Translate

الثلاثاء، 28 يناير 2020

طريق الإنسان إلى السعادة

بقلم //زيد يحيى المحبشي
الثلاثاء 23 ديسمبر 2008م
بين الأمل والطموح تُحلّق أرواحنا من أجل الظفر بالسعادة التي تبقى حيّةً في آفاقٍ حاضرة ونحن نعتقد أنه لابُدَّ من الوصول إليها يوماً ما، ولا يوقفنا عن هذا الشعور المخملي إلا الموت وسخرية نهاية الحياة.. إنها أمل كل إنسان ومنشود كل البشر لأن بها يتحقق الأمن الروحي والنفسي، وهو مطلبٌ دونه عقباتٌ كثيرة بفعل بواعث القلق والخوف والاكتئاب، ودواعي التردد والارتياب والشك.. وهي أيضاً قصة الإنسان وشاغله الأول في مسيرة حياته، والفجوة الشاغرة بين الامتلاك والرضا، بين ما لدى الإنسان وما يريده، والحلقة المفقودة المصاحبة له في مكابدته الحياتية من المهد إلى اللحد..
ولذا قال الحكماء “الشيطان يُمنّيِك بالمفقود لتكره الموجود، ولكن الإنسان يظل باحثاً عن المفقود، حتى إذا امتلكه تحول إلى شقاءٍ موجود”، وقالوا أيضاً "إذا لم تستطع أن تعمل ما تُحب، فأحب ما تعمل، فإن السعادة تتحقق حين يسعد الإنسان بما لديه، حين يعجز عن الحصول على ما يتمنى، حين يسعى ويرضى" .
اليوم ونحن في عصر الحداثة والعولمة صارت السعادة بعيدة المنال بل وتكاد أن تنظم إلى قائمة المستحيلات بفعل تعقيدات الحياة، فملامح الاكتئاب تكسو وجوه الكثير ممن لازالوا في مقتبل العمر وأمامهم آمالٌ عريضة، شاخت نُفوسهم باكراً وأصبحوا حين يسألون عن السعادة يبادرونك بتنهدات الأسى والحزن.
لكن ما هي السعادة؟ ببساطة هي حالة معنوية نسبية تختلف من شخص لآخر تبعاً لمقومات الحياة وتطور الإنسان في مراتب الإنسانية وسلالم الكمال البشري، ولذا فهي لا تقاس بالكم ولا تحتويها الخزائن ولا تُشترى بالمال، لأنها حالة من الشعور والإحساس الداخلي بالابتهاج والاستماع وصفاء النفس واطمئنان القلب وانشراح الصدر وراحة الضمير، بصورة تصير معها حياتنا جميلةً مستقرةً خالية من الآلام والضغوط.
دينياً، يختزل الحديث الشريف ماهيتها في ثلاث كلمات “من بات آمناً في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فقد حِيزت له الدنيا بحذافيرها” وهو إيجاز بالغ الدلالة توحي مفرداته بأن الإيمان إشعاعه الأمان، والأمان يبعث الأمل، والأمل يُثمِرُ السكينة، والسكينة نبعُ السعادة، والسعادة حصادها (أمن وصحة وهدوء واطمئنان قلبي).
 وذلك سرّ استمتاعنا بالحياة رغم مرورنا بالشدائد والنكبات، وسرّ تغلبنا على الصعاب المعترضة طريقنا وسرّ معالجتنا المشاكل بنفوس راضية، وصولاً إلى تسخير ما في الكون لمصلحة الإنسان ولتحقيق إنسانيته، وتلك هي السعادة الحقيقية التي عناها الأثر الشريف “بقاءٌ بلا فناء، وعلم بلا جهل، وقُدرةٌ بلا عجز، وغِنى بلا فقر”.
وقد قيل للسعادة يوماً: أين تسكنين؟
قالت: في قلوب الراضين،
قيل: فبم تتغذين؟
قالت: من قوة إيمانهم،
قيل: فبم تدومين؟..
قالت: بِحُسن تدبيرهم،
قيل: فبم تُستجلبين؟
قالت: أن تعلم نفس أن لا يصيبها إلا ما كُتِبَ لها،
 قيل: فبم ترحلين؟
قالت: بالطمع بعد القناعة، وبالحرص بعد السماحة، وبالهم بعد السعادة، وبالشك بعد اليقين.
من خلال الحوار السابق نخلص إلى ضرورة توافر عدة مقومات لأهميتها في تمكين الإنسان من تحديد ما هو الشيء الأهم بالنسبة له والذي يحقق سعادته والتي بدونها يعيش في صراع داخلي وقلق دائم، والعوامل المؤثرة فيها والمثبطات الحائلة دونها وكلها لا تخرج عن مبدأ “الألم واللذة” المعني أساساً بقياس مدى سعادتنا أو تعاستنا، تبعاً للأساليب الحياتية والرغبات الإنسانية المصاحبة لها سواء كانت نبيلة أو غير نبيلة باعتبارها الفيصل في تجسيد سعادتنا أو تعاستنا.
 إن وجود أهداف حقيقية وواقعية وقابلة للتطبيق في حياتنا تساعدنا لنكون سعداء، لأن الإنسان بلا هدف إنسان ضائع وتمتعنا بالقدرة على الاستجابة الصحيحة لتحديات الحياة ومتطلباتها بما يتفق مع طبيعتنا كبشر من قبيل المسؤولية تجاه أنفُسنا، ومن يعتمدون علينا، ومن نتعامل معهم، يجعلنا أقرب إلى بلوغ السعادة. وذلك لن يتم إلا من خلال تقديرنا لذاتنا وللآخرين والشعور بالسيطرة على مجريات الحياة اليومية، ونسج العلاقات الحميمية الدافئة وإعمال الوسطية في كل أمورنا، والقدرة على التفكير والتحكم واتخاذ القرارات الرشيدة في الوقت المناسب، والصحة الروحية، والعقلية والعاطفية والجسدية، ناهيك عن الأحوال المعيشية والعلاقات الاجتماعية والمعتقدات الدينية والقيم الثقافية والحضارية، والانشغال بعمل أو نشاط منتج، والسلوك الحميد الطيب وتوافر القدرة على نسيان وإغفال الماضي بمثالبه ومآسيه، ويبقى الأهم من كل ذلك وهو توافر الإرادة.
وعلى العكس من ذلك، فإن الإخفاق في تحقيق الأهداف أو عدم وجود أهداف متتابعة أو بعيدة المدى، ووجود الحسد والخمول والكسل والتواكل والتسويف والعلاقات السيئة والعزلة والخوف من انتقاد الآخرين يجعل من السعادة أمراً بعيد المنال. ذلك أن الحياة السعيدة تصنعها الأفكار والعمل لا الانتظار والركون.
 فلنستيقظ حتى نرى كم الحياة جميلة.

ليست هناك تعليقات: