة في 2010، وتسببت في توتر العلاقات بينهما، وتوصل الى اتفاق يقضي بتخلي تركيا عن ملاحقة المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين المتهمين بارتكاب مجزرة السفينة في تركيا والخارج، والتخلي عن المطالبة برفع الحصار عن غزة، والتخلي عن مساندة حماس، وطرد ممثلها من تركيا "صلاح عروري" المتهم باختطاف وقتل ثلاثة شبان إسرائيليين في 2014، والتخطيط لهجمات ضد إسرائيل انطلاقاً من تركيا، مقابل التزام إسرائيل بتعويض أهالي ضحايا السفينة، وتزويد تركيا بالغاز الإسرائيلي.

وفي أوائل ديسمبر 2018، احتضنت أبو ظبي، لقاءاً أمنياً جمع مدير الموساد "كوهين" وقيادة استخبارات السعودية والإمارات ومصر، لمناقشة كيفية التصدي لنفوذ إيران بالمنطقة العربية، وإعادة تأهيل "بشار الأسد" بحسب موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، وتكوين تحالف "سني – صهيونية" ضد محور المقاومة.

في العامين الأخيرة كثف "كوهين" من زياراته للعديد من الدول العربية بما فيها السعودية، لإقناعها بضرورة تخفيف معارضتها لخطط كيانه الاستيطانية، وأخرها قضم 30 بالمائة مما تبقى من أراضي الضفة الغربية، وضرورة الانخراط مع كيانه في اتفاقات سلام بعيداً عن صداع القضية الفلسطينية، تمهد الأرضية لتوحد جهود التحالف السني الصهيوني لمواجهة العدو المشترك المتمثل في إيران ومحور المقاومة، وبالتالي تنضيج صفقة القرن، وجعلها المدخل الوحيد لتصفية القضية الفلسطينية نهائياً.


هندسة التطبيع:

اكتسب "كوهين" خبرة دبلوماسية خلال عمله رئيساً لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي لعدة سنوات، ارتبط خلالها بشبكة علاقات واسعة مع الإدارة الأميركية، وتولى ملف المفاوضات السرية مع البيت الأسود حول المشروع النووي الإيراني، وأٌنِيطت به مهمة رعاية وتطوير علاقات كيانه مع دول أوربية هامة، وشارك في المفاوضات السرية مع السلطة الفلسطينية، ورعاية الاتصالات السرية مع الدول العربية.

قبل المبادرة الإماراتية لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني في 13 أغسطس 2020، والتي دشنت عصراً جديداً من الانفتاح العربي والإفريقي مع الكيان الصهيوني بعد عقود من المقاطعة، كانت معظم تحركات عرّاب التطبيع العبري "كوهين"، سريةً وغير معلومة، باستثناء زيارته إلى قطر في فبراير 2020، ضمن معادلة "المال مقابل الهدوء"، التي تشرف عليها الدوحة في غزة.

ومن أبرز أنشطته السرية قبل تطبيع الإمارات: ترتيب لقاء مطول لـ "بنيامين نتنياهو" مع السلطان الراحل "قابوس بن سعيد" في مسقط عام 2018، وأخر مع رئيس المجلس الانتقالي العسكري السوداني "عبدالفتاح البرهان" في فبراير 2020.

وبعد إعلان الرئيس الأميركي "رونالد ترامب" اتفاق السلام بين الإمارات وإسرائيل، أصبح "كوهين" أكثر ظهوراً وحضوراً ونشاطاً على الساحة العربية، فمن إطراء مستشار الأمن الوطني الإماراتي "طحنون بن زايد"، عقب لقاء في أبو ظبي، إلى صور مع ملكة جمال العراق، فإقناع البحرين بتوقيع اتفاق سلام مماثل مع كيانه الغاصب، وتبشيره بانضمام السعودية والسودان إلى معسكر التطبيع قريباً، وترقبه لانضمام أربع دول عربية أخرى قبل نهاية العام الجاري.

وكشفت جائحة كورونا ما لهذا السفاح من مكانة لدى صهاينة العرب، الى درجة أن اتصالاته بنظرائه في دول الخليج العبري كانت كافية لتسريع شراء المستلزمات الطبية التي يحتاجها كيانه لمواجهة جائحة كورونا، وفي حالات أخرى اتصل بحكام الدول مباشرةً، وفقاً للنيويورك تايمز.

ويعتبر جهاز الموساد الآن عبر رئيسه الحالي "يوسي كوهين" عرّاب العلاقات مع قادة عرب الخليج ورأس حربة التطبيع، والهدف من تطور هذه العلاقات والتدرج بتظهيرها للعلن هو الدفع باتجاه التعامل مع الكيان الصهيوني كدولة طبيعية.

بعد أحداث 2011 نجح "كوهين" في تطوير آلية جديدة للتعامل مع العرب، مستفيداً من أصوله الشرقية، تقوم على ربط مصائر الأنظمة العربية بالمعلومة الأمنية الإسرائيلية عن الحاضر والمستقبل، لدرجة أنه تم تقزيم دور أجهزة المخابرات في هذه الدول وربطها بالمعلومة الإسرائيلية، وتطويع أجهزة مخابرات هذه الدول بيد "الموساد".

وبفضل ذلك أصبح الموساد من يرسم ويفكك القنابل الموقوتة في الإمارات وغيرها من دول المشرق العربي، وأسس وحدة جديدة في الموساد تختص بإدارة العلاقات مع الدول العربية، في خطوة تُهمّش دور وزارة الخارجية في إدارة علاقات الدولة العبرية الخارجية.

ونسج "كوهين" خيوط العلاقة مع صهاينة العرب على أساس مصائر الأنظمة، وأثمرت علاقات وزيارات علنية وسرية لدول لم يفصح عنها.

وحقق نجاحات كثيرة في تطوير علاقات الكيان الصهيوني مع دول عربية، منها دول الخليج المختلفة، وتمكّن من فتح آفاق جديدة لدولة الاحتلال في العالم بشكل عام.


القضية الفلسطينية:

تُوصف مواقف "كوهين" تجاه الفلسطينيين وعملية السلام بأنها متشددة ومتطابقة مع مواقف "نتنياهو".

ويصر "كوهين" على ضرورة استبدال "محمود عباس" بتلميذ الموساد "محمد دحلان" في رئاسة السلطة الفلسطينية، من أجل تحريك عملية السلام "الفلسطينية – الإسرائيلية"، وبالفعل تحدثت مصادر مؤخراً عن توجه إسرائيلي بدعم إماراتي لاستبدال عباس بدحلان.

والمشكلة هنا لا علاقة لها بـ "عباس"، بل برفض "كوهين" من الأساس قيام "دولة فلسطينية"، وهو يعلم أن ما يُقلق كيانه الغاصب ليس "عباس" المصاب منذ توليه السلطة الفلسطينية بإسهال حاد من التنازلات المهينة، بل حركات المقاومة الفلسطينية، كما عبّر عن ذلك بوضوح في أكتوبر2019: "إذا ما كان هناك أشخاص نُصَفِّيهم دون تردد فإنهم أعضاء حماس".

وهو يرى أن الأولوية المرحلية تقتضي التصدي لحزب الله وحماس وحركة الجهاد وإيران ومحور المقاومة، وضرورة أن تعمل أجهزة الأمن الإسرائيلية بالتعاون والتنسيق مع صهاينة العرب على قهرهم.


سِجل أسود:

أنجز "كوهين" منذ انضمامه للموساد مهمات متعددة؛ بينها تنفيذ سلسلة من الاغتيالات في إيران وسوريا وتونس وماليزيا ودبي، وفقاً لصحيفة "هآرتس" الصهيونية.

ويتحدث تقرير لصحيفة "الموندو" الإسبانية، بتاريخ 20 ديسمبر 2015، عن دور "كوهين" في اغتيال عدد من القيادات العربية والفلسطينية، بعد توليه منصب المسؤول عن العمليات الخاصة وتجنيد العملاء بالموساد، فضلاً عن دوره في ضرب المفاعل النووي السوري في 2007، واختفاء وموت عشرات العلماء النوويين الإيرانيين والعرب، وانتشار فيروس ستاكسنات الذي دمر جزءاً كبيراً من البرنامج النووي الإيراني، وغيرها من العمليات القذرة والمثيرة.

ونفذ في يناير 2018 أكبر عملية لسرقة وثائق مهمة تخُص الارشيف النووي الإيراني من قلب العاصمة طهران، وحصل منها على معلومات حساسة، استخدمها الموساد في إتلاف أجهزة ومواد خام، أُرسلت لإيران ضمن مشروعها النووي، بحسب الإعلام العبري.

وقال وزير خارجية أميركا "مايك بومبيو" في مارس 2018 عن هذه العملية: الموساد يعيد تعريف "الجرأة والجسارة".

كما نفذ عشرات العمليات لسرقة الأدوات الطبية، ومحاليل فحص الكورونا، والأقنعة، وأجهزة التنفس، وغيرها مما سيبقى سراً!.

وإجمالاً فقد شارك منذ تجنيده بالموساد في عشرات العمليات السرية، وقام بتجنيد مئات الجواسيس، وتجول حول العالم بعشرات جوازات السفر المزورة، وبشخصيات منتحلة، وخطط وأشرف على تنفيذ سلسلة طويلة من جرائم الاغتيالات، ضد شخصيات وقادة وعلماء ومفكرين وأدباء وفنانين وسياسيين، ..، من الوطن العربي والعالم الإسلامي وأحرار العالم، منهم على سبيل المثال لا الحصر:

1 - الأمين العام السابق لحزب الله اللبناني "عباس الموسوي" 16 يناير 1992.

2 – القائد السابق لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية "فتحي الشقاقي" 26 أكتوبر 1995.

3 - مؤسس وقائد حركة حماس الفلسطينية "أحمد ياسين" 22 مارس 2004.

4 - مؤسس وقائد حركة حماس السابق "عبدالعزيز الرنتيسي" 17 أبريل 2004.

5- العالم السوري "عزيز أسبر".

6 - المسؤول في حركة حماس "محمود المبحوح" في دبي 19 يناير 2010

7 - المهندس "فادي البطش" في ماليزيا.

8 - القيادي البارز في حزب الله اللبناني "عماد مغنية" 12 فبراير 2012.

9 - قائد لواء رفح في كتائب القسام "رائد العطار" و "محمد أبو شماله" و"محمد برهوم" 21 اغسطس 2014.

10 - عميد الاسرى العرب "سمير القِنطار" 19 ديسمبر 2015.

11 - القيادي البارز في حزب الله اللبناني "جهاد عماد مغنية" يناير 2015.

12 - الأستاذ الجامعي والمهندس في الطيران التونسي "محمد الزواري" 15 ديسمبر 2016، وهو أول تونسي يصنع طائرة استطلاع بدون طيار بتقنيات حديثة، اصبحت تستعمل في العالم بأكمله.

13 - علماء الذرة الإيرانيين "مسعود محمدي"، و"مجيد شهرياري"، و"داريوش رضائي"، و"مصطفى أحمدي روشن"، خلال عامي 2010 و 2012.

14 - رئيس منظمة التحرير الفلسطينية "ياسر عرفات" بالسم.

15 - قائد فيلق القدس الإيراني "قاسم سليماني"، بعد أن حذره في حوار صحفي: "ليعلم سليماني، أن التخلص منه ليس مستحيلا".

16 - وزيرة خارجية السويد السابقة "آنا ليند"، بسبب مواقفها الجريئة والشجاعة في التنديد بجرائم وممارسات الصهاينة بحق الفلسطينيين، وتأييدها لنضال وكفاح الفلسطينيين، وحقهم في التحرر وإقامة دولتهم المستقلة، وكانت الوحيدة بين الوزراء الأوربيين التي دعت الاتحاد الأوربي قبل اغتيالها، إلى قطع علاقاته مع إسرائيل، احتجاجاً على ممارساتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ومن أبرز الشخصيات التي يتوعد كوهين بتصفيتها مستقبلاً: خالد مشعل، والسيد حسن نصر الله.


المراجع:

1 - ويكيبيديا، يوسي كوهين.

2 - الخليج أونلاين، "عراب التطبيع".. من هو يوسي كوهين رئيس الموساد الإسرائيلي؟، 20 أغسطس 2020

3 - توفيق أبو شومر، من هو يوسي "العبري" عراب التطبيع، سما الإخبارية، 22 أغسطس 2020

4 - الجزيرة نت، يوسي كوهين .. الجاسوس رقم 1 بإسرائيل، 9 ديسمبر 2015

5 - رامي أحمد، الموساد رأس حربة إسرائيل في الجرائم والتطبيع، المعهد المصري للدراسات، 4 سبتمبر 2020

6 - داوود عودة، من هو يوسي كوهين الذي زار قطر سرا؟، العين الإخبارية، 24 فبراير 2020

7 – موقع المجد الأمني، من هو "يوسي كوهين" رئيس الموساد الجديد؟.

https://www.almajd.ps/news7029

8 – إسرائيل تخشى تركيا أكثر من إيران، 22 أغسطس 2020

https://www.watanserb.com

9- زيد يحيى المحبشي، الإمارات: الأخت الكبرى لإسرائيل، مركز البحوث والمعلومات، 24 أغسطس 2020.

10-  أحمد سلطان، قائد الموساد وعرّاب التطبيع وملك "إسرائيل" القادم.. من هو يوسي كوهين؟، نون بوست.

11 – ساندي جرجس، يوسي كوهين .. الملف السري لأخطر رجل في إسرائيل، الموجز

https://www.elmogaz.com

12 - جمال أبو النحل، الملف الأسود لجرائم الموساد الاسرائيلي، "فلسطيننا" الموقع الرسمي لحركة فتح في لبنان، 30 ديسمبر 2016.

13- من هو يوسي كوهين الذي أقنع أردوغان بالتخلي عن شروطه المبدئية؟، 20 ديسمبر 2015.

https://24.ae/article/208100

14 - موقع رصيف22، عرّاب العلاقات مع قادة عرب .. مَن هو رئيس الموساد يوسي كوهين؟، 23 يونيو 2020.

15- بي بي سي البريطانية، الموساد الاسرائيلي: تاريخ حافل بالاغتيالات والتجسس، 2 مايو 2018

الخميس، 17 سبتمبر 2020

رسالة عاجلة للذين يستثمرون التسامح لتكريس أنفسهم وخدمة مصالحهم الضيقة



 .. البروفيسور قاسم المحبشي

لايجب النظر إلى مفهوم التسامح في بعده كقيمة أخلاقية فحسب، أو مطلبا سيكولوجيا يتصل برغبة هذا الفرد أو ذلك، بوضع يده في يد صاحبه ويقول له (أنا سامحتك؛ سامحك الله) على طريقة جبر الخواطر (وعفى الله عما سلف)، أو بغرض المصالحة والتصالح مما جرى من خطأ وعداء وعنف وقتل ودماء على النمط التقليدي كما وصفه الشاعر:
إذ احتربت يوماً وسالت دماءها .. تذكرت القربى فسالت دموعها
بل يجب النظر إليه (التسامح) في بعده كحاجة وضرورة حيوية، وإستراتيجية تفرض ذاتها على الجميع بدرجة متساوية من الأهمية والقيمة والواجب دون أن تستثني أحدا من الفاعلين الاجتماعيين الراغبين في العيش المشترك في المجتمع المتعين، ولسنا بحاجة إلى التذكير هنا بمدى احتياج مجتمعاتنا العربية والاسلامية إلى فضيلة التسامح، لاسيما بعد أن شهدنا تاريخا طويلا من النزاعات الدموية والحروب الكارثية منذ منتصف القرن الماضي ..
لقد شاء لنا القدر أن نكون شاهدين على حقبة من أشد حقب التاريخ قتامه ومأساوية .. حقبة هي خليط من المتناقضات الصاخبة وخيبات الأمل المريرة ..
فما الذي جناه جيلنا منذ أكثر من نصف قرن غير تلك الدوامة المهلكة، من القلق والتوتر المفني والعبث المرهق بسبب تكرار الحالات ذاتها من الاندفاعات العمياء والأزمات والصراعات والخصومات والحروب والدماء والتدمير والدمار، من الآلام والعذابات والخوف والرعب والاغتراب، من البغضاء والحقد والغل والكراهية، من التفكك الاجتماعي والتشظي السياسي والمؤامرات والدسائس والضياع والضعف ..
لقد بتنا أشبه بسفينة تتقاذفها الأمواج وتعصف بها الرياح في كل اتجاه، ولا تلوح في الأفق البهيم بارقة أمل للنجاة بعد أن سقطت أحلامنا بالاستقلال والحرية والتقدم والعدالة والرفاه ..
وما دمنا لم نغرق بعد فإن الموقف الممكن الوحيد اليوم هو الموقف النقدي، نقد الذات، نقد الذات الفردية والذات الجمعية، ونقد التاريخ، ونقد الماضي بكل ما فيه، نقداً عقلانياً علمياً خال من الأحكام المتسرعة أو التشفي وخبث النوايا والتعصب الأعمى مع أو ضد، فالانفعالات والشهوات لا تفسر شيئاً أبداً، ومهما كان موقفنا من الماضي فإنه تاريخنا ولا جدوى من الثأر منه أو السخرية منه، بل ينبغي إدراكه على حقيقته، فالحقيقة مستقلة دائماً في آخر المطاف ..
كما أن حبنا للماضي وإجلاله لا يغيران من حقيقته شيئاً، وحينما يكون الماضي الذي يتطلب النقد ماضياً سياسياً مليئاً بالأحداث والصراعات الدموية القاتلة، فإن المهمة ستكون عسيرة وشاقة، غير أنه ليس لدينا من خيار آخر، إذا كنا نتصف بصفة البشر الذين يمتلكون العقل والحكمة، لا قطيع من الماشية، لا تدري كيف تعيش ولا تدرك بأي ذنب قتلت والى اين ينتهي بها المصير؟!
بيد أن تجليات الواقع مكرورة دائماً وليس في الإمكان المعرفة إلا ضد معرفة سابقة عن طريق تحطيم معارف أسيئ تكوينها .. وكما قال فيلسوف العلم المعاصر باشلار: "ستكون الحقيقة خطأ مصححاً أو لا تكون" .. فإذا ما عرفنا الأخطاء استطعنا تجاوزها ..
بيد أن ما يدعو إلى الأسف أننا لم نقرأ شيئاً جديرا بالقيمة والاعتبار في نقد وتقييم ماضينا القريب لاسيما بعد انقضاء فترة كافية لاسترجاع الماضي والجلوس مع الذات ونقدها نقداً فردياً وجماعياً وتاريخياً، وفضح الأخطاء وتعريتها بلا هوادة في سبيل تجاوزها في المستقبل المنشود ..
ومن المهين أن يكون سر أزمة حياتنا والتقييم الدقيق لأخطائنا وقفاً على أناس لم يولدوا بعد!!
والسؤال الذي ينتصب أمام أعيننا الآن هو: أما آن لهذا الشعب أن يستريح؟ أما آن للغة العنف والقوة والعدوان والخوف أو لغة اللاتسامح أن تخرس، لتحل محلها لغة العقل والحوار والتسامح والتصالح والتضامن والتعايش والوئام والحب والتفاهم والتآخي والسلم والسلام؛
أي لغة اللاعنف؟؟
وإذا كان الخلاص يقع في أيدينا نحن جيل مابين الجيلين، فعلاً، فإنني سأجيب على هذا السؤال الحارق بـ"نعم" ..
وتدفعني إلى قولها تلك القوة المفكرة وتلك الشجاعة المثقفة التي أحس بها متأججة الحماسة لدى بعض الشباب والشابات، النساء والرجال، ممن أعرفهم ولا أعرفهم من أبناء هذا الوطن الحبيب الخصيب، الذين لم يفقدوا إيمانهم الهادئ المستقر بالله سبحانه وتعالى ولطفه ورحمته وبالإنسان وبالقيم الانسانية السامية، من اللذين نذروا جهودهم لتنميتها في مجتمعنا المسلوب، أولئك الذين أخذوا على أنفسهم دمل جراح الروح والجسد وبعث ربيع الحياة على هذه الارض المعطاة ..
إن حاجتنا إلى السلام كحاجتنا إلى الهواء والنوم، فليس بمقدور الإنسان أن يعيش زمناً طويلاً في قلق وتوتر مستفز، في كنف الخوف والرعب والفزع، في ظل غياب شبه تام لشبكات الحماية والأمن والأمان والعدل والحرية ..
بيد أن السلام كشرط ضروري لاستمرار حياة أي جماعة إنسانية مزقتها الحروب والخصومات لا يتم من تلقاء ذاته، بل يحتاج إلى جهود جبارة من العمل والمثابر والإصرار العنيد على ترسيخ قيم التسامح والتصالح والتضامن والثقافة السلمية وأدواتها في حل النزعات والمشكلات كما أشار خبير السلام الدولي، "جين شارب" في كتابه (البدائل الحقيقية)
ف"التسامح" هو الفضيلة التي تيسر قيام التعايش الاجتماعي والسلم والسلام بين الناس، ويسهم في إحلال ثقافة النضال السلمي، ثقافة اللاعنف، محل ثقافة الحرب والعنف والقتل والتدمير والدمار، بل يمكن القول أن فضيلة التسامح هي الحد الأدنى من إمكانية العيش والتعايش المشترك في مجمع سياسي مدني مستقر قابل للنماء والتقدم والازدهار ..

واليكم الفرق بين التسامح السلبي والإيجابي:
أولا: "التسامح السلبي":
الذي يعني ترك الأمور تمشي على أعنتها دون أن يكون للمتسامحين موقفا محددا منها وهو يتساوي مع اللامبالاة والانعزال والاهمال أو غياب الاهتمام بمعنى عدم التفاعل والتعاون والتضامن الفعّال، إذ تجد فيه كل فرد من أفراد المدينة أو المجتمع أو المؤسسة العامة منشغل بأمور حياته الخاصة ويعزف عن الاهتمام بالموضوعات العامة التي يتشارك به مع غيره من أعضاء المؤسسة أو الحي أو المدينة أو المجتمع عامة، ويتصرف وكأنها لا تعنيه!
وهذا هو المستوى الأدنى من التسامح الهش الذي لا يمكن البناء عليها لأنه لايدوم على حال من الأحوال بل يظل سريع التبدل والتحول والزوال ..

ثانيا: "التسامح الإيجابي":
الذي يعني أن الفاعلين الاجتماعيين المستهدفين بالتسامح قد استشعروا الحاجة الحيوية إلى بعضهم وأن لديهم مشاعر واعية ومشتركة باهمية التعايش والاندماج في مجتمعهم ويمتلكون القناعة الراسخة بأهمية الحفاظ على سلمه وسلامته ونظامه واستقراره وتنميته وترسيخة بالتسامح الفعّال بالافعال والأقوال بوصفه قيمة اخلاقية وثقافية مقدرة خير تقدير في حياتهم المشتركة وحق من حقوق كل الإنسانية الذي تستحق التقدير والاحترام ..
وهذا النمط من التسامح لا يكون ولا ينمو إلا في مجتمع مدني منظم بالقانون والمؤسسات العامة التي يجب أن تقف على مسافة واحدة من جميع أفراد المجتمع بما يجعلهم على قناعة تامة بأنها مؤسساتهم، هم، وأن الحفاظ عليها وصيانتها وتنميتها هي مسؤوليتهم جميعا، ويستشعرون في أعماقهم الدافع والحماس للعمل والنشاط والتضامن الفعّال ..
وبذلك يمهد التسامح الشرط والمزاج العام للتضامن العضوي بين جميع أفراد المجتمع في مشروع اعادة بناء مؤسستهم السياسية الوطنية الجامعة، أي الدولة، على أسس عادلة ومستقرة جديرة بالجهد والقيمة والاعتبار ..
والافراد يأتون ويذهبوا، أما المؤسسات فهي وحدها التي يمكن أن تدوم، إذا ما وجدت من يتعهدها بالصيانة والحرص والاهتمام ..
والنَّاس هم الذين يشكلون مؤسساتهم ثم تقوم هي بتشكيلهم!، فكيف ما كانت مؤسساتهم الحاضرة يكونون في مستقبل الأيام!، ..
هذا هو التسامح المطلوب في واقع حياتنا الراهنة، انه التسامح الذي لا يعني أن على المرء أن يحب جاره بل أن يجهد في احترامه ويصون حقوقه وفقا للقاعدة الأخلاقية: "عامل الناس كما تود أن يعاملوك"! ..
على هذا النحو يمكن اعتبار "التسامح" هو الشرط الأولي لكل عيش اجتماعي مشترك ممكن ومستقر، ينتهج طريق وأساليب سلمية عقلانية رشيدة في حل مشاكله ونزاعاته التي لا سبيل الى تجاوزها، وهذا لا يتم إلا بالتفاوض والتفاهم والحوار الايجابي بين الفاعلين الاجتماعيين في سبيل تحقيق العدالة والإنصاف وتكافؤ الفرص بين جميع الفاعلين الاجتماعيين ..
هذا معناه: أن أي حوار وتفاوض وتفاهم وتنسيق لا يمكنه أن يقوم ويتحقق وينمو ويزدهر ويثمر بدون التسامح الإيجابي، الذي يرتكز على الاعتراف المتبادل بين الأطراف بالأهلية والقيمة والندية والقدرة والسلطة والنفوذ، بما يكفل لكل طرف من الأطراف قول رأيه والتعبير عما يعتقده صوابا بحرية كاملة وظروف متكافئة ..
فالتسامح هو الشرط الضروري للتعايش والعيش بسلام والتفاهم بشأن المشكلات والأزمات والنزاعات الاجتماعية التي تنشأ في سياق الحياة الاجتماعية للناس الساعيين وراء إشباع حاجاتهم وتأمين شروط حياتهم ..
ويمكن تلخيص أهم شرط من شروط التسامح الفعّال بأنه: الاعتراف بقيمة الآخر وجدارته ونديته وحقوقه المتساوية مع الجميع أعضاء المجتمع المعني، وهو نمط من أنماط العلاقة بين الذات والآخر .. يعني التقدير والاحترام وتكافؤ الفرص والعدالة والإنصاف والاعتراف، إذ أن أكبر المصائب التي يمكن أن تصيب الإنسان هو غياب التقدير والانصاف والاعتراف ..
ويمكن أن يتحمل المرء كل المصائب الخارجية مقارنة بالظلم والإهمال والاحتقار.؛ ومن هنا يعد التسامح ضرورة العيش الفعال والمشجع في الحاضر العادل الآمن المستقر، الذي يجعل من الانتقال الى المستقبل أمرا ممكنا بما يوفره من بيئة سلمية مستقرة وسليمة ومتعافية وصالحة للتضامن والتعاون والتعاضد والتراحم والتأزر وتأليب الجهود والطاقات في سبيل تأسيس المداميك الصحيحة للمجتمع الذي نريد ان نُكوِّنه، مجتمع المستقبل ودولته العادلة الآمنة المستقرة المزدهرة ..
وبهذا المعنى يكون التضامن مرتبة قائمة على التسامح الايجابي الفعال بين المتسامحين الذين ينشدون الذهاب إلى المستقبل الأفضل ..

و"التسامح" بإيجاز:
يهدف إلى إيجاد الحد الأدنى من التعايش بين الناس الذين يعيشون الحاضر وهو بذلك يختلف عن التصالح الذي يتحدث عن الماضي بكل عرجه وبجره، إذ بدون التصالح يستحيل العيش في مجتمع مستقر ..

ومعنى "التصالح":
هو تصالح المرء مع ذاته ومع تاريخه مع أهله ومع جيرانه ومع الاخرين، خصوم، منافسين، فعليين أو متخيلين، وكل ما يعتقدهم مختلفين أو مغايرين، ممن يتقاسم معهم العيش المشترك في المجتمع كضرورة لا مفر منها، إذ يستحيل أن يتعايش مجموعة من الناس في مكان وزمان ممكنيين وهم في حالة تنافر وتنازع وصراع مستمر، هذا معناه أن "التصالح" ليس هبة أو مكرمة أو أمر عابر قابل للمساومة والتوافقات والرغبات، بل هو أول شروط الحياة الإجتماعية الممكنة في حدها الأدنى، إنه شرط سابق للعيش في الحاضر، وضرورة لا مفر منها للجميع، لايعني كما يعتقد البعض "عفا الله عما سلف"، وتوافقنا واتفاقنا التنازل عن خصوماتنا التي لم تكن بإرادتنا واختيارنا ..
واعني هنا الخصومات "السياسية" و"الايديولوجية" السابقة، العنفية المتعددة بكل أنماطها وأطرافها وأثارها ..
التصالح من حيث هو قيمة اخلاقية ثقافية سيكولوجية عظيمة الأهمية، والتصالح المقصود هنا هو أن: ندرك حقيقة وضعنا وأن نفهم ونعي الأسباب العميقة والدقيقة التي أفضت بنا الى ما نحن فيه من حال ومآل فاجع ومصير كارثي، ونتعلم من اخطائنا ..
واذا كان التصالح يتصل بالماضي ومعناه فانه الشرط الضروري للتسامح الذي يعني الحاضر ويتصل بالآني الفوري الراهن الحي المباشر ..
من هنا يعد التسامح ضرورة العيش الفعال والمشجع في الحاضر العادل الآمن المستقر الذي يجعل من الانتقال الى المستقبل أمرا ممكنا، بما يوفره من بيئة سلمية مستقرة وسليمة ومتعافية، صالحة للتضامن والتعاون والتعاضد والتراحم والتأزر، وتأليب الجهود والطاقات في سبيل تأسيس المداميك للمجتمع الذي نريد أن نكونه، مجتمع المستقبل ودولته العادلة الآمنة المستقرة المزدهرة ..
وبهذا المعنى يكون التضامن، مرتبة قائمة على البناء الايجابي الفعال للعلاقات الاجتماعية بين الفاعليين باتجاه المستقبل المنشود ..
هكذا يمكن لنا فهم العلاقة الجدلية بين هذا الثالوث المتناسق والمترابط والمتشابك في علاقة عضوية وظيفية متلازمة ومتبادلة التأثير والتأثر والدعم والاسناد، اقصد التصالح والتسامح والتضامن ..