Translate

الأحد، 27 سبتمبر 2020

"يوسي كوهين" مهندس التطبيع مع صهاينة العرب


 زيد يحيى المحبشي، مركز البحوث والمعلومات، 27 سبتمبر 2020

للموساد وقادته في ذاكرة الفلسطينيين والعرب والمسلمين، شريط أسود من جرائم قتلة لا يخجلون، ويتباهون بالقتل بأيديهم، ويتلذذون لمرأى الضحية وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، سيارة مفخخة قتلت طفلاً وأباه البطل، سائحٌ يأتي بلاد العرب والمسلمين، فيُستقبل على الرحب والسعة ثم يغادر تحت جُنح الظلام مخلفاً وراءه ضحايا من دمنا ولحمنا، علماء، وقادة، وأدباء ومفكرين.

هكذا يراه الباحث بالمعهد المصري للدراسات "رامي أحمد"، وهكذا هو واقع هذا الجهاز الأكثر بشاعة ودموية وإرهاباً في تاريخ البشرية، منذ بدأ عمله في العام 1949 تحت رئاسة السفاح "رؤوفين شيلواح"، وحتى وصول السفاح "يوسي كوهين" الى رئاسته في يناير 2016.

يعمل الموساد بصورة رئيسية في مجال المخابرات الخارجية، ويحتل المرتبة الثانية بعد وكالة المخابرات المركزية الأميركية، وله سجل أسود في تصفية المخالفين لهوى وهوية وممارسات كيانه الغاصب، والحديث عن الصندوق الأسود للموساد بحاجة الى قراءة مستقلة، وما يهمنا هنا هو فتح خزانة أسرار الرئيس الثاني عشر للموساد، "يوسي كوهين".

ولذا سنحاول في هذه القراءة والتالية استجلاء الشخصية الصهيونية الأكثر حضوراً في الإعلام خصوصاً في الأشهر الأخيرة، والأكثر اثارة في الأوساط السياسية داخل فلسطين المحتلة وعلى مستوى الإقليم والعالم، والمقرّب الأول من رئيس حكومة الكيان "بنيامين نتنياهو"، والمرشح الأوفر حظاً لخلافته في رئاسة الحكومة الصهيونية.

ترك "يوسي كوهين" الشهير بمهندس عملية التطبيع مع الإمارات والبحرين بصمات خاصة في تطوير عمل الموساد، ونقل عملياته من السرية الى العلنية، وتطعيمها بمكسرات السياسة، بما لها من مخرجات سحرية، أعطت الكيان الغاصب ما عجز عن نيله بقوة البطش والقتل والعنف والدموية، وفي عهده أصبح الموساد يتجول في الدول العربية بأريحية تامة تحت عنوان التطبيع والسلام المزعوم، بعد عقود من المقاطعة العربية.

اشتهر "كوهين" في الإعلام العبري بالجاسوس الوسيم والجاسوس رقم واحد، وعرّاب ومهندس عملية التطبيع، ويسميه العاملون معه "العبري"، ويُعرف في أروقة جهاز الموساد بـ "عارض الأزياء" و"الموديل" و"الأنيق" لحرصه على الظهور بثياب أنيقة وربطة عنق، وفي أوساط ضحاياه بالعقرب السام.

شكله الخارجي مضلل، ويمتاز بمكره ودهائه، ودقته ونشاطه، وقدراته في الممازجة بين العمل الاستخباراتي والنشاط السياسي، وقدرته الفائقة على الإقناع والاتصال ونسج العلاقات العامة، والالتزام بقواعد صارمة في تجنيد الوكلاء والجواسيس والعملاء والمخبرين.

قال عنه الكاتب الصهيوني "يوآف ليمور" في مقال له بعنوان "جبهة الموساد الجديدة" نُشر بتاريخ 11 ديسمبر 2015: مبدع، ذكي، مخادع، شجاع التفكير والعمل، تربطه علاقة حميمية مع سارة نتنياهو، والتي كان لها الفضل في وصوله الى رئاسة الموساد.

وهو تلميذ رئيس الموساد الأسبق "تامير باردو"، وصنيعة رئيس الوزراء الصهيوني الحالي "بنيامين نتنياهو"، وأحد أبر المنافسين لخلافته في رئاسة الحكومة.

 تولى "كوهين" مناصب رفيعة دون أن يُخفي "نتنياهو" أمله في أن يكون خليفته، ويتمتع بصلاحيات واسعة للتدخل في الكثير من الملفات الداخلية، وإدارة السياسة الخارجية.

يحرص "يوسي كوهين" على توظيف خبراته الاستخبارية والدبلوماسية، وظهوره الإعلامي المتكرر من أجل تهيئة البيئة الصهيونية للانتقال إلى مربع السياسة، وأداء دور سياسي في مستقبل دولة الاحتلال، خصوصاً في ظل لعبته الأبرز "عرّاباً للتطبيع" مع دول الخليج العبري، وكله أمل بأن يصبح رئيساً لوزراء الاحتلال، وحاكماً فعلياً للكيان الصهيوني، كما عبّر عن ذلك بوضوح في مقابلة صحفية نهاية العام 2019: يخبرني الناس بأنه يمكنني أن أحل مكان "نتنياهو"، بالتأكيد أرى نفسي في القيادة الإسرائيلية أيضاً في المستقبل، لكنني لم أقرر بعد.

ويُبدي "نتنياهو" تفهماً وتأييداً مبدئياً لهذه الرغبة، من خلال ترك "كوهين" يعبر عنها بحرية وأريحية، وإفساح المجال لحضوره الإعلامي، وتلميحه لجدارته السياسية مؤخراً، ومنحه صلاحيات مطلقة في صناعة السياسة الخارجية، تجاوزت وزارة الخارجية، وأفرغتها من صلاحياتها في ملفات كثيرة.

واعتبر محلل الشؤون العسكرية "يونا جيرمي بوب" في مقال بصحيفة "جيروزلم بوست" الإسرائيلية، في أبريل 2020، أن إنجازات "كوهين"، خاصة في مكافحة كورونا، إلى جانب تسريب تفاصيل عمليات أخرى قادها، وُصِفت بإنجازات هائلة، ودوره غير المعلن في مقتل قائد فيلق القدس الإيراني "قاسم سليماني"، وجهوده في فتح قنوات دبلوماسية مع دول الخليج والسودان، تمهّد له شيئاً فشيئاً لقيادة إسرائيل.

وأشار إلى أنه يتمتع بموهبة في الإقناع، وصعوده إلى قيادة إسرائيل، سيكون الصعود الأول لرجل أمني من باب الموساد، ما يضع الاستخبارات على الخريطة السياسية بطريقة جديدة.

وبرأيه، قد يكون معسكر اليمين المتطرف أكثر راحة مع تولي رئيس مخابرات سابق قيادته، مضيفاً: إذا لم يتخذ أي شخص آخر عباءة "نتنياهو" في اليمين، في هذه المرحلة، فقد يحصل "كوهين" على الفرصة.

يهندس "كوهين" بهدوء اللقاءات، ويرفع الميزانية، وينشئ وحدات جديدة، بعضها متعلق بمأسسة "التطبيع" مع الدول العربية، وينوب عن "نتنياهو" في زيارات مهمة، ويرفع تقاريره إليه مباشرة، ويُسدي له كثيراً من الخدمات الحاسمة، حتى أنه شكره على دوره المبكر في أزمة كورونا: أريد أن أشكرك، كلفتك مع وزارة الدفاع لشراء المعدات اللازمة، وقمت بذلك بشكل جيد للغاية، النتائج تتحدث عن نفسها.

وتحدثت بعض التقارير العبرية أن "نتنياهو"، في أوقات سابقة من عمر دولة الاحتلال، لم يكن مرتاحاً للتعامل مع رؤساء الموساد السابقين، خاصة "مائير داغان" و"تامير باردو"، لكنه كان مضطراً للتعامل معهما، وفقا للأعراف المؤسسية الحاكمة لموقع كل شخص في دولة الكيان، بينما نجح "يوسي كوهين" في تقديم نفسه لـ "نتنياهو"، على أنه نقيضٌ لأسلافه، في كل شيء، فقدم نفسه على أنه رجل "نتنياهو" القوي في الموساد، وحليفه الموثوق، وجزء من مشروعه السياسي، حيث يلتقي المؤسسي بالشخصي، وقدم نفسه في الموساد، باعتباره الرجل الذي يستطيع تنفيذ مصالح الدولة ونتنياهو في نفس الوقت.

ومع ذلك لا تزال هناك العديد من العقبات التي يمكن أن تؤثر على أحلامه وطموحاته السياسية الداخلية، لجهة خلافة "نتنياهو" تحديداً، منها اتهامه في العام 2016 في قضية فساد سياسي تتمحور حول انتفاعه من نفوذ رجل الأعمال الأسترالي "جيمس باكر"، المُقرّب من عائلة "نتنياهو"، كما أثار دعمه في الأشهر الأخيرة الإمارات للحصول على مقاتلات أميركية من الجيل الخامس، الكثير من علامات الاستفهام، وما إذا كان وراء ذلك رشاوى.

وهناك من يرى أن جولاته الخارجية مؤخراً لتطبيع علاقات نظامه مع بعض الدول العربية والإسلامية، بعد عقود من المقاطعة العربية والإسلامية، لا تهم الداخل الإسرائيلي، لأن الغالبية العظمى من الإسرائيليين يهمها العمل والمال والوظيفة، أكثر من التطبيع.


تطرف ديني منذ الولادة:

نشاء في أوساط العصابات "الحريدية" الدينية الأكثر تعصباً وتشدداً ودموية وعنفاً داخل فلسطين المحتلة.

مولده بحي "القطمون" من مدينة القدس المحتلة 10 سبتمبر 1961، من أبوين من أصول بولونية، أمه معلمة، ووالده من أبرز قادة ومؤسسي عصابات التنظيم الحريدي الإرهابي الشهير "إرغون" أو "إتسيل"، والذي تأسس في العام 1931 على أساس أحلام الوطن الديني الجامع، ونفذ العديد من المجازر البشعة ضد الفلسطينيين في الفترة ما بين 1931 و1948 بهدف إرغامهم على ترك أراضيهم.

وهو مُتزوج من ممرضة تعمل في مستشفى بالقدس المحتلة، وأب لأربعة أولاد، أحدهم يعاني من إعاقة جسدية، جرّاء إصابته بشلل دماغي، ورغم إعاقته يعمل ضابطاً في وحدة النخبة الإسرائيلية "Unit 8200" المكلفة بتحليل المعطيات والمعلومات الاستخباراتية السرية، ولهذه الوحدة علاقات واتفاقات تعاون مع الإمارات.

وتنتمي عائلته الى "الماسورتي"، وهي من أكثر الطوائف اليهودية تقليدية ومحافظة وتزمتاً وتطرفاً.

أنهى تعليمه الثانوي في مدرسة "أورعتسيون تشيفا" الدينية بالقدس المحتلة، ويديرها السفاح الأكثر عدائية لعرب فلسطين المحتلة الحاخام "حاييم دوركمان"، ونال شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة "بار إيلان".

قبل وصوله إلى رئاسة الموساد، كان "يوسي كوهين"، يمينياً صهيونياً كلاسيكياً، بعد الدراسة في مدرسة تلمودية، قبل تغيير مساره إلى التعليم العام، لكنه حافظ على تزمته الديني رغم مظاهر الحداثة.

نال جائزة "أمن إسرائيل" على ابتكاره طريقة - لم تُكشف طبيعتها حتى الأن - لجمع معلومات استخباراتية عميقة، من دول مجاورة، وتمريرها الى الكيان الصهيوني، دون الحاجة إلى العنصر البشري، وتسمى هذه الطريقة في القاموس العسكري بالتجسس عن بُعد، وأحدث ابتكاره اختراقاً كبيراً في الاستخبارات الإسرائيلية، لأول مرة منذ تأسيس الموساد.

ويعمل "كوهين" بمبدأ "السياسة الفعّالة ضد أهداف منتقاة تؤدي إلى تحقيقات إنجازات"، خصوصاً أن الموساد يقوم بعمليات أكثر تعقيداً وإنتشاراً، لا سيما في آسيا وأفريقيا.


38 عاما من العمل في الموساد:

شغل العديد من المناصب التنفيذية والاستخباراتية والإدارية بالموساد منذ انضمامه اليه في العام 1982، وعلى مدى 38عاما، تولى الكثير من المهام السرية، وشارك بعمليات "خطيرة" للموساد، سنتحدث عنها في القراءة التالي، وكانت له نظريات خاصة في انتقاء وصناعة الجواسيس.

أدى الخدمة العسكرية في العام 1979، وتطوع في لواء المظليين بجيش الاحتلال، قبل أن يغادره وينضم إلى جهاز المخابرات الإسرائيلية "الموساد".

التحق بصفوف الموساد وعمره لم يتجاوز 21 عاما، وعمل في إطار الوحدات العملياتية فرداً وقائداً، وتدرج وظيفياً في معظم الترقيات المتعلقة بالاستخبارات البشرية وتوظيف التكنولوجيا في أغراض جمع المعلومات، فعمل رئيساً لبعثة الموساد في أوربا، ومسؤولاً عن ملف اصطياد الجواسيس، ورئيساً لوحدة "تسومت"، المسؤولة عن تجنيد العملاء بين 2006 و2011، ورئيساً لوحدة جمع المعلومات التكنولوجية، ونائباً لرئيس الموساد ما بين 2011 و2013، وقائماً بأعمال رئيس "مديرية العمليات"، وكان يرمز له بحرف "ي""U" بسبب منع نشر الأسماء الحقيقية لمن هم في هذا المنصب.

وفي أغسطس 2013 تولى رئاسة هيئة الأمن القومي ومستشار رئيس الوزراء الصهيوني "بنيامين نتنياهو" لشؤون الأمن القومي.

وفي ديسمبر 2015 رشحه "نتنياهو" لمنصب رئيس الموساد، وفي يناير 2016 أصبح الجاسوس الأول بإسرائيل رئيساً للموساد، أحد أبرز مؤسسات الكيان الصهيوني الأمنية، خصوصاً المرتبطة بالتهديدات الخارجية التي قد يتعرض لها الكيان الغاصب، بالإضافة الى تنفيذ عمليات الاغتيالات والتجسس، والمهمات الخارجية المرتبطة بتوسيع دائرة العلاقات الدبلوماسية والعسكرية لتل أبيب.

أنشأ بعد وصوله الى رئاسة الموساد وحدة إلكترونية تضم 2000 عنصر، ليزيد عداد العاملين في الجهاز ومنتسبيه إلى أكثر من 9000 عنصر، كما أنشأ دائرة خاصة بالعلاقات العربية، وعمل على تعميق علاقة الجهاز بالمجتمع المدني، وبالأخص في مجال التكنولوجيا، ليصبح تحت قيادته بحسب صحيفة "جيروزاليم بوست" الصهيونية: "آلة قاسية تعمل في الساحة الإيرانية، وتنشط في جهود إضعاف حماس عسكرياً، وتُقنع مزيداً من الدول العربية والإفريقية بالإفصاح عن علاقتها بإسرائيل"، وذلك مقارنةً بالفترة التي تولى فيها مهمته، حينما كانت إيران تتمدد في سورية والعراق واليمن، بشكل مهدد لمعادلات الأمن الصهيونية بحسب زعم الصحيفة.

قال عنه السفاح "بنيامين نتنياهو": "كوهين" ثروة من الخبرة والإنجازات، مع قدرة مثبتة في مختلف مجالات نشاط جهاز الموساد.

انتهت ولايته الأولى في رئاسة الموساد والمحددة بخمس سنوات، في العام الجاري، غير أن رئيس حكومة العدو الصهيوني مددها لمدة عام - يونيو 2021 - قابلة للتجديد ستة أشهر أخرى – نهاية ديسمبر 2021 - وسيكون عليه بعدها البقاء 3 سنوات بعيداً عن العمل العام، كي يتمكن من المنافسة على خلافة "نتنياهو".

ويتعين عليه خلال رئاسته للموساد (2020 – 2021) انجاز العديد من الملفات، أهمها: ملف التطبيع مع الدول العربية بصورة خاصة، والدول الإسلامية ما أمكن، والتمهيد لخليفته القادم لرئاسة الموساد في ملف تحييد مخاطر تركيا التي يعتبرها أكثر تهديداً على "إسرائيل" من إيران، التي يعتبرها مجرد قوة هشة، يمكن تقويضها بالعقوبات وحظر توريد السلاح والعمليات السرية وتبادل المعلومات، عكس أنقرة التي تُمَثِل بحسب رؤيته، تهديداً ناعماً وخشناً ينبغي الاتحاد مع العرب لكبحها، حد قوله.

غير أن للواقع رأي أخر بسبب ما يربط كيانه من علاقات وثيقة مع تركيا تفوق في متانتها وقوتها وزخمها وامتيازاتها ما بين تركيا والدول العربية مجتمعة، من علاقات، بمراحل كبيرة.


التهيئة للتحالف السني الصهيوني:

يُعد رئيس الموساد الصهيوني الحالي "يوسي كوهين" من أخطر الشخصيات داخل الكيان العبري بعد "بنيامين نتنياهو"، لجهة خدمة أحلام الصهيونية في إقامة دولة إسرائيل الكبرى، ورفض خيار الدولتين لحل القضية الفلسطينية، والأكثر توافقاً وتناغماً مع سياسة "نتنياهو" في الشأن الداخلي والخارجي.

أنجز "كوهين" في الخمس سنوات الماضية من رئاسته للموساد، ما لم يستطع كيانه الغاصب تحقيقه في الستة العقود الماضية، وتحديداً على صعيد إقناع العرب للتعامل مع إسرائيل كدولة طبيعية، وتطبيع العلاقات معها على قاعدة "السلام مقابل السلام"، والإقرار بشرعيتها وبحقها في العيش بسلام مع محيطها العربي، وحقها في مواصلة عمليات الاستيطان والتهويد، وشطب حق العودة، والإقرار بالقدس بشقيها عاصمة أبدية لها، وتبييض جرائمها بحق الفلسطينيين وعرب الطوق، وتجريم عمليات المقاومة الفلسطينية ومطالب الشعب الفلسطيني المشروعة للتحرر وإقامة دولتهم المستقلة، وتجريم كل من يقف الى جانب الشعب الفلسطيني المظلوم وقضيته العادلة، وصولاً الى تحويل بوصلة العداء العربي من إسرائيل الى إيران ومحور المقاومة.

في ديسمبر 2015 قام السفاح "بنيامين نتنياهو" بترشيح "كوهين" لرئاسة الموساد بعد أن لمس فيه كاريزما غير متوافرة في قادة الموساد السابقين، مشيداً بهذا الاختيار الاكتشاف: "الموساد جهاز عملياتي واستخباراتي، وأحياناً هو يشق الطريق إلى إقامة علاقات سياسية خاصة مع دول لا علاقات رسمية معها، حين جئت لتعيين رئيس الموساد أخذت بالحسبان الجوانب الثلاثة الآنفة الذكر".

وكشف كلامه حينها جانب مهم عن حقبة جديدة من تعريف "إسرائيل" بنفسها، كدولة طبيعية في محيطها الجغرافي، بعد مساعٍ متواصلة، أدت إلى هرولة خصومها السابقين لتطبيع العلاقات معها، بل والدخول في تحالفات استراتيجية، ينسب لـ"كوهين" كثيرٌ منها.

ومنذ نشأة جهاز "الموساد" في العام 1949، تولى قيادته 11 شخصاً، لكن يظل "كوهين" أكثرهم إبداعاً، بحسب الإعلام العبري، ليس لجهة الحفاظ على العمل السري فقط، بل وفي طريقة الظهور، فالرجل يحرص دائماً على تطبيق أساسيات العلاقات العامة والذكاء الاجتماعي في لقاءاته، التي تنعكس على مظهره، فلا يخلو لقاء له من الابتسامات الواضحة والشعر المصفف والملابس الضيقة مثل الرياضيين.

في العام 2015 نجح "كوهين" في تلطيف الأجواء بين كيانه وتركيا، على خلفية مهاجمة القوات الصهيونية سفينة "مرمرة" التركية، أثناء محاولتها فك الحصار عن غزة في 2010، وتسببت في توتر العلاقات بينهما، وتوصل الى اتفاق يقضي بتخلي تركيا عن ملاحقة المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين المتهمين بارتكاب مجزرة السفينة في تركيا والخارج، والتخلي عن المطالبة برفع الحصار عن غزة، والتخلي عن مساندة حماس، وطرد ممثلها من تركيا "صلاح عروري" المتهم باختطاف وقتل ثلاثة شبان إسرائيليين في 2014، والتخطيط لهجمات ضد إسرائيل انطلاقاً من تركيا، مقابل التزام إسرائيل بتعويض أهالي ضحايا السفينة، وتزويد تركيا بالغاز الإسرائيلي.

وفي أوائل ديسمبر 2018، احتضنت أبو ظبي، لقاءاً أمنياً جمع مدير الموساد "كوهين" وقيادة استخبارات السعودية والإمارات ومصر، لمناقشة كيفية التصدي لنفوذ إيران بالمنطقة العربية، وإعادة تأهيل "بشار الأسد" بحسب موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، وتكوين تحالف "سني – صهيونية" ضد محور المقاومة.

في العامين الأخيرة كثف "كوهين" من زياراته للعديد من الدول العربية بما فيها السعودية، لإقناعها بضرورة تخفيف معارضتها لخطط كيانه الاستيطانية، وأخرها قضم 30 بالمائة مما تبقى من أراضي الضفة الغربية، وضرورة الانخراط مع كيانه في اتفاقات سلام بعيداً عن صداع القضية الفلسطينية، تمهد الأرضية لتوحد جهود التحالف السني الصهيوني لمواجهة العدو المشترك المتمثل في إيران ومحور المقاومة، وبالتالي تنضيج صفقة القرن، وجعلها المدخل الوحيد لتصفية القضية الفلسطينية نهائياً.


هندسة التطبيع:

اكتسب "كوهين" خبرة دبلوماسية خلال عمله رئيساً لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي لعدة سنوات، ارتبط خلالها بشبكة علاقات واسعة مع الإدارة الأميركية، وتولى ملف المفاوضات السرية مع البيت الأسود حول المشروع النووي الإيراني، وأٌنِيطت به مهمة رعاية وتطوير علاقات كيانه مع دول أوربية هامة، وشارك في المفاوضات السرية مع السلطة الفلسطينية، ورعاية الاتصالات السرية مع الدول العربية.

قبل المبادرة الإماراتية لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني في 13 أغسطس 2020، والتي دشنت عصراً جديداً من الانفتاح العربي والإفريقي مع الكيان الصهيوني بعد عقود من المقاطعة، كانت معظم تحركات عرّاب التطبيع العبري "كوهين"، سريةً وغير معلومة، باستثناء زيارته إلى قطر في فبراير 2020، ضمن معادلة "المال مقابل الهدوء"، التي تشرف عليها الدوحة في غزة.

ومن أبرز أنشطته السرية قبل تطبيع الإمارات: ترتيب لقاء مطول لـ "بنيامين نتنياهو" مع السلطان الراحل "قابوس بن سعيد" في مسقط عام 2018، وأخر مع رئيس المجلس الانتقالي العسكري السوداني "عبدالفتاح البرهان" في فبراير 2020.

وبعد إعلان الرئيس الأميركي "رونالد ترامب" اتفاق السلام بين الإمارات وإسرائيل، أصبح "كوهين" أكثر ظهوراً وحضوراً ونشاطاً على الساحة العربية، فمن إطراء مستشار الأمن الوطني الإماراتي "طحنون بن زايد"، عقب لقاء في أبو ظبي، إلى صور مع ملكة جمال العراق، فإقناع البحرين بتوقيع اتفاق سلام مماثل مع كيانه الغاصب، وتبشيره بانضمام السعودية والسودان إلى معسكر التطبيع قريباً، وترقبه لانضمام أربع دول عربية أخرى قبل نهاية العام الجاري.

وكشفت جائحة كورونا ما لهذا السفاح من مكانة لدى صهاينة العرب، الى درجة أن اتصالاته بنظرائه في دول الخليج العبري كانت كافية لتسريع شراء المستلزمات الطبية التي يحتاجها كيانه لمواجهة جائحة كورونا، وفي حالات أخرى اتصل بحكام الدول مباشرةً، وفقاً للنيويورك تايمز.

ويعتبر جهاز الموساد الآن عبر رئيسه الحالي "يوسي كوهين" عرّاب العلاقات مع قادة عرب الخليج ورأس حربة التطبيع، والهدف من تطور هذه العلاقات والتدرج بتظهيرها للعلن هو الدفع باتجاه التعامل مع الكيان الصهيوني كدولة طبيعية.

بعد أحداث 2011 نجح "كوهين" في تطوير آلية جديدة للتعامل مع العرب، مستفيداً من أصوله الشرقية، تقوم على ربط مصائر الأنظمة العربية بالمعلومة الأمنية الإسرائيلية عن الحاضر والمستقبل، لدرجة أنه تم تقزيم دور أجهزة المخابرات في هذه الدول وربطها بالمعلومة الإسرائيلية، وتطويع أجهزة مخابرات هذه الدول بيد "الموساد".

وبفضل ذلك أصبح الموساد من يرسم ويفكك القنابل الموقوتة في الإمارات وغيرها من دول المشرق العربي، وأسس وحدة جديدة في الموساد تختص بإدارة العلاقات مع الدول العربية، في خطوة تُهمّش دور وزارة الخارجية في إدارة علاقات الدولة العبرية الخارجية.

ونسج "كوهين" خيوط العلاقة مع صهاينة العرب على أساس مصائر الأنظمة، وأثمرت علاقات وزيارات علنية وسرية لدول لم يفصح عنها.

وحقق نجاحات كثيرة في تطوير علاقات الكيان الصهيوني مع دول عربية، منها دول الخليج المختلفة، وتمكّن من فتح آفاق جديدة لدولة الاحتلال في العالم بشكل عام.


القضية الفلسطينية:

تُوصف مواقف "كوهين" تجاه الفلسطينيين وعملية السلام بأنها متشددة ومتطابقة مع مواقف "نتنياهو".

ويصر "كوهين" على ضرورة استبدال "محمود عباس" بتلميذ الموساد "محمد دحلان" في رئاسة السلطة الفلسطينية، من أجل تحريك عملية السلام "الفلسطينية – الإسرائيلية"، وبالفعل تحدثت مصادر مؤخراً عن توجه إسرائيلي بدعم إماراتي لاستبدال عباس بدحلان.

والمشكلة هنا لا علاقة لها بـ "عباس"، بل برفض "كوهين" من الأساس قيام "دولة فلسطينية"، وهو يعلم أن ما يُقلق كيانه الغاصب ليس "عباس" المصاب منذ توليه السلطة الفلسطينية بإسهال حاد من التنازلات المهينة، بل حركات المقاومة الفلسطينية، كما عبّر عن ذلك بوضوح في أكتوبر2019: "إذا ما كان هناك أشخاص نُصَفِّيهم دون تردد فإنهم أعضاء حماس".

وهو يرى أن الأولوية المرحلية تقتضي التصدي لحزب الله وحماس وحركة الجهاد وإيران ومحور المقاومة، وضرورة أن تعمل أجهزة الأمن الإسرائيلية بالتعاون والتنسيق مع صهاينة العرب على قهرهم.


سِجل أسود:

أنجز "كوهين" منذ انضمامه للموساد مهمات متعددة؛ بينها تنفيذ سلسلة من الاغتيالات في إيران وسوريا وتونس وماليزيا ودبي، وفقاً لصحيفة "هآرتس" الصهيونية.

ويتحدث تقرير لصحيفة "الموندو" الإسبانية، بتاريخ 20 ديسمبر 2015، عن دور "كوهين" في اغتيال عدد من القيادات العربية والفلسطينية، بعد توليه منصب المسؤول عن العمليات الخاصة وتجنيد العملاء بالموساد، فضلاً عن دوره في ضرب المفاعل النووي السوري في 2007، واختفاء وموت عشرات العلماء النوويين الإيرانيين والعرب، وانتشار فيروس ستاكسنات الذي دمر جزءاً كبيراً من البرنامج النووي الإيراني، وغيرها من العمليات القذرة والمثيرة.

ونفذ في يناير 2018 أكبر عملية لسرقة وثائق مهمة تخُص الارشيف النووي الإيراني من قلب العاصمة طهران، وحصل منها على معلومات حساسة، استخدمها الموساد في إتلاف أجهزة ومواد خام، أُرسلت لإيران ضمن مشروعها النووي، بحسب الإعلام العبري.

وقال وزير خارجية أميركا "مايك بومبيو" في مارس 2018 عن هذه العملية: الموساد يعيد تعريف "الجرأة والجسارة".

كما نفذ عشرات العمليات لسرقة الأدوات الطبية، ومحاليل فحص الكورونا، والأقنعة، وأجهزة التنفس، وغيرها مما سيبقى سراً!.

وإجمالاً فقد شارك منذ تجنيده بالموساد في عشرات العمليات السرية، وقام بتجنيد مئات الجواسيس، وتجول حول العالم بعشرات جوازات السفر المزورة، وبشخصيات منتحلة، وخطط وأشرف على تنفيذ سلسلة طويلة من جرائم الاغتيالات، ضد شخصيات وقادة وعلماء ومفكرين وأدباء وفنانين وسياسيين، ..، من الوطن العربي والعالم الإسلامي وأحرار العالم، منهم على سبيل المثال لا الحصر:

1 - الأمين العام السابق لحزب الله اللبناني "عباس الموسوي" 16 يناير 1992.

2 – القائد السابق لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية "فتحي الشقاقي" 26 أكتوبر 1995.

3 - مؤسس وقائد حركة حماس الفلسطينية "أحمد ياسين" 22 مارس 2004.

4 - مؤسس وقائد حركة حماس السابق "عبدالعزيز الرنتيسي" 17 أبريل 2004.

5- العالم السوري "عزيز أسبر".

6 - المسؤول في حركة حماس "محمود المبحوح" في دبي 19 يناير 2010

7 - المهندس "فادي البطش" في ماليزيا.

8 - القيادي البارز في حزب الله اللبناني "عماد مغنية" 12 فبراير 2012.

9 - قائد لواء رفح في كتائب القسام "رائد العطار" و "محمد أبو شماله" و"محمد برهوم" 21 اغسطس 2014.

10 - عميد الاسرى العرب "سمير القِنطار" 19 ديسمبر 2015.

11 - القيادي البارز في حزب الله اللبناني "جهاد عماد مغنية" يناير 2015.

12 - الأستاذ الجامعي والمهندس في الطيران التونسي "محمد الزواري" 15 ديسمبر 2016، وهو أول تونسي يصنع طائرة استطلاع بدون طيار بتقنيات حديثة، اصبحت تستعمل في العالم بأكمله.

13 - علماء الذرة الإيرانيين "مسعود محمدي"، و"مجيد شهرياري"، و"داريوش رضائي"، و"مصطفى أحمدي روشن"، خلال عامي 2010 و 2012.

14 - رئيس منظمة التحرير الفلسطينية "ياسر عرفات" بالسم.

15 - قائد فيلق القدس الإيراني "قاسم سليماني"، بعد أن حذره في حوار صحفي: "ليعلم سليماني، أن التخلص منه ليس مستحيلا".

16 - وزيرة خارجية السويد السابقة "آنا ليند"، بسبب مواقفها الجريئة والشجاعة في التنديد بجرائم وممارسات الصهاينة بحق الفلسطينيين، وتأييدها لنضال وكفاح الفلسطينيين، وحقهم في التحرر وإقامة دولتهم المستقلة، وكانت الوحيدة بين الوزراء الأوربيين التي دعت الاتحاد الأوربي قبل اغتيالها، إلى قطع علاقاته مع إسرائيل، احتجاجاً على ممارساتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ومن أبرز الشخصيات التي يتوعد كوهين بتصفيتها مستقبلاً: خالد مشعل، والسيد حسن نصر الله.


المراجع:

1 - ويكيبيديا، يوسي كوهين.

2 - الخليج أونلاين، "عراب التطبيع".. من هو يوسي كوهين رئيس الموساد الإسرائيلي؟، 20 أغسطس 2020

3 - توفيق أبو شومر، من هو يوسي "العبري" عراب التطبيع، سما الإخبارية، 22 أغسطس 2020

4 - الجزيرة نت، يوسي كوهين .. الجاسوس رقم 1 بإسرائيل، 9 ديسمبر 2015

5 - رامي أحمد، الموساد رأس حربة إسرائيل في الجرائم والتطبيع، المعهد المصري للدراسات، 4 سبتمبر 2020

6 - داوود عودة، من هو يوسي كوهين الذي زار قطر سرا؟، العين الإخبارية، 24 فبراير 2020

7 – موقع المجد الأمني، من هو "يوسي كوهين" رئيس الموساد الجديد؟.

https://www.almajd.ps/news7029

8 – إسرائيل تخشى تركيا أكثر من إيران، 22 أغسطس 2020

https://www.watanserb.com

9- زيد يحيى المحبشي، الإمارات: الأخت الكبرى لإسرائيل، مركز البحوث والمعلومات، 24 أغسطس 2020.

10-  أحمد سلطان، قائد الموساد وعرّاب التطبيع وملك "إسرائيل" القادم.. من هو يوسي كوهين؟، نون بوست.

11 – ساندي جرجس، يوسي كوهين .. الملف السري لأخطر رجل في إسرائيل، الموجز

https://www.elmogaz.com

12 - جمال أبو النحل، الملف الأسود لجرائم الموساد الاسرائيلي، "فلسطيننا" الموقع الرسمي لحركة فتح في لبنان، 30 ديسمبر 2016.

13- من هو يوسي كوهين الذي أقنع أردوغان بالتخلي عن شروطه المبدئية؟، 20 ديسمبر 2015.

https://24.ae/article/208100

14 - موقع رصيف22، عرّاب العلاقات مع قادة عرب .. مَن هو رئيس الموساد يوسي كوهين؟، 23 يونيو 2020.

15- بي بي سي البريطانية، الموساد الاسرائيلي: تاريخ حافل بالاغتيالات والتجسس، 2 مايو 2018

الخميس، 17 سبتمبر 2020

رسالة عاجلة للذين يستثمرون التسامح لتكريس أنفسهم وخدمة مصالحهم الضيقة



 .. البروفيسور قاسم المحبشي

لايجب النظر إلى مفهوم التسامح في بعده كقيمة أخلاقية فحسب، أو مطلبا سيكولوجيا يتصل برغبة هذا الفرد أو ذلك، بوضع يده في يد صاحبه ويقول له (أنا سامحتك؛ سامحك الله) على طريقة جبر الخواطر (وعفى الله عما سلف)، أو بغرض المصالحة والتصالح مما جرى من خطأ وعداء وعنف وقتل ودماء على النمط التقليدي كما وصفه الشاعر:
إذ احتربت يوماً وسالت دماءها .. تذكرت القربى فسالت دموعها
بل يجب النظر إليه (التسامح) في بعده كحاجة وضرورة حيوية، وإستراتيجية تفرض ذاتها على الجميع بدرجة متساوية من الأهمية والقيمة والواجب دون أن تستثني أحدا من الفاعلين الاجتماعيين الراغبين في العيش المشترك في المجتمع المتعين، ولسنا بحاجة إلى التذكير هنا بمدى احتياج مجتمعاتنا العربية والاسلامية إلى فضيلة التسامح، لاسيما بعد أن شهدنا تاريخا طويلا من النزاعات الدموية والحروب الكارثية منذ منتصف القرن الماضي ..
لقد شاء لنا القدر أن نكون شاهدين على حقبة من أشد حقب التاريخ قتامه ومأساوية .. حقبة هي خليط من المتناقضات الصاخبة وخيبات الأمل المريرة ..
فما الذي جناه جيلنا منذ أكثر من نصف قرن غير تلك الدوامة المهلكة، من القلق والتوتر المفني والعبث المرهق بسبب تكرار الحالات ذاتها من الاندفاعات العمياء والأزمات والصراعات والخصومات والحروب والدماء والتدمير والدمار، من الآلام والعذابات والخوف والرعب والاغتراب، من البغضاء والحقد والغل والكراهية، من التفكك الاجتماعي والتشظي السياسي والمؤامرات والدسائس والضياع والضعف ..
لقد بتنا أشبه بسفينة تتقاذفها الأمواج وتعصف بها الرياح في كل اتجاه، ولا تلوح في الأفق البهيم بارقة أمل للنجاة بعد أن سقطت أحلامنا بالاستقلال والحرية والتقدم والعدالة والرفاه ..
وما دمنا لم نغرق بعد فإن الموقف الممكن الوحيد اليوم هو الموقف النقدي، نقد الذات، نقد الذات الفردية والذات الجمعية، ونقد التاريخ، ونقد الماضي بكل ما فيه، نقداً عقلانياً علمياً خال من الأحكام المتسرعة أو التشفي وخبث النوايا والتعصب الأعمى مع أو ضد، فالانفعالات والشهوات لا تفسر شيئاً أبداً، ومهما كان موقفنا من الماضي فإنه تاريخنا ولا جدوى من الثأر منه أو السخرية منه، بل ينبغي إدراكه على حقيقته، فالحقيقة مستقلة دائماً في آخر المطاف ..
كما أن حبنا للماضي وإجلاله لا يغيران من حقيقته شيئاً، وحينما يكون الماضي الذي يتطلب النقد ماضياً سياسياً مليئاً بالأحداث والصراعات الدموية القاتلة، فإن المهمة ستكون عسيرة وشاقة، غير أنه ليس لدينا من خيار آخر، إذا كنا نتصف بصفة البشر الذين يمتلكون العقل والحكمة، لا قطيع من الماشية، لا تدري كيف تعيش ولا تدرك بأي ذنب قتلت والى اين ينتهي بها المصير؟!
بيد أن تجليات الواقع مكرورة دائماً وليس في الإمكان المعرفة إلا ضد معرفة سابقة عن طريق تحطيم معارف أسيئ تكوينها .. وكما قال فيلسوف العلم المعاصر باشلار: "ستكون الحقيقة خطأ مصححاً أو لا تكون" .. فإذا ما عرفنا الأخطاء استطعنا تجاوزها ..
بيد أن ما يدعو إلى الأسف أننا لم نقرأ شيئاً جديرا بالقيمة والاعتبار في نقد وتقييم ماضينا القريب لاسيما بعد انقضاء فترة كافية لاسترجاع الماضي والجلوس مع الذات ونقدها نقداً فردياً وجماعياً وتاريخياً، وفضح الأخطاء وتعريتها بلا هوادة في سبيل تجاوزها في المستقبل المنشود ..
ومن المهين أن يكون سر أزمة حياتنا والتقييم الدقيق لأخطائنا وقفاً على أناس لم يولدوا بعد!!
والسؤال الذي ينتصب أمام أعيننا الآن هو: أما آن لهذا الشعب أن يستريح؟ أما آن للغة العنف والقوة والعدوان والخوف أو لغة اللاتسامح أن تخرس، لتحل محلها لغة العقل والحوار والتسامح والتصالح والتضامن والتعايش والوئام والحب والتفاهم والتآخي والسلم والسلام؛
أي لغة اللاعنف؟؟
وإذا كان الخلاص يقع في أيدينا نحن جيل مابين الجيلين، فعلاً، فإنني سأجيب على هذا السؤال الحارق بـ"نعم" ..
وتدفعني إلى قولها تلك القوة المفكرة وتلك الشجاعة المثقفة التي أحس بها متأججة الحماسة لدى بعض الشباب والشابات، النساء والرجال، ممن أعرفهم ولا أعرفهم من أبناء هذا الوطن الحبيب الخصيب، الذين لم يفقدوا إيمانهم الهادئ المستقر بالله سبحانه وتعالى ولطفه ورحمته وبالإنسان وبالقيم الانسانية السامية، من اللذين نذروا جهودهم لتنميتها في مجتمعنا المسلوب، أولئك الذين أخذوا على أنفسهم دمل جراح الروح والجسد وبعث ربيع الحياة على هذه الارض المعطاة ..
إن حاجتنا إلى السلام كحاجتنا إلى الهواء والنوم، فليس بمقدور الإنسان أن يعيش زمناً طويلاً في قلق وتوتر مستفز، في كنف الخوف والرعب والفزع، في ظل غياب شبه تام لشبكات الحماية والأمن والأمان والعدل والحرية ..
بيد أن السلام كشرط ضروري لاستمرار حياة أي جماعة إنسانية مزقتها الحروب والخصومات لا يتم من تلقاء ذاته، بل يحتاج إلى جهود جبارة من العمل والمثابر والإصرار العنيد على ترسيخ قيم التسامح والتصالح والتضامن والثقافة السلمية وأدواتها في حل النزعات والمشكلات كما أشار خبير السلام الدولي، "جين شارب" في كتابه (البدائل الحقيقية)
ف"التسامح" هو الفضيلة التي تيسر قيام التعايش الاجتماعي والسلم والسلام بين الناس، ويسهم في إحلال ثقافة النضال السلمي، ثقافة اللاعنف، محل ثقافة الحرب والعنف والقتل والتدمير والدمار، بل يمكن القول أن فضيلة التسامح هي الحد الأدنى من إمكانية العيش والتعايش المشترك في مجمع سياسي مدني مستقر قابل للنماء والتقدم والازدهار ..

واليكم الفرق بين التسامح السلبي والإيجابي:
أولا: "التسامح السلبي":
الذي يعني ترك الأمور تمشي على أعنتها دون أن يكون للمتسامحين موقفا محددا منها وهو يتساوي مع اللامبالاة والانعزال والاهمال أو غياب الاهتمام بمعنى عدم التفاعل والتعاون والتضامن الفعّال، إذ تجد فيه كل فرد من أفراد المدينة أو المجتمع أو المؤسسة العامة منشغل بأمور حياته الخاصة ويعزف عن الاهتمام بالموضوعات العامة التي يتشارك به مع غيره من أعضاء المؤسسة أو الحي أو المدينة أو المجتمع عامة، ويتصرف وكأنها لا تعنيه!
وهذا هو المستوى الأدنى من التسامح الهش الذي لا يمكن البناء عليها لأنه لايدوم على حال من الأحوال بل يظل سريع التبدل والتحول والزوال ..

ثانيا: "التسامح الإيجابي":
الذي يعني أن الفاعلين الاجتماعيين المستهدفين بالتسامح قد استشعروا الحاجة الحيوية إلى بعضهم وأن لديهم مشاعر واعية ومشتركة باهمية التعايش والاندماج في مجتمعهم ويمتلكون القناعة الراسخة بأهمية الحفاظ على سلمه وسلامته ونظامه واستقراره وتنميته وترسيخة بالتسامح الفعّال بالافعال والأقوال بوصفه قيمة اخلاقية وثقافية مقدرة خير تقدير في حياتهم المشتركة وحق من حقوق كل الإنسانية الذي تستحق التقدير والاحترام ..
وهذا النمط من التسامح لا يكون ولا ينمو إلا في مجتمع مدني منظم بالقانون والمؤسسات العامة التي يجب أن تقف على مسافة واحدة من جميع أفراد المجتمع بما يجعلهم على قناعة تامة بأنها مؤسساتهم، هم، وأن الحفاظ عليها وصيانتها وتنميتها هي مسؤوليتهم جميعا، ويستشعرون في أعماقهم الدافع والحماس للعمل والنشاط والتضامن الفعّال ..
وبذلك يمهد التسامح الشرط والمزاج العام للتضامن العضوي بين جميع أفراد المجتمع في مشروع اعادة بناء مؤسستهم السياسية الوطنية الجامعة، أي الدولة، على أسس عادلة ومستقرة جديرة بالجهد والقيمة والاعتبار ..
والافراد يأتون ويذهبوا، أما المؤسسات فهي وحدها التي يمكن أن تدوم، إذا ما وجدت من يتعهدها بالصيانة والحرص والاهتمام ..
والنَّاس هم الذين يشكلون مؤسساتهم ثم تقوم هي بتشكيلهم!، فكيف ما كانت مؤسساتهم الحاضرة يكونون في مستقبل الأيام!، ..
هذا هو التسامح المطلوب في واقع حياتنا الراهنة، انه التسامح الذي لا يعني أن على المرء أن يحب جاره بل أن يجهد في احترامه ويصون حقوقه وفقا للقاعدة الأخلاقية: "عامل الناس كما تود أن يعاملوك"! ..
على هذا النحو يمكن اعتبار "التسامح" هو الشرط الأولي لكل عيش اجتماعي مشترك ممكن ومستقر، ينتهج طريق وأساليب سلمية عقلانية رشيدة في حل مشاكله ونزاعاته التي لا سبيل الى تجاوزها، وهذا لا يتم إلا بالتفاوض والتفاهم والحوار الايجابي بين الفاعلين الاجتماعيين في سبيل تحقيق العدالة والإنصاف وتكافؤ الفرص بين جميع الفاعلين الاجتماعيين ..
هذا معناه: أن أي حوار وتفاوض وتفاهم وتنسيق لا يمكنه أن يقوم ويتحقق وينمو ويزدهر ويثمر بدون التسامح الإيجابي، الذي يرتكز على الاعتراف المتبادل بين الأطراف بالأهلية والقيمة والندية والقدرة والسلطة والنفوذ، بما يكفل لكل طرف من الأطراف قول رأيه والتعبير عما يعتقده صوابا بحرية كاملة وظروف متكافئة ..
فالتسامح هو الشرط الضروري للتعايش والعيش بسلام والتفاهم بشأن المشكلات والأزمات والنزاعات الاجتماعية التي تنشأ في سياق الحياة الاجتماعية للناس الساعيين وراء إشباع حاجاتهم وتأمين شروط حياتهم ..
ويمكن تلخيص أهم شرط من شروط التسامح الفعّال بأنه: الاعتراف بقيمة الآخر وجدارته ونديته وحقوقه المتساوية مع الجميع أعضاء المجتمع المعني، وهو نمط من أنماط العلاقة بين الذات والآخر .. يعني التقدير والاحترام وتكافؤ الفرص والعدالة والإنصاف والاعتراف، إذ أن أكبر المصائب التي يمكن أن تصيب الإنسان هو غياب التقدير والانصاف والاعتراف ..
ويمكن أن يتحمل المرء كل المصائب الخارجية مقارنة بالظلم والإهمال والاحتقار.؛ ومن هنا يعد التسامح ضرورة العيش الفعال والمشجع في الحاضر العادل الآمن المستقر، الذي يجعل من الانتقال الى المستقبل أمرا ممكنا بما يوفره من بيئة سلمية مستقرة وسليمة ومتعافية وصالحة للتضامن والتعاون والتعاضد والتراحم والتأزر وتأليب الجهود والطاقات في سبيل تأسيس المداميك الصحيحة للمجتمع الذي نريد ان نُكوِّنه، مجتمع المستقبل ودولته العادلة الآمنة المستقرة المزدهرة ..
وبهذا المعنى يكون التضامن مرتبة قائمة على التسامح الايجابي الفعال بين المتسامحين الذين ينشدون الذهاب إلى المستقبل الأفضل ..

و"التسامح" بإيجاز:
يهدف إلى إيجاد الحد الأدنى من التعايش بين الناس الذين يعيشون الحاضر وهو بذلك يختلف عن التصالح الذي يتحدث عن الماضي بكل عرجه وبجره، إذ بدون التصالح يستحيل العيش في مجتمع مستقر ..

ومعنى "التصالح":
هو تصالح المرء مع ذاته ومع تاريخه مع أهله ومع جيرانه ومع الاخرين، خصوم، منافسين، فعليين أو متخيلين، وكل ما يعتقدهم مختلفين أو مغايرين، ممن يتقاسم معهم العيش المشترك في المجتمع كضرورة لا مفر منها، إذ يستحيل أن يتعايش مجموعة من الناس في مكان وزمان ممكنيين وهم في حالة تنافر وتنازع وصراع مستمر، هذا معناه أن "التصالح" ليس هبة أو مكرمة أو أمر عابر قابل للمساومة والتوافقات والرغبات، بل هو أول شروط الحياة الإجتماعية الممكنة في حدها الأدنى، إنه شرط سابق للعيش في الحاضر، وضرورة لا مفر منها للجميع، لايعني كما يعتقد البعض "عفا الله عما سلف"، وتوافقنا واتفاقنا التنازل عن خصوماتنا التي لم تكن بإرادتنا واختيارنا ..
واعني هنا الخصومات "السياسية" و"الايديولوجية" السابقة، العنفية المتعددة بكل أنماطها وأطرافها وأثارها ..
التصالح من حيث هو قيمة اخلاقية ثقافية سيكولوجية عظيمة الأهمية، والتصالح المقصود هنا هو أن: ندرك حقيقة وضعنا وأن نفهم ونعي الأسباب العميقة والدقيقة التي أفضت بنا الى ما نحن فيه من حال ومآل فاجع ومصير كارثي، ونتعلم من اخطائنا ..
واذا كان التصالح يتصل بالماضي ومعناه فانه الشرط الضروري للتسامح الذي يعني الحاضر ويتصل بالآني الفوري الراهن الحي المباشر ..
من هنا يعد التسامح ضرورة العيش الفعال والمشجع في الحاضر العادل الآمن المستقر الذي يجعل من الانتقال الى المستقبل أمرا ممكنا، بما يوفره من بيئة سلمية مستقرة وسليمة ومتعافية، صالحة للتضامن والتعاون والتعاضد والتراحم والتأزر، وتأليب الجهود والطاقات في سبيل تأسيس المداميك للمجتمع الذي نريد أن نكونه، مجتمع المستقبل ودولته العادلة الآمنة المستقرة المزدهرة ..
وبهذا المعنى يكون التضامن، مرتبة قائمة على البناء الايجابي الفعال للعلاقات الاجتماعية بين الفاعليين باتجاه المستقبل المنشود ..
هكذا يمكن لنا فهم العلاقة الجدلية بين هذا الثالوث المتناسق والمترابط والمتشابك في علاقة عضوية وظيفية متلازمة ومتبادلة التأثير والتأثر والدعم والاسناد، اقصد التصالح والتسامح والتضامن ..

الخميس، 10 سبتمبر 2020

ثورة الإمام زيد ضد إرهاب الدولة

 زيد يحيى المحبشي، 10 سبتمبر 2020

لا بُد لشجرة الحرية من دماء طاهرة زكية تُنميها، ولهذا الهدف السامي والغاية النبيلة نذر أهل بيت النبوة أنفسهم في سبيل ذات الشوكة، وعند تصفحنا التاريخ ما وجدنا أسرة كأهل هذا البيت بلغوا الغاية من شرف الأرومة، وطيب النجار، وجاهدوا في سبيل الحق، ومن أجل الذب عن بيضة الإسلام على مر العصور، ولقوا في سبيل ذلك كل أصناف القتل والتنكيل والتعذيب والتغييب في غياهيب السجون والنفي والتشريد في القفار والفيافي والأمصار، وأسالوا دمائهم في ساحات الوغى راضية قلوبهم، مطمئنة ضمائرهم، وصافحوا الموت ببسالة فائقة، وتلقوه بصبر جميل، يثير في النفس أفانين الإعجاب والإكبار والتعظيم، ويشيع فيها ألوان الاحترام والتقدير والإعظام.

وقد أسرف أعدائهم في محاربتهم، وطمس ذِكرهم ومحو فضائلهم، وأذاقوهم ضُروب النكال، وصبُّوا عليهم صنوف العذاب، ولم يرقبوا فيهم إلاً ولا ذمة، غافلين - عمداً – قوله سبحانه: "قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى".

لكن أولئك الشذاذ فهموا المودة ناراً تحرق، وسِهاماً تُمزِّق، وسيوفاً تُقَطِّع، فهتكوا حُرم الرسالة، وقتلوا أبناء النبوة بعنفٍ لا يشوبه لين، وقسوة لا تمازجها رحمة، تماماً كما يجري اليوم من قتلة الأنبياء وشذاذ الأفاق الصهاينة الأنجاس، وعبيدهم من أعراب جزيرة العرب بحق الفلسطينيين واليمنيين والبحرينيين.

وقد فَجّرت دماء قرابين آل بيت النبوة ينابيع الرحمة والمودة في قلوب الناس، وأشاعت الأسف والندم والتحسُّر في صدورهم، وملأت عليهم أقطار نفوسهم شجناً.

ورغم ذلك أسلموهم للسجّان والسيِّاف، لماذا؟.

لأن سيف الباطل مسلطٌ على رقاب الناس، ولخوف السواد الأعظم منهم على دنياهم الفانية، ولحبهم الدنيا، وكراهيتهم لموت الكرامة.

ومع ذلك أصبحت مصارع العترة الطاهرة حديثاً يُروى، وخبراً يُتناقل، وقصصاً تُقص، وحكايات يجد فيها المستضعفين إرضاءً لعواطفهم، ودواءً لمشاعرهم، وإيقاظاً لضمائرهم الحية التي ترفض الظلم وتأبى الضيم، ووقوداً لثورات التحرر من طغيان وجبروت وإرهاب أنظمة المُلك العضوض، وما نراه من صمود وبسالة اليمنيين في مواجهة الطغيان السعودي الإماراتي، ومجابهة القوى الحرة والحية لمشاريع التطبيع والتهجين، ليس سوى قبس من تلك الثورات المباركة.

فكم نحن اليوم بحاجة لإعادة التأمل في سجل ثورات أئمة الهدى، لنستلهم منها عوامل الثبات والصبر والصمود والقوة وأيقونة النصر.

في تاريخ الثورات لابُد قبل إنطلاف الثورة من تحديد الأهداف التي تسعى لتحقيقها، والمبادئ التي ترتكز عليها بما يساعدها على توحيد ولم شمل الصف الثوري والدفع به إلى العمل لتحقيق آمال وأماني وطموحات شعوبها، وأممها، بينما تفردت ثورات أئمة أهل البيت النبوي والثورات الإسلامية عموماً بأن باعثها وموجبها هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونُصرة المظلومين، وإنقاذ المستضعفين، وتحقيق إرادة شعوبهم، وأممهم، ومتطلباتها من حق، وعدل، وحرية، ومساواة، وعيش كريم، ضمن العقيدة الإسلامية، وعلى أرضية المحبة الإنسانية، والأخوة الإسلامية.

هذه هي خلاصة مبادئ أهل البيت الثورية، وخلاصة أهداف ثوراتهم، التي تضمنتها نظرياتهم في العدل، والتوحيد، والوعد والوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنبوات، ودعوا إليها في كتبهم، ورسائلهم، ونصوص بيعتهم، التي كانوا يأخذونها على متابعيهم وأنصارهم.

ومنها نعرف بداهة أن ثوراتهم كانت في عهود الظلم، والضلال، الواجب فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك لأنهم لا يؤمنون بالسلطة التي تعني التسلط والفرض، وإنما بالسلطة التي تعني القيام بالواجبات، والتحمل للمسؤوليات، ولهذا تنزهت ثوراتهم عن العنصرية، والطائفية، والقومية، والإقليمية، والمادية، وغيرها من الأفكار الجاهلية، والمادية، التي يتصارع الناس عليها اليوم.

وأن هدف كل الثائرين من آل بيت النبوة بدءاً بالحسين بن علي وإنتهاءً بالحسين بن بدر الدين، واحد، ومنهجهم واحد، وهو خيرية الأمة، ونُشدان سعادتها، وتحقيق ما يكفل لها العدل والأمن والأمان والكرامة، وتحصينها ضد وباء الخلاف والاختلاف والاختراقات الباغية لها دوائر الفتنة والاقتتال.

من أجل هذا قدَّموا قافلة كبيرة من قرابين العشق الإلهي، لتظل منارة الإسلام عالية شامخة مضيئة الكون بأنوار الرحمة المهداة إلى يوم الدين، وعملوا بكل إخلاص وتفاني من أجل تطهير المجتمع من الفساد والظلم والعبث والإرهاب السلطوي، وكلهم إستشعروا واجب النهوض والخروج بعد موت ووأد السنة المحمدية، وإطفاء الأنوار الربانية، وإحياء البدع الجبروتية والطاغوتية.

شهد شهر محرم الحرام ثورتين من ثورات أهل البيت، الأولى قادها الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب سلام الله عليه وانتهت باستشهاده بأرض كربلاء في العاشر من محرم سنة 61 هـ، والثانية رفع لوائها مجدد المائة الهجرية الأولى الإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب سلام الله عليه، وانتهت باستشهاده بأرض الكوفة في الخامس والعشرين من محرم سنة 122 هـ، وما بينهما نجحت ثورتيهما في إسقاط شرعية الأنظمة المتسلطة، وهز كيانها، وكشف زيف أوراق المتآمرين على الحق والحرية والعدالة، من طابور خامس عريض، كان وما يزال أحد أهم العوامل الهدامة والمؤرقة للأمة الإسلامية منذ بزوغ شمس الرسالة المهداة، وحتى يوم الناس.

 

من هو زيد بن علي؟

هو زيد بن علي السجاد زين العابدين بن الحسين السبط بن علي الوصي بن أبي طالب شيخ البطحاء.

مولده في المدينة المنورة سنة 75 هـ الموافق 694 م، واستشهاده بالكوفة في يوم الجمعة 25 محرم 122هـ الموافق 30 ديسمبر 739م، وعمره لم يتجاوز الـ 47 عاما.

وهو وأباءه لا يحتاجون إلى تعريف، لأنهم أشهر من الشمس في رابعة النهار.

فجده: شهيد كربلاء الحسين بن علي، سبط رسول الله وأحد سيدي شباب أهل الجنة.

وأبوه: "علي بن الحسين"، قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: ليقم سيد العابدين، فيقوم علي بن الحسين".

وأمه: جارية سندية اسمها "جيدا"، تحلت بالدين والخُلُق والأدب والحياء، اشتراها المختار بن أبي عبيدة الثقفي، وقال: ما أرى أحداً أحق بكِ من علي بن الحسين، وفي هذا أيضا يروى عن علي بن الحسين عليهما السلام أنه أصبح ذات يومٍ، فقال لأصحابه: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ليلتي هذه، فأخذ بيدي فأدخلني الجنة، فزوجني حوراء فواقعتها فعلقت، فصاح بي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي، سمّ المولود منها زيدًا، فما أن حلّ اليوم التالي حتى أرسل المختار بأم زيد.

وعندما وُلِدَ الإمام زيد، أخرجه والده إلى الناس، وهو يقول: "هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقًا".

وحين زُفّت البشرى إلى زين العابدين سلام الله عليه بهذا المولود المبارك قام فصلى ركعتين شكراً لله، ثم أخذ المصحف مستفتحاً لاختيار اسم مولوده، فخرج في أول السطر قول الله تعالى: "وفضّل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً"، فاطبقه، ثم قام وصلى ركعات، ثم فتحه، فخرج في أول السطر: "ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون"، ثم قام وركع، وأخذه للمرة الثالثة وفتحه، فخرج في أول السطر: "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم"، عندها أطبق سلام الله عليه المصحف، ودمعة عيناه، وقال: "إنا لله وإنا إليه راجعون، عُزّيتُ في هذا المولود، إنه زيد، وإنه لمن الشهداء".

تتلمذ الإمام زيد علي يد والده وشقيقه الأكبر الإمام محمد الباقر عليه السلام، وسُمي في المدينة المنورة بحليف القرآن، لكثرة خلواته التأملية مع كتاب الله، ولأنه صلوات الله عليه كان لا يأنس إلا إليه، وفي هذا يقول الإمام زيد: "خلوت بكتاب الله عز وجل أقرؤه وأتدبَّرُه ثلاث عشرة سنة".

وهو سلام الله عليه أول من ألّف في تفسير القرآن كتاباً على قُربِ عهدٍ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أسماها " تفسير غريب القرآن، فسر فيه الكلمات الغريبة في القرآن الكريم، وهو أول من جمع الحديث النبوي في مجموع واحد لعلوم شتى من فنون الفقه ومسائله وأبوابه "المجموعان الحديثي والفقهي"، ومن مؤلفاته سلام الله عليه: كتاب الإيمان، وكتاب الرد على المرجئة، وكتاب الخطب والتوحيد، وكتاب الاحتجاج في القلة والكثرة، وكتاب فضائل أمير المؤمنين، وكتاب الرسالة في إثبات الوصية، وكتاب الصفوة، وكتاب تفسير آية الفاتحة، وكتاب المناظرات، وكتاب المواعظ والحِكم، وكتاب مناسك الحج والعمرة ..ألخ.

وكان محل احترام وتقدير معاصريه من أئمة وعلماء وفضلاء أهل البيت، وكانت له مكان عالية عند أئمة المذاهب السنية الأربعة.

ومن طريف ما يروى أن الإمام زيد عليه السلام طلب من أخيه محمد الباقر عليه السلام كتاباً لجدهم الإمام علي بن أبي طالب، فنسي الباقر ذلك، وبعد مرور 13 سنة تذكر، فدفع بالكاتب الى الإمام زيد، فقال الإمام زيد: قد وجدت ما أوردت منه في القرآن، فأخذ الباقر يسأله عما في الكتاب، وهو يجيب بما فيه، رغم أنه لم يطّلع عليه من قبل، فقال الباقر سلام الله عليه: بأبي وأمي يا أخي، أنت والله نسيج وحدك – فريد عصرك -، بركة الله على أم ولدتك، لقد أنجبت حيث أتت بك شبيه آبائك عليهم السلام.

وقال الباقر عليه السلام عنه أيضاً: والله لقد أوتي أخي علم الدنيا، فسألوه، فإنه يعلم ما لا نعلم، ..، لقد أُوتي زيدٌ علينا من العلم بسطة.

وقاله عنه ابن أخيه جعفر بن محمد عليهما السلام: كان زيدٌ أفقهنا، وأقرأنا، وأوصلنا للرحم.

وقال أبو الجارود: قَدِمتُ المدينة فكلما سألت عن زيد بن علي عليهما السلام، قِيل لي ذاك حليف القرآن.

وقال سفيان الثوري: قام زيد بن علي مقام الحسين بن علي، وكان أعلم خلق الله بكتاب الله، ما ولدت النساء مثله في عصره.

وقال الإمام أبو حنيفة النعمان: شاهدت زيد بن علي كما شاهدت أهله، فما رأيتُ في زمنه أفقهَ منه، ولا أعلمَ، ولا أسرعَ جوابًا، ولا أبينَ قولاً، لقد كان منقطعَ القرين".

وقال أبو إسحاق السبيعي: لم أرَ مثل زيد بن علي أعلم، ولا أفضل، ولا أفصح، في أهل البيت.

وقال الشعبي: ما ولدت النساء أفضل من زيد بن علي، ولا أشجع، ولا أزهد.

وقال خالد بن صفوان: انتهت الفصاحة والخطابة والزهادة والعبادة من بني هاشم إلى زيد بن علي، لقد شهدته عند هشام بن عبدالملك وهو يخاطبه، وقد تضايق به مجلسه.

وقال ابن عنبه: مناقبه أجَل من أن تُحصى، وفضله أكثر من أن يوصف.

ويروى أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشّر بقائم من أهل البيت من أبناء الحسين اسمه زيد، ونظر صلى الله عليه وآله وسلم يوماً إلى زيد بن حارثة، وبكى، وقال: "المقتول في الله المصلوب من أمتي سمي هذا"، وأشار إلى زيد بن حارثة،..، ثم قال: "أُدُنُ مني يا زيد زادك الله حباً عندي فإنك سمي الحبيب من ولدي".

وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: "يقتل رجل من أهل بيتي فيُصلَبُ، لا ترى الجنة عين رأت عورته".

وكانت جماعة عند الإمام السجاد، فدعى زيداً، فكبى على وجهه – تعثر ووقع – وجعل يمسح الدم عن وجهه، ويقول: "أُعيذك بالله أن تكون المصلوب بالكُناسة، من نظر إلى عورته متعمداً، أصلى الله وجهه بالنار".

وخطب علي بن أبي طالب عليه السلام يوماً على منبر الكوفة، فذكر أشياء وفتن، حتى قال: "ثم يملك هشام تسع عشرة سنة، وتواريه أرض رصافة، رصفت عليه النار، مالي ولهشام جبار عنيد، قَاتِل ولدي الطيب المُطَيّب، لا تأخذه رأفة ولا رحمة، يُصلبُ ولدي بكناسة الكوفة، زيد في الذروة الكبرى من الدرجات العُلى، فإن يقتل زيد، فعلى سنة أبيه، ثم الوليد فرعون خبيث، شقي غير سعيد، يا له من مخلوع قتيل، فاسِقُها وليد، وكافرها يزيد، وطاغوتها أزيرق".

ومن أولاده سلام الله عليه: يحيى، وعيسى، ومحمد، والحسين، وكان يُكنى بأبي الحسين.

 

أهداف الثورة:

عايش الإمام زيد عهد دولة بني أمية، وشاهد كل جرائمها بحق الأمة الإسلامية من بث للفرقة وضرب المسلمين بعضهم ببعض، وملاحقة وقتل وتعذيب وسجن وتشريد ونفي معارضي ظلمهم وعبثهم وفسادهم، وتماديهم في المجاهرة بالمعاصي، وطمس معالم الدين، وتحريف التعاليم الإسلامية، وإقامة دولة المجون، ومحاربة بيت النبوة.

وتُبين الروايات التاريخية أن عهد الملك الأموي هشام بن عبدالملك – امتد حكمه من شوال 105 الى ربيع 125 هـ - من أكثر العهود التي برز فيها الاضطهاد، حيث شاع ما يسمى اليوم بـ "إرهاب الدولة" والتصفية الجسدية لكل القوى المعارضة للحكم الاموي، فضلا عن اقصاء التيارات الفكرية ونفيهم الى جزيرة دهلك القاحلة النائية الحارة، والتي تقع في مدخل البحر الأحمر وتتبع اليوم إرتيريا، حيث كانت مضرباً للأمثال في البعد، وممارسة الحرب النفسية ضد المعارضين، بالإضافة الى المضايقات الاقتصادية، وممارسة أساليب التجويع، وخصوصاً في البلدان التي تحب أهل بيت النبوة.

وبعد وفاة الإمام زين العابدين، وضع هشام بن عبدالملك، الإمام زيد على قائمة المستهدفين من أئمة أهل البيت باعتباره الأكثر تأهيلاً والأكثر كفاءة لقيادة المسلمين، بالتوازي مع رصد جواسيس بني أمية تحركات غير مسبوقة للشيعة في العراق وخرسان، ومعها بدأت مخاوف هشام من تواصل الشيعة مع الإمام زيد، ومبايعته بالخلافة، بما له من مكانة لدى الشيعة وأئمة المذاهب السنية الأربعة، فقرر الملك الأموي تشديد الرقابة على الإمام وشن أقذر الحروب النفسية والاقتصادية والسياسية ضده، لدفعه الى البروز والدعوة لنفسه، كي يتسنى القضاء عليه.

وجه هشام عامله على المدينة "خالد بن عبدالملك بن الحارث بن الحكم" بإثارة الفتنة والخلاف بين الإمام وبني عمومته، ودفعه لمغادرتها نحو العراق، وفي العراق صدرت التوجيهان الهامانية لوالي الكوفة "يوسف بن عمر بن محمد الثقفي" بالتضييق على الإمام ومطالبته بأموالٍ زعم أن خالد بن عبدالله القسري أودعها لديه، ولم يكن لخالد أي مال لدى الإمام، وإنما أراد إذلاله بأمر من هشام.

فلم يكن أمام الإمام سوى التوجه الى الشام لمقابلة هشام وجها لوجه، فكاشف هشام الإمام العداء وأخرجه مهاناً، فقال الإمام مقولته المشهورة: "من أحب الحياة عاش ذليلاً".

ومما ينقله الرواة دخول الإمام على هشام وفي مجلسه يهودي يسب رسول الله، فانتهره الإمام، فقال هشام: مه يا زيد لا تؤذِ جليسنا.

واتجه الإمام الى العراق، ومنها أراد العودة إلى مدينة جده رسول الله، فلحقه أهل الكوفة وأصروا عليه بالبقاء، وقالوا له: أين تخرج رحمك الله ومعك مائة ألف سيف، وأعطوه العهود والمواثيق على السمعة والطاعة، وبايعه العلماء والفقهاء، وانطوى ديوانه على 15 ألف مقاتل من أهل الكوفة فقط، عدا أهل المدائن والبصرة وواسط والموصل وخراسان والري وجرجان.

استمرت دعوة الإمام بالكوفة وأخذ البيعة والإعداد للثورة 11 شهراً، حدد خلالها أهداف ثورته بوضوح، وعلى رأسها تحرير الأمة الإسلامية من إرهاب ورُهاب وعبث وفساد دولة بني أمية، ورفع الظلم عن كاهل الناس، وإشاعة العدل بينهم، والعودة بهم الى كتاب الله وسنة رسوله، وإصلاح الحال المزري الذي وصلت إليه أمة جده رسول الله:

"أيها الناس إني أدعوكم الى كتاب الله، وسنة نبيه، وجهاد الظالمين، والدفاع عن المستضعفين، وقسم الفيئ بين أهله، ورد المظالم، ونُصرة أهل البيت على من نصب لنا الحرب، وإحياء السنن، وإماتة البدع".

"لا يسعني أن أسكت، وقد خُولِّف كتاب الله، وتٌحُوكِمَ إلى الجبت والطاغوت".

"الحمد لله الذي أكمل لي ديني، والله ما يسرني أني لقيت محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ولم آمر في أمته بمعروف، ولم أنههم عن منكر، والله ما أبالي إذا قمت بكتاب الله وسنة نبيه أنه تُأجج لي نار، ثم قُذِفت فيها، ثم صرت بعد ذلك إلى رحمة الله، والله لا ينصرني أحد إلا كان في الرفيق الأعلى، مع محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، ويحكم أما ترون هذا القرآن بين أظهركم، جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونحن بنوه، يا معاشر الفقهاء ويا أهل الحجا أنا حجة الله عليكم".

وروى عبدالله بن مسلم بن بابك، قال: خرجنا مع زيد بن علي إلي مكة فلمّا كان نصف الليل واستوت الثريا، قال: "يا بابكي أما تري هذه الثريا ما أبعدها، أترى أنّ أحداً ينالها؟".

قلت: لا.

فقال: "والله لوددتّ أنّ يدي ملصقة بها فأقع إلي الأرض، أو حيث أقع، فأتقطع، قطعة، قطعة، وأن الله أصلح بذلك أمر أُمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم".

وقال سلام الله عليه: والله لو علمت رضاء الله عزّ وجلّ، في أن أقدح لي ناراً بيدي، حتّى إذا اضطرمت رميت بنفسي فيها، لفعلت.

نعم لقد كان همه سلام الله عليه إصلاح حال أمة جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإعادتها إلى المحجة البيضاء، والشريعة الغراء، ألم يقل جده الحسين عليه السلام، من قبله:

"إن كان دين محمد لم يستقم .. إلا بقتلي فيا سيوف خُذيني".

خرج الإمام زيد على إرهاب وتسلط الدولة الأموية وجبروتها وطغيانها في ثلة من المؤمنين العارفين بحقيقة وجوبية التغيير، لا يتجاوز عددهم 500 مقاتل، وهؤلاء استطاع الأمويين شق صفهم وشراء بعضهم، وتهديد بعضهم، وتثبيط بعضهم، ولم يثبت منهم ساعة المواجهة سوى 218 مقاتل، بينما تهافت وتساقط التشكيكيين الممثلين حينها طابوراُ خامساُ بلغ زُهاء 40000 متخاذل، وفي رواية 100 ألف، بينهم للأسف نحو 5000 من الفقهاء والقراء وأهل البصائر.

ولأن الإمام زيد عليه السلام كان يدعو الى إقامة الحق وإزالة الباطل ونُصرة المظلوم، فقد جعله هذا موضع غضب الرافضة، التي تخلّت عنه في أحلك الظروف، تماماً كما هو حادثٌ اليوم من تخلي مخزي لقائمة طويلة من قادة العرب والمسلمين عن القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني المظلوم، وصمت مخزي على جرائم تحالف صهاينة العرب في اليمن.

ويالها من مفارقة مخزية بين عبيد الدنيا وعباد الله الصالحين فبعد أن أحصى ديوان الإمام زيد عليه السلام من كتبهم 100 ألف مبايع على السمعة الطاعة، لم يخلُص منهم سوى 218 إنسان، ليواجهوا 12 ألفاً من مقاتلة الطاغية الأموي هشام بن عبدالملك، وقيل 15 ألف جبار متسلط، بينهم 2300 من رماة السهام المحترفين، استقدمهم هشام من السند، ولولاهم لما تمكن الأمويين من القضاء على الإمام.

ولم تكتفِ الرافضة بالتخلي عن الإمام وقت المواجهة، بل وأطلقت العنان لألسنتها السليطة، فنسجت الأقاصيص وقدحت في إمامته، وعدم صحة خروجه، متذرعين بحجج واهية، ولا عجب فهم مجرد صدى شائه لخوارج صفين.

 

الثورة:

قال جعفر بن محمد عليهما السلام: "ضاها خروج عمي زيد، خروج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر".

حدد الإمام عليه السلام أول ليلة من شهر صفر لسنة 122 هـ، موعداً لإنطلاق شرارة الثورة، غير أن تخاذل الناس عنه، ونكثهم البيعة، وانكشاف أمر الثورة، وخروج الأمويين عليه، دفعه للخروج في 23 محرم 122 هـ، واستمرت الحرب الى 25 محرم 122 هـ، ونادى بشعار رسول الله في غزوة أُحد: "يا منصور أمت"، وكانت المعركة في حواري مسجد الكوفة، واحتجزت قوات بني أمية جمع غفير من أصحاب الإمام داخل جامع الكوفة، فأتاهم أحد قادة الإمام يسمى نصر بن خزيمة مع مجموعة من أصحابه، وادخلوا الرايات عليهم من طاقات المسجد، وصرخ فيهم نصر: "يا أهل الكوفة أخرجوا من ذل الدنيا إلى عز الأخرة"، لكن لا حياة لمن تنادي.

في 25 محرم 122 هـ أُصيب الإمام بسهم غادر في جبهته، فلما أتى الطبيب، قال: إذا خرج السهم، فاضت روح الإمام.

إبتسم الإمام بوجهه، وقال: أرحني.

وطلبه جيش الأمويين ميتاً، ورصدوا لمن يدل عليه جائزة ثمينة، قال الفقيه حُميد في "الحدائق الوردية": ولما توفي عليه السلام اختلف أصحابه في دفنه، ثم اتفقوا على أن عدلوا بنهرٍ عن مجراه، ثم حفروا له ودفنوه، وأجروا الماء على ذلك الموضع، وكان معهم في تلك الليلة غلام سندي، فلما أصبح نادى منادي يوسف بن عمر: من دل على قبر زيدٍ، كان له من المال كذا وكذا، فدلهم عليه ذلك الغلام، فاستخرجوه، وحزوا رأسه ووجهوا به إلى هشام، وصلبوا جثته بالكناسة.

و"الكُناسة"، موضعٌ في سوق الكوفة مخصصٌ للقمامة، والمفارقة العجيبة تجهيز الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام جيشه في هذا الموضع وسار به الى صفين، ومن بعده جهز الإمام الحسين بن علي جيشه بذات الموضع وسار به الى كربلاء، ما يعني أن صلب الإمام زيد في هذا الموضع لم يكن صدفة، بل هو اختيار متعمد لأهداف في غاية الوضح لمن تجرد عن داء التعصب.

بعد أن وصل رأس الإمام إلى هشام بن عبدالملك، وجه بأن يُطاف به في البلدان، حتى انتهوا به إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وطاف به جنوده في مدينة رسول الله 7 أيام، وأُمر أهل المدينة أن يتبرؤوا من الإمام علي والإمام زيد عليهما السلام، وهناك من يذهب الى أخذ رأس الإمام سراً من المدينة ونقله إلى الجامع الأعظم في مصر، ودفنه هناك، ويقال أن الأنوار ترى عليه، وما نميل إليه بقائه في البقيع.

وبقي الإمام مصلوباً سنة وأشهراً، وقيل: وأياماً، وقيل: سنتين، وقيل: أربع سنين إلى أن ظهرت رايات أبي العباس بخراسان، والمؤكد بقائه مصلوباُ إلى أيام الوليد بن يزيد بن عبدالملك – تولى الحكم في نهاية سنة 125 هـ، وفي عهده خرج الإمام يحيى بن زيد عليه السلام، فأمر الوليد واليه على الكوفة يوسف بن عمر الثقفي إنزال جسد الإمام وحرقه ووضع رماده في قواصير، ونثره في مياه الفرات، وهو يقول: والله يا أهل الكوفة لأدعنّكم تأكلونه في طعامكم وتشربونه في مائكم.

ومن كراماته سلام الله عليه بعد إستشهاده تعمد طواغيت بني أمية صلبه عارياً، فسخر الله ما يمنع من كشفه عند صلبه، فكانت العنكبوت تأتي ليلاً وتنسج خيوطها على عورته، وكانوا إذا أصبحوا هتكوا نسجها بالرماح، وفي إحدى المرات أتت امرأة مؤمنة فطرحت خمارها عليه فالتاث – إلتف وإنعقد حول منطقة العورة، فصعدوا فأزالوه، فاسترخت سرته حتى غطت عورته إلى ركبته، ما ستر جميع ذلك.

ومنها: ظهور رائحة المسك منه بعد صلبه، حتى قال رجل لآخر: أهكذا توجد رائحة المصلوبين؟.

فسمعا هاتفا يقول: هكذا توجد رائحة أبناء النبيين، الذين يقضون بالحق وبه يعدلون.

ولما كثُرت الآيات حال بقائه أحرقوه، وذروه في البحر، فاجتمع في الموضع كهيئة الهلال، قال الديلمي – مؤلف كتاب القواعد: قد رأيناه، ويراه الصديق والعدو، بلا منازع.

 

خلود الثورة:

استشهد الإمام زيد بن علي عليهما السلام في ساحة المعركة شُجاعاً حُراً، كجده الحسين بن علي عليهما السلام، لم يرضَ بالدَنِيَّة في دينه، ولم يرضَ أن يرى الباطل يرتفع، والحق والسنة تُخفَض، والشرع يُهدَم، والظلم تقوى شوكته، ولم يرضَ بإرهاق النفوس بالاستبداد، وإمراض القلوب بالبدع.

ورغم كل ما فعله بني أمية إلا أن باطلهم باء بالخسران، فقد كانت الثورة الحسينية إيذاناً بزوال الدولة الأموية السفيانية، بينما قادت ثورة حليف القرآن إلى زوال الدولة الأموية المروانية، وما بين الثورتين 61 سنة، وما بين الثورة الحسينية وهجرة رسول الله من مكة إلى المدينة المنورة 61 سنة، وفي هذا سر عظيم.

رسم لنا الإمام زيد عليه السلام كيف نكون مضطهدين، فنثور وننتصر من أجل قضية ومبدأ وثوابت راسخة، لا تزعزعها الأعاصير، ليجسد لنا ما يجب أن يكون عليه المؤمن الرسالي، راسماً لنا بأحرفٍ من نور أروع صور التفاني والغيرة والإخلاص وحب الخير لكل الناس.

وإرتقى شهيداً من أجل أن تصلنا القيم الإسلامية الأصيلة بعيداً عن التزييف والتحريف، ونحن مطالبون اليوم، أكثر من أي وقتٍ مضى بالوفاء له سلام الله عليه، من خلال نُصرة الشعب الفلسطيني المظلوم، وإلإستبسال في مقارعة المطبعين والمنبطحين، ومواجهة إمبريالية هولاكو البيت الأسود وأذنابه من صهاينة العرب.

وما يريده منا اليوم هو ما حدده عند خروجه، والمفهوم منه ضرورة العودة إلى ينابيع الإسلام، وإرتشاف عوامل القوة والنصر منها، والقيام ضد مغول العصر في جزيرة العرب، ومن سار على نهجهم من المطبعين والمنبطحين والمتاجرين بالدين وقضايا الأمة المصيرية، وكسر الأسوار اليزيدية التي أحطنا بها أنفسنا، وأن نكون يداُ واحدة وصفاً واحداً، في وجه الغزاة والمحتلين، ورفع راية العزة والكرامة، ورفض الذلة والمهانة، وتوحيد لغتنا وموقفنا ضد هولاكو البيت الأسود، وكل العملاء والخونة، لنقول لهم بلسان الواثق بالله: كفاكم ظُلماً وتجبراً وطغيانا ومتاجرة بقضايا الامة وآلامها وأحلامها.

السلام على حليف القرآن، يوم وُلِد، ويوم أُستشهد، ويوم نُبش قبره، ويوم صُلب، ويوم أُحرق وذُرّ رماده الطاهر في فرات العراق، السلام على الأرواح الطاهرة التي جددت الدين، وفتحت باب الجهاد الى يوم الدين، من أجل الحفاظ على إسلامنا، دين الرحمة والسلام.

 

المراجع:

1 –الإمام يحيى بن الحسين الهاروني، الإفادة، دار الحكمة اليمانية، الطبعة الأولى 1996.

2 - السيد العلامة أحمد بن محمد الشرفي، اللآلئ المضيئة، الجزء الأول.

3 - السيد العلامة مجدالدين بن محمد المؤيدي، التحف شرح الزلف المؤلف، الطبعة الخامسة.

4 – علي عبدالكريم الفضيل، الزيدية نظرية وتطبيق، جمعية عمال المطابع التعاونية – عمان، الطبعة الأولى 1985.

5 – يحيى الفضيل، من هم الزيدية، جمعية عمال المطابع التعاونية – عمان، الطبعة الثالثة 1981.

6 - زيد يحيى المحبشي، وقفة تأمل في ذكرى استشهاد حليف القرآن، صحيفة الأمة، العدد 235، 4 أبريل 2002 .

حليف القرآن حروف مضيئة، الأمة، العدد 293، 18 مارس 2004 .

ثورة حليف القرآن والثورة البرتقالية، صحيفة الأمة، العدد 325 ، 10 مارس 2005 .

7 – أحمد محمد الهادي، التاريخ الإسلامي، الجزء الأول، الطبعة الثانية 2011 .

الأحد، 30 أغسطس 2020

الحسين الشهادة الناطقة والكوثر المهدور

زيد يحيى المحبشي، مركز البحوث والمعلومات، 30 أغسطس 2020

حسينٌ شمعةٌ تلتفُ حولها الفراشات الباحثة عن النور، ورمحٌ طويلٌ بطول التاريخ كله تخشاه خفافيشُ الليل وحكامُ الجور.

كربلاء من مشاعل النور في طريق التحرير من ظلمات الجهل والظلم والتقاعس والتخاذل والخوف من النبس بكلمة الحق في وجوه المعربدين والمستكبرين والمستبدين.

كربلاء شهادة إدانة لكل أرض لم تتطهر بعد بدم الشهداء، وموعد لانتفاضة كل الشرفاء والأحرار ضد الفساد والمفسدين، والظلم والظالمين، والطغاة والمتجبرين في الأرض.

عاشوراء ليست ذكرى عابرة بل هي مستقبلٌ مشرقٌ، وأي شعب يستلهم قوته من روح التصدي والتحدي وبسالة المقاومة والمناصرة وشجاعة الجهاد والفداء لهو شعبٌ مكتوبٌ على جبينه الانتصار، وما نراه اليوم في اليمن من صمود واستبسال في وجه يزيدية العصر خيرُ شاهد.

عاشوراء يوم انتصار الدم على السيف، لن تكون غير ذكرى ولادتها من نطفة الدم.

لا يمر عام على عشاق الحرية إلا ويتجدد الحسين عليه السلام في صورة مشعل نورٍ يستضيئ به المظلومين والمضطهدين، وشعلة من نار تحرق جفون الظلمة، حتى كأن كل يومٍ عاشوراء، وكل أرضٍ كربلاء، وكل ثائرٍ من أجل الله زينب بنت علي، وكل شاب يخوض الجهاد القاسم بن الحسن ووهب بن عبدالله بن عُمير الكلبي، وكل شيخٍ طاعن في السن يؤيد المؤمنين حبيب بن مظاهر الأسدي، وكل قاضٍ يغطي على جرائم الحاكمين شُريح، وكل مأمورٍ ينفذ أوامر الظالمين شمر بن ذي الجوشن وعمر بن سعد بن أبي وقاص.

كربلاء مدرسة ترفدنا بالكثير من الكوادر الحسينية المؤهلة، رُهبانا في الليل، وفُرساناً في النهار، متنمرين في ذات الله، لا يخافون فيه لومة لائم.

لنعد إلى عاشوراء الطف نتتلمذ في مدرستها، ونتعلم منها كيف نموت، فنعرف بعد ذلك كيف نعيش، لأن من لا يختار طريق موته، لا يعرف طريق حياته.

قام الحسين بن علي عليهما السلام لرفع لواء معركة الإسلام ضد التزييف والتحريف، مواجهاً وضعاً استثنائياً في أمة الإسلام.

قام سلام الله عليه بعد أن انقلب كل شيئ رأساً على عقب، فإذا بالمنابر قد تحولت من مكان للإرشاد والهداية إلى وسائل للسب والشتم واللعن.

وإذا بالسيوف التي شهرها الإسلام في وجه الكفر، قد انقلبت لمواجهة أهل بيت النبوة.

وإذا بالزكاة التي هي من أجل تطهير النفوس وتزكيتها، تُصرف في شراء الضمائر.

وإذا بحكامٍ أخذوا بيعتهم بالإكراه والسيف والمال، يحكمون باسم رسول الله، وينزون على منبره.

وإذا بالأحكام الشرعية قد حُوِّرت وبُدِّلت، حسب أهواء الحكام الظلمة.

وإذا بالآمِّر بالمعروف قد سُجن، وشُريد، وقُتل.

وإذا بالآمِّر بالمنكر قد أُحسِنَ إليه وشُكِرَ ونال العطايا والهدايا ومُنح الإقطاعات الكثيرة من أموال بيت مال المسلمين بدون وجه حق، إلا أنه أيّد الظلمة، وسار تحت لوائهم، ورفع شعارهم، وتدثر بدثار.

من هنا اكتسبت ثورة الإمام الحسين بن علي عليهما السلام أهميتها في التاريخ الإسلامي، وكان الانتصار للقيم والمبادئ والمحتوى الديني الراسخ، لماذا؟.

لأنه سلام الله عليه تجرد لله، وخرج في سبيل الله، وتنازل عن كل شيئ لنيل مراضي الله، وفي سبيل هذه الرسالة النبوية الخاتمة لقافلة الرسالات السماوية، الهادية للبشرية، ولأنه امتداد للخط النبوي كان على عاتقه واجب الدفاع عن رسالة الإسلام، فقاتل من أجلها، ونال الشهادة في الأخير، ليلحق بالركب الطاهر من قرابين العشق الإلهي، وفي هذا تأكيد جلي أن الإسلام محمدي الوجود، حسيني البقاء.

الحسين عليه السلام كجسد استشهد قبل 1381 سنة، لكن كقضية ومبدأ ورسالة موجودٌ مخلّد، وثورته هي ثورة الإنسان الباحث عن النور والحرية والعدالة، وكلماته شاهدة على ذلك: "أيها الناس إني سمعت جدي رسول الله يقول : من رأى منكُم سُلطاناً جائِراً مُستحلاً لحُرم الله، ناكثاً بعَهدِه، وفي رواية بيعته، مُخالِفاً لسنّةِ رسولِ الله، يَعملُ في عبادِه بالإثمِ والعدوانِ، فلم يغِرْ، وفي رواية فلم يُغيّر ما عليهِ بقولٍ ولا بفعلٍ، كان حَقّاً على الله أن يُدخِله مَدخلَه. 

 وقد عَلمتُم أنَّ هؤلاء القومَ - ويشيرُ إلى بني أميّة وأتباعِهم - قد لَزِموا طاعةَ الشيطانِ وتَولَوا عن طاعةِ الرحمنِ، وأظهرُوا الفسادَ وعطلّوا الحدودَ واستأثَروا بالفيء، وأحَلّوا حرامَ اللَّهِ وحَرَّموا حلالَهُ، واتخذوا مال الله دِولا، وعباده خِولا،  وإنّي أحقُّ بهذا الأمر، وفي رواية وأنا أحق من غيّر".

لهذا خرج الحسين سلام الله عليه، ومن أجل هذا ثار، وضحّى، وفي سبيل الحق بذل نفسه رخيصة من أجلنا، ومن أجل إسلامنا، فعلى نهج الحسين فالنسر يا عشاق الحرية والحق.


من هو الحسين بن علي؟

جده لأمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وجده لأبيه شيخ البطحاء أبو طالب، وجدته لأمه خديجة بنت خويلد، وجدته لأبيه فاطمة بنت أسد، ووالد أمير المؤمنين ووصي خاتم الأنبياء والمرسلين علي بن أبي طالب، وأمه فاطمة الزهراء، وأخوه لأمه وأبيه الحسن السبط، وأخواته لأمه وأبيه عقيلة بني هاشم زينب الكبرى وأم كلثوم.

مولده في المدينة المنورة في 5 شعبان 4 هـ، ولما ولد أتوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فاستبشر به، وأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، وحنكه بريقه، وفي اليوم السابع، سماه حُسِيناً، وعقّ عنه بكبشٍ، وأمر أمه أن تحلق رأسه، وتتصدق بوزن شعره فضة.

كان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير، واسع الجبين، كث اللحية، واسع الصدر.

نشاء في ظل جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكان يتولى تربيته ورعايته، ولازم والده أمير المؤمنين علي، وحضر مدرسته الكبرى ما يناهز ربع قرن، واشترك مع أبيه في حروب الجمل وصفين والنهروان.

وله من الأولاد: علي السجاد وهو الناجي الوحيد من مجزرة كربلاء، وعلي الأكبر – استشهد في كربلاء – وجعفر وعبدالله، ومن البنات: سُكينة وفاطمة.

بعد استشهاد الإمام علي عليه السلام في رمضان 40 هـ، بايع شقيقه الأكبر الإمام الحسن، وعاش بعده 20 سنة كان فيها الإمام المفترض الطاعة، على رأي طائفة عظيمة من المسلمين، وسبط الرسول وريحانته، وثاني الثقلين اللذين خلّفهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الكتاب والعترة"، وسيد شباب أهل الجنة بإجماع المسلمين.

وروى عبدالله بن عباس أن النبي خرج مسافراً من المدينة، فلما كان بحرة وقف واسترجع - أي قال إنا لله وإنا إليه راجعون – ثم مر ثم وقف واسترجع أكثر من الأولى وبكى وقال: "هذا جبريل يخبرني أنها أرض كرب وبلاء، يقتل فيها الحسين سخيلتي وفرختي، وأتاني منها بتربة حمراء"، ثم دفعها إلى علي عليه السلام وقال: " إذا غلت وسالت دماً عبيطاً فقط قُتل الحسين"، ثم قال ومد يده: "يزيد لا بارك الله في يزيد، كأني أنظر إلى مصرعه ومدفنه"،.

قال: ودفع علي عليه السلام التربة إلى أم سلمة، فشدتها في طرف ثوبها.

فلما قُتل الحسين إذا بها تسيل دماً عبيطاً.

فقالت أم سلمة: اليوم أفشي سر رسول الله.

وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "يقتل ابني الحسين بظهر الكوفة، الويل لقاتله وخاذله ومن ترك نصرته"


الخروج إلى كربلاء:

خرج من المدينة بأهله وأصحابه متوجهاً إلى مكة، ممتنعاً عن بيعة يزيد، في ليلة الأحد ليومين بقيت من شهر رجب 60 هـ، وهو يتلو قوله سبحانه: "فخرج منها خائفاً يترقب، قال رب نجني من القوم الظالمين"، القصص 21.

ودخل مكة في 3 شعبان 60 هـ، ووافته كتب أهل الكوفة ووفودهم في البيعة والطاعة، حتى اجتمع لديه 12 ألف كتاب، وقال في الروضة: عن أبي العباس الحسني: وردَّ على الحسين عليه السلام زهاء 800 كتاب من أهل العراقين، ببيعة 24 ألفاً، فوجه إليهم مسلم بن عقيل بن أبي طالب، وكتب إليهم معه، وأعلمهم أنه على إثر كتابه، فلما قدم مسلم الكوفة اجتمعوا إليه فبايعوه وعاهدوه وعاقدوه وأعطوه المواثيق على النصرة والمشايعة والوفاء، ثم ما لبثوا أن نكثوا وقتلوا مسلماً.

وبلغ الإمام الحسين وهو بمكة أن يزيد بن معاوية أرسل إليه من يغتاله ولو كان متعلقا بأستار الكعبة، فقطع مناسك الحج وخرج من مكة في 8 ذي الحجة 60 هـ، بعد أن خطب فيها معلناً ثورته.

وفي اختياره سلام الله عليه يوم الترويه لمغادرة مكة إلى الكوفة وقطع مناسك الحج، رسالة واضحة للمسلمين في كل زمان ومكان مفادها في غاية الوضوح والتبيان:

"أيّ قِيمَةٍ لطوافٍ حولَ بيت الله ما دام الناس يطوفون حول قصور الطغاة والظالمين، وأيَ قيمة لتقبيل الحجر الأسود مادام الناس يقبِّلون الأيدي الملوثة بالجرائم، وأيّ قيمة لركوعٍ وسجودٍ عند مقام إبراهيم مادام الناس يركعون ويسجدون عند أقدام السلاطين، وأيّ قيمةٍ لسعيٍ وحركةٍ بين الصفا والمروة مادام الناس يعيشون الخنوع والركود، والجمود والاستسلام، والجور والضعف، وأيّ قيمةٍ لتلبيةٍ إذا كان الناس مأسورين لنداءات الطواغيت والمستكبرين، وأيّ قيمة لذكرٍ وتلاوةٍ وعبادةٍ إذا كان الناس يُمجِّدون ويعظِّمون ويؤَلِّهون الجبابرة والفراعنة".

ولما عزم الحسين عليه السلام على المسير من مكة جاءه ابن عباس ونهاه عن ذلك، وقال: يا ابن عم، إن أهل الكوفة قوم غدر قتلوا أباك، وخذلوا أخاك، وطعنوه وسلبوه وأسلموه إلى عدوه، فأبى الحسين عليه السلام وعزم على المسير.

فقال ابن عباس: إن كرهت المقام بمكة فسر إلى اليمن فإن بها عزلة، ولنا بها أنصار، وبها قلاع وشعاب، وأكتب إلى أهل الكوفة، فإن أخرجوا أميرهم وسلموها إلى نائبك، فسر إليهم، فإنك إذا سرت إليهم على هذه الحالة لم أمن عليك منهم، فإن خالفتني فاترك أولادك وأهلك هاهنا، فو الله إني خائف عليك فلم يساعده. 

وعن ابن عباس قال: إستأذنني الحسين في الخروج فقلت: لولا أن يزري ذلك بي أو بك لشبكت بيدي في رأسك، وكان الذي ردَّ عليَّ أن قال: لأن أقتل بمكان كذا أو كذا أحبَّ إليَّ من أن يستحل بي حُرم الله عز وجل ورسوله.

قال فذلك الذي سلا بنفسي عنه، ذكره في "مجمع الزوائد" قال: رواه الطبراني.

ولما أراد سلام الله عليه الخروج إلى العراق خطب أصحابه؛ فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "إن هذه الدنيا قد تنكرت وأدبر معروفها فلم يبق إلا صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى، ألا ترون أن الحق لا يعمل به، وأن الباطل لا ينهى عنه، ليرغب المرء في لقاء ربه فإني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا شقاوة".

فقام إليه زهير بن القين العجلي، فقال: قد سمعت مقالتك هديت، ولو كانت الدنيا باقية وكنا مخلدين فيها، وكان الخروج منها مواساتك ونصرتك لاخترنا الخروج منها معك على الإقامة فيها، فجزاه الحسين بن علي عليهما السلام خيراً، ثم قال: سأمضي وما بالموت عار على الفتى .. إذا ما نوى حقاً وجاهد مسلما

وواسى الرجال الصالحين بنفسه .. وفارق مثبوراً وجاهد مجرما

فإن عشت لم أندم وإن مت لم أُلم .. كفى بك داءاً أن تعيش وترغما

دخل الإمام الحسين العراق في طريقه إلى الكوفة، ولازمه مبعوث من زياد، هو الحر بن يزيد الرياحي – في وسط المعركة راجع الحر نفسه وانضم إلى الحسين واستشهد معه - حتى أورده كربلاء في 2 محرم 61 هـ، وما أن حط رحاله حتى أخذت جيوش بن زياد تتلاحق، حتى بلغت 30 ألفاً، وقيل 100 ألف.

وعندما وصل الإمام أرض كربلاء، قال: "في أي موضع نحن؟"

قالوا: بكربلاء.

قال: "كرب والله وبلاء، هاهنا مناخ ركابنا ومهراق دمائنا".

عبّأ الإمام الحسين بن علي عليه السلام في صبيحة يوم الجمعة العاشر من محرم أصحابه, وقد كانوا 32 فارساً و40 راجلاً، فجعل زُهير بن القين على ميمنة أصحابه، وحبيب بن مظاهر على ميسرة أصحابه، وأعطى رايته العباس أخاه، وجعل البيوت في ظهورهم، وأمر بحطب وقصب كان وراء البيوت أن يترك خندقاً قد حُفر هناك. 

وجعل عمر بن سعد على ميمنته عمرو بن الحجّاج، وعلى الميسرة شمر بن ذي الجوشن (شرحبيل بن عمرو العامري), وعلى الخيل عزرة بن قيس الأحمسي, وعلى الرجّالة شبث بن ربعي الرياحي, وأعطى الراية دريداً مولاه. 

وفي هذا الوقت قام الحسين يعرّف نفسه للحاضرين ويقيم عليهم الحجة؛ فقال بأعلى صوته: هل يصلح لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيكم، وابن وصيه، وابن عمه, وأول المؤمنين المصدّقين لرسول الله بما جاء به من عند ربه؟!... أولم يبلغكم قول رسول الله لي ولأخي: "هذان سيِّدا شباب أهل الجنة"؟، ..، فإن كنتم في شك من هذا القول أفتشكون أنَّي ابن بنت نبيكم؟ فو الله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبيٍ غيري فيكم ولا في غيركم, أنا ابن بنت نبيكم خاصة. 

وعن الإمام زيد بن علي عن أبيه عليهما السلام، أن الحسين بن علي عليهما السلام خطب أصحابه، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أيها الناس، خُط الموت على بني آدم كخط القلادة على جيد الفتاة، ما أولعني بالشوق إلى أسلافي، اشتياق يعقوب عليه السلام إلى يوسف وأخيه، وإن لي لمصرعاً أنا لاقيه كأني أنظر إلى أوصالي يقطعها وحوش الفلوات غبرا وعفراص، قد ملأت مني أكراشها، رضى الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ليوفينا أجور الصابرين، لن تشذ عن رسول الله حرمته وعترته، ولن تفارقه أعضاؤه، وهي مجموعة في حضيرة القدس تقر بهم عينه وينجز لهم عدته، من كان فينا باذل مهجته فليرحل، فإني راحل غدا إن شاء الله"، ثم نهض إلى عدوه. 

وقام الحسين عليه السلام، في مقابلة جيش عمر بن سعد بن أبي وقاص، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال: "تباً لكم أيتها الجماعة وترحا، أفحين استصرختمونا ولهين متحيرين، فأصرخناكم موجفين مستعدين، سللتم علينا سيفا في رقابنا، ..، فهلا لكم الويلات تجهمتمونا والسيف لم يشهر والجأش طامن، والرأي لم يستخف، ولكن أسرعتم إلينا كطيرة الذباب، وتداعيتم تداعي الفراش، فقُبحاً لكم فإنما أنتم من طواغيت الأمة، وشذاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ونفثة الشيطان، وعصبة الآثام، ومحرفي الكتاب، ومطفئي السنن، وقتلة أولاد الأنبياء، ومبيدي عترة الأوصياء، وملحقي العهار بالنسب، ومؤذي المؤمنين وصراخ أئمة المستهزئين، الذين جعلوا القرآن عضين، وأنتم ابن حرب وأشياعه تعتمدون، وإيانا تحاربون، ..، ألا لعنة الله على الناكثين الذين ينقضون الأيمان بعد توكيدها، وقد جعلتم الله عليكم كفيلا، وأنتم والله، هم، ألا إن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين القتلة والذلة وهيهات منا أخذ الدنية، أبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون، وخدود طابت، وحجور طهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية لا تؤثر مصارع اللئام على مصارع الكرام، ألا قد أعذرت وأنذرت ألا إني زاحف بهذه الأسرة على قتلة العتاد وخذلة الأصحاب . 

وأخبر الحسين صلوات الله عليه من حضر قتله من فراعنة الأمة بما عهد إليه الوصي في خطبة طويلة، وأنبأهم بما يلاقون بعد قتله من أصناف العذاب، وأن الله سينتقم منهم، بتسليط غلام ثقيف، وغيره من الجبابرة . 

ولم يبق أحد ممن حضر قتل الحسين عليه السلام إلا وعجل الله له العذاب في الدنيا، فمنهم من أحرق بالنار، ومنهم من أخذه الجذام، ومنهم من استهواه الجنون، ولم يخرج أحد منهم من الدنيا إلا وقد شهر الله عقوبته على رؤوس الخلائق.

وروي في صفة قتل الحسين عليه السلام أن حصين بن تميم رماه بسهم فوقع في شقه وجاء وقت صلاة الظهر فصلى بأصحابه صلاة الخوف، فتكالبوا عليهم فتشدد الحسين ولبس سراويلاً ضيقاً فأعجلوه، ثم ضربه الحصين بن تميم على رأسه بالسيف فسقط، وشاركه شمر بن ذي الجوشن، وكان أبرص، وقتله سنان بن أنس بن عمرو النخعي، وحز رأسه خولي بن يزيد الحميري الأصبحي، ومكث رأس الحسين في خزائن بني أمية إلى عهد سليمان بن عبدالملك.

وقتل من آل أبي طالب ستة عشر، ستة من إخوته، وهم: جعفر، والعباس، وعثمان، وأبو بكر محمد الأصغر، وعبيدالله، وعبد الله، ثم إبنا الحسين علي وعبد الله، ومن أولاد أخيه الحسن: عبد الله، وأبو بكر، والقاسم، ومن أولاد عبد الله بن جعفر: عون، ومحمد وعبيدالله، ومسلم بن عقيل قتل بالكوفة، وجعفر بن عقيل، وعبد الرحمن بن عقيل، هذه رواية كتاب(النجم الثاقب في مناقب علي بن أبي طالب)، وفي(مقاتل الطالبيين): 22 طالبياً، سوى من يُختلف فيهم، وقيل: هم 26، وقال السيد أبو طالب: أكثر النقل على أنهم 27، وآخرهم قتلاً الحسين عليه السلام.

وكان استشهاد الإمام الحسين عليه السلام في يوم الجمعة 10 محرم 61 هـ، وفي رواية يوم السبت، وتذهب العامة إلى استشهاده في يوم الاثنين، والجمعة هو الصحيح كما يرى الإمام يحيى بن الحسين الهاروني في الإفادة، وله من العمر 54 سنة، وكانت مدة ظهوره وانتصابه للأمر شهراً واحداً ويومين، ودفن جسده الطاهر في الموضع المعروف الذي يزار فيه من أرض نينوى بكربلاء، ورأسه مختلف في مشهده فمنهم من قال: إنه رُد إلى المدينة مع السبايا من نساء النبوة، ثم رد إلى جسده بكربلاء، ومنهم من قال إنه بدمشق، وقيل: إنه بمسجد الرقة، وقيل: إن خلفاء مصر نقلوه إلى عسقلان، ثم نقلوه إلى القاهرة، وله مشهد عظيم، والصحيح كما يرى العلامة الحجة مجد الدين المؤيدي أنه بمقبرة بالبقيع من مدينة المصطفى.

 ووجد في جسده سلام الله عليه 33 طعنة، و44 ضربة، ووجد في جبة دكناء كانت عليه، مائة وبضعة عشر خُرقاً ما بين طعنة وضربة ورمية.

وبعد استشهاده سلام الله عليه أظهر الله آيات، كحُمرة السماء والشجرة، ونبع الدم، والظلمة، ولم يشِكوا في نزول العذاب، كما يذكر أبن عساكر في تاريخه صفحة 241 – 250.


شهداء اليمن في كربلاء

قال المسعودي: وكان عسكر الحسين عليه السلام 45 فارساً و100 راجل، قال: قتل منهم 87 نفساً، ولم يحضر قتال الحسين أحد من أهل الشام بل كلهم من أهل الكوفة وممن كاتبه، وقد وثق الرواة نحو 52 إسما ممن استشهد مع الحسين، منهم 34 شهيداً من اليمن، بواقع 10 شهداء من همدان, و10 من مذحج, و5 من الأنصار, و3 من الأزد, وإثنان من حمير، وواحد من قبائل كندة بجيلة وكلب وطيّء وخزاعة والحضرمي وخثعم، وهم يمثلون ما نسبته 47 % من شهداء كربلاء مع الإمام الحسين، وهم على النحو التالي:

1ـ وهب بن عبدالله بن عُمير الكلبي.

2ـ بُرير بن خضير الهمداني.

3ـ عبد الرحمن بن عبدربه الأنصاري .

4ـ سيف بن حارث بن سُريع الجابري الهمداني.

5ـ مالك بن عبدالله بن سُريع الجابري. 

6ـ حنظلة بن أسعد الشبامي الهمداني.

7ـ أبو ثُمامة زياد بن عمرو الصائدي الهمداني، وكان من الفرسان والأعلام الشيعية المعروفة وكان المسئول عن جمع المهمات والأسلحة لثورة مسلم بن عقيل بن أبي طالب, وقد التحق بالإمام الحسين بعد استشهاد مسلم.

8 ـ عابس بن أبي شبيب الشاكري الهمداني, عندما سلم على الإمام الحسين قال: السلام عليك يا أباعبدالله أُشهد الله أني على هديك وهدي أبيك. 

9ـ شوذب مولى عابس.

10ـ سُويد بن عمرو أبو المُطاع الخثعمي.

11ـ بشير بن عمرو الحضرمي.

12ـ أبو الشعثاء يزيد بن زياد بن مهاصر الكندي, وكان من الرماة الماهرين في جيش الإمام الحسين، وقتل خمسة رجال من أصحاب عمرو بن سعد، وكان يرتجز ويقول: 

يا ربِّ إنّي للحسينِ ناصرُ .. ولابنِ سعدٍ تاركٌ وهاجرُ

13ـ جابر(جياد) بن حارث السلماني المرادي. 

14ـ مُجمع بن عبد الله العائذي المذحجي, التحق بالإمام الحسين في الكوفة. 

15ـ عمرو بن قرظة بن كعب الأنصاري, وكان أخوه من أصحاب عمر بن سعد, فنادى يا حسين يا كذاب يا ابن الكذاب، أضللت أخي وغررته حتى قتلته. 

فقال الحسين: "إن الله لم يضل أخاك ولكنه هداه وأضلك".

فقال: "قتلني الله إن لم أقتلك!"، وحمل على الحسين فاعترضه نافع بن هلال المرادي فطعنه فصرعه. 

16ـ حجاج بن مسروق الجعفي. 

17ـ زيد بن معقل الجعفي.

18ـ عمرو بن مطالع الجعفي.

19ـ سوَّار بن أبي خمير الجابري الهمداني.

20ـ نافع بن هلال الجملي المرادي، كان من الأبطال والرماه, وكان يرتجز ويقول: 

أنا  الجملي أني .. على دين عليّ 

فقتل 12 رجلاً من الكوفيين, وأخذ أسيراً فقتله شمر.

21ـ عمرو بن خالد الأزدي.

22ـ خالد بن عمرو بن خالد الأزدي.

23ـ عُمير بن عبدالله المذحجي.

24ـ عبد الرحمن بن عبدالله اليزني، كان يرتجز فيقول: 

أنا ابن عبدالله من آل يزن  .. وإني على دين حسين وحسن

25ـ زُهير بن القَيْن البجلي, كان بمكة, وكان عثمانياً فانصرف من مكة متعجلاً, فضمّهُ الطريق وحسيناً فصار إليه وشارك في كربلاء واستشهد فيها.

26ـ عمرو بن جُنادة بن حارث الأنصاري.

27ـ جُنادة بن حارث الأنصاري.

28ـ أنيس بن معقل الأصبحي الحميري.

29ـ عبدالرحمن بن عبدالله بن كدر الأرحبي الهمداني.

30ـ حلاس بن عمرو الراسبي الأزدي.

31ـ سوَّار بن منعم بن حابس اليهمي الهمداني 

32ـ عامر بن حسّان بن شُريح الطائي. 

33ـ نُعيم بن عجلان الأنصاري.

34ـ زاهر مولى عمرو بن الحمق الخزاعي. 

السلام على الحسين وأولاد الحسين وأصحاب الحسين، السلام عليك يا أبا عبدالله يوم وُلدت فكان ميلادك بذرة لصدق العقيدة، ويوم استشهدت فكان استشهادك بعثاً لتلك النفوس الميتة، لتحلق في سماء العز والفضيلة، ويوم تُبعثُ حياً ليجزيك ربك جزاء تضحيتك العظيمة، والتي جحدتها الأمة، ولم تعرف حقها، فجئتها غريباً، وعشت معها غريباً، ورحلت عنها غريباً، فطوبى للغرباء.


المراجع:

- العلامة الحُجّة مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي، التحف شرح الزلف، مكتبة أهل البيت - صعدة، الطبعة الخامسة 2017.

- الامام يحيى بن حسين الهاروني، الإفادة في تاريخ أئمة الزيدية، دار الحكمة اليمانية – صنعاء، الطبعة الأولى 1996.

- السيد العلامة شمس الدين أحمد بن محمد بن صلاح الشرفي، اللآلئ المضيئة، الجزء الأول.

- العلامة حسن مشيمس، على شاطئ الاسلام، مطبعة المحجة البيضاء – لبنان، الطبعة الأولى 1995.

- السيد العلامة هادي المدرسي، عاشوراء، مكتبة الهلال – بيروت، الطبعة الأولى 1985

- حديث حول ثورة الإمام الحسين، مجلة التوحيد، طهران، العدد 48، محرم – صفر 1410 هـ.

- الشيخ أصغر منتظر القائم: دور القبائل اليمنية في الدفاع عن أهل البيت في القرن الأوّل الهجري، المجمع العالمي لأهل البيت، الطبعة الأولى 2010

- حسن الصفار، الحسين ومسئولية الثورة، دار البيان العربي – بيروت، الطبعة السابعة 1991.

- صبا النداوي، ثورة الإمام الحسين الإصلاحية أكانت للمسلمين فقط، الحوار المتمدن، 22 يناير 2008.