Translate

الأحد، 7 يونيو 2009

الاحتباس الحراري وشبح الطوفان القادم

بقلم// زيد يحيى المحبشي/ صوت العروب، واشنطن 28 أبريل 2009
منذ مطلع سبعينيات القرن العشرين تحول الأوزون من مجرد غاز يوجد في الغلاف الجوي بكميات قليلة إلى مشكلة مؤرقة إثر اكتشاف العلماء أن المعدل الطبيعي لتركيزه في الغلاف الجوي قد أصبح معرضاً للخطر وتحديداً عام 1985 عندما عُثر على ثقب فوق القارة القطبية الجنوبية قطره نحو 9 كم نتيجة انخفاض كثافة الأوزون عن معدله الطبيعي بنحو 50 في المائة.
وفي مطلع التسعينيات برزت على السطح مشكلة أخرى أكثر خطورة هي الاحتباس الحراري، تاركةً بصماتها في سلسلة من الكوارث الكونية المتسارعة, والفيضانات المدمرة كنتيجة طبيعية لتأثيراتها المختلفة في حدوث الانفلاتات والانقلابات المناخية العنيفة وغير المسبوقة المهددة حاضر البشرية ومستقبلها.إذن نحن أمام ظاهرة رغم ما يلفها من غموض وجدل علمي وسياسي، إلا أن الجميع بات مقتنعاً بأنها تفوق في خطورتها وحجمها أي مشكلة أخرى تهدد العالم، بل وتفوق مشكلة الإرهاب الدولي حسب السير ديفيد كينج كبير مستشاري الحكومة البريطانية العلميين.
ومن المتوقع صيرورة الاحتباس ابتداءً من العام المقبل أكثر جلاءً من خلال تسجيلها درجات حرارة قياسية بعد أن خضعت في العامين الأخيرة لظواهر طبيعية موازية خفّفت من حدتها ما جعل منها قضية القرن بامتياز، مدشنةً بذلك مرحلة انتقالية جديدة من صراع الإنسان المعاصر مع بيئته.
والمثير رغم تحذيرات العلماء من عواقبها الوخيمة، وتصدرها اهتمام المحافل الدولية، انسحاب العديد من الدول وفي مقدمتها أميركا من اتفاقية كيوتو الخاصة بحماية البيئة العالمية والمطالبة بخفض الانبعاث المتسبب في الاحتباس الحراري بحلول العام 2012 بنحو 7 بالمائة عن مستوياته لعام1990، فهل يعني هذا أن زمن وفاق قوى الطبيعة مع الجنس البشري قد انقضى بلا رجعة، وأن الإنسان أصبح عدو محيطه بل وعدو نفسه الأول.
إن ما نعايشه من قيظ قاس وبرد قارص وفيضانات غامرة وجفاف حارق وأعاصير جامحة وحرائق غابات مهلكة وغيرها من الظواهر العنيفة والفجائية والخارجة عن سياقاتها التاريخية تشير إلى أن التفسير الوحيد لكل هذه الفوضى والعذابات هي بفعل احتباس الحرارة داخل غلاف الأرض الجوي و سخونة سطحها بصورة غير اعتيادية كنتيجة طبيعية لممارساتنا الخاطئة والجائرة الدافعة ببعض النظم البيئية إلى إعلان الحرب علينا بعد طول مهادنة في القرون السابقة لعصر الثورة الصناعية
الاحتباس الحراري، دفيئة الأرض، الاحترار العالمي، التغير المناخي،  الصوبة - البيوت - الزجاجية الحرارية، مسميات لقضية واحدة هي ارتفاع درجة حرارة الأرض عن معدلها الطبيعي – اختلال التوازن البيئي- نتيجة انبعاث الملوثات في الجو سواء كانت ملوثات طبيعية كالبراكين وحرائق الغابات والملوثات العضوية أو غير طبيعية بسبب نشاط الإنسان واحتراق الوقود الأحفوري كالنفط والغاز الطبيعي والفحم المؤدي بدوره إلى الارتفاع التدريجي لدرجة حرارة الطبقة السفلى من الغلاف الجوي بصورة ملحوظة ومتنامية،
 وبمعنى أقرب للفهم: ارتفاع درجة الحرارة في بيئة ما نتيجة تغير في سيلان الطاقة الحرارية من البيئة وإليها حيث تقوم الغازات الدفيئة بالقسط الأكبر من مهمة حبس الأشعة المنبعثة من سطح الأرض وعدم السماح بتسريبها إلى الفضاء الخارجي ما يؤدي إلى حدوث الكثير من التغيرات المناخية الكارثية.
ومعلوم أن الغلاف الجوي أحد أهم ما يميز كوكبنا عن كواكب المجموعة الشمسية الأخرى، ولذا فوجوده وثبات مكوناته يعني استمرار الحياة المتعارف عليها، والعكس في حال شهدت هذه المكونات بعض الإضافات أي اختلال المعادلة البيئية المعتادة كالحرارة والرطوبة والضغط الجوي وأنماط الرياح والمتساقطات المطرية بما لها من تأثيرات هائلة على الأنظمة الحيوية الطبيعية برمتها.
الغلاف الجوي:
غلالة شفافة تحيط بالأرض وتحفظها وتؤمن استمرار الحياة فيها، ويتكون من عدة غازات منها: النيتروجين (الآوزت) بواقع 78 في المائة من الغلاف الجوي حسب الحجم , الأوكسجين 21 بالمائة ,الغازات الخاملة 0.09 بالمائة ,الأرغون 0.93 بالمائة.
غازات الدفيئة: أقل من 1 بالمائة إلا أن زيادة تركيزها ونسبها منذ بدء الثورة الصناعية (1750م) بات يشكل خطراً حقيقياً على المعادلة المناخية الأرضية.
مكوناتها:
 ثاني أكسيد الكربون: يشكل نحو 0.035 من حجم الغلاف الجوي
 ومع ذلك فهو المتهم الرئيسي في سخونة الأرض بسبب تزايد النشاط الإنساني بعد الثورة الصناعية وتزايد كميات الملوثات المنبعثة عنه ما أدى إلى زيادة متوسط تركيز ثاني أكسيد الكربون في الجو من 275 جزء إلى 380 جزء بالمليون بزيادة 25 بالمائة سنوياً بفعل إزالة وقطع الغابات – مغسلة الكربون – والشعب المرجانية.
وإذا ما استمر هذا الارتفاع بصورته الحالية سيرتفع تركيزه مابين 460 – 560 جزء بالمليون بحلول العام 2100م والأخطر من هذا أن معالجته قد تحتاج إلى قرون.
- الميثان : هو الأخر زاد تركيزه الضعف من 70 جزء إلى 1760 جزء بالمليون بفارق سنوي قدره 0.9 جزء بالمليون ومعدل بقائه في الجو 10 سنوات.
- أكسيد النيتروز: زاد تركيزه من 270 جزء إلى 316 جزء بالمليون بفارق 18 بالمائة عن متوسطه قبل الثورة الصناعية ومعدل بقائه في الجو عشرة آلاف عام.
- مركبات كلوروفلورو كربون : وهي لم تكن موجودة قبل الثورة الصناعية وتكمن خطورتها في خلخلة طبقة الأوزون في حين يزداد تركيزها بواقع 4% سنويا وتحتاج معالجتها إلى 50 - 100 عاماً.. وغيرها من الغازات المتسببة في رفع درجة حرارة الأرض واختلال المعادلة المناخية القائمة على تساوي معدل ما تكتسبه الأرض من طاقة شمسية لما تفقد بالإشعاع الأرضي إلى الفضاء والذي يعني ثبات الاتزان ومعدل حرارة سطح الأرض عند مقدار ثابت هو 15 درجة مئوية،
إلا أن ما حدث بعد ظهور الثورة الصناعية هو تسارع وتيرتها بفعل تجاوز نسب الغازات الدفيئة لمستوياتها الطبيعية الثابتة منذ آلاف السنين، نتيجة زيادة الانبعاثات الملوثة للهواء والمتوقع تجاوز الزيادة لنسبتها الإضافية مع حلول العام 2010م معدل 5.2% عما كانت عليه عام 1990، وهي زيادة فاقت ما يحتاجه الغلاف الجوي للحفاظ على درجة حرارة سطح الأرض ثابتة، ما أدى إلى زيادة مماثلة في درجة حرارة الأرض توازي الزيادة المطردة لتلك الغازات، مما تسبب في حدوث الكثير من الكوارث غير المسبوقة، أي تحولها من نعمة صالحة إلى نقمة طالحة.
ومعلوم أن الطبقة الداخلية للغلاف الجوي بفعل هذه الغازات أضحت محاطة بطبقة عازلة أخرى من الغازات الدفيئة تقوم بعمل زجاج الصوبة مسببة بذلك الاحتباس الحراري المؤثر بدوره على الدورة العادية لتحرك التيارات الهوائية حول الأرض والأمواج في البحار والمحيطات واضطراب مساراتها بما ينذر بكارثة طوفان ثانية حتى ولو تمكن الإنسان من إيقاف كافة الانبعاثات الملوثة للجو اليوم فستظل تأثيراتها المتبقية من النشاطات الإنسانية خلال ال150 عاما الماضية قرونا طويلة قبل أن يتمكن الإنسان من السيطرة على تغيير المناخ.
الظواهر المرتبطة بالاحتباس
 بعيدا عن الجدل العلمي المحتدم حول علاقة الاحتباس الحراري بالكوارث البيئية التي نعيشها والتي لا زالت في رحم الغيب وما إذا كانت أسبابها طبيعية أم غير طبيعية تقع على الإنسان مسؤولية كبيرة منها بفعل تزايد الاستهلاك غير الرشيد والمضر بالبيئة وتقلباتها الحاصدة سنويا نحو 150 ألف شخص ناهيك عن الآثار والتداعيات الأخرى العاجزة حتى الآن أرقى الكمبيوترات تطوراً عن التنبؤ بنتائجها البعيدة المدى.
الظواهر المسجلة خلال القرن الماضي
- ارتفاع مستوى المياه في البحار من 0.3-0.7 قدم وارتفاع حرارتها بواقع 0.06 درجة لكل ألف متر سطحية.
- زيادة ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض بين 0.4- 0.8  درجة مئوية والهواء بمعدل  1.2 درجة سلزيوس.
- زيادة مواسم الشتاء دفئا وقصر فترتها واخذ الجليد في القطبين وفوق قمم الجبال في الذوبان بشكل ملحوظ وحدوث أعاصير في أماكن لم تكن متوقعة وظهور ما يسمى بالعنف المطري..الخ.
الظواهر المحتملة على المدى البعيد
تخلص البحوث العلمية والتقارير الدولية من خلال قراءتها لما يجري من تقلبات مخيفة إلى وجود الكثير من الآثار المتوقعة والمرجحة جراء ارتفاع الحرارة البسيط والمتوسط بفعل زيادة الغازات الدفيئة ما لم تتدخل القدرة الإلهية في إعادة التوازن الطبيعي إلى دورته العادية، وهي وإن كانت تنبأت استقرائية إلا أنها باتت مجمعة على أن الطوفان بدأ يطلّ برأسه من جديد لعدت مؤشرات منها اختصارا:
1- زيادة معدلات البخر وكميات السحب وتغير توزيعها ونسب وتوقيت سقوط الأمطار والضغط الجوي ومسارات الرياح السائدة، وكلها تؤدي إلى الجفاف والتصحر في مناطق دون أخرى ونقص الموارد المائية ومياه الشرب في بعض المناطق ونماءها في مناطق أخرى والمتوقع أن يصل عدد المعانيين من نقص مياه الشرب بحلول العام 2050م ما بين 5- 8 مليار إنسان واختلال تركيبة المحاصيل الزراعية وتراجع خصوبة الأرض وتفاقم التعرية وانتشار الآفات المرضية وتغير خريطة الإنتاج الغذائي ما يعني حروب ونزاعات إقليمية ضحيتها الأولى الدول الفقيرة.
2- ذوبان أجزاء كبيرة من الثلوج المتراكمة ما يودى إلى ارتفاع مستوى البحر 9 أمتار، وبالتالي غرق الكثير من الجزر الساحلية والمدن المنخفضة وحدوث الانهيارات الصخرية والجليدية وانقراض نحو 20% من الكائنات البرية وذوبان نحو ثلاثة أرباع الثلوج في حلول العام 2050 وتجاوز الخسائر المالية مع حلول العام 2080 أجمالي الناتج المحلي العالمي الأخطر من هذا تجاوز زيادة حرارة الأرض 10.5 درجة بحلول العام 2100 وهي زيادة لم يشهدها تاريخ الأرض منذ عشرة آلاف سنة.
في ظل هذه المعطيات وما تبعها من إجراءات وقائية للحد من انبعاثات الملوثات لازالت رهينة الدول الكبرى وفي مقدمتها الصناعية خصوصا أميركا باعتبارها الباعث الأكبر لهذه السموم في حين أن الحل الوحيد والأكثر فاعلية متمثلاً في العودة إلى الفطرة الإنسانية الأولى المتجسدة في تقليص اعتمادنا على النفط كمصدر أساسي للطاقة غير المتجددة، والاستعاضة عنها بالطاقة المتجددة كالشمس والهواء والأمواج والكتل الحيوية وهي مصادر فاعلة وموثوقة وتحترم البيئة ولا تتطلب منا أي تنازل، بل من شأن ذلك دفعنا نحو عصر جديد من الازدهار الاقتصادي وفرص العمل والتطور التكنولوجي والحماية البيئية.

هذا المقال من قبل صوت العروبةhttp://www.arabvoice.com/ رابط هذا المفال:http://www.arabvoice.com/modules.php?op=modload&name=News&file=article&sid=14745

ليست هناك تعليقات: