Translate

‏إظهار الرسائل ذات التسميات دراسات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات دراسات. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 22 مايو 2023

التآمر الاستعماري القديم المتجدّد ضد الوحدة اليمنية


 

مركز البحوث والمعلومات: زيد المحبشي


 


“الوحدة اليمنية دائماً وأبداً قضية اليمن الأولى ومُعضلته الكبرى، وعبر التاريخ كانت تُشكّل عاطفة وجدانية محفورة في ضمير كل اليمنيين، وكانت القوى السياسية والوطنية تستمدّ شرعيتها من تبنيها لمشروع الوحدة، ونضالها من أجل تحقيقها”.


هكذا يرى الرئيس الخالد الذكر الشهيد “صالح الصماد” الوحدة اليمنية، حُلمنا الباقي والمتجدد، المحفور في وجدان كل اليمنيين بمختلف مكوناتهم وأطيافهم، وأحد أهم الأهداف السامية والثوابت المقدسة غير القابلة للمساومة والمتاجرة عبر مراحل التاريخ المختلفة من كل القوى اليمنية الحية والحرة.


الشهيد “الصماد” أشار إلى جُزئية في غاية الأهمية، هي استمداد القوى السياسية والوطنية الحرة شرعيتها من “تبنيها لمشروع الوحدة، ونضالها من أجل تحقيقها”، ومن يُعاكس هذه الحقيقة، ويضع بيضه في سلال المستعمرين، ويعمل على تقويض أحلام أبناء بلاده في التوحد فمآله الزوال والتلاشي والضعف والهوان.


صحيح أن الحكم في بعض الفترات التاريخية كان مُقسماً بين أكثر من دويلة يمنية، لكنها لم تنجح في إرساء أي شكل من أشكال الانفصال، لأن الوحدة الجغرافية والتاريخية والاجتماعية والثقافية كانت أقوى وأكثر صلابة من النزعات الانفصالية الشاذّة والغريبة على اليمن وشعبه الواحد الموحد منذ فجر التاريخ في مساره ومصيره، وهذه واحدة من الحقائق المهمة التي عملت القوى الاستعمارية المختلفة على تذويبها، لكن كل محاولاتها باءت بالفشل، ما جعلها تتجه إلى وضع المعرقلات واختلاق المعضلات أمام الدول اليمنية الموحدة بهدف إغراقها في مستنقع الصراعات والحروب البينية، وكبح جماح جهودها الوحدوية، وإبقاء اليمن ضعيفاً، ومُجزئاً، ومُفتّتاً، ومُقسّماً.


وصحيحٌ أيضاً أن قضية الوحدة قد وُضِعت على بساط البحث في مراكز نضال الشعب اليمني، في كل مراحل تاريخه المليئة بالصراعات من أجل الوحدة، لكن هذا لا يعنِ عدم وجود قوى ذات نزعات انفصالية ضيقة الأفق، اتسعت في كل مراحل التاريخ اليمني، لتسير عكس تيار الوحدة تبعاً للعلاقة “البندولية”، تمدداً وانكماشاً، بين الثقافة المحلية والثقافة الوطنية، والهويات المحلية والهوية الوطنية، والصراعات المحلية ومكانة الدولة المركزية من حيث الضعف والقوة، والاستعمار والوحدة اليمنية.


ولم تكن قوى الاستعمار المختلفة بعيدة عن تغذية وغرس نزعات التشظّي والتشطير، وتقوية التوجهات والأفكار والأطروحات “الشوفينية” المغايرة لاتجاه حركة التاريخ الوحدوي اليمني، وتجذيرها، بهدف تمرير أجندتها الاستعمارية، وعلى رأسها إحكام السيطرة على باب المندب الذي يُمثل المفتاح السحري للتحكّم في التجارة البحرية بين الشرق والغرب، والتحكّم في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر وجزيرة العرب، وهذه واحدةٌ من اللعنات التي جعلت اليمن منصعاً للقوى الاستعمارية منذ العام 70 قبل ميلاد المسيح عليه السلام، بدءاً بالرومان والفرس، ومروراً بالفرس والأحباش، ووصولاً إلى البريطانيين والعثمانيين، وانتهاءً بصبيان العاصفة العبرية.


ناهيك عن لعنة الثروات البكر التي تختزنها بلاد السعيدة، وهي الغاية الثانية للقوى الاستعمارية.


في هذه القراءة السريعة سنكتفي بالتوقف على أهم مُدخلات الاستعمار “البريطاني – العثماني” ومُخرجات الاحتلال “السعودي – الإماراتي”.


ومن المفارقات العجيبة هنا أن الاستعمار “السعودي – الإماراتي”، من صنيعة الاستعمار “البريطاني”، ومخرجاته مجرد استنساخ شائه لمدخلات الأب البريطاني غير الشرعي لهم وللصهاينة، والمفارقة الثانية عمل صبيان العاصفة لذات الأهداف وهي خدمة الصهيونية العالمية الطامحة إلى خلق بحر أحمر عبريّ الهوى والهوية وبسط السيطرة على مدخله الجنوبي لاعتقاد كيانيّ الاحتلال “الصهيو – سعودي” أن بقائهم الوجودي مرهونٌ ببقاء اليمن ضعيفاً مُجزئاً.


مداليل ذلك نجدها في وصية مؤسس الدولة السعودية الثالثة “عبدالعزيز بن سعود”، لأولاده وهو يحتضر، بعد أن أشار إلى موقع اليمن على الخريطة: “انتبهوا.. انتبهوا فمن هنا سيأتي هلاككم وزوال مُلككم، فلا تطمئنوا لهم وحاربوهم باستمرار وبكل الوسائل وفى كل الأوقات سلماً أو حرباً”، وكذا دعوة الصهيوني “بن غوريون” في مذكراته إلى ضرورة السيطرة على باب المندب، من أجل ضمان بقاء كيانه اللقيط في قلب الأمة العربية “فلسطين المحتلة”.


وكليهما استخدما نفس السياسة والأدوات لإجهاض حُلم الوحدة اليمنية، بما في ذلك إعمال سياسة “فرّق تسُد”، وتقوية النزعات والكيانات والهيئات الانفصالية، وتغذية العصبيات المناطقية، وإحياء العنصريات والتعصبات الجاهلية، وضرب النسيج الاجتماعي.


التآمر الاستعماري “البريطاني – العثماني”:


احتل الانجليز مدينة عدن في العام 1839 م بتواطؤ من العثمانيين، لإيقاف زحف “محمد علي باشا”، وبالتالي عودة العثمانيين إلى اليمن ثانية في العام 1849م، وفتح الباب على مصراعيه لسيناريوهات غرس مفاهيم التقسيم الجغرافي والسياسي لأول مرة في تاريخ اليمن الواحد، وإن اختلفت الأهداف.


تزامن الدخول العثماني الأول إلى اليمن في العام 1535م، مع تفرّق أيادي سبأ، ومع ذلك فقد حرص العثمانيون على إبقاء اليمن تحت رايتهم موحداً باستثناء بعض المناطق، ليتم إخراجهم في العام 1636م تحت ضغط المقاومة الوطنية المستمدة قوتها من وحدتها الوطنية، بينما كان الدخول الثاني للعثمانيين في العام 1849م متزامناً مع التمدد الإنجليزي، في وقت كانت فيه اليمن قد وصلت ذروة الانقسام والتشرذم، لذا كان من الطبيعي أن تُسجل المقاومة الوطنية فشلاً ذريعاً، لأنها كانت في غياب الوحدة.


إخراج العثمانيين في المرة الأولى أعقبه قيام دولة يمنية موحدة هي الدولة القاسمية، لكنها لم تدم طويلاً بفعل الانقسام المزري بين حكامها في فترة ضعفها، والذي أغرى في نهاية المطاف الإنجليز والأتراك لاحتلال اليمن، وتوجههما منذ القرن الثامن عشر الميلادي إلى إنشاء كيانين جغرافيين وسياسيين عُرفا لاحقاً باليمن الشمالي والجنوبي، وتعميد هذا الانشطار بخط حدود النفوذ “البريطاني – العثماني” “1902 – 1904″، وتسجيله رسمياً في العام 1914 بتوقيعهما معاهدة ترسيم الحدود، وهي أول إقرار رسمي مُوثق لتقسيم اليمن سياسياً وجغرافياً، والإشارة الأولى لوجود شطرين منفصلين، رسمت الحدود بينهما دولتان دخيلتان على الشعب اليمني، وبهذا بدأت مرحلة جديدة في تاريخ اليمن الحديث عنوانها “التقسيم المصطنع من أجل تثبيت الاستعمار المستغل”.


ورغم ذلك بقي اليمن موحداً في علاقاته الاجتماعية والثقافية والنضالية ضد الاستعمار “الإنجليزي – العثماني”، الأمر الذي مكّنه من إجلاء العثمانيين في نهاية العام 1918، لكن عن جزء من اليمن، وبقي الجزء الآخر تحت الاستعمار الإنجليزي، وتسلّم “آل حميد الدين”، حكم المناطق الشمالية والغربية، بعد أن كانوا قد استطاعوا بفضل رفعهم شعار إعادة الوحدة اليمنية، طرد العثمانيين كمقدمة لتحرير الجنوب المحتل.


السياسة الإنجليزية المتدحرجة في المناطق اليمنية المحتلة في طابعها العام اتسمت بالحرص الشديد على تعميق تمزيق الوحدة اليمنية، وتعميق اليأس في أوساط أبناء الشعب اليمني من عودة التحام جسدهم الواحد، سيما بعد خروج العثمانيين من حلبة الصراع، وتقاسم اليمن بين ثلاث سلطات لثلاثة أجزاء هي: الانجليز والأدارسة والأئمة.


في حين كانت عناوين السياسة الاستعمارية واحدة في معانيها ومبانيها منذ العام 1839 بدءاً بفرّق تسُد، ومروراً بمعاهدات واتفاقيات الحماية، وانتهاءً بالتقدم نحو الأمام وإعمال نظام الانتداب والاستشارة، كمُعطى فرضته مُقتضيات التجزئة ومُتطلبات كبح جماح نمو الوعي الوطني، الواصلة ذروتها في العام 1959 بإنشاء اتحاد الجنوب العربي، باعتباره أخر رهانات الاستعمار لتمديد سيطرته السياسية والعسكرية على المنطقة أكبر مدة ممكنة، وقريبٌ من ذلك ما تعمل عليه قوى الاحتلال “السعودي – الإماراتي” اليوم في تقوية القوى اليمنية ذات النزعات الانفصالية.


هذا التوجه الجهنمي نتاج طبيعي للعمل الاستعماري الدؤوب والممنهج، المستمر منذ العام 1934 لسلخ هوية الأجزاء الجنوبية والشرقية من اليمن عن هويتها التاريخية والجغرافية عبر تغليب الثقافات والهويات المحلية وتغذية النزعات الانفصالية، لضمان طمس الثقافة والهوية الوطنية اليمنية، وتعميق التناقضات الداخلية، وإسكات الصوت الوحدوي اليمني.


ولهذا الغرض القذر تم إيفاد “وليم هارولد إنجرامز” “1897 – 1973” الضابط السياسي الإنجليزي الشهير بذكائه ودهائه، ومهندس معاهدة الصداقة “الإنجليزية – المتوكلية”، وأحد أخطر مُنظري التجزئة، والمسئول الأول عن المفاوضات حول الحدود مع الأئمة وتنفيذ سياسة التقدم نحو الأمام.


حرص منذ وصوله إلى عدن عام 1934 على تأليف عدة كتب عن اليمن، الغرض الأساسي منها سلخ حضرموت وشبوة عن اليمن، وحصر مصطلح اليمن على الأجزاء الواقعة تحت نفوذ الأئمة فقط، فيما أعاد الأجزاء الجنوبية والشرقية الأخرى إلى ما أسماه بالجنوب العربي، مُدعياً بأنه استخدم هذا المصطلح كما استخدمه الجغرافيون والمؤرخون العرب لتمييز تلك المناطق عن اليمن، في وقت كان الانجليز يطمحون إلى خلق دولة بالجنوب اليمني على النمط الغربي وتحويل عدن إلى قاعدة لإطلاق ما أسموه “العالم الحر”.


يأتي هذا بعد فشل السياسات الاستعمارية المُتبعة قبل العام 1934، وإدراكهم خطورة تنامي الوعي الوطني اليمني على مخططاتهم البعيدة المدى، وبالتالي تطلب المرحلة ضرورة دق إسفين التجزئة وإشاعة التمايز التاريخي والاجتماعي والجغرافي والثقافي بين أبناء الشعب الواحد في خطوة مكشوفة لإحباط أحلام إعادة التحام الجسد اليمني.


ويكفينا للدلالة على هذا التوجه الخطير الوقوف عند مقولة “انجرامز” في كتابه “اليمن: الأئمة والحكام والثورات” صفحة 45 – 47:


“لقد وصفت اليمن ككيان طبيعي ضمن العالم العربي على الرغم من عدم اندماجها في كيان سياسي متحد.. إنها إقليم عربي مُعترف به تاريخياً وجغرافياً، وأولئك الذين يعيشون فيه أصبحوا يحملون في أعماقهم شعوراً مناطقياً مشتركاً.. إنه لم يكن لهذا الكيان على الإطلاق صفة الأمة الموحدة، بالمعنى الذي يفهمه الأوربيون من كلمة الأمة، فلم يحدث أبداً أن اعتبر اليمنيون أنفسهم بهذا المعنى حتى الوقت الحاضر.. إن العرب واليمنيون جزء أصيل منهم ميالون بطبعهم إلى الاختلاف والفُرقة والتنافس على السلطة، لذا فهم فرديون وأصحاب طفرات وفورات مفاجئة، ومفهومهم للوحدة ليس إلا فكرة غامضة وصوفية يمكن أن تتغلب عليها المغريات المادية..”


مع إطلالة العام 1952 بدأ الانجليز بترجمة سياستهم الجديدة عبر الترويج لإقامة كيانين اتحاديين فيدراليين حسب التقسيم الإداري القائم في الإمارات ومستعمرة عدن، وتوحيدها في دولة جديدة تُسمى “دولة الجنوب العربي الاتحادية”، على أن تبقى مستعمرة عدن خارج الاتحاد.


وفي العام 1954 قدموا وجهة نظرهم بشأن الاتحاد الفيدرالي وإدارته المكونة من:


1 – المندوب السامي، تكون له رئاسة الاتحاد والصلاحيات المطلقة في إدارة ملف العلاقات الخارجية والقرار الأول في حالة الطوارئ.


2 – مجلس رؤساء يضم رؤساء البلاد الداخلية في الاتحاد.


3 – مجلس تنفيذي وآخر تشريعي.


وفي 19 فبراير 1959 أُعلن رسمياً عن قيام اتحاد إمارات الجنوب العربي بالتوازي مع إعلان الإمام “أحمد حميد الدين” الانضمام للجمهورية العربية المتحدة، وهو ما جعل الجامعة العربية تنتقد اتحاد الجنوب بشدة مُحذرة من خطورته في ترسيخ التجزئة.


مصطلح دولة الجنوب العربي يظل في حقيقته مصطلح جهوي مزيف ومجافي للحقائق التاريخية والسياسية والاجتماعية والثقافية، لذا لم يشذّ عن مخططات تدجين الهوية الوطنية وإعلاء الهوية المحلية المصطنعة، وتعميق الهوة بين أبناء هذه المناطق وبين هويتهم الوطنية الأم، وتعميق النزعة الانفصالية، والتي وجدت في الجمعية العدنية ورابطة أبناء الجنوب العربي ضالتها المنشودة على أمل الحلول مكان الاستعمار بعد رحيله لتنفيذ مخططاته.


والحقيقة أن الاستعمار وجد حينها أن قوة وجوده واستمراره ومقومات أمانه متوقفة على التجزئة، لأنها ستبقى إذا اُضّطر للرحيل، تماماً كما يعمل اليوم الاستعمار “السعودي – الإماراتي”، ما نجد دلالته في قراءة “انجرامز” لمستقبل اليمن بعد زوال الوجود المصري والبريطاني:


“سيبقى – اليمن – على عادته القديمة في الانقسام، لأن طبيعة الأثرة والفردية عند العرب كفيلة بذلك، ولأن لهفتهم للفوز بالمغانم المادية.. ستقودهم حتماً بعيداً عن التسامي الروحي.. ومعنى ذلك أن التحديث سيأخذ مدى أبعد، لكن دون أن يكون هناك اتجاه أكثر من وحدة متماسكة إلا إذا كان نكاية في حكم مكروه من الشعب أو استجابة لبريق فكرة جديدة، وإذا ولدت هذه الوحدة فلا شك أنها ستدفع اليمنيين إلى الأمام ولكن لا بُد أنه سيمر وقت طويل قبل أن يمكن لأي أفكار جديدة أو وعي اجتماعي عميق أن يتغلب على تلك الأفكار القديمة”.


التآمر الاستعماري السعودي:


لأكثر من 100 عام والنظام السعودي يعمل بلا كلل ولا ملل على إجهاض جهود الوحدة اليمنية، وإبقاء اليمن مُقسماً وضعيفاً، وتحويله إلى مجرد حديقة خلفية، خوفاً على مملكتهم من التلاشي والزوال.


وتنتاب النظام السعودي مخاوف مُزمنة من قدرة الشعب اليمن وقوته في حال توحده وتمكنه من استعادة أراضيه السليبة في المخلاف السليماني، لذا كانت الوحدة على الدوام تُشكّل خطراً داهماً على هيمنة، ناهيك عن طمعه في ثروات اليمن وأرضه، وإيجاد منفذاً له على البحر العربي، بالإضافة إلى التخوف من التقارب الأيديولوجي بين القوميين في صنعاء واليساريين في عدن خلال فترة حكم الرئيس الشهيد “إبراهيم الحمدي”، وما يترتب على ذلك التقارب في حال انجاز حلم الوحدة من تهاوي الأنظمة الرجعية في الخليج، واستبدالها بأنظمة اشتراكية تقدمية.


بعد فشل الصراع “السعودي – المصري” في اليمن عقب ثورة 26 سبتمبر1962، وانتهاء ذلك الصراع بتصالح الجمهوريين والملكيين، تحول التدخل والعداء السعودي في اليمن من الطابع العسكري، إلى الطابع الاستخباراتي التآمري، فعملوا على تغذية وتمويل وتأجيج الصراعات والحروب بين شطريه، وتأزيم العلاقات “اليمنية – اليمنية”.


وتصدروا قائمة المعارضين الإقليميين للوحدة اليمنية منذ المصالحة الوطنية في شمال اليمن، والمصالحة القومية في الخرطوم، وعملوا على وأد أي تقارب بين الطرفين يُؤدي إلى التسريع بتحقيق الوحدة، وتعميق الخصومة والقطيعة بين أبناء الوطن الواحد، واحتضنوا قوى المعارضة اليمنية من شماليين وجنوبيين.


وبدأ اعتراض النظام السعودي بصورة واضحة وصريحة على إعادة تحقيق الوحدة اليمنية منذ اتفاقية القاهرة الوحدوية في 28 أكتوبر 1972، واستمر حتى حرب صيف 1994، ومارس كل الأساليب القذرة لإحباط واجهاض جهود التوحد، من ذلك:


1 – اغتيال وتصفية الرؤساء اليمنيين، منهم:


أ – الرئيس “إبراهيم الحمدي” في 11 أكتوبر 1977 بعد اتفاقه مع الرئيس “سالم ربيع علي” ” سالمين” على إعلان الوحدة اليمنية في 14 أكتوبر 1977 من مدينة عدن، ليكون هذا الحدث التاريخي متزامناً مع ذكرى ثورة 14 أكتوبر، لذا قرروا التخلص منه قبل يوم واحد فقط من زيارته المقررة لعدن.


استبقوا ذلك بعدة محاولات للانقلاب عليه في 13 يوليو 1975 و16 أغسطس 1975 و20 فبراير 1976 ويوليو، وعندما عجزوا قتلوه بدم بارد.


ب – الغشمي، رغم مشاركته في تصفية الحمدي، لكن ذلك لم يشفع له لدى السعوديين فقرروا التخلص منه في العام 1978.


ج – سالم ربيع، تم إعدامه في العام 1978.


2 – ممارسة كل أنواع الضغوطات لإقالة رؤساء الوزراء كما جرى مع “محسن العيني” بعد أن عجزوا عن ترويضه، وأحياناً فرض رؤساء وزراء موالين كما جرى مع “حسن العمري”.


3 – تجنيد العديد من القادة والمشيخات القبلية عملاء ومخبرين، أمثال: “عبدالله الأصنج” و”عبدالله بن حسين الأحمر”، وكانا أكثر عدائية للوحدة، من ذلك استخدام “الأحمر” في المفاوضات الوحدوية خلال الفترة “1979 – 1990” للتأثير على قرارات شمال اليمن حينها بشأن الوحدة في كل جلسات المفاوضات، وعدم تنفيذ اتفاقيات الوحدة التي وقعها مع اليمن الجنوبي.


كما استخدموا عملائهم لإشعال حرب الجبهة في المناطق الوسطى، وحرب الحدود بين الشطرين عدة مرات.


4 – الإغراءات المالية:


إرسال السعودية في العام 1989 وزير ماليتها “محمد أبا الخيل” إلى عدن، ليعرض على قيادتها مساعدات مالية بقيمة 17 مليار دولار مقابل التخلِّي عن اتفاقية الوحدة.


5 – الضغط الاقتصادي:


في العام 1990 استغل النظام السعودي حرب الخليج الثانية، فقام بطرد 2 مليون يمني من الأراضي السعودية، بهدف الإنهاك الاقتصادي لدولة الوحدة الوليدة.


6 – إفراغ الوحدة اليمنية من محتواها وجعلها بدون قيمة تُذكر، بعد موافقة نظام “علي عبدالله صالح” على ترسيم الحدود عام 2000 “اتفاقية جدة”، تاركاً لهم عسير وجيزان ونجران اليمنية.


7 – اقتطاع الأراضي اليمنية:


بعد العدوان “السعودي – الإماراتي”، وتقاسم قواه النفوذ والثروة في المناطق اليمنية المحتلة، دفعت السعودية بقواتها إلى محافظتي المهرة وحضرموت، واقتطعت مساحات واسعة من الأراضي اليمنية تُقدر بـ 45 ألف كيلو متر مربع من صحراء حضرموت، وأزالت مراسم الحدود، بهدف الاقتراب من البحر العربي، وفصل حضرموت والمهرة عن اليمن، مقابل تمدد الإمارات في “سقطرى” و”شبوة”.


ولم تكتفِ الرياض بذلك، بل وعملت على تعميق الهوة بين الشمال والجنوب، وليس آخرها تجاهل بيان القمة العربية المنعقدة في مدينة جدة السعودية في 19 مايو 2023 ذكر الوحدة اليمنية لأول مرة في تاريخ القمم العربية، في مؤامرة واضحة وفاضحة لعمل تحالف العاصفة على تشطير اليمن وإعادته إلى ما كان عليه قبل العام 1990.


ويذكر الكاتب اليمني “عبدالسلام قائد” في مقالٍ له بعنوان “العداء الأجنبي للوحدة اليمنية الجذور والدوافع”، نُشر بتاريخ 17 مايو 2022، عدة شواهد حية على العمل السعودي السافر لتقسيم اليمن، من ذلك:


1- تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صورة لاتفاقية تمديد فترة الإيداع للوديعة السعودية لليمن التي سبق تقديمها في العام 2018 لدى البنك المركزي اليمني بعدن، وفيها تظهر لافتة كُتب عليها اسم شمال اليمن قبل الوحدة “الجمهورية العربية اليمنية”، ويظهر في الصورة طرفا التوقيع.


2 – تداول ناشطون صور وثائق سعودية لمُقيمين يمنيين في المملكة كُتبت فيها هوياتهم بمسميات انفصالية أو هوياتية صغيرة، مثل: يمني شمالي، يمني جنوبي، حضرمي، وغير ذلك من المسميات.


وتهدف السعودية من هكذا تصرفات إلى جسّ نبض اليمنيين بشأن الوحدة والانفصال واستفزازهم، ليكون أمر فصل الجنوب عن الشمال سهلاً عليهم في حال صدرت التوجيهات الصهيونية للرياض وأبو ظبي بإصدار القرار.


وختموا ذلك بتصفية قائمة طويلة من الشخصيات الوطنية ذات النفس الوحدوي، على رأسهم الرئيس الشهيد “صالح الصماد”.


التآمر الاستعماري الإماراتي:


في منتصف ثمانينيات القرن العشرين دخلت الإمارات على الخط معززة بطموحات “التعملق” الإقليمي من البوابة اليمنية، ثم أتت ما تُسمى بعاصفة الحزم ليجمع صبيان بريطانيا معاول الهدم في اليمن، ويمزقوا جسده الضعيف بسهام حقدهم الدفين.


الإمارات وجدت في اليمن “بساط علي بابا” للسيطرة على موانئ القرن الأفريقي واليمن، والتموضع في جزر وسواحل تلك المنطقة المنكوبة من العالم بالحروب والصراعات والفقر وغياب الدولة المركزية القوية، والتحكم في قرارها، خدمة لأسيادهم في تل أبيب.


فأعادت ممارسة كل القذارات البريطانية في اليمن، بعد سيطرتها المباشرة وغير المباشرة على المواقع الحيوية والاستراتيجية، أغلبها ساحلية، كجزيرة سقطرى وميناء عدن، وجزيرة ميون، والتمدد في معظم الخطوط الجوية والقواعد والموانئ البحرية على طول السواحل الجنوبية والغربية.


وتعمل الإمارات بكل قوتها لمنع وجود يمن قوي، لأن ذلك يُشكل خطراً على مصالحها، ومصالح أولياء نعمتها في تل أبيب والبيت الأسود، كما تطمح في توسيع نفوذها الإقليمي عبر الممرات المائية، وبسط نفوذها على السواحل والموانئ والقنوات المائية الدولية.


وترى في انفصال جنوب اليمن بوابة السعد للتحكم والسيطرة والنفوذ، لذا كانت مواقفها منذ وقت مبكر ضد الوحدة اليمنية، ويتحدث الشيخ “عبدالله بن حسين الأحمر” في مذكراته، عن زيارة قام بها للإمارات أثناء حرب 94 ولقائه الشيخ “زايد” وموقف الأخير الرافض للوحدة.


ومن أهم فرشات العمل الميدانية لتجذير وتعميق الانقسام اليمني:


1 – تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي المعروف بنزعته الانفصالية، في 5 مايو 2017، ورعايته مالياً وعسكرياً وسياسياً.


2 – تشكيل ميليشيات يمنية ذات نفس ونزعة وعقيدة انفصالية تضم نحو 200 ألف مرتزق، منها:


أ – قوات الحزام الأمني بعدن – تضم نحو 30 ألف جندي.


ب – النخبة الحضرمية.


ج – النخبة الشبوانية.


د – النخبة المهرية.


هـ – النخبة السقطرية.


و – ميليشيات المقاومة الجنوبية.


ز – ميليشيات المقاومة التهامية.


3 – دعم واحتضان القوى التكفيرية السلفية أمثال كتائب “أبو العباس” في تعز، والسعي لإنشاء حزام أمني هناك، وجماعات “هاني بن بريك” في عدن.


4 – إنشاء قوات تابعة في الساحل الغربي، ومحاولة فصل المخا عن محافظة تعز.


5 – قيام مواليها في عدن ولحج بعمليات تهجير وترحيل واسعة للسكان من المحافظات الشمالية، في محاولة قذرة لتعميق الفجوة المجتمعية، وطالت تلك الإجراءات الإجرامية المسافرين في الضالع ومأرب وعدن.


6 – إطلاق دعاية إعلامية واسعة للترويج لانفصال الجنوب، وإنشاء قناتين فضائيتين تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي.


7 – أطلق العديد من مسؤوليها ومغرديها سلسلة من المواقف المؤيدة للانفصال.


المراجع:


1 – زيد المحبشي، الوحدة اليمنية.. القلب ينبض جنوباً، قراءات، 20 مايو 2010.


2 – د. رفعت سيد أحمد، حقائق تاريخية هامة عن العداء السعودي لليمن، تنوع نيوز، الحلقة الأولى، 12 نوفمبر 2021.


3 – محمد شرف، الوحدة اليمنية.. حلم اليمنيين الذي تصر الرياض وأبوظبي على اغتياله، صحيفة الثورة، 22 مايو 2022.


4 – مذكرات الشيخ عبد الله الأحمر، الآفاق للطباعة والنشر – صنعاء، الطبعة الثانية – 2008.


5 – جريدة الشرق، الإمارات تطلق قناتين تليفزيونيتين لدعم انفصال جنوب اليمن، 21 أبريل 2019.


6 – موقع صحيفة 26 سبتمبر، السعودية والامارات.. مؤامرات مستمرة ضد الوحدة اليمنية، 22 مايو 2022.


7 – موقع المجلس الزيدي الإسلامي، نص كلمة رئيس المجلس السياسي لأنصار الله “صالح الصماد”، بمناسبة الذكرى الـ 26 لعيد الوحدة، 22 مايو 2016.

الجمعة، 14 أبريل 2023

يوم القدس العالمي .. صرخة في وجه التحالف الشيطاني “الصهيو – أميركي”


مركز البحوث والمعلومات: زيد المحبشي


تُسمى الجمعة الأخيرة من شهر رمضان بالجمعة اليتيمة أو جمعة الوداع، ولهذا اختارها الإمام الخميني رحمه الله لتكون يوماً عالمياً للقدس السليب واليتيم:


"أدعو المسلمين في جميع أنحاء العالم لتكريس يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك ليكون يوم القدس، وإعلان التضامن الدولي من المسلمين في دعم الحقوق المشروعة للشعب المسلم في فلسطين، وأطلب من جميع المسلمين في العالم والحكومات الإسلامية العمل معاً لقطع يد هذه الغاصبة – إسرائيل – ومُؤيديها".


تم إعلان هذا الاختيار المُبارك في يوم 13 - 15 رمضان 1399هـ، الموافق 7 أغسطس 1979، وتحديداً عقب احتلال الكيان الصهيوني الغاصب لجنوب لبنان، وكان الجنوب اللبناني يومها مرتعاً بلا راعٍ ولا حامٍ، يعاني التهميش والإهمال الحكومي، وها هو اليوم قلعة حصينة للمقاومة الإسلامية بقيادة حزب الله.

 

هذه المقاومة واحدة من ثمار دعوة الإمام الخميني المباركة لإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية، وتدشين الجهاد المُقدس ضد الكيان الصهيوني الغاصب على كل الأصعدة والجبهات.


والحديث عن دور حزب الله وحركة أمل في تحرير جنوب لبنان وتكوين جبهة رديفة ومُساندة لقوى المقاومة الفلسطينية بحاجة لقراءة مستفيضة مستقلة.


الاختيار دقيق، والتوقيت في غاية الأهمية، فهو يأتي بعد شهرٍ حافلٍ بالعبادة والطاعات، وقلوب المسلمين أكثر قُرباً من الله، وأكثر إحساساً وإدراكاً للمخاطر المُحدقة بمدينة الأنبياء والبقاع المقدسة فيها، وعلى رأسها المسجد الأقصى، والمخططات الصهيونية الرامية لصهينة وأسرلة وعبرنة ما تبقَ من المعالم الإسلامية والمسيحية في المدينة المقدسة، وطمس هويتها العربية، وجعلها مدينة خالية من العرب، وعاصمة أبدية للكيان الصهيوني اللقيط.


اختياره رحمة الله عليه لجمعة القدس أتي بعد 6 أشهرٍ فقط من عودته إلى إيران وإعلانه قيام الجمهورية الإسلامية في هذا البلد المسلم، وفي قتٍ لم تعد فيه القضية الفلسطينية تُمثل قضية العرب والمسلمين الأولى وهمهم الأول، بل صار العديد من قادة العرب يتأمرون جهاراً نهاراً على الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة في استعادة أرضه وإقامة دولته الحرة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وهرول البعض مُسرعاً للتطبيع مع الصهاينة بلا كوابح أخلاقية ولا دينية ولا قومية ولا عروبية، فاتحين بازار المساومة والمتاجرة بالقضية الفلسطينية على مصارعيه، وهي متاجرة رخيصة في زمنٍ عزّ فيه الناصر.


 وأراد رضوان الله عليه بذلك التأكيد على أن القضية الفلسطينية تقع على قمة سُلم الأولويات للجمهورية الإسلامية الإيرانية الوليدة، والتي وضعت في بنك أهدافها منذ يومها الاول التصدي لمخططات الصهاينة الساعية بلا كلل ولا ملل للقضاء على الشعب الفلسطيني وإزالة كافة المظاهر الإسلامية في هذه الأرض المقدسة.


إعادة الإمام الخميني الاعتبار للقضية الفلسطينية، وتصحيح مسار النضال الفلسطيني، وتوجُهه بخطاب الاستنهاض الى الشعوب العربية والإسلامية بعيداً عن الحُكام والأطر الرسمية للأنظمة المتآمرة والمسبحة بحمد أبقار البيت الأسود وقرود تل أبيب، فتح على الشعب الإيراني الحر ونظامه الإسلامي الوليد أبواب جهنم، وجعله على قائمة المغضوب عليهم في جنة البيت الأسود الأميركي.


وعلى مدى أربعة عقود ونيف مارس النظام الأميركي ضد إيران الإسلامية كل أنواع الضغوطات والعقوبات من أجل إجبار نظامها على التخلي عن القضية الفلسطينية وعن دعم قوى المقاومة الإسلامية في المنطقة، واستخدمت الاستخبارات الأميركية والصهيونية كل الأساليب القذرة للتأليب ضد النظام الإسلامي الإيراني والعمل على خلخلته من الداخل وتصفية قائمة طويلة من رموزه الوطنية والعُلمائية في كافة المجالات، في محاولة عبثية مفضوحة لإسقاط هذا النظام الحر، لكن كل مراميهم ومساعيهم باءت بالفشل. 


ومن أهم ثمار مُبادرته رضوان الله عليه انتظام القوى الإسلامية الحية والحرة في فلسطين ولبنان تحت راية حركات المقاومة الإسلامية، بعد سنوات من دعوته، وبفضل الله وتوفيقه وتأييده أصبحت هذه القوى الحرة اليوم من القوة بمكان، واستطاعت إحباط العديد من المخططات "الصهيو – أميركية" في المنطقة، على رأسها مشروع الشرق الأوسط الجديد والقرن الأفريقي الكبير وإسرائيل الكبرى.


وتُحيي العشرات من الدول والقوى والحركات والأحزاب والتجمعات والتكتلات العربية والإسلامية والدولية يوم القدس بفعاليات متنوعة، تُحاكي مظلومية القدس والشعب الفلسطيني، وتكشف خفايا وأسرار المؤامرات "الصهيو – أميركية" المتناسلة للقضاء على القضية الفلسطينية نهائياً.


هذه الفعاليات كان لها الفضل في تشكيل الوعي العربي والإسلامي المُقاوم، وتزايد قوته ومنعته، وتحصين قوى الممانعة والمقاومة، وإيصالها الى مستوى أصبحت معه مُتحكِّمة بكل أوراق القوة في رقعة شطرنج الصراع المصيري مع ما يسمى بمحور الاعتدال "الصهيو – أميركي" في المشرق العربي.


والجميل في تلك الفعاليات المشاركة الواسعة من كل الأطياف والتوجهات والشرائح، وفي هذا تأكيدٌ جلي على أن قضية القدس "قضية إنسانية عالمية"، تتجاوز كل الحدود القومية والعرقية والدينية والمذهبية والطائفية والفكرية والسياسية والحزبية، لأنها تهم كل الأحرار الرافضين لجرائم الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة وجبروت وطغيان الحامي والحاضن الأميركي في المشرق العربي.


كما تعكس تلك الفعاليات المكانة الرفيعة لمدينة القدس والمسجد الأقصى في وجدان وذاكرة المسلمين بمختلف توجهاتهم، وأهمية الحفاظ على هذه الأماكن المُقدسة وعدم التفريط بها، مهما كانت الأسباب والمُغريات والضغوطات.


ويكتسب يوم القدس هذا العام أهمية خاصة، فهو يأتي مع تفاعل انتفاضة الضفة الغربية، وتصاعد المخاوف الصهيونية من تأثير ذلك على الوضع الصهيوني الداخلي الذي يشهد أزمة خانقة بين لفيف قواه السياسية المتصارعة على كعكة الحكم، هي الأسوأ منذ تشكُّل كيانه اللقيط في فلسطين المحتلة، بالتوازي مع ما تشهده المنطقة من مُتغيرات ليست في صالح الكيان العبري، أهمها عودة الدفئ إلى العلاقات "السورية – السعودية"، و"الإيرانية – السعودية"، والفشل الذريع الذي سجله تحالف العاصفة في اليمن، ونجاح القوى الحُرة في صنعاء في إرغام السعودية للجلوس على طاولة المفاوضات المُباشرة، وفرض صنعاء شروطها للسلام على المعتدين من موقع القوة.


هذه المتغيرات جعلت الكيان الغاصب مرعُوباً من فعاليات يوم القدس هذا العام، فقرر رفع كامل الجهوزية الأمنية لمواجهة أي طارئ قد يتهدد كيانه خصوصاً الجبهة الشمالية مع لبنان، تحسُّباً لمفاجآت وعد بها سيد المقاومة "حسن نصر الله" في يوم القدس.


وتنقل قناة الميادين اللبنانية عن مُعلق الشؤون العربية في القناة "13" العبرية "تسفي يحزكيلي" أنّ جهوداً قُصوى تُبذل من الأمين العام لحزب الله "حسن نصر الله" ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس "إسماعيل هنية"، وحركة أنصار الله، من أجل ممارسة الضغط على كيانه.


وتحدث الإعلام العبري عن وجود رغبة "لدى محور المقاومة في الربط بين ما يحصل على الأرض وبين يوم القدس"، مؤكداً بأن "التطورات التي تحصل في الشرق الأوسط تُقلق المؤسسة الأمنية، ولا يمكن فصلُها عما يحدث في إسرائيل".


يمنياً، شهدت البلاد بعد قيام ثورة 21 سبتمبر 2014 المباركة تفاعُلاً كبيراً مع فعاليات يوم القدس على مختلف الأصعدة، ويُؤكد قائد الثورة وأحد قادة محور المقاومة السيد "عبدالملك الحوثي" حفظه الله أن قضية القدس وفلسطين المُحتلة تعني الشعب اليمني بشكل مُباشر باعتباره واحداً من الشعوب الإسلامية الرافضة للظلم والضيم بكل صوره وأشكاله، فكيف إذا كان ذلك مُتعلقاً بأهم مُقدسات الأمة وقلبها النابض:


"قضية الأقصى والمقدسات وفلسطين شعباً وأرضاً تعنينا كأمة إسلامية بشكل مباشر، وموقع القضية يعبر عنه يوم القدس الذي اختاره الإمام الخميني رضوان الله عليه في آخر جمعة من شهر رمضان، ليكون ذلك بنفسه مُعبراً عن أهمية هذه القضية وعن موقعها وعن مرتبتها في سلم المسؤوليات، وعن طبيعة هذه المسؤولية باعتبارها مسؤولية إيمانية دينية تتصل بمسؤولياتنا الدينية وبالتزامنا الديني، وجُزء من مسؤولياتنا وواجباتنا التي فرضها الله سبحانه وتعالى، فهي فريضة دينية والتفريط بها خللٌ كبير في التزامنا الديني والإنساني والأخلاقي.


يوم القدس فرصةً مهمة للالتفات إلى القضية الفلسطينية التفاتةً عملية، بدلاً من الانتظار، والجمود، والتفرّج، والتعامل مع الموضوع وكأنه لا يعنِ الأمة إلا من واقع التعاطف، أن تدخل الأمة في إطار الموقف، في إطار المسؤولية والفعل، والتعبير والتحرك الجاد، وفرصةً كبيرة لتدارس هذه القضية، وتدارس ماذا تعنيه بالنسبة لنا كأمةٍ مسلمة، وفي نفس الوقت ما هي الحلول والخطوات العملية المُناسبة والصحيحة والحكيمة تجاه هذه القضية".


مؤكداً بأن الهدف من إحياء يوم القدس العالمي هو بقاء مشاعر الجهاد ورفض إسرائيل "حية" في نفوس المسلمين، ويقظة الشعوب الإسلامية من خلال البحث عن الرؤية الصحيحة للوصول إلى النتيجة المحتومة في الوعد الإلهي بتحقيق النصر الحاسم وإنقاذ الشعب الفلسطيني المظلوم وتطهير فلسطين والأقصى من رجس الصهاينة.


وتحتل القضية الفلسطينية موقع الصدارة في كافة أدبيات حركة أنصار الله والمسيرة القرآنية المباركة منذ انطلاقتها على يد الشهيد القائد السيد "حسين بدرالدين الحوثي"، وكانت أول ملزمة له عن يوم القدس العالمي، ولنا قراءة حولها، نشرتها وكالة سبأ العام الماضي.


وتعتبر المسيرة القرآنية المباركة "الجهاد ضد العدو الصهيوني والهيمنة الأميركية مُرتكزاً أساسياً لمشروعها، وعاملاً مُهماً في نهضة الأمة وتغيير واقعها وذلك من خلال الرؤية القرآنية التي ترتقي بالأمة في وعيها وتُحيي الروح الجهادية وتنتقل بالأمة من حالة الجمود وتلقى الضربات إلى موقع الفاعلية والتحرك الجاد في كل المجالات".


وفي المحصلة، سيظل يوم القدس صرخة مدوية في وجه التحالف الشيطاني "الصهيو – أميركي"، تستنهض الأمة لمواجهة هذا التحالف، وتُبقي قضية القدس حية في الوعي الجمعي للعرب والمسلمين الى أن يأتي النصر الإلهي بالتحرير والتنظيف لتلك البقاع الطاهرة من دنس ورجس اليهود.


 وسيظل أيضاً كما يرى الدكتور "وليد القططي" حداً فاصلاً بين تيارين:


"الأول يُوّجه بوصلته نحو القدس، ويُصوّب بندقيته نحو الكيان الغاصب للقدس، ويُريد أن تكون كل البلاد فلسطين، وكل الأيام للقدس، ويتوق لرؤية كل الأمة عزيزة، ويزرع كل الأرض مقاومة. 


والثاني يُوّجه بوصلته إلى كل الاتجاهات ما عدا القدس، ويُصوّب بندقيته إلى كل الأماكن ما عدا الكيان الغاصب للقدس، ويُريد أن تُحذف فلسطين من الجغرافيا، ويُحذف يوم القدس من التاريخ، ويتوق لرؤية كل الأمة ذليلة، ويزرع كل الأرض مساومة".


وعلينا أن نختار إما محور المقاومة والممانعة الرافع راية الحرية والكرامة ومقارعة التحالف الاستعماري "الصهيو – أميركي"، أو الانسياق وراء محور الاعتدال والانبطاح الرافع راية العمالة والتطبيع ومحاربة قوى المقاومة الإسلامية الحرة والمتاجرة بالمقدسات الإسلامية وقضايا الأمة المصيرية.


ولا وجه للمقارنة بين محورين:


الأول مركزه "القدس" قلب فلسطين، ومشاعله كل القوى الحرة الرافضة لأن تكون أميركا قدراً جبرياً والكيان العبري اللقيط قضاء قهرياً على الأمة.


والثاني مركزه "أورشليم" قلب الاحتلال الصهيوني، وأدواته صهاينة العرب المطبعين وكلابهم المسعورة من الجماعات التكفيرية.


الاختيار صعب، لكن لا مجال للبقاء في المنطقة الرمادية، ولذا فنحن اليوم مطالبون أكثر من أي وقتٍ مضى بإعادة التفكير في الأحداث العاصفة بنا، بما فيها من مؤامرات تروم طمس هويتنا وديننا ومقدساتنا، وجعلنا أمة مسلوبة القرار والإرادة والأرض والسيادة والثروة والهوية، وإعادة توحيد كل الطاقات والجهود باتجاه المعركة الحقيقية مع الاحتلال الصهيوني وقوى الاستكبار العالمي، وتجديد تأكيد القوى الحية والحرة في العالم العربي والإسلامي على دورها المبدئي والعقدي والتاريخي والمقاوم في دعم ومساندة الفلسطينيين والمقدسيين في هذه المعركة المقدسة والفاصلة بين الحق والباطل.

الأحد، 9 أبريل 2023

غزوة بدر الكبرى معركة الوجود الأولى للمسلمين



مركز البحوث والمعلومات: زيد المحبشي

السبت، 17 رمضان 1444هـ الموافق 08 أبريل 2023

في تاريخ المعارك والغزوات، هناك مرحلة فاصلة ومصيرية في المواجهة العسكرية بين قلة مُستضعفة مُطاردة مُشردة مُعذبة مظلومة مسلوبة حقوقها المادية والسياسية وأكثرية طاغية مستبدة متفرعنة متجبرة، ما يجعل تلك القلة المُستضعفة أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن تكون وتسترد حقوقها وترفع راية دولتها وتكسب نفسها وقضيتها وهويتها وكينونتها وذاتها، أو تتلاشى وتنتهي، وتنتهي كل أحلامها، وتتبخر قضيتها، وتسقط رايتها، ولا تقوم لها بعدها قائمة، ما يجعل من المنازلة بين الفريقين مستميتة.

وهذا ما جرى في غزوة بدر الكبرى، صحيح أنه سبقتها غزوات وسرايا، لكنها كانت محدودة الأهداف ورقعة المواجهة، بمعنى أنها كانت تتجه نحو فئات وأهداف بسيطة، عكس غزوة بدر الكبرى، فقد كانت مفصلية من حيث نوعية الهدف ورقعة المواجهة، وقف فيها ثُلة المؤمنين في مواجهة جبروت وطغيان قريش لأول مرة، وكانت قريش من القوة والمنعة والجبروت والبطش والطغيان بمكانة ترهبها وتهابها كل قبائل جزيرة العرب، ولها سجل أسود مع المسلمين في بدايات الدعوة الإسلامية بمكة المكرمة.

تفنن طُغاة قريش خلال مرحلة الدعوة المكية في تعذيب المسلمين والتنكيل بهم، ومارسوا كل أساليب وألوان الترهيب ضدهم لإجبارهم على ترك دينهم والتخلي عن نبيهم، وسلبوا كل ممتلكاتهم ومدخراتهم، وشرّدوهم من بلادهم، ما جعل من المعركة مصيرية وفاصلة في تاريخ دولة الإسلام الوليدة، فإما أن ترتفع راية الإسلام وتقوم دولة العدل الإلهية أو تتلاشى وتتبخّر معها الدعوة المحمدية الخاتمة للرسالات الإلهية الإنقاذية لبني البشر.

إذن فهي معركة فاصلة بين الإسلام والكفر، وقف فيها الهدى والحق والحقيقة والنور والعلم والخير في مواجهة الضلال والباطل والزيف والظلام والجهل والشر، ووقفت فيها الحرية والكرامة والمساواة والإخاء والعدل والفضيلة والنجاة، في مواجهة العبودية والجاهلية والاستعباد والاستبداد والطغيان والظلم والقهر والطبقية والرذيلة والهاوية.

لقد كانت بوجيز العبارة أول معركة وجودية للمسلمين بعد انتقالهم إلى المدينة المنورة وشروع خاتم الأنبياء والمرسلين في وضع اللبنات الأولى لدولة الحق والعدل الإلهية، وأول اختبار عملي لحصاد 15 عاماً من جهود النبي صلى الله عليه وآله وسلم في البناء الروحي والمعنوي لطليعة المؤمنين الملتحقين بدين الإسلام المنقذ للبشرية من الغواية والظلال، لذا فهي منعطف تاريخي فاصل، وجد المسلمون أنفسهم فيها أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن يكونوا أو لا يكونوا، وأراد الله لهم الكينونة والعزة والرفعة، بعد أن تحققت شروط الإيمان والثقة المُطلقة بنصر الله وتأييده، والتوكل الممهور بتشمير سواعد الجد والعمل والصمود والثبات، لا التواكل والتواني والتراخي كما جرى في غزوة "أحد".

وفي تقديرنا فقد أعاد أحفاد الأنصار في اليمن بقيادة حفيد الإمام علي عليه السلام خلال مواجهتهم لعدوان تحالف العاصفة العبرية على بلادنا في سنوات الجمر الثمان الأخيرة، للذاكرة اليمنية والإسلامية كل مشاهد وإرهاصات ووقائع معركة بدر الكبرى، أسمى تجليات ذلك تمكنهم بفضل الله وتأييده وتوفيقه وتسديده من صدّ ذلك التحالف المعزز بتأييد ودعم كل طُغاة العالم والمدجج بكل ما لذ وطاب مما أنتجته مصانع الأسلحة العالمية، وتجريعه هزيمة مُنكرة لم يكن يتوقعها أحد، رغم قلة عدد المُقاتلة وبساطة الإمكانيات القتالية والمادية إن لم يكن انعدامها.

 

حيثيات المعركة:

 

بلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن قافلة تجارية لقريش قادمة من الشام تضم 1000 بعير مُحمّلة بضائع تُقدّر قيمتها بـ 50 ألف دينار ذهبي، يقودها "أبو سفيان بن حرب"، ومعه "30 - 40" رجلاً.

الهدف ثمين، وفيه تعويض لبعض ما سلبه كفار قريش من المسلمين في مكة من أموال وعقارات ومُدّخرات، والأهم من هذا يُمثّل ضربة قاسية لعصب اقتصاد طُغاة قريش.

طلب صلى الله عليه وآله وسلم من أصحابه التجهز للخروج من أجل الاستيلاء عليها، فخاف بعضهم، وثقُل بعضهم، لأنهم لم يظنوا أن النبي يلقى حرباً.

كلّف صلى الله عليه وآله وسلم "أبو لبابة" بإدارة شؤون المدينة كي لا يحدث فراغ خلال غيابه يتسلل منه الكفار والمنافقين واليهود، و"إبن أم مكتوم" لإمامة الصلاة فيها.

عندما دنا "أبو سفيان" من "الحجاز" تحسس الأخبار فعلم بما عزم عليه رسول الله، فغيّر وجهة القافلة للتمويه، واستأجر "ضمضم بن عمرو الغفاري"، وأرسله إلى مكة لاستنفار أهلها وطلب النجدة.

وكان خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه لاعتراض القافلة بوادي "ذفران" طريق مرورها، في منتصف جمادى الآخرة 2 هـ.

أقبلت قريش بكل قوتها وكبريائها وجبروتها، لإدراك وحماية قافلتها، لم يتخلّف منهم أحد سوى "أبو لهب"، لكنه استأجر مكانه "العاصي بن هشام بن المغيرة".

ورغم نجاة "أبو سفيان" بالقافلة، وطلبه من أصحابه العودة إلى مكة، رفض "أبو جهل" ذلك، وأخذته العزة بالإثم، ورأى وجود إمكانية للقضاء على المسلمين أو توجيه ضربة مُوجعة إليهم، فقرر خوض المعركة، وأصرّ على مواصلة المسير إلى "بدر"، والإقامة فيها 3 أيام، يشربون ويمرحون ويغنون وينحرون حتى تسمع بهم وبمسيرهم كل العرب فتهابهم.

أرسل رسول الله رجلين إلى "بدر" للوقوف على أخبار قريش، وعندما بلغه أنهم مصممون على المواجهة، فضّل في البداية عدم الاصطدام العسكري المباشر، فتوجه إلى قريش، قائلاً: "إني أكره أن أبدأكم فخلُّوني والعرب وارجعوا"، لكنها رفضت دعوته وآثرت الحرب، فلم يكن أمام المسلمين سوى المواجهة العسكرية.

وجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نفسه أمام خيارين أحلاهما مُرّ، إما القتال رغم فارق العدد والعتاد، أو الرجوع إلى المدينة المنورة، وهذا يعني انهيار كل ما كسبه المسلمون من الهيبة والمهابة، بفضل المناورات العسكرية، والعروض النظامية السابقة، وبخاصة إِذا تقدم العدوّ نحو المدينة في ظل هذا الانسحاب واجتاح مركز الإسلام "المدينة المنورة".

لذا اختار صلّى اللّه عليه وآله وسلم خيار المواجهة والمنازلة والمقاومة حتى اللحظة الأخيرة والنفس الأخير.

 

تاريخ المعركة:

 

وقعت في يوم الإثنين 17 رمضان 2 هـ، الموافق 13 مارس 624 م، وقيل يناير 624 م.

واستمرت من صباح ذلك اليوم إلى ساعات الظهر الأولى، وهي من المعارك القصيرة في الإسلام، حيث لم تتجاوز عدة ساعات.

 

مكان المعركة وتسميتها:

 

تُسمّى غزوة بدر الكبرى أو الثانية، وقد سبقتها عدة غزوات وسرايا، لكنها كانت محدودة، وتذكر كُتب السير غزوتين أُخريين باسم بدر، هي بدر الأولى وبدر الموعد أو الثالثة، لكن الأكثر شهرة غزوة بدر الكبرى.

اعتاد العرب على تسمية المعارك التي خاضوها بأسماء المناطق التي دارت فيها، لذا أطلقوا على هذه الغزوة اسم "بدر" نسبة لبئر ماء يعود لشخص يحمل نفس الاسم، دارت حوله المعركة.

يقع هذا البئر في وادي "بدر"، بين مكة والمدينة المنورة، وهو من أسواق العرب في الجاهلية وأحد مراكز تجمُّعهم للتبادل التجاري والمُفاخرة، كانوا يقصدونه كل عام، لذا فهو عندهم بنفس مكانة وأهمية سوق "عكاظ".

ويقع الوادي على بُعد نحو "140 - 160" كيلو متراً جنوب غرب المدينة المنوّرة، و"300 – 343" كيلو متر شمال مكة المكرمة.

وأُطلق على المشاركين من المسلمين في هذه المعركة اسم "البدريين"، وهو وسام تكريمي لثُلة المؤمنين المشاركين في ذلك الحدث العظيم والمفصلي في تاريخ الإسلام والمسلمين، وتخليداً لما سجّلوه من بطُولات، وأصبح المسلمون من بعدهم يتمنون مناداتهم بالبدريين.

 

المعركة في القرآن:

 

وصفها الله في محكم التنزيل بيوم "الفرقان"، وورد ذكرها في عدة مواضع، منها الآيات "1 - 19" و"36 - 51" و"67 - 71" من سورة الأنفال، و"12 - 13" و"123 - 127" من آل عمران، و "77 - 78" من النساء.

وسبب وصف الله سبحانه وتعالى لها بيوم "الفرقان": "يوم الفرقان يوم التقى الجمعان"، لأنها كانت يوماً فاصلاً بين الإسلام والكفر، لذا فهي من المعارك الخالدة التي تركت بصماتها على مسيرة الدعوة الإسلامية ومستقبل الرسالة.

 

قوات الفريقين:

 

1 - المسلمون:

 

313 رجلاً، و70 بعيراً، وفرسان، أحدهما للزبير بن عوام، والآخر للمقداد بن عمرو الكندي، وقيل 3 أفراس.

توزعت قواتهم بواقع 82 من المهاجرين، و230 من الأنصار منهم 170 من الخزرج و61 من الأوس.

 

2 - الكفار:

 

900 - 1000 مقاتل، و700 بعير، و200 وقيل 400 فرس.

 

أجواء المعركة:

 

نزلت قريش بالعدوة القصوى من وادي "بدر"، وبعث الله السماء - أمطرت السماء، وكان الوادي ليِّناً، فأصاب الرسول وأصحابه منها ما لبَّد لهم الأرض، ولم يمنعهم عن السير، وأصاب قُريشاً منها ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه، فنزل الرسول بأدنى ماءٍ من القوم، وهنا تتجلى الحكمة النبوية، في أهمية الاختيار المكاني، للضغط على العدو، وتأمين عوامل القومة والمساومة قبل المواجهة.

دفع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم راية المعركة إلى الإمام علي عليه السلام، وهي راية سوداء اسمها "العقاب"، ولواء المهاجرين إلى "مصعب بن عمير"، ولواء الخزرج إلى "الحباب بن المنذر"، ولواء الأوس إلى "سعد بن معاذ".

ورفع كفه داعياً ومُناجياً ربه، ومستمداً منه العون: "اللَّهُمَّ إنْ تُهلِك هذه العِصابة لا تُعبد في الأرض".

أرسل الكفار 3 من أشرس مقاتليهم، هم: عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة، وطلبوا من المسلمين المنازلة، فبرز لهم بنو عفراء "معاذ ومعوذ وعوف بن الحارث"، وكانوا من الأنصار، لكن قادة المشركين أنفوا ورفضوا مواجهتهم، لأنهم رأوا فيهم قُدرات قتالية لا ترقَ إلى مستواهم، وطلبوا من رسول الله إرسال 3 أخرين من كبار مُقاتليه يكونوا أكِفاء وأنداداً لهم، فاختار 3 من أقاربه، هم: الإمام علي بن أبي طالب، وعبيدة بن الحارث بن عبدالمطلب، وحمزة بن عبدالمطلب.

نازل عبيدة بن الحارث بن عبدالمطلب - 63 عاماً، عتبة بن ربيعة - جد معاوية بن أبي سفيان لأمه، وكانا أسنّ القوم.

وواجه حمزة بن عبدالمطلب - 57 عاماً، شيبة بن ربيعة، وكانا أوسط القوم سِناً.

وتولّى الإمام علي عليه السلام - 20 عاماً، مهمة منازلة الوليد بن عتبة - وهو خال معاوية بن أبي سفيان، وكانا أصغر القوم سِناً.

ضرب الإمام علي الوليد على يمينه فقطعها، فأخذ يمينه بيساره، فضرب بها هامة الإمام عليه السلام.

ويصف سلام الله عليه ذلك: "ظنَنتُ أنَّ السماءَ وقعت على الأرض"، ثم ضربه ضربة أخرى على أم رأسه فقسمه نصفين.

وبرز له حنظلة بن أبي سفيان، فضربه، فسالت عيناه ولزم الأرض، وأقبل العاص بن سعيد، فلقيه سلام الله عليه فقتله.

وسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من له علمٌ بنوفل بن خُويلد".

أجاب الإمام علي عليه السلام: أنا قتلتُه.

فكبَّر صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: "الحمدُ للهِ الذي أجاب دعوتي فيه".

بعد مقتل قادة قريش الثلاثة اشتبك الجيشان، وتسبب مقتلهم في انهيار معنويات الكفار وتفرُّق وانهزام جيشهم، وتسهيل المهمة على المسلمين للإجهاز على ما تبقَ منهم.

ويذكر المؤرخون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذ كفاً من الحصى ورمى بها على المشركين، وقال: "شاهت الوجوه"، فلم يبعد منهم أحد إلا بفرك عينيه، فكانت هزيمة قريش.

 

الشورى والتشارك في القيادة:

 

بعد وقوفه صلى الله عليه وآله وسلم على نية قريش بالمواجهة، ومعرفته قوام قوتهم وعتادهم، استشار الصحابة في الإجراء الواجب اتخاذه، وكان يقصد الأنصار، لأنهم الأكثر عدداً في جيش المسلمين، ولأنهم بايعوه قبل الهجرة إلى المدينة على المُؤازرة والنُصرة والحماية.

والاستشارة إجراء غير مألوف في ذلك الزمان، أراد منه معرفة مدى استقامة أصحابه من ألسنتهم، وإشعارهم بأهمية رأيهم عنده، وأنه ليس سُلطاناً مُستبداً يُصادر آراءهم وحريتهم، وإعطائهم درساً عملياً على الاشتراك في القيادة.

وهي أول خطوة في برنامج التعبئة الروحية والمعنوية والعسكرية.

كانت كلمات الصحابة فواحة بالشجاعة والعزة والإباء والاستقامة والثقة بنصر الله والثبات.

تذكر كتب السيرة أنّ المسلمين بعد وصولهم إلى "بدر"، ومعرفتهم بمجيء قريش وقوتهم وعتادهم، جزعوا وخافوا، فاستشارهم النبي في الحرب، قائلاً: "أشيروا عليّ"، فأشار بعضهم بعدم المواجهة، لأن هذه "قريش وخُيلاؤها ما ذُلّت منذ عزّت"، وأشار آخرون بخوض المعركة، وقال المقداد بن الأسود يومها كلمته الشهيرة: يا رسول الله والله لا نقول لك ما قالت بنو اسرائيل لموسى "اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون"، ولكن نقول: "اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون".

 

الطابور الخامس:

 

كان الطابور الخامس حاضراً بقوة في تلك المعركة المصيرية، وكعادة هذه الفئة المخذولة والمُثبِّطة في كل زمان ومكان، استغل المنافقين واليهود المتخلفين في المدينة فارق العدد في المقاتلة بين المسلمين والمشركين، وخشيتهم من انتصار الرسول والمسلمين، لبث الشائعات والفزع والرعب في أوساط سكان المدينة المنورة، فأشاعوا بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قُتل، وهُزم أصحابه في المعركة، وذلك من أجل نشر الفوضى والاضطراب واليأس، لكن مراميهم خابت وخسرت.

ولخطورة ذلك سارع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعد انتهاء المعركة مباشرة بإرسال "عبدالله بن رواحة" و"زيد بن حارثة" إلى المدينة، لإخبار سُكانها بنصر الله لعباده المستضعفين، ليقطع الطريق على ذلك الطابور الشائه.

 

الإمام علي بطل المعركة الأول:

 

لم يكن تسليم راية "العقاب" للإمام علي عليه السلام حدث عابر، بل خُطوة مدروسة، لها دلالاتها التي لا يمكن فصلها عن عملية التهيئة للولاية التي أمر الله تبليغها للناس في واقعة الغدير الشهيرة، وهذا يعني ببساطة أن القيادة العامة في المعركة كانت للإمام علي بعد النبي، وفي ذلك تأكيدٌ جلي على قدراته سلام الله عليه، وموقعه في الإسلام، وأنه يُشكِّل الملاذ الآمن للمسلمين، بالنظر إلى البلاء الذي أبلاه في واقعة بدر، ومدى اطمئنان النبي والمسلمين لقيادته رغم صِغر سنه.

سجّل سلام الله عليه بُطولات خارقة في هذه المعركة، وكان قُطبُ رحاها وبطلها بلا منازع.

قال الإمام الباقر عليه السلام: نادى مُنادٍ من السماء يوم بدر يُقال له رضوان، لا سيف إلّا ذو الفقار، ولا فتى إلّا علي.

نظراً لشدة نكايته بالمشركين وفريه لرقابهم، واستئثاره بقتل أكثر من نصف ضحاياهم، منهم كبار قادتهم وأشجع مقاتليهم، وأصحاب ألويتهم.

ويذكر المؤرخون أن رجلاً من بني كنانة دخل على معاوية، فقال له: هل شهدت بدراً؟.

 

قال: نعم.

 

قال: صف ما رأيت؟

 

قال: رأيت علي بن أبي طالب غُلاماً شاباً ليثاً عبقرياً يفري الفري لا يثبت له أحد إلا قتله ولا يضرب شيئاً إلا هتكه، ولم أرَ أحداً من الناس يحمل حملته ويلتفت التفاته، وكان له عينان في قفاه وكأن وثوبه وثوب وحش.

لا نُبالغ إذن إن قلنا أن معركة بدر وضعت الإمام علي عليه السلام في مركز الصدارة بين المسلمين، وأنه أحق الناس بخلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سواء على مستوى الميدان، أو ما يتمتع به من حكمة وصواب ورأي، أو من جهة قُدرته وتفانيه في سبيل المبدأ، وأنه لولاه لم تكن نتائج الحرب في صالح المسلمين.

 

نتائج المعركة:

 

لحقت بالكفار هزيمة مُنكرة، وفقدوا فيها كبار القوم وصناديدهم وأشجع شُجعانهم وأعزّ أبنائهم، وبلغ عدد قتلاهم 70 وقيل 72 قتيلاً، وأُسر منهم 70، ومن أبرز قتلاهم: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وأبو جهل عمرو بن هشام.

 

وقتل الإمام علي "22 - 35" شخصاً من صناديدهم، منهم:

 

1 - حنظلة بن أبي سفيان

2 - العاص بن سعيد بن العاص.

3 - عبدالله بن المنذر.

4 - حرملة بن عمرو.

على الصعيد الإسلامي، ارتقى 22 شهيداً، 14 من الأنصار و8 من المهاجرين، وقيل ما بين "9 - 14" رجلاً، ولم يُؤسر منهم أحد.

 

التعامل الراقي مع الأسرى:

 

عاد المسلمون بالأسرى إلى المدينة، وتعاملوا معهم بطريقة إنسانية راقية كتعاملهم مع أي واحدٍ منهم، على عكس عادة العرب في التعامل مع أسرى الحروب، ثم قبلوا منهم الفداء، ومن لم يكن لديه ما يفدي به نفسه طلبوا منه تعليم 10 من أولادهم مقابل إطلاق سراحه.

 

ومن أهم المبادئ التي أرساها الإسلام في هذا الجانب:

1 - احترام الأسرى والرحمة بهم وعدم إيذائهم.

2 - عدم التنكيل بجثث قتلى العدو.

 

عوامل وأسباب النصر:

 

هناك عدة عوامل ساعدت مُجتمعة في صناعة سيمفونية النصر البدرية، أهمها:

1 - الإيمان المُطلق بالله، والتوكل عليه، والثقة بنصره وتأييده لعباده المستضعفين في أرضه.

2 - عشق الشهادة وإخلاص النية للجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمة الله.

3 - الإيمان بالقضية والمظلومية، والاستعداد الكامل للتضحية بالغالي والنفيس في سبيل هذه الغاية السامية، والإخلاص والصدق في مواجهة العدو حتى لو كان من أقرب المقربين.

يقول الإمام علي عليه السلام: كنا مع رسول الله نُقاتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا ما يزيدنا ذلك إلا إيماناً وتسليماً وجِدّاً في جهاد العدو، فلمّا رأى الله صدقنا أنزل بعدونا الكبت، وأنزل علينا النصر حتى استقرّ الإسلام.

كما وجد الأنصار أنفسهم أمام أول تجربة في حماية رسول الله ونُصرته، والوفاء بما قطعوه على أنفسهم في بيعة العقبة، فكان قتالهم شديد الضراوة.

4 - التسديد واللطف والعناية الإلهية، بما في ذلك إمداد الله لعباده المؤمنين بالملائكة، وإرسال النُعاس والمطر، وإلقاء الرعب في قلوب المشركين، وتقليل عدد المشركين في عيون المؤمنين.

5 - التخطيط والتدبير الحربي الجيد، وإعداد العدة والرصد الواعي، ومعرفة نقاط ضعف العدو.

6 - وضع رسول الله أقاربه في الخط الأول للمواجهة، فاختار الإمام علي وحمزة وعبيدة بن الحارث للمبارزة الأولى، ليُبرهن للمسلمين والمشركين على حدٍ سواء أنه صاحب رسالة إلهية، وليس صاحب مشروع شخصي، لذا فهو يبدأ بأهل بيته، ولا يستغلّ الناس للوصول إلى أهداف دنيوية خاصة، مُحيّداً أهل بيته وأقاربه عن المخاطر، كما يفعل الكثيرون من الملوك والزعماء السياسيين ممن يرسلون أبناءهم إلى خارج البلاد في أوقات الحروب ويقاتلون بأبناء الآخرين، وهذا الفداء والتضحية من أهم عوامل النصر.

7 - إدارة رسول الله المعركة بطريقة تُراعي العوامل المادية والمعنوية، وعبّأ أصحابه تعبئة إيمانية فائقة، وأحسّ بهم وأحسّوا به وامتزج بهم، وأصبح أغلى من أنفسهم، واستشارهم وطَّيب خواطرهم، وجعلهم هم الذين يقررون الإقدام على القتال.

8 - تحكُّم المسلمين في مُجريات المواجهة فكانوا أبطال ضرباتهم منذ بداياتها، وسبقوا العدو إلى الميدان والسيطرة على أرض القتال المناسبة، وتحكّموا في الماء، ووراء ذلك كله عناية الله بهم.

 

القيم والدلالات:

 

أسس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه المعركة جملة من المفاهيم والمبادئ والأسس المهمة، منها:

 

1 - التأكيد على أن الغلبة للقوة الروحية وليس للقوة العسكرية كما يتوهّم أباطرة العالم المادّي، متى توافرت شروط الإيمان.

2 - أهمية دور القائد في احتواء المقاتلين ودعمهم مادياً ومعنوياً بالتشجيع والدعاء.

3 - التأكيد على أن أخوّة المسلمين الحقيقية بالعقيدة والإيمان، وجعلها أهم من الأخوّة في الدم إن كان الأخ كافراً بالله.

4 - التأكيد على أن الشورى أمان من الخطأ، وحرز من الخطر، وأن الاستبداد سبب كل الكوارث العاصفة بالبشرية عبر التاريخ.

 

المراجع:

 

1 - الدكتور المرتضى بن زيد المحطوري، السيرة النبوية، مكتبة بدر للطباعة والنشر، نسخة إلكترونية.

2 - أسعد عبدالله علي، قراءة في أبعاد نتائج معركة بدر، شبكة النبأ المعلوماتية، يونيو 2019.

3 - حاتم إسماعيل، دور علي عليه السلام في معركة بدر، موقع شبكة المعارف الإسلامية الثقافية.

4 - عبير المنظور، غزوة بدر الكبرى، انتصار ومنهج حياة، موقع مدونة الكفيل.

5 - علي الصلابي، غزوة بدر الكبرى .. حدث عظيم في شهر رمضان وبداية لانتصارات المسلمين، الجزيرة نت، 23 مايو 2019.

6 - محسن باقر محمد صالح القزويني، بدر: معركة الوجود، جامعة أهل البيت - كلية العلوم الإسلامية.

7 - محمد أحمد حسين، غزوة بدر الكبرى: دروس وعبر، موقع بوابة السيرة النبوية.

8 - محمد طاهر الصفار، معركة بدر .. بوصلة السماء، موقع العتبة الحسينية، 15 مايو 2019.

9 - موقع العلامة حسين الخشن، معركة بدر.. دروس وعبر.

10 - موقع حسين أنصاريان، بطولة الإمام علي عليه السلام في معركة بدر.

11 - موقع محمد نبي الرحمة، معركة بدر، 10 نوفمبر 2019.

12 - موقع مركز الاشعاع الإسلامي للدراسات والبحوث الإسلامية، معركة بدر الكبرى.