Translate

الاثنين، 24 أغسطس 2020

الإمارات: الأخت الكبرى لإسرائيل

زيد يحيى المحبشي، مركز البحوث والمعلومات، 24 أغسطس 2020

بنى الكيان الصهيوني الغاصب منذ أكثر من ثلاثين عاماً، آمالاً كبيرة على قبول دول الخليج العربي به ضمن صفقة سلام إقليمية، مع إدراكه أن أي تقدّمٍ في العلاقات معها سيكون مرهوناً بحل القضية الفلسطينية، وتحديداً منذ أن وضع "شمعون بيريز" في العام 1992، معادلته الشهيرة: "العقل الإسرائيلي والمال الخليجي والعمالة العربية الرخيصة"، التي يمكنها مجتمعة أن تنتج ما أسماه "الشرق الأوسط الجديد".

وهذه المعادلة لم تأتي من فراغ، فالمحادثات السرية بين الكيان الصهيوني ودول الخليج تجري على قدم وساق منذ ثمانينيات القرن العشرين، وتحديداً منذ الحرب "الإيرانية – العراقية"، وما تلاها من أحداث أهمها احتلال صدام للكويت، وانصهار الجماعات الدينية التكفيرية في بوتقة تنظيم القاعدة بتخطيط أميركي صهيوني وتمويل سعودي، وما بات يشكله من مخاطر لم يسلم من شضاياها حتى الرعاة والممولين، ما دعى الكيان الصهيوني الى ضرورة إيجاد مقاربة تضمن تحويل المتغيرات لصالح هدفه الأهم، وهو كسر حاجز المقاطعة العربية، وتحويل القضية الفلسطينية الى مجرد مشكلة اقتصادية عابرة، تمهيدا لشطبها نهائيا، واحتواء الرعب الإيراني المتعاظم بقفازات العرب.

بعد أحداث 2011 نجح مهندس العلاقات "الصهيونية – العربية"، رئيس الموساد "يوسي كوهين" – الجاسوس الوسيم - في تطوير آلية جديدة للتعامل مع العرب، مستفيداً من أصوله الشرقية، تقوم على ربط مصائر الأنظمة العربية بالمعلومة الأمنية الإسرائيلية عن الحاضر والمستقبل، لدرجة أنه تم تقزيم دور أجهزة المخابرات في هذه الدول وربطها بالمعلومة الإسرائيلية، وتطويع أجهزة مخابرات هذه الدول بيد "الموساد"، وبفضل ذلك أصبح الموساد من يرسم ويفكك القنابل الموقوتة في الإمارات وغيرها من دول المشرق العربي، وأسس قسماً بـالموساد يتولى مهمة العلاقات الخارجية السرية مع الدول العربية.

ونسج "كوهين" خيوط العلاقة على أساس مصائر الأنظمة، وأثمرت علاقات وزيارات علنية وسرية لدول لم يفصح عنها.

وسنكتفي هنا بتخصيص ثلاثة قراءات متتابعة للحديث عن مدخلات ومخرجات العلاقات "الإماراتية – الصهيونية"، باعتبار الإمارات أخر عناقيد المطبعين، وأكثرهم غرائبية، بالنظر الى أحلام هذه الدويلة الناشئة المتجاوزة حجمها الجغرافي والسياسي والتاريخي، وما تخلل هرولتها الإنبطاحية من مثالب تجاوزت كل المحرمات والمقدسات الدينية والقومية والعروبية. 

وتتحدث إحدى وثائق موقع "ويكيليكس" عن إنتظام الاتصالات السرية الروتينية بين أبو ظبي وتل أبيب منذ منتصف تسعينيات القرن العشرين، بعضها مسجَّلٌ في البرقيات الدبلوماسية الأميركية التي نشرها الموقع، وكشفت برقية دبلوماسية تعود لعام 2009، أن العلاقات بين أبوظبي وتل أبيب إيجابية وعالية المستوى.

وقالت مذكرة قدمها المستشار السياسي للسفارة الأميركية في تل أبيب حينها "مارك سيفرز" أن: وزير الخارجية الإماراتي "عبدالله بن زايد"، طوّر علاقات شخصية جيدة مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية وقتها "تسيبي ليفني".

وذكر دبلوماسي كبير في السفارة الإسرائيلية بواشنطن في العام 2009، أن الإماراتيين: يؤمنون بالدور الإسرائيلي بسبب العلاقات الوثيقة بين إسرائيل وأميركا، ورغبتهم في الاستعانة بإسرائيل في مواجهة إيران، وأنَّ دول الخليج في العموم: تؤمن بأن إسرائيل قادرة على فعل المستحيل، وأشاد بما وصفه: التحالف الاستراتيجي بين إسرائيل والإمارات، وفقاً لوسائل الإعلام الأميركية.

وفي بداية 2017 زارت الامارات باحثة إسرائيلية، وكتبت مقالاً بموقع "المصدر" الإسرائيلي، وأكتفى الموقع بالترميز لإسمها بحرف "م"، من أهم ما جاء فيه: الإمارات منطقة خالية من المواجهات، لذلك تتصرف وكأنها "الأخت الكبرى" المسؤولة في المنطقة التي تسود فيها الفوضى.

ويشير الكاتب البريطاني "أندرياس كريغ " الى أن العلاقة بين أبوظبي وإسرائيل تقوم على التآزر الإيديولوجي المِطواع!.

وأكدت وسائل إعلام إسرائيلية أن: التحالف بين البلدين بدأ قبل 20 سنة، وشمل تعاوناً أمنياً، دبلوماسياً واقتصادياً واسعاً، معظمه بقي سرياً، ثم جاء التهديد النووي من طهران ليعزز هذا التحالف.

ويظهر استطلاع رأي لوزارة الخارجية الإسرائيلية أن 42 بالمئة من عينة إماراتية يؤيدون علاقات مع إسرائيل.

وخلال عام 2019، والذي يمثل ذروة التحول في مسارات التطبيع، وجه "خلف الحبتور" 3 دعوات لتطبيع العلاقات بين دول الخليج وإسرائيل، زاعما أن "التطبيع" و"السلام" سوف يخدم الفلسطينيين، وقال في مقابلة مع مجلة ناطقة باسم الجالية اليهودية في أميركا ان: العرب واليهود أبناء عمومة، ومن الغباء أن يقاتلوا بعضهم بعضاً!.

ميدانياً، كشفت صحفٌ إسرائيلية أن العلاقات بين إسرائيل والإمارات مبنية على المصالح الاقتصادية والعدو المشترك "إيران"، وهي منفصلة  كلية عن القضية الفلسطينية!.

ويعتقد "بن زايد" و"بن سلمان"، أن خدمة مصالح دولتيهما والحفاظ على النظام فيهما "يبدأن" و"ينتهيان" في واشنطن، لكنهما يمران بالضرورة بالرضا الإسرائيلي، لذا تُولي حكومة أبوظبي اهتماماً خاصاً بتطوير العلاقة مع تل أبيب، في ظل "إجماع داخلها على جعل تلك العلاقة من أبرز الأولويات"، وتبادل البعثات الدبلوماسية لم يعد سوى "مسألة وقت"، وفقاً لمستشار الملك البحريني، الحاخام الأميركي "مارك شناير"، في حديث له مع صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية بتاريخ 6 فبراير 2018.

ولكلٍ منهما طموحاته بحسب المستشرق الإسرائيلي "جاكي خوجي": إسرائيل تستفيد بالحصول على بطاقة دخول إلى سوق تجاري ضخم، ووجود علني في منطقة الخليج الغنية، والنابضة بالحياة، أما زعماء الإمارات فهم يحظون بتحالف مع قوة إقليمية عظمى وهي إسرائيل، ووفق ما هو متاح من معلومات، فإن العلاقات آخذة بالتنامي والدفء مع مرور الوقت.

ومن أبرز ذرائع الإمارات للتطبيع: مواجه الخطر الإيراني والإرهاب ودعم عملية السلام في المنطقة، وكلها ذرائع واهية.


الفزاعة الايرانية:

للتطبيع "الإماراتي – الصهيوني" دوافع أمنية تقليدية أكثر، حيث تأمل إسرائيل والإمارات تشكيل جبهة مشتركة ضد إيران ونفوذها في الشرق الأوسط، بحسب موقع "إنتليجينس أونلاين".

ولذا ترى الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية "إليزابيث ديكنسون" أن: انسجام السياسات يجعل تل أبيب والرياض وأبو ظبي أكثر تقارباً، للضغط على إيران وتقليل نشاطها الإقليمي, هي الأولوية الأهمّ لإسرائيل ولعواصم خليجية معيّنة، وجميعها تشعر بأنه من المهم استغلال الفرصة المتاحة حالياً، التي تقوم فيها الإدارة الأميركية – ترامب - أيضاً بإعطاء الأولوية لإيران.

وتحاول الإمارات جاهدة الحفاظ على التوازن في المواجهة مع إيران، ومع العامل الشيعي في المنطقة ككل، رغم الصعوبة الكبيرة التي تعانيها قيادتها في هذا المنحى.

بعد تنصيب الرئيس الأميركي السابق "باراك أوباما"، في ولايته الأولى عام 2009، أعلنت أبوظبي وتل أبيب عن توحيد جهودهما للمرة الأولى، من أجل الضغط على واشنطن لاتخاذ موقف أشد صرامة ضد ايران، وأطلق سفراء إسرائيل والإمارات بواشنطن نداءً مشتركاً في اجتماع مع مستشار الشرق الأوسط لإدارة "أوباما"، لحثها على تبني موقف أكثر حزماً فيما يتعلق بإيران.

ومع قرب انتهاء ولاية "أوباما" الثانية تحدثت الصحف الأميركية عن رصد استخبارات بلادها اتصالات هاتفية متكررة بين مسؤولي أبوظبي وتل أبيب، بما في ذلك بين "نتنياهو" وزعيم إماراتي كبير، واجتماع بين "نتنياهو" والقيادة الإماراتية في قبرص، ركزت على التعاون ضد إيران.

وتسبب الملف النووي الإيراني في توطيد العلاقة بين الإمارات واللوبي الإسرائيلي في واشنطن بمساعدة سفير الكيان الصهيوني "رون ديرمر"، وهو الأكثر نفوذاً في أروقة مؤسسات القرار الأميركية، وأغدقت الإمارات مئات الملايين من الدولارات على مؤسسات اللوبيات الصهيونية بأميركا من أجل الضغط على الإدارة الأميركية ومنعها من توقيع صفقة حلحلة الملف النووي مع طهران.

فاختار السفير الإماراتي في واشنطن "يوسف العتيبة"، خلال السجال الذي سبق توقيع الاتفاق النووي الإيراني، التنسيق مع "إيباك" واللوبي الإسرائيلي للضغط على إدارة "أوباما" ومنعها من توقيع الاتفاق.

وكان "يوسف العتيبة" قد تسلم في 2015، إحاطة من السفير الإسرائيلي لدى واشنطن "رون ديرمر"، بشأن معارضة إسرائيل لخطة العمل الخاصة بالاتفاق النووي مع إيران، وحث أبوظبي على القيام بدور أكثر فعالية في معارضة هذه الصفقة، وفق مجلة "نيويوركر" الأميركية، وأكدت المجلة نقلاً عن مسؤول أميركي سابق، أن آراء "ديرمير" و"العتيبة" متفقة تماماً في كل القضايا، وخصوصاً العداء لإيران ومحاربة الإسلام السياسي، ولفت إلى العلاقات الشخصية القوية القائمة بين الرجلين بعيداً عن وسائل الإعلام.

ويعتبر "العتيبة" رجل الإمارات الأول في واشنطن والمهندس الفعلي لتطبيع العلاقات "الإماراتية - الصهيونية"، وإخراج معاهدة الإستسلام الأخيرة الى حيز الوجود.

وفي 3 يونيو 2017، نشر موقع "إنترسبت" الأميركي وموقع "ميدل إيست مونيتور" البريطاني، عينات من رسائل البريد الإلكتروني المخترق للسفير الإماراتي "العتيبة"، كشف بعضها عن تواصل الإمارات والسعودية مع إسرائيل من أجل التعاون ضد إيران، ورغبة الإمارات في "تطبيع سريع" للعلاقات مع إسرائيل، وعلاقات وثيقة مع مؤسسات الضغط التي تعمل لصالح تل أبيب في واشنطن، مقابل دعم تل أبيب لها في خططها الإقليمية، بما فيها تلك المتعلقة بمجابهة إيران وإعاقة قدرتها على الانخراط في أنشطة تجارية مع كبرى الشركات حول العالم.

وخلال العقد الأخير شهدت واشنطن العديد من اللقاءات بين السفير "العتيبة" وقادة الكيان الصهيوني، منهم "نتنياهو" في مارس 2018، في مطعم "كافي ميلانو" بحي "جورج تاون" في واشنطن، لمناقشة الجهود المشتركة لمواجهة إيران ودورها الإقليمي المتنامي، بحسب وكالة "أسوشيتدبرس"، والسفير الإسرائيلي "رون دريمر" في 3 أبريل 2019، بحفل عشاء نظمه المعهد اليهودي لأبحاث الأمن القومي بواشنطن، لذات السبب.

وفي أوائل ديسمبر 2018، احتضنت إحدى العواصم الخليجية، يرجح أن تكون أبوظبي، لقاءاً أمنياً جمع مدير الموساد "كوهين" وقيادة استخبارات السعودية والإمارات ومصر، لمناقشة كيفية التصدي لنفوذ تركيا وإيران بالمنطقة العربية، وإعادة تأهيل الأسد بحسب موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، وتكوين تحالف "سني – صهيونية" ضد محور المقاومة.  

وسجل شهر فبراير من العام  2019 مرحلة فاصلة في تاريخ العلاقات "الصهيونية - الإماراتية"، من خلال تسريب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي مقطع فيديو من اجتماعات مؤتمر الشرق الأوسط بقيادة واشنطن في "وارسو"، أقر فيه وزير خارجية الإمارات "عبدالله بن زايد"، بـ "حق" إسرائيل في الدفاع عن نفسها من خطر إيران وحزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية، قبل أن يعود لحذفه بعد ساعات.

بالتوازي مع كشف الكاتب الإسرائيلي "عومري نحمياس" في بداية أبريل 2019 عن عمل الإمارات وإسرائيل لإقناع إدارة "ترامب" بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وتهديد وزير الخارجية الإسرائيلي "يسرائيل كاتس"، في ديسمبر 2019، إيران بـ "جبهة سعودية، إماراتية، أميركية" في حال تجاوزها "الخط الأحمر"، وقال: "لا يمكننِ الخوض في التفاصيل، لكن لدينا مصالح مشتركة"، وفي 17 ديسمبر 2019 احتضن البيت الأسود اجتماع  ثلاثي سري، أميركي، إسرائيلي، إماراتي، بهدف التنسيق ضد إيران، ومناقشة تطبيع العلاقات بين أبو ظبي وتل أبيب، بحسب موقع "أكسيوس" الأميركي.

وقالت صحيفة "هآرتس" أن: السعودية والإمارات تتقاسم بشكل دائم مع إسرائيل الكثير من المعلومات الاستخبارية التي تتعلق بالمخاطر الأمنية القادمة من طرف إيران.

وقريباً من "الفزاعة" الإيرانية، اعتبر وزير الدفاع الإسرائيلي السابق "أفيغدور ليبرمان"، في تصريح له بتاريخ يونيو 2017، مشاركة الإمارات في قطع العلاقات مع قطر "فرصة ممتازة لتوحيد الجهود مع إسرائيل في المعركة ضد الإرهاب"، رغم أن قطر من الدول المطبعة، وللكيان الغاصب مكتب تجاري فيها، إلا أن تقاربها مع إيران مؤخراً في بعض القضايا الإقليمية، وتعليق مشاركتها في عدوان العاصفة على اليمن، جعلها محل سخط الإمارات والسعودية، لكن لا زالت شعرة معاوية متصلة مع تل أبيب.

وكذا الحال بالنسبة لليمن، والمخاوف الصهيونية من سيطرة حركة "أنصار الله" على هذا البلد المتحكم بـ "باب المندب"، وتحويله الى ساحة جديدة لمحور المقاومة والممانعة، وما يشكله ذلك من خطر وجودي على دولة الكيان الغاصب، ما دفع الصهاينة الى التنسيق اللوجستي والاستخباراتي مع السعودية والإمارات في حربهما الإجرامية ضد اليمن، وتدريب مرتزقة التحالف العبري بإرتيريا، ومد تحالف العار السعودي الإماراتي بالأسلحة الفتاكة لقتل اليمنيين، كما حدث في فج عطان، والمساعدة في احتلال الجزر والمدن الساحلية اليمنية، وأخرها الحديث عن توجه ضباط إماراتيين وإسرائيليين الى جزيرة سقطرى، كما وقعت الإمارات مع تل أبيب إتفاقاً لمد الجماعات الموالية لها في جنوب اليمن وليبيا بالسلاح.

وإجمالاً: أينما وُجِدَت الإمارات وُجِدَت إسرائيل، ووُجِدَ معهما الخراب والدمار.

ولا تستغربوا في قابل الأيام والشهور من انضمام موالي التحالف العبري في اليمن الى قافلة المطبعين، وما نسمعه اليوم من تصريحات لبعض قادة الموالي، لها ما بعدها، وهذا الموضوع في غاية الخطورة ويحتاج الى قراءة مستفيضة.

ونكتفي هنا بإيراد شهادة لأحد المستشرقين الصهاينة، للتأكيد على الأهمية التي يحتلها اليمن في الاستراتيجية الصهيونية، هو "إيهود يعاري"، في تقرير نشرته القناة العبرية 12، في منتصف 2017 بمناسبة سيطرة القوى اليمنية الموالية للإمارات على جزيرة سقطرى: إسرائيل سعيدة بهذه الجهود الإماراتية لمنع الهيمنة الإيرانية على طريق الشحن البحري إلى إيلات، ان نظرة إسرائيلية سريعة على الخريطة توضح أن سقطرى تهيمن على ممرات الشحن من وإلى البحر الأحمر، ولها أهمية استراتيجية هائلة تحظى بمراقبة كثيفة من أجهزة الأمن الإسرائيلية، إسرائيل على استعداد "لتقديم المساعدة بالمعدات العسكرية" في الحروب التي لا نهاية لها في اليمن، لأن إسرائيل لا تريد أن تقع سقطرى في أيدٍ معادية لها.

وطبعاً المسيطر حينها على سقطرى، ليس "أنصار الله" ولا إيران، بل ميليشيات عشّار اليمن "هادي"، وعِش رجباً ترى عجباً.


المتاجرة بالقضية الفلسطينية:

من المفارقات المضحكة رفع الكيان الإماراتي قميص القضية الفلسطينية لتبرير تقاربه مع الكيان العبري، وهو الذي لم يُعطي هذه القضية أي اهتمام، بل كان على الضد خنجراً مسموماً في خاصرة الفلسطينيين، خصوصاً في العقدين الأخيرة، وأحد أبرز المتآمرين على القضية الأولى للعرب والمسلمين، لدرجة منع أبو ظبي رفع علم فلسطين داخل الأماكن العامة ومؤسساتها الرسمية، وترحيل أي فلسطيني ينتمي لأي حركة من حركات المقاومة وتصفية أعماله بعد اعتقاله، بل وتصفية قادة المقاومة بالتنسيق مع الموساد الصهيوني، والعمل على تصفية القضية الفلسطينية من بوابة ما بات يُعرف بالسلام الاقتصادي، وصفقة القرن.

وبالنظر الى حيثيات معاهدة السلام الأخيرة بين الإمارات والكيان الصهيوني، والتي ليست سوى حلقة من حلقات الشراكة العميقة القائمة على دوافع أيديولوجية بين إسرائيل في عهد "نتنياهو" وبين رؤية الإمارات لنظام إقليمي جديد، لا يستغرب الكاتب البريطاني "أندرياس كريغ" أن تكون إسرائيل "معجبة" بأبوظبي وترغب لها في لعب دور رائد في "مبادرة السلام" البائسة للرئيس الأميركي "ترامب"، ونتيجة لذلك، تبنى مستشار الرئيس الأميركي "جاريد كوشنر"، وجهة نظر "بن زايد" حول الفلسطينيين كمقياس للتسامح العربي مع عملية "الغدر" التي يتعرض لها الفلسطينيون.

ورغم أن خطة الإقتضام الصهيونية للأراضي الفلسطينية وأخرها العمل على ضم 30 بالمئة من مساحة الضفة الغربية "المستوطنات وغور الأردن"، ماتزال غير نهائية، إلا أنها تنسجم تماماً مع حل الدولة الواحدة، كما يراه "كوشنر"، وهو الأمر الذي أقره "محمد بن زايد" خلال محادثات خاصة أجراها مع صهر الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" .

وعلى الرغم من أن أبوظبي قد يساورها القلق إزاء رد فعل جمهورها على إقرارها خطة الضم الإسرائيلية، إلا أن حكامها يدركون أن التعبير العلني عن رفض الإجراء الإسرائيلي في فلسطين قد يكون كافياً للحفاظ على عمق ومرونة ما هو أكثر من مجرد "زواج مصلحة" بين أبوظبي وإسرائيل يعود على الطرفين بمنفعة مشتركة.

وفي هذا السياق يمكن تفسير إعلان "بن زايد" عقب إفصاح "ترامب" عن معاهدة السلام الإماراتية الصهيونية، "توقيف" اسرائيل عمليات الاستيطان مقابل معاهدة السلام، وخروج "نتنياهو" بعدها مباشرة للتأكيد على "التوقف" المؤقت وليس "الإلغاء"، بمعنى تخدير وعي الجمهور العربي والإماراتي تحديداً ريثما تُؤتي سحابة التطبيع ثمارها، على أن هذه المعاهدة برمتها ليست سوى فصل من فصول صفقة القرن، وسنكتفي في هذه العجالة بإيراد نماذج بسيطة من جرائم إمارات "بن زايد" بحق القضية الفلسطينية، وهي بحاجة الى قراءة مستفيضة مستقلة.

1 - إقدام الموساد في 19 يناير 2010 بالتنسيق مع المخابرات الإماراتية على اغتيال القيادي العسكري في حركة حماس "محمود المبحوح" في دبي، بعد يومين فقط من زيارة وزير البنية التحتية الإسرائيلي "عوزي لانداو"، لأبو ظبي، وبعدها بأسبوعين استقبلت دبي فريقاً رياضياً صهيونياً، وكأن شيئاً لم يحدث.

2 – منع عقد مؤتمر لحركة حماس في الدوحة، كما كشفت عن ذلك عينات من البريد الإلكتروني المخترق لسفير دول الإمارات في واشنطن، "يوسف العتيبة"، تحدث بعضها عن اتصالات إماراتية أميركية صهيونية بهذا الصدد، نشرها موقع "إنترسبت الأميركي" في 3 يونيو 2017.

3 – المشاركة في تدشين صفقة القرن، وقد كان رجل الأعمال المقرب من الطبقة الحاكمة بالإمارات "محمد العبّار" أبرز الحاضرين في صيف عام 2019 بورشة البحرين، الخاصة بإعلان الشق الاقتصادي لصفقة القرن الأميركية بخصوص تصفية القضية الفلسطينية، ووصف الإعلام العبري "العبّار"، يومها بأنه: "مُحِبٌّ للشعب الإسرائيلي".

4 – المشاركة في عمليات التهويد بغزة والقدس، ففي العام 2005 قررت اسرائيل الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة "فك الارتباط"، وشمل القرار التخطيط  لتدمير 21 مستوطنة، فقامت شركة "إعمار" بشراء تلك المستوطنات بـ 56 مليون دولار، وهي أكبر شركة عقارية في الإمارات، يديرها "محمد العبّار"، زار يومها تل أبيب سراً، والتقى برئيسها "شمعون بيريز" ورئيس وزرائها "أرييل شارون"، ووقع معهما الصفقة، وبعد أسابيع التقى ولي العهد "محمد بن زايد" بسفيرة واشنطن في الإمارات "ميشيل ساسون"، وأبلغها عدم اعتراضه على صفقة "العبّار" من حيث المبدأ، وأنه يرى من الأفضل الاستفادة من هذه المساكن بدلاً من هدمها، ومن يومها بدأ إسم "العبّار" يخطف أضواء أولياء نعمته في الكيان العبري.

وفي مايو 2016، كشف الموقع الإلكتروني للقناة الإسرائيلية الثانية، عن تورط رجال أعمال إماراتيين في مشروع "تهويد" مدينة القدس والبلدة القديمة فيها، من خلال شراء منازل من الفلسطينيين وممتلكات عقارية، ثم نقل ملكيتها إلى مستوطنين يهود، عبر وساطة القيادي المفصول من حركة "فتح" الفلسطينية "محمد دحلان".

وأكد نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، الشيخ " كمال الخطيب" استمرار "طحنون بن زايد" في تسريب عقارات من مدينة القدس المحتلة: إماراتيون يحولون ملكية عقارات في القدس إلى إسرائيليين بعد شرائها عبر وسطاء، وشخصيات إماراتية مارست التضليل والتدليس لشراء منازل من فلسطينيين في القدس لبيعها لاحقاً لإسرائيليين.

وتحدثت ندوة عقارية في الضفة الغربية عن قيام بعض رجال الأعمال بشراء عقارات في حي "سلوان" بالقدس المحتلة لصالح إماراتيين، وبهذه الحجة تم تسريب 18 شقة لصالح جمعية "عطيرت كوهنيم" الاستيطانية الصهيونية، التي تستولي على بيوت القدس المحتلة في سلوان.

5 – مشاركة الطيران الإماراتي، الكيان الصهيوني في العدوان على غزة في العام 2012 و2019 بحسب الكاتب الصهيوني "إيدي كوهين"، ومن قبلها على لبنان.


المراجع:

1 - أندرياس كريغ، الإمارات وإسرائيل أكثر من مجرد "زواج مصلحة"، موقع ميدل إيست آي البريطاني، 8 يوليو 2020.

2 - منية فاضل، دول الخليج وإسرائيل: الإمارات أقرب الأصدقاء والكويت خارج السرب، البيت الخليجي، 22 مايو 2017.

3 - الخليج الجديد، الإمارات وإسرائيل .. تعاون استراتيجي نسجته مخاوف مشتركة، 28 نوفمبر 2019.

4 – الإمارات 71، ما بين أبوظبي وإسرائيل أعمق من تطبيع وأخطر من علاقات، 6 يناير2020. 

5 - عدنان أبو عامر، مستشرق يهودي يستعرض خفايا علاقات إسرائيل والإمارات، عربي21، 27 ديسمبر 2019

6 - صالح النعامي، اتصالات إسرائيلية إماراتية مكثفة لتدشين علاقات دبلوماسية علنية، فرانس برس، 28 ديسمبر 2019.

7 - عربي بوست، الإمارات وإسرائيل عقدان من التطبيع الخفي، 9 أغسطس 2020.

8 - الشرق القطرية، الإمارات تدخل مرحلة التطبيع العلني مع إسرائيل .. هل الثمن هو فلسطين؟، 4 يوليو 2020.


الجمعة، 7 أغسطس 2020

الغدير: عيد الله الأكبر

 زيد يحيى المحبشي؛ مركز البحوث والمعلومات؛  8 أغسطس 2020

في السنة العاشرة من الهجرة قرر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أداء فريضة الحج، والتي سُميت بحجة الوداع، فاجتمع المسلمون من كل حدب وصوب ليشهدوا مع نبيهم أخر أركان الدين، ويتحدث الرواة عن انضمام نحو 120 ألفاً الى الموكب النبوي بالمدينة، عدا الذين انضموا اليه في الطريق والتحقوا به من اليمن مع الامام علي عليه السلام وأبو موسى الأشعري، بينما قال "محمد فريد وجدي" في الجزء الثالث من "دائرة المعارف" أن عدد الحجاج بلغ  90 ألفاً، وذكر "عبدالحسين الأميني" في "الغدير" أن عددهم 124 ألفاً، وفي رواية 114 ألفاً، وأياً كان الرقم الصحيح فالمؤكد أنهم عشرات الآلاف وأن من شهد الحج مع الرسول كان معه في غدير خم.

بعد فراغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أداء فريضة الحج، شد الرحال الى المدينة وتحديداً يوم الثامن عشر من ذي الحجة، وفي الطريق نزل عليه جبريل الأمين بآية التبليغ: " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ" المائدة  67، وفيها أمر إلهي واضح بتبليغ ولاية الإمام علي عليه السلام، وعدم الالتفات الى أقاويل المرجفين.

إغتم رسول الله لذلك، وأمر بتوقف الموكب في منطقة تسمى بغدير خم في الجحفة، على مفترق الطرق بين مكة والمدينة ومصر والشام والعراق، وأمر أن يلحق به من تأخر عنه، ويرجع من تقدم عليه، فاجتمع المسلمون حول نبيهم وأدركتهم صلاة الظهر، وكانت الشمس ملتهبة، وبعد فراغه من الصلاة قام بتبليغ ما أمره الله به، من ولاية أمير المؤمنين، وأمرهم بأن يبلغ الشاهد منهم الغائب، وأمر الحاضرين ببناء خيمتين واحدة له والثانية للإمام علي عليه السلام وتقديم التهاني للامام علي بإمرة أمير المؤمنين، واستمرت المبايعة ثلاثة أيامٍ متوالية، وكلما بايع فوج، قال رسول الله: "الحمد لله الذي فضلنا على جميع العالمين".

وقبل أن يتفرق المسلمون نزل جبريل عليه السلام بآية إكمال الدين: "اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا" المائدة 3، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، والولاية لعلي بعدي".

 ومن المصادفات العجيبة التي ذكرها السيد العلامة مجدالدين المؤيدي مبايعة الإمام علي عليه السلام بالخلافة في يوم الجمعة 18 ذي الحجة 35 هـ، وهو نفس يوم واقعة الغدير الشهيرة، ولهذا الاتفاق شأن عظيم.

ومن يومها والناس تحتفي في الثامن عشر من ذي الحجة بعيد الغدير الأغر إقتداءً بنبيهم صلى الله عليه وآله وسلم، ويكفينا هنا للتأكيد على عظمة هذا اليوم ما رواه صفوان بن يحيى عن جعفر بن محمد عليه السلام: "الثامن عشر من ذي الحجة عيد الله الأكبر، ما طلعت عليه شمسٌ في يومٍ أفضل عند الله منه، وهو الذي أكمل الله فيه دينه لخلقه، وأتم نعمه، ورضي لهم الإسلام ديناً، وما بعث الله نبياً إلا أقام وصيه في مثل هذا اليوم، ونصّبه علماً لأمته".

وخبر الغدير من الأحاديث الصحيحة المتواترة لدى علماء السنة والشيعة، وكتب عنه الكثير من علماء الفريقين، وإحيائه لا يشكل أي قدح في الصحابة، بل هو تكريم لأحدهم، وقد إعتاد اليمنيون على إحيائه منذ المئة الاولى للهجرة، ويتم الاستعداد له من يوم عيد الأضحى، وهو عندهم من الأعياد المقدسة الى يوم الناس.


* واقعة الغدير:

روى الامام القاسم ابن إبراهيم عليه السلام في "الكامل المنير" عن أبي أحمد قال: حدثني من أثق به، عن الحكم بن ظهير، عن أبيه، وعبدالله بن حكيم بن جبير قال: "أي القاسم عليه السلام": وهؤلاء المخالفون - لنا و- لكم، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم، قال: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع، أنزل الله عليه: "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ"، وخرج مذعوراً نحو المدينة، وأصحابه معه حتى قدم الجحفة، فنزل على غدير خم، ونهى أصحابه عن سمرات في البطحاء متقاربات، فنزل تحتها وهي شجرات عظام.

فلما نزل القوم في سواهن، أرسل إليهم سبعين رجلاً من العرب، والموالي، والسودان، فشك شوكهن، وقم ما تحتهن – أي أزالوا الشوك والأحجار وعملوا منبراً من أحداج الإبل.

ثم أمر بالصلاة جامعة، واجتمع المسلمون، وفيمن حضر علي بن أبي طالب، والحسن، والحسين أبناء علي، والعباس وولداه عبدالله، والفضل، وفيهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، ومعاوية، وطلحة، والزبير، وعبدالرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعيد بن زيد بن نفيل، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر، وعمرو بن العاص، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، وأبو هريرة، وأبو الحمراء مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعبدالله بن مسعود، وجابر بن عبدالله الأنصاري، وعامة قريش ووجوه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عقبي، ومهاجري، وأنصاري، وغيرهم من بدوي، وحضري، حتى امتلئ الروح – تحت الشجر - وبقى أكثر الناس في الشمس، يقي قدميه بردائه من شدة الرمض.

 فصلى صلى الله عليه وآله وسلم تحتهن ركعات، ثم قام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "يأيها الناس إنه نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعش نبيٌ قط إلا نصف عمر الذي يليه من قبله، وإني أوشك أن أُدعى فأجيب، وإنكم مسؤولون، هل بلغتكم ما أرسلت به إليكم، فماذا أنتم قائلون؟".

فقام من كل ناحية من القوم يقولون نشهد أنك عبدالله ورسوله قد بلغت رسالاته وجاهدت في سبيله وصدعت بأمره وعبدته حتى أتاك اليقين، جزاك الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الجنة حق، والنار حق، والبعث بعد الموت حق، وتؤمنون بالكتاب كله".

قالوا: بلى.

فرفع النبي يده ثم وضعها على صدره، ثم قال: "وأنا أشهد بذلك، اللهم اشهد"، ثم قال: "ألا لعن الله من ادعى إلى غير أبيه، لعن الله من تولى غير مواليه، ألا ليس لوارث وصية، ولا تحل الصدقة لآل محمد، ومن كذب علي فليتبوأ مقعده من النار، أيها الناس ألستم تشهدون أن الله مولاي، وأن الله مولى المؤمنين، وأنا أولى بكم من أنفسكم".

قالوا: بلى نشهد أنك أولى بنا من أنفسنا.

فأخذ صلى الله عليه وآله وسلم بيد علي بن أبي طالب عليه السلام، فرفعها، ثم قال: "من كنت أولى به من نفسه فهذا علي مولاه، اللهم والِ من ولاه، وعادِ من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من بغضه، وأعن من أعانه، وأنصر من نصره، وأقتل من قاتله، وأخذل من خذله، ..".

ثم أرسل يده، فقال رجل من القوم: ما بال محمد يرفع بصبع – وفي رواية بضبعي وفي أخرى بيد - ابن عمه، فسمعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتغير لذلك وجهه، فلما رأى ذلك الرجل أن رسول الله قد علم به، واشتد عليه أقبل على "علي"، فقال له: هنيئاً لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.

ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيد علي الثانية، فقال: "أيها الناس اسمعوا ما أقول لكم، إني فرطكم على الحوض، وإنكم واردون عليَّ الحوض، حوضاً أعرض مما بين صنعاء إلى إيلة – فلسطين - فيه كعدد نجوم السماء أقداح، إني مصادفكم يوم القيامة، ألا وإني مستنقذ رجالاً، ويختلج دوني آخرون، فأقول يا رب أصحابي أصحابي، فيقال: إنهم أحدثوا وغيروا بعدك، وإني سائلكم حين تردون عن الثقلين؟ فانظروا كيف تخلفوني فيهما".

فقام رجل من المهاجرين، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما الثقلان؟.

قال: "الأكبر منهما كتاب الله ما بين السماء والأرض طرف منه بيد الله وطرف بأيديكم فتمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا، والأصغر منهما عترتي أهل بيتي، فقد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فلا تعلموا أهل بيتي فإنهم أعلم منكم، ولا تسبقوهم فتمرقوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تتولوا غيرهم فتضلوا، يأيها الناس أطيعوا قولي، واحفظوا وصيتي، وأطيعوا علياً فإنه أخي ووزيري وخليفتي على أمتي، فمن أطاعه فقد أطاعني، ومن خالفه فقد خالفني، ..".

ثم أرسل يده فقال: "يا علي أكتب بما أوصيتهم به - عليهم - كتاباً".

فلما أن كتب وأشهد الله عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بإبلاغهم ذلك اليوم، أخذ الكتاب فقال لهم بصوتٍ عال: "أيها الناس هل بلغتكم ما في هذا الكتاب".

قالوا: اللهم نعم.

قال: "اللهم اشهد وكفى بك شهيداً"، ثم رفع صوته فقال: "أقيلكم".

فقالوا: نعوذ بالله ثم بك يا رسول الله من أن تقيلنا أو نستقيلك.

فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "اللهم اشهد أني قد جعلت علماً يُعرف به حزبك عند الفرقة هادياً عليَّ"، فناوله الكتاب.

وبعد فراغه صلى الله عليه وآله وسلم قام حسان بن ثابت، وقال في ذلك:

يُناديهمُ يوم الغدير نبيّهم .. بخمٍّ فأسمِع بالرسول المناديا

وقد جاءه جبريلُ عن أمر ربه .. بأنك معصومٌ فلا تكُ وانيا

وبلغهم ما أنزل اللهُ رُبُهم .. اليك ولا تخشى هناك الأعاديا

فقام بهم إذ ذاك رافعُ كفِّهِ .. بِكفِّ عليٍ مُعلن الصوت عاليا

وقال: فمن مولاكم ووليكم؟ .. فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا!

إلهك مولانا وأنت وليُّنا .. ولن تجدن منا لك اليوم عاصيا

فقال له: قم يا عليُ فإنّني .. رضيتك من بعدي إماماً وهاديا!

فمن كنتُ مولاه فهذا وليُّهُ .. فكونوا له أنصار صدق مواليا

هناك دعا: اللهمّ وال وليَّهُ .. وكن للذي عادى علياً معاديا

فقال رسول صلى الله عليه وآله وسلم: لا تزال يا حسان مؤيداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك.

وتبعه عمر بن الخطاب فقال للإمام علي: بخٍ بخٍ يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.

وقبل أن يتفرق القوم نزلت آية إكمال الدين كما ذكرنا آنفاً، قال السيد العلامة مجدالدين المؤيدي في ذلك اليوم الذي أنزل الله تعالى فيه على الأصح: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا".


* إن لم يكن خبر الغدير صحيحاً؛ فما الصحيح إذن؟.

نحن أمام حدث غير عادي حضره أكثر من 120 ألف مسلم ومسلمة، وأمر فيه النبي بأن: "يبلغ الشاهد الغائب"، ومن الطبيعي أن يكثر نقل وقائعه والتحدث بها، ويذكر الرواة أنه بعد مرور 25 سنة، طلب الإمام علي في مسجد الكوفة ممن سمع حديث الغدير عن النبي أن يذكره، فنهض من بين الجالسين 30 نفراً ونقلوا الحديث.

حتى ابن تيمية مع شدة معارضته للشيعة قال بصحته في كتابه من حقوق آل محمد صفحة 13: وثبت في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم أنه قال: خطبنا رسول الله بغدير يدعى خم بين مكة والمدينة.

وقال بن حجر الهيثمي في الصفحة 42 من صواعقه المحرقة: ان حديث الغدير صحيح لا مرية فيه .. ولا التفات لمن قدح في صحته ورده.

وعده السيوطي من الأحاديث المتواترة.

وقال الذهبي: بهرتني طرقه فقطعت بوقوعه.

وقال المقبلي في الأبحاث: إن كان هذا معلوماً، وإلا فما في الدنيا معلوم.

رواه ونقله 110 من الصحابة، و84 من التابعين، و360 من أئمة الحديث وحُفاظه، و57 من علماء وحُفاظ القرن الهجري الثاني، و90 من علماء القرن الثالث، و43 من علماء القرن الرابع، و24 من علماء القرن الخامس، و19 من علماء القرن السادس، و21 من علماء القرن السابع، و18 من علماء القرن الثامن، و16 من علماء القرن التاسع، و13 من علماء القرن العاشر، و25 من علماء القرون الهجرية الاخيرة، طبعاً من غير علماء وأئمة الزيدية والإمامية.

وأخرجه ورواه الطبري من 75 طريقاً وأفرد له كتاباً أسماه "الولاية"، وأحمد بن حنبل من 40 طريقاً، وابن جرير من 72 طريقاً، والجزري المقري من 80 طريقاً، وامام المحدثين أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة من 105 طرق، وسعيد السجستاني من 120 طريقاً، وأبو بكر الحصابي من 125 طريقاً، وابن حجر العسقلاني عن 27 صحابياً، ومحمد بن إبراهيم الوزير من 153 طريقاً، وأبو العلاء العطار الهمداني من 250 طريقاً، وعلماء الزيدية من 114 طريقاً, والامام عبدالله بن حمزة في الشافي بأكثر من 105 طرق برواية الموالف والمخالف... الخ.

وممن حضر واقعة الغدير من الصحابة: علي بن أبي طالب، أبو بكر الصديق، عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، عبدالرحمن بن عوف، سعد بن أبي وقاص، عمار بن ياسر، أبو ذر الغفاري، سلمان الفارسي، جابر بن عبدالله الأنصاري، الحسن بن علي، الحسين بن علي، البراء بن عازب، سمرة بن جندب، حذيفة بن اليمان، الزبير بن العوام، طلحة بن عبيدالله، العباس بن عبدالمطلب، عبدالله بن عباس، زيد بن ثابت، زيد بن الأرقم، عبد الله بن عمر بن الخطاب، قيس بن ثابت، أنس بن مالك، عمرو بن مرة، عمر وحبشي بن جنادة، جرير البجلي، جندب الأنصاري، حذيفة بن أسيد الغفاري، أبو أيوب الأنصاري، أبو الطفيل، مالك بن حويرث، حبيب بن بديل، أبو هريرة ..ألخ.

ومن النساء: فاطمة الزهراء، وأم سلمة، وأم هاني بنت أبي طالب، وأسماء بنت عميس، وعائشة بنت أبي بكر ..ألخ.

قال الإمام القاسم بن محمد عليه السلام: وهو حديث مشهور أخرجه كثير من المحدثين، ورواه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثون صحابياً، فكيف يُسوّغ الاعتذار لمن خالف بعد هذا النص علياً!، وبِمَ يلقى الله من لم يكن له موالياً وولياً!.

وقال أبو القاسم الفضل بن محمد: روى حديث غدير خم عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّمَ نحو مائة نفس، منهم العشرة، وهو حديث حسن صحيح ثابت لا أعرف له علة، تفرَّد علي عَلَيْه السَّلام بهذه الفضيلة ليس يشركه فيها أحد.

وقال الإمام عبدالله بن حمزة عليه السلام: هذا الخبر قد بلغ حد التواتر، وليس لخبر من الأخبار ما له من كثرة الطرق.

وقال جمال الدين الهادي بن إبراهيم الوزير: من أنكر خبر الغدير فقد أنكر ما علم من الدين ضرورة؛ لأن العلم به كالعلم بمكة.


* الولاية أخت النبوة:

لم تكن واقعة الغدير بالحدث العابر، بل أراد رسول الله من خلالها التأكيد لأمته عبر التاريخ أن الولاية أخت النبوة، وسياجها المنيع ضد الأعاصير الأهوائية، والتوضيح بأن الولاية مرتبطة بالقيم الإسلامية الأصيلة من الحزم والقوة ورباطة الجأش ومناصرة المظلومين .. الخ، وأن الاعتراف بالولاية يعني التمسك الصادق بالقيم الإسلامية الأصيلة التي دعى اليها صلى الله عليه وآله وسلم طِيلة 23 عاماً، والتنكر للولاية يعني التنكر لما دعى اليه جملة وتفصيلاً.

إذن فالهدف الأسمى من الولاية هو حفظ الدين الإسلامي وضمان ديمومته وعالميته، والنأي بالأمة عن مزلّات القدم، ومنع الإختلاف بعد رسول الله.

وما نريد التأكيد عليه في هذه العجالة هو أن الله لا يقبل التوحيد إلا بالاعتراف لنبيه بنبوته، ولا يقبل الدين إلا بولاية من أمر الله بولايته، بهذا يزول اللبس ويفهم سبب أهمية واقعة الغدير، وسبب أهمية أمر الله بتبليغ الولاية، وسبب رضا الله بذلك، واعتبار التبليغ أخر مهمة لرسول الله قبل رحيله، والتي بها إكتمل الدين وتمت النعمة.

والشاهد على الولاية قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "من كنت مولاه فعلي مولاه"، والمولى في اللغة تعني المالك للتصرف في أمور القوم، وهو أول ما يتبادر للأفهام، وما عدا ذلك فإدعاءات فارغة القصد منها إفراغ الغدير من محتواه الحقيقي.

قال العلامة الشهيد حُميد بن أحمد المحلي الهمداني الوادعي: لو لم يكن السابق إلى الأفهام من لفظة "مولى" المالك للتصرف، وكانت منسوبة إلى المعاني كلها على سواء حملناها عليها أجمع، إلا ما يتعذر في حق علي عَلَيْه السَّلام من المُعتِق والمُعتَق، فيدخل في ذلك ملك التصرف، والأولى المفيد ملك التصرف، فيفيد الإمامة؛ لأنه عَلَيْه السَّلام إذا ملك التصرف على الأمة، أو كان أولى بالمؤمنين من أنفسهم، كان إماماً.

ولو لم يرد في مناقب أمير المؤمنين عَلَيْه السَّلام إلا خبر الغدير لكفى في رفع منزلته، وعلو درجته، وقضى له بالفضل على سائر الصحابة.

وما ذكره حسان بن ثابت – كما عرفنا آنفاً: "رضيتك من بعدي إماماً وهادياً"، دليل على أنه عَقَل من كلام النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّمَ: "من كنت مولاه فعلي مولاه" المالك للتصرف، لأنه عقل منه الإمامة، التي هي مفيدة لملك التصرف، فدل على أن لفظة المولى تفيد ماذكرناه، وقول حسان حجة في ذلك لأنه لا يشكل حاله في معرفة اللغة.

وقد انطوى أيضاً على فضائل عدة سوى الإمامة، ومتى اقتضت فضله على غيره، كان أولى بالإمامة أيضاً، لكونه أفضل، إذ الأفضل أولى بالإمامة من المفضول عند من يمعن النظر.

وقال المقبلي في الإتحاف: أخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والنسائي، عن بريدة .. إلى قوله: فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "يا بريدة ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم?، قلت: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه"، وبهذا الحديث، وما في معناه تحتج الشيعة على أن "مولى" بمعنى: أولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دل مساق كلامه أنه سَوّاه بنفسه، وإلا لما كان لمُقَدِّمة قوله: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم معنى.


* المراجع:

1 - السيد العلامة مجدالدين المؤيدي، التحف شرح الزلف، مركز أهل البيت للدراسات الإسلامية – صعدة.

2 - العلامة الشهيد حُميد بن أحمد المحلي الهمداني الوادعي، مَحَاسِنُ الأَزْهَار في تَفْصِيْلِ مَنَاقِبِ العِتْرَةِ الأَطْهَاْرِ.

3 - القاضي حسين بن ناصر بن عبدالحفيظ النيسائي الشرفي المعروف بالمهلا، مطمح الآمال في إيقاظ جهلة العمال من سيرة الضلال، مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية.

4 - العلامة أحمد بن محمد بن صلاح الشرفي، اللآلئ المضيئة، الجزء الأول.

5 - الإمام القاسم بن محمد بن علي، الاعتصام بحبل الله المتين، الجزء الخامس، طبعة الجمعية العلمية الملكية 1983.

6 – الإمام المرشد بالله يحيى بن الحسين الشجري، الأمالي الخميسية، عالم الكتب – بيروت، الطبعة الثالثة 1983.

7 – أحمد محمد الهادي، السيرة النبوية، مركز النور للدراسات – صعدة ، الطبعة الأولى 1415 هـ.

8 – الشيخ عبدالحسين أحمد الأميني، الغدير في الكتاب والسنة والأدب، دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة الرابعة 1977.

9 – العلامة محمد إبراهيم الموحد، عيد الغدير، مؤسسة الوفاء – بيروت، الطبعة الثالثة 1403هـ.

الأربعاء، 29 يوليو 2020

عبدالوهاب بن يحيى بن حسين المحبشي

رفيق الطفولة صديقي الصدوق الزاهد الورع التقي النقي وجيه الدين وعمدة الشبيبة وجبل الصبر وجوهرة الأخلاق ولؤلؤة التواضع.

مولده بقرية جبل المحبشي في محافظة حجة عام 1977؛ ووفاته في ظهيرة الأربعاء 10 شعبان 1423 هـ، الموافق 10 أكتوبر 2002.

درس الأساسي والثانوية بالمحابشة، ودرس مقدمات العلوم الدينية بجامع القرانة في المحابشة، وجامع الحيد بقرية جبل المحبشي، والجامع الكبير بصنعاء.

عرفته براً تقياً صابراً محتسباً؛ سبّاقاً لفعل الخير، ومد يد العون للناس، وصاحب نخوة ونجدة، ورجل مواقف في الملمات.

ورغم الحياة القاسية التي عاشها لم تكن الابتسامة تفارق وجه البشوش.

فارقنا وعمره لم يتجاوز الخامسة والعشرين بسبب نوبة اغتالت قلبه النقي الطاهر.

لم أرى في حياتي أبناء قريتي يبكون أحداً كعبدالوهاب، لما تركه من أثر طيب استوجب حب الجميع وحزن الجميع.

ارقد بسلام أخي وصديقي رحمة الله تغشاك

 

السبت، 25 يوليو 2020

الحج في زمن دولة بني سعود الوهابية


زيد يحيى المحبشي، مركز البحوث والمعلومات، 25 يوليو 2020
في عهد جاهلية قريش كانت فريضة الحج متاحة لكل الناس، ولم يمنع كفار قريش أحداً من زيارة بيت الله الحرام، باستثناء رسول صلى الله عليه وآله وسلم، لأنهم كانوا يعتقدون بأن معركتهم مع الإسلام ونبي الإسلام معركة وجود، ولم يقحموا فريضة الحج في صراعات القبائل، ولم يجعلوا من الحج الذي كان يمثل حينها جزءاً مهماً من شعائر قبائل العرب الوثنية مادة لتصفية الخصومات والنزاعات السياسية، فكان زائر مكة يلقى عدوه في رحابها فلا يتعرض له بسوء.
وفي عهد جاهلية بني سعود ومن قبلهم بني أمية والقرامطة وآل الزبير، أقحموا فريضة الحج في خِضّم الصراعات السياسية والمذهبية مع الخصوم، بعد أن أفرغوها من محتواها الديني وحوّلوها الى مجرد إطار فارغ، رغم التعديلات الكبرى التي أحدثها الإسلام على الحج ليتناسب مع التوحيد والرسالة العالمية الجديدة المنقذة للبشرية، لكنهم رموا بكل ما جاء به الإسلام عرض الحائط، وحولوا فريضة الحج الى مجرد مطية لتحقيق أهدافهم وأهوائهم ونزواتهم الشيطاني، وقتلوا ضيوف الرحمن في وضح النهار، وصدوا عباد الله عن زيارة البيت الحرام بذرائع ما أنزل الله بها من سلطان، وارتكبوا كل المحرمات في تلك البقاع الطاهرة.
لا وجه للمقارنة بين جاهلية قريش التي لم تعترف بالإسلام وجندت كل قوتها لمحاربة النبي الخاتم، ورغم كل تلك العداوة للإسلام ونبيه لم تُسيّس مناسك الحج، ولم تمنع أحداً من زيارة الحرم المكي، وبين جاهلية بني سعود التي لم تكتفِ بإفراغ مناسك الحج من محتواها وطمس وتدمير ما تبقى من معالم وآثار الإسلام في البقاع الطاهرة بإسم الحفاظ على الإسلام، بل وحوّلت فريضة الحج الى ورقة مساومة وضغط لتمرير سياساتها وأفكارها الهدامة، خدمة لأسيادها في البيت الأسود وتل أبيب.

* الصد عن بيت الله الحرام:
لم يحدث على مر التاريخ الاسلامي وأن أغلقت الكعبة أبوابها بأمر من أحد من الخلفاء أو الأمراء العرب بوجه أي مسلم، لكن السعوديين فعلوها، بعد أن تحوّل الحج في عهدهم المظلم الى ورقة ضغط وابتزاز ضد الخصوم السياسيين والمخالفين في المذهب والفكر، والمعارضين والمنتقدين لجرائم الوهابية السعودية بحق الأمتين العربية والإسلامية، وليس آخرها العدوان الظالم على اليمن، فتمنع من تشاء عن أداء فريضة الحج من دول وجماعات وأشخاص، وترفع نسبة الحج لمن تشاء، ولم يسلم من هذه الإجراءات التعسفية حتى مسلمي الدول غير الإسلامية كما هو حال مسلمي كندا، لمجرد أن النظام الكندي عكر مزاج بن سلمان، وسنكتفي هنا بذكر بعض الشواهد التاريخية على ذلك.
1 - منع اليمنيين والعراقيين والمصريين والشاميين والايرانيين والمغاربة ومن في جهتهم خلال الفترة 1220 – 1223 هـ / 1805 – 1808 م عن أداء فريضة الحج، لادعاء جلاوزة الوهابية بأنهم كفار، واستمر المنع نحو ست سنوات.
ويذكر مؤرخ الوهابية "عثمان بن بشر الحنبلي" في الصفحة 139، من كتابه "المجد في تاريخ نجد"، جانباً من أحداث الحج لسنة 1221هـ / 1806م: "فلما خرج سعود من الدرعية قاصداً مكة أرسل فراج بن شرعان العتبي، ورجالاً معه .. وذكر لهم أن يمنعوا الحجاج التي تأتي من جهة الشام واسطنبول ونواحيهما، فلما أقبل على المدينة الحاج الشامي ومن تبعه، وأميره "عبدالله العظم باشا" والي الشام، أرسل إليه هؤلاء الأمراء أن لا يقدم وأن يرجع إلى أوطانه"، ويضيف مغتراً: "ولم يحج في هذه السنة أحد من أهل الشام ومصر والعراق والمغرب - أي بلاد المغرب العربي كله – وغيرهم، إلا شرذمة قليلة من أهل المغرب، لا إسم لهم".
واستمر بعدها منع الحجاج المصريين والأتراك في نوبات مختلفة كما حدث خلال العامين 1927 و 1943.
2 - منع الحجاج السوريين في العام 1959 من الوصول إلى مكة المكرمة، كما أرجعت القيادة السعودية - الوهابية كسوة الكعبة المشرفة المرسلة من مصر، ومنعت الحجاج المصريين من أداء فرضة الحج ما لم يدفعوا المكوس بالعملة الصعبة، علماً بأن فرض الرسوم على عبادة الله محرمٌ شرعاً، كما منعوا الحجاج اليمنيين بعد ثورة 26 سبتمبر 1962 من الحج.
3 - منع الحجاج الليبيين من أداء فريضة الحج بعد حادثة "لوكربي" الشهيرة نهاية العام 1988 بضغط من واشنطن ولندن وباريس، فقرر القذافي توجيههم الى القدس لأداء الحج بدل مكة المكرمة.
4 - منع الحجاج السوريين منذ العام 2011، بسبب إعلان النظام السوري الحرب على الجماعات الدينية المتطرفة الممولة من السعودية بما فيها داعش والقاعدة، ولا يزال الحجاج السوريين ممنوعين من أداء فريضة الحج الى اليوم، والحال منطبق على حجاج مناطق سيطرة حكومة الإنقاذ الوطني في اليمن، والممنوعين من أداء مناسك الحج منذ العام  2015 بسبب رفضهم للاحتلال السعودي الإماراتي لليمن وتصديهم له بكل بسالة ورباطة جأش، كما منعت الرياض في العام 2015 أقلية "البدون" الكويتية ولا زال المنع سار، دون مبررات وجيهة، وهو ما رأته وزارة الأوقاف الكويتية حينها ظلماً وإجحافاً بحق فئة كبيرة من الشعب الكويتي، وفي العام 2016 تم منع الحجاج الإيرانيين بسبب توتر العلاقة بين البلدين.
5 - منع القطريين من أداء مناسك الحج والعمرة على وقع الأزمة الخليجية المستمرة منذ 5 يونيو 2017، وتهديد عدداً من الدول الإسلامية الفقيرة في إفريقيا بمنع شعوبها من أداء فريضة الحج كما ذكرت صحيفة "لوموند" الفرنسية في عددها الصادر بتاريخ 12 يونيو 2017، بسبب رفضها قطع العلاقة مع قطر.
6 - إخضاع النظام السعودي نسب الحج لأهوائه ومصالحه السياسية، وتؤكد العديد من التقارير الإخبارية قيام الحكومة السعودية برفع حصّة الحجاج للعديد من الدول التي لها مواقف سياسية مساندة للرياض على الساحة الإقليمية والعالمية، وتقليص حصص الدول المنتقدة للنظام السعودي، خصوصاً فيما يتعلق بجزئية تسييس الحج، والتقصير في إدارة شؤون الحج، وعدم الاهتمام بتأمين سلامة الحجاج.

* قتل ضيوف الرحمن:
للقيادة السعودية - الوهابية سجل حافل بالاعتداء على ضيوف الرحمن والتفنن في التنكيل بهم وقتلهم منذ اليوم الأول لتوقيع التحالف المشؤم بين "محمد بن سعود" و"محمد بن عبدالوهاب" عام 1744، وصارت أكثر توحشاً ودموية بعد احتلال مكة والمدينة في العام 1220 هـ/ 1806م، وما تلاه من حصار لمكة والمدينة لمرات عديدة، وقتل الآلاف من ضيوف الرحمن وسكان مكة المكرمة والمدينة المنورة، وتدنيس البقاع الطاهرة والعبث بمقدساتها.
استولى السعوديون في العام 1218 هـ/ 1804 م على مكة المكرمة بدون حرب، فقاموا بهدم القبور والقباب، وكانوا يرتجزون ويطبلون ويغنون ويشتمون القبور ومن بداخلها من الصحابة، وبعد أشهر من العبث في بيت الله الحرام تمكن الشريف غالب من استعادة مكة، وفي العام  1219 هـ / 1805 فرض السعوديون والوهابيون حصار خانق على مكة استمر من ذو الحجة 1219 الى ذو القعدة 1220، وفي المحرم من عام 1220 شنوا سلسلة غارات على أطراف مكة دون مراعاة لحرمة شهر محرم الحرام.
وفي العام 1221 هـ / 1807 م قاموا بهدم قباب المدينة المنورة بما فيها قباب البقيع، ونهب ذخائر الحجرة النبوية من أموال وجواهر، وطرد قاضيي المدينة ومكة وبعض علمائها، وتعيين قضاة من الوهابية، ومنعوا الناس من زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
 وفي 1343هـ / 1924 م انتزعت الدولة السعودية الثالثة مكة بغير قتال، بعدما خرج منها الشريف الحسين وولده علي الى جدة، وقاموا بهدم القباب والمزارات بمكة والمدينة وجدة والطائف، وصب جنودهم الرصاص على قبة قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ويذكر المستر "هامفر" في مذكراته – ضابط في وزارة المستعمرات البريطانية وأحد معاصري ومدربي محمد بن عبدالوهاب - أنه طلب من "محمد بن عبدالوهاب" هدم الكعبة المشرفة، ولكنه اعتذر إليه، وقال أنَّ ذلك غير ممكن، لأن الدولة العثمانية ستواجهه بكل ثقلها لاستئصال حركته، وستكون نتائج ذلك عكسية عليهم وعلى مشروعهم، فصرفوا النظر عن المشروع، ولكن الوهابية لم يألوا جهداً عن صد عباد الله عن بيت الله الحرام ما وجدوا إلى ذلك سبيلا، أملاً في إيقاف فريضة الحج نهائياً، وهو مشروع جاري العمل له على قدمٍ وساق بالتنسيق مع تل أبيب والبيت الأسود.
هذه الحقائق الصادمة تؤكد عدم أهلية الدولة السعودية الوهابية لإدارة المقدسات الإسلامية في الحجاز، وسنكتفي هنا بذكر بعض الشواهد التاريخية لجرائم وهابية الدرعية بحق ضيوف الرحمن والبقاع الطاهرة.
1 –  مجزرة الحجاج اليمنيين في "تنومة" عسير عام 1341 هـ / 1921م، وهي من الجرائم الأكثر فضاعة في تاريخ الوهابية السعودية، استشهد فيها أكثر من 3000 حاج يمني، وامتنع اليمنيون بعدها عن أداء فريضة الحج لأكثر من 13 عاماً، ليعاودوا أداء الحج بعد توقيع اتفاقية الطائف بين الملك السعودي والإمام يحيى في العام 1934م.
2 – جرائم الوهابية في مدينة المصطفى خلال الفترة 1344 – 1346 هـ/ 1925 –  1927 م، وشملت تدمير كل ما فيها من آثار ثورية مرتبطة بانتصارات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على اليهود من بني قينقاع وبني النضير والملوك الخونة، وهدم مساجدها ومآثرها وقبور الشهداء والصحابة، بما في ذلك قباب وأضرحة البقيع، وامعنوا في الآمنين قتلاً ونهباً، وقتلوا ونفوا علماء الدين، وشوهوا كل جمالٍ في مدينة رسول الله، فتشرد الكثير من أهلها، وعملوا على التقليل من أهميتها، وأحلوا بأهلها بعد ذلك كوارث على يد جزار سعودي يدعى "عبدالعزيز بن إبراهيم"، بعثوا به في 10 ربيع الثاني 1346 هـ / 1927 م، قتل هذا الجزار أكثر من 7 آلاف مسلم أكثريتهم من الأطفال والنساء، ومن أشهرها مجزرة محمل بعثة الحج المصرية في منى عام 1926.
وتحدث تقرير للوزير البريطاني المفوض في جدةNORMAN MAYERS  عن قيام الوهابيين في موسم الحج للعام 1926 بقتل 4 من الحجاج الأفغان، وجرح اثنين، لأنهم كانوا يؤدون الصلاة في جبل ثور، حيث اختبأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
3 -  مجزرة جهيمان العتيبي بالحرم المكي في موسم الحج للعام 1979: احتلت حينها جماعة دينية متطرفة بقيادة الضابط في الحرس الوطني السعودي "جهيمان العتيبي" الحرم المكي لمدة 14 يوماً، وفشلت القوات السعودية في التدخّل فاستنجدت بقوات فرنسية، واباحت لتلك القوات غير المسلمة تدنيس صحن الحرم الشريف، وراح فيها الآلاف من حجاج بيت الله الحرام.
ونشرت قناة "الجزيرة" القطرية في 2 فبراير 2020 شهادة لأحد الضباط الفرنسيين المشاركين في تلك المجزرة، يُدعى  "بول باريل" أكد فيها استخدام قذائف غاز يشل الحركة، تزن 7 أطنان، ضُخت في أقبية الحرم المكي، والاستعانة بقناصة فرنسيين في الهجوم، ما تسبب في مقتل  أكثر من 5 آلاف شخص، بينهم على الأقل 3 آلاف حاج، خلافاً للرواية السعودية التي أعلنت مقتل أقل من 300 شخص، بينهم 26 حاجاً فقطـ، ومن بين الضحايا حجاج إيرانيين.
وحول دخول القوات الفرنسية الحرم المكي، قال: كانت لدينا قدم في الداخل وأخرى في الخارج، كنا ندخل الأقبية دون أن نعرف أين نحن، ولم يسألوا عن دياناتنا، بل عن "دقة" قنابل القنص!!.
4 – مجزرة الحجاج الإيرانيين: تسبب ترديد حجاج ايران لشعار البراءة "الموت لأميركا، الموت لإسرائيل"، في 6 ذي الحجة 1407 هـ/ 31 يوليو 1987، في إثارة غضب وهابية الدرعية، ودفع قواتها لإسكاتهم بقوة السلاح في حرم الله الآمن، خوفاً من غضب العم سام، ما تسبب في مقتل 402 مسلم، بينهم  275 حاجاً إيرانياً، وإصابة 649، بينهم 303 حاج إيراني.
وفي العام 2015 قٌتل نحو 4000 حاج، أكثريتهم من الإيرانيين، بسبب إسقاط رافعة بالحرم.
كما شهد العام 1990 مقتل أكثر من 1500 حاج، بسبب التدافع داخل نفق المعيصم بمكة.
وإجمالاً: لم يخلو عام من أعوام الحج إلا وفيه مجزرة للحجاج بدعاوى مختلفة.
5 - اعتداء الأمن السعودي في موسم الحج للعام 2019 على الحجاج الفلسطينيين بعد احتجازهم على الحدود ليوم كامل، ومنعهم من الدخول، رغم حصولهم على تأشيرات حج، ومتفق على دخولهم بالتنسيق بين وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية ووزارة الحج السعودية.

* الحلول البديلة لسعودة الحج:
فرق كبير بين تديين السياسة وتسييس الدين، ففي الشق الأول يتم تذويب فكرة الدين وتقديمها في قالب عملي كهدية انقاذ عالمية، وذلك غاية الإسلام المحمدي الخاتم لرسالات السماء، وفي الشق الثاني يتم افراغ الدين من روحه وتحويله الى  مطية لخدمة مصالح الأنا البشرية المجافية لروح ولب الإسلام، وصدق الله القائل "الذين اتخذوا القرآن عضين" والشاهد "عضين" والتي تعني: منجماً بحسب أهوائهم ونزواتهم ومصالحهم، وهو ما دأبت عليه القيادة السعودية الوهابية، في تعاملها مع فريضة الحج واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية.
الاستخدام الوهابي القذر لورقة الحج في البازار السياسي لاقى ردود عنيفة من مختلف مكونات المجتمع الإسلامي، لأن النظام السعودي يقوم بتسييس مناسك روحية ودينية ومعنوية بحسب الأكاديمي الإيراني الدكتور "حسن هاني زاده"، ما يستدعي تشكيل هيئة إسلامية تحت إشراف منظمة التعاون الإسلامي، بحضور وفود من كل الدول الإسلامية تنظم وتشرف على مناسك الحج، وتوفر الأمن والراحة للحجاج، دون تمييز على أساس مواقف سياسية، وهذا ربما يكون مفيداً للسعودية، بالنظر إلى أنها لم تتمكن من توفير الأمن للحجاج على مدى السنوات الأخيرة، مما أدى إلى وقوع أحداث طالت العديد من الحجاج من جنسيات مختلفة.
الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح المغربية ونائب الأمين العام لاتحاد علماء المسلمين، الشيخ "أحمد الريسوني" في مقابلة مع قناة العالم الإيرانية بتاريخ 21 أغسطس 2018، وجه انتقادات حادة للسعودية، متهماً إياها بمنع سياسيين معارضين من حقهم في أداء فريضة الحج، والتضييق على الوفود التي لها خلافات معها، والسعي الى "سعودة الحج".
ويؤكد عضو الرابطة المحمدية للعلماء المسلمين في المغرب الشيخ "عبدالحافظ صادق" أن استغلال السعودية للحج، للضغط على الدول الإسلامية والعربية لتبني سياساتها أو حتى لرشوة أشخاص سياسيين وإعلاميين ودبلوماسيين ليكونوا أبواقاً لها، يدافعون عن مصالحها وخصوماتها مع الدول الإسلامية الأخرى، أمر مرفوض شرعاً وقانوناً.
واتهم الناشط الحقوقي السعودي "يحيى عسيري" نظام بلاده باستغلال فريضة الحج لترسيخ وتقوية دعائم السلطة التي تستبد بالإدارة والقرار، وحتى بالتفسير الديني للدين الإسلامي الحنيف، وتستبد بكل ما يجري على هذه الأرض حتى المقدسات، التي أصبحت مثل "الرهن" الموجود تحت يد السلطة السعودية.
ودعا مفتي ليبيا الشيخ "الصادق الغرياني" جميع المسلمين إلى مقاطعة الحج، ومن يذهب للحج مرة ثانية إنما يرتكب إثماً، لأن ضخ أموال الحج في الاقتصاد السعودي يسهم في تمويل صفقات الأسلحة التي تبرمها الرياض، وتغذي الهجمات المباشرة التي تشنها على اليمن، والهجمات غير المباشرة على سورية وليبيا وتونس والسودان والجزائر، وعليه فالاستثمار في الحج سيساعد الحكام السعوديين على ارتكاب جرائم ضد إخواننا المسلمين.
إذن فالحل الوحيد هو إشراك الدول والمؤسسات الإسلامية في إدارة الحرمين الشريفين، والضغط لضمان قيام السعودية بإدارة جيدة للمشاعر المقدسة، والحفاظ على المواقع التاريخية الإسلامية، وعدم تسييس الحج والعمرة، ومنع استفراد الرياض بالمشاعر المقدسة، وفصل الحج عن السياسة.
ويرى الكاتب العربي محمود عبداللطيف أن الحل الأمثل لحماية المقدسات الدينية في مكة المكرمة والمدينة المنورة، هو تحويلها إلى مناطق محايدة سياسياً، غير خاضعة للسلطة السعودية، بمعنى أن تقوم الدول الإسلامية بتحويل الكعبة والمسجد النبوي والمناطق العائدة لهما والمتعلقة بالحج إلى أراضٍ محايدة بشكل مطلق تتبع منظمة المؤتمر الإسلامي، وفق مفهوم التعامل الدبلوماسي مع السفارات في دول العالم.
واستحضار الفكرة الدبلوماسية للتعامل مع الحرمين الشريفين لتحييدهما عن السياسة والمنطق الانفعالي الذي ترمي به التوترات السياسية بين الحكومات، ومن ثم الشعوب، وفق المفهوم والأعراف المتبعة دبلوماسياً، يضمن سيادة السعودية الكاملة على مكة والمدينة المنورة دون أن يكون لها حق حرمان أي مسلم من الحج أياً كانت الأسباب، وبهذه الطريقة نضمن حياد الأماكن المقدسة في أرض الحجاز، على أن تدار من قبل منظمة المؤتمر الإسلامي أو مؤسسة بديلة تنشأ بالتوافق بين الدول الإسلامية، من خلال التوقيع على معاهدة دولية يضع بنودها مجموعة من علماء المسلمين والقانون الدولي، وبدورها تقوم باختيار مجلس من العلماء المشهود لهم من كل المذاهب، تناط بهم مهمة الإدارة الدينية لمراسم الحج، وتقسيم عائداته على فقراء المسلمين أو إنشاء مشاريع تكون وقفاً إسلامياً يستفاد من عائداتها في رعاية جياع المسلمين في المناطق المنكوبة بالحروب والصراعات والكوارث الطبيعية.
وبذلك نضمن عدم استخدام المال العائد من موسم الحج على السعودية في تمويل قتل المسلمين في سورية واليمن وليبيا والعراق، وتمويل المشاريع "الصهيو – أميركية" في المنطقة.
وفيما يخص تأمين الكادر الحامي للحجيج والمنظم لأمورهم، يكون الأمر بالتداول بين الدول الموقعة على الاتفاق..الخ.

* المراجع:
1 - العلامة محسن الأمين، كشف الارتياب في أتباع محمد بن عبدالوهاب، طبعة بيروت عام 1991.
2 - العلامة أبو العُلى التقوي، الفرقة الوهابية في خدمة من؟، دار الإرشاد للطباعة والنشر- بيروت، طبعة عام 1997.
3 - د. محمد الصغير، تسييس الحج، موقع الجزيرة القطرية، 4 أغسطس 2017.
4 - د. حمود عبدالله الأهنومي، العدوان السعودي على حجاج بيت الله الحرام، مجلة الاعتصام، العدد 12، أغسطس – سبتمبر 2016.
5 - زيد يحيى المحبشي، الحج .. أبعاد ودلالات، صحيفة الأمة، العدد 268 ، 6 فبراير 2003.
6 - أحمد عبدالرازق، هل ترون أن السعودية تُسيّس الحج فعلا؟، موقع بي بي سي البريطانية، 1 أغسطس 2017 .
7 - حافظ المرازي، الحج بين التسييس والتدويل، موقع الحرة الأميركية، 11 أغسطس 2017.
8 - محمود عبداللطيف، ضرورات تحرير الحرمين من تسلط آل سعود، سيرياستيبس- عربي برس، 26 سبتمبر 2015.
9 - فكري عبدالمطلب، الأضرار الدينية والاجتماعية للاحتكار الوهابي لإدارة الحج خلال ثمانون عاماً، المؤسسة العالمية لبناء البقيع.
10 - الخليج أونلاين، إخفاء الحقائق .. سياسة سعودية لتغييب العالم عن انتهاكاتها، 6 فبراير 2020.
11 - موقع البينة للدراسات والأبحاث الوهابية، منع الحجاج من الوصول إلى بيت الله الحرام، 10 يونيو 2017.
12 - العربي الجديد، تسييس الحج .. ورقة ضغط قديمة بيد السعودية، 1 أغسطس 2017.
13 - قناة العالم الإيرانية، تسييس الحج .. الأهداف والعواقب، ٢١ أغسطس ٢٠١٨.

الثلاثاء، 14 يوليو 2020

إرتيريا قاعدة إماراتية مفتوحة لإدارة العدوان على اليمن

زيد يحيى المحبشي، 15 يوليو 2020
كعادته في شراء كل ما يستطيع دفع ثمنه، فتح عدوان تحالف دار الندوة على اليمن، شهية شيطان أبو ظبي لممارسة لعبته المفضلة، القائمة على تفعيل استراتيجية شراء واستئجار وإدارة موانئ ومطارات ذات أهمية عسكرية واقتصادية متنوعة، وبعد شهرٍ واحدٍ فقط من انطلاق عاصفة الإثم، تقدمت أبوظبي صفوف المتسابقين في رحلة الحج الى الكعبة الإرتيرية في البحر الأحمر، لتدخل من خلالها الى نادي التنصت على ما يدور في باب المندب من أوسع أبوابه.
يأتي التحول المفاجئ نحو الكعبة الإرتيرية بحسب موقع "ستراتفور" لأن: "الإمارات بدأت تفقد ثقتها في حليفها المصري، بعد رفض السيسي المشاركة في العمليات العسكرية في اليمن، إلا بمقابل مالي كبير"، والصحيح ما ذهب اليه وزير الخارجية الإرتيري "عثمان صالح محمد": "الإمارات تستخدم إرتيريا لأنها قادرة على تقديم التسهيلات اللوجستية في الحرب باليمن"
وجدت الإمارات في النظام الإرتيري القمعي المتعطش للأموال المدخل الأفضل لتحقيق أحلامها الشيطانية، وتنفيذ مخططاتها التآمرية والتخريبية في اليمن والإقليم، وكان وقع إشعال ما يسمى بـ "التحالف العربي" لحرب اليمن، الواقعة على بُعد 40 كيلو متر فقط من إرتيريا عبر البحر الأحمر، على نظام "أسياسي أفورقي" مختلفاً عن بقية جيرانها، ممثلة فرصة لا تعوض له ولنظامه، لتنشيط تجارته المفضلة، خاصة مع وجود زبائن محتملين من الدول النفطية التي تقود الحرب هناك.
وأظهرت المواقف السياسية والتحركات الدبلوماسية خلال السنوات الماضية، أن إرتيريا أصبحت دُمية بيد الإمارات، بعد أن فتحت أراضيها لإقامة القواعد العسكرية والسجون والمعتقلات التي تديرها حكومة أبوظبي في الظلام بصورة كاملة، رغم ما لذلك من تداعيات كارثية لم تسلم من شظاياها التدميرية حتى إرتيريا نفسها.
وتهدف الإمارات من وراء تمددها العسكري في إرتيريا الى تحقيق رزمة من الأهداف:
1 - تعتقد الإمارات أن بناء قاعدة عسكرية رئيسية لها في إرتيريا تمتدّ على مدى عدة عقود، كفيلٌ بمنحها دوراً رائداً في حماية الممرات البحرية في السويس وباب المندب، والهيمنة على حركة الملاحة، وتأمين وصول جيد الى سواحل البحر الأحمر، وتعزيز السيطرة على خليج عدن وباب المندب وشرق إفريقيا – طبعاً بما يخدم دورها الهدام - والبروز كلاعبٍ قوي في منطقة القرن الإفريقي وشرق إفريقيا وغرب المحيط الهندي.
2 - منح الإمارات عمق استراتيجي في أي صراعٍ مستقبلي مع إيران، خصوصاً وأن موقع وعمق ميناء عصب يسمح لقوى احتياطية تضم سفناً حربية إماراتية وطائرات وحتى غواصات بالبقاء نشطة وقادرة على اعتراض حركة الملاحة والنقل البحري الإيرانية على طول الخط الساحلي خلال حرب طويلة الأجل، تعمل إسرائيل على تهيئة صهاينة الخليج لإدارتها بالنيابة.
3 – والهدف الأهم الذي تسعى إليه دويلة الإمارات وفقاً لموقع "تيكتيال ريبورت" الاستخباراتي هو لعب دور "صانع الملوك" في جميع أنحاء هذه المنطقة الاستراتيجية، وأن تكون رقماً صعباً فيها، مسخّرة كلّ الامكانيات المشروعة وغير المشروعة للوصول إلى هدفها الشيطاني المنشود.
4 – إدارة العدوان على اليمن بما في ذلك العمليات العسكرية والحصار البحري وتدريب المرتزقة وتأمين المدن والجزر اليمنية المحتلة.
5 – إدارة مؤامراتها التآمرية في شرق إفريقيا وباب المندب والبحر الأحمر وصولاً الى ليبيا.

* القاعدة العسكرية الإماراتية:
كشف معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في نهاية أبريل 2015 عن توافق سعودي إرتيري حول الحرب على اليمن، وسماح إرتيريا لتحالف العاصفة باستخدام أراضيها ومجالها الجوي ومياهها الإقليمية، في تلك الحرب الظالم، وتكلّل هذا التقارب بتوقيع الإمارات وإرتيريا في مايو 2015 عقد شراكة أمنية وعسكرية، تلتزم بموجبه أسمرة بتوفير الدعم اللوجستي المباشر للعمليات القتالية في اليمن، وتأجير ميناء ومطار عصب لمدة 30 عاماً، من أجل استخدامهما كمركز لوجستي وقاعدة عسكرية للبحرية الإماراتية.
بموجب هذا الاتفاق نجحت الإمارات في إقامة أول وأكبر قاعدة عسكرية لها خارج حدودها، وأصبحت في فترة وجيزة بمثابة شريان الحياة للحرب الجائرة على اليمن، بما في ذلك نقل قوات ومعدات العدوان البرية وتحريك القطع البحرية وانطلاق طائرات التحالف لشن الغارات، وإدارة الحصار البحري المطبق على اليمن، وإدارة عملية احتلال المدن والجزر والسواحل اليمنية .. الخ.
وتخدم القاعدة العسكرية الإماراتية في ميناء عصب كمنطقة دعم لوجستي ومركز قتالي يتسع للواء إماراتي مدرع، يضم سربين من دبابات القتال الرئيسية نوع "لوكليرك/ لوكلار"، وكتيبة من عربات المشاة القتالية من طراز "بي ام بي- 3" وبطاريتين من مدافع "الهاوتزر ج6"، ومجموعة طائرات قيادة العمليات الخاصة من طراز "شينوك"، "بلاك هوك"، وطائرات الهليكوبتر "بيل سيفن"، وطائرات مقاتلة من طراز "ميراج 2000"، كما استقبل مطار عصب طائرات النقل الضخمة من بينها "سي- 17 جلوب ماستر3"، وطائرات "وينغ لوم"، وهي حربية من دون طيار صينية الصنع يقودها السلاح الجوي الإماراتي.
ولم يقتصر الوجود العسكري الإماراتي على ميناء ومطار عصب بل امتد الى مطار أسمرة الدولي، بعد أن تم إعادة تأهيله ليصبح قادراً على استقبال المروحيات الهجومية من طراز "أباتشي" التابعة لقيادة الطيران المشتركة الإماراتية ومروحيات "تشينوك" و"بلاك هوك" المملوكة للحرس الرئاسي الإماراتي.
بحلول مايو 2016 تم حفر شريط ساحلي وجَرفه على مساحة 60000 متر مربع، وأقيم رصيف بحري امتدّ على طول 700 متر، وتوسيع المحيط الأمني الذي يحتضن مرافق المطار والميناء، وإعادة تحديد مسار الطريق السريع الساحلي "P-6" بين عصب ومصوع حول المحيط الخارجي للقاعدة العسكرية.
وفي أواخر يوليو 2015 انتهت الإمارات من بناء مطار عصب، وبدأت قاعدة عصب تُستخدم كمنطقة دعمٍ لوجستي ومنصةٍ للمدرّعات الإماراتية بحجم لواء، والتي تقدمت كرأس حربة في عملية احتلال عدن في أغسطس 2015، وفي سبتمبر2015 شرعت شركة الجرافات البحرية الوطنية الإماراتية  في بناء مرافق جديدة لميناء المياه العميقة على الساحل المجاور مباشرة لمطار عصب، وشق قناة جديدة غيرّت شكل خط الساحل من أجل بناء ذلك الميناء.
ونشر موقع "ستراتفور" الأميركي صوراً التقطت بالأقمار الصناعية تبين توسُع الإمارات في القرن الإفريقي وبنائها منشأة بحرية أخرى الى جانب قاعدتها العسكرية في ميناء عصب، وبذلك انتفت حاجة القوافل العسكرية الإماراتية إلى عبور مدينة عصب خلال تنقلاتها بين القاعدة الجوية والميناء البحري الذي يقع على بعد 10 كيلومترات جنوباً، وأكد الموقع أن الانتشار العسكري الإماراتي في إرتيريا من حيث حجمه ونطاقه يبدو لاستخدامات طويلة المدى، ولأهداف أكبر بكثير من مجرد مهمة لوجستية قصيرة المدى دعماً للعمليات في البحر الأحمر.
على صعيد إدارة الإمارات عملياتها القتالية في اليمن، قامت سفن الإنزال خلال الفترة "مايو - يوليو 2015" بنقل قوات أمن سعودية وإماراتية وميليشيات محلية درّبتها في إرتيريا الى محطة النفط الكائنة في "عدن الصغرى"، استعداداً لما أسمته بعملية "السهم الذهبي"، وبالفعل تمكن التحالف في أغسطس 2015 من احتلال ميناء ومدينة عدن، بمشاركة طائرات التحالف في مطاري عصب وأسمرة.
وفي سبتمبر 2015، بدأت الإمارات باستخدام ميناء عصب كمنصة إطلاق للعمليات البرمائية ضد الجزر اليمنية في البحر الأحمر، ومنذ أواخر 2015 وحتى يوم الناس نفذت الإمارات سلسلة طويلة من الهجمات الجوية العدائية على جنوب غرب اليمن، ومضيق "باب المندب" والجزر اليمنية انطلاقاً من مطار أسمرة الدولي والقاعدة العسكرية في ميناء عصب، وفرضت حصار بحري خانق على مينائي المُخا والحُديدة، تديره بواسطة طرادات جديدة من فئة "بينونة" وسفن "رماح" اللوجستية، تم وضعها في ميناء عصب في أواخر عام 2015 وخلال عام 2016 خصيصاً لهذه المهمة القذرة.
وفي 14 نوفمبر 2016 كشفت مؤسسة البحوث العسكرية "جاينز"، عن قيام الإمارات بنشر طائرات ميراج 2000 في القاعدة الجوية بميناء عصب، استعداداً لعمليات عسكرية جديدة في اليمن، وجهتها الساحل الغربي.
وكشف تحقيق استقصائي لهيئة الإذاعة الألمانية ""DW في 26 فبراير2019، استغلال الإمارات ميناء عصب الإرتيري في شن الحرب على اليمن، ونشر الفوضى من خلال ممارسة التعذيب والاغتيالات هناك وادارة الحصار البحري المطبق على اليمن.

* إسرائيل تدرب مرتزقة العدوان:
تحولت القاعدة العسكرية الإماراتية في ميناء ومطار عصب الإرتيري الى مركز استقبال لوجستي لاستضافة وزراء حكومة الفنادق عند تعرضهم للخطر في عدن خلال زياراتهم المتقطعة والنادرة الى المناطق المحتلة، ومركز تجميع للمرتزقة من داخل اليمن والدول الإفريقية، وتأهيلهم وتدريبهم قبل نقلهم للمشاركة في عمليات عدوان تحالف العاصفة.
وتحدثت تقارير محلية عن قيام الإمارات بتدريب نحو 4000 مرتزق يمني في عصب خلال العام الأول للعدوان فقط، منهم 1500 مرتزق يمني نقلتهم الى اليمن في أواخر يوليو 2015، وفي أكتوبر 2015 استقبلت قاعدة "العند" الجوية مجموعة من الطيارين في سلاح الجو اليمني الموالي للعدوان بعد تدريبهم في عصب.
كما استقبل ميناء عصب خلال الفترة "سبتمبر - نوفمبر 2015" خمس كتائب من المرتزقة السودانيين "الجنجويد"، قامت الإمارات بنقلهم من منطقة "كسلا" على الحدود "السودانية - الإرتيرية" الى ميناء عصب، ومنه الى عدن والساحل الغربي، وتلتها عشرات الكتائب بموجب اتفاق بين تحالف دار الندوة ونظام البشير الدموي في السودان مقابل رزمة من الامتيازات المالية والاستثمارية ووعود بإسقاط مذكرة الاعتقال الدولية بحق الدكتاتور "عمر البشير"، واستمر الأمر مع النظام العسكري السوداني بعد السقوط المخزي للبشير.
وكشف مركز "ستراتفور" الأميركي للدراسات الاستراتيجية والأمنية في تقرير له بتاريخ أكتوبر 2015، عن وجود 3 سفن إنزال بحرية إماراتية تستخدم ميناء عصب في الحرب على اليمن، بما في ذلك نقل مرتزقة من السودان الى ميناء عصب ومنه إلى اليمن، كما أظهرت ذلك صور اُلتقطت بالأقمار الصناعية في 16 سبتمبر 2015.
في العام 2016 قام الاحتلال الإماراتي ببناء مساكن داخل حاويات ومدينة ضخمة من الخيام في منطقة عصب من أجل إيواء ميليشيات من المحافظات اليمنية الجنوبية وتدريبها على مكافحة الإرهاب قبل نقلهم في مايو 2016 مع كتائب من مرتزقة السودان، للمشاركة في مسرحية حرب الاحتلال الإماراتي ضد ما يسمى بتنظيم "القاعدة" في جزيرة العرب في المدن الجنوبية وأهمها المكلا، وكان هذا التنظيم قد بسط سيطرته على عدة مناطق يمنية، مستفيداً من العتاد العسكري الذي غنمه من قوات التحالف، وهو اليد الضاربة للتحالف السعودي الإماراتي في احتلال المناطق الجنوبية والشرقية وبعض محافظات المناطق الوسطى.
وفي مطلع 2018 أكد موقع "العربي نيوز" استقبال ميناء الزيت بعدن 1200 مرتزق يمني قادمين من إرتيريا، وشهد العام 2018 استعدادات مكثفة في أوساط قوى الاحتلال لغزو الحديدة، واستقبل مينائي "عصب" و"مصوع" آلاف المرتزقة للمشاركة في معركة احتلال الحديدة، وتحدثت وسائل إعلام إرتيرية معارضة عن تفقد وفود سعودية وإماراتية  رفيعة المستوى في  6 يونيو 2018 مينائي "عصب" و"مصوع" وعدداً من الجزر الإرتيرية المتاخمة لليمن، كما تفقدوا كتائب من المرتزقة اليمنيين والإرتيريين والسودانيين والسنغاليين والخليجيين، تلقوا تدريبات مكثفة على أيادي إسرائيلية وأميركية وأردنية، استعدادا لغزو الحديدة.
وفي 7 يوليو 2018 نقلت السفن الإماراتية مرتزقة لواء تهامة إلى الساحل الغربي، كما نقل موقع "وكالة الصحافة اليمنية" في 27 يوليو 2018 عن مصدر عسكري بعدن، تواجده شخصياً مع 1500 جندي من المحافظات الجنوبية، ومعهم العديد من الإماراتيين والسعوديين والسودانيين، في إرتيريا لتلقي التدريب في مينائي "عصب" و"مصوع"، وقال أن معظم المدربين للقوات المشتركة هم من أصول "أميركية" و"إسرائيلية"، وأن الوحدات القتالية أحياناً تنفذ عمليات قصف على "الحديدة" من ميناء "مصوع" أو "عصب".
ومعروف أن للكيان الصهيوني تواجد كثيف في إرتيريا وبخاصة مدينة وميناء عصب، ويستخدم جزر أرخبيل "دهلك" كمحطة اتصال ومراقبة، ويستطيع تعزيز وجوده العسكري بصورة مكشوفة، وتحدثت العديد من التقارير المحلية والدولية عن تواجد عسكري صهيوني في القاعدة العسكرية الإماراتية بـ "عصب"، ومشاركة الصهاينة في تدريب مرتزقة تحالف العاصفة قبل نقلهم الى اليمن.

* الاستثمار الإماراتي القذر لمأساة الصيادين اليمنيين:
من الأمور اللافتة مؤخراً توسط الإمارات للإفراج عن الصيادين اليمنيين لدى إرتيريا، رغم أن الرياض من تتدخل عادة في هكذا مواضيع، والمضحك أن تزايد عمليات اعتقال وخطف وتعذيب الصيادين اليمنيين من قبل النظام الإرتيري ما بعد عام 2015 تتم بإشراف وتوجيه مباشر من الإمارات، ولذا فوساطتها الأخيرة كانت مجرد مسرحية مفضوحة، الهدف منها الإيحاء للمنافسين الإقليميين بأنها أصبحت ذات شأن ونفوذ في القرن الإفريقي، لم يعد بالإمكان تجاوزها أو تجاهلها في القرارات المتعلقة بأمن واستقرار البحر الأحمر وباب المندب والقرن الإفريقي، وهو انتشاء فاضح وكاشف، حيث تؤكد الوقائع المتدحرجة في هذه المنطقة المنكوبة، أن الإمارات مجرد واجهة ومطية للكيان الصهيوني.

* السجون السرية الإماراتية في إرتيريا:
كشفت منظمات حقوقية ووكالات أنباء دولية منها وكالة "أسوشيتد برس" ومنظمة "هيومن رايتس ووتش" ومنظمة "العفو الدولية" في السنوات الأخيرة عن وجود شبكة من السجون السرية الإماراتية في عدة مناطق داخل إرتيريا منها ميناء ومطار عصب ومطار أسمرة الدولي وأرخبيل دهلك، بداخلها معتقلين من عدة جنسيات بما فيهم معارضين إماراتيين، وأكثريتهم من اليمنيين، وتُمارس ضدهم أبشع أنواع عمليات التعذيب بما فيها التحرش الجنسي.
كما كشف الصحفي الإرتيري "جمال عثمان همد" في النصف الثاني من العام 2017 عن قيام الإمارات بإعادة تأهيل معتقل وسجن "نخره" في أرخبيل "دهلك"، ونقل معتقلين يمنيين وإماراتيين اليه بحسب "منظمة العفو الدولية".
ونشرت قناة الجزيرة القطرية في مارس 2019 صوراً بالأقمار الصناعية تظهر تفاصيل جديدة لسجون سرية إماراتية مريبة في مدينة عصب، تضم مبان تقع على مساحة 400 متر مربع، وأكد الباحث بكلية "كنغ" البريطانية "أندرياس كريج"، أن هذه السجون تدار في الظلام بصورة كاملة من قبل مرتزقة ومجندين محليين مزودين بمعدات وأسلحة حديثة.

* التداعيات الكارثية للتواجد العسكري الإماراتي:
يرى الأكاديمي والمفكر السياسي الإرتيري الدكتور حسن سلمان في مقابلة صحفية بتاريخ 11 فبراير 2018 أن الوجود العسكري الإماراتي جعل إرتيريا ساحة لصراع إقليمي، في منطقة تشهد منذ عقود طويلة حروباً بالوكالة لأسباب جيوسياسية وحضارية، وتتزاحم حولها القوى الكبرى وأدواتها الإقليمية، وهي اليوم أكثر توتراً واقتراباً من الانزلاق نحو المواجهة، خاصة بعدما تسرب معلومات عن وجود اجتماعات وتجمعات عسكرية إماراتية - مصرية في إرتيريا وتحديداً على الحدود السودانية، علاوة على وجود عسكري إسرائيلي في القاعدة الإماراتية.
ورغم أن المهمة الأساسية المُعلنة للقاعدة الإماراتية في إرتيريا تتعلق باليمن تدريباً ونقلاً وحراسة بحرية، كي لا يتم استخدام المناطق الساحلية الإرتيرية ضد الوجود الإماراتي في اليمن، إلا أن الحقيقة تؤكد أن وجود القاعدة يأتي في إطار الصراع الدولي والإقليمي على النفوذ في هذه المنطقة الحيوية، ومحاولة أبوظبي توسيع دائرة نفوذها، وشن هجمات على أهداف في اليمن لتنفيذ أجنداتها الخاصة هناك، الأمر الذي ينعكس على المنطقة بشكل سلبي، في ظل وجود صراعات قديمة تستثمرها الإمارات لصالح مشروعها.
ميدانياً: لم تشهد مناطق تواجد القوات الإماراتية أي خدمات بنيوية لصالح السكان المحليين، بل تحولت حياتهم الى جحيم لا يطاق، ويؤكد الكاتب الفرنسي "ألكساندر لوري" أن الوجود العسكري الإماراتي في مدينة عصب الإرتيرية أضر بشدة بسكان المنطقة، وذلك من خلال منعهم من ممارسة مهنتهم الأصلية وهي الصيد البحري، كما تعرض الكثير من الصيادين الإرتيريين لهجمات طائرات التحالف سواء في السواحل البحرية، أو المناطق البرية، منها 5 غارات شنها الطيران الإماراتي في 7 أبريل 2017 على قوارب الصيادين الإرتيريين داخل المياه الإقليمية، وممارسة الضباط الإماراتيين الترهيب والعنف لإسكات المتضررين، وفقاً لرئيس تحرير موقع "عدوليس" الإرتيري "جمال عثمان همد".

* المراجع:
1 - عائد عميرة وحفصة جودة، ما الذي تريده الإمارات من إرتيريا؟، ن بوست، 4 يناير 2018
2 - الكسندر ميلو ومايكل نايتس، الإمارات تضع أنظارها على "غرب السويس"، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، 2 سبتمبر 2016.
3 - أسامة الصياد، كعبة أسمرة .. كيف جمعت إرتيريا إيران وإسرائيل على أراضيها؟، الجزيرة نت، 20 مارس 2018.
4 - هيثم فيضي، تواجد إماراتي في الخليج الإرتيري، ساسة بوست، 29 نوفمبر 2017.
5 - إيهاب شوقي، إرتيريا تلخص مأساة تحالف العدوان السعودي على اليمن، متابعات، 12 يوليو 2018.
6- إدريس فرحان، تفاصيل وصور جديدة حول السجون السرية الإماراتية المريبة في إرتيريا، الشروق نيوز، 15 أبريل 2019.
7 - الإمارات 71 ، صور جوية تظهر تواجد سفن إماراتية في ميناء عصب الإرتيري، 1 نوفمبر 2015
8 - صحيفة الاستقلال، الإمارات تستغل إرتيريا لشيطنة خصومها، 7 ديسمبر 2019.
9 - الخليج أونلاين، هكذا تستغل الإمارات إرتيريا وتنشر الفوضى في اليمن، 27 فبراير 2019.
10- يمني سبورت، انطلاقا من إرتيريا .. التحالف العربي يدعم بتعزيزات عسكرية للقوات المشتركة لحسم معركة الحديدة، 23 يونيو 2020.
11- الجنوب اليوم، 500 من المجندين العائدين من إرتيريا يعقدون لقاء في ردفان ويهددون بالتصعيد في حال لم يتم الاستجابة لمطالبهم، 20 نوفمبر 2016