, 08 أبريل, 2009 م
الرابط : جرحنا في العراق
بقلم// زيد يحيى المحبشي
أميركا، اليوم ليست أميركا بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001 مباشرة، عندما بدأت القوة العظمى الوحيدة الثأر والحروب الاستباقية لتغيير الأنظمة
الرابط : جرحنا في العراق بقلم// زيد يحيى المحبشيأميركا، اليوم ليست أميركا بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001 مباشرة، عندما بدأت القوة العظمى الوحيدة الثأر والحروب الاستباقية لتغيير الأنظمة، ونقل المعركة إلى أرض (العدو)، فيما هي اليوم تريد خصخصة الحروب والجيوش التي باتت تكبلها بتركة اقتصادية ثقيلة, على وقع شظايا العراق وأفغانستان, المكبدة الخزينة الأميركية 140 مليار دولار سنوياً, ناهيك عن إفساحها المجال لبروز قوى إقليمية ودولية، لم يعد بالإمكان تجاوزها لحلحلة العقد الشرق أوسطية المستعصية.
أجندة أوباما اليوم, تأتي في سياق محاولة إعادة الإمساك بخيوط المبادرة, أملاً في الخروج من المستنقعات المتشظية التي فجرتها إدارة بوش، وإنقاذاً لسمعة بلاده المنهارة عالمياً, واقتصادها المتداعي, وفق رؤية جديدة لإعادة إنتاج صناعة الحروب, بصورة تضمن تقليص حجم الخسائر المادية والمعنوية, وإعادة ترتيب الأولويات, في وقت يعتقد فيه أن جوهر المشكلة كامِنٌ في الأزمة الأفغانية, بعد أن كانت الأزمة العراقية تحتل المرتبة الأولى في عهد سلفه, ما يعني نقل الملف العراقي إلى ذيل القائمة بعد الأزمة المالية وأفغانستان.
خطة أوباما للانسحاب الأحادي الجانب من العراق, المعلنة في 27 شباط/ فبراير الفائت, أثارت الكثير من التساؤلات, عن كيفية الانسحاب وتداعياته والدور الأميركي المستقبلي في هذا البلد, وسط تصاعد التحذيرات مما ينتظره بعد الانسحاب, والذي لا يقل خطورة عن الكوارث التي جلبها الاحتلال للعراق وشعبه, في وقت لا يزال فيه مُعرضاً أكثر من ذي قبل للتفكك والانهيار الأمني, وعودة شبح الاحتراب الطائفي والمذهبي, في ظل غياب المعالجات السياسية الجوهرية, بما فيها من إشكاليات سياسية ودستورية, وتخندقات حزبية وطائفية, وتداخلات إقليمية ودولية, فضلاً عن نظام سياسي غير مستقر, وإرباك وقطيعة بين أطراف يمتلك كل منها القدرة على قلب الطاولة.موقع عرب أونلاين في تقرير له مؤخراً, نقل عن عدد من مسئولي إدارة أوباما, صدمتهم من حجم الفوضى التي خلفها إسقاط النظام العراقي السابق, والتي كانوا يعتقدون قدرتهم على التحكم فيها, وإحسان توظيفها, إلا أنها ارتدت عكسياً على قواتهم, وحولت العراق إلى ملتقى للتداخل الإيراني والتركي والإسرائيلي, فضلاً عن تمركز القاعدة التي عولمت المواجهة, وأفقدت السياسة الأميركية جدواها لأسباب عديدة منها:
وجود عملية سياسية مشوهة, جمعت في جعبتها فُرقاء لا مشترك بينهم, سوى محاولة ملء الفراغ, فأغلبهم بلا تجربة وتسيطر عليهم الانتماءات الطائفية والتجاذبات الخارجية والعراق آخر ما يمكن التفكير فيه, وحصر الاحتلال مناوراته السياسية على أطراف هذه العملية.. إذن فهي أطراف لا يمكن أن تضمن لأميركا انسحاباً مشرفاً, ولذا فالحل يقتضي قناعة أوباما بأن المهمة فشلت عسكرياً واقتصادياً وثقافياً, وأن الاستمرار مضيعة للوقت, ثم البحث عن الطرف الحقيقي الذي يضمن الانسحاب المشرف, وهذا يتطلب إحداث تغييرات سياسية واقتصادية وثقافية كبيرة في أميركا وأكثر منها في العراق.
إدارة أوباما العاجزة حتى الآن, عن إدعاء النصر أو الاعتراف بالهزيمة, إكتفت بالتأكيد على أن الأهداف يجب أن تُنجز, كونها أهداف مشتركة بين الشعبين العراقي والأميركي, وهي (عراق ذو سيادة, ومستقر, ومعتمد على نفسه), والاعتراف بأن العنف سيتواصل, كجزء من حياة العراقيين اليومية, وأن هناك أيام صعبة تنتظر الجميع، وهو مايثير الشك عن مدى الجِدية لترك هذا البلد الملتهب والمحتقن بالأزمات المتناسلة لشعبه, فعلاً, لا قولاً, وإنهاء الحرب عليه بطريقة مسئولة؟.
المضامين الانسحاب الجزئي بنهاية حزيران/ يونيو 2009 من المدن, وإعادة التموضع في ضواحيها, لملاحقة المسلحين خارجها, وبقاء قوات أميركية قليلة داخلها, لتقديم المساعدة والدعم للعمليات التي يقوم بها العراقيون..الانسحاب الكلي في 31 آب/ أغسطس 2010 كأقصى موعد لإعلان إنتهاء العمليات القتالية للقوات الأميركية.. الإبقاء على نحو 35 - 50 ألف جندي أميركي بعد عام 2010, للقيام بمهمات تستهدف الإرهاب والتمرد, وحماية مشاريع الإعمار المدنية والاستثمارات الدولية, وتدريب وتأهيل القوات العراقية الجديدة وتزويدها بالمعدات الحديثة حيث تم رصد نحو20 مليار دولار لهذا الغرض .. تغيير مسمى القوات الأميركية من محاربة إلى مساندة وداعمة.
الخطة في طابعها العام, حوت الكثير من ملامح عدم الانسحاب, فهي رغم عدم إشارتها إلى جدول زمني محدد للانسحاب, أو مذكرة التفاهم الأمني التي وقعها بوش قبل رحيله, أو الالتزامات الأميركية تجاه العراق, إلا أنها تذهب إلى أبعد من ذلك, عندما أكد أوباما أن قواته لن تعمل في العراق كشرطة, أي أن القوات المقرر بقاؤها بعد الانسحاب الكلي, ستظل القوة الفعلية, بدلالة عدم تضمين الخطة سحب الوحدات الجوية وسلاح الجو, بمعنى مزاولتها المهمة ذاتها عند بداية الاحتلال, طالما وأنها تحتكر لنفسها كافة أنواع الأسلحة, وتُحرم منها ما تسميه قوات الأمن والجيش العراقي الجديد المكلف بمهام هي أصلاً من مهام الشرطة.
وبذلك يكون أوباما, قد إختار السير على خط سلفه, مضيفاً بطريقة أو بأخرى الشرعية الأحادية على قرار غزو العراق, وبإختصار حسب وول ستريت "أوباما يثبت صحة موقف بوش".
أميركياً, هناك من يعتقد بأن الخطة تمتلك فرصة جيدة للعمل, كون الهدف منها: وضع جميع أطراف الصراع في العراق أمام استحقاقات جديدة, والإكتفاء بتقديم النصح والمساعدة.. فيما يرى أخرون أنها لم تنهي شيء, بل يمثل توقيت إعلانها بوابة خلفية لإعادة تنظيم الأولويات العملياتية للبنتاجون, حيث تتطلب المرحلة أولوية الحرب على أفغانستان, دون توقف مشروع احتلال العراق, ودون تغير الهدف عما كان عليه في عهد بوش, وهو تغيير الأنظمة السياسية في أفغانستان والعراق إلى أنظمة موالية, لحراسة منطقتين إستراتيجيتين, تضم أهم احتياطات النفط العالمي.. ولذا يرى البنتاجون أن الانسحاب من العراق, سيتركه مكشوفاً خصوصاً وأنه حالياً, يمثل منصة الاحتلال للتحكم في الخليج, المختزن 62 بالمائة من احتياط النفط العالمي, بعد سحب القواعد الأميركية من السعودية, وعليه فمحركات الخطة إعادة الانتشار بين أفغانستان والعراق, في إطار توجه أوباما لزيادة قواته في الأول بنحو 30 ألف جندي خلال العامين المقبلة, لتعزيز قدرة الـ31 ألف جندي أميركي الموجودة هناك, بينما تستمر الحرب الطويلة إلى مالا نهاية.. لكن توماس ركس يرى " أنها لن تكون بأفضل مما كانت عليه في عهد بوش, لأن الحرب ستغير من أوباما أكثر مما سيغير أوباما في العراق".
السيناريوهات ربط الانسحاب بضرورة الانسجام مع استراتيجية الوجود الأميركي, وربط جدولته وتسريعه أو بُطئه بموقف قادة الإحتلال الميدانيين, حقيقة غير قابلة للنقاش, وهو أمر في غاية الخطورة، فاستراتيجية الوجود تمثل اعترافاً عملياً بالمذكرة الأمنية, التي كان أوباما يرفضها, ولم تتم إجازتها في الكونجرس,أي أن العمليات ستستمر بعد الانسحاب إلى أمد بعيد, وأن أوباما ماضٍ قُدماً في تنفيذ مشروع القواعد العسكرية الدائمة الـ50 ,وهناك اتصالات جارية لاستكمال قاعدة اربيل, وهي واحدة من أربع قواعد رئيسية كبرى: قاعدة بلد في الوسط, وقاعدة السعد في الغرب, وقاعدة الجنوب لم تحدد بعد, فيما ستكون بقية القواعد فرعية مساندة.
المناورة مع القادة الميدانيين, رغم العلم المسبق أنهم بالإجماع من معارضي الانسحاب,في حين تشير المعلومات إلى أن استراتيجية صقور إدارة أوباما تقوم في الأساس على:- الاحتفاظ بالمسرحين العراقي والأفغاني: بحيث يتم تهدئة الأول وإشعال الثاني وصولاً إلى إعادة إشعال الأول بعد إعادة تهدئة الثاني.- الاحتفاظ بخطين متوازيين للجهد العسكري الأميركي: يبدأ الأول من الخليج العربي مروراً بالعراق وتركيا ومناطق القوقاز والبلقان, على امتداد طولي محاذي لغرب إيران.. والثاني يبدأ من الهند مروراً بباكستان وأفغانستان وصولاً إلى آسيا الوسطى, على امتداد محاذي لشرق إيران.- المناورة السياسية: على الخطوط الداخلية, ففي الحالة العراقية الالتزام بالمذكرة الأمنية والمشاورة مع القادة الميدانيين, والحرب على الإرهاب, وبوصلة العنف, والتجاذبات السياسية.. وعلى الخطوط الخارجية من قبيل إرسال القوات الأميركية إلى أفغانستان والإبقاء على مسار بوش فيما يتعلق بمطالبة إيران وسورية بلعب دور فعَّال في العراق وتحميلهما مسؤولية عدم الاستقرار.
واقعياً, نحن أمام عدة مؤشرات لقياس المخاطر المترتبة على أي خطوة جدية للانسحاب من العراق, كلها تصب في خانة التأكيد على أنها مجرد شعار داخلي للترويج، وأن إدارة أوباما ليست في وارد ترك العراق لشعبه,منها على سبيل المثال:- أن الأنسحاب سيمنح إيران, الإحساس بالقوة, ونشوة النصر, ما يعني زيادة نفوذها, وتقوية الأطراف الموالية لها بالعراق، وتعزيز التيارات المناهضة للمشروع الأميركي بالمنطقة, وزيادة احتمالات تهديد أمن إسرائيل, وتعزيز نظرة الإسلاميين وقدرتهم على الوصول إلى الحكم واستهداف المصالح الأميركية حول العالم.واللافت هنا وجود سيناريو أميركي, جرى العمل به خلال العامين الأخيرة, في إطار صفقة إقليمية كبرى, لإعادة صياغة المنطقة قبل الانسحاب, محركاته إعادة صياغة قاعدة توازن الرعب والقوة في العراق, وأدواته دفع المالكي إلى تجريد الميليشيات من سلاحها, مصحوباً بتزويد الاحتلال الجماعات السنية بالسلاح كمجالس الصحوة, وإجرائه اتصالات غير مباشرة مع رغد صدام حسين, للتأكيد على أن المستهدف هو نظام صدام السابق, وليس حزب البعث, وبموازاة ذلك تحركات أخرى, لإعادة توحيد البعث العراقي مع السوري, بعد حصول الأول على الشرعية, والتي كان لعزة الدوري دور محوري فيها, كما في تأسيس الصحوة, في وقت يعتقد فيه الاحتلال أن الحسم العسكري لم يعد ممكناً بدون الحوار, فيما تعتقد قوى الاعتدال بالمنطقة, أن إحياء الفكرة القومية العربية, أصبحت الملاذ الأخير ضد الهيمنة الإيرانية المتصاعدة بالعراق, وفي هذا السياق يمكن فهم الضغط على المالكي لاستيعاب الصحوة, وفتح قنوات تواصل مع أعضاء البعث والنظام السابق, إلا أن شعوره بوجود مؤامرة تهدد إستمراره في الحكم, دفعه نحو التراجع, واندلاع المواجهات مع الصحوة, في حين لا تزال المصالحة الوطنية التي لم يُبد الاحتلال أصلاً أي اهتمام بها منذ اليوم الأول للغزو تراوح مكانها, ما يعني وجود مخطط لتحويل العراق إلى نموذج تقليدي فاشل في نظر أبناء المنطقة, وجعله وقوداً للمنازلة الكبرى مع إيران, خصوصاً وأن الاحتلال لم يأتي للعراق لينسحب منه, وإنما لجعله قاعدة انطلاق لتقسيم المنطقة وتقوية نفوذ إسرائيل بين ظهرانيها.
- وضع الحكومة العراقية أمام استحقاقات جديدة, فيما يتعلق بحفظ الأمن, الذي لا يزال هشاً باتفاق الجميع, رغم تسلمها الملفات الأمنية الشكلية لـ 13 مدينة, و5 أخرى يتم تسلُّمها خلال العام الجاري, إلى جانب القصر الجمهوري والمنطقة الخضراء و15 موقعاً عسكرياً, وسط تشكيك بعض المراقبين في قدرتها على تحمل المسؤولية, ناهيك عن تطلب جيشها الجديد الذي لا تتعد قدرته القتالية 10 بالمائة, سنوات من الجهد المتواصل حسب كوردسمان, كي يكون جاهزاً لمواجهة تطورات المستقبل,كونه في شكله الحالي انعكاس حرفي لمنطق الانقسامات الاثنية والتنافسات الحزبية والميليشياتية.وهنا يأتي دور السيناريوهات البديلة لمرحلة مابعد خفض الاحتلال قواته وركائزها "القواعد, السفارة, المرتزقة":- الدور المحوري سيكون للسفارة الأميركية ببغداد – تم إفتتاحها رسمياً في نهاية العام الماضي - في رعاية وقيادة مشروع الاحتلال, وبالمناسبة فهي تمثل صورة فاضحة لمنجزات الاحتلال إذ تتجاوز مساحتها 5 آلاف متر مربع وتضم 21 بناية محصنة ومزودة بكافة مستلزمات الحياة, ويعمل فيها آلاف الموظفين والمخبرين, أي دولة مصغرة داخل الدولة بكل ما تعنيه الكلمة.
- إعادة إحياء دور المرتزقة لسد فراغ مابعد الانسحاب - عددهم بالعراق في عهد بوش 200 ألف عنصر كانت مسؤولة عن حماية موظفي الاحتلال واستخباراته والامدادات العسكرية والغذائية والسفارة- في إطار التوجه نحو خصصة الحروب والجيوش, وتطوير صناعة الحرب لتصبح أكثر ربحاً, خصوصاً وأن المرتزقة وفق مذكرة التفاهم, يتمتعون بالحصانة القضائية ضد قوانين العراق, ولا يتم إخضاعهم للإدعاء والمحاكمة في بلدانها حسب القرار الأميركي 17عام, ولا يُعلن عن قتلاها, ما يخفف من حجم الخسائر الأميركية, ويقلل من فاعلية المقاومة العراقية إعلامياً.. ولذا كان أوباما شديد الحرص على مصاحبة الإعلان عن خطته بتوقيع عقدين مع شركة "بلاك ووتر" بقيمة 92 مليون دولار والاكتفاء بتغيير إسمها إلى "إكس أي", دون أن يلقي بالاً لما إرتكبته من جرائم بالعراق في عهد بوش, ما دامت وأمثالها ستحقق النهاية السعيدة لبلاده بعد ست سنوات عجاف من سقوط بغداد في 9 نيسان/ إبريل 2003.. إذن فالعراق على موعد مع نوع جديد من الجيوش, ونوع جديد من الإستعمار.
الرابط : جرحنا في العراق بقلم// زيد يحيى المحبشيأميركا، اليوم ليست أميركا بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001 مباشرة، عندما بدأت القوة العظمى الوحيدة الثأر والحروب الاستباقية لتغيير الأنظمة، ونقل المعركة إلى أرض (العدو)، فيما هي اليوم تريد خصخصة الحروب والجيوش التي باتت تكبلها بتركة اقتصادية ثقيلة, على وقع شظايا العراق وأفغانستان, المكبدة الخزينة الأميركية 140 مليار دولار سنوياً, ناهيك عن إفساحها المجال لبروز قوى إقليمية ودولية، لم يعد بالإمكان تجاوزها لحلحلة العقد الشرق أوسطية المستعصية.
أجندة أوباما اليوم, تأتي في سياق محاولة إعادة الإمساك بخيوط المبادرة, أملاً في الخروج من المستنقعات المتشظية التي فجرتها إدارة بوش، وإنقاذاً لسمعة بلاده المنهارة عالمياً, واقتصادها المتداعي, وفق رؤية جديدة لإعادة إنتاج صناعة الحروب, بصورة تضمن تقليص حجم الخسائر المادية والمعنوية, وإعادة ترتيب الأولويات, في وقت يعتقد فيه أن جوهر المشكلة كامِنٌ في الأزمة الأفغانية, بعد أن كانت الأزمة العراقية تحتل المرتبة الأولى في عهد سلفه, ما يعني نقل الملف العراقي إلى ذيل القائمة بعد الأزمة المالية وأفغانستان.
خطة أوباما للانسحاب الأحادي الجانب من العراق, المعلنة في 27 شباط/ فبراير الفائت, أثارت الكثير من التساؤلات, عن كيفية الانسحاب وتداعياته والدور الأميركي المستقبلي في هذا البلد, وسط تصاعد التحذيرات مما ينتظره بعد الانسحاب, والذي لا يقل خطورة عن الكوارث التي جلبها الاحتلال للعراق وشعبه, في وقت لا يزال فيه مُعرضاً أكثر من ذي قبل للتفكك والانهيار الأمني, وعودة شبح الاحتراب الطائفي والمذهبي, في ظل غياب المعالجات السياسية الجوهرية, بما فيها من إشكاليات سياسية ودستورية, وتخندقات حزبية وطائفية, وتداخلات إقليمية ودولية, فضلاً عن نظام سياسي غير مستقر, وإرباك وقطيعة بين أطراف يمتلك كل منها القدرة على قلب الطاولة.موقع عرب أونلاين في تقرير له مؤخراً, نقل عن عدد من مسئولي إدارة أوباما, صدمتهم من حجم الفوضى التي خلفها إسقاط النظام العراقي السابق, والتي كانوا يعتقدون قدرتهم على التحكم فيها, وإحسان توظيفها, إلا أنها ارتدت عكسياً على قواتهم, وحولت العراق إلى ملتقى للتداخل الإيراني والتركي والإسرائيلي, فضلاً عن تمركز القاعدة التي عولمت المواجهة, وأفقدت السياسة الأميركية جدواها لأسباب عديدة منها:
وجود عملية سياسية مشوهة, جمعت في جعبتها فُرقاء لا مشترك بينهم, سوى محاولة ملء الفراغ, فأغلبهم بلا تجربة وتسيطر عليهم الانتماءات الطائفية والتجاذبات الخارجية والعراق آخر ما يمكن التفكير فيه, وحصر الاحتلال مناوراته السياسية على أطراف هذه العملية.. إذن فهي أطراف لا يمكن أن تضمن لأميركا انسحاباً مشرفاً, ولذا فالحل يقتضي قناعة أوباما بأن المهمة فشلت عسكرياً واقتصادياً وثقافياً, وأن الاستمرار مضيعة للوقت, ثم البحث عن الطرف الحقيقي الذي يضمن الانسحاب المشرف, وهذا يتطلب إحداث تغييرات سياسية واقتصادية وثقافية كبيرة في أميركا وأكثر منها في العراق.
إدارة أوباما العاجزة حتى الآن, عن إدعاء النصر أو الاعتراف بالهزيمة, إكتفت بالتأكيد على أن الأهداف يجب أن تُنجز, كونها أهداف مشتركة بين الشعبين العراقي والأميركي, وهي (عراق ذو سيادة, ومستقر, ومعتمد على نفسه), والاعتراف بأن العنف سيتواصل, كجزء من حياة العراقيين اليومية, وأن هناك أيام صعبة تنتظر الجميع، وهو مايثير الشك عن مدى الجِدية لترك هذا البلد الملتهب والمحتقن بالأزمات المتناسلة لشعبه, فعلاً, لا قولاً, وإنهاء الحرب عليه بطريقة مسئولة؟.
المضامين الانسحاب الجزئي بنهاية حزيران/ يونيو 2009 من المدن, وإعادة التموضع في ضواحيها, لملاحقة المسلحين خارجها, وبقاء قوات أميركية قليلة داخلها, لتقديم المساعدة والدعم للعمليات التي يقوم بها العراقيون..الانسحاب الكلي في 31 آب/ أغسطس 2010 كأقصى موعد لإعلان إنتهاء العمليات القتالية للقوات الأميركية.. الإبقاء على نحو 35 - 50 ألف جندي أميركي بعد عام 2010, للقيام بمهمات تستهدف الإرهاب والتمرد, وحماية مشاريع الإعمار المدنية والاستثمارات الدولية, وتدريب وتأهيل القوات العراقية الجديدة وتزويدها بالمعدات الحديثة حيث تم رصد نحو20 مليار دولار لهذا الغرض .. تغيير مسمى القوات الأميركية من محاربة إلى مساندة وداعمة.
الخطة في طابعها العام, حوت الكثير من ملامح عدم الانسحاب, فهي رغم عدم إشارتها إلى جدول زمني محدد للانسحاب, أو مذكرة التفاهم الأمني التي وقعها بوش قبل رحيله, أو الالتزامات الأميركية تجاه العراق, إلا أنها تذهب إلى أبعد من ذلك, عندما أكد أوباما أن قواته لن تعمل في العراق كشرطة, أي أن القوات المقرر بقاؤها بعد الانسحاب الكلي, ستظل القوة الفعلية, بدلالة عدم تضمين الخطة سحب الوحدات الجوية وسلاح الجو, بمعنى مزاولتها المهمة ذاتها عند بداية الاحتلال, طالما وأنها تحتكر لنفسها كافة أنواع الأسلحة, وتُحرم منها ما تسميه قوات الأمن والجيش العراقي الجديد المكلف بمهام هي أصلاً من مهام الشرطة.
وبذلك يكون أوباما, قد إختار السير على خط سلفه, مضيفاً بطريقة أو بأخرى الشرعية الأحادية على قرار غزو العراق, وبإختصار حسب وول ستريت "أوباما يثبت صحة موقف بوش".
أميركياً, هناك من يعتقد بأن الخطة تمتلك فرصة جيدة للعمل, كون الهدف منها: وضع جميع أطراف الصراع في العراق أمام استحقاقات جديدة, والإكتفاء بتقديم النصح والمساعدة.. فيما يرى أخرون أنها لم تنهي شيء, بل يمثل توقيت إعلانها بوابة خلفية لإعادة تنظيم الأولويات العملياتية للبنتاجون, حيث تتطلب المرحلة أولوية الحرب على أفغانستان, دون توقف مشروع احتلال العراق, ودون تغير الهدف عما كان عليه في عهد بوش, وهو تغيير الأنظمة السياسية في أفغانستان والعراق إلى أنظمة موالية, لحراسة منطقتين إستراتيجيتين, تضم أهم احتياطات النفط العالمي.. ولذا يرى البنتاجون أن الانسحاب من العراق, سيتركه مكشوفاً خصوصاً وأنه حالياً, يمثل منصة الاحتلال للتحكم في الخليج, المختزن 62 بالمائة من احتياط النفط العالمي, بعد سحب القواعد الأميركية من السعودية, وعليه فمحركات الخطة إعادة الانتشار بين أفغانستان والعراق, في إطار توجه أوباما لزيادة قواته في الأول بنحو 30 ألف جندي خلال العامين المقبلة, لتعزيز قدرة الـ31 ألف جندي أميركي الموجودة هناك, بينما تستمر الحرب الطويلة إلى مالا نهاية.. لكن توماس ركس يرى " أنها لن تكون بأفضل مما كانت عليه في عهد بوش, لأن الحرب ستغير من أوباما أكثر مما سيغير أوباما في العراق".
السيناريوهات ربط الانسحاب بضرورة الانسجام مع استراتيجية الوجود الأميركي, وربط جدولته وتسريعه أو بُطئه بموقف قادة الإحتلال الميدانيين, حقيقة غير قابلة للنقاش, وهو أمر في غاية الخطورة، فاستراتيجية الوجود تمثل اعترافاً عملياً بالمذكرة الأمنية, التي كان أوباما يرفضها, ولم تتم إجازتها في الكونجرس,أي أن العمليات ستستمر بعد الانسحاب إلى أمد بعيد, وأن أوباما ماضٍ قُدماً في تنفيذ مشروع القواعد العسكرية الدائمة الـ50 ,وهناك اتصالات جارية لاستكمال قاعدة اربيل, وهي واحدة من أربع قواعد رئيسية كبرى: قاعدة بلد في الوسط, وقاعدة السعد في الغرب, وقاعدة الجنوب لم تحدد بعد, فيما ستكون بقية القواعد فرعية مساندة.
المناورة مع القادة الميدانيين, رغم العلم المسبق أنهم بالإجماع من معارضي الانسحاب,في حين تشير المعلومات إلى أن استراتيجية صقور إدارة أوباما تقوم في الأساس على:- الاحتفاظ بالمسرحين العراقي والأفغاني: بحيث يتم تهدئة الأول وإشعال الثاني وصولاً إلى إعادة إشعال الأول بعد إعادة تهدئة الثاني.- الاحتفاظ بخطين متوازيين للجهد العسكري الأميركي: يبدأ الأول من الخليج العربي مروراً بالعراق وتركيا ومناطق القوقاز والبلقان, على امتداد طولي محاذي لغرب إيران.. والثاني يبدأ من الهند مروراً بباكستان وأفغانستان وصولاً إلى آسيا الوسطى, على امتداد محاذي لشرق إيران.- المناورة السياسية: على الخطوط الداخلية, ففي الحالة العراقية الالتزام بالمذكرة الأمنية والمشاورة مع القادة الميدانيين, والحرب على الإرهاب, وبوصلة العنف, والتجاذبات السياسية.. وعلى الخطوط الخارجية من قبيل إرسال القوات الأميركية إلى أفغانستان والإبقاء على مسار بوش فيما يتعلق بمطالبة إيران وسورية بلعب دور فعَّال في العراق وتحميلهما مسؤولية عدم الاستقرار.
واقعياً, نحن أمام عدة مؤشرات لقياس المخاطر المترتبة على أي خطوة جدية للانسحاب من العراق, كلها تصب في خانة التأكيد على أنها مجرد شعار داخلي للترويج، وأن إدارة أوباما ليست في وارد ترك العراق لشعبه,منها على سبيل المثال:- أن الأنسحاب سيمنح إيران, الإحساس بالقوة, ونشوة النصر, ما يعني زيادة نفوذها, وتقوية الأطراف الموالية لها بالعراق، وتعزيز التيارات المناهضة للمشروع الأميركي بالمنطقة, وزيادة احتمالات تهديد أمن إسرائيل, وتعزيز نظرة الإسلاميين وقدرتهم على الوصول إلى الحكم واستهداف المصالح الأميركية حول العالم.واللافت هنا وجود سيناريو أميركي, جرى العمل به خلال العامين الأخيرة, في إطار صفقة إقليمية كبرى, لإعادة صياغة المنطقة قبل الانسحاب, محركاته إعادة صياغة قاعدة توازن الرعب والقوة في العراق, وأدواته دفع المالكي إلى تجريد الميليشيات من سلاحها, مصحوباً بتزويد الاحتلال الجماعات السنية بالسلاح كمجالس الصحوة, وإجرائه اتصالات غير مباشرة مع رغد صدام حسين, للتأكيد على أن المستهدف هو نظام صدام السابق, وليس حزب البعث, وبموازاة ذلك تحركات أخرى, لإعادة توحيد البعث العراقي مع السوري, بعد حصول الأول على الشرعية, والتي كان لعزة الدوري دور محوري فيها, كما في تأسيس الصحوة, في وقت يعتقد فيه الاحتلال أن الحسم العسكري لم يعد ممكناً بدون الحوار, فيما تعتقد قوى الاعتدال بالمنطقة, أن إحياء الفكرة القومية العربية, أصبحت الملاذ الأخير ضد الهيمنة الإيرانية المتصاعدة بالعراق, وفي هذا السياق يمكن فهم الضغط على المالكي لاستيعاب الصحوة, وفتح قنوات تواصل مع أعضاء البعث والنظام السابق, إلا أن شعوره بوجود مؤامرة تهدد إستمراره في الحكم, دفعه نحو التراجع, واندلاع المواجهات مع الصحوة, في حين لا تزال المصالحة الوطنية التي لم يُبد الاحتلال أصلاً أي اهتمام بها منذ اليوم الأول للغزو تراوح مكانها, ما يعني وجود مخطط لتحويل العراق إلى نموذج تقليدي فاشل في نظر أبناء المنطقة, وجعله وقوداً للمنازلة الكبرى مع إيران, خصوصاً وأن الاحتلال لم يأتي للعراق لينسحب منه, وإنما لجعله قاعدة انطلاق لتقسيم المنطقة وتقوية نفوذ إسرائيل بين ظهرانيها.
- وضع الحكومة العراقية أمام استحقاقات جديدة, فيما يتعلق بحفظ الأمن, الذي لا يزال هشاً باتفاق الجميع, رغم تسلمها الملفات الأمنية الشكلية لـ 13 مدينة, و5 أخرى يتم تسلُّمها خلال العام الجاري, إلى جانب القصر الجمهوري والمنطقة الخضراء و15 موقعاً عسكرياً, وسط تشكيك بعض المراقبين في قدرتها على تحمل المسؤولية, ناهيك عن تطلب جيشها الجديد الذي لا تتعد قدرته القتالية 10 بالمائة, سنوات من الجهد المتواصل حسب كوردسمان, كي يكون جاهزاً لمواجهة تطورات المستقبل,كونه في شكله الحالي انعكاس حرفي لمنطق الانقسامات الاثنية والتنافسات الحزبية والميليشياتية.وهنا يأتي دور السيناريوهات البديلة لمرحلة مابعد خفض الاحتلال قواته وركائزها "القواعد, السفارة, المرتزقة":- الدور المحوري سيكون للسفارة الأميركية ببغداد – تم إفتتاحها رسمياً في نهاية العام الماضي - في رعاية وقيادة مشروع الاحتلال, وبالمناسبة فهي تمثل صورة فاضحة لمنجزات الاحتلال إذ تتجاوز مساحتها 5 آلاف متر مربع وتضم 21 بناية محصنة ومزودة بكافة مستلزمات الحياة, ويعمل فيها آلاف الموظفين والمخبرين, أي دولة مصغرة داخل الدولة بكل ما تعنيه الكلمة.
- إعادة إحياء دور المرتزقة لسد فراغ مابعد الانسحاب - عددهم بالعراق في عهد بوش 200 ألف عنصر كانت مسؤولة عن حماية موظفي الاحتلال واستخباراته والامدادات العسكرية والغذائية والسفارة- في إطار التوجه نحو خصصة الحروب والجيوش, وتطوير صناعة الحرب لتصبح أكثر ربحاً, خصوصاً وأن المرتزقة وفق مذكرة التفاهم, يتمتعون بالحصانة القضائية ضد قوانين العراق, ولا يتم إخضاعهم للإدعاء والمحاكمة في بلدانها حسب القرار الأميركي 17عام, ولا يُعلن عن قتلاها, ما يخفف من حجم الخسائر الأميركية, ويقلل من فاعلية المقاومة العراقية إعلامياً.. ولذا كان أوباما شديد الحرص على مصاحبة الإعلان عن خطته بتوقيع عقدين مع شركة "بلاك ووتر" بقيمة 92 مليون دولار والاكتفاء بتغيير إسمها إلى "إكس أي", دون أن يلقي بالاً لما إرتكبته من جرائم بالعراق في عهد بوش, ما دامت وأمثالها ستحقق النهاية السعيدة لبلاده بعد ست سنوات عجاف من سقوط بغداد في 9 نيسان/ إبريل 2003.. إذن فالعراق على موعد مع نوع جديد من الجيوش, ونوع جديد من الإستعمار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق