Translate

الاثنين، 15 يناير 2018

الدولة المدنية الحلم السهل الممتنع

الدولة المدنية الحلم السهل الممتنع
زيد يحيى المحبشي
الدولة المدنية لم تكن في يوم من الأيام دينية أو بوليسية بل مدنية مدنية في مبناها ومعناها.. الدولة المدنية كانت ولا تزال الأمل والملاذ لكل من يؤمن بالتعدد والتنوع والحرية للجميع دون تفرقة عنصرية على أساس المذهب أو العرق أو الجنس أو المستوى الاجتماعي..
الدولة المدنية الحلم والحضن الدافئ لكل من يؤمن بأن عملية التحول نحو المدنية لا يمكن ترجمتها دون توافر النية الصادقة والعزيمة النافذة والإرادة القوية والثقة المتبادلة بين مكونات الفعل السياسي وتجذر الولاء الوطني الخالي من شوائب التبعية وتقديم المصلحة الوطنية على ما عداها من المصالح والحسابات الضيقة والابتعاد عن التشنجات والنعرات الدينية والمذهبية والفكرية..
الدولة المدنية المرفأ الآمن لك وطني غيور يطمح إلى بناء المستقبل على أسس ومبادئ جامعة يؤمن بها جميع أبناء وطنه باختلاف مشاربهم ومأربهم واتجاهاتهم السياسية والثقافية والمذهبية والعلمية..
الدولة المدنية هي التعلم من التاريخ لا التغني به لأن المجد الحقيقي ما نبنيه في الحاضر ويحياه الناس دون أوهام ماضوية ماتت وشبعت موتا..
الدولة المدنية تعني ضرورة أن يعادل رفضنا للماضي الفاسد شجاعتنا في بناء المستقبل الواعد، والانتقال الواثق من الهدم إلى البناء ومن الشجب إلى العمل ومن اتهام الاخرين أو تخوينهم إلى اتهام النفس ومحاسبتها قبل الآخرين(جدية التخلي عن ثقافة اتهام وتخوين الاخرين للتهرب من مسؤوليتنا), والتحول العملي من سياسة الاستحواذ والإقصاء والتفرد بمفاتيح غرفة الاقدار إلى ثقافة المواطنة والمشاركة الوطنية المتسعة للجميع..
الدولة المدنية تعني ضرورة أن يدافع كل فرد من أفراد المجتمع عن حقوق الاخرين بنفس القوة التي يدافع بها عن حقوقه, دفاع المجتمع عن المظلوم والمقهور, دفاع القوي عن الضعيف وليس العكس, لأن التحضر يقاس بدرجة حماية الأكثرية للأقلية وليس العكس..
الدولة المدنية تعني خلق بيئة ثقافية وفكر إنساني حر لا يخاف بطش الاكثرية أو قوى النفوذ بتلاوينها ولا يبحث عن دغدغة المشاعر باللعب على وتر الدين أو المذهب او العرق أو الطائفة ووجود مثقفين يدافعون عن الحق والمجتمع دون تصفيق أو رياء لأصحاب السلطة والنفوذ, دون أن يبيعون أفكارهم وأرائهم لمن يدفع أكثر..
الدولة المدنية تعني وجود ارادة شعبية حقيقية ومؤثرة (قاعدة شعبية يمكن البناء عليها بشجاعة) تفهم معنى مدنية الدولة, ومستعدة لفعل أي شيء من أجل الوصول إليها, ووجود قائد قوي يملك حجة الحديث والمنطق لا قوة السلاح والبطش, قائد لديه رؤية علمية واضحة المعالم وواضحة الترتيب لأولويات البناء, ومستعد للموت من أجلها, لإيمانه بالوطن وبالمستقبل..
والدولة المدنية قبل هذا وذاك تتطلب وجود قادة جدد يقدرون الثورات الشعبية السلمية ويحترمون ارادة شعوبهم ويحمونها ويمنعون الفساد ويضعون حداً للانتهازيين والمتسلقين على أكتاف ودماء وتضحيات الثوار والثورات..
الدولة المدنية حلم وردي يحمل في طياته كل معاني الجمال, حلم اشبهه بطيف علان (قوس قزح) علا سماء ما بات يعرف بالربيع العربي.. غير أن فجائة الظهور السريع بما اشاعه من أحلام وأمال وطموحات, سرعان ما تلاشت وبذات الطريقة, مخلفة ورائها كومة من الاسئلة المتعثرة عن مستقبل شعوب ما يزال مكتنفا بالغموض الكبير, مستقبل شعوب سمية ظلما بسلة ورد الربيع المتفتح, ورد لم تنال منه سوى السراب/الطيف القزحي, ورد سرعان ما تحولت أزهاره العابقة الى اشواك اقحوانية متوحشة في تنمرها متوحشة في شدة ايلامها متوحشة في وخزها؛ وفي وسط غُدرة الربيع بدت الهوة شاسعة بين فساد الانظمة وحاشيتها ورغبات الشعوب وطموحاتها, بين اسقاط الديكتاتور المستبد وبقاء الديكتاتورية, بين شعوب تحلم بالتغيير وتخشاه، تصيح بالثورة وترفض دفع الثمن, بين عقل جمعي لا يزال يمارس سطوته في الساحات والميادين الربيعية القزحية ويتمنع التفكير على اصحابه وهواجس تحل محل الأفكار, محولة في طريقها احلام المدنية الى كابوس مخيف وحلم مستحيل ونهر من الدماء لا يزال يتدفف بغزارة دونما رحمة

ليست هناك تعليقات: