سياسة واخبار
التاريخ: الأربعاء, 13 مايو, 2009
زيد يحيى المحبشي - اليمن
زيد يحيى المحبشي - اليمن
التغيير، التعاون، الشراكة التكافؤية، إتحاد الأنداد، الإنصات والتشاور, التعلم من أخطاء الماضي، الاحترام المتبادل،
الرابط : سياسة واخبار زيد يحيى المحبشي - اليمنالتغيير، التعاون، الشراكة التكافؤية، إتحاد الأنداد، الإنصات والتشاور, التعلم من أخطاء الماضي، الاحترام المتبادل، المصالح والقيم المشتركة.. وغيرها من المصطلحات الرائج تداولها في واشنطن خلال الأشهر الأربعة الأخيرة والتي لم يكن لها أي معنى قبل وصول أوباما المفعم بالأمل والحالم بالتغيير , خلافاً لما درجة عليه الإدارة السابق لجورج بوش الابن.
هذه الروح الجديدة الطامحة إلى تغيير بحر الكراهية المحاصرة القطبية الأميركية الأحادية ليس في حديقتها الخلفية فحسب بل وفي جميع أصقاع المعمورة وإعادة بريق الزعامة والقيادة الذابلة, قد توحي في ظاهرها بحدوث نوع من التغيير النسبي في آليات التعاطي تبعاً لدورة البندول بمفردتيها من التمدد في حالة الاستقرار والتماسك والانكماش في حالة عدم الاستقرار والترهل الداخلي, لكنها في نهاية المطاف, لا تخرج عن مبدأ مونرو فيما يتعلق بسياسة الولايات المتحدة إزاء أميركا اللاتينية وحوض الكاريبي, ومن ثم تعزيز القيادة الأميركية المتداعية الأركان وإعادة بعثها من جديد, وهو هدف كان ولا يزال في سُلم أولويات الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ الجمهورية الأولى (1823) وحتى اليوم جمهورية كانت أم ديمقراطية باستثناء بعض التغيير في آليات التنفيذ تبعاً لمعطيات الواقع واستحقاقاته.
حقيقة ذلك نجدها في شعار أوباما للتعاطي الخارجي بصورة عامة ومع الجنوب الأميركي بصورة خاصة والمرفوعة هذه المرة تحت يافطة "القوة الذكية" بعد أن كانت في السابق تحت يافطة العصا الغليظة,والتي أضحت المنهج العملي للتعاطي مع اللاتينيين وتحديداً مابعد تأطير الرئيس الأميركي روزفلت (1933- 1945) لمعالمها الرئيسية المستوحاة من المثل الأفريقي "تكلم بلطف، واحمل عصا غليظة، تبلغ مرادك". الأهمية الجيوسياسية التي تتمتع بها أميركا اللاتينية, جعلتها محط اهتمام الأوربيين مابعد القرن 15 ومحور اهتمام الرئيس جيمس مونرو عندما عبّر بصراحة في العام 1823 عن ذلك "أميركا للأميركيين" أي بعد نحو 47 عاماً من استقلال بلاده عن الاستعمار البريطاني في 1776 بهدف التأكيد على الرفض للاحتلال والتدخل الأوربي في شؤون الأميركيتين بينما كان الهدف الحقيقي, الحلول مكان الغرب في استغلال ثروات الأميركيتين والسيطرة الكاملة على قرارها السياسي ,والذي حول فيما بعد تحول الولايات المتحدة من قوة إقليمية إلى قوة عظمى فيما تحولت أميركا اللاتينية إلى حديقة خلفية وإخوان صغار تستخدمهم واشنطن كما يحلو لها ولذلك أسباب أبرزها:
أن أميركا اللاتينية تعد أكبر مورد نفطي أجنبي للولايات المتحدة في العالم والشريك القوي في تطوير الوقود البديل، وأهم الشركاء التجاريين نمواً، وأكبر مصدر للمهاجرين، ولذا فالعلاقة معها تعد جزءاً أساسياً للإستراتيجية الأميركية، وهي القاعدة المتحكمة في علاقة الطرفين على مدى الـ186 عاماً الماضية.إستراتيجية القوة الذكية لإدارة أوباما تقوم حسب هيلاري كلينتون على المزاوجة بين المبادئ والمنهج العلمي أي أنها لن تكون أيديولوجية جامدة تعتمد على الحقائق والأدلة، ولا هي عواطف وانحياز بله أقرب إلى الواقعية العملية بهدف تسهيل تحقيق الأجندة الأميركية الجديدة القديمة المتمحورة حول:- ضمان أمن الولايات المتحدة وشعبها وحلفائها.- تعزيز النمو الاقتصادي وتقاسيم الازدهار داخل وخارج الولايات المتحدة.- تقوية أميركا في القيادة العالمية من باب الشراكة طبعاً.
وفي هذا السياق فقط يمكننا فهم التغيير الدراماتيكي المفاجئة لإدارة أوباما إزاء الدول اللاتينية مؤخراً وليونة المواقف والتخاطب والتعامل وسيل الوعود خلال قمة الأميركيتين الخامسة المنعقدة في جزيرة بورت أوف سبين عاصمة جمهورية ترينيداد وتوباجو في 17- 19 نيسان/ إبريل الماضي وما تخللها من مصافحة ومصالحة ومشاهد أعادة فتح الملفات القديمة الجديدة للعلاقات بين أميركا وحديقتها الخلفية بعد خمسة قرون من نهب ثروات القارة اللاتينية الحلوبة و186 عاماً من السيطرة والتبعية وستة عقود من الصراع بين القوميين المواليين للحظيرة الأميركية واليساريين المتمردين الطامحين إلى الاستقلالية والحرية وعشر سنوات من تزايد موجة الثورة البوليفارية اليسارية.الصورة بمفرداتها المتنافرة والحالمة بحلول السلام والشراكة المتكافئة تضع إمكانية دخول علاقة الطرفين منعطفاً جديداً على مفترق الطرق,خصوصاً وأننا أمام طوفان جارف من انعدام الثقة والعلاقات المخربة والعداء والكراهية المتنامية لأميركا والليبرالية والامبريالية المستعصية حلحلة عقدها على العطار الأميركي الجديد المقر بدوره خلال القمة الأخيرة بالحاجة إلى عقود لإذابة جليد الجمود المتراكم والاكتفاء بالدعوة لطي صفحة الماضي والتطلع إلى المستقبل.
منظمة الدول الأميركيةظهرت أول منظمة إقليمية تجمع بين الأميركيتين في العام 1899 تحت مسمى الاتحاد الأميركي المستبدلة في العام 1948 بمنظمة الدول الأميركية المحتوية حينها 21 دولة أميركية فيما هي اليوم 34 دولة تمثل دول الأميركيتين باستثناء كوبا المستبعدة من عضويتها منذ العام 1962,ورغم مرور 61 عاماً على هذه المنظمة إلا أن بسط واشنطن نفوذها أفرغها من محتواها وحال دون تحقيق أهدافها المتمثلة في:
احترام شخصية وسيادة واستقلال دولها وقيام نظم سياسية ديمقراطية وتجريم الحروب العدوانية وفض النزاعات سلمياً ومراعاة العدالة الاجتماعية واعتبار أي اعتداء ضد دولة أميركية اعتداء على جميع دول المنظمة.وأمام اختراق واشنطن لتلك المبادئ خصوصاً خلال الحرب الباردة صارت المنظمة أداة تنفيذية بيد واشنطن وشرعنة تدخلاتها المتعددة الأوجه في شؤون أعضاء المنظمة والواصل ذروته في 1973 عندما أقدمت واشنطن على إحباط الانتخابات الرئاسية التشيلية كأول تجربة ديمقراطية لاتينية ما ساعد على تفكيك التضامن الأميركي وشل المنظمة كلياً مفسحاً المجال لبروز منظمات إقليمية أخرى بدت أكثر فعالية وحضور خصوصاً بعد انتهاء الحرب البادرة وتنامي الثورة البوليفارية.
ما بعد الحرب الباردة حملت إدارة بيل كلينتون بارقة أمل لإعادة إحياء المنطقة كانت نتيجتها انعقاد أول قمة في 1994 ومن حينها عقدت خمس قمم على مستوى القادة إلا أن ما شهده عهد بوش من إهمال لأميركا اللاتينية بفعل التركيز على حروبه الشرق أوسطية أدى إلى بروز فاعلين دوليين جدد يزاحمون أميركا نفوذها وسيطرتها في فنائها الخلفي وتحديداً الصين في حين اكتفى بوش بإعمال سياسة العصا الغليظة وهو ما أدى إلى الحيلولة دون نجاح قمم المنظمة الأربع والتي كان آخرها في 2005 ليأتي التئام القمة الأخيرة وسط آمال عريضة بإعادة إحياء المنظمة على خلفية وصف أوباما مخرجاتها بالمثمرة رغم تحول كل شيء فيها إلى نوايا حسنة ليبقى الرهان اللاتيني متوقفاً على ترجمة الأجواء الإيجابية والنوايا الحسنة والشعارات الحالمة إلى واقع عملي.
الثورة البوليفاريةسيطرة خلال الحرب البادرة (1947- 1991) على واشنطن هواجس الخوف من انتشار الثورة الشيوعية في جوارها اللاتيني خصوصاً بعد نجاح ثورة فيدل كاسترو في 1959 ومن حينها دأبت واشنطن على محاصرة هذه الثورة ومنع توسعها وإعمال كل الوسائل الكفيلة بوجود قادة موالين لها إلا أن ذلك لم يؤدي إلى فشل محاولات إسقاط نظام كاسترو ومنع الثورة الشيوعية من الانتشار بل العكس تماماً حيث شهدت أميركا اللاتينية تنامياً ملحوظاً في عدد المعتنقين لليسارية وسط تزايد تدخل أميركا وقيامها بإسقاط الكثير من التجارب الديمقراطية الشعبوية اللاتينية.ظهور تشافيز على المسرح اللاتيني أدى إلى بروز ما يسمى بالثورة البوليفارية المبلورة حينها في الرابطة البوليفارية والتي ضمت إلى جانب كوبا وفنزويلا كلاًُ من بوليفيا ونيكاراجوا والهندوراس والدومينيكان وسانت فنسنت والإكوادور وتشيلي وغيرها من الدول التي كانت قبل هذه الثورة مجبرة على تأمين مصالح أميركا والسير في ركابها على حساب دولهم وشعوبهم.
ومن حينها تصاعدت موجة الانتقاد لسياسة واشنطن المصحوب بالنجاح في إيجاد منظمات إقليمية أثبتت فاعليتها وبدأت تنافس دور منظمة الدول الأميركية وأسهمت بفاعلية في تنامي رقعة اليسار وتراجع اليمين الموالي والتحرر من التبعية الاقتصادية وتأميم ثروات بلدانها واستخدام عوائدها في تمويل المشاريع المشتركة وزيادة التبادل التجاري فيما بينها ونسج علاقات اقتصادية بديلة عن واشنطن خصوصاً مع الصين بما مكنها في نهاية المطاف من إحراز نمو بواقع 5 بالمائة وتحديداً في السنوات الخمس الأخيرة وانتشال 40 مليون لاتيني من الفقر المدقع ما جعلها في منأى عن الأزمة المالية العالمية وأكثر تحملاً لتبعاتها إذ اقتصرت تداعياتها على التهديد بتراجع نسبة النمو بواقع واحد بالمائة ما يعني إعادة 15 مليون لاتيني إلى الفقر فقط وهو ما حمل قادتها خلال القمة الأخيرة إلى الإفصاح عن رغبتهم في رؤية واشنطن تتجرع من ذات الكأس.
إذن فالتحرر بعد عقود من التبعية الاقتصادية والطموح إلى التنمية المستقلة وتنويع قاعدة التعامل التجاري مع فاعلين دوليين منافسين لواشنطن كل ذلك يعد بنظر واشنطن خطر مهدد لأمنها الاقتصادي وقيادتها الكونية.الانبعاثة اللاتينية المتصاعدة أتت بالتزامن مع تراجع نفوذ واشنطن في القارة اللاتينية الساعية حثيثاً لاستقلال حقيق يؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات الندية مع واشنطن ويضع حداً لـ186 من الهيمنة والسيطرة ويُوجد متنفساً للهروب من التخريب والتدخل وحرية أكبر للتبادل التجاري وتنوع الاقتصاديات الوطنية والتطلعات الشعبية والمؤمل سيرورته في المستقبل المنظور بديلاً معادلاً لاتفاقيات مناطق التجارة الحرة الموقعة مع واشنطن تحت الضغط لضمان حقوق المستثمرين الشماليين..أمام تصاعد المطالب بالتخلص من التبعية وردم الهوة الاقتصادية والاجتماعية بين الغالبية اللاتينية الفقيرة والنخبة الثرية والطبقات الحاكمة تقليدياً وتحقيق العدالة وبالتالي مطالبة أوباما بالكف عن دعم بلاده النخب القديمة وتحريك المافيات الاقتصادية والنقابية الموالية إذا كان فعلاً يريد بناء علاقات متوازنة مع الدول اللاتينية وفتح صفحة جديدة معها، خصوصاً وأن هذه الدول أضحت تمتلك خيارات باتت واشنطن مدركة أنها لم تعد تهدد سيطرتها على فنائها الخلفي فحسب بل وسيطرتها على العالم لا سيما بعد تصاعد نفوذ التنين الصيني الخطر القادم البديل.
رؤية مستقبليةصحيح أن القمة الأخيرة قد شهدت بعد المؤشرات الإيجابية من قبيل تخفيف أوباما قيود سفر الكوبيين الأميركيين وتحويل أموالهم إلى كوبا وتوجيه الشراكة الأميركية لاستكشاف أسواق الاتصالات وخدمات الإذاعة والتلفزة عبر الأقمار الصناعية في الدول الكاريبية وإبداء الاستعداد لمحاورة كوبا حول كل شيء شريطة اتخاذ خطوات ملموسة على صعيد الإصلاح الديمقراطي والتحول نحو اللبرلة وهو ما قابلته كوبا بالمثل شريطة أن يكون الحوار على قدم المساواة ولا يمس السيادة الكوبية وفي ذات النسق ظهور بوادر إيجابية أيضاً مع فنزويلا.
لكن هذا لا يعني أن واشنطن واللاتينيين قد أصبحوا سمن على عسل بدلالة عدم تجاوز مخرجات القمة بيع الوعود حول الشراكة والتي من شأنها في حال قبول الدول اللاتينية بها المصادقة العملية على قيادة واشنطن مجدداً للمنطقة بما يحقق في نهاية المطاف هدف واشنطن لمساعداتها على إعادة إنعاش اقتصادها في ضوء التحديات القارية المتناسلة كما أن هذه الرغبة في التعاون ترمي في الأخير إلى جعلها سلماً لتحقيق واشنطن ما عجزت عنه بالقوة خلال الحرب الباردة فيما يتعلق بتغيير الأنظمة المناهضة لها من الداخل وفي مقدمتها كوبا ولذا كان تشافيز جاداً عندما هدد بالانسحاب من الأنظمة الأميركية إذا لم يتم العدول عن تلك السياسة, إذن فأي تحسن في علاقات واشنطن مع الدول اللاتينية متوقف في الأساس على التحسن في العلاقات الكوبية الأميركية.
يأتي هذا في وقت تطالعنا فيه استقراءات الرأي الأميركية بتأييد 70 بالمائة من الأميركيين لتحسن علاقة بلادهم مع كوبا ولعل ذلك ما حال دون توصل القمة إلى توافق كافة دولها على بيانها الختامي لاسيما وأن الملف الكوبي ظل الفتيل المعيق دون أي تقدم أميركي- أميركي لاتيني خلال العقود الخمسة الأخيرة وهو ما دعا تشافيز إلى التأكيد على أن الروح التي أظهرها أوباما يجب أن تنتقل إلى السفارات والمؤسسات من أجل إحتضانها بشكل حقيق، فهل يفعلها أوباما إذا كان جاداً في تشكيل إتحاد أنداد مع اللاتينيين كجزء من التغيير الواعد به؟ أم أن ما يجري لا يعدو كونه هدنة مؤقتة ريثما تتمكن واشنطن من تجاوز الأزمة المالية العالمية وحينها سيكون في المسألة نظر؟.
هذا المقال من قبل صوت العروبة
الرابط : سياسة واخبار زيد يحيى المحبشي - اليمنالتغيير، التعاون، الشراكة التكافؤية، إتحاد الأنداد، الإنصات والتشاور, التعلم من أخطاء الماضي، الاحترام المتبادل، المصالح والقيم المشتركة.. وغيرها من المصطلحات الرائج تداولها في واشنطن خلال الأشهر الأربعة الأخيرة والتي لم يكن لها أي معنى قبل وصول أوباما المفعم بالأمل والحالم بالتغيير , خلافاً لما درجة عليه الإدارة السابق لجورج بوش الابن.
هذه الروح الجديدة الطامحة إلى تغيير بحر الكراهية المحاصرة القطبية الأميركية الأحادية ليس في حديقتها الخلفية فحسب بل وفي جميع أصقاع المعمورة وإعادة بريق الزعامة والقيادة الذابلة, قد توحي في ظاهرها بحدوث نوع من التغيير النسبي في آليات التعاطي تبعاً لدورة البندول بمفردتيها من التمدد في حالة الاستقرار والتماسك والانكماش في حالة عدم الاستقرار والترهل الداخلي, لكنها في نهاية المطاف, لا تخرج عن مبدأ مونرو فيما يتعلق بسياسة الولايات المتحدة إزاء أميركا اللاتينية وحوض الكاريبي, ومن ثم تعزيز القيادة الأميركية المتداعية الأركان وإعادة بعثها من جديد, وهو هدف كان ولا يزال في سُلم أولويات الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ الجمهورية الأولى (1823) وحتى اليوم جمهورية كانت أم ديمقراطية باستثناء بعض التغيير في آليات التنفيذ تبعاً لمعطيات الواقع واستحقاقاته.
حقيقة ذلك نجدها في شعار أوباما للتعاطي الخارجي بصورة عامة ومع الجنوب الأميركي بصورة خاصة والمرفوعة هذه المرة تحت يافطة "القوة الذكية" بعد أن كانت في السابق تحت يافطة العصا الغليظة,والتي أضحت المنهج العملي للتعاطي مع اللاتينيين وتحديداً مابعد تأطير الرئيس الأميركي روزفلت (1933- 1945) لمعالمها الرئيسية المستوحاة من المثل الأفريقي "تكلم بلطف، واحمل عصا غليظة، تبلغ مرادك". الأهمية الجيوسياسية التي تتمتع بها أميركا اللاتينية, جعلتها محط اهتمام الأوربيين مابعد القرن 15 ومحور اهتمام الرئيس جيمس مونرو عندما عبّر بصراحة في العام 1823 عن ذلك "أميركا للأميركيين" أي بعد نحو 47 عاماً من استقلال بلاده عن الاستعمار البريطاني في 1776 بهدف التأكيد على الرفض للاحتلال والتدخل الأوربي في شؤون الأميركيتين بينما كان الهدف الحقيقي, الحلول مكان الغرب في استغلال ثروات الأميركيتين والسيطرة الكاملة على قرارها السياسي ,والذي حول فيما بعد تحول الولايات المتحدة من قوة إقليمية إلى قوة عظمى فيما تحولت أميركا اللاتينية إلى حديقة خلفية وإخوان صغار تستخدمهم واشنطن كما يحلو لها ولذلك أسباب أبرزها:
أن أميركا اللاتينية تعد أكبر مورد نفطي أجنبي للولايات المتحدة في العالم والشريك القوي في تطوير الوقود البديل، وأهم الشركاء التجاريين نمواً، وأكبر مصدر للمهاجرين، ولذا فالعلاقة معها تعد جزءاً أساسياً للإستراتيجية الأميركية، وهي القاعدة المتحكمة في علاقة الطرفين على مدى الـ186 عاماً الماضية.إستراتيجية القوة الذكية لإدارة أوباما تقوم حسب هيلاري كلينتون على المزاوجة بين المبادئ والمنهج العلمي أي أنها لن تكون أيديولوجية جامدة تعتمد على الحقائق والأدلة، ولا هي عواطف وانحياز بله أقرب إلى الواقعية العملية بهدف تسهيل تحقيق الأجندة الأميركية الجديدة القديمة المتمحورة حول:- ضمان أمن الولايات المتحدة وشعبها وحلفائها.- تعزيز النمو الاقتصادي وتقاسيم الازدهار داخل وخارج الولايات المتحدة.- تقوية أميركا في القيادة العالمية من باب الشراكة طبعاً.
وفي هذا السياق فقط يمكننا فهم التغيير الدراماتيكي المفاجئة لإدارة أوباما إزاء الدول اللاتينية مؤخراً وليونة المواقف والتخاطب والتعامل وسيل الوعود خلال قمة الأميركيتين الخامسة المنعقدة في جزيرة بورت أوف سبين عاصمة جمهورية ترينيداد وتوباجو في 17- 19 نيسان/ إبريل الماضي وما تخللها من مصافحة ومصالحة ومشاهد أعادة فتح الملفات القديمة الجديدة للعلاقات بين أميركا وحديقتها الخلفية بعد خمسة قرون من نهب ثروات القارة اللاتينية الحلوبة و186 عاماً من السيطرة والتبعية وستة عقود من الصراع بين القوميين المواليين للحظيرة الأميركية واليساريين المتمردين الطامحين إلى الاستقلالية والحرية وعشر سنوات من تزايد موجة الثورة البوليفارية اليسارية.الصورة بمفرداتها المتنافرة والحالمة بحلول السلام والشراكة المتكافئة تضع إمكانية دخول علاقة الطرفين منعطفاً جديداً على مفترق الطرق,خصوصاً وأننا أمام طوفان جارف من انعدام الثقة والعلاقات المخربة والعداء والكراهية المتنامية لأميركا والليبرالية والامبريالية المستعصية حلحلة عقدها على العطار الأميركي الجديد المقر بدوره خلال القمة الأخيرة بالحاجة إلى عقود لإذابة جليد الجمود المتراكم والاكتفاء بالدعوة لطي صفحة الماضي والتطلع إلى المستقبل.
منظمة الدول الأميركيةظهرت أول منظمة إقليمية تجمع بين الأميركيتين في العام 1899 تحت مسمى الاتحاد الأميركي المستبدلة في العام 1948 بمنظمة الدول الأميركية المحتوية حينها 21 دولة أميركية فيما هي اليوم 34 دولة تمثل دول الأميركيتين باستثناء كوبا المستبعدة من عضويتها منذ العام 1962,ورغم مرور 61 عاماً على هذه المنظمة إلا أن بسط واشنطن نفوذها أفرغها من محتواها وحال دون تحقيق أهدافها المتمثلة في:
احترام شخصية وسيادة واستقلال دولها وقيام نظم سياسية ديمقراطية وتجريم الحروب العدوانية وفض النزاعات سلمياً ومراعاة العدالة الاجتماعية واعتبار أي اعتداء ضد دولة أميركية اعتداء على جميع دول المنظمة.وأمام اختراق واشنطن لتلك المبادئ خصوصاً خلال الحرب الباردة صارت المنظمة أداة تنفيذية بيد واشنطن وشرعنة تدخلاتها المتعددة الأوجه في شؤون أعضاء المنظمة والواصل ذروته في 1973 عندما أقدمت واشنطن على إحباط الانتخابات الرئاسية التشيلية كأول تجربة ديمقراطية لاتينية ما ساعد على تفكيك التضامن الأميركي وشل المنظمة كلياً مفسحاً المجال لبروز منظمات إقليمية أخرى بدت أكثر فعالية وحضور خصوصاً بعد انتهاء الحرب البادرة وتنامي الثورة البوليفارية.
ما بعد الحرب الباردة حملت إدارة بيل كلينتون بارقة أمل لإعادة إحياء المنطقة كانت نتيجتها انعقاد أول قمة في 1994 ومن حينها عقدت خمس قمم على مستوى القادة إلا أن ما شهده عهد بوش من إهمال لأميركا اللاتينية بفعل التركيز على حروبه الشرق أوسطية أدى إلى بروز فاعلين دوليين جدد يزاحمون أميركا نفوذها وسيطرتها في فنائها الخلفي وتحديداً الصين في حين اكتفى بوش بإعمال سياسة العصا الغليظة وهو ما أدى إلى الحيلولة دون نجاح قمم المنظمة الأربع والتي كان آخرها في 2005 ليأتي التئام القمة الأخيرة وسط آمال عريضة بإعادة إحياء المنظمة على خلفية وصف أوباما مخرجاتها بالمثمرة رغم تحول كل شيء فيها إلى نوايا حسنة ليبقى الرهان اللاتيني متوقفاً على ترجمة الأجواء الإيجابية والنوايا الحسنة والشعارات الحالمة إلى واقع عملي.
الثورة البوليفاريةسيطرة خلال الحرب البادرة (1947- 1991) على واشنطن هواجس الخوف من انتشار الثورة الشيوعية في جوارها اللاتيني خصوصاً بعد نجاح ثورة فيدل كاسترو في 1959 ومن حينها دأبت واشنطن على محاصرة هذه الثورة ومنع توسعها وإعمال كل الوسائل الكفيلة بوجود قادة موالين لها إلا أن ذلك لم يؤدي إلى فشل محاولات إسقاط نظام كاسترو ومنع الثورة الشيوعية من الانتشار بل العكس تماماً حيث شهدت أميركا اللاتينية تنامياً ملحوظاً في عدد المعتنقين لليسارية وسط تزايد تدخل أميركا وقيامها بإسقاط الكثير من التجارب الديمقراطية الشعبوية اللاتينية.ظهور تشافيز على المسرح اللاتيني أدى إلى بروز ما يسمى بالثورة البوليفارية المبلورة حينها في الرابطة البوليفارية والتي ضمت إلى جانب كوبا وفنزويلا كلاًُ من بوليفيا ونيكاراجوا والهندوراس والدومينيكان وسانت فنسنت والإكوادور وتشيلي وغيرها من الدول التي كانت قبل هذه الثورة مجبرة على تأمين مصالح أميركا والسير في ركابها على حساب دولهم وشعوبهم.
ومن حينها تصاعدت موجة الانتقاد لسياسة واشنطن المصحوب بالنجاح في إيجاد منظمات إقليمية أثبتت فاعليتها وبدأت تنافس دور منظمة الدول الأميركية وأسهمت بفاعلية في تنامي رقعة اليسار وتراجع اليمين الموالي والتحرر من التبعية الاقتصادية وتأميم ثروات بلدانها واستخدام عوائدها في تمويل المشاريع المشتركة وزيادة التبادل التجاري فيما بينها ونسج علاقات اقتصادية بديلة عن واشنطن خصوصاً مع الصين بما مكنها في نهاية المطاف من إحراز نمو بواقع 5 بالمائة وتحديداً في السنوات الخمس الأخيرة وانتشال 40 مليون لاتيني من الفقر المدقع ما جعلها في منأى عن الأزمة المالية العالمية وأكثر تحملاً لتبعاتها إذ اقتصرت تداعياتها على التهديد بتراجع نسبة النمو بواقع واحد بالمائة ما يعني إعادة 15 مليون لاتيني إلى الفقر فقط وهو ما حمل قادتها خلال القمة الأخيرة إلى الإفصاح عن رغبتهم في رؤية واشنطن تتجرع من ذات الكأس.
إذن فالتحرر بعد عقود من التبعية الاقتصادية والطموح إلى التنمية المستقلة وتنويع قاعدة التعامل التجاري مع فاعلين دوليين منافسين لواشنطن كل ذلك يعد بنظر واشنطن خطر مهدد لأمنها الاقتصادي وقيادتها الكونية.الانبعاثة اللاتينية المتصاعدة أتت بالتزامن مع تراجع نفوذ واشنطن في القارة اللاتينية الساعية حثيثاً لاستقلال حقيق يؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات الندية مع واشنطن ويضع حداً لـ186 من الهيمنة والسيطرة ويُوجد متنفساً للهروب من التخريب والتدخل وحرية أكبر للتبادل التجاري وتنوع الاقتصاديات الوطنية والتطلعات الشعبية والمؤمل سيرورته في المستقبل المنظور بديلاً معادلاً لاتفاقيات مناطق التجارة الحرة الموقعة مع واشنطن تحت الضغط لضمان حقوق المستثمرين الشماليين..أمام تصاعد المطالب بالتخلص من التبعية وردم الهوة الاقتصادية والاجتماعية بين الغالبية اللاتينية الفقيرة والنخبة الثرية والطبقات الحاكمة تقليدياً وتحقيق العدالة وبالتالي مطالبة أوباما بالكف عن دعم بلاده النخب القديمة وتحريك المافيات الاقتصادية والنقابية الموالية إذا كان فعلاً يريد بناء علاقات متوازنة مع الدول اللاتينية وفتح صفحة جديدة معها، خصوصاً وأن هذه الدول أضحت تمتلك خيارات باتت واشنطن مدركة أنها لم تعد تهدد سيطرتها على فنائها الخلفي فحسب بل وسيطرتها على العالم لا سيما بعد تصاعد نفوذ التنين الصيني الخطر القادم البديل.
رؤية مستقبليةصحيح أن القمة الأخيرة قد شهدت بعد المؤشرات الإيجابية من قبيل تخفيف أوباما قيود سفر الكوبيين الأميركيين وتحويل أموالهم إلى كوبا وتوجيه الشراكة الأميركية لاستكشاف أسواق الاتصالات وخدمات الإذاعة والتلفزة عبر الأقمار الصناعية في الدول الكاريبية وإبداء الاستعداد لمحاورة كوبا حول كل شيء شريطة اتخاذ خطوات ملموسة على صعيد الإصلاح الديمقراطي والتحول نحو اللبرلة وهو ما قابلته كوبا بالمثل شريطة أن يكون الحوار على قدم المساواة ولا يمس السيادة الكوبية وفي ذات النسق ظهور بوادر إيجابية أيضاً مع فنزويلا.
لكن هذا لا يعني أن واشنطن واللاتينيين قد أصبحوا سمن على عسل بدلالة عدم تجاوز مخرجات القمة بيع الوعود حول الشراكة والتي من شأنها في حال قبول الدول اللاتينية بها المصادقة العملية على قيادة واشنطن مجدداً للمنطقة بما يحقق في نهاية المطاف هدف واشنطن لمساعداتها على إعادة إنعاش اقتصادها في ضوء التحديات القارية المتناسلة كما أن هذه الرغبة في التعاون ترمي في الأخير إلى جعلها سلماً لتحقيق واشنطن ما عجزت عنه بالقوة خلال الحرب الباردة فيما يتعلق بتغيير الأنظمة المناهضة لها من الداخل وفي مقدمتها كوبا ولذا كان تشافيز جاداً عندما هدد بالانسحاب من الأنظمة الأميركية إذا لم يتم العدول عن تلك السياسة, إذن فأي تحسن في علاقات واشنطن مع الدول اللاتينية متوقف في الأساس على التحسن في العلاقات الكوبية الأميركية.
يأتي هذا في وقت تطالعنا فيه استقراءات الرأي الأميركية بتأييد 70 بالمائة من الأميركيين لتحسن علاقة بلادهم مع كوبا ولعل ذلك ما حال دون توصل القمة إلى توافق كافة دولها على بيانها الختامي لاسيما وأن الملف الكوبي ظل الفتيل المعيق دون أي تقدم أميركي- أميركي لاتيني خلال العقود الخمسة الأخيرة وهو ما دعا تشافيز إلى التأكيد على أن الروح التي أظهرها أوباما يجب أن تنتقل إلى السفارات والمؤسسات من أجل إحتضانها بشكل حقيق، فهل يفعلها أوباما إذا كان جاداً في تشكيل إتحاد أنداد مع اللاتينيين كجزء من التغيير الواعد به؟ أم أن ما يجري لا يعدو كونه هدنة مؤقتة ريثما تتمكن واشنطن من تجاوز الأزمة المالية العالمية وحينها سيكون في المسألة نظر؟.
هذا المقال من قبل صوت العروبة
رابط هذا المفال:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق