نزار قباني – بغداد 1985
مواطنون دونما وطن
مطاردون كالعصافير على خرائط الزمن
مسافرون دون أوراق.. موتى دونما كفن
نحن بغايا العصر
كل حاكم يبيعنا ويقبض الثمن
نحن جواري القصر
يرسلوننا من حجرة لحجرة
من قبضة لقبضة
من مالك لمالك
ومن وثن الى وثن
نركض كالكلاب كل ليلة
من عدن لطنجة
ومن طنجة الى عدن
نبحث عن قبيلة تقبلنا
نبحث عن ستارة تسترنا
وعن سكن
وحولنا أولادنا
احدودبت ظهورهم وشاخوا
وهم يفتشون في المعاجم القديمة
عن جنّة نظيرة
عن كذبة كبيرة.. كبيرة
تدعى الوطن
**********
مواطنون نحن في مدائن البكاء
قهوتنا مصنوعة من دم كربلاء
حنطتنا معجونة بلحم كربلاء
طعامنا.. شرابنا
عاداتنا.. راياتنا
زهورنا.. قبورنا
جلودنا مختومة بختم كربلاء
لا أحد يعرفنا في هذه الصحراء
لانخلة.. ولاناقة
لاوتد .. ولاحجر
لاهند.. لاعفراء
أوراقنا مريبة
أفكارنا غريبة
أسماؤنا لاتشبه الأسماء
فلا الذين يشربون النفط يعرفوننا
ولا الذين يشربون الدمع والشقاء
*****
معتقلون داخل النص الذي يكتبه حكامنا
معتقلون داخل الدين كما فسّره إمامنا
معتقلون داخل ا لحزن
وأحلى مابنا أحزاننا
مراقبون نحن في المقهى .. وفي البيت
وفي أرحام أمهاتنا!!
حيث تلّفتنا وجدنا المخبر السرّي في انتظارنا
يشرب من قهوتنا
ينام في فراشنا
يعبث في بريدنا
ينكش في أوراقنا
يدخل في أنوفنا
يخرج من سعالنا
لساننا.. مقطوع
ورأسنا.. مقطوع
وخبزنا مبلل بالخبز والدموع
إذا تظلّمنا الى حامي الحمى
قيل لنا: ممنوع
وإذا تضّرعنا لرب السما
قيل لنا: ممنوع
وإن هتفنا: يارسول الله، كن في عوننا
يعطوننا تأشيرة من غير ما رجوع
وإن طلبنا قلماً لنكتب القصيدة الأخيرة
أو الوصية الأخيرة
قبيل أن نموت شنقاً
غيّروا الموضوع
***********
ياوطني المصلوب فوق حائط الكراهية
ياكرة النار التي تسير نحو الهاوية
لا أحد من مضر.. أو من بني ثقيف
أعطى لهذا الوطن الغارق بالنزيف
زجاجة من دمه
أو بوله الشريف
لا أحد على امتداد هذه البقعة المرقّعة
أهداك يوماً
معطفاً أو قبعة
***********
يا وطني المكسور مثل عشبة الخريف
مقتلعون كالأشجار نحن من مكاننا
مهجّرون من أمانينا وذكرياتنا
عيوننا تخاف من أصواتنا
حكامنا آلهة يجري الدم الأزرق في عروقهم
ونحن نسل الجارية
لا سادة الحجاز يعرفوننا.. ولا رعاع البادية
ولا أبو الطيب يستضيفنا.. ولا أبو العتاهية
إذا مضى طاغية
سلمنا لطاغية
*******
مهاجرون نحن من مرافئ التعب
لا أحد يريدنا
من بحر بيروت الى بحر العرب
لا الفاطميون.. ولا القرامطة
ولا المماليك ..ولا البرامكة
ولا الشياطين ..ولا الملائكة
لا أحد يريدنا
لا أحد يقرؤنا
في مدن الملح التي تذبح في العام ملايين
الكتب
لا أحد يقرؤنا
في مدن صارت فيها مباحث الدولة عرّاب الأدب
***********
مسافرون نحن في سفينة الأحزان
قائدنا مرتزق
وشيخنا قرصان
مكوّمون داخل الأقفاص كالجرذان
لا مرفأ يقبلنا
لا حانة تقبلنا
كل الجوازات التي نحملها
أصدرها الشيطان
كل الكتابات التي نكتبها
لا تعجب السلطان
*********
مسافرون خارج الزمان والمكان
مسافرون ضيّعوا نقودهم .. وضيّعوا متاعهم!!
ضيّعوا أسمائهم.. وضيّعوا أبنائهم.. وضيّعوا
انتمائهم
وضيّعوا الاحساس بالأمان
فلا بنو هاشم يعرفوننا..
ولابنو قحطان
ولا بنو ربيعة.. ولابنو شيبان
ولا بنو "لينين " يعرفوننا..
ولا بنو "ريجان"
يا وطني.. كل العصافير لها منازل
إلا العصافير التي تحترف الحرية
فهي تموت خارج الأوطان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق