بقلم زيد يحيى المحبشي
مناخ الأرض الجامح لم يعد يتحمل المزيد من الملوثات الصناعية القاتلة التي يتسبب بها الإنسان, ولم يعد يتحمل المزيد من العبثية السياسية وغياب الوعي السياسي بوجود أزمة بيئية شاملة باتت تخترق أكثر الأذهان انغلاقا، ولم يعد يتحمل المزيد من العربدة البشرية الجامحة بحق الطبيعة, والتي حتماً سترد عاجلاً وليس آجلاً على هذه العربدة، على الأقل ذلك ما يعتقده البروفسور البريطاني (جيمس لافلوك) فـ " كوكب الأرض الغاضب سيحاول إعادة التوازن إلى الطبيعة، بيد أن ذلك سيعني إزالة الحضارة ومعظم الجنس البشري، إن جنسا وضع نفسه في حال حرب مع الأرض نفسها، وحدها الكوارث الآن بإمكانها وقف حروب الإنسان الانتحارية ضد بيئة الأرض، التي يدمر فيها التلوث البشري الأعمى, المناخ وتوازنات الرياح والمحيطات"، فهل يعني ذلك أن الإنسان أصبح العدو الأول لنفسه ولمحيطه, وأن زمن الوفاق البشري مع الطبيعة قد ولّى بلا رجعة؟ .
مئات الدراسات والتقارير العلمية شارك في إعدادها أكثر من2000 عالم مناخ من أكثر من 100 دولة حول التقلبات والانفلاتات المناخية التي شهدتها البشرية في العشرية الأخيرة بصورة غير مألوفة وخارجة عن سياقاتها التاريخية, كلها تحذر من دمار شامل ينتظر الجميع بسبب المناخ والبيئة والإحترار العالمي وتصفه بالكارثة.
وتنبؤات بزوال مدن بأكملها وهلاك ملايين البشر وانقراض كائنات حية وأنظمة بيئية حيوية نادرة وشهود البشرية طوفان وعصر جليدي جديد كذلك الذي أودى بحياة الديناصورات قبل 60 مليون سنة, بالتوازي مع تصاعد التحذيرات من اقتراب المناخ من نقطة الانقلاب الشامل واقتراب نهاية الأرض واقتراب يوم الآخرة. يأتي هذا في الوقت الذي صارت فيه السياسة الجامحة حقيقة واقعة على خلفية الجدل المحتدم حول المناخ وانفصال المفاوضات حول تقلباته المخيفة طوال الـ19 عاماً الماضية, عن الواقع ما جعلها أكثر خطورة على حاضر ومستقبل البشرية لاسيما وأنها وجدت لها من العلماء من يخدمها ويشيع التفاؤل تجاه البيئة وموادعتها إثر نجاح الكارتلات الرأسمالية الكبرى في اجتذابهم إلى صفها مقابل حفنة من المال.
إنه عاَلمٌ بلا روح وبلا أخلاق وبلا قِيم يسبح في بحر من ظلمات الحروب والأحقاد والأمراض النفسية والجسدية, رغم تأكد الجميع مما ينتظرهم من عواقب جراء تدميرهم البيئة والطبيعة, فالهوة تزداد عمقاً بين شمال الأرض الغني وجنوبها الفقير, وبين الموت والكفاح من أجل البقاء, وبين الرأسمالية المتوحشة والسماح لها بمواصلة عربدتها القاتلة ضد البيئة والحياة والروح, وتشعب الشرخ كالجرح العميق ليس فقط خلال مفاوضات يوم الأرض في كوبنهاجن نهاية العام الماضي وإنما خلال المجتمع المعولم على المستوى الدولي.
جرحٌ لا نملك معه سوى الارتجاف وجلاً ونحن نرى حفنة من أنصار الجينة الأنانية تقذف بالبشرية بأسرها في أتون الاحتراق الحراري مفرزة أشد المشاعر البشرية قبحاً: الطمع والغرور والخوف وانعدام الثقة، بيد أن اندمال هذا الجرح من العمق قبل تحوله إلى قرحة مليئة بالصديد لا يبدو أنه بات قريباً في ظل التزايد المطرد لحجم الظواهر والكوارث الطبيعية كماً ونوعاً وقوة.
في هذه الوقفة السريعة سنحاول مقاربة حقيقة ما يجري من حروب بشرية جائرة ضد الأرض وأنظمتها وماهية أسبابها ومخاطرها وتداعياتها على حاضر ومستقبل الأرض والبشرية وما إذا كان بالإمكان تلافي حدوث الانقلاب المناخي أم لا وإستشراف مستقبل علاقة الإنسان مع الأرض وأنظمتها؟.
المناخ الجامح: حقيقة أم خيال؟
تتميز الأرض عن سائر الكواكب بوجود الغلاف الجوي، وهو عبارة عن غلالة شفافة تحيط بالأرض
وتحفظها وتُؤَّمِن استمرار الحياة فيها ولذا فوجوده وثبات مكوناته يعني استمرار الحياة المتعارف عليها والعكس في حال شهدت هذه المكونات بعض الإضافات لما يترتب على ذلك من اختلال في توازن أنماط الأنظمة الحيوية الطبيعية كالحرارة والرطوبة والضغط الجوي والمتساقطات المطرية ومسارات التيارات الهوائية وأمواج البحار والمحيطات والمعادلة المناخية.
يتكون الغلاف الجوي من عدة غازات أهمها غازات الدفيئة, ورغم أن نسبتها لا تتجاوز الواحد بالمائة من إجمالي حجم الغلاف إلا أن زيارة متوسط تركيزها منذ انطلاق عجلة الثورة الصناعية (1860م), بات يشكل خطراً حقيقياً على المعادلة المناخية وبالتالي تحميل الدفيئة المسؤولية الأولى عن التغيرات والتقلبات المناخية المتطرفة والمسؤولية الأولى عن سخونة الأرض.
غازات الدفيئة الفتاكة
- ثاني أكسيد الكربون: وهو المتهم الرئيسي في سخونة الأرض رغم أنه لا يشكل سوى 0.035 بالمائة من حجم الغلاف الجوي إلا أن تزايد النشاط الإنساني والصناعي منذ بداية الثورة الصناعية وحتى اليوم, بالتوازي مع تزايد حجم الإنبعاثات الملوثة وتزايد متوسط تركيز الكربون تحديداً في الغلاف الجوي مقارنة بما كان عليه قبل الصناعية من 1000 طن إلى 6000 طن سنوياً أي أنه ارتفع من 275 إلى 380 جزء في المليون بزيادة سنوية قدرها 25 بالمائة والمتوقع أن يصل إلى 460- 560 جزء في المليون بحلول عام 2100 وأهم مصادره: حرق الوقود الأحفوري – النفط والغاز الطبيعي والفحم - والنفايات الصلبة والأخشاب والتفاعلات الكيميائية ورغم أن معالجته تحتاج إلى قرون عديدة إلا أن الحاجة ملحة اليوم لتثبيته عند مستوى 350 جزء في المليون منعاً لحدوث الكارثة.
- الميثان: ارتفع متوسط تركيزه من 700 إلى 1760 جزء في المليون بزيادة سنوية قدرها 0.09 جزء في المليون, وأهم مصادره: الماشية والزراعة وتفكيك النفايات العضوية ومعدل بقائه في الجو عشر سنوات.
- أكسيد النيتروز: زاد متوسط تركيزه من 270 إلى 316 جزء في المليون بفارق سنوي قدره 18 بالمائة وأهم مصادره: الأسمدة الصناعية المستخدمة في الزراعة ومعالجة مياه المجاري وحرق الوقود الاحفوري ومعدل بقائه في الجو عشرة آلاف سنة.
- مركبات كلوروفلوروكربون: وهي لم تكن موجودة قبل الثورة الصناعية وتكمن خطورتها في خلخلة طبقة الأوزون، والتي أخذت أهمية خاصة في العام 1985 إثر اكتشاف العلماء وجود ثقب في طبقة الأوزون فوق القارة القطبية الجنوبية قطره 9 كم بسبب انخفاض كثافة الأوزون عن معدلها الطبيعي بنحو 50 بالمائة والآتي بعد مرور 15 عاماً فقط منذ بدء ظهور علامات الإحترار العالمي في العام 1970، مركبات الكلور يزداد تركيزها السنوي بواقع 4 بالمائة وأهم مصادرها:السيارات والمكثفات ومعدات التبريد والبخاخات وأجهزة الاستنشاق فيما تحتاج معالجتها إلى 50- 100 سنة.
- مركبات الكربون المشبعة بالفلور: والناجمة عن إنتاج الألمونيوم
- سادس فلوريد الكبريت: الناتج عن انتقال الطاقة الكهربائية وإنتاج الماغنيسيوم والألمونيوم.
ومعلومٌ أن 68 بالمائة من الانبعاثات الملوثة السنوية تأتي من استخدام الوقود الأحفوري في توليد الكهرباء والطاقة و13 بالمائة من وسائل النقل (أثبتت الدراسات أن راكب القطار السريع يتسبب في انبعاث 14.2 كيلو جرام من الكربون مقارنة بـ 43.6 كجم لراكب السيارة و82.4 كجم لراكب الطائرة) ,و17.4 بالمائة بسبب إزالة الغابات والشعب المرجانية التي تُعد بمثابة مغسلة الكربون و14 بالمائة من استخدام المبيدات الكيميائية في الزراعة, 74 بالمائة من الانبعاثات الزراعية تنشأ في الدول النامية.
على مستوى الدول استحقت أميركا لقب أميرة التلوث فهي تصدر ربع انبعاثات العالم وتستهلك ربع إنتاجه من الوقود الأحفوري تليها الصين والهند حيث يتوقع أن تتحمل الأولى المسؤولية عن 35 بالمائة من الانبعاثات الملوثة والثانية 22 بالمائة بحلول العام 2020 والسبب في ذلك أن معظم الشركات والمصانع الأميركية والغربية الملوثة, موجودة في الصين والهند تم نقلها من موطنها الأم إما لوجود قوانين صارمة تحد من حرية التلويث أو لرخص الأيدي العاملة ولعل هذا كان كافياً لكشف خيوط المؤامرة التي قادت إلى فشل قمة كوبنهاجن خصوصاً وأن أميركا قد نجحت في فصل الصين والهند إلى جانب البرازيل وجنوب أفريقيا وهي الدول المسؤولية عن 30 بالمائة من الانبعاثات العالمية السنوية عن مجموعة الـ77 تحديداً (تضم 130 بلداً نامياً
المعادلة المناخية
وهي عبارة عن "تساوي معدل ما تكسبه الأرض من طاقة شمسية لما تفقده بالإشعاع الأرضي إلى الفضاء الخارجي" ولكن ذلك يتوقف في الأساس على ثبات الاتزان البيئي ومعدل حرارة سطح الأرض عند مقدار ثابت هو 15 درجة مئوية, وهو مالا يبدو متوفراً اليوم في ظل الارتفاع التدريجي لدرجة حرارة الطبقة السفلى للغلاف الجوي وتغير سيلان الطاقة الحرارية من البيئة وإليها بفعل الزيادة المطردة في متوسط تركيز غازات الدفيئة,بصورة فاقت قدرة الغلاف الجوي على التحمل, ما أدى إلى ارتفاع مماثل في متوسط درجة حرارة الأرض منذ العام 1860 والآخذ بالتسارع منذ العام 1970 مصحوباً بزيادة وتيرة الاحترار العالمي بسبب قيام غازات الدفيئة بالقسط الأكبر من حبس الأشعة المنبعثة من سطح الأرض وعدم السماح بتسريبها إلى الفضاء الخارجي, بفعل قيام الدفيئة بإحاطة الطبقة الداخلية للغلاف الجوي بطبقة عازلة أخرى من غازات الدفيئة متسببة بذلك في اختلال التوازن الطبيعي وبروز الكثير من الظواهر والكوارث الطبيعية التي لم تكن مألوفة منذ آلاف السنين.
وتزداد الصورة قتامة مع توقع علماء المناخ تجاوز متوسط الزيادة في تركيز غازات الدفيئة في عامنا الجاري ما نسبته 5.2 بالمائة مقارنة بما كانت عليه عام1990 ما ينذر بحدوث كارثة محققة إذا ما استمرت في التصاعد, مالم يبادر الإنسان إلى إيقاف كافة الانبعاثات قبل فوات الأوان, ناهيك عن أن تأثيراتها ستحتاج إلى قرون عديدة قبل أن يتمكن الإنسان من إعادة المناخ إلى توازنه الطبيعي الذي كان عليه قبل ظهور الثورة الصناعية وهو ما يؤكد صحة العلاقة الارتباطية الوثيقة بين الكوارث الطبيعية وبين ارتفاع سخونة سطح الأرض.
أزمة المناخ صحيح أنها ليست جديدة لكنها أصبحت ملحة حديثاً نتيجة الشره الأعمى للرأسمالية العالمية المتعاظم على حساب الطبيعة وتوجهها المتعمد منذ أن صارت القوة العالمية الوحيدة في العام 1990 إلى رفض إخضاع نموها الاقتصادي للتوازنات البيئية ومستلزماتها, وهذا الموقف ليس سوى صدى لقاعدة انطلاق الرأسمالية تاريخياً والتي أقامت على أساسها صرحها الكبير منذ القرن الثامن عشر, معتبرة الطبيعة "عدواً يجب مقاتلته وإخضاعه واستنزافه حتى الموت" واعتقادها بأن العالم يمكن فهمه وتغييره في المختبرات والمصانع وأنه لا يعدو عن كونه مجرد آلة مادية عملاقة يمكن تفكيكها وتركيبها كما يشاء الإنسان ولذا ليس من قبيل المبالغة أن هذه الفلسفة وليس الدول الغنية وحدها كانت المنتصر الحقيقي في كوبنهاجن
الآثار والتداعيات المرصودة
يمثل عامي 1860 و1911 مرحلة فاصلة في تاريخ المناخ حيث شهدت أوربا خلال الفترة (1300 - 1860) موجات من الفتور الحراري عُرفت بالصقيع الصغير تلتها موجات جديدة من الارتفاع الضئيل للحرارة مدمرة بالتدريج موجات الصقيع تلك, في حين كان المتوسط الثابت للارتفاع في حرارة الأرض 15 درجة مئوية حتى العام 1860, والذي مثَّل خاتمة فترة كان للمناخ فيها أهمية استثنائية, إذ كان يمكنه أن يؤدي إلى اندلاع الثورات في فترة القحط الكبير، غير أن فترة التصنيع 1895- 1940 شهدت ارتفاعاً ملحوظاً بلغت نسبته حتى العام 1990 نحو ستة أعشار الدرجة وثمانية أعشار الدرجة اليوم.
قياس التبدُلات المناخية قبل العام 1860 كان يتم بواسطة القمح ليحل محله النبيذ أو قِطّاف العنب بعدها, لكن ذلك تغير تماماً في العام 1911 عندما شهد العالم نقطة تحول كبيرة أرخت لمرحلة جديدة من التبدُلات المناخية, أبرز علاماتها حدوث إحدى أكبر موجات الحر الشديد في صيفه حصدت أرواح 40 ألف إنسان في أوربا وحدها ناهيك عن إثارتها اضطرابات اجتماعية كبيرة, ومن حينها تغيرت وسائل قياس التغير المناخي وزادت تعقيداتها تبعاً لتعقيدات التكنولوجيا إلى جانب خضوعها لتقديرات العلماء وحسابات الساسة.
الارتفاع في حرارة الأرض ترتب عليه ارتفاع مماثل في متوسط ارتفاع سطح المحيطات بلغت نسبته نحو 20 سم للفترة ( 1860- 2001 ) بما يعادل عُشري الميليمتر سنوياً فيما كان متوسطه الثابت خلال الفترة( 1961- 2003 ) نحو 1.7 ملم سنوياً كما شهدت حقبة التسعينات أسخن جو في شمال الأرض منذ ألف عام بينما كانت الفترة 2000- 2009 الأكثر سخونة منذ العام 1860 حيث احتل العام 2009 المرتبة الخامسة في هذه الفترة مصحوبة بتزايد حدوث الأعاصير في أماكن لم تكن متوقعة وظهور العنف المطري وتزايد وتائر حرائق الغابات والذوبان المفاجئ لمجالد القطب الجنوبي وتلوث البحار والمحيطات الكبرى وتدهور الأنظمة البيئية على الجزر والسواحل وتفاقم الأمراض والأوبئة وتزايد شبح الفيضانات مشردةً أكثر من 20 مليون إنسان خلال العام 2008 فقط في وقت تشير فيه الدراسات والإحصاءات العلمية إلى أن الكوارث الطبيعية تضاعفت إلى أكثر من الثلثين في العقدين الأخيرين وأن المناخ في العام الحالي سيكون أكثر وضوحاً , كما ارتفعت مستويات البحر إلى 4- 8 إنشات خلال العام الماضي فقط أي عشرة أضعاف ما كانت عليه قبل 3 آلاف سنة وارتفعت حرارتها بواقع 0.06 بالمائة لكل ألف متر مسطح وارتفعت درجة حرارة الهواء بمعدل 1.2 درجة سلزيوس, إلى أخره, وجميع ذلك – طبعاً - تم التحقق منه علمياً والتحقق من ارتباطه الوثيق بالدفيئة.
الآثار والتداعيات المتوقعة
صحيح أن الشك لا يزال سيد الموقف في الأوساط العلمية حيال العديد من الظواهر التي تؤثر على سرعة التغير المناخي بما في ذلك الشك في مدى تغير الإشعاع الشمسي في السنوات والعقود المقبلة واتجاه العالم نحو المزيد من الدفء بشكل يفوق المستويات الراهنة, وهي ترى أيضاً في زيادة معدلات البخر وكميات السحب وتغير توزيعها وتغير توقيت سقوط الأمطار والضغط الجوي ومسارات الرياح السائدة وتزايد البرد القارص والحر القائض, مؤشرات لا تبعث على الاطمئنان خصوصاً إذا ما استمر الارتفاع في متوسط حرارة الأرض على ما هو عليه حالياً في ظل اللامبالاة والتجاهل من قادة وساسة أغنياء العالم واستمرارهم في إلقاء التبعة والمسؤولية على فقراء الأرض, وغياب الجِدِّية العملية للحد من الملوثات الصناعية.
كل هذا أبرز على السطح عدة مخاوف وتوقعات لما ينتظرنا منها على سبيل المثال:
دفع النسبة التي حددتها قمة كوبنهاجن فيما يتعلق بالحفاظ على مستوى الزيادة في متوسط حرارة الأرض عند مستوى درجتين مئويتين مقارنة بما كانت عليه في العام 1860, ليس إلى تقليص الزيادة وإنما إلى مضاعفتها والخوف هنا من أن تتجاوز 5.8 درجة بحلول نهاية القرن الحالي ما يعني التسبب في إنهاء الحياة البشرية في مناطق كثيرة من العالم وانقراض أكثر من 20 في المائة من الكائنات الحية وحلول عصر جليدي جديد, وحدوث طوفان واسع النطاق, وحدوث ارتفاع أكبر وأسرع في مستويات مياه المحيطات قد تتجاوز المتر إلى التسعة أمتار وذوبان المجالد والثلوج في القطبين وفوق قمم الجبال,وكل هذا سيتسبب حتماً في العديد من الآثار الكارثية, سواء كانت مباشرة كغرق جزر وبلدان وسواحل بكاملها وازدياد زحف الجفاف والتصحر وتهجير أكثر من مليار إنسان خلال العقود الأربعة المقبلة (مشردي المناخ ) وهو ما أطلق عليه العلماء اسم بؤر ساخنة في المستقبل قد تشهد نزوح بشري كبير كأفغانستان وبنجلاديش وجزر المحيط الهادي وأجزاء واسعة من أوربا أو غير مباشرة كانتشار المجاعات والأوبئة ونقص مياه الشرب ومعلوم أن سدس سكان الأرض يعيشون في مناطق ستتأثر بذلك أو أمنية كالصراعات المحلية والإقليمية والنزاعات العالمية على متطلبات الحياة الأساسية إلى درجة ما يسري عليها وصف الحروب المناخية المستقبلية أو بيولوجية كانقراض واسع النطاق للمخلوقات الحية وخسارة أنظمة بيئية فريدة.
يأتي هذا في الوقت الذي تحرص فيه الأطروحات الدولية على ألا يصل ارتفاع مستوى البحر وحرارة الأرض إلى درجة تهدد الدول الصناعية إلا بصورة محدودة ولتذهب الدول الفقيرة إلى الجحيم لكن الكارثة إذا ما حلت لن تستثني أحداً
السياسة الجامحة: المال قبل المناخ
تعود بدايات التعاطي السياسي مع قضية المناخ إلى 12 شباط/ فبراير 1979, إثر انعقاد أول مؤتمر دولي حول المناخ بجنيف, تتابعت بعد ذلك المؤتمرات والقمم وآخرها قمة كوبنهاجن 7- 19 كانون الأول/ ديسمبر 2009 بالتوازي مع توسع رقعة الجدل السياسي حول حقيقة ارتباط التبدلات المناخية بالكوارث الطبيعية من عدمه، في حين اقتصرت مفرزة العمليات التفاوضية الأممية على إخراج الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة حول المناخ عام 1992 بمصادقة 192 دولة وبروتوكول كيوتو 1997 المصادق عليه حتى الآن 194 دولة بعد انضمام العراق والصومال وتدشين المرحلة الأولى منه (2005- 2012) مصحوباً بحراك أممي غير مسبوق لإيجاد اتفاقية بديلة مع حلول بداية العام 2013 تكون ملزمة وشاملة وشرعية على خلفية التعثر المصاحب للمرحلة الأولى من كيوتو.
كيوتو رغم ماله من أهمية كأول خطوة عملية إدراكية لحجم المشكلة المناخية والأداة القانونية الوحيدة المتوفرة حتى الآن, التي تفرض إجراءات ملزمة على المصادقين عليها, لكنها بالمقابل شكلت انطلاقة لهيمنة موضوعي الطاقة والسوق – تسليع الأرض والهواء والمناخ- على مفاوضات الأمم المتحدة خصوصاً في الأعوام الثلاثة الأخيرة والتي قادتها بفشل منقطع النظير كما فشلت في انجاز هدف المرحلة الأولى من كيوتو المتعلق بخفض الانبعاثات الملوثة بواقع 5.7 بالمائة بحلول العام 2012, والمنعكس بدوره على قمة كوبنهاجن وما تمخض عنها من تداعيات وضعت العالم في مواجهة مباشرة مع احتمالات بنسبة 50 بالمائة لدخول المناخ دائرة الانقلاب التام.
أميركا والصين ومن خلفهما الكارتلات الاقتصادية والصناعية العالمية مايزالا حتى الآن خارج كيوتو كما أنهما يتربعان عرش إمارة التلوث العالمي في وقت لاتزال فيه سلطة القرار السياسي العالمي مجيرة لصالح وحساب الكارتلات الاقتصادية والرأسمالية, لذا لا تأخذنا الدهشة أمام ما نشهده من تحويل مخيف للأرض والهواء والمناخ إلى مجرد سلعة تجارية ووسيلة للثراء السريع على حساب الأرض والإنسان وأجيال المستقبل بعد أن تم تحويل قضية التغير المناخي إلى مجرد مشكلة تتعلق بالإدارة الاقتصادية الفعالة للطبيعة ومواردها.
في الاتجاه الآخر تقف الدول النامية وحيدةً بعد أن تخلت عنها الصين وتم تجاهل الاتحاد الأوربي ومن ثم إبداء الدول النامية مخاوفها من نقص الاهتمام بالمرحلة الثانية من كيوتو وسط غياب الاستعداد التاريخي لإنجاز اتفاقية دولية ملزمة قانونياً وتحد من حرية أمراء التلويث وبروز العديد من المؤشرات لسحب بساط مفاوضات المناخ وتمويل التكيف مع تقلباته من تحت أقدام الأمم المتحدة وتحويله إلى البنك الدولي, وصولاً إلى قتل كيوتو.
أوباما كان واضحاً عندما قال قبل أشهر "أن العلاقات الصينية- الأميركية هي من سيقرر مستقبل البشرية والأرض في القرن الحادي والعشرين", قمة كوبنهاجن لم يشفع لها الحضور العالي المستوى وغير المسبوق - شهدت مشاركة وفود من 193 دولة وحضور نحو 120 رئيس دولة وحكومة في فعالية الاختتام, مقارنة بغياب الرؤساء واقتصار المشاركة بقمة كيوتو على 37 دولة فقط - في أن تكون قمة الأرض بحق, بعد أن خيم عليها الفشل منذ اللحظة الأولى لانطلاقتها لولا توافقات الحدود الدنيا بين الصين وأميركا والتي انتشلتها في اللحظات الأخيرة بوثيقة مرتبكة وغير إلزامية بعد نزع صاعق التفجير البيئي ودون أن تحظى بالإجماع الدولي باستثناء30 دولة ناهضة وصناعية بعد ضمان حفظ مصالح الصين الرافضة خلال توسعها الاقتصادي أي التزامات جديدة على صناعتها المتوسعة ولو كانت لإنقاذ الأرض وضمان حفظ مصالح أميركا الرافضة أي أعباء جديدة على صناعاتها في فترة الأزمة المالية العالمية ولو كان على حساب الاتحاد الأوربي ومجموعة الـ77.
بيان كوبنهاجن على تواضعه اكتفى بالإشارة إلى التوجه للحفاظ على الزيادة في متوسط درجة حرارة الأرض بدرجتين مئويتين مقارنة بما كانت عليه قبل الثورة الصناعية وفيض من التعهدات المالية لدعم الدول الأكثر تضرراً من التغير المناخي ومساعدتها على التكيف حددها أوباما بفترتين تشمل الأولى 2010- 2012 وبحجم 25- 30 مليار دولار بواقع 10 مليارات دولار سنوياً, والثانية بعد عام 2020 بحجم 100 مليار دولار سنوياً وهي مبالغ رمزية لا تراعي الحدود الدنيا لأوضاع المجتمعات إلى جانب وعود بخفض الانبعاثات الملوثة إلى 40 بالمائة بحلول العام 2050م و 12 – 16 بالمائة حتى العام 2020 مقارنة بما كانت عليه في العام 1990.
اللافت هنا غياب صفة الإلزامية وبقاء المشروطية في كل ما سبق وترك المجال مفتوحاً أمام الدول الغنية لتعمل ما تريد وكيف تريد دون أي رقابة ودون الحاجة للعودة إلى الأمم المتحدة ومطالبة الدول النامية بخطوات عملية إستباقية وإلزامية كما لم يضع البيان أي جدول زمني فيما يتعلق بالمساعدات – ولا كيفية جمعها وآلية توزيعها - وتخفيضات الانبعاثات ولم يتضمن أي إشارة فيما يتعلق بضرورة مواصلة الدول العمل الجاد للتوصل إلى اتفاقية دولية شاملة وملزمة قانونيا باستثناء تحديد نهاية العام الجاري موعداً لانعقاد قمة أرض جديدة بمكسيكو لحسم الجدل حول الخطوط العريضة المعلقة منذ العام 2007م وقد يكون هذا متعمداً لسبب بسيط هو نجاح أوباما في بتر سيقان الاتفاقية الأممية الإطارية حول المناخ لعام 1992 وبروتوكول كيوتو لعام 1997 عندما أعلن أن بلاده ستفعل ما تفعله ولكنها لن تتورط في فوضى عمليات الأمم المتحدة الخاصة بالمناخ في عامنا الجاري لإدراكها مسبقا بأنها لن تحقق الكثير في قمة مكسيكو والمنسحب بدوره على الصين وعدد من الدول النفطية والصناعية والكارتلات الرأسمالية المنزعجة من عمليات الأمم المتحدة على أمل إحلال بيان كوبنهاجن محل القانون الدولي وتعطيل مفاعيل كيوتو ومقايضاتها بسياسات القوى الكبرى.
يأتي هذا في وقت لايزال الاتحاد الأوربي وهو الخاسر الأكبر في كوبنهاجن إلى جانب الدول النامية مصراً على رؤيته الجامدة القائمة على مقايضة الانبعاثات العالمية في أسواق الكربون رغم سقفها العالي وكلفتها الباهظة, وعدم ملائمتها للكثير من دول العالم خصوصاً النامية.
وعود وتعهدات وكلام كثير وكبير سمعناه في كوبنهاجن وما تمخض عنها من بيان هزيل غلبته مسحة الألغاز والطلاسم العصية على الفهم والتي لا تخدم الأرض بل تزيد من اشتعال الحرب البشرية الجائرة ضد البيئة وتُباعد الخطوات والآمال في خروج اتفاقية دولية ملزمة تضع حداً لهذه الحرب وتخفف من معانات فقراء العالم وتحد من عبثية ومظلومية استمرار دفعهم لفاتورة الطمع والغرور الرأسمالي وتحميلهم القسم الأعظم من تداعيات المناخ.
المشكلة المناخية بدأت اليوم تطرح مشاكل باتت تهدد الجميع وخصوصاً في عامنا الجاري ومع ذلك رغم مرور 19 عاماً من المفاوضات الأممية العقيمة ما يزال دور المال في السياسة يمثل عائقاً كبير أمام حل معضلة الاحتباس الحراري وما تزال الحكومات تستمع لمستشاريها السياسيين أكثر من استماعها للخبراء في العلوم وسط استمرار الكارتلات الرأسمالية في صم آذانها عما يحدق بها من مخاطر كونية كارثية وترفض التعايش مع المعطيات البيو- مناخية في الوقت الذي تشير فيه المعطيات إلى أن تقدميتها الرأسمالية قد تنقلب إلى رجعية مدمرة إذا ما بدأ نمط إنتاجها يتناقض ويتضارب مع قدرة الأرض على تحمل مضاعفاته.
الحاجة اليوم ماسة لمنح مركزية الأرض والمناخ الأولوية وليس الاقتصاد والإنسان والابتعاد عن التسويات السياسية لن الطبيعة والقوانين الفيزيائية لا تحتمل التسوية وتبقى كما هي, وكون ذلك لا يبدو قريباً في عالمٍ البقاء فيه للأقوى يبقى الخلاص والباب الوحيد أمام فقراء العالم هو الإكثار من الصلاة والدعاء بأن تكون الكوارث البيئية المقبلة وهي مقبلة حتماً محدودة وغير شاملة بحيث يتمكن من يتبقى من البشر من إعادة بناء علاقة سوية مع الطبيعة انطلاقاً من إدراك القيمة الكامنة في العالم الطبيعي والعمل على الحفاظ عليها وتبقى الألطاف الإلهية وحدها لا سواها أرحم بالبشر من أنفسهم.
مناخ الأرض الجامح لم يعد يتحمل المزيد من الملوثات الصناعية القاتلة التي يتسبب بها الإنسان, ولم يعد يتحمل المزيد من العبثية السياسية وغياب الوعي السياسي بوجود أزمة بيئية شاملة باتت تخترق أكثر الأذهان انغلاقا، ولم يعد يتحمل المزيد من العربدة البشرية الجامحة بحق الطبيعة, والتي حتماً سترد عاجلاً وليس آجلاً على هذه العربدة، على الأقل ذلك ما يعتقده البروفسور البريطاني (جيمس لافلوك) فـ " كوكب الأرض الغاضب سيحاول إعادة التوازن إلى الطبيعة، بيد أن ذلك سيعني إزالة الحضارة ومعظم الجنس البشري، إن جنسا وضع نفسه في حال حرب مع الأرض نفسها، وحدها الكوارث الآن بإمكانها وقف حروب الإنسان الانتحارية ضد بيئة الأرض، التي يدمر فيها التلوث البشري الأعمى, المناخ وتوازنات الرياح والمحيطات"، فهل يعني ذلك أن الإنسان أصبح العدو الأول لنفسه ولمحيطه, وأن زمن الوفاق البشري مع الطبيعة قد ولّى بلا رجعة؟ .
مئات الدراسات والتقارير العلمية شارك في إعدادها أكثر من2000 عالم مناخ من أكثر من 100 دولة حول التقلبات والانفلاتات المناخية التي شهدتها البشرية في العشرية الأخيرة بصورة غير مألوفة وخارجة عن سياقاتها التاريخية, كلها تحذر من دمار شامل ينتظر الجميع بسبب المناخ والبيئة والإحترار العالمي وتصفه بالكارثة.
وتنبؤات بزوال مدن بأكملها وهلاك ملايين البشر وانقراض كائنات حية وأنظمة بيئية حيوية نادرة وشهود البشرية طوفان وعصر جليدي جديد كذلك الذي أودى بحياة الديناصورات قبل 60 مليون سنة, بالتوازي مع تصاعد التحذيرات من اقتراب المناخ من نقطة الانقلاب الشامل واقتراب نهاية الأرض واقتراب يوم الآخرة. يأتي هذا في الوقت الذي صارت فيه السياسة الجامحة حقيقة واقعة على خلفية الجدل المحتدم حول المناخ وانفصال المفاوضات حول تقلباته المخيفة طوال الـ19 عاماً الماضية, عن الواقع ما جعلها أكثر خطورة على حاضر ومستقبل البشرية لاسيما وأنها وجدت لها من العلماء من يخدمها ويشيع التفاؤل تجاه البيئة وموادعتها إثر نجاح الكارتلات الرأسمالية الكبرى في اجتذابهم إلى صفها مقابل حفنة من المال.
إنه عاَلمٌ بلا روح وبلا أخلاق وبلا قِيم يسبح في بحر من ظلمات الحروب والأحقاد والأمراض النفسية والجسدية, رغم تأكد الجميع مما ينتظرهم من عواقب جراء تدميرهم البيئة والطبيعة, فالهوة تزداد عمقاً بين شمال الأرض الغني وجنوبها الفقير, وبين الموت والكفاح من أجل البقاء, وبين الرأسمالية المتوحشة والسماح لها بمواصلة عربدتها القاتلة ضد البيئة والحياة والروح, وتشعب الشرخ كالجرح العميق ليس فقط خلال مفاوضات يوم الأرض في كوبنهاجن نهاية العام الماضي وإنما خلال المجتمع المعولم على المستوى الدولي.
جرحٌ لا نملك معه سوى الارتجاف وجلاً ونحن نرى حفنة من أنصار الجينة الأنانية تقذف بالبشرية بأسرها في أتون الاحتراق الحراري مفرزة أشد المشاعر البشرية قبحاً: الطمع والغرور والخوف وانعدام الثقة، بيد أن اندمال هذا الجرح من العمق قبل تحوله إلى قرحة مليئة بالصديد لا يبدو أنه بات قريباً في ظل التزايد المطرد لحجم الظواهر والكوارث الطبيعية كماً ونوعاً وقوة.
في هذه الوقفة السريعة سنحاول مقاربة حقيقة ما يجري من حروب بشرية جائرة ضد الأرض وأنظمتها وماهية أسبابها ومخاطرها وتداعياتها على حاضر ومستقبل الأرض والبشرية وما إذا كان بالإمكان تلافي حدوث الانقلاب المناخي أم لا وإستشراف مستقبل علاقة الإنسان مع الأرض وأنظمتها؟.
المناخ الجامح: حقيقة أم خيال؟
تتميز الأرض عن سائر الكواكب بوجود الغلاف الجوي، وهو عبارة عن غلالة شفافة تحيط بالأرض
وتحفظها وتُؤَّمِن استمرار الحياة فيها ولذا فوجوده وثبات مكوناته يعني استمرار الحياة المتعارف عليها والعكس في حال شهدت هذه المكونات بعض الإضافات لما يترتب على ذلك من اختلال في توازن أنماط الأنظمة الحيوية الطبيعية كالحرارة والرطوبة والضغط الجوي والمتساقطات المطرية ومسارات التيارات الهوائية وأمواج البحار والمحيطات والمعادلة المناخية.
يتكون الغلاف الجوي من عدة غازات أهمها غازات الدفيئة, ورغم أن نسبتها لا تتجاوز الواحد بالمائة من إجمالي حجم الغلاف إلا أن زيارة متوسط تركيزها منذ انطلاق عجلة الثورة الصناعية (1860م), بات يشكل خطراً حقيقياً على المعادلة المناخية وبالتالي تحميل الدفيئة المسؤولية الأولى عن التغيرات والتقلبات المناخية المتطرفة والمسؤولية الأولى عن سخونة الأرض.
غازات الدفيئة الفتاكة
- ثاني أكسيد الكربون: وهو المتهم الرئيسي في سخونة الأرض رغم أنه لا يشكل سوى 0.035 بالمائة من حجم الغلاف الجوي إلا أن تزايد النشاط الإنساني والصناعي منذ بداية الثورة الصناعية وحتى اليوم, بالتوازي مع تزايد حجم الإنبعاثات الملوثة وتزايد متوسط تركيز الكربون تحديداً في الغلاف الجوي مقارنة بما كان عليه قبل الصناعية من 1000 طن إلى 6000 طن سنوياً أي أنه ارتفع من 275 إلى 380 جزء في المليون بزيادة سنوية قدرها 25 بالمائة والمتوقع أن يصل إلى 460- 560 جزء في المليون بحلول عام 2100 وأهم مصادره: حرق الوقود الأحفوري – النفط والغاز الطبيعي والفحم - والنفايات الصلبة والأخشاب والتفاعلات الكيميائية ورغم أن معالجته تحتاج إلى قرون عديدة إلا أن الحاجة ملحة اليوم لتثبيته عند مستوى 350 جزء في المليون منعاً لحدوث الكارثة.
- الميثان: ارتفع متوسط تركيزه من 700 إلى 1760 جزء في المليون بزيادة سنوية قدرها 0.09 جزء في المليون, وأهم مصادره: الماشية والزراعة وتفكيك النفايات العضوية ومعدل بقائه في الجو عشر سنوات.
- أكسيد النيتروز: زاد متوسط تركيزه من 270 إلى 316 جزء في المليون بفارق سنوي قدره 18 بالمائة وأهم مصادره: الأسمدة الصناعية المستخدمة في الزراعة ومعالجة مياه المجاري وحرق الوقود الاحفوري ومعدل بقائه في الجو عشرة آلاف سنة.
- مركبات كلوروفلوروكربون: وهي لم تكن موجودة قبل الثورة الصناعية وتكمن خطورتها في خلخلة طبقة الأوزون، والتي أخذت أهمية خاصة في العام 1985 إثر اكتشاف العلماء وجود ثقب في طبقة الأوزون فوق القارة القطبية الجنوبية قطره 9 كم بسبب انخفاض كثافة الأوزون عن معدلها الطبيعي بنحو 50 بالمائة والآتي بعد مرور 15 عاماً فقط منذ بدء ظهور علامات الإحترار العالمي في العام 1970، مركبات الكلور يزداد تركيزها السنوي بواقع 4 بالمائة وأهم مصادرها:السيارات والمكثفات ومعدات التبريد والبخاخات وأجهزة الاستنشاق فيما تحتاج معالجتها إلى 50- 100 سنة.
- مركبات الكربون المشبعة بالفلور: والناجمة عن إنتاج الألمونيوم
- سادس فلوريد الكبريت: الناتج عن انتقال الطاقة الكهربائية وإنتاج الماغنيسيوم والألمونيوم.
ومعلومٌ أن 68 بالمائة من الانبعاثات الملوثة السنوية تأتي من استخدام الوقود الأحفوري في توليد الكهرباء والطاقة و13 بالمائة من وسائل النقل (أثبتت الدراسات أن راكب القطار السريع يتسبب في انبعاث 14.2 كيلو جرام من الكربون مقارنة بـ 43.6 كجم لراكب السيارة و82.4 كجم لراكب الطائرة) ,و17.4 بالمائة بسبب إزالة الغابات والشعب المرجانية التي تُعد بمثابة مغسلة الكربون و14 بالمائة من استخدام المبيدات الكيميائية في الزراعة, 74 بالمائة من الانبعاثات الزراعية تنشأ في الدول النامية.
على مستوى الدول استحقت أميركا لقب أميرة التلوث فهي تصدر ربع انبعاثات العالم وتستهلك ربع إنتاجه من الوقود الأحفوري تليها الصين والهند حيث يتوقع أن تتحمل الأولى المسؤولية عن 35 بالمائة من الانبعاثات الملوثة والثانية 22 بالمائة بحلول العام 2020 والسبب في ذلك أن معظم الشركات والمصانع الأميركية والغربية الملوثة, موجودة في الصين والهند تم نقلها من موطنها الأم إما لوجود قوانين صارمة تحد من حرية التلويث أو لرخص الأيدي العاملة ولعل هذا كان كافياً لكشف خيوط المؤامرة التي قادت إلى فشل قمة كوبنهاجن خصوصاً وأن أميركا قد نجحت في فصل الصين والهند إلى جانب البرازيل وجنوب أفريقيا وهي الدول المسؤولية عن 30 بالمائة من الانبعاثات العالمية السنوية عن مجموعة الـ77 تحديداً (تضم 130 بلداً نامياً
المعادلة المناخية
وهي عبارة عن "تساوي معدل ما تكسبه الأرض من طاقة شمسية لما تفقده بالإشعاع الأرضي إلى الفضاء الخارجي" ولكن ذلك يتوقف في الأساس على ثبات الاتزان البيئي ومعدل حرارة سطح الأرض عند مقدار ثابت هو 15 درجة مئوية, وهو مالا يبدو متوفراً اليوم في ظل الارتفاع التدريجي لدرجة حرارة الطبقة السفلى للغلاف الجوي وتغير سيلان الطاقة الحرارية من البيئة وإليها بفعل الزيادة المطردة في متوسط تركيز غازات الدفيئة,بصورة فاقت قدرة الغلاف الجوي على التحمل, ما أدى إلى ارتفاع مماثل في متوسط درجة حرارة الأرض منذ العام 1860 والآخذ بالتسارع منذ العام 1970 مصحوباً بزيادة وتيرة الاحترار العالمي بسبب قيام غازات الدفيئة بالقسط الأكبر من حبس الأشعة المنبعثة من سطح الأرض وعدم السماح بتسريبها إلى الفضاء الخارجي, بفعل قيام الدفيئة بإحاطة الطبقة الداخلية للغلاف الجوي بطبقة عازلة أخرى من غازات الدفيئة متسببة بذلك في اختلال التوازن الطبيعي وبروز الكثير من الظواهر والكوارث الطبيعية التي لم تكن مألوفة منذ آلاف السنين.
وتزداد الصورة قتامة مع توقع علماء المناخ تجاوز متوسط الزيادة في تركيز غازات الدفيئة في عامنا الجاري ما نسبته 5.2 بالمائة مقارنة بما كانت عليه عام1990 ما ينذر بحدوث كارثة محققة إذا ما استمرت في التصاعد, مالم يبادر الإنسان إلى إيقاف كافة الانبعاثات قبل فوات الأوان, ناهيك عن أن تأثيراتها ستحتاج إلى قرون عديدة قبل أن يتمكن الإنسان من إعادة المناخ إلى توازنه الطبيعي الذي كان عليه قبل ظهور الثورة الصناعية وهو ما يؤكد صحة العلاقة الارتباطية الوثيقة بين الكوارث الطبيعية وبين ارتفاع سخونة سطح الأرض.
أزمة المناخ صحيح أنها ليست جديدة لكنها أصبحت ملحة حديثاً نتيجة الشره الأعمى للرأسمالية العالمية المتعاظم على حساب الطبيعة وتوجهها المتعمد منذ أن صارت القوة العالمية الوحيدة في العام 1990 إلى رفض إخضاع نموها الاقتصادي للتوازنات البيئية ومستلزماتها, وهذا الموقف ليس سوى صدى لقاعدة انطلاق الرأسمالية تاريخياً والتي أقامت على أساسها صرحها الكبير منذ القرن الثامن عشر, معتبرة الطبيعة "عدواً يجب مقاتلته وإخضاعه واستنزافه حتى الموت" واعتقادها بأن العالم يمكن فهمه وتغييره في المختبرات والمصانع وأنه لا يعدو عن كونه مجرد آلة مادية عملاقة يمكن تفكيكها وتركيبها كما يشاء الإنسان ولذا ليس من قبيل المبالغة أن هذه الفلسفة وليس الدول الغنية وحدها كانت المنتصر الحقيقي في كوبنهاجن
الآثار والتداعيات المرصودة
يمثل عامي 1860 و1911 مرحلة فاصلة في تاريخ المناخ حيث شهدت أوربا خلال الفترة (1300 - 1860) موجات من الفتور الحراري عُرفت بالصقيع الصغير تلتها موجات جديدة من الارتفاع الضئيل للحرارة مدمرة بالتدريج موجات الصقيع تلك, في حين كان المتوسط الثابت للارتفاع في حرارة الأرض 15 درجة مئوية حتى العام 1860, والذي مثَّل خاتمة فترة كان للمناخ فيها أهمية استثنائية, إذ كان يمكنه أن يؤدي إلى اندلاع الثورات في فترة القحط الكبير، غير أن فترة التصنيع 1895- 1940 شهدت ارتفاعاً ملحوظاً بلغت نسبته حتى العام 1990 نحو ستة أعشار الدرجة وثمانية أعشار الدرجة اليوم.
قياس التبدُلات المناخية قبل العام 1860 كان يتم بواسطة القمح ليحل محله النبيذ أو قِطّاف العنب بعدها, لكن ذلك تغير تماماً في العام 1911 عندما شهد العالم نقطة تحول كبيرة أرخت لمرحلة جديدة من التبدُلات المناخية, أبرز علاماتها حدوث إحدى أكبر موجات الحر الشديد في صيفه حصدت أرواح 40 ألف إنسان في أوربا وحدها ناهيك عن إثارتها اضطرابات اجتماعية كبيرة, ومن حينها تغيرت وسائل قياس التغير المناخي وزادت تعقيداتها تبعاً لتعقيدات التكنولوجيا إلى جانب خضوعها لتقديرات العلماء وحسابات الساسة.
الارتفاع في حرارة الأرض ترتب عليه ارتفاع مماثل في متوسط ارتفاع سطح المحيطات بلغت نسبته نحو 20 سم للفترة ( 1860- 2001 ) بما يعادل عُشري الميليمتر سنوياً فيما كان متوسطه الثابت خلال الفترة( 1961- 2003 ) نحو 1.7 ملم سنوياً كما شهدت حقبة التسعينات أسخن جو في شمال الأرض منذ ألف عام بينما كانت الفترة 2000- 2009 الأكثر سخونة منذ العام 1860 حيث احتل العام 2009 المرتبة الخامسة في هذه الفترة مصحوبة بتزايد حدوث الأعاصير في أماكن لم تكن متوقعة وظهور العنف المطري وتزايد وتائر حرائق الغابات والذوبان المفاجئ لمجالد القطب الجنوبي وتلوث البحار والمحيطات الكبرى وتدهور الأنظمة البيئية على الجزر والسواحل وتفاقم الأمراض والأوبئة وتزايد شبح الفيضانات مشردةً أكثر من 20 مليون إنسان خلال العام 2008 فقط في وقت تشير فيه الدراسات والإحصاءات العلمية إلى أن الكوارث الطبيعية تضاعفت إلى أكثر من الثلثين في العقدين الأخيرين وأن المناخ في العام الحالي سيكون أكثر وضوحاً , كما ارتفعت مستويات البحر إلى 4- 8 إنشات خلال العام الماضي فقط أي عشرة أضعاف ما كانت عليه قبل 3 آلاف سنة وارتفعت حرارتها بواقع 0.06 بالمائة لكل ألف متر مسطح وارتفعت درجة حرارة الهواء بمعدل 1.2 درجة سلزيوس, إلى أخره, وجميع ذلك – طبعاً - تم التحقق منه علمياً والتحقق من ارتباطه الوثيق بالدفيئة.
الآثار والتداعيات المتوقعة
صحيح أن الشك لا يزال سيد الموقف في الأوساط العلمية حيال العديد من الظواهر التي تؤثر على سرعة التغير المناخي بما في ذلك الشك في مدى تغير الإشعاع الشمسي في السنوات والعقود المقبلة واتجاه العالم نحو المزيد من الدفء بشكل يفوق المستويات الراهنة, وهي ترى أيضاً في زيادة معدلات البخر وكميات السحب وتغير توزيعها وتغير توقيت سقوط الأمطار والضغط الجوي ومسارات الرياح السائدة وتزايد البرد القارص والحر القائض, مؤشرات لا تبعث على الاطمئنان خصوصاً إذا ما استمر الارتفاع في متوسط حرارة الأرض على ما هو عليه حالياً في ظل اللامبالاة والتجاهل من قادة وساسة أغنياء العالم واستمرارهم في إلقاء التبعة والمسؤولية على فقراء الأرض, وغياب الجِدِّية العملية للحد من الملوثات الصناعية.
كل هذا أبرز على السطح عدة مخاوف وتوقعات لما ينتظرنا منها على سبيل المثال:
دفع النسبة التي حددتها قمة كوبنهاجن فيما يتعلق بالحفاظ على مستوى الزيادة في متوسط حرارة الأرض عند مستوى درجتين مئويتين مقارنة بما كانت عليه في العام 1860, ليس إلى تقليص الزيادة وإنما إلى مضاعفتها والخوف هنا من أن تتجاوز 5.8 درجة بحلول نهاية القرن الحالي ما يعني التسبب في إنهاء الحياة البشرية في مناطق كثيرة من العالم وانقراض أكثر من 20 في المائة من الكائنات الحية وحلول عصر جليدي جديد, وحدوث طوفان واسع النطاق, وحدوث ارتفاع أكبر وأسرع في مستويات مياه المحيطات قد تتجاوز المتر إلى التسعة أمتار وذوبان المجالد والثلوج في القطبين وفوق قمم الجبال,وكل هذا سيتسبب حتماً في العديد من الآثار الكارثية, سواء كانت مباشرة كغرق جزر وبلدان وسواحل بكاملها وازدياد زحف الجفاف والتصحر وتهجير أكثر من مليار إنسان خلال العقود الأربعة المقبلة (مشردي المناخ ) وهو ما أطلق عليه العلماء اسم بؤر ساخنة في المستقبل قد تشهد نزوح بشري كبير كأفغانستان وبنجلاديش وجزر المحيط الهادي وأجزاء واسعة من أوربا أو غير مباشرة كانتشار المجاعات والأوبئة ونقص مياه الشرب ومعلوم أن سدس سكان الأرض يعيشون في مناطق ستتأثر بذلك أو أمنية كالصراعات المحلية والإقليمية والنزاعات العالمية على متطلبات الحياة الأساسية إلى درجة ما يسري عليها وصف الحروب المناخية المستقبلية أو بيولوجية كانقراض واسع النطاق للمخلوقات الحية وخسارة أنظمة بيئية فريدة.
يأتي هذا في الوقت الذي تحرص فيه الأطروحات الدولية على ألا يصل ارتفاع مستوى البحر وحرارة الأرض إلى درجة تهدد الدول الصناعية إلا بصورة محدودة ولتذهب الدول الفقيرة إلى الجحيم لكن الكارثة إذا ما حلت لن تستثني أحداً
السياسة الجامحة: المال قبل المناخ
تعود بدايات التعاطي السياسي مع قضية المناخ إلى 12 شباط/ فبراير 1979, إثر انعقاد أول مؤتمر دولي حول المناخ بجنيف, تتابعت بعد ذلك المؤتمرات والقمم وآخرها قمة كوبنهاجن 7- 19 كانون الأول/ ديسمبر 2009 بالتوازي مع توسع رقعة الجدل السياسي حول حقيقة ارتباط التبدلات المناخية بالكوارث الطبيعية من عدمه، في حين اقتصرت مفرزة العمليات التفاوضية الأممية على إخراج الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة حول المناخ عام 1992 بمصادقة 192 دولة وبروتوكول كيوتو 1997 المصادق عليه حتى الآن 194 دولة بعد انضمام العراق والصومال وتدشين المرحلة الأولى منه (2005- 2012) مصحوباً بحراك أممي غير مسبوق لإيجاد اتفاقية بديلة مع حلول بداية العام 2013 تكون ملزمة وشاملة وشرعية على خلفية التعثر المصاحب للمرحلة الأولى من كيوتو.
كيوتو رغم ماله من أهمية كأول خطوة عملية إدراكية لحجم المشكلة المناخية والأداة القانونية الوحيدة المتوفرة حتى الآن, التي تفرض إجراءات ملزمة على المصادقين عليها, لكنها بالمقابل شكلت انطلاقة لهيمنة موضوعي الطاقة والسوق – تسليع الأرض والهواء والمناخ- على مفاوضات الأمم المتحدة خصوصاً في الأعوام الثلاثة الأخيرة والتي قادتها بفشل منقطع النظير كما فشلت في انجاز هدف المرحلة الأولى من كيوتو المتعلق بخفض الانبعاثات الملوثة بواقع 5.7 بالمائة بحلول العام 2012, والمنعكس بدوره على قمة كوبنهاجن وما تمخض عنها من تداعيات وضعت العالم في مواجهة مباشرة مع احتمالات بنسبة 50 بالمائة لدخول المناخ دائرة الانقلاب التام.
أميركا والصين ومن خلفهما الكارتلات الاقتصادية والصناعية العالمية مايزالا حتى الآن خارج كيوتو كما أنهما يتربعان عرش إمارة التلوث العالمي في وقت لاتزال فيه سلطة القرار السياسي العالمي مجيرة لصالح وحساب الكارتلات الاقتصادية والرأسمالية, لذا لا تأخذنا الدهشة أمام ما نشهده من تحويل مخيف للأرض والهواء والمناخ إلى مجرد سلعة تجارية ووسيلة للثراء السريع على حساب الأرض والإنسان وأجيال المستقبل بعد أن تم تحويل قضية التغير المناخي إلى مجرد مشكلة تتعلق بالإدارة الاقتصادية الفعالة للطبيعة ومواردها.
في الاتجاه الآخر تقف الدول النامية وحيدةً بعد أن تخلت عنها الصين وتم تجاهل الاتحاد الأوربي ومن ثم إبداء الدول النامية مخاوفها من نقص الاهتمام بالمرحلة الثانية من كيوتو وسط غياب الاستعداد التاريخي لإنجاز اتفاقية دولية ملزمة قانونياً وتحد من حرية أمراء التلويث وبروز العديد من المؤشرات لسحب بساط مفاوضات المناخ وتمويل التكيف مع تقلباته من تحت أقدام الأمم المتحدة وتحويله إلى البنك الدولي, وصولاً إلى قتل كيوتو.
أوباما كان واضحاً عندما قال قبل أشهر "أن العلاقات الصينية- الأميركية هي من سيقرر مستقبل البشرية والأرض في القرن الحادي والعشرين", قمة كوبنهاجن لم يشفع لها الحضور العالي المستوى وغير المسبوق - شهدت مشاركة وفود من 193 دولة وحضور نحو 120 رئيس دولة وحكومة في فعالية الاختتام, مقارنة بغياب الرؤساء واقتصار المشاركة بقمة كيوتو على 37 دولة فقط - في أن تكون قمة الأرض بحق, بعد أن خيم عليها الفشل منذ اللحظة الأولى لانطلاقتها لولا توافقات الحدود الدنيا بين الصين وأميركا والتي انتشلتها في اللحظات الأخيرة بوثيقة مرتبكة وغير إلزامية بعد نزع صاعق التفجير البيئي ودون أن تحظى بالإجماع الدولي باستثناء30 دولة ناهضة وصناعية بعد ضمان حفظ مصالح الصين الرافضة خلال توسعها الاقتصادي أي التزامات جديدة على صناعتها المتوسعة ولو كانت لإنقاذ الأرض وضمان حفظ مصالح أميركا الرافضة أي أعباء جديدة على صناعاتها في فترة الأزمة المالية العالمية ولو كان على حساب الاتحاد الأوربي ومجموعة الـ77.
بيان كوبنهاجن على تواضعه اكتفى بالإشارة إلى التوجه للحفاظ على الزيادة في متوسط درجة حرارة الأرض بدرجتين مئويتين مقارنة بما كانت عليه قبل الثورة الصناعية وفيض من التعهدات المالية لدعم الدول الأكثر تضرراً من التغير المناخي ومساعدتها على التكيف حددها أوباما بفترتين تشمل الأولى 2010- 2012 وبحجم 25- 30 مليار دولار بواقع 10 مليارات دولار سنوياً, والثانية بعد عام 2020 بحجم 100 مليار دولار سنوياً وهي مبالغ رمزية لا تراعي الحدود الدنيا لأوضاع المجتمعات إلى جانب وعود بخفض الانبعاثات الملوثة إلى 40 بالمائة بحلول العام 2050م و 12 – 16 بالمائة حتى العام 2020 مقارنة بما كانت عليه في العام 1990.
اللافت هنا غياب صفة الإلزامية وبقاء المشروطية في كل ما سبق وترك المجال مفتوحاً أمام الدول الغنية لتعمل ما تريد وكيف تريد دون أي رقابة ودون الحاجة للعودة إلى الأمم المتحدة ومطالبة الدول النامية بخطوات عملية إستباقية وإلزامية كما لم يضع البيان أي جدول زمني فيما يتعلق بالمساعدات – ولا كيفية جمعها وآلية توزيعها - وتخفيضات الانبعاثات ولم يتضمن أي إشارة فيما يتعلق بضرورة مواصلة الدول العمل الجاد للتوصل إلى اتفاقية دولية شاملة وملزمة قانونيا باستثناء تحديد نهاية العام الجاري موعداً لانعقاد قمة أرض جديدة بمكسيكو لحسم الجدل حول الخطوط العريضة المعلقة منذ العام 2007م وقد يكون هذا متعمداً لسبب بسيط هو نجاح أوباما في بتر سيقان الاتفاقية الأممية الإطارية حول المناخ لعام 1992 وبروتوكول كيوتو لعام 1997 عندما أعلن أن بلاده ستفعل ما تفعله ولكنها لن تتورط في فوضى عمليات الأمم المتحدة الخاصة بالمناخ في عامنا الجاري لإدراكها مسبقا بأنها لن تحقق الكثير في قمة مكسيكو والمنسحب بدوره على الصين وعدد من الدول النفطية والصناعية والكارتلات الرأسمالية المنزعجة من عمليات الأمم المتحدة على أمل إحلال بيان كوبنهاجن محل القانون الدولي وتعطيل مفاعيل كيوتو ومقايضاتها بسياسات القوى الكبرى.
يأتي هذا في وقت لايزال الاتحاد الأوربي وهو الخاسر الأكبر في كوبنهاجن إلى جانب الدول النامية مصراً على رؤيته الجامدة القائمة على مقايضة الانبعاثات العالمية في أسواق الكربون رغم سقفها العالي وكلفتها الباهظة, وعدم ملائمتها للكثير من دول العالم خصوصاً النامية.
وعود وتعهدات وكلام كثير وكبير سمعناه في كوبنهاجن وما تمخض عنها من بيان هزيل غلبته مسحة الألغاز والطلاسم العصية على الفهم والتي لا تخدم الأرض بل تزيد من اشتعال الحرب البشرية الجائرة ضد البيئة وتُباعد الخطوات والآمال في خروج اتفاقية دولية ملزمة تضع حداً لهذه الحرب وتخفف من معانات فقراء العالم وتحد من عبثية ومظلومية استمرار دفعهم لفاتورة الطمع والغرور الرأسمالي وتحميلهم القسم الأعظم من تداعيات المناخ.
المشكلة المناخية بدأت اليوم تطرح مشاكل باتت تهدد الجميع وخصوصاً في عامنا الجاري ومع ذلك رغم مرور 19 عاماً من المفاوضات الأممية العقيمة ما يزال دور المال في السياسة يمثل عائقاً كبير أمام حل معضلة الاحتباس الحراري وما تزال الحكومات تستمع لمستشاريها السياسيين أكثر من استماعها للخبراء في العلوم وسط استمرار الكارتلات الرأسمالية في صم آذانها عما يحدق بها من مخاطر كونية كارثية وترفض التعايش مع المعطيات البيو- مناخية في الوقت الذي تشير فيه المعطيات إلى أن تقدميتها الرأسمالية قد تنقلب إلى رجعية مدمرة إذا ما بدأ نمط إنتاجها يتناقض ويتضارب مع قدرة الأرض على تحمل مضاعفاته.
الحاجة اليوم ماسة لمنح مركزية الأرض والمناخ الأولوية وليس الاقتصاد والإنسان والابتعاد عن التسويات السياسية لن الطبيعة والقوانين الفيزيائية لا تحتمل التسوية وتبقى كما هي, وكون ذلك لا يبدو قريباً في عالمٍ البقاء فيه للأقوى يبقى الخلاص والباب الوحيد أمام فقراء العالم هو الإكثار من الصلاة والدعاء بأن تكون الكوارث البيئية المقبلة وهي مقبلة حتماً محدودة وغير شاملة بحيث يتمكن من يتبقى من البشر من إعادة بناء علاقة سوية مع الطبيعة انطلاقاً من إدراك القيمة الكامنة في العالم الطبيعي والعمل على الحفاظ عليها وتبقى الألطاف الإلهية وحدها لا سواها أرحم بالبشر من أنفسهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق