Translate

الأربعاء، 26 أغسطس 2020

العلاقات التجارية والعسكرية بين الإمارات وإسرائيل

زيد يحيى المحبشي، مركز البحوث والمعلومات، 26 أغسطس 2020

يسيطر "محمد بن زايد" على خزينة قارونية تقدر بـ 1.3 تريليون دولار، وهذا هو الأهم في جدلية التطبيع الإنبطاحية، فالكيان الصهيوني لا يهتم بأحلام صبيانية لرجلٍ كـ "محمد بن زايد" يعتقد أنه "ميكيافيلي" عصره، بينما عمله "موسوليني" بإمتياز، بشهادة رجل الاستخبارات المركزية الأميركية السابق "روس ريدل"، ويحاولُ جاهداً من خلال بوابة "نتن - ياهو" الحصول على اعتراف دولي بزعامته على المشرق العربي، وهو الغِر بن الأمس، والعُهدة على الكاتب الصهيوني "تسيفي برئيل".

ما يهم إسرائيل، وهي تنفخ في خُوار جسد "بن زايد" الفارغ "أوهام" الزعامة السرابية، امتصاص ما في الخزائن الإماراتية فوق الرمال وتحتها، فإمارات صبيان "الشيخ زايد" تسيطر على 6% من احتياطي النفط في العالم، وأسواقها زاخرة بكل ما لذّ وطاب من الاستثمارات، وصناديقها عامرة بفائض سيولة يرى "نتن – ياهو" أنه أحق به، من أعراب لا هم لهم سوى اللهث وراء مشاريع البطن والفرج.

فأموال الإماراتيين التي ستُمطِرها سحابة معاهدة السلام، هي "طوق نجاة" أرسله الله لإنقاذ مستقبل "نتن – ياهو" السياسي، الذي كاد أن يلفظ أنفاسه الأخيرة قبيل توقيع هذا المعاهدة، هكذا يعتقد، وهكذا قالت أهم بنودها المعلنة في 13 أغسطس 2020 :

1 - استثمارات إماراتية سوف تتدفق على إسرائيل.

2 - تسهيل دخول المسلمين إلى المسجد الأقصى.

3 - السماح بالطيران المباشر بين الإمارات وإسرائيل.

وكلٌ منها يحمل للصهاينة من الخيرات، ما لم يكونوا يحلمون به منذ وعد "بلفور" المشؤوم.

راعي البقر والمعاهدة "ترامب"، المُسابق رياح السلام الإبراهيمي للفوز بولاية ثانية، هو الأخر ستمنحه معاهدة العار الإماراتية الصهيونية تِرياقاً ناجعاً لتحسين مزاج الداخل الأميركي، المنزعج من جنون سياسات نمرود الحزب الجمهوري في ولايته الأولى.

وتبقى البقر صالحة للحليب فقط، ولا شيئ غير ذلك.

 

التطبيع التجاري:

ذكر تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية مؤخراً، أن اتفاق التطبيع بين الإمارات والكيان الصهيوني، جلب التجارة التي ظلت تحت الأرض لمدة طويلة إلى العلن، مؤكداً وجود حراك غير مسبوق بين المستثمرين الصهاينة والإماراتيين لعقد الصفقات التجارية والاستثمارية.

وكانت العلاقات التجارية بينهما قبل اتفاق التطبيع، عادة ما تتم بطرق غير رسمية بين شخصيات تجارية ذات نفوذ "حكومي – عسكري" سابق في إسرائيل، وشركات إماراتية أو شركات مقرها الإمارات، وبدرجة معينة من التخفي، وكانت الصفقات تُبرم من خلال شركات فرعية في دول ثالثة مثل سنغافورة أو قبرص أو سويسرا، واليوم ستكون كل التعاملات مباشرة، وعلى عينك يا تاجر.

وتعود بداية التطبيع التجاري بينهما الى العام 2004 ، وتحديداً منذ تأسيس إمارة بورصة دبي للماس، وإعلانها اقتحام نشاط تجاري يخضع لهيمنة التُجار اليهود، وتم قبول عضويتها في الاتحاد العالمي لبورصات الماس في نفس العام، بموافقة 22 دولة من أعضاء الاتحاد منها إسرائيل، وارتفع حجم تجارة الماس في دبي من 5 مليارات دولار، قبل تأسيس البورصة، إلى 40 ملياراً عام 2012، لتصبح دبي ثاني أكبر بورصات الماس عالمياً، مع حجم تداول للماس الإسرائيلي لا يقل عن 300 مليون دولار سنوياً.

وقامت دبي بتسهيل حركة رجال الأعمال الإسرائيليين داخلها، وانتقال رجال الأعمال الإماراتيين لحضور معارض وأسواق المال في إسرائيل، وعلى رأسهم رئيس البورصة "سلطان أحمد بن سليم"، وذكرت صحيفة The Guardian البريطانية، أن رجال الأعمال الصهاينة الذين يحملون جوازات سفر أجنبية يسافرون بانتظام إلى الإمارات، على رحلات تجارية تمر بمدينة عمَّان في أغلب الأحوال.

وقال مؤرخ صناعة الماس الإسرائيلي"حاييم إيفن زوهر": "من خلال بورصة دبي، تستطيع إسرائيل بيع الألماس إلى العالم العربي ودول الخليج".

وفي العام 2018 تم التوقيع في أبوظبي على اتفاقية مشروع الأنبوب البحري، لنقل الغاز الإسرائيلي إلى أوربا، بتمويل إماراتي ودعم أوربي، وخصصت الإمارات للمشروع 100 مليون دولار كمرحلة أولى، وتبلغ كلفته الإجمالية نحو 7 مليارات دولار، ويربط إسرائيل بأربع دول في منطقتي البلقان ووسط أوربا.

وكشفت الباحثة الإسرائيلية "كيتي فاكسبيرغر"، عن زيارة رئيس بورصة دبي "سلطان أحمد بن سليم" لتل أبيب في سبتمبر 2018 من أجل بحث تطوير عمل موانئ دبي، التي لها علاقات قوية مع العديد من الشركات الإسرائيلية الكبيرة.

وأكدت أن إسرائيل والإمارات تخوضان أعمالاً تجارية مشتركة، وصفقات تجارية وشراكات اقتصادية.

وهناك قائمة من الشركات الإماراتية الموردة منتجات حيوية إلى الكيان العبري، منها: شركة "مستقبل الإمارات" - يملك "منصور بن زايد" نحو 40% من أسهمها - وتختص باستيراد الماشية من أستراليا وأميركا، وتصديرها الى الكيان الصهيوني عبر ميناء إيلات، وكانت المورد الوحيد للأبقار الى الكيان الصهيوني حتى العام 2012، ومن أكبر موردي اللحوم للسوق الإسرائيلية ما بعد 2012، وفقاً لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني في 9 نوفمبر 2017، والناقل الحصري للشركة أسطول "غوشة" الصهيوني للشحن.

وأكد موقع "ميدل إيست آي"، في تقرير نشره بتاريخ ديسمبر 2014 أن حركة التجارة بين إسرائيل والإمارات موافقٌ عليها من قبل القيادات السياسية على الجانبين.

ويُقَدِّر أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة تل أبيب "إسحق غال" حجم الصفقات التجارية بين الإمارات واسرائيل بنحو مليار دولار في السنة، وربما أكثر، مع وقوع ما بين ثلث ونصف هذه الأعمال في قطاع الأمن.

وتحدثت إحدى دراسات منظمة "مديري الاقتناء" اللوجستية الصهيونية عن أرقام الصادرات الصناعية بين الدول العربية و"تل أبيب" في 2008،  حيث احتلت الإمارات الترتيب الثالث بعد مصر والأردن بواقع 25.5 مليون دولار، يليها المغرب بـ 17.2 مليون دولار، مضيفة أن هذه الأرقام لم تتضمن صادرات المجوهرات الإسرائيلية، التي بلغت لسوق دبي فقط 200 مليون دولار.

وفي 10 ديسمبر2019، اتفق الكيان الصهيوني مع أبوظبي على المشاركة في معرض "إكسبو دبي 2020" بجناح خاص، وكان من المتوقع افتتاحه في أكتوبر 2020 ويستمر لمدة ستة أشهر، إلا أنه تم تأجيله الى العام 2021.

بعد اتفاق التطبيع الرسمي الأخير، أعلن رجل الأعمال الصهيوني "آفي إيال"، والشريك الإداري لشركة "إنتري كابيتال" Entree Capital الصهيونية، عن تلقي العشرات من الرسائل والمكالمات الهاتفية من إسرائيليين وإماراتيين مهتمين بدخول السوق الأخرى، موضحاً أنه يعمل مع شُركاء إماراتيين لتأسيس نوع من الغرف التجارية أو المنظمات المهنية، لإضفاء الطابع الرسمي على العلاقات التجارية الثنائية.

وكشفت شركة "بي أو أند بي أو" Bo&Bo الصهيونية، المختصة في بيع آلات العلاج الطبيعي، عن التعاقد مع شركة إماراتية لتكون الموزع الحصري لمنتجاتها في الخليج العبري، مقابل دفع الشركة الإماراتية مليون دولار سنوياً، وهو مبلغ مذهل بالنسبة لشركة صغيرة في إسرائيل بحسب وصف مالكها "جادي نير"، بعد أن كانت تضطر لنقل بعض عملياتها إلى الصين، ومنها الى الإمارات والخليج.

 

التطبيع التكنولوجي والأمني:

يعتبر التطبيع في مجال المراقبة والتجسس السيبراني، من أبرز المجالات منذ بدأ مسيرة التشبيكات التطبيعية الإنبطاحية، وأصبحت أبوظبي مركزاً مهماً لأمن إسرائيل واستخباراتها، كما تلعب اسرائيل دوراً أساسياً في تمكين الإمارات من البروز كقوة إقليمية في المجال السيبراني والمعلوماتي، ومن أهم محطات التطبيع التكنولوجي:

1 – التوقيع في العام 2006 على عقد بقيمة20 مليون دولار، للحصول على صور فائقة الدقة من مشروع الأقمار الاصطناعية الإسرائيلية "إيمدج سات"  image sat.

2 – توقيع الإمارات عام 2007 عقداً مع "شركة آسيا جلوبال تكنولوجي" AGT  الصهيونية، بقيمة 800 مليون دولار، لتوفير نظام المراقبة للبُنى التحتية الأساسية وحقول النفط والغاز، تشمل كاميرات المراقبة، وأسوار إلكترونية وأجهزة استشعار .. ألخ.

وتعود ملكيتها لرجل الأعمال الصهيوني الأكثر نشاطاً في الإمارات "مآتي كوخافي"، وتتخذ من "زيورخ" بسويسرا مقراً لها، وقد تمكنت بين عامي 2007 و2015 من تأسيس أحد أنظمة المراقبة الأكثر تكاملاً في العالم، يعرف باسم "عين الصقر" Falcon Eye ، وهو نظام يحوي آلاف الكاميرات وأجهزة الاستشعار الممتدة على طول 620 ميلاً على كامل الحدود الإماراتية، بينما تصب المعلومات التي يقوم بجمعها في قاعدة بيانات تُدار من خلال إحدى أكبر شركاته في قلب إسرائيل، يرأس مجلس إدارتها رئيس سابق لجهاز الاستخبارات العسكرية "أمان"، ويفرض هذا النظام رقابة صارمة على جميع أشكال الاتصالات في الإمارات.

ووثّق موقع "ميدل إيست آي" البريطاني في فبراير 2012 تفاصيل هذه الصفقة، ووصف موقع "إنتليجنس أونلاين" الاستخباراتي الفرنسي رجل الأعمال والمسؤول الأمني الإسرائيلي السابق "كوخافي" بالأكثر نشاطاً في أبوظبي.

وهو أول رجل أعمال إسرائيلي ينجح في تثبيت أقدامه في السوق الأمني الإماراتي، وفاز بسلسلة عقود مع حكومة أبوظبي بدءاً من العام 2005.

وتحدث تقرير للكاتب الإسرائيلي "يوسي ميلمان" نشرته "هآرتس" في 18 سبتمبر 2008عن تجنيد هذه الشركة العشرات من الجنود ورجال الأجهزة الأمنية الإسرائيلية للعمل في الإمارات، من "الموساد" و"الشاباك" والجيش، بينهم قائد سلاح الجو الإسرائيلي الأسبق "إيتان بن إلياهو" ورئيس مجلس الأمن القومي الأسبق "غيورا أيلاند".

3 - توقيع  شركة "فيرينت سيستمز" Verint Systems الإسرائيلية، المتخصصة في الأمن الإلكتروني، ومقررها في "هرتسليا"، في العام 2014، عقداً مع الإمارات بقيمة 100 مليون دولار.

4 – بيع شركة "إن إس أو" المحدودة للتكنولوجيا NSO Technologies Ltd الإسرائيلية، في العام 2014 برنامجها الخاص بالمراقبة إلى أبوظبي، وهي متخصصة في صناعة البرمجيات التي تُستخدم للاختراقات الإلكترونية، والمعروفة باسم "الثغرات عن بُعد"، وتصل تكلفة البرنامج الواحد إلى مليون دولار، ويديرها رجل الأعمال الصهيوني "شاليف حوليو".

ويعمل في شركة "إن إس أو" خبراء في المجال السيبراني، بما في ذلك متقاعدون من الوحدة 8200 في الجيش الإسرائيلي، ويتلقون أجوراً مرتفعة جداً للقيام بالتجسس على الهواتف وجمع المعلومات ورصد الإسلاميين والمعارضين العرب والزعماء الخليجيين.

وكشف "شاليف حوليو" أن وكالة مراقبة صادرات الدفاع الإسرائيلية DECA أجازت 3 صفقات مع الإمارات لبيع برمجيات NSO، رغم أنه من المفترض أن تُعطي الوكالة الإذن لهدف "مكافحة الإرهاب والجريمة" فقط.

5 - تبنت أبوظبي في العام 2017 مشروع متكامل لنقل تكنولوجيا المراقبة والتجسس الإسرائيلية، كشف عنه وزير الطاقة الإسرائيلي "يوفال شتاينيتز" في زيارة له الى أبو ظبي: "إسرائيل طورت تكنولوجيا متطورة تسمح باكتشاف المؤامرات الإرهابية مُسبقاً، بما يُمَكِّن من مساعدة الحكومات العربية المعتدلة على حماية نفسها".

ويُقَدّر ما اشترته الإمارات من خدمات أمنية صهيونية خلال الفترة 2014 –  2017 بنحو 6 مليارات دولار، وفقاً لما أوردته مجلة "بزنس ويك" الأميركية في 7 فبراير 2017، شملت التزود بآلاف الكاميرات ومجسات إلكترونية وأدوات إلكترونية متخصصة في قراءة لوحات تراخيص السيارات ..الخ.

6 - توقيع الإمارات عقداً مع الكيان الصهيوني للحصول على طائرات تجسس متطورة، بحسب تقرير لـ "مكتب المحاماة"  Appleby، نشرته صحيفة "هآرتس" في نهاية 2019، وذكر موقع الإمارات 71، أن الإمارات سيكون لديها قدرات استخباراتية متقدمة للغاية، فتلك الطائرات قادرة على اعتراض الاتصالات وتحديد الأنظمة الإلكترونية التي تديرها إيران والسعودية.

كما تعمل شركة "ديڤيد ميدان پروجكتس"، في المجال الأمني بالإمارات منذ سنوات، ويديرها المستشار السابق "لنتنياهو" "ديفيد ميدان".

وكانت الإمارات قد وقعت في 20 يونيو 2020 اتفاقاً للتعاون مع الكيان الصهيوني في مجال الأمن السيبراني، لم تُكشف مضامينه بعد.

 

التطبيع العسكري

اشترت الإمارات أسلحة وأنظمة عسكرية من إسرائيل، بينها منظومات للدفاع الصاروخي، وأجهزة للحرب الإلكترونية.

وتحدثت تسريبات "ويكيليكس" للسفير الإماراتي بواشنطن "يوسف العتيبة"، عن جهود إماراتية حثيثة منذ العام 2012 لشراء نظام القبة الحديدية الصهيوني؛ تمثلت بتبادل الرسائل بين "العتيبة" والجنرال الإسرائيلي "عوزي روبين" بعد شهر واحد من العدوان الصهيوني على قطاع غزة، مُبدياً قناعة كبيرة بأن "دول الخليج باستطاعتها الاستفادة من المنظومة لتأمين نفسها في مواجهة الهجمات الإيرانية المحتملة".

وفي العام 2015 كشفت الصحف الصهيونية أن الإمارات من بين الدول التي اشترت منظومات صواريخ القبة الحديدية.

وكشفت صحيفة "هآرتس" عن صفقة عسكرية بقيمة 3 مليار دولار، بدأت بالتبلور في العام2010 ، تحت رعاية رجل الأعمال الإسرائيلي "مآتي كوخافي"، ودفعت الامارات جزء من قيمتها نقداً، وتضمنت تزويدها بقدرات استخباراتية صهيونية متقدمة، تشمل طائرتي تجسس حديثتين، تسلمت إحداها في 2019 وتسليم الثانية في العام 2021.

وفي العام 2012 تمكن رجل الأعمال "آڤي لؤمي" وهو مدير سابق لأنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلي  ADS ، من تأمين عقد لبيع طائرات بدون طيار، وتستخدم الإمارات هذه الطائرات للقيام بعمليات خارج مناطقها مثل ليبيا واليمن والتجسس على مواطنيها.

وفي 14 أغسطس 2018 نقلت صحيفة "هآرتس" الصهيونية عن مكتب "الأعمال والابتكارات والمهارات" البريطاني، المعني بمراقبة الصادرات الأمنية، طلب تل أبيب الحصول على أذون لتوريد مكونات لطائرات بدون طيار للإمارات، وخوذات طيارين، وأنظمة التزود بالوقود جواً، ورادارات أرضية، ومكونات لطائرات مقاتلة، وأنظمة لعرقلة إطلاق صواريخ، وأنظمة رادار محمولة جواً، وأنظمة للتصوير الحراري، ومعدات حرب إلكترونية.

وفي بداية يونيو 2020، زار وفد عسكري إماراتي، إسرائيل، تحت غطاء نقل مساعدات للفلسطينيين، لبحث دفع صفقات جارٍ التفاوض عليها بين الجانبين، تتعلق بمعدات وتقنيات عسكرية، ستشتريها الإمارات من إسرائيل، تفاصيلها لا تزال طي الكتمان، باستثناء كشف الإعلام العبري في مايو 2020، عن صفقة عسكرية سرية لدعم حليف أبوظبي في ليبيا "خليفة حفتر"، والتفاوض من أجل دعم الميليشيات الموالية لأبو ظبي في اليمن وليبيا.

وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية، أن سلاحي الجو الإماراتي والإسرائيلي يتعاونان في تقديم الدعم لنظام السيسي في مواجهة تنظيم "ولاية سيناء"، بما فيها تنفيذ غارات جوية هناك.

وأكدت دراسة لـ "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى"، أن الإمارات لجأت إلى شركة "4D Security Solutions" الإسرائيلية، ومقرّها أميركا، من أجل تحديث دفاعاتها حول منشآت الطاقة الحساسة، وإنشاء نظام مراقبة "ذكي" على مستوى المدينة في أبوظبي، وتوظيف خبراء عسكريين وأمنيين صهاينة لفترات، كمعارين أو ما بعد التقاعد للعمل في شركات عسكرية وأمنية إماراتية خاصة.

ويرى الكاتب البريطاني "أندرياس كريغ" أن الضباط السابقون في القوات الخاصة الإسرائيلية، تحوّلوا إلى "بنادق مُستَأجَرة" تُستخدم لاصطياد الإسلاميين في اليمن ومساعدة "خليفة حفتر" في ليبيا.

كما كشف الجيش الإسرائيلي عن مدرعة عسكرية جديدة يستخدمها في الضفة الغربية إسمها "النمر"، إماراتية الصنع.

وأكدت مجلة "يسرائيل ديفينس" شراء الإمارات 300 صاروخ من نوع "AIM-9X Block II"، ونوع "ה+"، والأول هو الأكثر تطوراً في مجال الأشعة تحت الحمراء في العالم، وتوقيع اتفاقيات مع شركتي "إلبيت" و"الصناعات الجوية" الإسرائيليتين لتطوير طائرات "إف 16" في سلاح الجو الإماراتي.

على صعيد التدريبات والمناورات العسكرية: شارك سلاح الجوية الإماراتية الى جانب الجوية الإسرائيلية في عدة مناورات عسكرية متعددة الجنسية، منها تدريبات "العلم الأحمر" RED FLAG في "نيفادا" بالولايات المتحدة، في أغسطس - سبتمبر 2016 ، و 2020، ومناورات "إينيوهوس" في اليونان في مارس 2017 وأبريل 2019.

 

التطبيع الجوي:

تنتظم رحلات اسبوعية ويومية غير مباشرة بينهما، وكان موقع ميدل إيست آي" قد تحدث في ديسمبر 2014 لأول مرة عن وجود طائرة تحلق بين إسرائيل والإمارات بشكل يومي، وتُدارُ الرحلة بين مطار "بن غوريون" في تل أبيب ومطار أبوظبي الدولي من قبل شركة الطيران الصهيونية الخاصة "برايفتآير" ومقرها جنيف، على طائرة إيرباص A319.

وتحدثت وسائل إعلام غربية عن طائرة ترفع علماً سويسرياً، تتجه كل أسبوع إلى الأردن، ومنها إلى أبوظبي، ولا يتم تسجيل الرحلة في مطار الملكة "علياء"، ولا في مطار أبوظبي.

وفي مايو 2020، تم تدشين أول رحلة طيران معلنة بين الإمارات وإسرائيل.

وفتح اتفاق السلام الأخير الباب على مصراعيه لإنشاء رحلات جوية مباشرة، وهناك مباحثات بين الملياردير الإماراتي "خلف الحبتور"، مالك أحد أكبر التكتلات الإماراتية "مجموعة الحبتور"، وشركة طيران "إسرإير المحدودة" Israir Airlines، وهي شركة طيران صهيونية محلية، لبدء رحلات تجارية مباشرة، وفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وعلى صعيد التطبيع الفضائي، شهد شهر سبتمبر 2019 مشاركة رائد فضاء إماراتي في رحلة فضائية مع رائدة فضاء إسرائيلية تدعى "جيسيكا مائير"، وفي 15 يوليو 2020، تقدم الكيان الصهيوني صفوف المباركين للكيان الإماراتي لإطلاق أول مسبار فضائي عربي لاستكشاف المريخ.

 

المراجع:

1 - هاشم حمدان، إسرائيل والإمارات: علاقات سرية واسعة وأمنية أساسا، عرب ٤٨ ، 8 يونيو 2019 .

2 - إمارات ليكس، الرحلات الجوية المباشرة تكرس التطبيع العلني بين الإمارات وإسرائيل، 24 يوليو  2020.

3 - الموسوعة الدولية "ويكيبيديا"، العلاقات الإسرائيلية الإماراتية.

4 – الإمارات 71 ، "العسكرة لا السلام أولا" وفضائح التجسس وجرائم الاختراق بلا توقف، 9 يناير 2020 .

5 - موقع قناة TRT عربي التركية، الإمارات وإسرائيل .. تطبيع ينذر بولادة معاهدات جديدة، 5 فبراير 2020 .

6 - إذاعة مونت كارلو الدولية، تل أبيب تهنئ أبوظبي على إطلاق أول مسبار فضائي عربي لاستكشاف المريخ، 9 يونيو 2020 .

7 - اللواء القطرية، صفقة استخبارية بين الإمارات وإسرائيل بطلها رجل "موساد"، 11 أغسطس 2020 .

8 – نون بوست، أول حصاد اتفاق العار .. هكذا تنقذ أموال الإماراتيين حكومة نتنياهو، 16 أغسطس 2020 .

9 - مركز الإمارات للدراسات والإعلام "إيماسك"، محمد بن زايد يتطلع للزعامة في المنطقة عبر بوابة التطبيع، 23 أغسطس 2020.

10 - الخليج الجديد، من تحت الأرض للعلن .. وتيرة الصفقات التجارية تتصاعد بين الإمارات وإسرائيل، 25 أغسطس 2020.


الثلاثاء، 25 أغسطس 2020

ملفات التطبيع الإماراتية الصهيونية

زيد يحيى المحبشي، مركز البحوث والمعلومات، 25 أغسطس 2020

في العادة تكون حرارة تبادل الزيارات واللقاءات والتهاني مؤشراً لقياس المستوى الذي وصلت إليه عملية تطبيع  العلاقات الثنائية بين الفاعلين الدوليين، فبعد حرب الخليج الثانية ساعدت عائدات الذهب الأسود الإمارات في أن تكون مقراً لبعض المنظمات والوكالات والفعاليات والمؤتمرات والمعارض والأنشطة الدولية، وسوقاً مالياً وتجارياً يحج إليه رجال المال والأعمال من جميع أنحاء العالم.

وتحت غطاءٍ من ذلك أصبحت الإمارات قبلةً للصهاينة، وهم أباطرة المال والإعلام واللوبيات الأكثر تأثيراً في القرار العالمي وتوجهات وسياسات دول العالم، ما يجعل التقرّب منهم في نظر الأعراب الأجلاف طوق نجاة من غضب رعاة البقر وثورة المستضعفين من أبناء شعوبهم، ومعها انطلق قطار التطبيع بلا فرامل عروبية، ولا كوابح دينية، ولا نواميس أخلاقية.

ما بعد العام  2003 تحديداً، زادت وتيرة تقاطر الإسرائيليين بمختلف مستوياتهم الى الإمارات تحت مسميات ومبررات عديدة، بعضها علني وبعضها سري، وتكثيف اللقاءات السرية بين المسؤولين الإماراتيين والصهاينة، في الإمارات وتل أبيب وواشنطن، ومعها بدأت التشبيكات التطبيعية تطال كل مناحي الحياة، لتصل في 13 أغسطس 2020 الى مرحلة التطبيع الرسمي الكامل، وما بينهما رصد الإعلام العبري والغربي قائمة طويلة من الصفقات ذات الطابع التعاوني والطابع التأمري.

ويرصد موقع "عربي بوست"، نقلاً عن ما أسماه مصدر واسع الاطلاع في "أراضي 48"، أربع مراحل لتطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل:

1 - الاستعانة بإسرائيل للوساطة لدى الإدارات الأميركية المتعاقبة من أجل التقرب منها وتلبية طلباتها، وعبّر عن هذه المرحلة الوزير البحريني الأسبق، "علي فخرو" لراديو "راية" الفلسطيني: إن وزيراً في دولة خليجية – الإمارات - أخبرني قبل سنوات، أنه إذا أراد شيئاً من أميركا، فإنه يتصل بتل أبيب ليحصل عليه!.

2 -  تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية من خلال استثمارات إسرائيلية في الإمارات تحت عنوان "شركات متعددة الجنسيات".

3 – تعزيز التعاون الأمني المباشر بين الإمارات والبحرين والسعودية من ناحية وتل أبيب من ناحية ثانية في السنوات الأخيرة، بما يشمل تبادل المعلومات والمد بأجهزة تكنولوجية متطورة وعتاد وسلاح.

4 - العلانية التدريجية، والكشف عن سابق العلاقات السرية، وعبّر عن هذه المرحلة مقال السفير الإماراتي بواشنطن "يوسف العتيبة" في صحيفة "يديعوت أحرونوت" في يونيو 2020، وهذه المرحلة مرتبطة ببند في "صفقة القرن، يحث على التحول من التطبيع السري إلى العلني، والمثير في وقاحة "العتيبة" نصيحته لإسرائيل، بأن: "ضم أراضي الضفة الغربية دون مفاوضات سيُفشِل التطور في هذا التطبيع".

وهي نصيحة صادقة للأسف الشديد، لكن لا محل لها من الإعراب في قاموس الأعراب.


التطبيع السياسي والدبلوماسي:

اتفق الكيان الصهيوني مع الإمارات، على فتح ممثلية دبلوماسية في أبو ظبي، خلال زيارة قام بها مدير مكتب الخارجية الإسرائيلية "دوري غولد" في 24 - 25 نوفمبر 2015، وفي 28 – 29 نوفمبر 2015، أعلنت الخارجية الإسرائيلية افتتاحها رسمياً، وتعيين الدبلوماسي "رامي هاتان" ليكون رئيساً لها، وهو ما اعتبرته إسرائيل إنجازاً كبيراً واختراقاً سياسياً هاماً، بينما ادعت الامارات حينها أن مكتب الممثلية يقع ضمن مقر وكالة الأمم المتحدة للطاقة المتجددة "إيرينا"، بأبوظبي.

وكانت إسرائيل قد دعمت أبوظبي في ملف استضافة الوكالة الدولية للطاقة المتجددة عام 2009، أمام منافستها ألمانيا، وبذلك أصبحت مشاركة إسرائيل في مؤتمرات هذه الوكالة، أمراً محسوماً.

وبالمقابل صوتت الإمارات في العام 2015 لصالح انضمام إسرائيل لعضوية لجنة استخدام الفضاء الخارجي للأغراض السلمية التابعة للأمم المتحدة.

المؤرخ الإسرائيلي "جاي بيخور"، في حديث أدلى به لبرنامج "العالم هذا الصباح" على القناة الثانية للتليفزيون الإسرائيلي في 4 ديسمبر 2015 رأى في موافقة الإمارات على فتح مكتب تمثيلي لإسرائيل في أبو ظبي: نجاحاً كبيراً لتل أبيب، يُثبت أن التطبيع مع العالم العربي، ليس مرتبطاً بحل الصراع مع الفلسطينيين .. فالسلطات الإماراتية هي من طلبت افتتاح الممثلية تحت غطاء المنظمة الدولية، لكي يتم تقبُّل الأمر عربياً .. ومن يعرف دول الخليج جيداً، يعرف أيضا أنهم سئموا من الفلسطينيين ولا يحبونهم، لأن الخليجيين يرون في الفلسطينيين أناساً يسعون إلى التخريب .. افتتاح الممثلية ينسف النظرية القائلة بأن التقدم في علاقات إسرائيل مع الدول العربية مرهونٌ بحدوث تقدم في المفاوضات مع الفلسطينيين.

في العام 2018 التقى سفير أبو ظبي ورجلها القوي في واشنطن ومهندس التطبيع "يوسف العتيبة"، برئيس حكومة الكيان الصهيوني "بنيامين نتنياهو"، كما شهدت واشنطن في السنوات الأخيرة سلسلة من اللقاءات بين "العتيبة" والسفير الصهيوني الأسبق لدى أميركا "رون ديرمر"، وفي يناير 2020 ظهر "العتيبة" الى جانب "نتنياهو" في حفل إطلاق الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" خطة "صفقة القرن"، وفي يونيو 2020 كتب مقالاً بصحيفة "يديعوت أحرونوت" الصهيونية، أكد فيه أن التقدم في عملية السلام لم يعد شرطاً أساسياً لتعميق التطبيع: لقد اتبعنا دبلوماسية هادئة وأرسلنا إشارات علنية للغاية للمساعدة في تغيير الديناميكيات وتعزيز الإمكانات، ونحن نعارض "حزب الله" و"حماس" ونُظهر تقبُّلاً لجالية يهودية محلية آخذة بالازدياد، ونعمل على بناء كنيس جديد لها في الإمارات، والتطبيع بين دول الخليج وإسرائيل سيحقق "أمن أكبر، اتصالات مباشرة، أسواق موسعة، قبول متنام".

سبق كلام "العتيبة" عن فوائد التطبيع، بروز عدة مؤشرات عن قرب ميلاد معاهدة عار عربية جديدة مع الكيان الصهيوني الغاصب، أبرزها دعوة وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية "أنور قرقاش"، في مارس - أبريل 2019، إلى تسريع وتيرة التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، واعتبار القرار العربي السابق بمقاطعتها، "قراراً خاطئاً للغاية"، وأن ذلك من شأنه أن يساعد على التوصل إلى حل للصراع العربي الإسرائيلي!.

وفي ديسمبر 2019 نشرت حسابات سفارات الإمارات في عدة دول، تهاني لليهود بمناسبة احتفالهم بما يسمى "عيد الحانوكاة" "الأنوار"، ما دفع الصحفي الإسرائيلي الشهير "جاكي حوجي" للتساؤل: هل يشهد العام 2020، الاحتفال بعيد "الحانوكاة" في أبوظبي؟.

وفي 21 من ذات الشهر نشر وزير خارجية الإمارات "عبد الله بن زايد" تغريدة بعنوان: "إصلاح الإسلام: تحالف عربي إسرائيلي يتشكل في الشرق الأوسط"، فانتشى "نتنياهو" طرباً وأعاد نشرها، معرباً عن سعادته بما "يتم من تنسيق بين إسرائيل وبعض الدول العربية".

وسبق لوزير خارجية إسرائيل "يسرائيل كاتس" نشر تغريدة مماثلة، أكد فيها تفرغه للعمل بدعم من الأمم المتحدة، على تطوير "مبادرة سياسية لتوقيع اتفاقيات عدم اعتداء مع دول الخليج".

وتعود أصول هذا النوع من الاتفاقيات الى معاهدات عدم الاعتداء التي انتشرت بعد الحرب العالمية الأولى، ثم أصبحت نادرة منذ الحرب العالمية الثانية، حسب موقف "ميدل إيست آي" البريطاني.

وشهدت العاصمة الأميركية خلال الفترة "2017 – 2020" مفاوضات مكثفة لإخراج معاهدة عدم الاعتداء بين الإمارات وإسرائيل الى العلن، وهي إحدى متطلبات تمرير صفقة القرن، وفي 13 أغسطس 2020، أعلن الرئيس الأميركي "دونالد ترامب"، اتفاق إسرائيل والإمارات على معاهدة السلام، وهو ما عدّه رئيس حكومة الكيان الصهيوني "إنجازاً تاريخياً" يدشن لـ "حقبةٍ جديدة" من العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي.

وأعلنت الخارجية الإماراتية عن وجود اجتماعات مكثفة بين الإمارات وإسرائيل، تُحَضِر لتوقيع سلسلة من اتفاقيات التعاون في قطاعات الاستثمار والسياحة والرحلات الجوية المباشرة والأمن والاتصالات والتكنولوجيا والطاقة والرعاية الصحية والثقافة والبيئة وإنشاء سفارات متبادلة، وغيرها من المجالات ذات الفائدة المشتركة.


حرارة الزيارات واللقاءات:

شهد العام 2003 أول زيارة رسمية وعلنية لمسؤول إسرائيلي إلى الإمارات، عندما شارك الوزير الإسرائيلي "مئير شطريت" ومحافظ بنك إسرائيل "يوسي كلاين"، في مؤتمر صندوق النقد الدولي، تبعها مشاركات أخرى علنية، وزيارات أكثر كثافة، حتى بعد صعود "بنيامين نتنياهو" إلى الحكم مجدداً في العام 2009، من أبرزها:

16 يناير 2010 : حضور وزير البنية التحتية "عوزي لانداو"، مؤتمراً للطاقة المتجددة في أبو ظبي، وهو أول وزير إسرائيلي يزور الإمارات بشكل علني ورسمي.

سبتمبر 2012 : احتضان فندق "ريجنسي" في نيويورك، لقاءً سرياً بين رئيس الوزراء الصهيوني "بنيامين نتنياهو" ووزير خارجية الامارات "عبدالله بن زايد"، وناقشا بشكل مباشر الهم المشترك الناجم عن نشاطات إيران في المنطقة، وتكرر اللقاء في العام 2017 بحضور سفير الإمارات بواشنطن "يوسف العتيبة"، ومستشار الأمن القومي الصهيوني الأسبق جنرال الاحتياط "يعكوف عميدرور"، والسكرتير العسكري "يوحنان لوكر"، وناقش اللقاء المسألة الإيرانية، والقضية الفلسطينية.

2013 : مشاركة الرئيس الإسرائيلي السابق "شمعون بيريز" عبر بث مباشر من مكتبه في القدس، وخلفه العلم الإسرائيلي، في الجلسة الافتتاحية لمؤتمرٍ دولي انعقد في أبوظبي، لمناقشة القضايا الإقليمية والأمنية في المنطقة.

يناير 2014 : مشاركة وزير البنية التحتية الإسرائيلي "سيلفان شالوم" في مؤتمر للطاقة المتجددة في الإمارات، والتقى عدداً من الوزراء العرب.

يناير 2016 : زار وزير الطاقة الإسرائيلي "يوفال شطاينتس" الإمارات، وتكررت زيارته في هذا العام، بذريعة المشاركة في اجتماعات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في أبو ظبي.

يوليو 2017 : زيارة ولي عهد الإمارات "محمد بن زايد"، لمؤسسة "الدفاع عن الديمقراطيات FDD " الموالية لإسرائيل بواشنطن، ومباحثات بين سفيره بواشنطن "يوسف العتيبة" والمبعوث الأميركي السابق للشرق الأوسط "دينيس روس" حول آلية معاقبة قطر، بسبب دعمها "الحركة الدولية لمقاطعة إسرائيل" BDS.

2018 : دعت الإمارات وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية "ميريت ريغيف"، لزيارة مسجد "زايد بن سلطان".

أوائل ديسمبر 2018 : زار زعيم حزب العمل الصهيوني المعارض "آفي غابيه"، أبوظبي، والتقى كبار المسؤولين فيها، وناقش معهم ملفات الصراع "الإسرائيلي – الفلسطيني"، وصفقة القرن، والوضع السياسي في إسرائيل.

بدايات 2019 : كشف الإعلامي الإسرائيلي "إيدي كوهين" عن تواجد "عبدالله بن زايد" ومدير جهاز الاستخبارات "طحنون بن زايد"، بفندق "ريتز كارلتون" في تل أبيب، قائلاً: لا يوجد زيارات سرية بعد اليوم.

مارس 2019 : مشاركة وفد من كبار المسؤولين في وزارة العدل الإسرائيلية برئاسة نائبة المدعي العام "دينا زيلبر"، في مؤتمر دولي حول مكافحة الفساد بالإمارات.

يونيو 2019 : مشاركة وزير الاتصالات الصهيوني "أيوب قرا"، في مؤتمر الأمم المتحدة لشؤون البيئة بالإمارات.

1 يوليو 2019 : مشاركة وزير الخارجية الإسرائيلي "يسرائيل كاتز"، في مؤتمر الأمم المتحدة لشؤون البيئة، بأبو ظبي، والتقى مسؤولاً إماراتياً كبيراً، وطرح مبادرة "مسارات للسلام الإقليمي"، من أهم بنودها:

1 - ربط المجالين الاقتصادي والاستراتيجي بين السعودية ودول الخليج عبر الأردن بشبكة السكك الحديدية في إسرائيل.

 2 - التركز على "ضرورة التعامل مع التهديد الإيراني المتعلق بالقضية النووية، وتطوير الصواريخ، ودعم إيران لما أسماه بالإرهاب في المنطقة، والعنف الذي تستخدمه إيران ضد مصالح المنطقة، بحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".

أكتوبر 2019 : مشاركة وزير الخارجية الإسرائيلي " يسرائيل كاتس"، في مؤتمر للأمم المتحدة، بأبو ظبي، وأكد العمل على تحقيق تطبيع علني، والتوصل إلى تفاهمات جدّية مع المسؤولين الإماراتيين.

29 أكتوبر 2019 : زارت وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية "ميري ريغيف"، مسجد "زايد بن سلطان" في أبوظبي، بدعوة رسمية من ولي عهد الإمارة "محمد بن زايد"، بحسب موقع "واللا" الإسرائيلي.

15 ديسمبر 2019 : مشاركة وفد من وزارة العدل الإسرائيلية برئاسة نائبة المدعي العام "دينا زيلبر"، في مؤتمر دولي حول مكافحة الفساد، بأبوظبي.

ديسمبر 2019 : مشاركة 30 شخصية من 15 دولة عربية، من بينهم الناشطة الإماراتية "مريم الأحمدي"، في لقاء تطبيعي واسع النطاق في لندن، بهدف تأسيس "مجلس للتكامل الإقليمي" مع إسرائيل، لتحقيق مزيد من التقدم في تطبيع العلاقات العربية مع تل أبيب. 

نهاية 2019 : لقاء سري ثلاثي في البيت الأبيض، ضم مستشار الأمن القومي الأميركي "روبرت أوبراين" ونائبه، ومستشار رئيس الوزراء الاسرائيلي للأمن القومي "مئير بن شبات"، وسفير الامارات بواشنطن "يوسف العتيبة".

وكانت الإمارات، الدولة العربية الوحيدة التي أرسلت برقية تعزية بوفاة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "أرييل شارون"، والرئيس الإسرائيلي الخامس "إسحاق نافون".


التطبيع الرياضي:

عشر سنوات من التطبيع الرياضي، كأول مجال يتم تدشينه بعد أيام قلائيل من تصفية الموساد القيادي في حركة حماس "محمود المبحوح"، وللتغطية على مشاركة أبوظبي في جريمة التصفية، منعت في فبراير 2010، لاعبة التنس الإسرائيلية "شاحار بئير" من الحصول على تأشيرة لدخول أراضيها، لكنها سرعان ما تراجعت وقبلت بمشاركتها مع وفدى إسرائيلي رسمي، وتبع ذلك القبول بمشاركة فريق جودو إسرائيلي وعزف النشيد الوطني الإسرائيلي ورفع العلم الإسرائيلي في دبي.

وغالباً ما يتم اتخاذ المباريات والنشاطات الدولية كغطاء لتبرير قبول مشاركة لاعبين وفرق يمثلون إسرائيل في الإمارات.


ومن أبرز محطات التطبيع الرياضي:

1 - مشاركة فريق الجودو الصهيوني في ﺑﻄﻮﻟﺔ "ﺍﻟﺠﻮﺩﻭ" ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ بالإمارات عام 2017، واكتفت سلطات أبوظبي بمنع الرموز القومية الإسرائيلية، كرفع العلم والنشيد الوطني، لاعتبارات "أمنية"، تحسُّباً لردة فعل المجتمع الإماراتي، ثم سارع رئيس اتحاد الجودو "محمد بن ثعلوب" لتهنئة نظيره الإسرائيلي بالنتائج التي حققها لاعبوه.

2 - مشاركة إسرائيل رسمياً في سباق بطولة كأس العالم للراليات الصحراوية "كروس كانتري" بأبوظبي في مارس 2018، وبحسب صحيفة "يديعوت أحرنوت"، شارك: "إسرائيليين اثنين في البطولة، بعد دخولهما الإمارات بجوازات إسرائيلية برفقة ثلاثة من الموظفين الإسرائيليين".

3 - مشاركة فريق الدراجات الإماراتي في سباق "جيرو دي إيطاليا"، في مدينة القدس المحتلة، في مايو 2018.

4 - استضافة أبوظبي وفداً رياضياً إسرائيلياً، يضم 25 لاعباً ولاعبة، للمشاركة في منافسات ألعاب كرة السلة والجودو والسباحة والبولينغ، لبطولة ذوي الاحتياجات الخاصة في فبراير - مارس 2019، وأعربت وزارة الخارجية الإسرائيلية يومها عن فخرها بارتفاع عَلمها في الإمارات، من خلال وفدها الرياضي المشارك في الأولمبياد، مؤكدة أنه أكبر وفد رياضي يمثلها في بطولة رياضية على أرض عربية.

5 - مشاركة دراجون إماراتيون وبحرينيون في طواف إيطاليا الشهير، الذي استضافه الكيان الصهيوني في مايو 2019.

6 - مشاركة فريق رياضي إسرائيلي من 5 لاعبين في منافسات بطولة التسامح "غراند سلام أبو ظبي" للجودو الكبرى، في أكتوبر 2019، وظهرت وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية "ميري ريغيف"، خلال المباريات، وهي تصافح رئيس مجلس اتحاد الجودو والمصارعة الإماراتي "محمد بن ثعلوب الدرعي"، بعد فوز أحد اللاعبين الإسرائيليين بذهبية في البطولة.


التطبيع الصحي:

بدأ تنشيط التطبيع في الجانب الصحي مؤخراً، وغالباً ما يتم اتخاذه ذريعة وغطاء لتمرير صفقات عسكرية، ومن أبرز محطاته تزويد الإمارات الكيان الصهيوني بأكثر من 100 ألف وحدة فحص للكشف عن فيروس كورونا، وفقاً لرئيس حكومة العدو الصهيوني في مارس 2020 .

تبعها مفاوضات مكثفة في 25 يونيو 2020، للتعاون في مجال العلوم والصحة ومواجهة كورونا، تمخضت عن سلسلة من الاتفاقيات، بنكهة صحية ومشروب عسكري، منها التوقيع في  2 يوليو 2020 على مذكرات تفاهم بين شركتي "رافائيل" و"الصناعات الجوية" الإسرائيلية، الرائدتان في مجال التكنولوجيا، وشركة الذكاء الاصطناعي "G42" الإماراتية، للتعاون في مجال البحث العلمي وتطوير حلول لمكافحة فيروس كورونا.

وفي 15 أغسطس 2020 وقعت شركة "أبيكس" الوطنية للاستثمار الإماراتية ومجموعة "تيرا" الإسرائيلية، اتفاقاً تجارياً استراتيجياً في مجال تطوير الأبحاث المتعلقة بفيروس كورونا المستجد.

 وفي مايو ويونيو 2020 أرسلت أبوظبي طائرتين إلى مطار "بن غوريون" مباشرة بحجة نقل مساعدات طبية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة، لمواجهة جائحة كورونا، ورفض الفلسطينيون استقبال المساعدات، كي لا تكون غطاء للتطبيع مع الاحتلال.


التطبيع الديني والتعليمي:

مع تسارع وتيرة التطبيع في العقد الأخير، احتل الجانب الديني والتعليم مكانة خاصة في مسار العلاقات الثنائية، بالنظر الى تزايد التبادل التجاري والاستثماري كما سنعرف في المبحث القادم، ما استدعى تفعيل مدخلات التطبيع الثقافي والديني، ووعود لا محدودة بتغيير المناهج التعليمية الإماراتية، وفتح أبواب الإمارات للزوار اليهود، ومنحهم كامل الحرية لممارسة طقوسهم الدينية وإعتمار رموزهم العنصرية.

وتوجد في دبي وأبوظبي جالية يهودية تضم أكثر 3 آلاف إسرائيلي، رغم عدم وجود أي تراث يهودي في الإمارات، ومؤخراً فتحت الجالية اليهودية المتنامية في الإمارات حساب رسمي لها في "السوشيال" ميديا، بما يشهد على تنامي التبادل بين إسرائيل والإمارات خلال العقد الأخير.

بالتوازي مع إعلان الإمارات في 2019 عن إنشاء أول معبد يهودي رسمي في البلاد، سيكون الأكبر من نوعه في المنطقة، من المتوقع افتتاحه رسمياً في العام 2022، وبحسب بيان رسمي نشرته وكالة الأنباء الإماراتية "وام"، في 22 سبتمبر 2019: سيقع المعبد ضمن نطاق مُجمّع للأديان يطلق عليه "بيت العائلة الإبراهيمية" في أبوظبي.

وشهد شهر يناير 2010 أول تواصل ديني، عندما استقبلت الإمارات الحاخام اليهودي "يهودا سيرنا"، وقال يومها: "في الإمارات لا يوجد تاريخ يهودي، والآن يبدأ هذا التاريخ"!، وذكرت صحيفة "مكور ريشون" الإسرائيلية اليمينية، أنه تجوّل "بحرية تامة" في أبوظبي كما لو كان في "مانهاتن" الأميركية، مرتدياً القبعة الدينية "الكيبا" مع رموز واضحة على يهوديته.

تلاها سلسلة من اللقاءات الثنائية بين قادة الإمارات وحاخامات اليهود، في الإمارات وأميركا بعيداً عن الأضواء، غير أن زيارة "ريشون" اكتسبت أهمية خاصة لوضعه الخطوط الرئيسية للتطبيع في الجانب الديني والثقافي، بما في ذلك بدء المشاورات لافتتاح كنيس سري في إحدى فلل دبي، وألقت مجلة "الإيكونوميست" الضوء على هذه الخطوة الجريئة، معتبرة أن افتتاح أول كنيس منذ وقت طويل يؤشر إلى حالة "إحياء يهودية" في الإمارات، ستكون المدخل لمزيد من التطبيع مع الدول العربية، ونشرت موضوعاً مطولاً تحت عنوان: "بعد عقود من نفي اليهود، بعض العرب يريدون عودتهم"، تحدثت فيه عن "فيلا" في دبي، بجدرانها البيضاء، تقع على شاطئ الإمارة، وتقدم دروساً بالعبرية، وما يُعرف بالطعام الحلال لدى الديانة اليهودية "الكوشر"، وعينت تل أبيب حاخاماً للكنيس.

بينما أعادت وكالة "أسوشيتد برس"، التأكيد على أن الكنيس اليهودي السري بدبي، أول كنيس يعمل بشكل كامل في شبه الجزيرة العربية منذ عقود، ونقلت عن رئيس الجالية اليهودية في الإمارات "روس كريل": رؤيتنا المستقبلية هي أن تكون الإمارات مكاناً تزدهر فيه حياة اليهود!!.

ثقافيا: عُقِدت عدت لقاءات منها اجتماعٌ في واشنطن في 2017 بين السفير الإماراتي "يوسف العتيبة" وعضو الكنيست الإسرائيلي السابق "شكيب شنان" - قُتل ابنه في عملية للمقاومة بالقدس- اتفقا فيه على تعزيز التعاون الثقافي بين البلدين.

وفي 2019 زار الإمارات رئيس المنظمات اليهودية الأميركية "مالكولم" "هوين بولي" على رأس وفد يضم 70 شخصية، وقال في تصريح لقناة "جويش برودكاستين سيرفس" اليهودية: الإماراتيين أخبروا الوفد أنهم يعملون على "تغيير" المناهج الدراسية و"تغيير" مجتمعهم من الداخل لتقبل التطبيع مع إسرائيل!!.


المراجع:

1 - عادل الأسطل، العلاقات الإماراتية - الإسرائيلية: مثال للفخر، نون بوست،30 نوفمبر 2015.

2 - عربي بوست، المراحل الأربع للتطبيع بين الإمارات وإسرائيل من السر إلى العلن، 18 يونيو 2020.

وكذا: الإمارات وإسرائيل عقدان من التطبيع الخفي، 9 أغسطس 2020.

3 - موقع المعرفة، العلاقات الإماراتية الإسرائيلية.

4 - الخليج أونلاين، هكذا تصدّرت الإمارات مسيرة التطبيع مع إسرائيل، 31 ديسمبر 2019.

5 - علاقات الإمارات وإسرائيل، 8 أبريل 2019

https://emiratesleaks.com

6 - إلى أين وصلت العلاقات الإسرائيلية الإماراتية؟، 7 نوفمبر 2019

https://paltimesps.ps/p/242176

7 - الإمارات وإسرائيل  .. علاقات حديدية، 18 أغسطس 2017

https://www.al-watan.com/news-details/id/92510

8 - الإمارات 71، ما بين أبوظبي وإسرائيل أعمق من تطبيع وأخطر من علاقات، 6 يناير2020.

الاثنين، 24 أغسطس 2020

الإمارات: الأخت الكبرى لإسرائيل

زيد يحيى المحبشي، مركز البحوث والمعلومات، 24 أغسطس 2020

بنى الكيان الصهيوني الغاصب منذ أكثر من ثلاثين عاماً، آمالاً كبيرة على قبول دول الخليج العربي به ضمن صفقة سلام إقليمية، مع إدراكه أن أي تقدّمٍ في العلاقات معها سيكون مرهوناً بحل القضية الفلسطينية، وتحديداً منذ أن وضع "شمعون بيريز" في العام 1992، معادلته الشهيرة: "العقل الإسرائيلي والمال الخليجي والعمالة العربية الرخيصة"، التي يمكنها مجتمعة أن تنتج ما أسماه "الشرق الأوسط الجديد".

وهذه المعادلة لم تأتي من فراغ، فالمحادثات السرية بين الكيان الصهيوني ودول الخليج تجري على قدم وساق منذ ثمانينيات القرن العشرين، وتحديداً منذ الحرب "الإيرانية – العراقية"، وما تلاها من أحداث أهمها احتلال صدام للكويت، وانصهار الجماعات الدينية التكفيرية في بوتقة تنظيم القاعدة بتخطيط أميركي صهيوني وتمويل سعودي، وما بات يشكله من مخاطر لم يسلم من شضاياها حتى الرعاة والممولين، ما دعى الكيان الصهيوني الى ضرورة إيجاد مقاربة تضمن تحويل المتغيرات لصالح هدفه الأهم، وهو كسر حاجز المقاطعة العربية، وتحويل القضية الفلسطينية الى مجرد مشكلة اقتصادية عابرة، تمهيدا لشطبها نهائيا، واحتواء الرعب الإيراني المتعاظم بقفازات العرب.

بعد أحداث 2011 نجح مهندس العلاقات "الصهيونية – العربية"، رئيس الموساد "يوسي كوهين" – الجاسوس الوسيم - في تطوير آلية جديدة للتعامل مع العرب، مستفيداً من أصوله الشرقية، تقوم على ربط مصائر الأنظمة العربية بالمعلومة الأمنية الإسرائيلية عن الحاضر والمستقبل، لدرجة أنه تم تقزيم دور أجهزة المخابرات في هذه الدول وربطها بالمعلومة الإسرائيلية، وتطويع أجهزة مخابرات هذه الدول بيد "الموساد"، وبفضل ذلك أصبح الموساد من يرسم ويفكك القنابل الموقوتة في الإمارات وغيرها من دول المشرق العربي، وأسس قسماً بـالموساد يتولى مهمة العلاقات الخارجية السرية مع الدول العربية.

ونسج "كوهين" خيوط العلاقة على أساس مصائر الأنظمة، وأثمرت علاقات وزيارات علنية وسرية لدول لم يفصح عنها.

وسنكتفي هنا بتخصيص ثلاثة قراءات متتابعة للحديث عن مدخلات ومخرجات العلاقات "الإماراتية – الصهيونية"، باعتبار الإمارات أخر عناقيد المطبعين، وأكثرهم غرائبية، بالنظر الى أحلام هذه الدويلة الناشئة المتجاوزة حجمها الجغرافي والسياسي والتاريخي، وما تخلل هرولتها الإنبطاحية من مثالب تجاوزت كل المحرمات والمقدسات الدينية والقومية والعروبية. 

وتتحدث إحدى وثائق موقع "ويكيليكس" عن إنتظام الاتصالات السرية الروتينية بين أبو ظبي وتل أبيب منذ منتصف تسعينيات القرن العشرين، بعضها مسجَّلٌ في البرقيات الدبلوماسية الأميركية التي نشرها الموقع، وكشفت برقية دبلوماسية تعود لعام 2009، أن العلاقات بين أبوظبي وتل أبيب إيجابية وعالية المستوى.

وقالت مذكرة قدمها المستشار السياسي للسفارة الأميركية في تل أبيب حينها "مارك سيفرز" أن: وزير الخارجية الإماراتي "عبدالله بن زايد"، طوّر علاقات شخصية جيدة مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية وقتها "تسيبي ليفني".

وذكر دبلوماسي كبير في السفارة الإسرائيلية بواشنطن في العام 2009، أن الإماراتيين: يؤمنون بالدور الإسرائيلي بسبب العلاقات الوثيقة بين إسرائيل وأميركا، ورغبتهم في الاستعانة بإسرائيل في مواجهة إيران، وأنَّ دول الخليج في العموم: تؤمن بأن إسرائيل قادرة على فعل المستحيل، وأشاد بما وصفه: التحالف الاستراتيجي بين إسرائيل والإمارات، وفقاً لوسائل الإعلام الأميركية.

وفي بداية 2017 زارت الامارات باحثة إسرائيلية، وكتبت مقالاً بموقع "المصدر" الإسرائيلي، وأكتفى الموقع بالترميز لإسمها بحرف "م"، من أهم ما جاء فيه: الإمارات منطقة خالية من المواجهات، لذلك تتصرف وكأنها "الأخت الكبرى" المسؤولة في المنطقة التي تسود فيها الفوضى.

ويشير الكاتب البريطاني "أندرياس كريغ " الى أن العلاقة بين أبوظبي وإسرائيل تقوم على التآزر الإيديولوجي المِطواع!.

وأكدت وسائل إعلام إسرائيلية أن: التحالف بين البلدين بدأ قبل 20 سنة، وشمل تعاوناً أمنياً، دبلوماسياً واقتصادياً واسعاً، معظمه بقي سرياً، ثم جاء التهديد النووي من طهران ليعزز هذا التحالف.

ويظهر استطلاع رأي لوزارة الخارجية الإسرائيلية أن 42 بالمئة من عينة إماراتية يؤيدون علاقات مع إسرائيل.

وخلال عام 2019، والذي يمثل ذروة التحول في مسارات التطبيع، وجه "خلف الحبتور" 3 دعوات لتطبيع العلاقات بين دول الخليج وإسرائيل، زاعما أن "التطبيع" و"السلام" سوف يخدم الفلسطينيين، وقال في مقابلة مع مجلة ناطقة باسم الجالية اليهودية في أميركا ان: العرب واليهود أبناء عمومة، ومن الغباء أن يقاتلوا بعضهم بعضاً!.

ميدانياً، كشفت صحفٌ إسرائيلية أن العلاقات بين إسرائيل والإمارات مبنية على المصالح الاقتصادية والعدو المشترك "إيران"، وهي منفصلة  كلية عن القضية الفلسطينية!.

ويعتقد "بن زايد" و"بن سلمان"، أن خدمة مصالح دولتيهما والحفاظ على النظام فيهما "يبدأن" و"ينتهيان" في واشنطن، لكنهما يمران بالضرورة بالرضا الإسرائيلي، لذا تُولي حكومة أبوظبي اهتماماً خاصاً بتطوير العلاقة مع تل أبيب، في ظل "إجماع داخلها على جعل تلك العلاقة من أبرز الأولويات"، وتبادل البعثات الدبلوماسية لم يعد سوى "مسألة وقت"، وفقاً لمستشار الملك البحريني، الحاخام الأميركي "مارك شناير"، في حديث له مع صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية بتاريخ 6 فبراير 2018.

ولكلٍ منهما طموحاته بحسب المستشرق الإسرائيلي "جاكي خوجي": إسرائيل تستفيد بالحصول على بطاقة دخول إلى سوق تجاري ضخم، ووجود علني في منطقة الخليج الغنية، والنابضة بالحياة، أما زعماء الإمارات فهم يحظون بتحالف مع قوة إقليمية عظمى وهي إسرائيل، ووفق ما هو متاح من معلومات، فإن العلاقات آخذة بالتنامي والدفء مع مرور الوقت.

ومن أبرز ذرائع الإمارات للتطبيع: مواجه الخطر الإيراني والإرهاب ودعم عملية السلام في المنطقة، وكلها ذرائع واهية.


الفزاعة الايرانية:

للتطبيع "الإماراتي – الصهيوني" دوافع أمنية تقليدية أكثر، حيث تأمل إسرائيل والإمارات تشكيل جبهة مشتركة ضد إيران ونفوذها في الشرق الأوسط، بحسب موقع "إنتليجينس أونلاين".

ولذا ترى الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية "إليزابيث ديكنسون" أن: انسجام السياسات يجعل تل أبيب والرياض وأبو ظبي أكثر تقارباً، للضغط على إيران وتقليل نشاطها الإقليمي, هي الأولوية الأهمّ لإسرائيل ولعواصم خليجية معيّنة، وجميعها تشعر بأنه من المهم استغلال الفرصة المتاحة حالياً، التي تقوم فيها الإدارة الأميركية – ترامب - أيضاً بإعطاء الأولوية لإيران.

وتحاول الإمارات جاهدة الحفاظ على التوازن في المواجهة مع إيران، ومع العامل الشيعي في المنطقة ككل، رغم الصعوبة الكبيرة التي تعانيها قيادتها في هذا المنحى.

بعد تنصيب الرئيس الأميركي السابق "باراك أوباما"، في ولايته الأولى عام 2009، أعلنت أبوظبي وتل أبيب عن توحيد جهودهما للمرة الأولى، من أجل الضغط على واشنطن لاتخاذ موقف أشد صرامة ضد ايران، وأطلق سفراء إسرائيل والإمارات بواشنطن نداءً مشتركاً في اجتماع مع مستشار الشرق الأوسط لإدارة "أوباما"، لحثها على تبني موقف أكثر حزماً فيما يتعلق بإيران.

ومع قرب انتهاء ولاية "أوباما" الثانية تحدثت الصحف الأميركية عن رصد استخبارات بلادها اتصالات هاتفية متكررة بين مسؤولي أبوظبي وتل أبيب، بما في ذلك بين "نتنياهو" وزعيم إماراتي كبير، واجتماع بين "نتنياهو" والقيادة الإماراتية في قبرص، ركزت على التعاون ضد إيران.

وتسبب الملف النووي الإيراني في توطيد العلاقة بين الإمارات واللوبي الإسرائيلي في واشنطن بمساعدة سفير الكيان الصهيوني "رون ديرمر"، وهو الأكثر نفوذاً في أروقة مؤسسات القرار الأميركية، وأغدقت الإمارات مئات الملايين من الدولارات على مؤسسات اللوبيات الصهيونية بأميركا من أجل الضغط على الإدارة الأميركية ومنعها من توقيع صفقة حلحلة الملف النووي مع طهران.

فاختار السفير الإماراتي في واشنطن "يوسف العتيبة"، خلال السجال الذي سبق توقيع الاتفاق النووي الإيراني، التنسيق مع "إيباك" واللوبي الإسرائيلي للضغط على إدارة "أوباما" ومنعها من توقيع الاتفاق.

وكان "يوسف العتيبة" قد تسلم في 2015، إحاطة من السفير الإسرائيلي لدى واشنطن "رون ديرمر"، بشأن معارضة إسرائيل لخطة العمل الخاصة بالاتفاق النووي مع إيران، وحث أبوظبي على القيام بدور أكثر فعالية في معارضة هذه الصفقة، وفق مجلة "نيويوركر" الأميركية، وأكدت المجلة نقلاً عن مسؤول أميركي سابق، أن آراء "ديرمير" و"العتيبة" متفقة تماماً في كل القضايا، وخصوصاً العداء لإيران ومحاربة الإسلام السياسي، ولفت إلى العلاقات الشخصية القوية القائمة بين الرجلين بعيداً عن وسائل الإعلام.

ويعتبر "العتيبة" رجل الإمارات الأول في واشنطن والمهندس الفعلي لتطبيع العلاقات "الإماراتية - الصهيونية"، وإخراج معاهدة الإستسلام الأخيرة الى حيز الوجود.

وفي 3 يونيو 2017، نشر موقع "إنترسبت" الأميركي وموقع "ميدل إيست مونيتور" البريطاني، عينات من رسائل البريد الإلكتروني المخترق للسفير الإماراتي "العتيبة"، كشف بعضها عن تواصل الإمارات والسعودية مع إسرائيل من أجل التعاون ضد إيران، ورغبة الإمارات في "تطبيع سريع" للعلاقات مع إسرائيل، وعلاقات وثيقة مع مؤسسات الضغط التي تعمل لصالح تل أبيب في واشنطن، مقابل دعم تل أبيب لها في خططها الإقليمية، بما فيها تلك المتعلقة بمجابهة إيران وإعاقة قدرتها على الانخراط في أنشطة تجارية مع كبرى الشركات حول العالم.

وخلال العقد الأخير شهدت واشنطن العديد من اللقاءات بين السفير "العتيبة" وقادة الكيان الصهيوني، منهم "نتنياهو" في مارس 2018، في مطعم "كافي ميلانو" بحي "جورج تاون" في واشنطن، لمناقشة الجهود المشتركة لمواجهة إيران ودورها الإقليمي المتنامي، بحسب وكالة "أسوشيتدبرس"، والسفير الإسرائيلي "رون دريمر" في 3 أبريل 2019، بحفل عشاء نظمه المعهد اليهودي لأبحاث الأمن القومي بواشنطن، لذات السبب.

وفي أوائل ديسمبر 2018، احتضنت إحدى العواصم الخليجية، يرجح أن تكون أبوظبي، لقاءاً أمنياً جمع مدير الموساد "كوهين" وقيادة استخبارات السعودية والإمارات ومصر، لمناقشة كيفية التصدي لنفوذ تركيا وإيران بالمنطقة العربية، وإعادة تأهيل الأسد بحسب موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، وتكوين تحالف "سني – صهيونية" ضد محور المقاومة.  

وسجل شهر فبراير من العام  2019 مرحلة فاصلة في تاريخ العلاقات "الصهيونية - الإماراتية"، من خلال تسريب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي مقطع فيديو من اجتماعات مؤتمر الشرق الأوسط بقيادة واشنطن في "وارسو"، أقر فيه وزير خارجية الإمارات "عبدالله بن زايد"، بـ "حق" إسرائيل في الدفاع عن نفسها من خطر إيران وحزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية، قبل أن يعود لحذفه بعد ساعات.

بالتوازي مع كشف الكاتب الإسرائيلي "عومري نحمياس" في بداية أبريل 2019 عن عمل الإمارات وإسرائيل لإقناع إدارة "ترامب" بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وتهديد وزير الخارجية الإسرائيلي "يسرائيل كاتس"، في ديسمبر 2019، إيران بـ "جبهة سعودية، إماراتية، أميركية" في حال تجاوزها "الخط الأحمر"، وقال: "لا يمكننِ الخوض في التفاصيل، لكن لدينا مصالح مشتركة"، وفي 17 ديسمبر 2019 احتضن البيت الأسود اجتماع  ثلاثي سري، أميركي، إسرائيلي، إماراتي، بهدف التنسيق ضد إيران، ومناقشة تطبيع العلاقات بين أبو ظبي وتل أبيب، بحسب موقع "أكسيوس" الأميركي.

وقالت صحيفة "هآرتس" أن: السعودية والإمارات تتقاسم بشكل دائم مع إسرائيل الكثير من المعلومات الاستخبارية التي تتعلق بالمخاطر الأمنية القادمة من طرف إيران.

وقريباً من "الفزاعة" الإيرانية، اعتبر وزير الدفاع الإسرائيلي السابق "أفيغدور ليبرمان"، في تصريح له بتاريخ يونيو 2017، مشاركة الإمارات في قطع العلاقات مع قطر "فرصة ممتازة لتوحيد الجهود مع إسرائيل في المعركة ضد الإرهاب"، رغم أن قطر من الدول المطبعة، وللكيان الغاصب مكتب تجاري فيها، إلا أن تقاربها مع إيران مؤخراً في بعض القضايا الإقليمية، وتعليق مشاركتها في عدوان العاصفة على اليمن، جعلها محل سخط الإمارات والسعودية، لكن لا زالت شعرة معاوية متصلة مع تل أبيب.

وكذا الحال بالنسبة لليمن، والمخاوف الصهيونية من سيطرة حركة "أنصار الله" على هذا البلد المتحكم بـ "باب المندب"، وتحويله الى ساحة جديدة لمحور المقاومة والممانعة، وما يشكله ذلك من خطر وجودي على دولة الكيان الغاصب، ما دفع الصهاينة الى التنسيق اللوجستي والاستخباراتي مع السعودية والإمارات في حربهما الإجرامية ضد اليمن، وتدريب مرتزقة التحالف العبري بإرتيريا، ومد تحالف العار السعودي الإماراتي بالأسلحة الفتاكة لقتل اليمنيين، كما حدث في فج عطان، والمساعدة في احتلال الجزر والمدن الساحلية اليمنية، وأخرها الحديث عن توجه ضباط إماراتيين وإسرائيليين الى جزيرة سقطرى، كما وقعت الإمارات مع تل أبيب إتفاقاً لمد الجماعات الموالية لها في جنوب اليمن وليبيا بالسلاح.

وإجمالاً: أينما وُجِدَت الإمارات وُجِدَت إسرائيل، ووُجِدَ معهما الخراب والدمار.

ولا تستغربوا في قابل الأيام والشهور من انضمام موالي التحالف العبري في اليمن الى قافلة المطبعين، وما نسمعه اليوم من تصريحات لبعض قادة الموالي، لها ما بعدها، وهذا الموضوع في غاية الخطورة ويحتاج الى قراءة مستفيضة.

ونكتفي هنا بإيراد شهادة لأحد المستشرقين الصهاينة، للتأكيد على الأهمية التي يحتلها اليمن في الاستراتيجية الصهيونية، هو "إيهود يعاري"، في تقرير نشرته القناة العبرية 12، في منتصف 2017 بمناسبة سيطرة القوى اليمنية الموالية للإمارات على جزيرة سقطرى: إسرائيل سعيدة بهذه الجهود الإماراتية لمنع الهيمنة الإيرانية على طريق الشحن البحري إلى إيلات، ان نظرة إسرائيلية سريعة على الخريطة توضح أن سقطرى تهيمن على ممرات الشحن من وإلى البحر الأحمر، ولها أهمية استراتيجية هائلة تحظى بمراقبة كثيفة من أجهزة الأمن الإسرائيلية، إسرائيل على استعداد "لتقديم المساعدة بالمعدات العسكرية" في الحروب التي لا نهاية لها في اليمن، لأن إسرائيل لا تريد أن تقع سقطرى في أيدٍ معادية لها.

وطبعاً المسيطر حينها على سقطرى، ليس "أنصار الله" ولا إيران، بل ميليشيات عشّار اليمن "هادي"، وعِش رجباً ترى عجباً.


المتاجرة بالقضية الفلسطينية:

من المفارقات المضحكة رفع الكيان الإماراتي قميص القضية الفلسطينية لتبرير تقاربه مع الكيان العبري، وهو الذي لم يُعطي هذه القضية أي اهتمام، بل كان على الضد خنجراً مسموماً في خاصرة الفلسطينيين، خصوصاً في العقدين الأخيرة، وأحد أبرز المتآمرين على القضية الأولى للعرب والمسلمين، لدرجة منع أبو ظبي رفع علم فلسطين داخل الأماكن العامة ومؤسساتها الرسمية، وترحيل أي فلسطيني ينتمي لأي حركة من حركات المقاومة وتصفية أعماله بعد اعتقاله، بل وتصفية قادة المقاومة بالتنسيق مع الموساد الصهيوني، والعمل على تصفية القضية الفلسطينية من بوابة ما بات يُعرف بالسلام الاقتصادي، وصفقة القرن.

وبالنظر الى حيثيات معاهدة السلام الأخيرة بين الإمارات والكيان الصهيوني، والتي ليست سوى حلقة من حلقات الشراكة العميقة القائمة على دوافع أيديولوجية بين إسرائيل في عهد "نتنياهو" وبين رؤية الإمارات لنظام إقليمي جديد، لا يستغرب الكاتب البريطاني "أندرياس كريغ" أن تكون إسرائيل "معجبة" بأبوظبي وترغب لها في لعب دور رائد في "مبادرة السلام" البائسة للرئيس الأميركي "ترامب"، ونتيجة لذلك، تبنى مستشار الرئيس الأميركي "جاريد كوشنر"، وجهة نظر "بن زايد" حول الفلسطينيين كمقياس للتسامح العربي مع عملية "الغدر" التي يتعرض لها الفلسطينيون.

ورغم أن خطة الإقتضام الصهيونية للأراضي الفلسطينية وأخرها العمل على ضم 30 بالمئة من مساحة الضفة الغربية "المستوطنات وغور الأردن"، ماتزال غير نهائية، إلا أنها تنسجم تماماً مع حل الدولة الواحدة، كما يراه "كوشنر"، وهو الأمر الذي أقره "محمد بن زايد" خلال محادثات خاصة أجراها مع صهر الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" .

وعلى الرغم من أن أبوظبي قد يساورها القلق إزاء رد فعل جمهورها على إقرارها خطة الضم الإسرائيلية، إلا أن حكامها يدركون أن التعبير العلني عن رفض الإجراء الإسرائيلي في فلسطين قد يكون كافياً للحفاظ على عمق ومرونة ما هو أكثر من مجرد "زواج مصلحة" بين أبوظبي وإسرائيل يعود على الطرفين بمنفعة مشتركة.

وفي هذا السياق يمكن تفسير إعلان "بن زايد" عقب إفصاح "ترامب" عن معاهدة السلام الإماراتية الصهيونية، "توقيف" اسرائيل عمليات الاستيطان مقابل معاهدة السلام، وخروج "نتنياهو" بعدها مباشرة للتأكيد على "التوقف" المؤقت وليس "الإلغاء"، بمعنى تخدير وعي الجمهور العربي والإماراتي تحديداً ريثما تُؤتي سحابة التطبيع ثمارها، على أن هذه المعاهدة برمتها ليست سوى فصل من فصول صفقة القرن، وسنكتفي في هذه العجالة بإيراد نماذج بسيطة من جرائم إمارات "بن زايد" بحق القضية الفلسطينية، وهي بحاجة الى قراءة مستفيضة مستقلة.

1 - إقدام الموساد في 19 يناير 2010 بالتنسيق مع المخابرات الإماراتية على اغتيال القيادي العسكري في حركة حماس "محمود المبحوح" في دبي، بعد يومين فقط من زيارة وزير البنية التحتية الإسرائيلي "عوزي لانداو"، لأبو ظبي، وبعدها بأسبوعين استقبلت دبي فريقاً رياضياً صهيونياً، وكأن شيئاً لم يحدث.

2 – منع عقد مؤتمر لحركة حماس في الدوحة، كما كشفت عن ذلك عينات من البريد الإلكتروني المخترق لسفير دول الإمارات في واشنطن، "يوسف العتيبة"، تحدث بعضها عن اتصالات إماراتية أميركية صهيونية بهذا الصدد، نشرها موقع "إنترسبت الأميركي" في 3 يونيو 2017.

3 – المشاركة في تدشين صفقة القرن، وقد كان رجل الأعمال المقرب من الطبقة الحاكمة بالإمارات "محمد العبّار" أبرز الحاضرين في صيف عام 2019 بورشة البحرين، الخاصة بإعلان الشق الاقتصادي لصفقة القرن الأميركية بخصوص تصفية القضية الفلسطينية، ووصف الإعلام العبري "العبّار"، يومها بأنه: "مُحِبٌّ للشعب الإسرائيلي".

4 – المشاركة في عمليات التهويد بغزة والقدس، ففي العام 2005 قررت اسرائيل الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة "فك الارتباط"، وشمل القرار التخطيط  لتدمير 21 مستوطنة، فقامت شركة "إعمار" بشراء تلك المستوطنات بـ 56 مليون دولار، وهي أكبر شركة عقارية في الإمارات، يديرها "محمد العبّار"، زار يومها تل أبيب سراً، والتقى برئيسها "شمعون بيريز" ورئيس وزرائها "أرييل شارون"، ووقع معهما الصفقة، وبعد أسابيع التقى ولي العهد "محمد بن زايد" بسفيرة واشنطن في الإمارات "ميشيل ساسون"، وأبلغها عدم اعتراضه على صفقة "العبّار" من حيث المبدأ، وأنه يرى من الأفضل الاستفادة من هذه المساكن بدلاً من هدمها، ومن يومها بدأ إسم "العبّار" يخطف أضواء أولياء نعمته في الكيان العبري.

وفي مايو 2016، كشف الموقع الإلكتروني للقناة الإسرائيلية الثانية، عن تورط رجال أعمال إماراتيين في مشروع "تهويد" مدينة القدس والبلدة القديمة فيها، من خلال شراء منازل من الفلسطينيين وممتلكات عقارية، ثم نقل ملكيتها إلى مستوطنين يهود، عبر وساطة القيادي المفصول من حركة "فتح" الفلسطينية "محمد دحلان".

وأكد نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، الشيخ " كمال الخطيب" استمرار "طحنون بن زايد" في تسريب عقارات من مدينة القدس المحتلة: إماراتيون يحولون ملكية عقارات في القدس إلى إسرائيليين بعد شرائها عبر وسطاء، وشخصيات إماراتية مارست التضليل والتدليس لشراء منازل من فلسطينيين في القدس لبيعها لاحقاً لإسرائيليين.

وتحدثت ندوة عقارية في الضفة الغربية عن قيام بعض رجال الأعمال بشراء عقارات في حي "سلوان" بالقدس المحتلة لصالح إماراتيين، وبهذه الحجة تم تسريب 18 شقة لصالح جمعية "عطيرت كوهنيم" الاستيطانية الصهيونية، التي تستولي على بيوت القدس المحتلة في سلوان.

5 – مشاركة الطيران الإماراتي، الكيان الصهيوني في العدوان على غزة في العام 2012 و2019 بحسب الكاتب الصهيوني "إيدي كوهين"، ومن قبلها على لبنان.


المراجع:

1 - أندرياس كريغ، الإمارات وإسرائيل أكثر من مجرد "زواج مصلحة"، موقع ميدل إيست آي البريطاني، 8 يوليو 2020.

2 - منية فاضل، دول الخليج وإسرائيل: الإمارات أقرب الأصدقاء والكويت خارج السرب، البيت الخليجي، 22 مايو 2017.

3 - الخليج الجديد، الإمارات وإسرائيل .. تعاون استراتيجي نسجته مخاوف مشتركة، 28 نوفمبر 2019.

4 – الإمارات 71، ما بين أبوظبي وإسرائيل أعمق من تطبيع وأخطر من علاقات، 6 يناير2020. 

5 - عدنان أبو عامر، مستشرق يهودي يستعرض خفايا علاقات إسرائيل والإمارات، عربي21، 27 ديسمبر 2019

6 - صالح النعامي، اتصالات إسرائيلية إماراتية مكثفة لتدشين علاقات دبلوماسية علنية، فرانس برس، 28 ديسمبر 2019.

7 - عربي بوست، الإمارات وإسرائيل عقدان من التطبيع الخفي، 9 أغسطس 2020.

8 - الشرق القطرية، الإمارات تدخل مرحلة التطبيع العلني مع إسرائيل .. هل الثمن هو فلسطين؟، 4 يوليو 2020.


الجمعة، 7 أغسطس 2020

الغدير: عيد الله الأكبر

 زيد يحيى المحبشي؛ مركز البحوث والمعلومات؛  8 أغسطس 2020

في السنة العاشرة من الهجرة قرر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أداء فريضة الحج، والتي سُميت بحجة الوداع، فاجتمع المسلمون من كل حدب وصوب ليشهدوا مع نبيهم أخر أركان الدين، ويتحدث الرواة عن انضمام نحو 120 ألفاً الى الموكب النبوي بالمدينة، عدا الذين انضموا اليه في الطريق والتحقوا به من اليمن مع الامام علي عليه السلام وأبو موسى الأشعري، بينما قال "محمد فريد وجدي" في الجزء الثالث من "دائرة المعارف" أن عدد الحجاج بلغ  90 ألفاً، وذكر "عبدالحسين الأميني" في "الغدير" أن عددهم 124 ألفاً، وفي رواية 114 ألفاً، وأياً كان الرقم الصحيح فالمؤكد أنهم عشرات الآلاف وأن من شهد الحج مع الرسول كان معه في غدير خم.

بعد فراغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أداء فريضة الحج، شد الرحال الى المدينة وتحديداً يوم الثامن عشر من ذي الحجة، وفي الطريق نزل عليه جبريل الأمين بآية التبليغ: " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ" المائدة  67، وفيها أمر إلهي واضح بتبليغ ولاية الإمام علي عليه السلام، وعدم الالتفات الى أقاويل المرجفين.

إغتم رسول الله لذلك، وأمر بتوقف الموكب في منطقة تسمى بغدير خم في الجحفة، على مفترق الطرق بين مكة والمدينة ومصر والشام والعراق، وأمر أن يلحق به من تأخر عنه، ويرجع من تقدم عليه، فاجتمع المسلمون حول نبيهم وأدركتهم صلاة الظهر، وكانت الشمس ملتهبة، وبعد فراغه من الصلاة قام بتبليغ ما أمره الله به، من ولاية أمير المؤمنين، وأمرهم بأن يبلغ الشاهد منهم الغائب، وأمر الحاضرين ببناء خيمتين واحدة له والثانية للإمام علي عليه السلام وتقديم التهاني للامام علي بإمرة أمير المؤمنين، واستمرت المبايعة ثلاثة أيامٍ متوالية، وكلما بايع فوج، قال رسول الله: "الحمد لله الذي فضلنا على جميع العالمين".

وقبل أن يتفرق المسلمون نزل جبريل عليه السلام بآية إكمال الدين: "اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا" المائدة 3، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، والولاية لعلي بعدي".

 ومن المصادفات العجيبة التي ذكرها السيد العلامة مجدالدين المؤيدي مبايعة الإمام علي عليه السلام بالخلافة في يوم الجمعة 18 ذي الحجة 35 هـ، وهو نفس يوم واقعة الغدير الشهيرة، ولهذا الاتفاق شأن عظيم.

ومن يومها والناس تحتفي في الثامن عشر من ذي الحجة بعيد الغدير الأغر إقتداءً بنبيهم صلى الله عليه وآله وسلم، ويكفينا هنا للتأكيد على عظمة هذا اليوم ما رواه صفوان بن يحيى عن جعفر بن محمد عليه السلام: "الثامن عشر من ذي الحجة عيد الله الأكبر، ما طلعت عليه شمسٌ في يومٍ أفضل عند الله منه، وهو الذي أكمل الله فيه دينه لخلقه، وأتم نعمه، ورضي لهم الإسلام ديناً، وما بعث الله نبياً إلا أقام وصيه في مثل هذا اليوم، ونصّبه علماً لأمته".

وخبر الغدير من الأحاديث الصحيحة المتواترة لدى علماء السنة والشيعة، وكتب عنه الكثير من علماء الفريقين، وإحيائه لا يشكل أي قدح في الصحابة، بل هو تكريم لأحدهم، وقد إعتاد اليمنيون على إحيائه منذ المئة الاولى للهجرة، ويتم الاستعداد له من يوم عيد الأضحى، وهو عندهم من الأعياد المقدسة الى يوم الناس.


* واقعة الغدير:

روى الامام القاسم ابن إبراهيم عليه السلام في "الكامل المنير" عن أبي أحمد قال: حدثني من أثق به، عن الحكم بن ظهير، عن أبيه، وعبدالله بن حكيم بن جبير قال: "أي القاسم عليه السلام": وهؤلاء المخالفون - لنا و- لكم، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم، قال: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع، أنزل الله عليه: "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ"، وخرج مذعوراً نحو المدينة، وأصحابه معه حتى قدم الجحفة، فنزل على غدير خم، ونهى أصحابه عن سمرات في البطحاء متقاربات، فنزل تحتها وهي شجرات عظام.

فلما نزل القوم في سواهن، أرسل إليهم سبعين رجلاً من العرب، والموالي، والسودان، فشك شوكهن، وقم ما تحتهن – أي أزالوا الشوك والأحجار وعملوا منبراً من أحداج الإبل.

ثم أمر بالصلاة جامعة، واجتمع المسلمون، وفيمن حضر علي بن أبي طالب، والحسن، والحسين أبناء علي، والعباس وولداه عبدالله، والفضل، وفيهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، ومعاوية، وطلحة، والزبير، وعبدالرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعيد بن زيد بن نفيل، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر، وعمرو بن العاص، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، وأبو هريرة، وأبو الحمراء مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعبدالله بن مسعود، وجابر بن عبدالله الأنصاري، وعامة قريش ووجوه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عقبي، ومهاجري، وأنصاري، وغيرهم من بدوي، وحضري، حتى امتلئ الروح – تحت الشجر - وبقى أكثر الناس في الشمس، يقي قدميه بردائه من شدة الرمض.

 فصلى صلى الله عليه وآله وسلم تحتهن ركعات، ثم قام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "يأيها الناس إنه نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعش نبيٌ قط إلا نصف عمر الذي يليه من قبله، وإني أوشك أن أُدعى فأجيب، وإنكم مسؤولون، هل بلغتكم ما أرسلت به إليكم، فماذا أنتم قائلون؟".

فقام من كل ناحية من القوم يقولون نشهد أنك عبدالله ورسوله قد بلغت رسالاته وجاهدت في سبيله وصدعت بأمره وعبدته حتى أتاك اليقين، جزاك الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الجنة حق، والنار حق، والبعث بعد الموت حق، وتؤمنون بالكتاب كله".

قالوا: بلى.

فرفع النبي يده ثم وضعها على صدره، ثم قال: "وأنا أشهد بذلك، اللهم اشهد"، ثم قال: "ألا لعن الله من ادعى إلى غير أبيه، لعن الله من تولى غير مواليه، ألا ليس لوارث وصية، ولا تحل الصدقة لآل محمد، ومن كذب علي فليتبوأ مقعده من النار، أيها الناس ألستم تشهدون أن الله مولاي، وأن الله مولى المؤمنين، وأنا أولى بكم من أنفسكم".

قالوا: بلى نشهد أنك أولى بنا من أنفسنا.

فأخذ صلى الله عليه وآله وسلم بيد علي بن أبي طالب عليه السلام، فرفعها، ثم قال: "من كنت أولى به من نفسه فهذا علي مولاه، اللهم والِ من ولاه، وعادِ من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من بغضه، وأعن من أعانه، وأنصر من نصره، وأقتل من قاتله، وأخذل من خذله، ..".

ثم أرسل يده، فقال رجل من القوم: ما بال محمد يرفع بصبع – وفي رواية بضبعي وفي أخرى بيد - ابن عمه، فسمعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتغير لذلك وجهه، فلما رأى ذلك الرجل أن رسول الله قد علم به، واشتد عليه أقبل على "علي"، فقال له: هنيئاً لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.

ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيد علي الثانية، فقال: "أيها الناس اسمعوا ما أقول لكم، إني فرطكم على الحوض، وإنكم واردون عليَّ الحوض، حوضاً أعرض مما بين صنعاء إلى إيلة – فلسطين - فيه كعدد نجوم السماء أقداح، إني مصادفكم يوم القيامة، ألا وإني مستنقذ رجالاً، ويختلج دوني آخرون، فأقول يا رب أصحابي أصحابي، فيقال: إنهم أحدثوا وغيروا بعدك، وإني سائلكم حين تردون عن الثقلين؟ فانظروا كيف تخلفوني فيهما".

فقام رجل من المهاجرين، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما الثقلان؟.

قال: "الأكبر منهما كتاب الله ما بين السماء والأرض طرف منه بيد الله وطرف بأيديكم فتمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا، والأصغر منهما عترتي أهل بيتي، فقد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فلا تعلموا أهل بيتي فإنهم أعلم منكم، ولا تسبقوهم فتمرقوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تتولوا غيرهم فتضلوا، يأيها الناس أطيعوا قولي، واحفظوا وصيتي، وأطيعوا علياً فإنه أخي ووزيري وخليفتي على أمتي، فمن أطاعه فقد أطاعني، ومن خالفه فقد خالفني، ..".

ثم أرسل يده فقال: "يا علي أكتب بما أوصيتهم به - عليهم - كتاباً".

فلما أن كتب وأشهد الله عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بإبلاغهم ذلك اليوم، أخذ الكتاب فقال لهم بصوتٍ عال: "أيها الناس هل بلغتكم ما في هذا الكتاب".

قالوا: اللهم نعم.

قال: "اللهم اشهد وكفى بك شهيداً"، ثم رفع صوته فقال: "أقيلكم".

فقالوا: نعوذ بالله ثم بك يا رسول الله من أن تقيلنا أو نستقيلك.

فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "اللهم اشهد أني قد جعلت علماً يُعرف به حزبك عند الفرقة هادياً عليَّ"، فناوله الكتاب.

وبعد فراغه صلى الله عليه وآله وسلم قام حسان بن ثابت، وقال في ذلك:

يُناديهمُ يوم الغدير نبيّهم .. بخمٍّ فأسمِع بالرسول المناديا

وقد جاءه جبريلُ عن أمر ربه .. بأنك معصومٌ فلا تكُ وانيا

وبلغهم ما أنزل اللهُ رُبُهم .. اليك ولا تخشى هناك الأعاديا

فقام بهم إذ ذاك رافعُ كفِّهِ .. بِكفِّ عليٍ مُعلن الصوت عاليا

وقال: فمن مولاكم ووليكم؟ .. فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا!

إلهك مولانا وأنت وليُّنا .. ولن تجدن منا لك اليوم عاصيا

فقال له: قم يا عليُ فإنّني .. رضيتك من بعدي إماماً وهاديا!

فمن كنتُ مولاه فهذا وليُّهُ .. فكونوا له أنصار صدق مواليا

هناك دعا: اللهمّ وال وليَّهُ .. وكن للذي عادى علياً معاديا

فقال رسول صلى الله عليه وآله وسلم: لا تزال يا حسان مؤيداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك.

وتبعه عمر بن الخطاب فقال للإمام علي: بخٍ بخٍ يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.

وقبل أن يتفرق القوم نزلت آية إكمال الدين كما ذكرنا آنفاً، قال السيد العلامة مجدالدين المؤيدي في ذلك اليوم الذي أنزل الله تعالى فيه على الأصح: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا".


* إن لم يكن خبر الغدير صحيحاً؛ فما الصحيح إذن؟.

نحن أمام حدث غير عادي حضره أكثر من 120 ألف مسلم ومسلمة، وأمر فيه النبي بأن: "يبلغ الشاهد الغائب"، ومن الطبيعي أن يكثر نقل وقائعه والتحدث بها، ويذكر الرواة أنه بعد مرور 25 سنة، طلب الإمام علي في مسجد الكوفة ممن سمع حديث الغدير عن النبي أن يذكره، فنهض من بين الجالسين 30 نفراً ونقلوا الحديث.

حتى ابن تيمية مع شدة معارضته للشيعة قال بصحته في كتابه من حقوق آل محمد صفحة 13: وثبت في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم أنه قال: خطبنا رسول الله بغدير يدعى خم بين مكة والمدينة.

وقال بن حجر الهيثمي في الصفحة 42 من صواعقه المحرقة: ان حديث الغدير صحيح لا مرية فيه .. ولا التفات لمن قدح في صحته ورده.

وعده السيوطي من الأحاديث المتواترة.

وقال الذهبي: بهرتني طرقه فقطعت بوقوعه.

وقال المقبلي في الأبحاث: إن كان هذا معلوماً، وإلا فما في الدنيا معلوم.

رواه ونقله 110 من الصحابة، و84 من التابعين، و360 من أئمة الحديث وحُفاظه، و57 من علماء وحُفاظ القرن الهجري الثاني، و90 من علماء القرن الثالث، و43 من علماء القرن الرابع، و24 من علماء القرن الخامس، و19 من علماء القرن السادس، و21 من علماء القرن السابع، و18 من علماء القرن الثامن، و16 من علماء القرن التاسع، و13 من علماء القرن العاشر، و25 من علماء القرون الهجرية الاخيرة، طبعاً من غير علماء وأئمة الزيدية والإمامية.

وأخرجه ورواه الطبري من 75 طريقاً وأفرد له كتاباً أسماه "الولاية"، وأحمد بن حنبل من 40 طريقاً، وابن جرير من 72 طريقاً، والجزري المقري من 80 طريقاً، وامام المحدثين أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة من 105 طرق، وسعيد السجستاني من 120 طريقاً، وأبو بكر الحصابي من 125 طريقاً، وابن حجر العسقلاني عن 27 صحابياً، ومحمد بن إبراهيم الوزير من 153 طريقاً، وأبو العلاء العطار الهمداني من 250 طريقاً، وعلماء الزيدية من 114 طريقاً, والامام عبدالله بن حمزة في الشافي بأكثر من 105 طرق برواية الموالف والمخالف... الخ.

وممن حضر واقعة الغدير من الصحابة: علي بن أبي طالب، أبو بكر الصديق، عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، عبدالرحمن بن عوف، سعد بن أبي وقاص، عمار بن ياسر، أبو ذر الغفاري، سلمان الفارسي، جابر بن عبدالله الأنصاري، الحسن بن علي، الحسين بن علي، البراء بن عازب، سمرة بن جندب، حذيفة بن اليمان، الزبير بن العوام، طلحة بن عبيدالله، العباس بن عبدالمطلب، عبدالله بن عباس، زيد بن ثابت، زيد بن الأرقم، عبد الله بن عمر بن الخطاب، قيس بن ثابت، أنس بن مالك، عمرو بن مرة، عمر وحبشي بن جنادة، جرير البجلي، جندب الأنصاري، حذيفة بن أسيد الغفاري، أبو أيوب الأنصاري، أبو الطفيل، مالك بن حويرث، حبيب بن بديل، أبو هريرة ..ألخ.

ومن النساء: فاطمة الزهراء، وأم سلمة، وأم هاني بنت أبي طالب، وأسماء بنت عميس، وعائشة بنت أبي بكر ..ألخ.

قال الإمام القاسم بن محمد عليه السلام: وهو حديث مشهور أخرجه كثير من المحدثين، ورواه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثون صحابياً، فكيف يُسوّغ الاعتذار لمن خالف بعد هذا النص علياً!، وبِمَ يلقى الله من لم يكن له موالياً وولياً!.

وقال أبو القاسم الفضل بن محمد: روى حديث غدير خم عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّمَ نحو مائة نفس، منهم العشرة، وهو حديث حسن صحيح ثابت لا أعرف له علة، تفرَّد علي عَلَيْه السَّلام بهذه الفضيلة ليس يشركه فيها أحد.

وقال الإمام عبدالله بن حمزة عليه السلام: هذا الخبر قد بلغ حد التواتر، وليس لخبر من الأخبار ما له من كثرة الطرق.

وقال جمال الدين الهادي بن إبراهيم الوزير: من أنكر خبر الغدير فقد أنكر ما علم من الدين ضرورة؛ لأن العلم به كالعلم بمكة.


* الولاية أخت النبوة:

لم تكن واقعة الغدير بالحدث العابر، بل أراد رسول الله من خلالها التأكيد لأمته عبر التاريخ أن الولاية أخت النبوة، وسياجها المنيع ضد الأعاصير الأهوائية، والتوضيح بأن الولاية مرتبطة بالقيم الإسلامية الأصيلة من الحزم والقوة ورباطة الجأش ومناصرة المظلومين .. الخ، وأن الاعتراف بالولاية يعني التمسك الصادق بالقيم الإسلامية الأصيلة التي دعى اليها صلى الله عليه وآله وسلم طِيلة 23 عاماً، والتنكر للولاية يعني التنكر لما دعى اليه جملة وتفصيلاً.

إذن فالهدف الأسمى من الولاية هو حفظ الدين الإسلامي وضمان ديمومته وعالميته، والنأي بالأمة عن مزلّات القدم، ومنع الإختلاف بعد رسول الله.

وما نريد التأكيد عليه في هذه العجالة هو أن الله لا يقبل التوحيد إلا بالاعتراف لنبيه بنبوته، ولا يقبل الدين إلا بولاية من أمر الله بولايته، بهذا يزول اللبس ويفهم سبب أهمية واقعة الغدير، وسبب أهمية أمر الله بتبليغ الولاية، وسبب رضا الله بذلك، واعتبار التبليغ أخر مهمة لرسول الله قبل رحيله، والتي بها إكتمل الدين وتمت النعمة.

والشاهد على الولاية قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "من كنت مولاه فعلي مولاه"، والمولى في اللغة تعني المالك للتصرف في أمور القوم، وهو أول ما يتبادر للأفهام، وما عدا ذلك فإدعاءات فارغة القصد منها إفراغ الغدير من محتواه الحقيقي.

قال العلامة الشهيد حُميد بن أحمد المحلي الهمداني الوادعي: لو لم يكن السابق إلى الأفهام من لفظة "مولى" المالك للتصرف، وكانت منسوبة إلى المعاني كلها على سواء حملناها عليها أجمع، إلا ما يتعذر في حق علي عَلَيْه السَّلام من المُعتِق والمُعتَق، فيدخل في ذلك ملك التصرف، والأولى المفيد ملك التصرف، فيفيد الإمامة؛ لأنه عَلَيْه السَّلام إذا ملك التصرف على الأمة، أو كان أولى بالمؤمنين من أنفسهم، كان إماماً.

ولو لم يرد في مناقب أمير المؤمنين عَلَيْه السَّلام إلا خبر الغدير لكفى في رفع منزلته، وعلو درجته، وقضى له بالفضل على سائر الصحابة.

وما ذكره حسان بن ثابت – كما عرفنا آنفاً: "رضيتك من بعدي إماماً وهادياً"، دليل على أنه عَقَل من كلام النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّمَ: "من كنت مولاه فعلي مولاه" المالك للتصرف، لأنه عقل منه الإمامة، التي هي مفيدة لملك التصرف، فدل على أن لفظة المولى تفيد ماذكرناه، وقول حسان حجة في ذلك لأنه لا يشكل حاله في معرفة اللغة.

وقد انطوى أيضاً على فضائل عدة سوى الإمامة، ومتى اقتضت فضله على غيره، كان أولى بالإمامة أيضاً، لكونه أفضل، إذ الأفضل أولى بالإمامة من المفضول عند من يمعن النظر.

وقال المقبلي في الإتحاف: أخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والنسائي، عن بريدة .. إلى قوله: فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "يا بريدة ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم?، قلت: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه"، وبهذا الحديث، وما في معناه تحتج الشيعة على أن "مولى" بمعنى: أولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دل مساق كلامه أنه سَوّاه بنفسه، وإلا لما كان لمُقَدِّمة قوله: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم معنى.


* المراجع:

1 - السيد العلامة مجدالدين المؤيدي، التحف شرح الزلف، مركز أهل البيت للدراسات الإسلامية – صعدة.

2 - العلامة الشهيد حُميد بن أحمد المحلي الهمداني الوادعي، مَحَاسِنُ الأَزْهَار في تَفْصِيْلِ مَنَاقِبِ العِتْرَةِ الأَطْهَاْرِ.

3 - القاضي حسين بن ناصر بن عبدالحفيظ النيسائي الشرفي المعروف بالمهلا، مطمح الآمال في إيقاظ جهلة العمال من سيرة الضلال، مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية.

4 - العلامة أحمد بن محمد بن صلاح الشرفي، اللآلئ المضيئة، الجزء الأول.

5 - الإمام القاسم بن محمد بن علي، الاعتصام بحبل الله المتين، الجزء الخامس، طبعة الجمعية العلمية الملكية 1983.

6 – الإمام المرشد بالله يحيى بن الحسين الشجري، الأمالي الخميسية، عالم الكتب – بيروت، الطبعة الثالثة 1983.

7 – أحمد محمد الهادي، السيرة النبوية، مركز النور للدراسات – صعدة ، الطبعة الأولى 1415 هـ.

8 – الشيخ عبدالحسين أحمد الأميني، الغدير في الكتاب والسنة والأدب، دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة الرابعة 1977.

9 – العلامة محمد إبراهيم الموحد، عيد الغدير، مؤسسة الوفاء – بيروت، الطبعة الثالثة 1403هـ.

الأربعاء، 29 يوليو 2020

عبدالوهاب بن يحيى بن حسين المحبشي

رفيق الطفولة صديقي الصدوق الزاهد الورع التقي النقي وجيه الدين وعمدة الشبيبة وجبل الصبر وجوهرة الأخلاق ولؤلؤة التواضع.

مولده بقرية جبل المحبشي في محافظة حجة عام 1977؛ ووفاته في ظهيرة الأربعاء 10 شعبان 1423 هـ، الموافق 10 أكتوبر 2002.

درس الأساسي والثانوية بالمحابشة، ودرس مقدمات العلوم الدينية بجامع القرانة في المحابشة، وجامع الحيد بقرية جبل المحبشي، والجامع الكبير بصنعاء.

عرفته براً تقياً صابراً محتسباً؛ سبّاقاً لفعل الخير، ومد يد العون للناس، وصاحب نخوة ونجدة، ورجل مواقف في الملمات.

ورغم الحياة القاسية التي عاشها لم تكن الابتسامة تفارق وجه البشوش.

فارقنا وعمره لم يتجاوز الخامسة والعشرين بسبب نوبة اغتالت قلبه النقي الطاهر.

لم أرى في حياتي أبناء قريتي يبكون أحداً كعبدالوهاب، لما تركه من أثر طيب استوجب حب الجميع وحزن الجميع.

ارقد بسلام أخي وصديقي رحمة الله تغشاك

 

السبت، 25 يوليو 2020

الحج في زمن دولة بني سعود الوهابية


زيد يحيى المحبشي، مركز البحوث والمعلومات، 25 يوليو 2020
في عهد جاهلية قريش كانت فريضة الحج متاحة لكل الناس، ولم يمنع كفار قريش أحداً من زيارة بيت الله الحرام، باستثناء رسول صلى الله عليه وآله وسلم، لأنهم كانوا يعتقدون بأن معركتهم مع الإسلام ونبي الإسلام معركة وجود، ولم يقحموا فريضة الحج في صراعات القبائل، ولم يجعلوا من الحج الذي كان يمثل حينها جزءاً مهماً من شعائر قبائل العرب الوثنية مادة لتصفية الخصومات والنزاعات السياسية، فكان زائر مكة يلقى عدوه في رحابها فلا يتعرض له بسوء.
وفي عهد جاهلية بني سعود ومن قبلهم بني أمية والقرامطة وآل الزبير، أقحموا فريضة الحج في خِضّم الصراعات السياسية والمذهبية مع الخصوم، بعد أن أفرغوها من محتواها الديني وحوّلوها الى مجرد إطار فارغ، رغم التعديلات الكبرى التي أحدثها الإسلام على الحج ليتناسب مع التوحيد والرسالة العالمية الجديدة المنقذة للبشرية، لكنهم رموا بكل ما جاء به الإسلام عرض الحائط، وحولوا فريضة الحج الى مجرد مطية لتحقيق أهدافهم وأهوائهم ونزواتهم الشيطاني، وقتلوا ضيوف الرحمن في وضح النهار، وصدوا عباد الله عن زيارة البيت الحرام بذرائع ما أنزل الله بها من سلطان، وارتكبوا كل المحرمات في تلك البقاع الطاهرة.
لا وجه للمقارنة بين جاهلية قريش التي لم تعترف بالإسلام وجندت كل قوتها لمحاربة النبي الخاتم، ورغم كل تلك العداوة للإسلام ونبيه لم تُسيّس مناسك الحج، ولم تمنع أحداً من زيارة الحرم المكي، وبين جاهلية بني سعود التي لم تكتفِ بإفراغ مناسك الحج من محتواها وطمس وتدمير ما تبقى من معالم وآثار الإسلام في البقاع الطاهرة بإسم الحفاظ على الإسلام، بل وحوّلت فريضة الحج الى ورقة مساومة وضغط لتمرير سياساتها وأفكارها الهدامة، خدمة لأسيادها في البيت الأسود وتل أبيب.

* الصد عن بيت الله الحرام:
لم يحدث على مر التاريخ الاسلامي وأن أغلقت الكعبة أبوابها بأمر من أحد من الخلفاء أو الأمراء العرب بوجه أي مسلم، لكن السعوديين فعلوها، بعد أن تحوّل الحج في عهدهم المظلم الى ورقة ضغط وابتزاز ضد الخصوم السياسيين والمخالفين في المذهب والفكر، والمعارضين والمنتقدين لجرائم الوهابية السعودية بحق الأمتين العربية والإسلامية، وليس آخرها العدوان الظالم على اليمن، فتمنع من تشاء عن أداء فريضة الحج من دول وجماعات وأشخاص، وترفع نسبة الحج لمن تشاء، ولم يسلم من هذه الإجراءات التعسفية حتى مسلمي الدول غير الإسلامية كما هو حال مسلمي كندا، لمجرد أن النظام الكندي عكر مزاج بن سلمان، وسنكتفي هنا بذكر بعض الشواهد التاريخية على ذلك.
1 - منع اليمنيين والعراقيين والمصريين والشاميين والايرانيين والمغاربة ومن في جهتهم خلال الفترة 1220 – 1223 هـ / 1805 – 1808 م عن أداء فريضة الحج، لادعاء جلاوزة الوهابية بأنهم كفار، واستمر المنع نحو ست سنوات.
ويذكر مؤرخ الوهابية "عثمان بن بشر الحنبلي" في الصفحة 139، من كتابه "المجد في تاريخ نجد"، جانباً من أحداث الحج لسنة 1221هـ / 1806م: "فلما خرج سعود من الدرعية قاصداً مكة أرسل فراج بن شرعان العتبي، ورجالاً معه .. وذكر لهم أن يمنعوا الحجاج التي تأتي من جهة الشام واسطنبول ونواحيهما، فلما أقبل على المدينة الحاج الشامي ومن تبعه، وأميره "عبدالله العظم باشا" والي الشام، أرسل إليه هؤلاء الأمراء أن لا يقدم وأن يرجع إلى أوطانه"، ويضيف مغتراً: "ولم يحج في هذه السنة أحد من أهل الشام ومصر والعراق والمغرب - أي بلاد المغرب العربي كله – وغيرهم، إلا شرذمة قليلة من أهل المغرب، لا إسم لهم".
واستمر بعدها منع الحجاج المصريين والأتراك في نوبات مختلفة كما حدث خلال العامين 1927 و 1943.
2 - منع الحجاج السوريين في العام 1959 من الوصول إلى مكة المكرمة، كما أرجعت القيادة السعودية - الوهابية كسوة الكعبة المشرفة المرسلة من مصر، ومنعت الحجاج المصريين من أداء فرضة الحج ما لم يدفعوا المكوس بالعملة الصعبة، علماً بأن فرض الرسوم على عبادة الله محرمٌ شرعاً، كما منعوا الحجاج اليمنيين بعد ثورة 26 سبتمبر 1962 من الحج.
3 - منع الحجاج الليبيين من أداء فريضة الحج بعد حادثة "لوكربي" الشهيرة نهاية العام 1988 بضغط من واشنطن ولندن وباريس، فقرر القذافي توجيههم الى القدس لأداء الحج بدل مكة المكرمة.
4 - منع الحجاج السوريين منذ العام 2011، بسبب إعلان النظام السوري الحرب على الجماعات الدينية المتطرفة الممولة من السعودية بما فيها داعش والقاعدة، ولا يزال الحجاج السوريين ممنوعين من أداء فريضة الحج الى اليوم، والحال منطبق على حجاج مناطق سيطرة حكومة الإنقاذ الوطني في اليمن، والممنوعين من أداء مناسك الحج منذ العام  2015 بسبب رفضهم للاحتلال السعودي الإماراتي لليمن وتصديهم له بكل بسالة ورباطة جأش، كما منعت الرياض في العام 2015 أقلية "البدون" الكويتية ولا زال المنع سار، دون مبررات وجيهة، وهو ما رأته وزارة الأوقاف الكويتية حينها ظلماً وإجحافاً بحق فئة كبيرة من الشعب الكويتي، وفي العام 2016 تم منع الحجاج الإيرانيين بسبب توتر العلاقة بين البلدين.
5 - منع القطريين من أداء مناسك الحج والعمرة على وقع الأزمة الخليجية المستمرة منذ 5 يونيو 2017، وتهديد عدداً من الدول الإسلامية الفقيرة في إفريقيا بمنع شعوبها من أداء فريضة الحج كما ذكرت صحيفة "لوموند" الفرنسية في عددها الصادر بتاريخ 12 يونيو 2017، بسبب رفضها قطع العلاقة مع قطر.
6 - إخضاع النظام السعودي نسب الحج لأهوائه ومصالحه السياسية، وتؤكد العديد من التقارير الإخبارية قيام الحكومة السعودية برفع حصّة الحجاج للعديد من الدول التي لها مواقف سياسية مساندة للرياض على الساحة الإقليمية والعالمية، وتقليص حصص الدول المنتقدة للنظام السعودي، خصوصاً فيما يتعلق بجزئية تسييس الحج، والتقصير في إدارة شؤون الحج، وعدم الاهتمام بتأمين سلامة الحجاج.

* قتل ضيوف الرحمن:
للقيادة السعودية - الوهابية سجل حافل بالاعتداء على ضيوف الرحمن والتفنن في التنكيل بهم وقتلهم منذ اليوم الأول لتوقيع التحالف المشؤم بين "محمد بن سعود" و"محمد بن عبدالوهاب" عام 1744، وصارت أكثر توحشاً ودموية بعد احتلال مكة والمدينة في العام 1220 هـ/ 1806م، وما تلاه من حصار لمكة والمدينة لمرات عديدة، وقتل الآلاف من ضيوف الرحمن وسكان مكة المكرمة والمدينة المنورة، وتدنيس البقاع الطاهرة والعبث بمقدساتها.
استولى السعوديون في العام 1218 هـ/ 1804 م على مكة المكرمة بدون حرب، فقاموا بهدم القبور والقباب، وكانوا يرتجزون ويطبلون ويغنون ويشتمون القبور ومن بداخلها من الصحابة، وبعد أشهر من العبث في بيت الله الحرام تمكن الشريف غالب من استعادة مكة، وفي العام  1219 هـ / 1805 فرض السعوديون والوهابيون حصار خانق على مكة استمر من ذو الحجة 1219 الى ذو القعدة 1220، وفي المحرم من عام 1220 شنوا سلسلة غارات على أطراف مكة دون مراعاة لحرمة شهر محرم الحرام.
وفي العام 1221 هـ / 1807 م قاموا بهدم قباب المدينة المنورة بما فيها قباب البقيع، ونهب ذخائر الحجرة النبوية من أموال وجواهر، وطرد قاضيي المدينة ومكة وبعض علمائها، وتعيين قضاة من الوهابية، ومنعوا الناس من زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
 وفي 1343هـ / 1924 م انتزعت الدولة السعودية الثالثة مكة بغير قتال، بعدما خرج منها الشريف الحسين وولده علي الى جدة، وقاموا بهدم القباب والمزارات بمكة والمدينة وجدة والطائف، وصب جنودهم الرصاص على قبة قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ويذكر المستر "هامفر" في مذكراته – ضابط في وزارة المستعمرات البريطانية وأحد معاصري ومدربي محمد بن عبدالوهاب - أنه طلب من "محمد بن عبدالوهاب" هدم الكعبة المشرفة، ولكنه اعتذر إليه، وقال أنَّ ذلك غير ممكن، لأن الدولة العثمانية ستواجهه بكل ثقلها لاستئصال حركته، وستكون نتائج ذلك عكسية عليهم وعلى مشروعهم، فصرفوا النظر عن المشروع، ولكن الوهابية لم يألوا جهداً عن صد عباد الله عن بيت الله الحرام ما وجدوا إلى ذلك سبيلا، أملاً في إيقاف فريضة الحج نهائياً، وهو مشروع جاري العمل له على قدمٍ وساق بالتنسيق مع تل أبيب والبيت الأسود.
هذه الحقائق الصادمة تؤكد عدم أهلية الدولة السعودية الوهابية لإدارة المقدسات الإسلامية في الحجاز، وسنكتفي هنا بذكر بعض الشواهد التاريخية لجرائم وهابية الدرعية بحق ضيوف الرحمن والبقاع الطاهرة.
1 –  مجزرة الحجاج اليمنيين في "تنومة" عسير عام 1341 هـ / 1921م، وهي من الجرائم الأكثر فضاعة في تاريخ الوهابية السعودية، استشهد فيها أكثر من 3000 حاج يمني، وامتنع اليمنيون بعدها عن أداء فريضة الحج لأكثر من 13 عاماً، ليعاودوا أداء الحج بعد توقيع اتفاقية الطائف بين الملك السعودي والإمام يحيى في العام 1934م.
2 – جرائم الوهابية في مدينة المصطفى خلال الفترة 1344 – 1346 هـ/ 1925 –  1927 م، وشملت تدمير كل ما فيها من آثار ثورية مرتبطة بانتصارات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على اليهود من بني قينقاع وبني النضير والملوك الخونة، وهدم مساجدها ومآثرها وقبور الشهداء والصحابة، بما في ذلك قباب وأضرحة البقيع، وامعنوا في الآمنين قتلاً ونهباً، وقتلوا ونفوا علماء الدين، وشوهوا كل جمالٍ في مدينة رسول الله، فتشرد الكثير من أهلها، وعملوا على التقليل من أهميتها، وأحلوا بأهلها بعد ذلك كوارث على يد جزار سعودي يدعى "عبدالعزيز بن إبراهيم"، بعثوا به في 10 ربيع الثاني 1346 هـ / 1927 م، قتل هذا الجزار أكثر من 7 آلاف مسلم أكثريتهم من الأطفال والنساء، ومن أشهرها مجزرة محمل بعثة الحج المصرية في منى عام 1926.
وتحدث تقرير للوزير البريطاني المفوض في جدةNORMAN MAYERS  عن قيام الوهابيين في موسم الحج للعام 1926 بقتل 4 من الحجاج الأفغان، وجرح اثنين، لأنهم كانوا يؤدون الصلاة في جبل ثور، حيث اختبأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
3 -  مجزرة جهيمان العتيبي بالحرم المكي في موسم الحج للعام 1979: احتلت حينها جماعة دينية متطرفة بقيادة الضابط في الحرس الوطني السعودي "جهيمان العتيبي" الحرم المكي لمدة 14 يوماً، وفشلت القوات السعودية في التدخّل فاستنجدت بقوات فرنسية، واباحت لتلك القوات غير المسلمة تدنيس صحن الحرم الشريف، وراح فيها الآلاف من حجاج بيت الله الحرام.
ونشرت قناة "الجزيرة" القطرية في 2 فبراير 2020 شهادة لأحد الضباط الفرنسيين المشاركين في تلك المجزرة، يُدعى  "بول باريل" أكد فيها استخدام قذائف غاز يشل الحركة، تزن 7 أطنان، ضُخت في أقبية الحرم المكي، والاستعانة بقناصة فرنسيين في الهجوم، ما تسبب في مقتل  أكثر من 5 آلاف شخص، بينهم على الأقل 3 آلاف حاج، خلافاً للرواية السعودية التي أعلنت مقتل أقل من 300 شخص، بينهم 26 حاجاً فقطـ، ومن بين الضحايا حجاج إيرانيين.
وحول دخول القوات الفرنسية الحرم المكي، قال: كانت لدينا قدم في الداخل وأخرى في الخارج، كنا ندخل الأقبية دون أن نعرف أين نحن، ولم يسألوا عن دياناتنا، بل عن "دقة" قنابل القنص!!.
4 – مجزرة الحجاج الإيرانيين: تسبب ترديد حجاج ايران لشعار البراءة "الموت لأميركا، الموت لإسرائيل"، في 6 ذي الحجة 1407 هـ/ 31 يوليو 1987، في إثارة غضب وهابية الدرعية، ودفع قواتها لإسكاتهم بقوة السلاح في حرم الله الآمن، خوفاً من غضب العم سام، ما تسبب في مقتل 402 مسلم، بينهم  275 حاجاً إيرانياً، وإصابة 649، بينهم 303 حاج إيراني.
وفي العام 2015 قٌتل نحو 4000 حاج، أكثريتهم من الإيرانيين، بسبب إسقاط رافعة بالحرم.
كما شهد العام 1990 مقتل أكثر من 1500 حاج، بسبب التدافع داخل نفق المعيصم بمكة.
وإجمالاً: لم يخلو عام من أعوام الحج إلا وفيه مجزرة للحجاج بدعاوى مختلفة.
5 - اعتداء الأمن السعودي في موسم الحج للعام 2019 على الحجاج الفلسطينيين بعد احتجازهم على الحدود ليوم كامل، ومنعهم من الدخول، رغم حصولهم على تأشيرات حج، ومتفق على دخولهم بالتنسيق بين وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية ووزارة الحج السعودية.

* الحلول البديلة لسعودة الحج:
فرق كبير بين تديين السياسة وتسييس الدين، ففي الشق الأول يتم تذويب فكرة الدين وتقديمها في قالب عملي كهدية انقاذ عالمية، وذلك غاية الإسلام المحمدي الخاتم لرسالات السماء، وفي الشق الثاني يتم افراغ الدين من روحه وتحويله الى  مطية لخدمة مصالح الأنا البشرية المجافية لروح ولب الإسلام، وصدق الله القائل "الذين اتخذوا القرآن عضين" والشاهد "عضين" والتي تعني: منجماً بحسب أهوائهم ونزواتهم ومصالحهم، وهو ما دأبت عليه القيادة السعودية الوهابية، في تعاملها مع فريضة الحج واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية.
الاستخدام الوهابي القذر لورقة الحج في البازار السياسي لاقى ردود عنيفة من مختلف مكونات المجتمع الإسلامي، لأن النظام السعودي يقوم بتسييس مناسك روحية ودينية ومعنوية بحسب الأكاديمي الإيراني الدكتور "حسن هاني زاده"، ما يستدعي تشكيل هيئة إسلامية تحت إشراف منظمة التعاون الإسلامي، بحضور وفود من كل الدول الإسلامية تنظم وتشرف على مناسك الحج، وتوفر الأمن والراحة للحجاج، دون تمييز على أساس مواقف سياسية، وهذا ربما يكون مفيداً للسعودية، بالنظر إلى أنها لم تتمكن من توفير الأمن للحجاج على مدى السنوات الأخيرة، مما أدى إلى وقوع أحداث طالت العديد من الحجاج من جنسيات مختلفة.
الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح المغربية ونائب الأمين العام لاتحاد علماء المسلمين، الشيخ "أحمد الريسوني" في مقابلة مع قناة العالم الإيرانية بتاريخ 21 أغسطس 2018، وجه انتقادات حادة للسعودية، متهماً إياها بمنع سياسيين معارضين من حقهم في أداء فريضة الحج، والتضييق على الوفود التي لها خلافات معها، والسعي الى "سعودة الحج".
ويؤكد عضو الرابطة المحمدية للعلماء المسلمين في المغرب الشيخ "عبدالحافظ صادق" أن استغلال السعودية للحج، للضغط على الدول الإسلامية والعربية لتبني سياساتها أو حتى لرشوة أشخاص سياسيين وإعلاميين ودبلوماسيين ليكونوا أبواقاً لها، يدافعون عن مصالحها وخصوماتها مع الدول الإسلامية الأخرى، أمر مرفوض شرعاً وقانوناً.
واتهم الناشط الحقوقي السعودي "يحيى عسيري" نظام بلاده باستغلال فريضة الحج لترسيخ وتقوية دعائم السلطة التي تستبد بالإدارة والقرار، وحتى بالتفسير الديني للدين الإسلامي الحنيف، وتستبد بكل ما يجري على هذه الأرض حتى المقدسات، التي أصبحت مثل "الرهن" الموجود تحت يد السلطة السعودية.
ودعا مفتي ليبيا الشيخ "الصادق الغرياني" جميع المسلمين إلى مقاطعة الحج، ومن يذهب للحج مرة ثانية إنما يرتكب إثماً، لأن ضخ أموال الحج في الاقتصاد السعودي يسهم في تمويل صفقات الأسلحة التي تبرمها الرياض، وتغذي الهجمات المباشرة التي تشنها على اليمن، والهجمات غير المباشرة على سورية وليبيا وتونس والسودان والجزائر، وعليه فالاستثمار في الحج سيساعد الحكام السعوديين على ارتكاب جرائم ضد إخواننا المسلمين.
إذن فالحل الوحيد هو إشراك الدول والمؤسسات الإسلامية في إدارة الحرمين الشريفين، والضغط لضمان قيام السعودية بإدارة جيدة للمشاعر المقدسة، والحفاظ على المواقع التاريخية الإسلامية، وعدم تسييس الحج والعمرة، ومنع استفراد الرياض بالمشاعر المقدسة، وفصل الحج عن السياسة.
ويرى الكاتب العربي محمود عبداللطيف أن الحل الأمثل لحماية المقدسات الدينية في مكة المكرمة والمدينة المنورة، هو تحويلها إلى مناطق محايدة سياسياً، غير خاضعة للسلطة السعودية، بمعنى أن تقوم الدول الإسلامية بتحويل الكعبة والمسجد النبوي والمناطق العائدة لهما والمتعلقة بالحج إلى أراضٍ محايدة بشكل مطلق تتبع منظمة المؤتمر الإسلامي، وفق مفهوم التعامل الدبلوماسي مع السفارات في دول العالم.
واستحضار الفكرة الدبلوماسية للتعامل مع الحرمين الشريفين لتحييدهما عن السياسة والمنطق الانفعالي الذي ترمي به التوترات السياسية بين الحكومات، ومن ثم الشعوب، وفق المفهوم والأعراف المتبعة دبلوماسياً، يضمن سيادة السعودية الكاملة على مكة والمدينة المنورة دون أن يكون لها حق حرمان أي مسلم من الحج أياً كانت الأسباب، وبهذه الطريقة نضمن حياد الأماكن المقدسة في أرض الحجاز، على أن تدار من قبل منظمة المؤتمر الإسلامي أو مؤسسة بديلة تنشأ بالتوافق بين الدول الإسلامية، من خلال التوقيع على معاهدة دولية يضع بنودها مجموعة من علماء المسلمين والقانون الدولي، وبدورها تقوم باختيار مجلس من العلماء المشهود لهم من كل المذاهب، تناط بهم مهمة الإدارة الدينية لمراسم الحج، وتقسيم عائداته على فقراء المسلمين أو إنشاء مشاريع تكون وقفاً إسلامياً يستفاد من عائداتها في رعاية جياع المسلمين في المناطق المنكوبة بالحروب والصراعات والكوارث الطبيعية.
وبذلك نضمن عدم استخدام المال العائد من موسم الحج على السعودية في تمويل قتل المسلمين في سورية واليمن وليبيا والعراق، وتمويل المشاريع "الصهيو – أميركية" في المنطقة.
وفيما يخص تأمين الكادر الحامي للحجيج والمنظم لأمورهم، يكون الأمر بالتداول بين الدول الموقعة على الاتفاق..الخ.

* المراجع:
1 - العلامة محسن الأمين، كشف الارتياب في أتباع محمد بن عبدالوهاب، طبعة بيروت عام 1991.
2 - العلامة أبو العُلى التقوي، الفرقة الوهابية في خدمة من؟، دار الإرشاد للطباعة والنشر- بيروت، طبعة عام 1997.
3 - د. محمد الصغير، تسييس الحج، موقع الجزيرة القطرية، 4 أغسطس 2017.
4 - د. حمود عبدالله الأهنومي، العدوان السعودي على حجاج بيت الله الحرام، مجلة الاعتصام، العدد 12، أغسطس – سبتمبر 2016.
5 - زيد يحيى المحبشي، الحج .. أبعاد ودلالات، صحيفة الأمة، العدد 268 ، 6 فبراير 2003.
6 - أحمد عبدالرازق، هل ترون أن السعودية تُسيّس الحج فعلا؟، موقع بي بي سي البريطانية، 1 أغسطس 2017 .
7 - حافظ المرازي، الحج بين التسييس والتدويل، موقع الحرة الأميركية، 11 أغسطس 2017.
8 - محمود عبداللطيف، ضرورات تحرير الحرمين من تسلط آل سعود، سيرياستيبس- عربي برس، 26 سبتمبر 2015.
9 - فكري عبدالمطلب، الأضرار الدينية والاجتماعية للاحتكار الوهابي لإدارة الحج خلال ثمانون عاماً، المؤسسة العالمية لبناء البقيع.
10 - الخليج أونلاين، إخفاء الحقائق .. سياسة سعودية لتغييب العالم عن انتهاكاتها، 6 فبراير 2020.
11 - موقع البينة للدراسات والأبحاث الوهابية، منع الحجاج من الوصول إلى بيت الله الحرام، 10 يونيو 2017.
12 - العربي الجديد، تسييس الحج .. ورقة ضغط قديمة بيد السعودية، 1 أغسطس 2017.
13 - قناة العالم الإيرانية، تسييس الحج .. الأهداف والعواقب، ٢١ أغسطس ٢٠١٨.