Translate

الأربعاء، 8 مايو 2013

الربيع العربي وعقدة الأسلمة

 لا يمكن لجماعة دينية متزمتة ومتكلسة أن تتحول بين ليلة وضحاها من جماعة متطرفة في رؤيتها ومنهجها وشعاراتها, إلى جماعة حضارية ومدنية تفتح أبوابها للجميع وتحتضن الجميع وتدافع عن الجميع!!.
تجارب الثورات البشرية الكبرى كانت على الدوام تظهر أن أصحاب الأفكار الجذرية والمتشددة, لم تكن تتصدر واجهات الثورات في البداية, ثم لا تلبث أن تنقض عليها بوحشية لتسيرها بحسب أهدافها الايديولوجية المتشددة ومنطلقاتها الفكرية المتخشبة وطبائعها العنيفة القهرية الإقصائية الاستحواذية.
التفشي المخيف والمرعب اليوم لظاهرة استغلال الدين والثقافة التي تُدِين أفكار وضمائر البشر – ثقافة تأمثُل الذات وشيطنة الآخر - وتتكلم بطريقة مطلقة وكأنها المالك الحصري للحقيقة والمسئول المفوض عن توزيعها وتفسيرها وبيعها وشرائها ومنحها ومنعها, والاكتفاء بظاهر الأشياء.. أمرٌ لا يستطيع إنكاره سوى أعمى البصر والبصيرة.
 هذا الوضع الكارثي المتمخض من رحم الربيع العربي ليس بالأمر الجديد علينا, فهو بحسب الكاتب علي أبو طالب: " فرز طبيعي لما يشهده واقعنا العربي والإسلامي من تراجعات حادة على مختلف النواحي الإنسانية والتنموية والحقوقية .. يساهم فيه بشكل واضح تلك الصورة السياسية المحنطة, فضلاً عن الجمود والتكلس اللذين يشهدهما الخطاب الديني بالتحديد .. فلا غِرو إذن إن عاشت شعوب العالم العربي هامش التقدم والحضارة, وهي تفتقر إلى أقل ما تتمتع به الشعوب الأخرى من استحقاقات سياسية أو مدنية .. فما يزال الإنسان العربي بعيداً كل البعد من أن ينخرط في عملية تنافسية ونزيهة ذات طابع ديمقراطي حقيقي للوصول إلى مواقع صنع القرار..!!".
اسباب كثيرة افضت بنا إلى هذا الوضع الكارثي ابشعها تضخم وطغيان عقدة الأنا المثالية(التأمثل وادعاء الطهرانية) في السلوكيات والممارسات, وتزايد الصراع بين ثقافتي الغالب(الغلبة) والمغلوب(المغلوبة), والتي لا تزال تتحكم في مسارنا ومصيرنا, مع فارق نسبي هو أن "الأولى" تأخذها العزة بالإثم ومن منطق نشوة الانتصار تُجِيز لنفسها أن تفعل "ما تشاء وقت ما تشاء" دون أن يردعها قانون أو يُلزمها عهد أو ميثاق؟!, و"الثانية" المغلوبة على أمرها تظل في غيها مكابرة, تلتقط من الماضي ما يدغدغ  مواطن النشوة الوهمية لديها..
الانتشار المخيف للجماعات والتيارات الدينية المتزمتة الخارجة من جحورها بعد سقوط الديناصورات العربية و سعيها إلى نسج علاقاتها مع الآخر المختلف معها في الفكر والمعتقد والرؤية وفق مبدأ امتلاكها للحقيقة المطلقة أو أنها تمثل النموذج  الطهراني الفريد.. نهج كارثي موغل في الظلام ومجافي لكل الحقائق والنواميس الكونية المجمعة على أن: "الدين واحد والشرائع مختلفة, وأن مشكلتنا ليست في الأديان بقدر ما هي في المعارف والأفهام البشرية, وأن الإنسان نفسه يبقى اللاعب الأبرز وراء كل المعطيات الحيوية والقيمة الحقيقية ليس لفهم الوجود فحسب بل باعتباره المسئول الأول عن تشخيص علاقته بنفسه وبالأخر أيضاً..في قُبالة معطيين رئيسيين هما: الدين بمجموعه التاريخي والتراثي والحيوي, والواقع بكل تفاصيله وتساؤلاته المكثفة..".
العجب كل العجب ان تلك الجماعات المتزمتة الخارجة من كهوف الظلام والنسيان التاريخي بعد قرون من تقيدها الصارم بفقه الخنوع والخضوع القائم على قاعدة الولاء المطلق والطاعة العمياء لحكام الجور والظلم ولا تتوان أو تتورع عن مزج ذلك بفتاوى تحريم الخروج مهما كانت فضاعت وفُحش افعال وأعمال الحاكم باعتباره قدر إلهي والاعتراض عليه اعتراض على الارادة الالهية والاعتراض على الارادة الالهية موجب للكفر ومهدر للدم والمال والعرض.. بحيث صار يطلق على هذه الجماعات اسم(مذهب ذيل بغلة السلطان) .. فإذا بها فجأة تعلن رغبتها في المشاركة بالعمل السياسي والحزبي الذي ظل إلى عهد قريب من المحرمات والكبائر الموجبة لسخط الله, على الأقل لدى بعضها, والسؤال هنا: (هل هذا التحول المفاجئ والصادم وغير المفهوم عن اقتناع أم أنه فقط لإقناع أو خداع الساذجين؟!!)..
 خصوصاً وأنه قد تجاوز حدود الرغبة في المشاركة إلى خطف الثورة والدولة كما هو الحال في تونس ومصر وإلى حد ما اليمن وليبيا, بما يحمله هذا الخطف والاستحواذ من مخاطر كارثية قاتلة على الديمقراطية والمدنية المنشودة.. لم تعد مدخلاتها خافية على أحد, وبدعم غربي أميركي غير مسبوق هذه المرة.. مصحوباً بشن حملة إعلامية مكثفة يقودها الإعلام المسبح بحمد الغرب وأميركا لتلميع صورة أحزاب وحركات الإسلام السياسي وتقديمها كحليف بديل عن الأنظمة العربية المتهاوية للغرب وأميركا وتهوين المخاوف منها وبالتالي العمل على تهيئة المناخ الملائم لتصدرها واجهة المسرح السياسي العربي الجديد وإدارة دفته, وهذا لغز أخر من ألغاز الربيع العربي بحاجة إلى قراءة مستفيضة, لأنه ينم عن قصة حب عذري غريبة الأطوار ومغازلة أضداد مفضوحة أشعلتها ايديولوجية "تبدل المصالح والأثمان" القائمة على لهيب المساومة والمقايضة, فالغرب وأميركا بحاجة إلى ضمان مصالحهم ونفوذهم وحركات الإسلام السياسي بحاجة الى الاعتراف بشرعيتها والدعم اللازم لضمان تسيدها وتمددها, أي أنهما أصبحا سمن على عسل أو هكذا اعتقد ساركوزي عام 2011 عندما قال بانتشاء فاضح: "إن الثورات العربية لم ترفع شعارات إسلامية ولم تطلب الموت للغرب, وهي تناضل من أجل سيادة القيم الغربية, فلماذا نتردد في دعمها؟!!".
أما الصورة في سورية فتبدو اكثر فضاعة بعد أن حولت جماعات الإسلام السياسي احلام التغيير الاكثر من مشروعة الى فرامات اغتيال وقتل مدمر للأرض والإنسان والحضارة, فرامات ممهدة بفتاوى شيوخ التابو والذعر المحرم الاكثر فتكاً وفُحشاً واستباحةً وإباحةً لكل المحرمات؟!! وسكوت وصمت طغات العالم ودعم مستميت من حلفائهم الإقليميين, إنها فرامات ملونة بصبغة الدين تبتغي القتل والخراب والدمار لأخر قلاع الصمود والممانعة بذريعة التغيير وهذه أم المصائب.
ربيع متلاشي وحركات متزمتة تخرج وتتمدد بهستيرية باعثة على الغثيان وتدخل خارجي موغل في الفحش.. وأنظمة متوالدة من رحم الأمل المأساة, أنظمة لا جديد فيها, أنظمة لا زالت بفعل طغيان العقل الجمعي الاستحواذي "مجرد ديكور جديد لمعطيات ثابتة وعقائد جامدة" دون أن يكون هناك أي أثر على صعيد الحرية والديمقراطية, التي هي أساس المشكلة وأساس الحل.
والنتيجة الفاقعة لمحصلة الربيع الممنوع من الصرف "سر مكانك" وبلغة الكاتب   والمبدع الطاهر بنجلون(فبراير 2012): " الثورات العربية التي كشفت في بداياتها أن خطاب الإسلامويين لا يتناسب مع تطلعاتها.. صارت تجد نفسها اليوم فريسة بين الحركات الاسلاموية.. مما يدفعنا للقول إنها ليست في مرحلة الديمقراطية.. الالتباس وقع لما اعتقد البعض أن ممارسة حق الانتخاب تكفي لادعاء الديمقراطية .. الانتخابات هي تقنية.. الديمقراطية شيئ آخر, هي ثقافة تتجسد في قيم أهمها: الاعتراف بالفرد والاقرار باختلافه وبحقوقه وبواجباته أيضاً .. ثقافة احترام حرية الآخر ما تزال تبحث عن مكان لها في الدول العربية".



الثلاثاء، 7 مايو 2013

منهج الزيدية في سياسة الرعية

يقول الامام الناصر للحق الحسن بن علي الاطروش(230 – 304 هـ) مخاطباً رعيته: ".., وأنتم أيضاً معاشر الرعية, فليس عليكم دوني حجاب, ولا على بابي بواب, ولا على رأسي خلق من الزبانية, ولا علي أحد من أعوان الظلمة, كبيركم أخي, وشابكم ولدي, لا آنس إلا بأهل العلم منكم, ولا أستريح إلا إلى مفاوضتكم"..الحدائق الوردية, ج2(مخطوط), ص 31.

هذه الصورة الرائعة التي عكست منهج أل بيت المصطفى في تعاملهم مع الناس بما فيها من أخلاقيات رفيعة وإنسانية نادرة كانت السبب في نفور الناس منهم خوفا من الحكام الظلمة المتوجسين خيفة من منازعة ائمة الهدى لهم وزعزعة عروشهم القائمة على الحديد والنار.

وهناك مقولة شهيرة لعامر بن شراحيل بن عبدالله الشعبي الهمداني الحميري الكوفي(19 – 105 هـ) تلخص المعاناة والجور والظلم الذي لحق بالأئمة وشيعتهم ولا يزال لا لجريرة اقترفوها ولا لذنب أتوه سوى مودة من أمر الله بمودتهم القائمة على العدالة الإلهية والشرعة المحمدية, ولذا يقول الشعبي : " إن أحببنا أهل البيت هلكت دنيانا وإن أبغضناهم هلك ديننا"

الاثنين، 6 مايو 2013

الاستعمار والاستدمار


* لماذا مفردة "الاستعمار" أبدلناها بـ"الاستدمار" , ومنذ متى كان الغرباء يُعَمِرون بلداناً أخذوها بالقوة ونهبوا خيراتها وأذلوا شعوبها؟.
* لا منفى منعزل – لعالمنا العربي – بل أتصور خلال الثلاثين أو الأربعين سنة القادمة ستعاد صياغة المنطقة العربية بشكل مختلف لأن تحولات العالم ودخوله مرحلة "حروب المعرفة " وما يطلق عليه مفهوم: "التاريخ ما نصنعه مستقبلاً وليس ما صنعناه في الماضي" يجعل كل التركيز على هذه المنطقة لأنها قلب العالم ولأنها كانت عبر التاريخ مجالاً للصراع ففيها تتركز الأديان وصراعات اللغة والمصالح.. نحن جزء من هذه العولمة لأن ابطالها شخوص وفدوا من جهات الأرض.. فلا منفى منعزل حتى وإن كان دورنا مغيباً وتم اختزالنا:"أمة منتجة للإرهاب والتطرف والديكتاتورية بين الأفراد أنفسهم"
* قرأت للمفكر الفرنسي "دومينيك مويزيه"في كتابه "جيوبوليتيكيا المشاعر" الصادر عام 2007 عما يسمى " الربيع العربي / 2011 " أن العالم يتشكل من ثلاثة مشاعر أو عواطف أو مناطق هي:
1 – مشاعر "الأمل" : وتقودها الصين واليابان وكوريا وهي من يصنع السعادة للإنسانية.
2 – مشاعر "الخوف" :  ويمثلها الغرب بقيادة أميركا وأوربا وتعيش حالة فوبيا دائمة من الدين والإرهاب والخوف من فقدان إمتيازها في قيادة العالم.
3 – مشاعر "الإذلال" : ويمثلها العرب والمسلمون العاجزون عن التخلص من حالة الخوف مما سيكون!! والعاجزون عن بلوغ درجة الأمل!! وهي مشاعر بارزة منذ سقوط غرناطة الأندلس.. وحالة الإحباط هذه هي التي أنتجت فعل العنف والرفض والشك والخوف والانفلات في الذات...
تم الاقتباس (بتصرف) من مقابلة أجرتها الكاتبة غالية خوجة مع الشاعر والروائي والكاتب الجزائري "عزالدين مهيوبي" ونشرتها مجلة دبي الثقافية في العدد (95) أبريل 2013 ص 24 – 27

السبت، 4 مايو 2013

اصداء ثورية



* إن الخيانة تبدأ من البطانة مع أنها ستكون أول المستهدفين ومن ثم فإنه سينالها القصد الأوفر من الضرر!!..القاضي منصور العرجلي 2/1/2004م.
* إن الاستبداد لا يدمر الحاضر وحده ولكنه يخرب المستقبل أيضاً لأنه يسعى إلى إحراق بدائله وإخصاء المجتمع .. المفكر المصري فهمي هويدي
* تستطيع حكومة الخريط الوطني خداع بعض الناس كل الوقت وكل الناس بعض الوقت لكنها لن تستطيع خداع كل الناس كل الوقت؟!.

على هامش ربيع العرب المتصرم

* هناك من يدفع العالم العربي إلى حروب دينية / أهلية قاتلة تحت مسميات عِدة لكن من يجرؤ على وقف المجازر قبل استفحالها.
* يستحيل على المجتمعات أن تتقدم إذا أسكت فيها القوي الضعيف وأخرسه وادعى أنه يمُن عليه عندما يتركه يعيش على أرضه ووطنه.
* هل حان الوقت لخلع الاقنعة الغثائية عن وجوه المخادعين والكف عن ازدواجية الخطاب.
* هل حان الوقت للتخلي عن الأوهام والكف عن تخبئة الرؤوس في الرمال والمواجهة بحزم وقوة لكل الأكاذيب والأوهام التي عيشونا ويُعَيشونا فيها.

الاثنين، 29 أبريل 2013

الحرية والربيع المتصرم



زيد يحيى المحبشي
الحرية كلمة بسيطة النطق مكونة من ستة حروف, لكنها عميقة المعنى, لأنها تلخص تاريخ كفاح البشرية نحو الإنسانية والسلام, لذا فمن المستحيل لأي أمة من الأمم أن تتحرك نحو الحضارة والتقدم, دون أن تستنشق رحيق الحرية والاستقلال.
حب الحرية يتعارض كلية مع حب القوة.. حب الحرية هو حب الآخر وحب القوة هو حب النفس
حب الحرية الايمان العملي بالتعدد والتنوع والمواطنة المتساوية والتنمية المتوازنة والعدالة الاجتماعية, انها ببساطة حكم الشعب, حكم المؤسسات, مشاركة الجميع في بناء الحاضر والمستقبل.. حب القوة يقوم على الضد.
حب الحرية ثورة شعب ثورة أمة ضد طغيان سلطة قفصية تديرها دكتاتورية الآنا المتسلطة والمتحكمة دون سواها بغرفة الأقدار لأمة مسحوقة مظلومة مقهورة.
حب الحرية ثورة من ثلاثة مراحل متلازمة ومتداخلة هي:(الهدم وهو اسهلها, التحول/الانتقال وهو اخطرها لأنه يمثل جسر العبور الآمن بالثورة الى المرحلة الثالثة ونقطة الفصل في الحكم على نجاح الثورة من عدمه, البناء بناء اوضاع ونظام جديد يتوافق مع الاهداف التي قامة الثورة من اجلها).
وهذا يعني أنه لا قيمة للهدم مالم يكن بهدف البناء, فهدم نظام فاسد بدون وجود خطة حقيقية لإقامة نظام عادل هو اخطر من النظام الفاسد ذاته والمستقبل الواضح المعالم لا يُبنى بالهدم فقط بل برؤى علمية واضحة الترتيب لما بعد الهدم.
انفجار ثورات الربيع العربي المتصرم على ايدي شباب الطبقات الوسطى والدنيا بقدراتهم المادية البسيطة وخبرتهم السياسية والتنظيمية والحزبية الضحلة بعيدا عن الاحزاب ودون قيادة واضحة تدير الفعل الثوري ورؤية عملية واضحة المعالم لما بعد الهدم.. لكن رغم ما سجلوه من مواقف ثورية جسورة بالنظر الى مشروعية المنطلقات الدافعة بهم الى ساحات وميادين الحرية والكرامة.. إلا أن وثبتهم الثورية المتطلعة الى المستقبل وصمودهم الاسطوري امام جبروت الديناصورات المتغولة, لم يكن سوى عامل واحد من عدة عوامل أخرى لعبة دور المساعد وبالأصح المخرج لفيلم السقوط المدوي وخدش طهر ونقاء الربيع العربي ومنعه من الانتقال نحو حسم الصراع لصالح الحرية في الوقت ذاته, ورغم النجاح الساحق لشباب الربيع في اسقاط الديكتاتور/ الديناصور فقد مني الفعل الثوري بالفشل الذريع عندما اراد التطلع للإطاحة بالمنظومة الديكتاتورية/ الديناصورية التي خلفها الديكتاتور العربي المتهاوي.
عوامل كثيرة قادة الى فشل الفعل الثوري في اسقاط المنظومة الديكتاتورية منبعها غياب القيادة الكارزمية الثورية وغياب الرؤية الثورية الواضحة لما بعد الهدم مضافا إليها بروز ثلاثة ظواهر متلازمة ومتداخلة لعبة دورا محوريا في خدش مشروعية احلام وتطلعات الفعل الثوري وخلق الارضية الملائمة لخروج افاعي وخفافيش الابواب الخلفية من جحورها  وانقضاضها على حصان الثورة وكبح جماحه, وهي:(انقسام المعارضات, عسكرة الثورات, الاستنجاد بالأجنبي وطلب التدخل الخارجي).
ولهذا قلنا ان عملية الهدم المتمثلة في تغيير أو اسقاط أو رحيل أو هروب أو قتل الديكتاتور لا تعني بالضرورة تغيير النظام وسقوط منظومته الديكتاتورية(اعوانه, قيمه, أجهزته القمعية) ولا تعني بالضرورة ان طريق الاصلاح والبناء بات مفروشا بالورود, لأن مرحلة التحول ملغومة وحافلة بالكثير من المفاجآت الكفيلة بنسف واجهاض كل الآمال المعلقة على التغيير الآمن والسلس, خصوصا أن الحرس القديم بتلاوينه – وليس صانعي الثورة – هو الذي يضمن ويشرف ويدير هذا  التغيير بدعم وإسناد وتوجيه منقطع النظير من طغاة الامبريالية العالمية وأعوانهم الاقليميين.
والحقيقة المرة أن الحرس القديم ما كان له تسنُم ظهر الثورة والثوار وما كان لقوى النفوذ الاقليمي والدولي هذا التدخل الموغل في الفحش لو كانت هناك قيادة ثورية موحدة ورؤية ثورية واضحة الترتيب لأولويات التحول والبناء.. وهو ما لمسناها في تغير وتزايد وتضارب مطالب الثوار كل يوم وتخبط رؤاهم وتشعبها وتضادها وما خلفته من كوارث ونتائج غير محسوبة العواقب.
والنتيجة استحالة بناء مستقبل واضح المعالم على رؤى غير واضحة واستحالة الانتصار للحرية لأن هدم الباطل يفوق بكثير القدرة على اقامة الحق بديلاً.
اليمن أحد بلدان الربيع العربي المتصرم كنموذج لم يحرز شيء بعد عامين من عمر الفعل الثوري, فالجمعة الجمعة والخطبة الخطبة والديمة الديمة, باستثناء متغير وحيد ويتيم الاحزان طبعا انصافا للتاريخ هو: (الانتقال من خطف الثورة إلى خطف الدولة والسيادة) وهكذا تحولت الحرية الحلم الوردي الى غابة اشواك اقحوانية فتاكة والثورة المحقة في منطلقاتها الاكثر من مشروعة الى كابوس وذعر ومخاوف لا تنتهي من اهاويل حاضر متشضي ومستقبل غير واضح المعالم وحرية لم تجد لها مكانا في عالمنا العربي بعد.. إنها ببساطة فتنة الفوضى بعد سكرة الثورة!!.