بقلم زيد يحيى المحبشي
كشفت الأحداث العاصفة بالساحة الفلسطينية في السنوات الأخيرة عن وجود رغبة جامحة لدى القوى
الكبرى للتخلص من القضية الفلسطينية لأنها – وفقاً لما أوردته جريدة الكفاح العربي اللبنانية في عددها الصادر بتاريخ 12 نيسان/ ابريل 2010 - باتت تضغط بقوة على الضمير العالمي، ولأن كل المخططات الغربية في المنطقة لن تكتمل من دون إنهاء هذا الملف، ولوجود اعتقاد وصل متأخراً إلى الدوائر الغربية مفاده" أنه من دون حل هذه القضية فستظل دوافع الإرهاب والتطرف موجودة وتضغط بقوة ليس فقط على الأنظمة العربية المعتدلة وإنما ستمتد إلى عمليات إرهابية تضرب في قلب أوربا وأميركا".
التصورات الغربية والأميركية المطروحة حتى الآن تركز بصورة رئيسية على حل الدولتين وتفعيل مبدأ تبادل الأراضي باعتبارهما المخرج الوحيد لحل إشكالية السلام, والسؤال هنا: إذا كانت هذه القوى مجتمعة قد عجزت حتى الآن في الضغط على الاحتلال لتمديد تجميد الاستيطان, فكيف سيكون بمقدورها انجاز وعد الدولة الفلسطينية وتفعيل مبدأ تبادل الأراضي؟، لاسيما وأننا أمام صراع عمره قرن كامل من الزمن وله الكثير من الإشكاليات المعقدة والشائكة, سواء ما كان منها متعلقاً بالتسوية الدائمة كالمستوطنات والقدس وحق العودة والحدود بما لها من تفرعات كل منها يعتبر بمثابة ألغام إضافية قابلة للانفجار عند كل منعطف تفاوضي، أو ما كان منها متعلقاً بنوعية العلاقة المستقبلية بين الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية في حال حدثت معجزة وخرج خيار الدولتين إلى حيز الوجود .
واقعياً, لا يوجد ما يدعو للتفاؤل استناداً إلى مواقف وتصريحات قادة الاحتلال والخلافات والفجوات الكبيرة المعلنة حول جميع الموضوعات المطروحة للتفاوض, وبمعنى أدق: وجود وجهتا نظر من الصعب التوفيق بينهما أو إيجاد قواسم مشترك قابلة للبناء عليها ما يثير التساؤل عن مستقبل العلاقة بينهما على الأقل فيما يتعلق بالملفات التي تفترض وجود تعاون مشترك وترابط مستمر كالكهرباء والمياه والأمن والتداخل السكاني والتبعية الاقتصادية والنقدية والتجارة والمشاريع المشتركة والعمالة والتنمية التحتية والبيئة والأماكن المقدسة والتنمية المستدامة.. الخ .
في هذه القراءة السريعة سنكتفي بالوقوف على أهم ملفات الصراع كنموذج استشرافي لمستقبل السلام المنشود أي: هل نحن أمام تسوية مرحلية طويلة الأمد كما ينادي اليمين الإسرائيلي, أم أمام تسوية شاملة وعادلة ودائمة كما يطمح العرب؟, وبلغة أخرى: هل نحن أمام تسوية قائمة على قاعدة الأرض مقابل السلام, أم أمام تسوية قائمة على قاعدة السلام مقابل إغراءات ومحفزات معنوية وتبادل محدود لأراضي مأهولة بالسكان (تبادل أرض وسكان معاً أو بإنفراد)؟ وطبعاً مع الأخذ بالحسبان بأن إخلاء الاحتلال لقطاع غزة عام 2005 لم يكن سوى واحدة من متطلبات واستحقاقات ضرب واشنطن للعراق عام 2003 بينما الوصول إلى إعلان الموافقة على فكرة الدولة الفلسطينية لا يزال نتنياهو يرى ضرورة أن يكون "بلا خيار" وتحت ضغط أميركي بالتقدم في انجاز الثالوث المقدس المتمثل في الترتيبات والضمانات الأمنية الإسرائيلية والاعتراف الفلسطيني بيهودية الدولة العبرية وأن يشكل اتفاق السلام الذي سيتم التوصل إليه نهاية للنزاع وإذا أمكن أن يكون ذلك عوضاً عن ضرب أميركا لإيران أو على الأقل تهيئة أميركا الظروف الإقليمية والدولية لإسرائيل للقيام بذلك!!.
المستوطنات (الأرض)
تعود بداية تكريس الاستيطان بالقوة إلى العام 1920 ومن حيث التنظير والاهتمام إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وما شهدته من حراك عالمي واسع للحركة الصهيونية تمثل في إقامة المراكز البحثية المعنية بدراسة مشاريع الاستيطان في فلسطين وحشد الموارد الكفيلة بترجمتها على الأرض بدءاً بالعمل الميداني تحت حماية قوات الانتداب ومروراً بحربي 1948 و1967وما صاحبها من عمليات تهجير وتطهير واسعة للفلسطينيين أدت إلى نزوح أكثر من 6 ملايين فلسطيني وتغليب الوجود اليهودي على الوجود العربي في أراضي 1948 وانتهاءً بتوظيف أجواء المفاوضات منذ أوسلو 1993 لفرض المزيد من الحقائق والوقائع الاستيطانية.
ورغم المقاومة الفلسطينية الشعبية المستمرة للاستيطان فإن الاهتمام السياسي القيادي بهذا الملف أتى متأخراً جداً وتحديداً في العام 2008 عندما قرر المفاوض الفلسطيني ربط استمراره في المفاوضات بتجميد الأنشطة الاستيطانية في الضفة الغربية دون القدس الشرقية، أي فيما يتعلق بمستوطنات ما بعد 1967 وإزالة مستوطنات ما بعد أوسلو 1993,فهل يعني هذا أن المفاوض الفلسطيني بات على قناعة بأن المستوطنات لم تعد تمثل حجر عثرة أمام السلام المنشود بل مجرد عائق تكتيكي أمام المفاوضات؟ لاسيما وأن هذا التراجع يأتي في وقتٍ لم يعد فيه الاحتلال مكترثاً بعملية السلام بعد أن ضمن عملياً طوي الانشغال بملف الأمن الخارجي عبر الجدار والتنسيق الأمني في الضفة والحصار على القطاع وبالتالي فهو يمر حالياً بحالة من الاسترخاء خصوصاً وأن أراضيه لم تشهد في الـ32 شهراً الماضية أي عملية فدائية لكنه مع ذلك يظل في حاجة للمفاوضات فقط لأنها تحميه من الضغط والعزلة الخارجية.
- مستقبل المستوطنات: لا يزال الاحتلال مُصراً على الاستمرار في البناء والتوسيع, ومطالبة واشنطن بإيجاد تخريجه أخرى غير ملف تجميد الاستيطان لتحريك مياه المفاوضات بعد أن تمكن عملياً من حصر الخلاف حول عدد محدود من المستوطنات التي تم بنائها بعد اتفاق أوسلو 1993 لأنها تمت بصورة عشوائية وغير قانونية وهي بمجملها لا تتجاوز 250 مستوطنة يقع معظمها خارج الخط الأخضر وتالياً تمحور خلاف واشنطن مع تل أبيب سواء في إدارة بوش أو في إدارة أوباما حول 100 مستوطنة من أصل 121 مستوطنة تم الاعتراض عليها والاكتفاء عملياً بالتوصل إلى تجميد مؤقت للبناء فيها لمدة عشرة أشهر انتهت في 26 أيلول/ سبتمبر 2010 والتسليم بحق الاحتلال في توسيع المستوطنات الكبيرة القائمة لاستيعاب النمو السكاني, ومحاولة إقناع الاحتلال للقبول بتمديد التجميد لفترة جديدة وأخيرة لا تتجاوز في أحسن الأحوال شهرين أو ثلاثة أشهر مقابل رزمة مغرية من الامتيازات السياسية والأمنية والعسكرية من قبيل: موافقة واشنطن على بيع الاحتلال 20 طائرة مقاتلة من طراز "إف-35 " وتزويده بعتاد عسكري حديث وتعهدات أمنية في مواضيع في غاية الحساسية من بينها الملف الإيراني والاهتمام بالاحتياجات الأمنية للاحتلال خلال فترة السلام والتعاون في مجال منع تهريب الأسلحة والمقاتلين إلى الأراضي الفلسطينية ودعم طلبه بشأن السيطرة على الحدود الشرقية مع الأردن وضم بعض الأراضي الفلسطينية لأسباب ديموغرافية وأمنية.
وفي هذا السياق فقط يمكن فهم مسرحية الخلاف المحتدم مؤخراً حول إمكانية تجميد الاستيطان من عدمه خلال عام التفاوض وما أفرزته من توقف مبرمج للمفاوضات بالتوازي مع كشف وسائل الإعلام عن وجود مخطط جديد لحسم مستقبل المستوطنات (وعد بلفور الثالث) وتأكيد وجود تقدم كبير في الاتصال بين إدارتي نتنياهو وأوباما وقرب عرضه على الكونجرس المتجدد عقب انتهاء ضوضاء الانتخابات الأميركية النصفية.
وعد أوباما الجديد يتضمن شقين, الأول: يحمل مسمى "رسالة ضمانات أوبامية بلفورية" تم عرضها على أبو مازن بواسطة ميتشيل في تشرين الأول 2010 حسب ما أوردته صحيفة المنار المقدسية بالتوازي مع توقع صحيفة معاريف الإسرائيلية رفض الجانب الفلسطيني لها, لأنها لا تُجمد الاستيطان كلياً ولا تأتي على ذكر القدس الشرقية كما أنه من غير المؤكد أن يتمكن نتنياهو من تنفيذها بسبب الضغوط الممارسة عليه داخلياً.
الرسالة تتضمن تجميد الاحتلال للاستيطان لثلاثة أشهر وتنفيذ أعمال بناء محدودة النطاق لسد احتياجات النمو الطبيعي في الأشهر التسعة اللاحقة وتعليق أعمال البناء في مستوطنات الضفة على أمل إعادة تحريك عجلة المفاوضات ولكن مع ضرورة مراعاة رزنامة طويلة من الاعتبارات الإسرائيلية من قبيل: النمو السكاني أو الطبيعي للمستوطنات وتفرد حكومتي الاحتلال وأميركا بالحق في تحديد قائمة من المستوطنات الموجودة في إطار الكتل الاستيطانية الضخمة و تحديد نسبة معينة من الوحدات السكنية الخاصة بكل مستوطنة تقام خلال فترة عام التفاوض وعدم تجاوز العدد المقرر من هذه الوحدات, وإنشاء جهاز رقابه أميركي مهمته التأكد من التزام إسرائيل بتطبيق هذا الاتفاق.
وهذا يعني ببساطة عدم السماح للمفاوض الفلسطيني بالمشاركة في وضع آلية التنفيذ ولو بصيغة مراقبة حيث تحديد نسب وأرقام وأسماء المستوطنات سيكون حكراً على حكومتي الاحتلال وواشنطن رغم أن شقاً منها يتحدث عن شكل الدولة الفلسطينية المستقبلية والحدود والمسائل الأخرى المتعلقة بالصراع.
أما الشق الثاني, فيتضمن "رؤية أوبامية جديدة" لإخراج عملية السلام من دائرة المراوحة والجمود سيتم طرحها في مستهل عام 2011 وهي تستند بصورة رئيسية على أفكار شمعون بيريز وأيهود باراك ومن أهم بنودها: السعي لإقامة دولة فلسطينية مؤقتة تمتلك بعض أشكال السيادة وترسيم مؤقت للحدود يسمح من جهة بضم الكتل الاستيطانية التي لا يعارض الطرف الفلسطيني ضمها للاحتلال وتأجيل حسم كتل أخرى وتأجيل بحث ملف القدس والأخذ بعين الاعتبار مصالح ومطالب إسرائيل الأمنية.
إذن هناك رغبة جامحة لدفع المفاوض الفلسطيني - بعد تجاهل إدارة أوباما منذ اليوم الأول لتوليها السلطة لحقيقة إنفراد حركة حماس بقطاع غزة واعتقاد اللوبي اليهودي بعدم وجود ما يدعو لفتح هذا الملف لأن حدود الاحتلال والترتيبات الأمنية مع القطاع لا تحتاج إلا إلى تعديلات بسيطة - للاعتراف بإسرائيل دولة يهودية نقية خالصة والاعتراف بالواقع الديموغرافي الاستيطاني في الضفة والقدس الشرقية وبشرعية جدار الفصل العنصري وإسقاط حق العودة والاعتراف بشرعية عمليات التوطين في الدول العربية والدول الأخرى المتواجد بها الفلسطينيين, وباختصار شديد: السعي لتكامل ضمانات أوباما مع ضمانات بوش الشهيرة لشارون في العام 2004 وإعطاء الاحتلال عرضاً سخياً لم يقدمه بوش نفسه في كل سنوات صداقته لإسرائيل.
لجنة المتابعة العربية من جهتها اكتفت في اجتماعها الذي انعقد بتاريخ 8 تشرين الأول/أكتوبر 2010 بتقديم الدعم السياسي للموقف الفلسطيني ودعوة واشنطن لإبداء خطوات أكثر جديدة في التعامل مع ملف الاستيطان خصوصاً وأن حكومة نتنياهو لازالت مصرة على رفض التمديد لأن ذلك سيؤدي إلى تفكيك ائتلافه الحكومي ويثير غضب المستوطنين الذين هم اليوم على عكس ما جرى أثناء إخلاء مستوطنات قطاع غزة 2005 يصرون على البقاء والمقاومة.
- حقائق ميدانية: الفريق الفلسطيني المفاوض يدرك تمام الإدراك أن الإدارة الأميركية لم ولن تُبدي أي جدية في التعامل مع هذا الملف مراعاة للظروف الإسرائيلية الداخلية وأن الاحتلال ليس في وارد القبول بالتجميد الكامل لأن الاستيطان يمثل عصب الكيان وصمام الأمان لاستمراره ووجوده إلى جانب مشاريع التهويد والجدار العازل المشارف على الانتهاء بدلالة مصاحبته فعاليات المفاوضات غير المباشرة والمباشرة بالكشف عن مخطط طويل الأمد يقضي ببناء أكثر من 60 ألف وحدة استيطانية في القدس الشرقية والضفة بدءاً من تشرين الأول/ أكتوبر 2010 وانتهاءً بالعام 2020 لزيادة تأكيد مدى رفع الجاهزية الإسرائيلية لجعل العام 2020 موعداً نهائياً وفاصلاً لإقامة مراسيم إزاحة الستار الأخير عن الهيكل الثالث المزعوم الحاسم لمصير القدس (العاصمة الأبدية الموحدة) والذي بموجبه سيتم ضم أجزاء واسعة من أراضي الضفة إلى محيط وأكناف القدس التوراتية الكبرى, ما يعني من الناحية العملية وجود توجه ممنهج تسانده الرافعة الأميركية لإفراغ الدولة الفلسطينية من محتواها في وقتٍ لم يتبقى لدى العرب أي شيء يساومون عليه لتقوية وتعزيز موقفهم التفاوضي سوى ورقة تجميد وليس وقف الاستيطان والتهديد بتدويل القضية للحصول على وعد الدولة.
الضفة اليوم باتت تضج بأكثر من 160 مستوطنة و 200 بؤرة استيطانية ملاصقة أو قريبة من الخط الأخضر وأكثر من 69 مستوطنة في القدس الشرقية لا زالت حتى الآن مُستبعدة من طاولة المفاوضات بعد أن حسم الاحتلال وضعها بصورة نهائية عندما قال نتنياهو مؤخراً أن "البناء فيها مثل البناء في تل أبيب لأنها الرأس والقلب لليهود ومركز الحضارة والثقافة لهم ولهذا فهي خارج أي تفاوض وأي حل", كما أن الضفة والكلام لنتنياهو أيضاً في كتابه "مكان تحت الشمس" تمثل "قلب الوطن القومي لليهود والسور الواقي الثاني بعد هضبة الجولان للدولة العبرية" .
المثير هنا, توقف المفاوض الفلسطيني في الآونة الأخيرة عن المطالبة بإزالة المستوطنات التي بنيت بعد العام 1967 في الضفة والقدس والاكتفاء بالمطالبة بإخلاء المستوطنات التي بنيت بعد أوسلو 1993 فقط والتي باتت تحتل إلى جانب الجدار العازل نحو 58 بالمائة من أراضي الضفة أي نحو 3277 كيلو متر مربع من إجمالي مساحة الضفة (5650 كيلو متر مربع) مقابل تمسك الاحتلال – إعلامياً -بالمستوطنات الكبيرة المحاذية للخط الأخضر والبعيدة عنه في أي اتفاق سلام مستقبلي وإبداء إمكانية المساومة على أجزاء محدودة من الأحياء العربية بالقدس الشرقية والمقدسات الإسلامية في المدينة القديمة وإبداء إمكانية إعمال مبدأ التبادل للأراضي, لكن حجم هذه المناطق القابلة للتبادل لم يجري تحديده مطلقاً في إسرائيل بصورة رسمية وإنما تُرك مصيره لمدى استعداد الطرف الفلسطيني لتقديم تنازلات مُجزية من قبيل: الاعتراف بيهودية الكيان والتخلي عن حق العودة والقدس الشرقية وتقديم ضمانات أمنية تزرع الاطمئنان لدى الاحتلال بما فيها تحفظات شارون 2003 وضمانات بوش 2004 مقابل وعود إسرائيلية بتجميد التوسع الأفقي وقصر التوسع على البناء الرأسي لاستيعاب النمو الطبيعي أو ضمان قدر محدود من التوسع تلتزم إسرائيل بعدم تجاوزه .
الصورة بمفرداتها تشي بأن هذا الملف سيظل حجر عثرة كبيرة أمام رهانات التسوية بالنظر إلى الأهمية التي يحتلها في قائمة أجندة الاحتلال وضعف الموقف العربي وعدم جدية الإدارة الأميركية في التعامل معه من منظور الحقوق والاستحقاقات, وبالنظر إلى نجاح الاحتلال في فرض وقائع ميدانية لم يعد بالإمكان تجاوزها أو إيجاد مخارج لها لاسيما وأن السرطان الاستيطان قد تمكن من بسط نفوذه على أكثر من 43 بالمائة من أراضي الضفة حيث يوجد بها أكثر من 300 ألف مستوطن و270 ألف مستوطن في القدس الشرقية, أي نحو 7 بالمائة من يهود الدولة العبرية, ويتضاعف نموهم السنوي بمقدار 3 أضعاف نمو السكان اليهود في إسرائيل ونسبتهم في الضفة نحو 20 بالمائة من عدد السكان الفلسطينيين، وسيطرة الاستيطان على نحو 163 كيلومتر مربع من أراضي القدس الشرقية بصورة أصبح معها الوجود العربي أقلية أمام أغلبية يهودية لأول مرة في التاريخ أضف لذلك الحواجز المقطعة للضفة والتي تتجاوز 640 حاجزاً إسرائيلياً واقتطاع الجدار العازل أكثر من 975 كيلومتر مربع من مساحتها وحجز نحو 346 ألف فلسطيني خلفه, سيحرمون من نعمة التواصل مع ذويهم وعزل نحو 154 ألف مقدسي عن مدينتهم, حيث يُتوقع أن يصل طوله إلى 786 كم2 و123 كم2 أخرى على امتداد حدود فلسطين مع الأردن واستمرار سيطرة الاحتلال على 200 كيلو متر مربع من قطاع غزة كان قد اقتطعها في العام 1950 بطرق ملتوية لصالح المستوطنات من أصل 555 كيلو متر مربع هي إجمالي مساحة قطاع غزة بموجب خطوط هدنة عام 1949 واقتطاع نحو 20 بالمائة (72 كيلو متر مربع) من باقي مساحة غزة (3600 كيلو متر مربع) في السنوات الأخيرة لصالح الجدار العنصري في القطاع,وكلها حقائق لم تعد قابلة للإلغاء أو المساومة بل المطلوب الاعتراف بها وبسيادتها كواقع لم يعد ممكناً تغييره
.
الحدود (الدولة)
مساحة فلسطين التاريخية تحت الانتداب البريطاني(26400 – 27000) ألف كيلو متر مربع يقسمها خط وهمي بحسب هدنة 1949 يعرف بـ(الخط الأخضر) وبموجبه يسيطر الاحتلال على القسم الأول المعروف بفلسطين القديمة (أراضي 48) وهذه مساحتها نحو 20990 كيلو متر مربع ومن ضمنها القدس الغربية والشطر الثاني المعروف بفلسطين الجديدة (أراضي 67 ) ومن ضمنها القدس الشرقية وهذه لا تتجاوز مساحتها 6010 كيلو متر مربع – يسيطر الاحتلال على الجزء الأكبر منها باستثناء قطاع غزة وأجزاء محدودة من الضفة - وبالتالي فالتفاوض في مراحله المختلفة بات مقتصراً عليها أي على الضفة والقطاع والقدس الشرقية.
الخط الأخضر يظل مجرد خط وهمي للفصل بين المناطق في حين أن حدود الاحتلال لم يتم ترسيمها بصورة رسمية منذ العام 1967 لا مع الفلسطينيين ولا مع دول الجوار الأخرى محل النزاع باستثناء مصر والأردن حيث تم ترك مصيرها مفتوحاً للتوسعات والأطماع الإسرائيلية الأمر الذي أوجد العديد من النزاعات سواء ما كان منها متعلقاً بطرفي الصراع أو ما كان منها متعلقاً بالمطالب الإقليمية وهذا يستدعي حسب الرؤية الإسرائيلية, أولاً: ضرورة وجود توافقات وتبادلات إقليمية جماعية تشمل جميع دول الطوق الإسرائيلي شريطة مراعاتها للاحتياجات الديموغرافية والأمنية والجغرافية والمياه والموارد الطبيعية والبيئة والتنمية المستقبلية أي الاستجابة للواقع الجديد على الأرض وتحقيق المصالح الإسرائيلية بالمقام الأول, وثانياً: ضرورة الأخذ بالحسبان عند إعادة رسم الحدود في الحيز الإسرائيلي أن حدود إسرائيل قد تم تحديدها في الأساس من قبل الانتداب البريطاني والفرنسي والأمم المتحدة دون تدخل أو مشاركة سكان المنطقة وبعضها تم رسمه من جانب واحد هو إسرائيل في حين أن معظم المعالجات المطروحة حتى الآن لازالت ترى في حدود 1967 أو 1948 أساساً تنطلق منه التسويات والحلول وهناك فريق داخل إسرائيل يرى إمكانية وقابلية التعديل والتغيير والاتفاق حول حدود الانتداب كما حدث مع الأردن لاسيما وأن القانون الدولي لا يجيز ضماً أُحادياً لمناطق أو أراضي اُحتلت في حرب, لكنه يجيز تبادل أراضي باتفاق لذا فخطوط الانتداب قابلة للتعديل بموافقة الدول المستقلة!!.
والمشكلة هنا ليست في إمكانية تفعيل هذا التصور من عدمه بل في إصرار الاحتلال على ضرورة أخذ الوقائع الميدانية المتراكمة ما بعد وليس ما قبل حرب 1967 بالحسبان أي قصر المعالجات على آثار هذه الحرب في مسعى واضح لفرض شروط الاحتلال على اعتبار أنه المنتصر فيها مع إبداء إمكانية لحصول أحد الطرفين على أراضي أكبر مقابل مناطق أصغر لكنها ذات أهمية قومية للطرف الآخر وهذا يضعنا أمام إشكالية أكبر وأكثر تعقيداً هي: هل يكون التبادل على أساس الأرض مقابل السلام وما هو حجمها وكيفيتها ومفهومها أي هل يكون التبادل للأرض والسكان معاً أم بانفراد؟ لأن الإجابة سيترتب عليها حسم الجل المحتدم حول ماهية الدولة الفلسطينية الموعودة والحدود والسيادة التي ستكون عليها في ظل حقائق الأمر الواقع كالمستوطنات والجدار العازل ومشاريع التهويد والمعازل ناهيك عن الارتباط الوثيق بين إشكالية الحدود بإشكاليات القدس وحق العودة والمياه والانقسام الفلسطيني ووجود حماس بالقوة التي هي عليها حالياً.
وكلها ترجح استمرار قضية الحدود دون حسم وبالتالي بقاؤها حجر عثرة أمام عجلة المفاوضات وحتى لو افترضنا إمكانية نجاح واشنطن بتمرير تسوية مرحلية تقضي بإقرار خيار الدولتين فإن قضية الحدود ستظل تشكل عائقاً كبيراً أمام الاعتراف الدبلوماسي الدولي بهاتين الدولتين كما أن المفاوضات الجارية حتى الآن لازالت تستند إلى النقاشات السابقة حتى العام 2000 والتي بموجبها لن تكون إسرائيل قادرة على الاحتفاظ بأكثر من 35- 45 بالمائة من أراضي الضفة بسبب رفض عرفات لعرض أيهود باراك آنذاك ولن يكون لها مستوطنات على طول وادي الأردن, في الوقت الذي تطمح فيه إلى ضم كامل الأراضي الواقعة بين الجدار والخط الأخضر, بما فيها القدس الشرقية وجعل مسار الجدار العنصري وليس مسار الخط الأخضر حدود إسرائيل الجديدة والحد الأقصى لأي دولة فلسطينية مستقبلية - ناقصة السيادة - وإبداء إمكانية تبادل أراضي اُحتلت في 1948 بأراضي اُحتلت في 1967وإمكانية الانسحاب من بعض نواحي قضاء الخليل بالضفة حددتها خارطة التبادل المقدمة من الاحتلال في 2008 بنحو 103 ألف دونم (الدونم ألف متر مربع) هي في الأساس أراضي جرداء مقابل ضم الاحتلال نحو 438550 دونماً والانسحاب من نحو 64.5 كيلو متر مربع من الأراضي المقتطعة من غزة في العام 1950 شريطة التسليم للاحتلال بكامل الممتلكات الفلسطينية الواقعة بين الجدار العنصري والخط الأخضر.
وهذا لا يلغي حقيقة استمرار المراوحة بين ثلاث أولويات إسرائيلية هي: الترتيبات الأمنية والحفاظ على أكبر عدد ممكن من المستوطنات بالضفة وتقليل عدد الفلسطينيين على الجانب الإسرائيلي للحدود, أي العمل على جعل الدولة الفلسطينية المستقبلية غير فاعلة ومقطعة الأوصال بالنظر إلى إصرار الاحتلال على جعل الأولوية لحسم إشكالية الترتيبات الأمنية ليُصار بعدها إلى مناقشة ملف الحدود وفقاً للمعطيات الأمنية التي سيتم التوافق عليها, وهذا بحد ذاته كافٍ لجعل الحدود التي سيطرحها الاحتلال غير مقبولة فلسطينياً والنتيجة طبعاً الاندفاع نحو دورة جديدة من زيادة موجات العنف على الجانبين.
- فلسطينياً: يدعو الطرف المفاوض لجعل الأولوية المرحلية لحسم إشكالية الحدود قبل الإشكاليات الأمنية أي للتوافق على تسوية تنجز دولة فلسطينية بحدود دائمة تكون من حيث المبدأ على أساس حدود 4 حزيران/ يونيو 1967 لأن ذلك سيحل معظم القضايا الأخرى الخاصة بالوضع الدائم بما فيها المستوطنات والقدس والأمن والمياه ولذا فهو يرفض عرض الدولة الفلسطينية بحدود مؤقتة لأنه سيسلخ القدس الشرقية عن إقليم الدولة الموعودة التي يصر على أن تكون عاصمة دولته الموعودة, وهو يرى وجود إمكانية لتعديل الحدود إن كان لابُد منه على أن يكون ذلك طفيفاً ومقترناً بتبادل متكافئ للأراضي ولا يذهب بحق الشعب الفلسطيني في أن تكون القدس الشرقية عاصمة دولتهم الموعودة وضمان تواصل أجزاء هذه الدولة وضمان سيادتها الداخلية والخارجية وإجمالاً فهو يقدم عرضاً بإمكانية إيصال حجم التبادل والتعديل إلى 150 كيلو متر مربع مقابل تمسك الاحتلال بالاحتفاظ بـ( 1978 – 2543 ) كيلو متر مربع من أراضي الضفة الغربية, وهي النسبة التي قدمها باراك لعرفات عام 2000 ورفضها الأخير, ما دفع بيل كلينتون حينها لطرح مقاربة تقوم على حدود أوسلو الثانية(1994 - 1995) كحل وسط, وهذا ما يفسر اكتفاء خطة أوباما الجديدة حسب الواشنطن بوست بتقديم بعرض يقوم على 90 بالمائة من عرض باراك إي إعطاء الاحتلال الحق للاحتفاظ بـ ( 2373 – 2882 ) كيلو متر مربع من مساحة الضفة كحل وسط أيضاً.
- إسرائيلياً: يعتقد الاحتلال أن خارطة الطريق لعام 2003 قد تضمنت في مرحلتها الثانية إقامة دولة فلسطينية بحدود مؤقتة تُعامل من قبل الأمم المتحدة كدولة فيما تقول الأمم المتحدة أن لهذه الدولة حق الدفاع عن النفس ما يعني أنه في كل مرة يدخل فيها جيب إسرائيل خط حدودي جديد سيندفع الفلسطينيون إلى مجلس الأمن وسيكون ذلك لغماً ضخماً في الوقت الذي يعتبر فيه نتنياهو أن حدود 67 كانت حدود حرب وليست حدود سلام لذا فمن غير المقبول الحديث عن السلام والأمن والمطالبة في ذات الوقت بانسحاب إسرائيل إلى حدود غير قابلة للدفاع عنها ما يجعل إسرائيل ملزمة بضمان سيطرتها الحتمية على المناطق الحيوية في الدولة الموعودة كغور الأردن وقمم الجبال المطلة عليه والتواجد ألاستخباراتي الدائم وإقامة مركز تحذير وإنذار مبكر دائمة فوق قمم وتلال الضفة وبحق الاحتلال في السيطرة على حدود هذه الدولة مع الأردن ومصر والاحتفاظ بالسيادة على أجوائها وحق جيش الاحتلال في الدخول والخروج إليها متى شاء, ونشر جيشه داخل الدولة الموعودة في حالات الطوارئ, ونشر قوات دولية دائمة في غور الأردن يكون الاحتلال جزءاً منها, وعدم السماح لهذه الدولة بتسليح نفسها بالأسلحة الثقيلة, وما عدا ذلك فهي ستكون ذات سيادة!!.
والمقصود هنا أن الاحتلال لا يقبل حتى الآن بأي ضمانات أمنية تقدمها الأردن ومصر بشأن أمن الحدود ولا يقبل بأي حلول وسطية تقوم على أساس إنجاز حدود دائمة وإخراج دولة فلسطينية قابلة للاتصال والحياة إلا عبر الجسور والأنفاق والأخطر من ذلك وجود اعتقاد داخل أطياف واسعة من اليمين الإسرائيلي بأن نهر الأردن ليس الحدود النهائية لأراضي الكيان لأن رسمها تم بشكل تعسفي من قبل الانتداب البريطاني أي أن شرق نهر الأردن جزء لا يتجزأ من أرض الميعاد ومستوطنات وجدار ومعازل الضفة والقدس الشرقية جزء لا يتجزأ من أرض أورشليم وبالتالي فهي ترى أن حل المشكلة الفلسطينية يوجد وراء نهر الأردن.
عملياً, كشفت صحيفة الدستور الأردنية في آب/أغسطس 2010 عن وجود خطة جديدة لتأمين الحدود الإسرائيلية بكلفة إجمالية قيمتها 20 مليار دولار أعدها أيهود باراك بعد مشاورات واتصالات مطولة مع نتنياهو وقادة واشنطن الأمنيين وتتضمن: تنصيب رادارات على رؤوس الجبال في الضفة الغربية وتطوير منظومة الدفاع الصاروخية الإسرائيلية لجعلها قادرة على مواجهة صورايخ المقاومة ونشر قوات دولية على الحدود الشرقية للأراضي الفلسطينية مع الأردن.
القدس (العاصمة)
عندما احتلت إسرائيل مدينة القدس عام 1967 لم تكن مساحتها تتجاوز ( 6 كيلو متر مربع) بينما هي اليوم أكثر من 300 كيلو متر مربع ويطمح الاحتلال لضم 25 بالمائة من أراضي الضفة (1413 كيلو متر مربع ) إليها في العقد المقبل بعد أن كان قد اقتطع في السابق أكثر من 5 بالمائة من الضفة.
إعلان الاحتلال مدينة القدس بموجب قانون عام 1980 عاصمة أبدية وموحدة له هو الأخر يعني ببساطة أن القدس الفلسطينية لم تعد تتجاوز الأحياء العربية خارج حدود الجدار وهذه قد تم ملئها بالمستوطنات أي أن التفاوض حول ملف القدس - حسب نتنياهو – بات مقتصراً على أحياء محدودة من القدس الشرقية وعلى المقدسات الإسلامية في المدينة القديمة – مساحتها واحد كيلو متر مربع فقط- والتي هي من ضمن مقدسات مسيحية ويهودية بما لذلك من تعقيدات كثيرة ليست فلسطينية وإسرائيلية فحسب بل ودولية.
ملف القدس يظل من أكثر الملفات تعقيداً لكن بصورة عامة لا تزال القدس حسب القرارات الدولية محتلة ولا يزال الجانب الفلسطيني يأمل في الحصول على الأحياء العربية لتكون عاصمة لهم وبالسيادة الكاملة على المسجد الأقصى وإمكانية التوصل إلى ضمانات بخصوص حائط البراق بهدف إتاحة المجال لوصول اليهود إليه والصلاة أمامه فيما يرى الاحتلال أن كل التعهدات التي أطلقها في مفاوضات كامب ديفيد الثانية عام 2000 لجهة تقسيم القدس وموافقته المبدئية بإمكانية التخلي عن السيادة على الحرم القدسي ملغية في إشارة واضحة لمبادرة بيل كلينتون حينها المتضمنة انسحاب الاحتلال من الأحياء العربية وتقسيم البلدة القديمة وإبقاء سيادة رمزية لإسرائيل على حائط البراق وخلق حد أقصى من التواصل الجغرافي لكلا الطرفين والتوافق على وجود مراقبة دولية لتوفير الثقة المتبادلة في حين نجد أن كل الوقائع والحقائق الميدانية تصب في خانة استحالة إمكانية تقسيم القدس الشرقية تحت أي ضغط ويكفينا هنا لتأكيد هذه الحقيقة العودة إلى تصريح رئيسة وزراء الاحتلال (غولدا مائير) عندما أقدم كيانها على إحراق المسجد الأقصى عام 1969 حيث تقول أنها لم تنم تلك الليلة لتخوفها من تحرك الجيوش العربية والإسلامية وعندما استيقظت صباح اليوم التالي ولم يحدث شيء اطمأنت إلى مستقبل إسرائيل!!.
إعادة طرح بعض القوى داخل إسرائيل اليوم وتحديداً أيهود باراك لإمكانية تقسيم القدس الشرقية وفقاً لمبادرة كلينتون من الواضح أن الهدف من ليس إمكانية التقسيم بل الحصول على اعتراف عربي بالمستوطنات بالنظر إلى الحقائق الميدانية المؤكدة أكثر من أي وقتٍ مضى أن الاحتلال سيرسم حدوده ومستقبله في اتجاه مستقبلي, وبمعنى آخر: أن الأحياء العربية باتت تضم بؤر استيطانية يصعب تقسيمها أو تفكيكها وسط بروز رهانين لحسم هوية ومستقبل ومصير هذه المدينة هما:
- مشروع التهويد (القدس 2020): يتحرك في إطار العمل على تغليب الوجود اليهودي ويرى في العام 2020 مرحلة فاصلة لحسم هوية القدس لصالحه وهو يطمح في العقد المقبل لجعل عدد الفلسطينيين في القدس لا يتجاوز 25 ألف فلسطيني مقابل 400 ألف متدين يهودي في الوقت الذي أصبح عدد الفلسطينيين في الأحياء العربية أقلية لأول مرة في التاريخ وبالتالي وضع العرب أمام خيارين: إما التهويد والأسرلة أو المغادرة وهي واحدة من معطيات قانون الاحتلال لعام 1973 الذي حدد نسبة عرب المدينة بـ22 بالمائة مقابل 70 بالمائة يهود لكنه رغم كل الأعمال الوحشية التي قام بها لم يفلح حتى الآن في تغليب الكفة اليهودية لاسيما في المدينة القديمة حيث لازال هناك 30 ألف عربي مقابل 4 ألف يهودي ونسبة الفلسطينيين في القدس بشطريها نحو 35 بالمائة (300 ألف فلسطيني) مع توقع الاحتلال بتجاوزهم 40 بالمائة في العام 2020 .
لكن بصورة عامة لا تزال مدينة القدس حتى الآن مدينة طاردة لليهود حيث تمت مغادرة نحو 105 آلاف يهودي خلال الفترة 1980- 2005 وهذه واحدة من الإشكاليات الكبيرة المعترضة مشروع التهويد ما دعا الاحتلال في آب/أغسطس 2007 لاعتماد خطة بقيمة 200 مليون دولار والإقرار في نهاية تشرين الأول 2010 مشروع جديد يقضي باعتبار القدس منطقة ذات أولوية وطنية(مشروع القدس 30 - أ),وهو واحداً من نحو 38 قانوناً عنصرياً صدرت حتى الآن منها 15 قانوناً صدرت في غضون عامٍ واحد فقط من ولاية نتنياهو و23 قانوناً صدرت في العقود الستة الماضية وكلها تهدف لغاية واحدة هي: إكساب مشاريع الاستيطان والتهويد والجدار صفة الشرعية القانونية والسياسية, في حين ينفرد القانون الجديد بإعطاء الضوء الأخضر لتحويل القدس إلى مدينة عصرية جاذبة للسكان والمستثمرين اليهود على غرار تل أبيب وإقامة سكة حديدية ومستوطنات جديدة فيها تضم أكثر من 60 ألف وحدة سكنية وتوسيع القائم منها وزيادة تضييق الخناق على ما تبقى من الفلسطينيين فيها على أمل أن يسهم ذلك خلال العقد المقبل في خفض نسبة عرب القدس إلى 12 بالمائة وليس 22 بالمائة كما كان مُخططاً له بموجب قانون عام 1973 وتالياً خفض نسبة عرب 1948 من 20 بالمائة حالياً إلى 5 بالمائة لأنهم باتوا يشكلون خطراً على أمن واستمرار ووجود الاحتلال, واجتذاب نحو نصف مليون يهودي إلى القدس, مُدّعِمةً ذلك بتفعيل قانون حسم الهوية (يمين الولاء) وقانون الاستيلاء على أملاك الغائبين والإفصاح عن مشروع الخريطة الجديدة لمدينة القدس العاصمة الأبدية والموحدة وكلها من شأنها إعطاء إسرائيل المسوغ القانوني لضم القدس الشرقية من جانب واحد في حال نجحت هذه الخطوات وهو ما لم تجرؤ عليه إسرائيل طول الـ50 سنة الماضية.
فهل سيتمكن الاحتلال عملياً من جعل العام 2020 حاسماً على طريق تقرير مصير القدس وتحولها إلى مدينة يهودية بامتياز وتقرير مصير الدولة العبرية وتحولها إلى دولة يهودية خالصة ونقية وإسقاط شبح التوازن الديموغرافي والدولة ثنائية القومية إلى الأبد؟!.
- مشروع التثبيت: وهو مشروع عربي مقدسي متواضع لكنه صامد وهو يهدف إلى الحفاظ على هوية المدينة العربية والإسلامية والحفاظ على الوضع القائم فيها لحين تهيؤ الفرصة لتحريرها وقد نجح حتى الآن في إفشال كافة مشاريع التقسيم بالتعاون مع مصر والأردن لكن إمكانياته تظل محدودة نظراً لتشتت وانقسام المشهد الفلسطيني وضعف الموقف العربي وبالتالي ضعف الموارد الكفيلة بمساعدة هذا المشروع على إفشال مرامي التهويد.
خلاصة الخلاصة
بعيداً عن الأحلام والأوهام المتبددة يوماً بعد أخر تحت أقدام الحقائق الميدانية كما هو واضح من قراءتنا السريعة هذه لثلاثة ملفات فقط من ملفات التسوية كنموذج استشرافي لحاضر ومستقبل السلام المنشود والتي تشير بما لا يدع مجالاً للشك بعدم جدية الاحتلال والوسطاء والرعاة الدوليين لإنهاء هذا الصراع المزري, لا الآن ولا في المستقبل القريب, وسط بروز حقيقة واحدة ويتيمة كانت ولا تزال ترسم تعاطي حكومات الاحتلال السابقة واللاحقة هي ما عبر عنها الكاتب الإسرائيلي لاري درفنر بكل وضوح وإنصاف: " نتنياهو لم يكن جاداً ولو للحظة واحدة في التوصل إلى سلام ينطوي على إقامة دولة فلسطينية مستقلة فِعلاً, هو مستعدٌ لرمي عظمة أو عظمتين إلى الفلسطينيين, ولا شيء أكثر من ذلك, لأن إقامة دولة فلسطينية تستحق أن تُسمى دولة, بالنسبة إليه, هي بمثابة استسلام شخصي ووطني وإذلال, وهو يُفضِّل الموت على أن يُسجّل في التاريخ باعتباره (بيتان)إسرائيل" !!.
Al-mahbashi@maktoob.com
كشفت الأحداث العاصفة بالساحة الفلسطينية في السنوات الأخيرة عن وجود رغبة جامحة لدى القوى
الكبرى للتخلص من القضية الفلسطينية لأنها – وفقاً لما أوردته جريدة الكفاح العربي اللبنانية في عددها الصادر بتاريخ 12 نيسان/ ابريل 2010 - باتت تضغط بقوة على الضمير العالمي، ولأن كل المخططات الغربية في المنطقة لن تكتمل من دون إنهاء هذا الملف، ولوجود اعتقاد وصل متأخراً إلى الدوائر الغربية مفاده" أنه من دون حل هذه القضية فستظل دوافع الإرهاب والتطرف موجودة وتضغط بقوة ليس فقط على الأنظمة العربية المعتدلة وإنما ستمتد إلى عمليات إرهابية تضرب في قلب أوربا وأميركا".
التصورات الغربية والأميركية المطروحة حتى الآن تركز بصورة رئيسية على حل الدولتين وتفعيل مبدأ تبادل الأراضي باعتبارهما المخرج الوحيد لحل إشكالية السلام, والسؤال هنا: إذا كانت هذه القوى مجتمعة قد عجزت حتى الآن في الضغط على الاحتلال لتمديد تجميد الاستيطان, فكيف سيكون بمقدورها انجاز وعد الدولة الفلسطينية وتفعيل مبدأ تبادل الأراضي؟، لاسيما وأننا أمام صراع عمره قرن كامل من الزمن وله الكثير من الإشكاليات المعقدة والشائكة, سواء ما كان منها متعلقاً بالتسوية الدائمة كالمستوطنات والقدس وحق العودة والحدود بما لها من تفرعات كل منها يعتبر بمثابة ألغام إضافية قابلة للانفجار عند كل منعطف تفاوضي، أو ما كان منها متعلقاً بنوعية العلاقة المستقبلية بين الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية في حال حدثت معجزة وخرج خيار الدولتين إلى حيز الوجود .
واقعياً, لا يوجد ما يدعو للتفاؤل استناداً إلى مواقف وتصريحات قادة الاحتلال والخلافات والفجوات الكبيرة المعلنة حول جميع الموضوعات المطروحة للتفاوض, وبمعنى أدق: وجود وجهتا نظر من الصعب التوفيق بينهما أو إيجاد قواسم مشترك قابلة للبناء عليها ما يثير التساؤل عن مستقبل العلاقة بينهما على الأقل فيما يتعلق بالملفات التي تفترض وجود تعاون مشترك وترابط مستمر كالكهرباء والمياه والأمن والتداخل السكاني والتبعية الاقتصادية والنقدية والتجارة والمشاريع المشتركة والعمالة والتنمية التحتية والبيئة والأماكن المقدسة والتنمية المستدامة.. الخ .
في هذه القراءة السريعة سنكتفي بالوقوف على أهم ملفات الصراع كنموذج استشرافي لمستقبل السلام المنشود أي: هل نحن أمام تسوية مرحلية طويلة الأمد كما ينادي اليمين الإسرائيلي, أم أمام تسوية شاملة وعادلة ودائمة كما يطمح العرب؟, وبلغة أخرى: هل نحن أمام تسوية قائمة على قاعدة الأرض مقابل السلام, أم أمام تسوية قائمة على قاعدة السلام مقابل إغراءات ومحفزات معنوية وتبادل محدود لأراضي مأهولة بالسكان (تبادل أرض وسكان معاً أو بإنفراد)؟ وطبعاً مع الأخذ بالحسبان بأن إخلاء الاحتلال لقطاع غزة عام 2005 لم يكن سوى واحدة من متطلبات واستحقاقات ضرب واشنطن للعراق عام 2003 بينما الوصول إلى إعلان الموافقة على فكرة الدولة الفلسطينية لا يزال نتنياهو يرى ضرورة أن يكون "بلا خيار" وتحت ضغط أميركي بالتقدم في انجاز الثالوث المقدس المتمثل في الترتيبات والضمانات الأمنية الإسرائيلية والاعتراف الفلسطيني بيهودية الدولة العبرية وأن يشكل اتفاق السلام الذي سيتم التوصل إليه نهاية للنزاع وإذا أمكن أن يكون ذلك عوضاً عن ضرب أميركا لإيران أو على الأقل تهيئة أميركا الظروف الإقليمية والدولية لإسرائيل للقيام بذلك!!.
المستوطنات (الأرض)
تعود بداية تكريس الاستيطان بالقوة إلى العام 1920 ومن حيث التنظير والاهتمام إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وما شهدته من حراك عالمي واسع للحركة الصهيونية تمثل في إقامة المراكز البحثية المعنية بدراسة مشاريع الاستيطان في فلسطين وحشد الموارد الكفيلة بترجمتها على الأرض بدءاً بالعمل الميداني تحت حماية قوات الانتداب ومروراً بحربي 1948 و1967وما صاحبها من عمليات تهجير وتطهير واسعة للفلسطينيين أدت إلى نزوح أكثر من 6 ملايين فلسطيني وتغليب الوجود اليهودي على الوجود العربي في أراضي 1948 وانتهاءً بتوظيف أجواء المفاوضات منذ أوسلو 1993 لفرض المزيد من الحقائق والوقائع الاستيطانية.
ورغم المقاومة الفلسطينية الشعبية المستمرة للاستيطان فإن الاهتمام السياسي القيادي بهذا الملف أتى متأخراً جداً وتحديداً في العام 2008 عندما قرر المفاوض الفلسطيني ربط استمراره في المفاوضات بتجميد الأنشطة الاستيطانية في الضفة الغربية دون القدس الشرقية، أي فيما يتعلق بمستوطنات ما بعد 1967 وإزالة مستوطنات ما بعد أوسلو 1993,فهل يعني هذا أن المفاوض الفلسطيني بات على قناعة بأن المستوطنات لم تعد تمثل حجر عثرة أمام السلام المنشود بل مجرد عائق تكتيكي أمام المفاوضات؟ لاسيما وأن هذا التراجع يأتي في وقتٍ لم يعد فيه الاحتلال مكترثاً بعملية السلام بعد أن ضمن عملياً طوي الانشغال بملف الأمن الخارجي عبر الجدار والتنسيق الأمني في الضفة والحصار على القطاع وبالتالي فهو يمر حالياً بحالة من الاسترخاء خصوصاً وأن أراضيه لم تشهد في الـ32 شهراً الماضية أي عملية فدائية لكنه مع ذلك يظل في حاجة للمفاوضات فقط لأنها تحميه من الضغط والعزلة الخارجية.
- مستقبل المستوطنات: لا يزال الاحتلال مُصراً على الاستمرار في البناء والتوسيع, ومطالبة واشنطن بإيجاد تخريجه أخرى غير ملف تجميد الاستيطان لتحريك مياه المفاوضات بعد أن تمكن عملياً من حصر الخلاف حول عدد محدود من المستوطنات التي تم بنائها بعد اتفاق أوسلو 1993 لأنها تمت بصورة عشوائية وغير قانونية وهي بمجملها لا تتجاوز 250 مستوطنة يقع معظمها خارج الخط الأخضر وتالياً تمحور خلاف واشنطن مع تل أبيب سواء في إدارة بوش أو في إدارة أوباما حول 100 مستوطنة من أصل 121 مستوطنة تم الاعتراض عليها والاكتفاء عملياً بالتوصل إلى تجميد مؤقت للبناء فيها لمدة عشرة أشهر انتهت في 26 أيلول/ سبتمبر 2010 والتسليم بحق الاحتلال في توسيع المستوطنات الكبيرة القائمة لاستيعاب النمو السكاني, ومحاولة إقناع الاحتلال للقبول بتمديد التجميد لفترة جديدة وأخيرة لا تتجاوز في أحسن الأحوال شهرين أو ثلاثة أشهر مقابل رزمة مغرية من الامتيازات السياسية والأمنية والعسكرية من قبيل: موافقة واشنطن على بيع الاحتلال 20 طائرة مقاتلة من طراز "إف-35 " وتزويده بعتاد عسكري حديث وتعهدات أمنية في مواضيع في غاية الحساسية من بينها الملف الإيراني والاهتمام بالاحتياجات الأمنية للاحتلال خلال فترة السلام والتعاون في مجال منع تهريب الأسلحة والمقاتلين إلى الأراضي الفلسطينية ودعم طلبه بشأن السيطرة على الحدود الشرقية مع الأردن وضم بعض الأراضي الفلسطينية لأسباب ديموغرافية وأمنية.
وفي هذا السياق فقط يمكن فهم مسرحية الخلاف المحتدم مؤخراً حول إمكانية تجميد الاستيطان من عدمه خلال عام التفاوض وما أفرزته من توقف مبرمج للمفاوضات بالتوازي مع كشف وسائل الإعلام عن وجود مخطط جديد لحسم مستقبل المستوطنات (وعد بلفور الثالث) وتأكيد وجود تقدم كبير في الاتصال بين إدارتي نتنياهو وأوباما وقرب عرضه على الكونجرس المتجدد عقب انتهاء ضوضاء الانتخابات الأميركية النصفية.
وعد أوباما الجديد يتضمن شقين, الأول: يحمل مسمى "رسالة ضمانات أوبامية بلفورية" تم عرضها على أبو مازن بواسطة ميتشيل في تشرين الأول 2010 حسب ما أوردته صحيفة المنار المقدسية بالتوازي مع توقع صحيفة معاريف الإسرائيلية رفض الجانب الفلسطيني لها, لأنها لا تُجمد الاستيطان كلياً ولا تأتي على ذكر القدس الشرقية كما أنه من غير المؤكد أن يتمكن نتنياهو من تنفيذها بسبب الضغوط الممارسة عليه داخلياً.
الرسالة تتضمن تجميد الاحتلال للاستيطان لثلاثة أشهر وتنفيذ أعمال بناء محدودة النطاق لسد احتياجات النمو الطبيعي في الأشهر التسعة اللاحقة وتعليق أعمال البناء في مستوطنات الضفة على أمل إعادة تحريك عجلة المفاوضات ولكن مع ضرورة مراعاة رزنامة طويلة من الاعتبارات الإسرائيلية من قبيل: النمو السكاني أو الطبيعي للمستوطنات وتفرد حكومتي الاحتلال وأميركا بالحق في تحديد قائمة من المستوطنات الموجودة في إطار الكتل الاستيطانية الضخمة و تحديد نسبة معينة من الوحدات السكنية الخاصة بكل مستوطنة تقام خلال فترة عام التفاوض وعدم تجاوز العدد المقرر من هذه الوحدات, وإنشاء جهاز رقابه أميركي مهمته التأكد من التزام إسرائيل بتطبيق هذا الاتفاق.
وهذا يعني ببساطة عدم السماح للمفاوض الفلسطيني بالمشاركة في وضع آلية التنفيذ ولو بصيغة مراقبة حيث تحديد نسب وأرقام وأسماء المستوطنات سيكون حكراً على حكومتي الاحتلال وواشنطن رغم أن شقاً منها يتحدث عن شكل الدولة الفلسطينية المستقبلية والحدود والمسائل الأخرى المتعلقة بالصراع.
أما الشق الثاني, فيتضمن "رؤية أوبامية جديدة" لإخراج عملية السلام من دائرة المراوحة والجمود سيتم طرحها في مستهل عام 2011 وهي تستند بصورة رئيسية على أفكار شمعون بيريز وأيهود باراك ومن أهم بنودها: السعي لإقامة دولة فلسطينية مؤقتة تمتلك بعض أشكال السيادة وترسيم مؤقت للحدود يسمح من جهة بضم الكتل الاستيطانية التي لا يعارض الطرف الفلسطيني ضمها للاحتلال وتأجيل حسم كتل أخرى وتأجيل بحث ملف القدس والأخذ بعين الاعتبار مصالح ومطالب إسرائيل الأمنية.
إذن هناك رغبة جامحة لدفع المفاوض الفلسطيني - بعد تجاهل إدارة أوباما منذ اليوم الأول لتوليها السلطة لحقيقة إنفراد حركة حماس بقطاع غزة واعتقاد اللوبي اليهودي بعدم وجود ما يدعو لفتح هذا الملف لأن حدود الاحتلال والترتيبات الأمنية مع القطاع لا تحتاج إلا إلى تعديلات بسيطة - للاعتراف بإسرائيل دولة يهودية نقية خالصة والاعتراف بالواقع الديموغرافي الاستيطاني في الضفة والقدس الشرقية وبشرعية جدار الفصل العنصري وإسقاط حق العودة والاعتراف بشرعية عمليات التوطين في الدول العربية والدول الأخرى المتواجد بها الفلسطينيين, وباختصار شديد: السعي لتكامل ضمانات أوباما مع ضمانات بوش الشهيرة لشارون في العام 2004 وإعطاء الاحتلال عرضاً سخياً لم يقدمه بوش نفسه في كل سنوات صداقته لإسرائيل.
لجنة المتابعة العربية من جهتها اكتفت في اجتماعها الذي انعقد بتاريخ 8 تشرين الأول/أكتوبر 2010 بتقديم الدعم السياسي للموقف الفلسطيني ودعوة واشنطن لإبداء خطوات أكثر جديدة في التعامل مع ملف الاستيطان خصوصاً وأن حكومة نتنياهو لازالت مصرة على رفض التمديد لأن ذلك سيؤدي إلى تفكيك ائتلافه الحكومي ويثير غضب المستوطنين الذين هم اليوم على عكس ما جرى أثناء إخلاء مستوطنات قطاع غزة 2005 يصرون على البقاء والمقاومة.
- حقائق ميدانية: الفريق الفلسطيني المفاوض يدرك تمام الإدراك أن الإدارة الأميركية لم ولن تُبدي أي جدية في التعامل مع هذا الملف مراعاة للظروف الإسرائيلية الداخلية وأن الاحتلال ليس في وارد القبول بالتجميد الكامل لأن الاستيطان يمثل عصب الكيان وصمام الأمان لاستمراره ووجوده إلى جانب مشاريع التهويد والجدار العازل المشارف على الانتهاء بدلالة مصاحبته فعاليات المفاوضات غير المباشرة والمباشرة بالكشف عن مخطط طويل الأمد يقضي ببناء أكثر من 60 ألف وحدة استيطانية في القدس الشرقية والضفة بدءاً من تشرين الأول/ أكتوبر 2010 وانتهاءً بالعام 2020 لزيادة تأكيد مدى رفع الجاهزية الإسرائيلية لجعل العام 2020 موعداً نهائياً وفاصلاً لإقامة مراسيم إزاحة الستار الأخير عن الهيكل الثالث المزعوم الحاسم لمصير القدس (العاصمة الأبدية الموحدة) والذي بموجبه سيتم ضم أجزاء واسعة من أراضي الضفة إلى محيط وأكناف القدس التوراتية الكبرى, ما يعني من الناحية العملية وجود توجه ممنهج تسانده الرافعة الأميركية لإفراغ الدولة الفلسطينية من محتواها في وقتٍ لم يتبقى لدى العرب أي شيء يساومون عليه لتقوية وتعزيز موقفهم التفاوضي سوى ورقة تجميد وليس وقف الاستيطان والتهديد بتدويل القضية للحصول على وعد الدولة.
الضفة اليوم باتت تضج بأكثر من 160 مستوطنة و 200 بؤرة استيطانية ملاصقة أو قريبة من الخط الأخضر وأكثر من 69 مستوطنة في القدس الشرقية لا زالت حتى الآن مُستبعدة من طاولة المفاوضات بعد أن حسم الاحتلال وضعها بصورة نهائية عندما قال نتنياهو مؤخراً أن "البناء فيها مثل البناء في تل أبيب لأنها الرأس والقلب لليهود ومركز الحضارة والثقافة لهم ولهذا فهي خارج أي تفاوض وأي حل", كما أن الضفة والكلام لنتنياهو أيضاً في كتابه "مكان تحت الشمس" تمثل "قلب الوطن القومي لليهود والسور الواقي الثاني بعد هضبة الجولان للدولة العبرية" .
المثير هنا, توقف المفاوض الفلسطيني في الآونة الأخيرة عن المطالبة بإزالة المستوطنات التي بنيت بعد العام 1967 في الضفة والقدس والاكتفاء بالمطالبة بإخلاء المستوطنات التي بنيت بعد أوسلو 1993 فقط والتي باتت تحتل إلى جانب الجدار العازل نحو 58 بالمائة من أراضي الضفة أي نحو 3277 كيلو متر مربع من إجمالي مساحة الضفة (5650 كيلو متر مربع) مقابل تمسك الاحتلال – إعلامياً -بالمستوطنات الكبيرة المحاذية للخط الأخضر والبعيدة عنه في أي اتفاق سلام مستقبلي وإبداء إمكانية المساومة على أجزاء محدودة من الأحياء العربية بالقدس الشرقية والمقدسات الإسلامية في المدينة القديمة وإبداء إمكانية إعمال مبدأ التبادل للأراضي, لكن حجم هذه المناطق القابلة للتبادل لم يجري تحديده مطلقاً في إسرائيل بصورة رسمية وإنما تُرك مصيره لمدى استعداد الطرف الفلسطيني لتقديم تنازلات مُجزية من قبيل: الاعتراف بيهودية الكيان والتخلي عن حق العودة والقدس الشرقية وتقديم ضمانات أمنية تزرع الاطمئنان لدى الاحتلال بما فيها تحفظات شارون 2003 وضمانات بوش 2004 مقابل وعود إسرائيلية بتجميد التوسع الأفقي وقصر التوسع على البناء الرأسي لاستيعاب النمو الطبيعي أو ضمان قدر محدود من التوسع تلتزم إسرائيل بعدم تجاوزه .
الصورة بمفرداتها تشي بأن هذا الملف سيظل حجر عثرة كبيرة أمام رهانات التسوية بالنظر إلى الأهمية التي يحتلها في قائمة أجندة الاحتلال وضعف الموقف العربي وعدم جدية الإدارة الأميركية في التعامل معه من منظور الحقوق والاستحقاقات, وبالنظر إلى نجاح الاحتلال في فرض وقائع ميدانية لم يعد بالإمكان تجاوزها أو إيجاد مخارج لها لاسيما وأن السرطان الاستيطان قد تمكن من بسط نفوذه على أكثر من 43 بالمائة من أراضي الضفة حيث يوجد بها أكثر من 300 ألف مستوطن و270 ألف مستوطن في القدس الشرقية, أي نحو 7 بالمائة من يهود الدولة العبرية, ويتضاعف نموهم السنوي بمقدار 3 أضعاف نمو السكان اليهود في إسرائيل ونسبتهم في الضفة نحو 20 بالمائة من عدد السكان الفلسطينيين، وسيطرة الاستيطان على نحو 163 كيلومتر مربع من أراضي القدس الشرقية بصورة أصبح معها الوجود العربي أقلية أمام أغلبية يهودية لأول مرة في التاريخ أضف لذلك الحواجز المقطعة للضفة والتي تتجاوز 640 حاجزاً إسرائيلياً واقتطاع الجدار العازل أكثر من 975 كيلومتر مربع من مساحتها وحجز نحو 346 ألف فلسطيني خلفه, سيحرمون من نعمة التواصل مع ذويهم وعزل نحو 154 ألف مقدسي عن مدينتهم, حيث يُتوقع أن يصل طوله إلى 786 كم2 و123 كم2 أخرى على امتداد حدود فلسطين مع الأردن واستمرار سيطرة الاحتلال على 200 كيلو متر مربع من قطاع غزة كان قد اقتطعها في العام 1950 بطرق ملتوية لصالح المستوطنات من أصل 555 كيلو متر مربع هي إجمالي مساحة قطاع غزة بموجب خطوط هدنة عام 1949 واقتطاع نحو 20 بالمائة (72 كيلو متر مربع) من باقي مساحة غزة (3600 كيلو متر مربع) في السنوات الأخيرة لصالح الجدار العنصري في القطاع,وكلها حقائق لم تعد قابلة للإلغاء أو المساومة بل المطلوب الاعتراف بها وبسيادتها كواقع لم يعد ممكناً تغييره
.
الحدود (الدولة)
مساحة فلسطين التاريخية تحت الانتداب البريطاني(26400 – 27000) ألف كيلو متر مربع يقسمها خط وهمي بحسب هدنة 1949 يعرف بـ(الخط الأخضر) وبموجبه يسيطر الاحتلال على القسم الأول المعروف بفلسطين القديمة (أراضي 48) وهذه مساحتها نحو 20990 كيلو متر مربع ومن ضمنها القدس الغربية والشطر الثاني المعروف بفلسطين الجديدة (أراضي 67 ) ومن ضمنها القدس الشرقية وهذه لا تتجاوز مساحتها 6010 كيلو متر مربع – يسيطر الاحتلال على الجزء الأكبر منها باستثناء قطاع غزة وأجزاء محدودة من الضفة - وبالتالي فالتفاوض في مراحله المختلفة بات مقتصراً عليها أي على الضفة والقطاع والقدس الشرقية.
الخط الأخضر يظل مجرد خط وهمي للفصل بين المناطق في حين أن حدود الاحتلال لم يتم ترسيمها بصورة رسمية منذ العام 1967 لا مع الفلسطينيين ولا مع دول الجوار الأخرى محل النزاع باستثناء مصر والأردن حيث تم ترك مصيرها مفتوحاً للتوسعات والأطماع الإسرائيلية الأمر الذي أوجد العديد من النزاعات سواء ما كان منها متعلقاً بطرفي الصراع أو ما كان منها متعلقاً بالمطالب الإقليمية وهذا يستدعي حسب الرؤية الإسرائيلية, أولاً: ضرورة وجود توافقات وتبادلات إقليمية جماعية تشمل جميع دول الطوق الإسرائيلي شريطة مراعاتها للاحتياجات الديموغرافية والأمنية والجغرافية والمياه والموارد الطبيعية والبيئة والتنمية المستقبلية أي الاستجابة للواقع الجديد على الأرض وتحقيق المصالح الإسرائيلية بالمقام الأول, وثانياً: ضرورة الأخذ بالحسبان عند إعادة رسم الحدود في الحيز الإسرائيلي أن حدود إسرائيل قد تم تحديدها في الأساس من قبل الانتداب البريطاني والفرنسي والأمم المتحدة دون تدخل أو مشاركة سكان المنطقة وبعضها تم رسمه من جانب واحد هو إسرائيل في حين أن معظم المعالجات المطروحة حتى الآن لازالت ترى في حدود 1967 أو 1948 أساساً تنطلق منه التسويات والحلول وهناك فريق داخل إسرائيل يرى إمكانية وقابلية التعديل والتغيير والاتفاق حول حدود الانتداب كما حدث مع الأردن لاسيما وأن القانون الدولي لا يجيز ضماً أُحادياً لمناطق أو أراضي اُحتلت في حرب, لكنه يجيز تبادل أراضي باتفاق لذا فخطوط الانتداب قابلة للتعديل بموافقة الدول المستقلة!!.
والمشكلة هنا ليست في إمكانية تفعيل هذا التصور من عدمه بل في إصرار الاحتلال على ضرورة أخذ الوقائع الميدانية المتراكمة ما بعد وليس ما قبل حرب 1967 بالحسبان أي قصر المعالجات على آثار هذه الحرب في مسعى واضح لفرض شروط الاحتلال على اعتبار أنه المنتصر فيها مع إبداء إمكانية لحصول أحد الطرفين على أراضي أكبر مقابل مناطق أصغر لكنها ذات أهمية قومية للطرف الآخر وهذا يضعنا أمام إشكالية أكبر وأكثر تعقيداً هي: هل يكون التبادل على أساس الأرض مقابل السلام وما هو حجمها وكيفيتها ومفهومها أي هل يكون التبادل للأرض والسكان معاً أم بانفراد؟ لأن الإجابة سيترتب عليها حسم الجل المحتدم حول ماهية الدولة الفلسطينية الموعودة والحدود والسيادة التي ستكون عليها في ظل حقائق الأمر الواقع كالمستوطنات والجدار العازل ومشاريع التهويد والمعازل ناهيك عن الارتباط الوثيق بين إشكالية الحدود بإشكاليات القدس وحق العودة والمياه والانقسام الفلسطيني ووجود حماس بالقوة التي هي عليها حالياً.
وكلها ترجح استمرار قضية الحدود دون حسم وبالتالي بقاؤها حجر عثرة أمام عجلة المفاوضات وحتى لو افترضنا إمكانية نجاح واشنطن بتمرير تسوية مرحلية تقضي بإقرار خيار الدولتين فإن قضية الحدود ستظل تشكل عائقاً كبيراً أمام الاعتراف الدبلوماسي الدولي بهاتين الدولتين كما أن المفاوضات الجارية حتى الآن لازالت تستند إلى النقاشات السابقة حتى العام 2000 والتي بموجبها لن تكون إسرائيل قادرة على الاحتفاظ بأكثر من 35- 45 بالمائة من أراضي الضفة بسبب رفض عرفات لعرض أيهود باراك آنذاك ولن يكون لها مستوطنات على طول وادي الأردن, في الوقت الذي تطمح فيه إلى ضم كامل الأراضي الواقعة بين الجدار والخط الأخضر, بما فيها القدس الشرقية وجعل مسار الجدار العنصري وليس مسار الخط الأخضر حدود إسرائيل الجديدة والحد الأقصى لأي دولة فلسطينية مستقبلية - ناقصة السيادة - وإبداء إمكانية تبادل أراضي اُحتلت في 1948 بأراضي اُحتلت في 1967وإمكانية الانسحاب من بعض نواحي قضاء الخليل بالضفة حددتها خارطة التبادل المقدمة من الاحتلال في 2008 بنحو 103 ألف دونم (الدونم ألف متر مربع) هي في الأساس أراضي جرداء مقابل ضم الاحتلال نحو 438550 دونماً والانسحاب من نحو 64.5 كيلو متر مربع من الأراضي المقتطعة من غزة في العام 1950 شريطة التسليم للاحتلال بكامل الممتلكات الفلسطينية الواقعة بين الجدار العنصري والخط الأخضر.
وهذا لا يلغي حقيقة استمرار المراوحة بين ثلاث أولويات إسرائيلية هي: الترتيبات الأمنية والحفاظ على أكبر عدد ممكن من المستوطنات بالضفة وتقليل عدد الفلسطينيين على الجانب الإسرائيلي للحدود, أي العمل على جعل الدولة الفلسطينية المستقبلية غير فاعلة ومقطعة الأوصال بالنظر إلى إصرار الاحتلال على جعل الأولوية لحسم إشكالية الترتيبات الأمنية ليُصار بعدها إلى مناقشة ملف الحدود وفقاً للمعطيات الأمنية التي سيتم التوافق عليها, وهذا بحد ذاته كافٍ لجعل الحدود التي سيطرحها الاحتلال غير مقبولة فلسطينياً والنتيجة طبعاً الاندفاع نحو دورة جديدة من زيادة موجات العنف على الجانبين.
- فلسطينياً: يدعو الطرف المفاوض لجعل الأولوية المرحلية لحسم إشكالية الحدود قبل الإشكاليات الأمنية أي للتوافق على تسوية تنجز دولة فلسطينية بحدود دائمة تكون من حيث المبدأ على أساس حدود 4 حزيران/ يونيو 1967 لأن ذلك سيحل معظم القضايا الأخرى الخاصة بالوضع الدائم بما فيها المستوطنات والقدس والأمن والمياه ولذا فهو يرفض عرض الدولة الفلسطينية بحدود مؤقتة لأنه سيسلخ القدس الشرقية عن إقليم الدولة الموعودة التي يصر على أن تكون عاصمة دولته الموعودة, وهو يرى وجود إمكانية لتعديل الحدود إن كان لابُد منه على أن يكون ذلك طفيفاً ومقترناً بتبادل متكافئ للأراضي ولا يذهب بحق الشعب الفلسطيني في أن تكون القدس الشرقية عاصمة دولتهم الموعودة وضمان تواصل أجزاء هذه الدولة وضمان سيادتها الداخلية والخارجية وإجمالاً فهو يقدم عرضاً بإمكانية إيصال حجم التبادل والتعديل إلى 150 كيلو متر مربع مقابل تمسك الاحتلال بالاحتفاظ بـ( 1978 – 2543 ) كيلو متر مربع من أراضي الضفة الغربية, وهي النسبة التي قدمها باراك لعرفات عام 2000 ورفضها الأخير, ما دفع بيل كلينتون حينها لطرح مقاربة تقوم على حدود أوسلو الثانية(1994 - 1995) كحل وسط, وهذا ما يفسر اكتفاء خطة أوباما الجديدة حسب الواشنطن بوست بتقديم بعرض يقوم على 90 بالمائة من عرض باراك إي إعطاء الاحتلال الحق للاحتفاظ بـ ( 2373 – 2882 ) كيلو متر مربع من مساحة الضفة كحل وسط أيضاً.
- إسرائيلياً: يعتقد الاحتلال أن خارطة الطريق لعام 2003 قد تضمنت في مرحلتها الثانية إقامة دولة فلسطينية بحدود مؤقتة تُعامل من قبل الأمم المتحدة كدولة فيما تقول الأمم المتحدة أن لهذه الدولة حق الدفاع عن النفس ما يعني أنه في كل مرة يدخل فيها جيب إسرائيل خط حدودي جديد سيندفع الفلسطينيون إلى مجلس الأمن وسيكون ذلك لغماً ضخماً في الوقت الذي يعتبر فيه نتنياهو أن حدود 67 كانت حدود حرب وليست حدود سلام لذا فمن غير المقبول الحديث عن السلام والأمن والمطالبة في ذات الوقت بانسحاب إسرائيل إلى حدود غير قابلة للدفاع عنها ما يجعل إسرائيل ملزمة بضمان سيطرتها الحتمية على المناطق الحيوية في الدولة الموعودة كغور الأردن وقمم الجبال المطلة عليه والتواجد ألاستخباراتي الدائم وإقامة مركز تحذير وإنذار مبكر دائمة فوق قمم وتلال الضفة وبحق الاحتلال في السيطرة على حدود هذه الدولة مع الأردن ومصر والاحتفاظ بالسيادة على أجوائها وحق جيش الاحتلال في الدخول والخروج إليها متى شاء, ونشر جيشه داخل الدولة الموعودة في حالات الطوارئ, ونشر قوات دولية دائمة في غور الأردن يكون الاحتلال جزءاً منها, وعدم السماح لهذه الدولة بتسليح نفسها بالأسلحة الثقيلة, وما عدا ذلك فهي ستكون ذات سيادة!!.
والمقصود هنا أن الاحتلال لا يقبل حتى الآن بأي ضمانات أمنية تقدمها الأردن ومصر بشأن أمن الحدود ولا يقبل بأي حلول وسطية تقوم على أساس إنجاز حدود دائمة وإخراج دولة فلسطينية قابلة للاتصال والحياة إلا عبر الجسور والأنفاق والأخطر من ذلك وجود اعتقاد داخل أطياف واسعة من اليمين الإسرائيلي بأن نهر الأردن ليس الحدود النهائية لأراضي الكيان لأن رسمها تم بشكل تعسفي من قبل الانتداب البريطاني أي أن شرق نهر الأردن جزء لا يتجزأ من أرض الميعاد ومستوطنات وجدار ومعازل الضفة والقدس الشرقية جزء لا يتجزأ من أرض أورشليم وبالتالي فهي ترى أن حل المشكلة الفلسطينية يوجد وراء نهر الأردن.
عملياً, كشفت صحيفة الدستور الأردنية في آب/أغسطس 2010 عن وجود خطة جديدة لتأمين الحدود الإسرائيلية بكلفة إجمالية قيمتها 20 مليار دولار أعدها أيهود باراك بعد مشاورات واتصالات مطولة مع نتنياهو وقادة واشنطن الأمنيين وتتضمن: تنصيب رادارات على رؤوس الجبال في الضفة الغربية وتطوير منظومة الدفاع الصاروخية الإسرائيلية لجعلها قادرة على مواجهة صورايخ المقاومة ونشر قوات دولية على الحدود الشرقية للأراضي الفلسطينية مع الأردن.
القدس (العاصمة)
عندما احتلت إسرائيل مدينة القدس عام 1967 لم تكن مساحتها تتجاوز ( 6 كيلو متر مربع) بينما هي اليوم أكثر من 300 كيلو متر مربع ويطمح الاحتلال لضم 25 بالمائة من أراضي الضفة (1413 كيلو متر مربع ) إليها في العقد المقبل بعد أن كان قد اقتطع في السابق أكثر من 5 بالمائة من الضفة.
إعلان الاحتلال مدينة القدس بموجب قانون عام 1980 عاصمة أبدية وموحدة له هو الأخر يعني ببساطة أن القدس الفلسطينية لم تعد تتجاوز الأحياء العربية خارج حدود الجدار وهذه قد تم ملئها بالمستوطنات أي أن التفاوض حول ملف القدس - حسب نتنياهو – بات مقتصراً على أحياء محدودة من القدس الشرقية وعلى المقدسات الإسلامية في المدينة القديمة – مساحتها واحد كيلو متر مربع فقط- والتي هي من ضمن مقدسات مسيحية ويهودية بما لذلك من تعقيدات كثيرة ليست فلسطينية وإسرائيلية فحسب بل ودولية.
ملف القدس يظل من أكثر الملفات تعقيداً لكن بصورة عامة لا تزال القدس حسب القرارات الدولية محتلة ولا يزال الجانب الفلسطيني يأمل في الحصول على الأحياء العربية لتكون عاصمة لهم وبالسيادة الكاملة على المسجد الأقصى وإمكانية التوصل إلى ضمانات بخصوص حائط البراق بهدف إتاحة المجال لوصول اليهود إليه والصلاة أمامه فيما يرى الاحتلال أن كل التعهدات التي أطلقها في مفاوضات كامب ديفيد الثانية عام 2000 لجهة تقسيم القدس وموافقته المبدئية بإمكانية التخلي عن السيادة على الحرم القدسي ملغية في إشارة واضحة لمبادرة بيل كلينتون حينها المتضمنة انسحاب الاحتلال من الأحياء العربية وتقسيم البلدة القديمة وإبقاء سيادة رمزية لإسرائيل على حائط البراق وخلق حد أقصى من التواصل الجغرافي لكلا الطرفين والتوافق على وجود مراقبة دولية لتوفير الثقة المتبادلة في حين نجد أن كل الوقائع والحقائق الميدانية تصب في خانة استحالة إمكانية تقسيم القدس الشرقية تحت أي ضغط ويكفينا هنا لتأكيد هذه الحقيقة العودة إلى تصريح رئيسة وزراء الاحتلال (غولدا مائير) عندما أقدم كيانها على إحراق المسجد الأقصى عام 1969 حيث تقول أنها لم تنم تلك الليلة لتخوفها من تحرك الجيوش العربية والإسلامية وعندما استيقظت صباح اليوم التالي ولم يحدث شيء اطمأنت إلى مستقبل إسرائيل!!.
إعادة طرح بعض القوى داخل إسرائيل اليوم وتحديداً أيهود باراك لإمكانية تقسيم القدس الشرقية وفقاً لمبادرة كلينتون من الواضح أن الهدف من ليس إمكانية التقسيم بل الحصول على اعتراف عربي بالمستوطنات بالنظر إلى الحقائق الميدانية المؤكدة أكثر من أي وقتٍ مضى أن الاحتلال سيرسم حدوده ومستقبله في اتجاه مستقبلي, وبمعنى آخر: أن الأحياء العربية باتت تضم بؤر استيطانية يصعب تقسيمها أو تفكيكها وسط بروز رهانين لحسم هوية ومستقبل ومصير هذه المدينة هما:
- مشروع التهويد (القدس 2020): يتحرك في إطار العمل على تغليب الوجود اليهودي ويرى في العام 2020 مرحلة فاصلة لحسم هوية القدس لصالحه وهو يطمح في العقد المقبل لجعل عدد الفلسطينيين في القدس لا يتجاوز 25 ألف فلسطيني مقابل 400 ألف متدين يهودي في الوقت الذي أصبح عدد الفلسطينيين في الأحياء العربية أقلية لأول مرة في التاريخ وبالتالي وضع العرب أمام خيارين: إما التهويد والأسرلة أو المغادرة وهي واحدة من معطيات قانون الاحتلال لعام 1973 الذي حدد نسبة عرب المدينة بـ22 بالمائة مقابل 70 بالمائة يهود لكنه رغم كل الأعمال الوحشية التي قام بها لم يفلح حتى الآن في تغليب الكفة اليهودية لاسيما في المدينة القديمة حيث لازال هناك 30 ألف عربي مقابل 4 ألف يهودي ونسبة الفلسطينيين في القدس بشطريها نحو 35 بالمائة (300 ألف فلسطيني) مع توقع الاحتلال بتجاوزهم 40 بالمائة في العام 2020 .
لكن بصورة عامة لا تزال مدينة القدس حتى الآن مدينة طاردة لليهود حيث تمت مغادرة نحو 105 آلاف يهودي خلال الفترة 1980- 2005 وهذه واحدة من الإشكاليات الكبيرة المعترضة مشروع التهويد ما دعا الاحتلال في آب/أغسطس 2007 لاعتماد خطة بقيمة 200 مليون دولار والإقرار في نهاية تشرين الأول 2010 مشروع جديد يقضي باعتبار القدس منطقة ذات أولوية وطنية(مشروع القدس 30 - أ),وهو واحداً من نحو 38 قانوناً عنصرياً صدرت حتى الآن منها 15 قانوناً صدرت في غضون عامٍ واحد فقط من ولاية نتنياهو و23 قانوناً صدرت في العقود الستة الماضية وكلها تهدف لغاية واحدة هي: إكساب مشاريع الاستيطان والتهويد والجدار صفة الشرعية القانونية والسياسية, في حين ينفرد القانون الجديد بإعطاء الضوء الأخضر لتحويل القدس إلى مدينة عصرية جاذبة للسكان والمستثمرين اليهود على غرار تل أبيب وإقامة سكة حديدية ومستوطنات جديدة فيها تضم أكثر من 60 ألف وحدة سكنية وتوسيع القائم منها وزيادة تضييق الخناق على ما تبقى من الفلسطينيين فيها على أمل أن يسهم ذلك خلال العقد المقبل في خفض نسبة عرب القدس إلى 12 بالمائة وليس 22 بالمائة كما كان مُخططاً له بموجب قانون عام 1973 وتالياً خفض نسبة عرب 1948 من 20 بالمائة حالياً إلى 5 بالمائة لأنهم باتوا يشكلون خطراً على أمن واستمرار ووجود الاحتلال, واجتذاب نحو نصف مليون يهودي إلى القدس, مُدّعِمةً ذلك بتفعيل قانون حسم الهوية (يمين الولاء) وقانون الاستيلاء على أملاك الغائبين والإفصاح عن مشروع الخريطة الجديدة لمدينة القدس العاصمة الأبدية والموحدة وكلها من شأنها إعطاء إسرائيل المسوغ القانوني لضم القدس الشرقية من جانب واحد في حال نجحت هذه الخطوات وهو ما لم تجرؤ عليه إسرائيل طول الـ50 سنة الماضية.
فهل سيتمكن الاحتلال عملياً من جعل العام 2020 حاسماً على طريق تقرير مصير القدس وتحولها إلى مدينة يهودية بامتياز وتقرير مصير الدولة العبرية وتحولها إلى دولة يهودية خالصة ونقية وإسقاط شبح التوازن الديموغرافي والدولة ثنائية القومية إلى الأبد؟!.
- مشروع التثبيت: وهو مشروع عربي مقدسي متواضع لكنه صامد وهو يهدف إلى الحفاظ على هوية المدينة العربية والإسلامية والحفاظ على الوضع القائم فيها لحين تهيؤ الفرصة لتحريرها وقد نجح حتى الآن في إفشال كافة مشاريع التقسيم بالتعاون مع مصر والأردن لكن إمكانياته تظل محدودة نظراً لتشتت وانقسام المشهد الفلسطيني وضعف الموقف العربي وبالتالي ضعف الموارد الكفيلة بمساعدة هذا المشروع على إفشال مرامي التهويد.
خلاصة الخلاصة
بعيداً عن الأحلام والأوهام المتبددة يوماً بعد أخر تحت أقدام الحقائق الميدانية كما هو واضح من قراءتنا السريعة هذه لثلاثة ملفات فقط من ملفات التسوية كنموذج استشرافي لحاضر ومستقبل السلام المنشود والتي تشير بما لا يدع مجالاً للشك بعدم جدية الاحتلال والوسطاء والرعاة الدوليين لإنهاء هذا الصراع المزري, لا الآن ولا في المستقبل القريب, وسط بروز حقيقة واحدة ويتيمة كانت ولا تزال ترسم تعاطي حكومات الاحتلال السابقة واللاحقة هي ما عبر عنها الكاتب الإسرائيلي لاري درفنر بكل وضوح وإنصاف: " نتنياهو لم يكن جاداً ولو للحظة واحدة في التوصل إلى سلام ينطوي على إقامة دولة فلسطينية مستقلة فِعلاً, هو مستعدٌ لرمي عظمة أو عظمتين إلى الفلسطينيين, ولا شيء أكثر من ذلك, لأن إقامة دولة فلسطينية تستحق أن تُسمى دولة, بالنسبة إليه, هي بمثابة استسلام شخصي ووطني وإذلال, وهو يُفضِّل الموت على أن يُسجّل في التاريخ باعتباره (بيتان)إسرائيل" !!.
Al-mahbashi@maktoob.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق