Translate

الثلاثاء، 17 مارس 2020

القدس في ليل الإسراء


زيد يحيى المحبشي،  17 مارس 2020
يحتفل المسلمون في أنحاء المعمورة في ليلة 27 رجب، من كل عام، بذكرى عظيمة على قلوب المؤمنين هي ذكرى "الإسراء"، امتثالاً لقوله سبحانه وتعالى: "ومن يُعَظِم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب" الحج/32 .
معجزة الإسراء واحدة من الآيات الإلهية الكبرى التي أيد الله بها نبيه صلى الله عليه وآله وسلم, بعد حصار قريش لبني هاشم في الشعب، وموت الناصر أبي طالب شيخ الأبطح، والونيس خديجة الكبرى، ونكبة وصد أهل الطائف, فكان فرج الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم بالإسراء: "لنُرِيَهُ من آياتنا .." الإسراء/1 ، "من" تبعيضية، بمعنى بعض آياتنا وليس كل آياتنا, تثبيتاً لقلب نبيه صلى الله عليه وآله وسلم حتى يتحمل كل ما يلاقيه من سخرية واستهزاء وعذاب قريش.
الإسراء هدية ربانية أتت لتنفيس وتفريج كرب المصطفى عما كان يلاقيه من ألم صدود وجحود أهل الطائف، وألم تعقب ورفض قريش, وهي بالمرتبة الأولى رحلة استكشاف للكون، وما في قوله تعالى: "لقد رأى من آيات ربه الكبرى" النجم/ 18 - "من" تبعيضية بمعنى بعض آيات ربه الكبرى وليس كلها -, من الغموض وعدم الإفصاح وعلامات التعجب والاستفهام عما رآه صلى الله عليه وآله وسلم، ما يكفي لتبيين أهمية هذه المعجزة التي كرم الله بها نبيه.
أسرى الله بنبيه صلى الله عليه وآله وسلم من المسجد الحرام بمكة المكرمة،محطة الانطلاق، على ظهر البراق إلى المسجد الأقصى، محطة الاستراحة، والصلاة بأرواح الأنبياء إماماً في تلك البقعة الطاهرة، ثم العودة الى مكة المكرمة في ذات الليلة، كما أخبرنا الله سبحانه وتعالى في الآية الأولى من سورة الإسراء: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير"، ابتدأت الآية الشريفة بتنزيه الله والتأكيد على قدرته المطلقة، وفي هذا دلالة واضحة أن انتقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من مكة الى بيت المقدس كان بالروح والجسد.
وسمى الله سبحانه وتعالى سورة كاملة باسم هذه المعجزة الربانية للتأكيد على أهميتها، رغم أنه لم يرد فيها سوى آية واحدة تتحدث عن حادثة الإسراء، وصفتها بدقة ووضوح - عكس حادثة المعراج وما فيها من اختلاف وجدل بين علماء المسلمين، لسنا بصدده في هذه الفسحة لطول الحديث فيه - وهو ما جعل قضية الإسراء محل إجماع بين علماء المسلمين، مع الاختلاف فيما رآه صلى الله عليه وآله وسلم خلال تلك الرحلة المقدسة وطريقة الانتقال وهل كانت بالروح والجسد أم بالروح فقط، والراجح كما هو واضح من منطوق القرآن أنها بالروح والجسد، وهو ما أكسبها أهمية خاصة وجعلها منطلقا لمرحلة جديدة في حياة الرسول والدعوة الاسلامية.
أُسرِي به صلى الله عليه وآله وسلم قبل الهجرة بسنة من دار أم هانئ بجوار المسجد الحرام بمكة المكرمة ليلا الى بيت المقدس، مهبط الملائكة ومقر الأنبياء، والمباركة أكنافه بالزروع والثمار والأنهار، وعاد في ذات الليلة، متعدياً عامل الزمن، وكانت الرحلة الى القدس في حينها تستغرق أشهراً ذهاباً وإياباً.

* لقد رأى من آيات ربه الكبرى
في هذه الرحلة المقدسة لم يتحدث صلى الله عليه وآله وسلم عن كل ما رآه، بل عن شيئ يسير فقط تناقله الرواة فأضافوا إليه ما خُيِّل لهم أنه صالح لشرح آيات الله التي رآها صلى الله عليه وآله وسلم، بعض هذه الإضافة كان بحسن نية وبعضها كان من دس المنافقين، ليشوشوا علينا أمر ديننا، وليجعلوه مع العقل السليم والفطرة السليمة والسنة السليمة على اختلاف وتناقض، فيتسرب الشك إلى القلوب ثم الكفر والجحود.
وحسبنا أن القرآن الكريم قد وصفها بـ"الكبرى"، وهذا الإجمال في الوصف لطفٌ من الله لنا، لأن عقولنا أقل من مستوى تلك المعلومات التي اختص الله بها نبيه، مع أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يرى إلا ما أذن الله له أن يراه، وقد وصف سبحانه وتعالى محافظة نبيه على حدود اللياقة والأدب وعدم مد النظر إلى ما لم يُأذن له في رؤيته: "ما زاغ البصر وما طغى, لقد رأى من آيات ربه الكبرى" النجم/17 – 18.
قال الإمام زيد بن علي عليه السلام في تفسير قوله تعالى بسورة النجم: "ما زاغ البصر وما طغى، لقد رأى من آيات ربه الكبرى": ما عدل البصر وما حار مما رآه من علامات وعجائب الله في الكون، وفي تفسير الامام القاسم بن الحسين العياني عليه السلام: ما أخطأ البصر ولا مال، ولم يتعد الى غير الحق، بل أصاب، والآية الكبرى التي رآها النبي هي جبريل عليه السلام، وهو آية عظيمة باهرة منيرة، وفي البرهان يقول الإمام الهادي يحيى بن الحسين عليه السلام: ما زاغ بصر النبي وما عدل عنه ولا شبهه ولا تخايله، ولا ظنه، بل قد رآه بحقائق الرؤية وأبصره، وما طغى رسول الله فيما أخبركم به ولا دخله في ذلك أشر ولا بغي، بل قد صدقكم عما أبصر ورأى، وقيل ما تجاوز صلى الله عليه وآله وسلم ما رآه من العجائب التي أُمر برؤيتها، ومُكِّن منها، ويضيف الهادي عليه السلام في توضيح ماهية الآيات الكبرى التي شاهدها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: رأى من جبريل عليه السلام آية من آيات الله العظمى لا يشبهها شيئ من الأشياء، وفي تفسير العلامة عبدالله بن أحمد بن إبراهيم الشرفي: رأى كبرى آيات ربه وعُظمَاهَا حين عرج الى السماء، من عجائب الملكوت في تلك الليلة.
ولنا أن نتصور ما شئنا من آيات الله الكبرى التي أطلع عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لكن شريطة أن نعرض ذلك على كتاب الله، فما وافقه فهو الصواب وما خالفه فهو باطل مردود، وعقل المخالف بلا شك محتاج إلى طبيب، وليس القصد الإطالة وتصحيح وتنقية ما رُوي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الرحلة العظيمة المباركة، وإنما الوقوف على الحكمة من هذه المعجزة الإلهية.
وقد وجدت قريش في هذه الحادثة التي سمتها "خرافة"، مرتعاً خِصباً لنشر الأقاويل والأكاذيب والدعايات المغرضة ضد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويأبى الله إلا أن يُتِمَ نوره ولو كره الكافرون، وتظهر آيات ذلك في وصفه صلى الله عليه وآله وسلم لبيت المقدس وصفاً دقيقاً كأنه يراه الساعة وإخباره صلى الله عليه وآله وسلم ببعير لقريش في الطريق وما شرد منها وما جرى لماء قافلتهم ومتى يصلون مكة، ومع ذلك آمن من آمن وصدّق، وكفر المعاند الجهول الغوي.

* دلالات نهتدي بها
حملت معجزة الإسراء العديد من الدلالات والرسائل ليس للنبي فحسب بل وللأمة المحمدية الى قيام الساعة:
1 - تثبيت قلب الرسول الخاتم بما رآه من آيات ربه الكبرى ليزداد هُداً ونوراً وصبراً، على تحمل ما لاقاه ويلاقيه بعد موت أبي طالب وخديجة من ضروب الإهانة والسخرية والتعذيب.
2 - اشعار الرسول الخاتم وأمته بوحدة الشريعة السماوية المنزلة عليه والرسل من قبله: "إن الدين عند الله الإسلام" - ولنا بحث مطول حول واحدية الأديان السماوية وأن الإسلام هو دين كل الأنبياء والمرسلين -، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يأتِ بشيئٍ جديد، ولم يكن أول من تلقّى الإهانة والتعذيب في سبيل الله, فقد تلقاها من قبله إبراهيم الخليل وموسى الكليم, ويشير إلى هذا رحلته صلى الله عليه وآله وسلم إلى بلد الأنبياء "القدس الجريح"، وتعريجه على طور سيناء جبل الكليم موسى عليه السلام واتفاقه بأرواح الأنبياء عليهم السلام.
3 - توجيه رسالة ربانية للأمة الإسلامية في كل زمان ومكان لتأكيد ارتباط حرمة الحرم المكي والمسجد الأقصى الى قيام الساعة، ووجوبية رعاية حرمتهما، ومواجهة كل من يريد بهما شراً، وتأكيد وحدة مسار ومصير المسجدين وأن ما يقع على أحدهما سيكون له تداعيات كارثية مباشرة على الأخر.
بعد حادثة الإسراء اهتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بفتح بيت المقدس وتجهيز جيشاً لهذه المهمة المقدسة قبيل وفاته بقيادة أسامة بن زيد 11 هـ / 632 م، لكن وفاته صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين حالت دون إنفاذ الجيش، وبعد وفاة الرسول الأكرم بأربع سنوات 15 هـ / 635م، فتح المسلمون بيت المقدس، وتسلم عمر بن الخطاب مفاتيح القدس الشريف مباشرة من بطريكها "حفرونيوس" وتم بناء المسجد الأقصى في البقعة التي صلى فيها، وتحققت أمنية الرسول الخاتم وتطهرت بيت المقدس من رجس ودنس اليهود.
تتابعت الأحداث بعدها وتمكن اليهود من انتزاع القدس وتهويده وتدنيسه خلال فترة تمدد الحروب الصليبية في المشرق العربي في العهد الوسيط، لكن المسلمون تمكنوا من استعادته في سنة 1187م، وبقي في حوزة المسلمين حتى نكبة حزيران يونيو 1967، ومن يومها والكيان الصهيوني الغاصب لا يدخر وسيلة لتسريع عملية تهويد الأماكن المقدسة في القدس وأكنافه، وتغليب العرق اليهودي وتحويل القدس إلى عاصمة أبدية لكيانه اللقيط، بمباركة هيئة الأمم ودعم رعاة البقر وتمويل بعران العرب.

* القدس الجريح
عندما احتل الكيان الصهيوني الغاصب مدينة القدس عام 1967 لم تكن مساحتها تتجاوز 6 كيلو متر مربع، بينما هي اليوم أكثر من 300 كيلو متر مربع، ويعمل الاحتلال لضم 25 بالمائة من أراضي الضفة (1413 كيلو متر مربع) بعد أن كان قد اقتطع في السابق أكثر من 5 بالمائة من الضفة.
إعلان الاحتلال مدينة القدس بموجب قانون عام 1980 عاصمة أبدية وموحدة له، معناه أن القدس الفلسطينية لم تعد تتجاوز الأحياء العربية خارج حدود الجدار، وبالأصح خارج حدود 1967 كما طرح ترامب في مبادرته المسماة بصفقة القرن، وهذه قد تم ملئها بالمستوطنات، أي أن أي تفاوض مستقبلي حول ملف القدس - حسب نتنياهو – بات مقتصراً على أحياء محدودة من القدس الشرقية وعلى المقدسات الإسلامية في المدينة القديمة – مساحتها واحد كيلو متر مربع فقط - والتي هي من ضمن مقدسات مسيحية ويهودية، بما لذلك من تعقيدات كثيرة ليست فلسطينية وإسرائيلية فحسب بل ودولية.
ملف القدس يظل من أكثر الملفات تعقيداً، لكن بصورة عامة لا تزال القدس حسب القرارات الدولية محتلة ولا يزال الفلسطينيين يأملون في الحصول على الأحياء العربية لتكون عاصمة لهم، وبالسيادة الكاملة على المسجد الأقصى، وإمكانية التوصل إلى ضمانات بخصوص حائط البراق، بهدف إتاحة المجال لوصول اليهود إليه والصلاة أمامه، فيما يرى الاحتلال أن كل التعهدات التي أطلقها في مفاوضات كامب ديفيد الثانية عام 2000 لجهة تقسيم القدس وموافقته المبدئية بإمكانية التخلي عن السيادة على الحرم القدسي ملغية، في إشارة واضحة لمبادرة بيل كلينتون حينها، المتضمنة انسحاب الاحتلال من الأحياء العربية وتقسيم البلدة القديمة، وإبقاء سيادة رمزية لإسرائيل على حائط البراق، وخلق حد أقصى من التواصل الجغرافي لكلا الطرفين، والتوافق على وجود مراقبة دولية لتوفير الثقة المتبادلة.
ومع ذلك فكل الوقائع والحقائق الميدانية تصب في خانة استحالة إمكانية تقسيم القدس الشرقية تحت أي ضغط، ويكفينا هنا لتأكيد هذه الحقيقة العودة إلى تصريح رئيسة وزراء الاحتلال "غولدا مائير" عندما أقدم كيانها على إحراق المسجد الأقصى عام 1969 حيث تقول أنها لم تنم تلك الليلة لتخوفها من تحرك الجيوش العربية والإسلامية وعندما استيقظت صباح اليوم التالي ولم يحدث شيء اطمأنت إلى مستقبل إسرائيل!!.

* مشروع التهويد (القدس 2020)
أُطلق قبل نحو 10 سنوات، وهو أحد أهم مشاريع التهويد وتغليب الوجود اليهودي في القدس، ويرى في العام الجاري 2020 مرحلة فاصلة لحسم هوية القدس لصالحه، خصوصا بعد نقل الادارة الأميركية سفارتها إلى مدينة القدس، واعتراف عرّاب صفقة القرن الرئيس الأميركي رونالد ترامب بها عاصمة موحدة لإسرائيل في 6 ديسمبر 2017.
والهدف العام للمشروع تقليص عدد الفلسطينيين في القدس إلى 25 ألف فلسطيني، مقابل 400 ألف متدين يهودي، في وقت أصبح فيه عدد الفلسطينيين في الأحياء العربية أقلية لأول مرة في التاريخ، ولذا وجد عرب القدس أنفسهم أمام خيارين: إما التهويد والأسرلة أو المغادرة.
وهذه واحدة من معطيات قانون الاحتلال لعام 1973 الذي حدد نسبة عرب المدينة بـ22 بالمائة مقابل 70 بالمائة يهود، لكن رغم كل الأعمال الوحشية التي قام بها الاحتلال، لم يفلح حتى الآن في تغليب الكفة اليهودية، لاسيما في المدينة القديمة، حيث لازال هناك 30 ألف عربي مقابل 4 ألف يهودي، ونسبة الفلسطينيين في القدس بشطريها نحو 35 بالمائة (300 ألف فلسطيني) مع توقع الاحتلال بتجاوزهم 40 بالمائة في العام الجاري 2020 .
ميدانياً، لا تزال مدينة القدس، مدينة طاردة لليهود، وهذه من المفارقات العجيبة، حيث تمت مغادرة نحو 105 آلاف يهودي خلال الفترة 1980- 2005 فقط، وهي واحدة من الإشكاليات الكبيرة المعترضة مشروع التهويد، ما دعا الاحتلال في آب/أغسطس 2007 لاعتماد خطة بقيمة 200 مليون دولار والإقرار في نهاية تشرين الأول 2010 مشروع جديد يقضي باعتبار القدس منطقة ذات أولوية وطنية (مشروع القدس 30 - أ), وهو واحد من 38 قانون عنصري صدرت حتى نهاية 2010، منها 15 قانوناً صدرت في غضون عامٍ واحد فقط من ولاية نتنياهو و23 قانوناً صدرت في العقود السبعة الماضية، الى جانب سلسلة أخرى من القوانين الصادرة خلال الفترة 2010 - 2020.
وكلها تهدف لتحقيق غاية واحدة هي: إكساب مشاريع الاستيطان والتهويد والجدار صفة الشرعية القانونية والسياسية, في حين ينفرد قانون "30 – أ" بإعطاء الضوء الأخضر لتحويل القدس إلى مدينة عصرية جاذبة للسكان والمستثمرين اليهود، على غرار تل أبيب وإقامة سكة حديدية ومستوطنات جديدة فيها، تضم أكثر من 60 ألف وحدة سكنية وتوسيع القائم منها، وزيادة تضييق الخناق على ما تبقى من الفلسطينيين فيها، على أمل أن يسهم ذلك في خفض نسبة عرب القدس إلى 12 بالمائة وليس 22 بالمائة كما كان مُخططاً له بموجب قانون عام 1973، وتالياً خفض نسبة عرب 1948 من 20 بالمائة في 2010 إلى 5 بالمائة في 2020، لأنهم باتوا يشكلون خطراً على أمن واستمرار ووجود الاحتلال, والعمل على اجتذاب نحو نصف مليون يهودي إلى القدس.
ولهذا الغرض فعّل الكيان الصهيوني قانون حسم الهوية (يمين الولاء) وقانون الاستيلاء على أملاك الغائبين والإفصاح عن مشروع الخريطة الجديدة لمدينة القدس العاصمة الأبدية والموحدة/ 2010، وكلها من شأنها إعطاء إسرائيل المسوغ القانوني لضم القدس الشرقية من جانب واحد، في حال نجحت هذه الخطوات، وهو ما لم تجرؤ عليه إسرائيل طول الـ60 سنة الماضية، وما صفقة القرن سوى تحصيل حاصل.
مما سبق نفهم سر توقيت طرح الإدارة الأميركية لصفقة القرن بعد ثلاث سنوات فقط من نقل سفارة واشنطن الى القدس والاعتراف بها عاصمة أبدية للكيان الصهيوني الغاصب، بالتوازي مع تغير المزاج العربي الرسمي وتحديداً مملكة الدرعية الراعية للحرم المكي من القضية الفلسطينية وقضية القدس بشكل خاص وتقدمها صفوف المطبعين وتوظيف كل إمكانيتها للضغط من أجل تنضيج وإنجاح صفقة العار الأميركية.
فهل يُرضِيك يا حبيبي يا رسول الله ونحن نحتفي بذكرى الإسراء، ما يجري في مسراك، بتواطؤ ودعم رعاة المسجد الحرام؟؟.
ووالله لو هب صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله من مرقده لأخذ سوطاً يلهب به ظهور زعماء وقادة أمته، لتفريطهم في القدس الشريف وتواطؤهم مع الكيان الصهيوني اللقيط في كل جرائمه بحق الفلسطينيين، وصمتهم المخزي على مخططات تهويد القدس الشريف والمسجد الأقصى وطمس المعالم الإسلامية في فلسطين المحتلة بأريحية ومباركة سعودية غير مسبوقة.

الاثنين، 16 مارس 2020

الجهاد الإرهاب العنف تداول السلطة

الدكتور العلامة المرتضى بن زيد المُحَطْوَري الحسني، أستاذ الشريعة بجامعة صنعاء، عضو جمعية علماء اليمن
(مركز القدس للدراسات السياسية، المؤتمر الدولي: /نحو خطاب إسلامي ديمقراطي مدني/ عمَّان- الأردن)
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد اتصال من السيدة المبجلة/ هالة سالم المدير التنفيذي بمركز القدس للدراسات السياسية، بادرت إلى كتابة ورقة أسطر فيها فهمي للإرهاب، والعنف، والتداول السلمي للسلطة؛ من خلال تجربتي ومعاناتي الشخصية التاريخية، وقد عرفت العنف عن قرب، واكتويت بنار الإرهاب الفكري، والمادي، فلا أحتاج إلى معاناة لأنبش عن ذكريات الإرهاب، والعنف، والاستبداد.
لقد بدأ المسلسل الدامي منذ شاهدت بأم عيني وأنا في سن الثالثة عشرة أو أكثر قليلا حين كنت مختبئًا في جبل شرق قريتي؛ خوفًا من الطائرات التي كانت تقصف المناطق الشمالية من اليمن أيام حرب عبدالناصر، والسعوديين في اليمن، وكانت قُرَانا آهلة بالمزارعين وحيواناتهم ليس لها أي علاقة بالنشاط العسكري، بل كنا في الصف الجمهوري، ومع ذلك لم نسلم من القصف والترويع.
إنما المشهد الذي لا أنساه حين مرت طائرة وقت صلاة الظهر، وقذفت مسجدًا في مدينة المحابشة مكتظًا بالمصلين، وكادت الطائرة أن تلامس سطح المسجد؛ إذ لا يوجد مضادات، فنسفت المسجد بمن فيه، كانوا خمسة وسبعين لم ينج منهم إلا واحد.
المشهد الثاني: يوم كنا بمسجد" القُرانة" مهاجرين لطلب العلم، فأقبلت في الصباح الباكر طائرة سوداء، فألقت من الشرق شريطا كاملا من القنابل ذرع مدينة المحابشة الوادعة المستطيلة في سفح الجبل، فألقيت بنفسي على الأرض؛ تفاديًا للشظايا كما كانوا يعلموننا، وقد كنت متعودًا على إرهاب كهذا، فصارت نيران جهنم الواصلة من الجو عبارة عن ألعاب تصيبنا ببعض الذعر، لكني لم أفر بل ذهبت لمشاهدة آثار القصف، فشاهدت شيخًا عجوزًا فقيرا قاعدا ميتًا بجوار موقد لقلي نوع من الحُبُوب يعتصر منها لقمة عيش جافة له ولأسرته.
وشاهدت طفلا في السادسة من عمره مرميًا في العراء، قد بترت رجله من فوق الركبة، وبقيت معلقة، وهو يئن وينزف، وعنده عجوز تبكي لا تدري ما تفعل له، وأنا مبهوت أعيش الجهل، والوحشة، والمشاعر المؤلمة، لم أقدم لهذا الطفل أي مساعدة، فماذا أفعل؟! فلا إسعاف، ولا وسائل ولو بدائية، ولا شيء، فما زلنا كما خَلَّفَنَا نبيُّ الله نوح عليه السلام.
والأكثر إيلامًا أن تسمع الجماهير المنحطة تهتف لهؤلاء الإرهابيين القتلة من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر: نفديك يا عبدالقاهر.. أو بالروح بالدم نفيدك يا فندم.
إن العنف والقسوة والإرهاب يمارس في هذه الدنيا بصور شتى بعضها أبشع من بعض، فبالرغم من أننا نعاني من فقر الدم، إلا أننا نعتصر ما بقي في العروق بعد الذبح؛ لنهتف بالحياة للجزارين، ولبقاء السفاحين.
إن ثقافة كهذه نبتت أيام الملك العضوض، فقد كان القمع والبطش والاستبداد يقيم بجواره علماء سلطة، يأتون بالمبررات، وينسجون الأعذار لعنف الحاكم، وحدث أن وُصِفَ مؤسس الملك بعد خلافة الراشدين بالمجتهد في إشعال معركة سقط فيها سبعون ألفًا، وتواصل مسلسل العنف، والقتل تحت هذا المسمى، فلا أقل من أن يظفر بأجر واحد.
ثم توالت الأحداث قاذفة بخلافة المسلمين إلى وراثة، أي إن الأرض وما تحويه من جماد وحيوان وساكن ومتحرك مملكة خاصة بالوالي.
في هذه الأجواء الإسلامية المشابهة لنظام هرقل وكسرى، تمخضت الساحة عن حركات إسلامية عنيفة أبرز هذه الحركات قادها أولاد الإمام علي، وكادت الثورات المناهضة لجبروت الاستبداد تنحصر على أهل البيت باستثناء ثورة أهل المدينة على يزيد، وثورة ابن الأشعث ضد عبدالملك بن مروان وعامله الحجاج؛ رغم أن حركته كانت تنتمي ولو روحيًّا للإمام الحسن بن الحسن بن علي( 1). وأما الحركات العنيفة الأخرى فقد كان الخوراج فرسانها.
وسأبين باختصار ملامح العنف، والمسببات، والميزات الخاصة بكل حركة:
الحركة الأولى: بقياة آل البيت:
رفض الإمام الحسين البيعة- والأمة تقاد لمبايعة يزيد بن معاوية كالخراف، وقد مس الحسين نفسه هذا الذل، ومعه عبدالله بن الزبير، وعبدالله بن عمر؛ حين طلب منهم معاوية- مبايعة يزيد وليًا للعهد، فامتنعوا، فقال لهم: إني سأقول غدًا مقالة فأيكم رد علي سيفقد رأسه، فقال معاوية في الحشد، وقال كلامًا في أهلية ابنه وصلاحيته للأمر، وأنه ما دفعه لإقامته وليًا للعهد إلا خوفًا على الأمة من الضياع واليتم.
ثم قال وقد بايعه فضلاء الأمة، وأشار إلى الحسين وزميله، وقد أقام على رأس كل منهم رجلين متحفزين لشدخ رأس من يعترض( 2). وعندما مات معاوية أريد من الحسين أن يبايع طوعًا أو كرها( 3). وهنا يجب التوقف للمقارنة إن جازت بين الحسين ويزيد، إني أرى أن مجرد اسم الحسين قد أصبح رمزًا لكل ما في البشر من نبل وخير، وجدير بحفيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون كذلك، واسم يزيد في المقابل رمزللإنسان السيء بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
فالحسين: عالم، تقي، ورع، زاهد، عارف بالله، كريم، رحيم، متواضع، شجاع، مؤهل تأهيلا عاليا، وبالمقابل شخص مغتصب أمر الأمة، جاهل، ماجن، عاطل.
فالثوات المسلحة بقيادة آل البيت، بدأ بالحسين، ثم زيد بن علي،وابنه يحيى ، ثم محمد بن عبدالله النفس الزكية، وأخوه إبراهيم، والحسين الفخي، ومحمد بن إبراهيم طباطبا، وغيرهم.
كانت محل رضى واحترام الأمة وعلمائها حتى وإن لم يتمكن الكثيرون من الاشتراك في تلك الثورات؛ خوفًا من البطش الذي يهلك الحرث والنسل.
ورغم ذلك فإن الإمام أبا حنيفة رحمه الله كان يفتي بالقتال مع الإمام زيد، وأرسل له مالا( 4)، وأفتى الإمام مالك رحمه الله بعدم شرعية البيعة لأبي الدوانيق ثاني ملوك بني العباس( 5)، وأوجب القتال مع الإمامين: النفس الزكية، وأخيه إبراهيم.
وكان الإمام الشافعي رحمه الله ضمن خلية يشرف عليها شيخه إبراهيم ابن محمد بن أبي يحيى، يتولون الدعوة لمبايعة الإمام يحيى بن عبدالله بن الحسن صنو محمد بن عبدالله النفس الزكية ضد هارون الرشيد( 6).
وهذا يبرهن على رشد الثورات ضد الظلم، والوثوق بقادتها لجلالتهم، ومكانتهم الدينية، وبلوغهم في العلم مبلغا يلوي إليهم الأعناق، ويؤهلهم للجلوس على منصة المرجعية العليا، أضف إلى ذلك مكانتهم الدينية، وقربهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
لكن الأمراء المستبدين، والملوك الظالمين، رغم قبح وبشاعة سيرتهم يسيطرون على الرجال والثروة- لم لن يستهينوا بخطر أبناء علي فحاربوهم بضراوة. وكان الناس يرونها حربًا بين الآخرة والدنيا.
ونحن نعلم أن الناس على دين ملوكهم، وهم ميالون إلى الدنيا إلا من عصم الله.
         رأيت الناس قد ذهبوا        إلى من عنده ذهبُ
         رأيت الناس منفضة          إلى من عنده فضة
          رأيت الناس قد مالوا         إلى من عنده مالُ
الحركة الثانية: بقيادة الخوارج
فقد كانت المثال البارز للعنف الأعمى، والفكر التكفيري، والتطرف المرعب؛ إذ نجم شرهم في ملامح حرقوص بن زهير السعدي( 7)، وهو ذو الخويصرة، وذو الثدية الذي قتل في النهروان، ذلك الرجل الذي أتصوره حليق الرأس، كثيف اللحية، قصير القميص، منتفخ الأوداج، يترنح جهلا، وغرورًا، وخفة عقل( 8).
لقد اقترب من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقسم غنائم هوازن في غزوة حنين فقال: اعدل يا محمد فإنك لم تعدل.. !! هكذا خاطب نبي الله بفظاظة وغلظة ووقاحة، فاستاء رسول الله وتغيرت ملامح وجهه؛إذ استشعر في هذا البدوي نذير شئوم، وطليعة قوم قادمين، فقال: ((ويحك ومن يعدل إن لم أعدل))؟!
ثم أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنه يخرج من ضئضئ هذا قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، ويقرأون القرآن، لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية))( 9).
ظهر هؤلاء أيام خلافة الإمام علي، وتحققت نبوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد كانوا كما روى البخاري ((يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد))( 10). لقد جاءوا حقًّا بعنف أعمى، وإرهاب فكري وعملي، لم تستطع أي جماعة أن تزيد عليه إلا في امتلاك الأسلحة الفتاكة.
كان الخوارج قبل أن يصيروا خوارج عباد العراق، وقراؤُهم، وكانوا من جيش علي في حربه معاوية في صفين؛ والسبب في اختيارهم سلوك العنف المفرط، والتطرف الشديد غباؤهم، وسطحية تفكيرهم، والتلاعب السياسي بعقولهم.
فلقد أدرك معاوية أنه على وشك الهزيمة، فشاور عمرا بن العاص، فأشار عليه بجلب خمسمائة مصحف، من ضمنها مصحف بيت المقدس الأعظم، وترفع على رؤوس الرماح، ويصيح حاملوها: هذا كتاب الله حكم بيننا وبينكم.. يا أهل العراق، فإنهم إن قبلوه اختلفوا، وإن ردوه اختلفوا.
 وكان ما توقعه ابن العاص؛ إذ أقبل ما يقارب عشرين ألف من جند علي قد أثر السجود في جباههم، شاهرين سيوفهم قائلين للإمام علي: أجب القوم إلى تحكيم كتاب الله، فقال لهم وقد أدرك حجم المكيدة: إنها كلمة حق يراد بها باطل( 11)، إنهم ليسوا أصحاب دين ولا قرآن، لقد قاتلتهم على القرآن كافرين، واليوم أقاتلهم مفتونين، أعيروني سواعدكم ساعة، فما بقي فيهم إلا كلعقة كلب، فلم يزدادوا إلا عنادًا وبلادة، وإصرارا على قبول التحكيم.
فرضخ علي بعد أن هددوه بأن يسلموه لمعاوية إن لم يستجب، فعين معاوية عمرًا حكما، وعين علي ابن عباس، فاعترض أصحابه، واختاروا أبا موسى الأشعري، فانتهت المهزلة بخديعة مريرة، وفضيحة مدوية؛ إذ صعد أبو موسى وخلع عليًّا بطيب خاطر، فصعد وراءه عمرو وقال: قد خلع صاحبه، وأنا أوافقه، وقد أثبت صاحبي معاويه، فهو ولي دم عثمان وأحق بالأمر من علي، فخرج الخوارج نادمين مرددين كلمتهم: لا حكم إلا لله، وحكموا على أنفسهم وعلى المجتمع بالكفر، ثم إنهم تابوا، أو أسلموا من جديد، وطالبوا عليًّا بالاعتراف بالكفر ثم التوبة منه، وقال: قد نصحتكم وحذرتكم فعصيتموني، ثم إنها معصية لا تبلغ بصاحبها الكفر، فتوبوا وعودوا لنقاتل معاوية، فأصروا على موقفهم والهتاف بتكفير علي، وترديد شعارهم: لا حكم إلا لله( 12).
وكرر علي حكمته الشهيرة: "كلمة حق يراد بها باطل، إنه لا بد للناس من إمام يأخذ بيد الظالم، وينتصف للمظلوم، ويقوم على مصالح الناس، والقرآن" قد دعا إلى التحكيم في شأن خلاف بين الزوجين، فما بالكم بطائفتين ؟! لكنهم كما قال الشاعر:
        لقد أسمعت لو ناديت حيًّا                 ولكن لا حياة لمن تنادي
        ولو نارا نفخت بها أضاءت              ولكن أنت تنفخ في رماد
وظل الإمام علي يعاملهم مثل سائر الناس ما داموا لم يحدثوا حدثًا يتعدى الرأي والقول، وحرص على استرجاعهم بالحوار والإقناع، وكاد أن ينجح لولا رجال معاوية في صف علي كالأشعث بن قيس ونحوه أفسدوا كل شيء.
فخرجوا يقطعون السبيل، ويخيفون الآمنين، ويقتلون من لم ير رأيهم.
ومن عجيب أمرهم أنه مر بهم عبدالله بن خباب الصحابي بن الصحابي وفي عنقه المصحف، ومعه امرأته حامل، فسألوه عن رأيه في علي؟ فأجابهم بأنه إمام راشد، وأعلم بالله منكم، وأشد توقيا على دينه، وأنفذ بصيرة. فقالوا: إنك تتبع الهوى، وتوالي الرجال على أسمائها لا على أفعالها، والله لنقتلنك قتلة ما قتلناها أحد، فأخذوه فكتفوه، ثم أقبلوا به وبامرأته وهي حبلى على وشك الوضع حتى نزلوا تحت نخل فسقطت منها رُطَبة فالتقطها أحدهم فمنعوه من أكلها، وقالوا: بغير حلها، وبغير ثمنها، فلفظها وألقاها من فمه، ثم أخذ سيفه، فأخذ يمينه، فمر به خنزير لأهل الذمة فضربه بسيفه، فقالوا: هذا فساد في الأرض، فأتوا صاحب الخنزير فأرضوه، فلما رأى ذلك منهم ابن خباب قال: لئن كنتم صادقين فيما أرى فما عليَّ منكم بأس؛ إني لمسلم! ما أحدثت في الإسلام حدثا، ولقد أمنتموني، قلتم: لا روع عليك! فجاءوا به فأضجعوه فذبحوه، وسال دمه في الماء، وأقبلوا إلى المرأة، فقالت: إنما أنا امرأة، ألا تتقون الله؟! فبقروا بطنها، وقتلوا ثلاث نسوة من طيئ، وقتلوا أم سنان الصيداوية( 13).
وقد قرأت من عجائبهم المتلاحقة أن قافلة مسافرة فيها واصل بن عطاء رأس المعتزلة وقعوا في يد خوراج أمثال هؤلاء، فأيقنت القافلة بالهلاك، فقال واصل: دعوني وإياهم ولا يكلمهم غيري، فانبرى لهم وقال: ما تريدون منا؟ فقالوا: من أنتم؟ فقال: قوم مشركون نطلب جواركم، فنحن خائفون . فقالوا: مروا بسلام. فقال: ليس ذلك لكم، وقد قال قرآنكم: ( وَإنْ أَحَدٌ مّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّىَ يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لاّ يَعْلَمُونَ )[التوبة:6] فلما سمعوا ذلك ذهبوا بأجمعهم لحراسة القافلة حتى أوصلوهم منازلهم( 14).
زحف علي لتطويقهم، ولم تطب نفسه بمهاجمتهم حتى دعاهم على إلى الحوار، وأزال الشبهة التي قذفوها في وجهه حين قالوا: لقد تنازلت عن إمارة المؤمنين عند كتابة وثيقة التحكيم، حين امتنع ابن العاص من قبول كتابة علي أمير المؤمنين، وقال: لو اعترفتُ به أميرًا للمؤمنين لما قاتلته. فقال: قد وقع مثلها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديبية، وأنا كاتب الوثيقة حين كتبت: هذا ما تصالح عليه محمد رسول الله وسهيل بن عمرو، فاعترض سهيل وقال: لو أعرف أنك رسول الله لما حاربتك، بل اكتب اسمك واسم أبيك، فأمرني رسول الله بمحوها فلم تطب نفسي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أرني مكانها))، فمحاها بيده الشريفة، وقبلها اعترض عمرو على "بسم الله الرحمن الرحيم" وقال: اكتب باسمك اللهم( 15).
فانضم إليه منهم ألفان، وصم الباقون آذانهم، وقالوا: لا تسمعوا له فإنه من قوم قال الله فيهم: ( بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ )[الزخرف:59]. فلما أعيته الحيلة قاتلهم وقاتلوه فلم ينج منهم سوى ثمانية.
         إذا لم يكن إلا الأسنة مركب           فليس على المضطر إلا ركوبها
إن سلوك الخوارج ضد إمام عادل ورع منصف يحترم حقوق الناس، ويحترم واجباتهم .... بإجماع المسلمين والإنسانية جمعاء، وهوالعنف- والإرهاب، والتطرف.
هل سمعتم برئيس أو ملك يوصي بخصوم شرسين كالخوارج كانوا سبب متاعبه وفشله في القضاء على تمرد معاوية وتمزيق جيشه وإنهاك قواه.
لكنه يقول: لا تقاتلوا الخوارج بعدي؛ فليس من طلب الحق فأخطأه ـ يعنيهم هم- كمن طلب الباطل فأدركه-يعني معاوية-(16).
إني وأنا أمقت مسلك هؤلاء تجاه علي؛ ليقيني بعدالة علي، أُحَمِّلُ معاوية المسئولة الكاملة، فهو السبب في جعل هؤلاء يفقدون صوابهم، وأحسوا أنهم قد انتقصت رجولتهم،واهتز دينهم إثر تلك الخديعة المذلة، كيف يصبح المصحف الشريف ألعوبة؟ كيف يصبح القرآن الذي حمل علىٌّ لواءه، وقاتل المشركين من أجله من أول يوم مع رسول الله سببًا في هزيمة علي وتمزيق جيشه؟!
ألا يحق لنا أن نعيد سبب الحركات المتطرفة إلى ألاعيب السياسيين؟!
أرجو أن تعيروني أسماعكم لأروي لكم ما أنا فيه شاهد حال، اكتويت بناره، وما زلت:
المشهد الأول: جاءنا قبل أكثر من ربع قرن أناس لحاهم وافرة، وعمائمهم بيضاء، وعقولهم خفيفة، ودماؤهم ثقيلة- فأثاروا فينا الاختلاف، وزرعوا الفتنة، وغرسوا الكراهية، وكانت معاركهم تدور حول الإرسال، والضم، والتأمين، وحي على خير العمل، والتشيع، ورؤية الله، وجلوسه تعالى على العرش، ونزوله في الثلث الأخير إلى السماء الدنيا، وخلق القرآن، وإباحة قراءة القرآن وكتابته ومسه للحائض والجنب، والمسح على الخفين، والخروج من النار، وكفر أبي طالب، وتمجيد أبي سفيان وأحفاده، وهلم جرا، وكان دعاؤهم: اللهم أهلك الشيعة والشيوعية.
علما أن التشيع الزيدي في اليمن لا يَعْدُو تقديم علي على سائر الصحابة مع توليهم ومحبتهم، والعصمة للخمسة أهل الكساء لا تعني العصمة الخاصة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
بل هي مثل التطهير الذي جاء في الآية: ( إنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيــراً )[الأحزاب:33] فالعصمة تعني أن عليا وفاطمة والحسنين لا يرتكبون المعاصي، هذا كل ما في الأمر.
ولأني مثل غيري نقدس هؤلاء الأطهار، ونضعهم كالكحل في عيوننا، ولي رأيي في العصمة، إلا أني لست منزعجًا من عصمة الزيدية، فأنا أعرف أنها ترادف: أطهارا، أولياء، تقاة.
لقد واجهنا عنتا، وإرهابا فكريا وماديا، وعنفا امتد إلى المساجد، والبيوت، والأسواق، والمجالس، والمدارس، والجامعات.
ونتحسس والعياذ بالله أن هؤلاء مشحنون كراهية وحقدًا، وسينفجرون قنابل في وجوهنا أجارنا الله إن لم يتداركنا الله برحمته.
ولم أسمعهم يتحدثون عن الصهيونية وخطرها، وإنما شغلهم الشاغل الشيعة، والمراد بهم الزيدية، وحين نقول لهم: اجعلونا في الأخير وابدأوا بإسرائيل، يقولون: لا بل أنتم أخطر على المسلمين من اليهود والنصارى.
وكم أسرد من المهازل والكتيبات التي لا تعدو خطة مرسومة لتدمير الذات، وبعثرة الطاقة، وشغل المواطن العربي المسلم البائس يمثل هكذا ترهات:
1- الصواعق في تحريم الأكل بالملاعق لأبي قتادة.
2- الصواعق الرعدية في كفر الشيعة الزيدية لابي عبدالرحمن.
3- إرشاد الغبي إلى وجوب خراب قبة النبي لأبي حفص.
4- إعلام القاري في نزول الباري لأبي حيجنة.
وقد سمعت متحدثًا بجوار قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتحدث عن بدعة القبة، فتمنيت لو أن عفريتا خنقه، ثم رماه في البحر الميت، يا هؤلاء .. بعد أن تنحر رقبة المسجد الأقصى سنتفرغ لقبة النبي !!!
إن تفرغ هؤلاء وزرعهم في المجتمعات لتعكير صفوفها لهو إرهاب تنتجه حكومات، وتزرعه مخابرات محلية وإقليمية وأجنبية؛ بغرض: فَرِّقْ تسد،وبغرض: تصدير الإيذاء من بلد لآخر.
إن الأمر يشبه تجارة العبيد، ولكن بطريق آخر: ضحايا تربية خاطئة، وشحن لا يمكن التحكم فيه؛ لأنه قائم على لغة الدين. واستخدام سلاح الدين أفتك من الأسلحة الذرية.
المشهد الثاني: كنت ألحظ حماسا منقطع النظير في إرسال الشباب إلى أفغانستان للجهاد ضد الملحدين المحتلين الروس، وكانت المساجد مشتغلة بذكر فضيلة الجهاد، وبذل الروح والمال في سبيل الله.
فُتِحَ الضوء الأخضر من نافذة البيت الأبيض، وطُلب من القيادات العربية أن تنشط في إحياء مآثر الجهاد سنام الإسلام، والنبراس المشرق في غابر الأيام، فأقسموا عند الحجر الأسود على الطاعة والإخلاص للبيت الأبيض.
تدفقت كتائب المجاهدين من الشباب، وكان معظمهم يُنْتَزَعُ بدون علم أهله، وبعضهم يذهب وأمه وأبوه يبكيان.
وقد أثرى مشائخ الجهاد عندنا ثراء فاحشا من هذه التجارة، وأثروا من صناديق التبرعات المفتوحة لالتهام دعم الجهاد الأفغاني المبثوثة في كل زاوية من زوايا المساجد، ولم تخل دعامة من صندوق ربط بها بسلسلة من حديد، يفتحه خطباء المساجد –أعني أمناء الصناديق- كل يوم ثلاث مرات، بين التهليل والتكبير بالنصر الكبير –أقصد بالصيد الوفير- حتى حمامات المساجد لم تسلم من صندوق، ناهيك عن المرافق الأخرى.
والناس عندنا طيبون متدينون مغفلون، يستطيع أي ممثل بلحية طويلة، ودمعتين، وشيء من الحشرجرة، وتلاوة بعض آيات الرحمن في جهاد الأفغان، وهي كتيبات تحكي أن بعض المجاهدين أخذ كفًّا من تراب ورماه على دبابة فاشتعلت، وبصق آخر على قاعدة صاروخية فصارت رمادًا، وأشار ثالث بإصبعه الوسطى صوب قاذفة قنابل فتناثرت، ووقع الحطام على رؤوس الجنود الروس، ولم يصب المجاهدين منه إلا ما يشبه قطع الحلوى والشكولاته السويسرية، مكتوب عليه: ( كُلُواْ وَاشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي الأيّامِ الْخَالِيَةِ )[الحاقة:24].
لقد كنت أحذر كثيرًا من فوق منبر المسجد في خطبة الجمعة من هذا الجهاد الذي باركته أمريكا، ودعمته الدول العربية بالمال والرجال، فلماذا لم يهتف أحد بالجهاد ضد الصهاينة المحتلين لفلسطين، الجاثمين على الأقصى.
يعلم الله كم بح صوتي مستشعرًا عواقب وخيمة بعد تنفيذ المهمة الأمريكية، وكنت أقول: إن الأفغاني يساوي خمسة يمنيين طولا وعرضًا، وهم مقاتلون أشداء وليسوا بحاجة لجلب الأبرياء الذين نيتهم الجهاد وعشق الشهادة، ولا يدرون شيئًا عن المؤامرات.
لكن الذي حدث كان كارثة، فبعد أن انبرمت روسيا، وتفتت الاتحاد الشيوعي، وزرعت المخابرات العالمية والإسلامية والعربية ما تريد زرعه كل حسب مخططه، تركوا المجاهدين لمصيرهم الأسود.
وتحولوا من مجاهدين شرفاء إلى مجاهدين إرهابيين، وسموهم العرب الأفغان، وأضحوا خطرًا على شعوبهم، وعلى العالم بأسره، وثقفوهم على التعصب والجمود، والتحجر، وكراهية الآخر.
واستوعبت بعضهم بعض الأنظمة؛ لغرض تصفية خصومها، وتنفيذ مهمات خطرة، لكن السحر انقلب على الساحر، وفلت الزمام، وخرج المارد من قمم سليمان.
كم آلمني أن يختطف من بين يَدَيَّ طلاب أعزاء كرام علمتهم مبادئ دينهم المتسامح المنصف، ومن ضمنهم "ياسين" الخجول المؤدب الذي كان يبتسم بحياء ورقة كالنسيم العليل، وكم كانت صدمتي حين لقيته بعد أن عاد؟ وياليته ماعاد! ينظر شزرًا، ويختزن لؤمًا وحقدًا، ويتحدث عني بوقاحة وقلة أدب، لا أدري ما سبب ذلك كله إلا ما أدريه عن تشنج الخوارج. يتمنى "ياسين" لو ينفجر قنبلة في وجهي لتطير روحه إلى الجنة، ويعجل بروحي إلى الجحيم. على طريقة الذين فجروا ويفجروا أنفسهم في مساجد العراق وشوارعها، ووسط حفلات الزفاف بفنادق عَمَّان.
مالذي جرى، ما دهاك؟ ويجيب بمشقة من شدة الغيظ: أنتم بحاجة لإبادة، ونحن سنبيدكم عندما نؤمر بذلك .... يالطيف !! من أنتم، ومن نحن؟!
أعاذنا الله من شرك أيها المجاهد الحقود، وعوضنا عن مصيبتنا فيك وفي أمثالك، ولا سامح الله من غرس في قلبك الشوك، وحولك من نسيم إلى سموم، ومن بلسم إلى علقم، كيف صرتم أخِفَّاء الهام، سفهاء الأحلام؟
إن هذا اللون من البشر كالقنابل مستعدة للانفجار حسب رغبة المبرمجين لها، فهي تنفجر أحيانًا في مخزن ذخيرة الأنظمة: أحيانا بقصد، وأحيانًا بدون قصد، وأحيانا تنفجر في مستودع الأمريكان، أو في مساجد الشيعة، أو في مناسبات العزاء، أو الأفراح، أو الأسواق الشعبية.
الصورة مشوشة، والتشخيص عسير لحركات إسلامية مضطربة المزاج، متأثرةبالعوامل السياسية والدينية والاقتصادية.
والمثال الأكثر وضوحًا حركة محمد بن عبدالوهاب في السعودية، وكيف استفاد ابن سعود من عنفها وتعصبها، وتوجيه ضراوتها لإبادة المشركين الموحدين، وهم في حساب التوجيه السياسي لتصفية الخصوم، وتوسيع رقعة السلطان.
ولما أكمل بهم الملك عبدالعزيز رحمه الله آخر المشوار، وأحس بضرورة كبح جماحهم، وبناء دولة مدنية حصلت مصادمة، ثم أعقبها ترويض وتهدئة، وساعد على ذلك ثقافة وجوب طاعة ولي الأمر، وعدم الخروج عليه ما أقام الصلاة.
وقد كان للوهابيين دور مؤثر في نشر ثقافة مجتمعهم في كثير من بلدان الله، أسهم ذلك مع الغنى الفاحش في تعاظم النفوذ السياسي.
ومن أكثر البلدان تأثرًا اليمن؛ لقربها، وفقرها، وجهلها. وتغلبت الحركة الوهابية اليمنية على تنظيم الإخوان، أو أن الإخوان وجدوا السعودية أدسم فَخَفَتَ بريق الإخوانية.
كان مشروع النشاط الإسلامي هذا ماثلا كما كنا نلاحظ في:
1- دحر الشيعة والشيوعية، والمراد بالشيعة هم الزيدية، والمراد بالشيوعية أبناء جنوب اليمن.
2- الصوفية، والمراد بهم الشافعية.
3- مشروع المكارمة، وهم الإسماعلية.
والخلاصة: فقد أدخل خطابهم المجتمع اليمني في دوامة الصراع، والفتن، والنعرات، ورغم كل ذلك فقد تقدم مشروعهم تقدمًا كاسحاً لعدة أسباب:
السبب الأول: دعم السلطات الشمالية لهم؛ ليكونوا عونًا في الحرب ضد اليسار، والأهم من كل ذلك دق المذهب الزيدي وتهشيم عظامه؛ لأنه مذهب الخروج على الظالم، وهذا مبدأ مزعج حتى لملوك الزيدية أنفسهم، كذلك دق الهاشميين الذين ما زال الكثير من اليمنيين يتشيعون فيهم.
السبب الثاني: دعم السعودية اللامحدود رسميا وشعبيا.
السبب الثالث: تعلق الناس بالدين.
وكان هؤلاء يجيدون التغني بالقرآن بأصوات تطرب السامعين، وتمديد وتمطيط الأذان، والالتزام بالزي الإسلامي من قميص ولحية وافرة،وسواك لا يفارق الفم إلا أوقات الأكل.
كما نجحوا في الإلقاء الخطابي؛ بحيث تتناغم ملامح الوجه مع حركات اليدين، ورذاذ الريق، والأخطر من ذلك:قدرتهم على البكاء بزفير وشهيق، بل ونهيق أحيانا.
وفي المقابل استيقظ الشافعيون والزيديون، ودخل في خط المواجهة الإماميون، وصارت المواجهة إسلامية إسلامية حسب ما رسمه المنتجون والمخرجون، ونسيت الأطراف مبادئ الأخلاق، وأدبيات الإسلام، وغابت عن الأذهان معاناة الناس تماما.
وصرنا بهذه الصورة البائسة الجافة نمثل دور الحمير؛ لأننا قبلنا الاستحمار، فطائفة الزيدية تناضل من أجل بقاء "حي على خير العمل" ، وأحقية علي في الخلافة، وحصرها في البطنين. والصوفية تدافع عن فضائل أهل الطرق. والوهابية مهتمة هذه الأيام بفضائل الصحابة، وخاصة معاوية، وكذلك إرشاد الناس إلى مساوئ الشيعة، وإهدار حرمتهم وحقهم في الحياة.
وكل فرقة تنقسم إلى فرق، وكل مزقة إلى مزق، فالسلفية بمثابة جناح متشدد يحرم الانتخابات، ويدعو إلى وجوب الطاعة المطلقة لولي الأمر.
وبهذا الصورة الداعية للأسى جعلت الشعوب المسلمة التواقة إلى الوجه الإسلامي البشوش تفر إلى سلطان الشياطين، وتنسحق تحت وطأة الظالمين، وإن ظهرت ومضة هنا، أو بارقة هناك تنجح فيها حركة إسلامية، فهي إما لأن تلك الحركة رشيدة عرفت الباب إلى قلوب المجتمع من خلال تقديم الخدمات الماسة، وتحسس المشاكل والآلام، وتميزت بالنزاهة، ونظافة الكف، وطهارة السلوك، والتضحيات الجسام كحركة حماس، أو قباحة النظام المفرط كحركات أخرى.
وأنـا أقترح للحركات الإسلامية برنامج عمل تجعلها أكثر قبولا:
أولا: التعامل مع المجتمعات كما تعامل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم جاء المدينة، وقبل بكل الفئات من غير المسلمين كرعايا للدولة الإسلامية، فما بالك بالتعامل مع أبناء دين واحد؟! فلا بد من القبول بالآخر، واحترام الرأي المخالف.
ثانيا: إغلاق أبواب التكفير، والتفسيق، والتبديع، والنبز، والغمز، واللمز.
ثالثا: فك العزلة التي وضعت الحركات الإسلامية فيها نفسها، والخروج من الطوق الذي ضرب عليها؛ نتيجة القمع والمنع، فرسخ في ذهنية أعضاء الحركات أن الإسلام حكر عليها، والأخوة الدينية لا تتعدى الجماعة.
رابعا: فتح باب الاجتهاد، ومعالجة مستجدات العصر، وعدم الإصرار على التعامل مع نصوص وردت على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالها.
الدعوة والخطاب الإسلامي والجهاد والتطرف والعنف:
الدعوة التي أراها جديرة بالاحترام هي دعوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم الملتزمة بأدب القرآن ( ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ )[النحل:125]
عودوا معي إلى بدايات الرسالة يوم صعد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم الصفا ونادى: واصباح قريش، فلما اجتمعوا إليه قالوا: ما بك؟ فقال: ((أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي))؟ قالوا: نعم، فما جربنا عليك إلا صدقا. قال: ((فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد)) ( 17).
هل سمعتم بكلام أعذب من هذا؟ وهل عثرتم على أسلوب أرق وألطف؟ حتى وقاحة أبي لهب، وفظاظة أبي جهل، ومكر أبي سفيان، لم تُخْرِجِ النبي الداعية من وقاره، وعندما قال أبو لهب: تبًا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ لم يرد عليه حتى تولى الرد قاصم الجبارين: )( 18) واصل الحبيب الكريم دعوته إلى الله برفق وصبر، فانساب نداها إلى قلوب كثيرة، واستنشق شذاها مؤمنون ومؤمنات، فما كان يسمع كلامه العذب الجميل إنسان إلا وأسلم، ولولا أنهم يضعون أصابعهم في آذانهم لأسلموا جميعا.
      فبما رحمة من الله لاَنَتْ              صَخْرةٌ مِنْ إِبَائِهمْ صَمَّاءُ
      رَحْمَةٌ كلُّهُ وحزمٌ وعزمٌ                ووقارٌ وعصمةٌ وحياءُ
تعرض لصنوف الأذى فاحتسب، وعذب المؤمنون وفتنوا فاعتصموا بالله، وثبتوا مع نبيهم وعلى دينهم كالجبال الراواسي، إلا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يترك أتباعه فريسة لغلاظ الأكباد، فبحث لهم عن مكان آمن، فوجده وراء البحر عند النجاشي ملك الحبشة، فأمرهم بالهجرة فهاجروا، وكانوا رسل سلام عالميين.
شاهد الملك النجاشي رحمه الله ملائكة في صور بشر، وعرف الإسلام عن قرب، فأسلم، ولو أن القارة السمراء حظيت بمثل جعفر بن أبي طالب وإخوانه وأخواته من المهاجرين لأسلمت عن بكرة أبيها.
ولو ظفرت أوربا بمثل مصعب بن عمير لدخل الناس في دين الله أفواجا، بخطابه الرصين، وعقله الراجح، وسلوكه الجميل، فقد ذهب أسعد بن زرارة بمصعب إلى دار بني عبد الأشهل، وكان سعد بن معاذ، وأسيد بن حُضَير سيدي قومهما، وكلاهما مشرك، فلما سمعا بمصعب، قال سعد لأسيد: انطلق إلى هذين الَّذَين أتيا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما، فلولا أن أسعد بن خالتي لكفتيك أمرهما. فأخذ أسيد حربته ثم أقبل إليهما، فلما رآه أسعد قال لمصعب: هذا سيد قومه قد جاءك فأصدق الله فيه. قال مصعب: إن يجلس أكلمه، فوقف عليهما متشتمًا غاضبًا وقال: ما جاء بكما؟ تسفهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت لكما في أنفسكما حاجة، فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمرًا قبلتَه، وإن كرهته كُفّ عنك ما تكرهه؟
قال: أنصفت، ثم ركز حربته وجلس إليهما، فكلمه مصعب بالإسلام، وقرأ عليه القرآن؛ فقالا: فيما يذكر عنهما: والله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهُّلِه، ثم قال: ما أحسن هذا الكلام وأجمله! فأسلم، ثم قال لهما: إن ورائي رجلاً إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه، وسأرسله إليكما الآن، إنه سعد بن معاذ، ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم، فلما نظر إليه سعد مُقبلاً، قال: أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به؛ فلما وقف قال له سعد: ما فعلت؟ قال: كلمت الرجلين، فوالله ما رأيت بهما بأسًا وقد نهيتهما، فقالا: نفعل ما أحببت، وقد حُدثت أن بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وذلك أنهم قد عرفوا أنه ابن خالتك؛ ليُخفِرُوك.
 قال: فقام سعد مُغضبًا مبادرًا، تخوفًا للذي ذكر له من بني حارثة، فأخذ الحربة من يده، ثم قال: والله ما أراك أغنيت شيئًا، ثم خرج إليهما، فلما رآهما مطمئنَّين، عرف أن أسيدًا إنما أراد منه أن يسمع منهما، فوقف عليهما متشتمًا، ثم قال لأسعد بن زرارة: يا أبا أمامة، أما والله لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رُمتَ هذا مني، أتغشانا في دارنا بما نكره؟- وقد قال أسعد بن زرارة لمصعب بن عمير: أي مصعب، جاءك والله سيد مَن وراءه من قومه، إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان- قال: فقال له مصعب: أوَ تقعد فتسمع، فإن رضيت أمرًا ورغبت فيه قبلته، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره؟
 قال سعد: أنصفت، ثم ركز الحربة وجلس، فعرض عليه الإسلام، وقرأ عليه القرآن، قالا: فعرفنا والله في وجهه الإسلام .... فأسلم، ثم أخذ حربته، فرجع إلى قومه، قال: فلما رآه قومه مقبلاً قالوا: نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به، فلما وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل، كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا وأوصلنا وأفضلنا رأيا وأيمننا نقيبة، قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم عليّ حرام حتى تؤمنوا بالله وبرسوله، قالا: فوالله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلمًا ومسلمة.
فأتمني على من يرغبون في الدعوة إلى الله أن يقرأوا قصة مصعب وأسعد جيدًا، وكيف استطاع مصعب وهو غريب أن يستدرج سيدي قومهما في مجلس واحد؛ بحسن أدبه ولطفه: ألا تجلس فتسمع، فإن رضيت وإلا رفعنا عنك ما تكره! أي عاقل يسمع مثل هذا ولا يسعه إلا أن ينصت.
إن الخطاب الإسلامي المحلي والإقليمي والدولي ينبع من معين واحد (اذْهَبَآ إلَىَ فِرْعَوْنَ إنّهُ طَغَىَ* فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لّيّناً لّعَلّهُ يَتَذَكّرُ أَوْ يَخْشَىَ )[طه:43-44]، ( وَلاَ تُجَادِلُوَاْ أَهْلَ الْكِتَابِ إلاّ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ )[العنكبوت:46]، (قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إلَىَ كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إلاّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ )[آل عمران:64]، ( قُلْ هَـَذِهِ سَبِيلِيَ أَدْعُو إلَىَ اللّهِ عَلَىَ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )[يوسف:108]. رسائل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الملوك.
فأين نحن من الخطاب التكفيري المتعجرف الذي ابتليت به النحل والملل الإسلامية وأصبح التكفير والتفسيق إسلاميا إسلاميا.
أما خطابنا اليوم نحو اليهود والنصارى فهو هكذا: اللهم أهلك اليهود والنصارى، وأحرق مزارعهم، وأغرق سفنهم، وأسقط طائرتهم، ويَتِّمْ أبناءهم. ورغم هذا الجفاف، والجفاء، وجمود الفكر، وغيبوبة التفكير، فما زال الإسلام أوسع الأديان انتشارًا في ديار الغرب.
حين وصل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع عتاة المشركين إلى طريق مسدود تآمروا على قتله. هاجر إلى الدار التي هيأها من قبل، وهاجر إليها أصحابه، وأصبح الأمر مختلفًا؛ فمن غير المجدي أن يعالج مريض بالدهان والمهدئات، وهو محتاج لعملية استئصال ما فسد من جسده؛ لانه لو بقي لأفسد الجسد كله. ( أُذِنَ لِلّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنّ اللّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ )[الحج:39]، (الّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقّ إلاّ أَن يَقُولُواْ رَبّنَا اللّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لّهُدّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسمُ اللّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنّ اللّهُ مَن يَنصُرُهُ إنّ اللّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ )[الحج:40].
فالجهاد ضد المشركين رغم شراستهم لم يخلف في تاريخ جهاد النبي كله سوى بضعة مئات، والنبوة المحمدية حدثٌ عالمي هز أركان المعمورة، ولو لم تكن للنفوس حرمة عظيمة في دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم لحصد ملايين القتلى، لكنه عليه السلام آثر آن يطلق أسرى معركة بدر مقابل عطاء مالي، وهي أول فرصة لتأديب قريش حتى عاتبه الله، فقال: ( مَا كَانَ لِنَبِيّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتّىَ يُثْخِنَ فِي الأرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الاَخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )[الأنفال:67].
فالجهاد إنما هو ضد الاضطهاد، ويوجب الإسلام جهاد المسلمين إن اضطهدوا ذميا أو بوذيا، أو سعوا في الأرض فسادا، فالهدف منه تحقيق العبودية لله بترك الحرية لعباده.
ولو أن المشركين تركوا محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم يتكلم بحرية، وطلبوا منه أن يترك من لا يريد الإسلام وشأنَه مُقَابِلَ أن يتحرك بحرية على قاعدة الإقناع بالطريقة السلمية لما تعرض لهم بسيف ولا رمح؛ لأنه يعلم أن الشرك سيذوب كالملح في الماء، وهم يعلمون ذلك؛ ولذلك وقفوا في طريقه، واضطهدوه؛ فلا يجوز للشرك بهذه الصورة أن يبقى، فهو انحراف بشري، وسوأة إنسانية.
ثم إن الجهاد وإن اشتهر إطلاقه على قتال الكفار في عرف الفقهاء إلا أنه متعدد الجوانب.
فالاشتقاق اللغوي يفيد أن الجهاد بذل الجهد، فالمشقة وبذل ما في الوسع من لوازم مقومات الجهاد.
والجهاد تضحية بالنفس، والمال، وهما الأكثر بروزا في معاني الجهاد، إلا أن هناك جهاد النفس الذي سماه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الجهاد الأكبر.
والجهاد بالقول: وهو جهاد الدعوة بالنصح والإرشاد، والتعلم والتعليم، والجهاد في الحقل الصحي، والزراعي، والصناعي، وكل ماله علاقة برفعة شأن الأمة الإسلامية أو الإنسانية.
العنف
العنف: هو أعلى درجات الإيذاء، وهو درجات، وقد يكون مشروعًا، وقد لا يكون كذلك، فيصدق على الجهاد بالسلاح أنه عنف وهو مشروع، ويصدق على الإرهاب أنه عنف وهو غير مشروع.
والدين الإسلامي الحنيف يكره العنف قطعًا، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له شروط منها: (أنه لا يخشن إن كفى اللين) بمعنى أن الخشونة ليست مباحة إن كفى اللين بالقول، أو التأديب اليسير بالسوط، أو كما يحكى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يؤدب بالسواك.
وهذا الأدب الجم، والأسلوب الراقي في احترام الحياة والأحياء مفقود في عالم المسلمين خاصة: أفرادا، وجماعات، ودولا، فما تكاد تنشب مشادة حتى تستخدم بين المتخاصمين كافة أنواع الأسلحة: كالخناجر، والمسدسات، والقنابل، والبوازك ...الخ، وهل الدول العربية تكدس السلاح للعدو المشترك؟ إنها تشتريه للجوار وللإخوة في الدين واللغة.
وفي الختام دعونا نتفاءل وننتهز مثل هذه اللقاءات، ولا نضيع فرصة التعاون الجاد، وليكمل أحدنا الآخر.
الهوامش
 ([1]) ينظر المصابيح لأبي العباس الحسني ص 382، والحدائق الوردية 1/236.
([2]) الإمامة والسياسة ص 144-155.
([3]) ينظر في معناه الطبري 5/303.
([4]) ينظر مقاتل الطالبيين ص 40، وكذلك أيد ثورة إبراهيم بن عبدالله. ينظر مقاتل الطالبيين ص 364.
([5]) ينظر الطبري 7/560، ومقاتل الطالبيين ص 283.
([6]) ينظر الحدائق الوردية 1/329.
([7]) الإصابة 1/319.
([8]) هذا التصور نص حديث ساقه البخاري رقم (3166) ورقم (4094) وقد ارتسم في ذهني قبل مطالعة البخاري حين عايشت أمثاله عندنا منذ ربع قرن.
([9]) البخاري رقم (3414)، ومسلم 2/740 رقم 1063، وينظر سيرة ابن هشام 4/104.
([10]) البخاري 3/1219 رقم 3166.
([11]) وقعة صفين ص 489، ونهج البلاغة ص 163 رقم 40، ص 723.
([12]) ينظر في التحكيم: الطبري 5/70، ووقعة صفين ص 500.
([13]) ينظر الطبري 5/82.
([14]) الكامل للمبرد 3/1078، وشرح النهج 1/251.
([15]) ينظر دلائل النبوة للبيهقي 4/147، والكامل 2/138.
([16]) نهج البلاغة ص 181 رقم 59.
([17]) البخاري 4/1787 رقم 4492، ومسلم 1/194.
([18]) البخاري 4/1787 رقم 4492

الأحد، 8 مارس 2020

مقابلة مع الدكتور عبدالملك عبدالله الجنداري

مقابلة عن الثأر مع القاضي الدكتور عبدالملك عبدالله الجنداري تنشر لأول مرة
أجراها // زيد يحيى المحبشي بتاريخ 26 أبريل 2004
*ماهو المفهوم العام للثأر؟ وماهي أنواعه؟
- المفهوم العام للثأر - من وجهة نظري - أن يُقتل شخص فيقوم ولي دمه - أو شخص من عشيرته أو قبيلته- بقتل أحد أقارب القاتل أو احد اعيان عشيرته انتقاما للمقتول. أما قيام ولي الدم بقتل قاتل مؤرثه فلا يُعد ثأراً، عملا بقوله تعالى ((ومن قُتِلَ مَظلوماً فقد جَعَلنا لِوَليهِ سُلطاناً فلا يُسرِف في القتل))، ومع ذلك فقد أوجب المقنن اليمني معاقبته بالحبس تعزيراً له على افتئاته على حق الدولة في إقامة القصاص. وعليه فالإسراف في القتل هو الثأر، سواء بقتل أكثر من شخص غير القاتل أو بترك القاتل وقتل غيره بحجة أن المقتول أعلى شأناً من القاتل.
* ما مسببات بروز ظاهرة الثأر واستفحالها، في ضوء القصور التشريعي والاختلال القضائي في اليمن؟
وماهي المعالجات القانونية المطلوبة والإصلاحات القضائية المتخذة لاحتواء ظاهرة الثأر؟
- إن للثأر - كفعل أحادي- أسباب عدة ، ولاشك أن ثمة قصور تشريعي وخلل قضائي بهذا الصدد.
أما الثأر - كظاهرة - فوراءه سببان رئيسان ، الأول الجهل، والثاني بروز سلطة القبيلة - في بعض المناطق - على حساب سلطة الدولة بجوانبها الثلاثة التنفيذية والتشريعية والقضائية. لذلك من التجني وعدم الإنصاف تحميل إحدى سلطات الدولة دون غيرها وزر الثأر كظاهرة. فكثيرون يزعمون أن القضاء هو المسئول الأول عن ذلك، وهذا غير صحيح بدليل أن أولياء الدم في معظم قضايا القتل - في المحافظات التي ينتشر فيها الثأر - يرفضون التقدم بدعواهم بالحق الشخصي إلى القضاء، لقناعتهم الراسخة بأن عدم أخذهم حقهم بأيديهم نقيصة كبيرة. كما أنهم يعلمون أن القضاء سيقتص من القاتل الذي يرون غالباً أنه غير كفء للمقتول.
وقد يقول قائل: إن عدم ثقتهم بالقضاء هو دافعهم لأخذ حقهم بأيديهم. فنقول: إن هذا الوهم كان سائداً إلى عهد قريب، وهذا ما حدا بالمقنن اليمني عند تعديل مشروع قانون الجرائم والعقوبات - الذي أستمر العمل به استئناساً لعدة سنوات فيما كان يعرف بالشطر الشمالي من الوطن- إلى استحداث حكم يجيز للنيابة العامة حق طلب القصاص من المحكمة في قضايا القتل العمد. في حالة امتناع أولياء الدم عن طلب القصاص . بل وأوجب على المحكمة أن تحكم بالقصاص إكتفاء بطلب النيابة العامة (المادة "50" من القرار بالقانون رقم "12" لسنة 1994م). إلا أن المقنن علَّق تنفيذ الحكم الصادر بالقصاص على طلب أولياء الدم، باعتبار أن ذلك حق شرعي لهم دون غيرهم، عملا بقوله تعالى: ((ومن قُتِلَ مَظلوماً فقد جَعَلنا لوليه سُلطاناً)). ورغم ذلك النص القانوني وتطبيقه على الواقع وصدور أحكام مقررة بالقصاص، إلا أن أولياء الدم - في المناطق المشهورة بالثأر - يمتنعون عن طلب تنفيذ الحكم انتظاراً لخروج المحكوم عليه من السجن ليقتصوا منه بأنفسهم، أو لأنهم لا يريدون المحكوم عليه بل يسعون للثأر بقتل غيره.
ومع ذلك - وكمعالجة قانونية لهذا الوضع - يمكن العمل على استحداث نص يمكن المحكمة من إجبار أولياء الدم على الحضور أمامها وتخييرهم بين ثلاثة أمور لا رابع لها: إما طلب القصاص أو الدية أو العفو، عملا بقول الرسول صلى الله عليه وآلهوسلم : (من أصيب بدم أو خَبلٍ "جراحٍ" فهو بالخيار بين إحدى ثلاث إما أن يقتص أو يأخذ العقل "الديه" أو يعفو ، فإن أراد الرابعة فخذوا علي يديه، ومن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم). وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : { من قُتِلَ له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يعفو وإما أن يقتل}. ومع ذلك فإن وجود مثل هذا النص القانوني لن يجدي إلا بتفعيله، وهذا لن يتأتي إلا بوجود آلية تنفيذية تمكن جهات الضبط القضائي - في مناطق الثأر المعروفة- من إجبار الخصوم على المثول أمام القضاء.
هذا ما يتعلق بتلافي القصور التشريعي، أما القصور القضائي بهذا الشأن - وإن كان لا يخلو- إلا أن تأثيره في بروز ظاهرة الثأر ليس بالصورة التي يتوهمها الكثيرون، بدليل العدد الكبير من الأحكام القضائية التي تصدر سنويا بالقصاص والتي ينفذ العديد منها في معظم محافظات الجمهورية، كما أن ثمة مئات منها لم تلق طريقها للتنفيذ بسبب سعي الكثيرين للتدخل بالصلح بتنازل أولياء الدم، وبسبب تدخل كثيرين أيضاً لإعاقة تنفيذها بالتشكيك بصحة أحكام القضاء، وبغير ذلك من الأسباب. المهم هنا أن القضاء اليمني - وبالذات في قضايا القتل - يقوم بدوره على نحو يفوق غيره في معظم دول العالم سواء من حيث مدد التقاضي أو من حيث سلامة الإجراءات.
ولاشك أن من بين العدد الكبير من الأحكام الصادرة في قضايا القتل ما يكون بالقصاص ومنها ما يكون بالدَية وفي أحيان قليلة بالبراءة، كل ذلك بحسب مدى كفاية الأدلة التي يطرحها الخصوم أمام المحاكم. ولمن يريد التأكد من صدق ما ذكرناه الرجوع الى أرشيف المحاكم والنيابات العامة وإحصائياتها.
هل يمكن تحديد رقم معين للقضايا المتعلقة بالثأر المطروحة أمام المحاكم اليمنية؟
- قضايا الثأر تدخل في التصنيف القضائي ضمن قضايا القتل، وهذا الصنف من القضايا ينقسم إلى قتل عمد وقتل خطأ، ولا يوجد تصنيف لقضايا القتل باعتبار السبب. ومن ثم فتحديد رقم معين لقضايا الثأر يحتاج إلى باحثين لاستخلاص ذلك من بين قضايا القتل العمد المنتهية المؤرشفة في خزائن النيابات العامة.
كيف يمكن الحد من الاختراقات العرفية، وخصوصاً قاعدة "المواخاة" وقاعدة "الرباعة"؟
- المواخاة والرباعة ونحوها هي قواعد قبلية عريقة لها جذور عميقة - ليس في تاريخ اليمن فحسب بل في التأريخ العربي عموماً - تمتد إلى عصر ما قبل الاسلام ، وهي مما قال عنه صلى الله عليه وآله وسلم "{ إنما بعثت لإتمم مكارم الأخلاق}، ومن ثم فالخلل ليس في القواعد ذاتها بل في تطبيقها، فتلك القواعد ليس على إطلاقها بل لها ضوابط وأسس استمر العمل بها بين قبائل اليمن مئات السنين. بيد أن تطبيق تينك القاعدتين- شأنهما شأن غيرهما من القواعد القبلية - قد أعتراه الكثير من الخلل بسبب تدني المفاهيم القبلية الأصيلة، نتيجة الجهل المستمر بتلك الأعراف والقواعد، وهذا نوع من ا لجهل الذي اشرنا إليه في بداية حديثنا كسبب رئيس من أسباب تفشي الثأر الذي كان وما يزال مذموماً عند عقلاء قبائل العرب منذ العصر الجاهلي حتى اليوم.
كلمة ختامية:
- أخيراً نقول إن أية معالجة لظاهرة الثأر لن تنجح إلا بتفاعل وتكاتف الجميع. ومن ثم فإن الحملة الوطنية التي تبناها فخامة الاخ رئيس الجمهورية المشير علي عبدالله صالح لمحاربة هذه الظاهرة هي الخطوة الصحيحة والطريقة المثلى للتغلب عليها. لذلك نأمل من الجميع - وبالذات مشائخ القبائل - من بذل أقصى جهودهم في المشاركة في الحملة الوطنية والتفاعل معها.

الأحد، 9 فبراير 2020

السلام الاقتصادي بوابة إسرائيل إلى العرب


زيد يحيى المحبشي

18 عاماً مرت حتى الآن على الرعاية الأميركية للتسوية في الشرق الأوسط بدءاً بمؤتمر مدريد 1991 ومروراً بوادي عربة فأسلو 1993 وانتهاءً بخارطة الطريق2003 وأنابوليس 2005 ، ورغم ما صاحبها من آمال عريضة لطوي الصراع العربي الإسرائيلي  لكن النتيجة كانت واحدة في ظل الانحياز الأميركي الفاضح والتعنت الإسرائيلي المتعاظم والانقسام العربي الفاقع وهي المزيد من الحروب والضغوط على العرب، والمزيد من التنازلات والقضم والهضم للحقوق الفلسطينية.

الغاية تبرر الوسيلة

بيل كلينتون انتهج سياسة المسارات المنفصلة والحلول الثنائية لكن بوش الابن قام بهدم كل ما بناه من جسور ثقة مع العرب عندما قرر اعتماد سياسية الحروب الإستباقية والمواجهة والإهمال والتجاهل المتعمد للقضية الفلسطينية – أم القضايا- فكانت نتيجة ذلك المزيد من التورط الأميركي في ملفات الشرق المتشابكة سياسياً وعسكرياً، والمزيد من الحروب الخاسرة في العراق وأفغانستان وباكستان,وبروز منافسين كبار للنفوذ الأميركي كروسيا والصين وأوربا والهند ليجد نفسه مضطراً في سنته الأخيرة لإبداء بعض الجدية آملاً في إحراز تسوية ما في المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي.

أوباما اليوم وهو يرفع شعار التغيير ويعد بمرحلة جديدة من التصالح مع الشرق الأوسط يريد استكمال ما بدأه بوش بإصرار وعزيمة ظاهرها التقدم باتجاه التسوية وباطنها إيجاد المخارج للورطات الأميركية بالشرق المضطرب وما خلفته من أزمة مالية واقتصادية عالمية باتت تهدد أميركا بالإفلاس والتفكك.

إذن فالاهتمام الاستثنائي بالتسوية في سنة بوش الأخيرة وسنة أوباما الأولى ليس له علاقة مباشرة بالسلام، خصوصاً وأن الرؤية الأميركية لازالت غائبة حتى الآن لسبب بسيط هو تشابك قضايا الأوسط الكبير واستعصاء فصل مساراتها المتلازمة، ولذا نجد أوباما حريصاً على رفض المسارات المنفصلة والحلول الثنائية في وقت تعتقد قيادة الجيش الأميركي بأن حلاً للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي سوف يساعدها  في كل من العراق وباكستان وأفغانستان، بل وفي وضعه الأسيوي عموماً، خصوصاً وأنه يتواجد في 21 دولة آسيوية.

الجنرال بتريوس قائد القوات الأميركية في معرض توضيحه لهذا الاستنتاج  خلص إلى أن الصراع الحامي على فلسطين يزيد من تعقيد الوضع المتردي لقواته فيما إيجاد حل ما يساعده في الخروج من ذلك التدهور وربما المساعدة على تحقيق الأهداف التي يسعى إليها, إن لم يكن كلها فالرئيس منها؛ بمعنى آخر نحن أمام مرحلة فاصلة لتقرير مصير ومستقبل النفوذ الأميركي العالمي سلباً أو إيجاباً لاسيما حينما تكون كل الجبهات مشتعلة وتتكاثر أعداد القتلى والجرحى وتُسد آفاق الانتصار العسكري أمام أميركا ولكن هذه المرة من بوابة الشرق الأوسط تحت شعار الحل الإقليمي والسلام الاقتصادي في قالب جديد للعبة القديمة المتجددة يحاول فيها أوباما التعامل بواقعية لاعبي الشطرنج مع السياسة بالتزامن, أي منشغل في الوقت ذاته مع لاعبين آخرين إقليميين ودوليين، وحسب كيسنجر فقد افتتح أوباما لعبته بنقلة غير مألوفة عندما مدَّ يَده التصالحية مع العرب والمسلمين من قاهرة المعز وبات كل شي الآن منوطاً بما ستكون عليه ردة فعل الطرف المقابل، ثم كيف يواصل أوباما لعبته، لكن المشكلة هنا أن اللعبة حتى الآن تدور بين طرفين هما ملك الشطرنج الأوبامي والوزير الإسرائيلي فيما الطرف العربي الفلسطيني المعني أساساً بالمواجهة لا يزال غائبا وكان الأمر لا يعنيه ولا يتعلق بحاضره ومستقبله.

توافق وتناغم

ثمة حقيقة يتجاهلها الكثير وهي أن معظم تفاصيل العلاقات الأميركية الإسرائيلية لا تجرِ في العلن وأن ما يجري في الكواليس أكبر وأعمق وأكثر دلالة مما هو معلن لغايات دبلوماسية ,أي أننا أمام علاقة استثنائية لها جذورها وشروطها ومحرماتها وإن وجدت هناك ثمة اختلافات في بعض الأوقات فهي في التفسير وليس المبدأ حول ما إذا كانت رؤية أي منهما تحقق مصلحتهما معا أو أحديها في الحاضر والمستقبل, ما نجد دلالته في موقف اوباما ونتنياهو من التسوية وفق شروط وأولويات معينة وما إذا كانت تصب في هذه المصلحة أم لا.

والمتتبع لموقفهما في الفترة الأخيرة يجد اشتراكاً فاقعاً إلى حد التناغم في القضايا الأساسية، وتحديداً تلك المتعلقة بالمسار الفلسطيني وهو أمرٌ مُعتاد خاصة في قضية يتقاسم فيها  الطرفان الاهتمام والحوار والمتابعة كما هو حال التوافق على الحق الديني والتاريخي لليهود في القدس والدولة الفلسطينية المنزوعة السلاح، ورفض أي ترتيبات في إطار اتفاق سلام يمكن أن يهدد إسرائيل مستقبلاً، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين خارج حدود الخط الأخضر ووقف كافة أشكال المقاومة المسلحة والضغط باتجاه التطبيع والاعتراف بيهودية الكيان قبل الشروع في أي تسوية، وبذلك يكون هذا الثنائي الرائع قد ألقى الكرة في الملعب العربي في دلالة واضحة على مدى عمق أواصر الصلة بينهما، وعدم إمكانية انفصالها لأي مبرر.

على أن الايجابية الوحيدة في موقف أوباما هو القبول المبدئي بالمضي في التسوية بما يلبي طموحات أطرافها وينقل المنطقة إلى عهد جديد من المصالحة لكن مع التأكيد على أنها ستكون شاقة وطويلة ومعقدة باستثناء خلاف شكلي حول المستوطنات نفته استثناءات النمو الطبيعي ومقايضة التجميد بالتطبيع والاعتراف كيما يُصار إلى مناقشة المواصفات السيادية والأمنية للدولة الفلسطينية الموعودة ولكن في ضوء الوقائع الميدانية.

 السلام الاقتصادي

إعادة صياغة العلاقات العربية - الإسرائيلية على أسس اقتصاديه جديدة تحتل فيها إسرائيل موقع المركز والعرب موقع الأطراف, فإسرائيل الأكثر تقنية بخبراتها وأموال النفط العربي واليد العاملة الفلسطينية الرخيصة من شأنه تحويل إسرائيل إلى نقطة الاستقطاب والتصدير في نفس الوقت.

نتنياهو يطالب بإقامة مشاريع مشتركة ينفذها كيانه تتضمن تحلية مياه الخليج العربي ونقل الغاز والنفط الخليجي إلى البحر الأبيض المتوسط عبر فلسطين المحتلة واستغلال الطاقة الشمسية.

اوباما بدوره جدد مطالبته للعرب باتخاذ خطوات ذات مغزى وأفعال ذات أهمية تساعد إدارته على التحرك نحو تحقيق أهدافها فيما يتعلق بالتسوية الشاملة، وبما أن وزراء خارجية العرب قد أبدوا في 24حزيران /يونيو الماضي الاستعداد لاتخاذ ما يلزم من خطوات لتسهيل مهمة أوباما لذا فهم اليوم مطالبون باتخاذ خطوات ايجابية لإنهاء عزلة إسرائيل في المنطقة في إطار مقايضة التطبيع بتجميد المستوطنات وليس تفكيكها أو إزالتها طبعاً واللافت هنا أن ورقة التطبيع هي آخر ما تبقى لدى العرب من أوراق الضغط والقوة وهي أيضاً جوهر المبادرة العربية ولذا بدا الرهان حولها جدياً هذه المرة.

المقترحات الأميركية الأخيرة تضمنت مجموعة من الإجراءات ذات مغزى بشأن المستوطنات مقابل خطوات ذات مغزى يتخذها الفلسطينيون بشأن نبذ العنف ويعلن العرب بعض الخطوات باتجاه التطبيع لكن أميركا ستكون أمام مهمة شاقة في إقناع الأطراف المختلفة بتحقيق هذا التتابع .

في التفاصيل ما يريده أوباما حالياً من العرب:

- السماح للطيران التجاري والمدني الإسرائيلي بالمرور من أجواء دول الخليج العربي والعراق في رحلاته إلى بلدان الشرق الأقصى، وهذا من شأنه تقصير المدة الزمنية والكلفة لكن العقبة في تحقيق ذلك هي الرفض السعودي السابق والحالي خصوصاً وأنه المعني بهذا الطلب أكثر.

- اعادة فتح مكاتب لرعاية المصالح في تل أبيب والتي كانت تعمل في الماضي في الخليج العربي وشمال إفريقيا والتي اضطرت لإغلاقها في السنوات الأخيرة، وقد نشطت هذه المكاتب في كل من المغرب وتونس وعمان وقطر والسماح لإسرائيل بفتح مكاتب للمصالح التجارية في سفارات دول أخرى بعواصم عربية لا تُقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وتحديداً الرياض وأبو ظبي.

- السماح باستقبال اتصالات الهواتف الخلوية الإسرائيلية على الشبكات المحلية العربية ودخول السياح ورجال الأعمال الذين بحوزتهم جوازات سفر تحمل التأشيرة الإسرائيلية أو أختام دخول وعقد اجتماعات مباشرة بين كبار المسئولين والتبادل الثقافي.

- مطالبة العرب بتشجيع السلطة الفلسطينية على الاعتراف بيهودية إسرائيل ودعم خيار التوطين للاجئين الفلسطينيين ودعم سلطة عباس على بناء مؤسساتها ومواصلة محاربة الإرهاب ووضع حد للتشجيع عليه، وتشجيع حماس على الإندماج في العملية السياسية ونبذ العنف.

الرد العربي كان متجاوباً في بعضه حسب ميتشل كدفعة أولية على حساب تسوية سياسية شاملة فيما يرى البعض الأخر أنه لن تكون هناك مكافئة مسبقة، ولذا فدرجة التجاوب العربي متوقفة على حجم الفعل الإسرائيلي فيما يتعلق بالمستوطنات.

وبالعودة إلى قواعد التفاوض السليمة نجدها واضحة لجهة عدم المبادرة لتقديم تنازلات لخصمك حتى لا يبدو أنك متلهف على التسوية ويتصور الخصم أنك ضعيف فإن اضطررت لتقديم تنازل كبير حتى تحرك عملية التسوية لا يمكنك أن تبادر بتنازل آخر للخصم قبل أن يقدم لك تنازلاً مُكافئاً وإلا اصطبغ النموذج التفاوضي بهيمنة واضحة للخصم حتى نهاية العملية التفاوضية.

 ولكن ذلك في الممارسة العربية طبعاً بدا على النقيض تماماً ما جعلهم مطالبين مع كل نقطة مفصلية بتقديم تنازلات محسومة لتحريك ركود التسوية بحيث لم يتبقى لديهم  من أوراق الضغط سوى ورقة التطبيع وهو سلوك مدمر للمطالب العربية.

في ضوء المقايضة الأخيرة نجد أن المقابل تجميد أو وقف الاستيطان وليس تفكيك المستوطنات التي تعد العقبة الرئيسية أمام إتمام التسوية ما يعني أن الاحتلال مازال محتفظاً بأراضٍ استولى عليها في 67 والأخطر من ذلك أن المستوطنات تمثل جوهر النظام العالمي لأمن إسرائيل، خصوصا وأنها تحتضن 550 ألف مستوطن  300 ألف منهم في الضفة و250 ألف بالقدس الشرقية بواقع 7%من يهود الكيان في حين أن نسبة النمو تتجاوز 3 أضعاف النمو داخل الكيان فكيف بنا أن نتصور إسرائيل بدون مستوطنات وغير بعيد من ذلك موافقة أوباما مؤخراً على بناء 2500 وحده استيطانية بالضفة.

كل هذا يشير باتجاه واحد لاسيما إذا ما عرفنا بأن القسم الأكبر من المساعدات الأميركية لإسرائيل يذهب لصالح المستوطنات وهذا الاتجاه هو ببيع اوباما العرب الريح مقابل تنازلات مجانية وحاسمة من شانها المساعدة على تكريس الاحتلال بصيغ التفافية ومضللة والتأكد على مطامعه في الأرض، والقبض على مستحقات السلام ومنع قيام أي ميزان قوي غير موات لأميركا وإسرائيل ما يسهل أكل الحقوق وتصريفها.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 25/تموز/2009 - 2/شعبان/1430

الثلاثاء، 4 فبراير 2020

سوق القات بالمحابشة








 هو من أكبر أسواق القات في اليمن يرتاده يوميا نحو 15 ألف شخص ويباع فيه القات الشامي بأنواعه ويسمى هذا السوق بالمخضيرة وله تسمية أخرى هي الدودة ..
من أنواع القات الشامي:
البقمة والمفصن العهيد والمفصن المجحي/ الجاحي والمشط/ الخوالف والبضاعة والنبز والجحش ..
وأغلى الأنواع هو المفصن العهيد يليه البقمة والبقمة أنواع ولكل نوع ثمن مختلف ..
ومعظم القات الشامي يذهب الى تهامة والحديدة وجزء منه يتم تزريقه الى السعودية

الأحد، 2 فبراير 2020

دردشة حول نكبة 11 فبراير 2011


يكتبها زيد يحيى المحبشي
* هل كانت أحداث 11 فبراير 2011 ثورة تغيير مكتملة الأركان أم نكبة ولعنة أعادة اليمن الى القرون الوسطى؟
وفي حال كانت ثورة؛ فأين هو نظام ودولة الثورة، وإذا كانت نكبة؛ هل تمتلك أم النكبات وثوارجتها الشجاعة للاعتذار وطلب العفو والغفران مما اقترفته أيديهم بحق اليمن والشعب والتاريخ والحاضر والمستقبل؟؟!!
* الشرفاء يضحون والفاسدون يقطفون الثمار ..
متوالية الأحداث في بلادي منذ 11 فبراير 2011 وحتى يوم الناس
* بفضل ثورتي 11 فبراير وو21 سبتمبر، اليمن تحتل المركز الثاني بين الدول الأكثر فقرا في العالم ..
شدوا الهمة باقي ثورة ونحتل المركز الأول
* ‏حلمنا في 11 فبراير بالحرية والعيش بكرامة فأصبح حلمنا البحث عن العيش فقط دون جدوى
في 11 فبراير بطرنا بالنعمة فعاقبنا الله بنهر من الدماء لا يزال يتدفق بغزارة دون رحمة ومن يحتفل اليوم بنكية 11 فبراير فهو شريك في كل الدماء التي تسيل
نستغفر الله من 11 فبراير وأحلامه
* بعد أحداث نكبة 11 فبراير 2011 هجر الأخ أخاه وكفر الأخ أخاه وقطعت الأرحام وأستبيحت كل المحرمات والمقدسات بين الأخوة ولا زالت رغم أننا أمام صراع دنيوي ليس لله فيه شيئ ورغم أننا ندين بدين الإسلام .. دين الأخوة والمحبة والسلام
* في العهد الجاهلي كانت نسبة الأمية 70 بالمائة وبفضل ثورتي 11 فبراير وما تلاها من نكبات انخفضت إلى 90 بالمائة وصار التعليم لمن استطاع إليه سبيلا كما انخفضت نسبة الفقر من 50 إلى 85 بالمائة واختفت الطبقة الوسطى تماما وصارت الحياة للمقتدرين فقط والذي ما بش معه مش ضروري يعيش والصحة بعد أن كانت للجميع في المستشفيات الحكومية وبأسعار رمزية صارت برسوم تفوق أحيانا المستشفيات الخاصة وبدون خدمات صحية والذي ما بش معه ليش يمرض أصلا وعن أسعار المواد الغذائية والجرع والوظيفة العامة والرواتب والكهرباء والمياه والمشتقات النفطية والخدمات العامة والمواطنة والمساواة وقضايا وهموم البسطاء والمساكين والمستضعفين في الأرض ولعنة الوساطات والإقصاء والاستحواذ والعزل والعدالة والرفاه الاجتماعي فحدث ولا حرج وخاتمة الأثافي تحول البلاد من طور التنمية إلى طور الإغاثة ولا زالت الباقيات الصالحات في الطريق والخير لا قدام والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه الثورات سواه
* في 2011 بعد انضمام عتاولة الفساد لما اسمي بثورة 11 فبراير، وصراخ أثوار ميكروفون نافورة الحكمة بجولة الجامعة الجديدة: من دخل الثورة رجع كيوم ولدته أمه .. يومها أجرت إحدى الصحف مقابلة مع الشهيد الدكتور المرتضى المحطوري رحمه الله، ومن ضمن الأسئلة الموجه له، كانت هناك فقرة عن علي محسن الأحمر، فسأله الصحفي: علي محسن انضم للثورة وهو من عتاولة الفساد والثورة تجب ما قبلها .. تبسم الدكتور وقال: الإسلام يجب ما قبله وليس الثورة .. إذا أراد علي محسن التطهر فعلا فعليه أولا التخلص من المظالم ورد حقوق الخلق وما عدا ذلك فتوبته غير مقبولة ..
وللأسف مثلت أحداث ما سمي بجمعة الكرامة حينها المتنفس للفاسدين في النظام الحاكم للتطهر على حائط مبكى نافورة الحكمة؛ وما أشبه الليلة بالبارحة .. فقد أصبحت صرخة 21 سبتمبر كحائط مبكى 11 فبراير، تجب ما قبلها .. رغم ان 11 فبراير وو21 سبتمبر كان مبررهما الأول محاربة الفساد والإطاحة بالفاسدين؛ وبما أن عبارة محاربة الفساد كانت مجرد شعار وشماعة ظلت كذلك ..
وإذا عرف السبب بطل العجب!!!! ..
* الثورة تغيير جذري للنظام ومنظومته واسقاط كلي للدكتاتور والدكتاتورية التي بناها، ولكي نقول أن
الثورة نجحت لا بد ان تجتاز ثلاث مراحل متلازمة هي:
الهدم: اسقاط النظام وهذه كل الثورات تنجح فيها
التحول: وهو اخطرها وفيها تظهر ما تسمى بالثورة المضادة وراكبي الموجة ولذا تظل الاختبار العملي لنجاح الثورة من عدمه
البناء: بناء نظام ودولة جديدة وفقا للأهداف التي قامت من اجلها الثورة ..
ما حدث في 11 نوفمبر 2011 هو ازاحة شخص الحاكم فقط وبقاء كامل نظامه ومنظومته بقوة المبادرة الخليجية وليس بقوة الفعل الثوري واعادة تخليقه مع بعض المحسنات .. وبالتالي فشل الفعل الثورى في اجتياز المرحلة الاولى من مراحل الثورة؛ وعليه ما جرى في 2011 لم يكن ثورة ولا حتى ربع ثورة كما يروج ثوارجة فبراير بل مجرد احتجاجات مجتمعية مطلبية سرعان ما تم حرفها عن مسارها واحتوائها
والمخجل أنهم يحتفون بخيبتهم
* 11 فبراير أم 21 سبتمبر و21 سبتمبر بنت 11 فبراير ..
كلاهما لم يجلب لليمن سوى الخراب والدمار ..
لسبب بسيط هو طغيان الأيديولوجية المذهبية على المطالب الشعبية
* 11 فبراير جابت لنا المبادرة
و21 سبتمبر جابت لنا أصحاب المبادرة
هذا هو انجازهم ولا شيئ سواه فعلاما التفاخر والتناخر يا حملة المباخر
* قال الحكواتي: احمدوا الله يا سادة يا كرام على ثورة 11 فبراير وما أحدثته من تغيير جذري في حياتكم ما كان ليحدث ولا بعد مئة عام فقد خلصتكم من واقعكم وأحلامكم وأي مكرمة أعظم من هذه المكرمة
* اللهم ادفع عنا كابوس 11 فبراير 2011 ولا تنكبنا مرة ثانية يكفينا لعنة النكبة الأولى؟؟؟!!!
* السنة الفرعونية
انشغل الحكام العرب في العقود الستة الماضية بالتفنن في صناعة الفتن الداخلية بتلاوينها، وصناعة الخصوم والخصومة، والاستمتاع بعراك ديوك السياسة، ظناً منهم، وبعض الظن إثم، أن هذه السُنّة الفرعونية ستحميهم وتحمي عروشهم من طوفان الجياع .. دون إدراك أو تنبه لحقيقة أن يكون الوطن للجميع من دون إقصاء أو تهميش أو تمييز .. اليوم ورغم مرور تسع سنوات على ما يسمى بثورة الجياع .. ووصول حكام جُدد وأنظمة جديدة من جحور الربيع العربي أو العبري لا فرق .. ما الذي تغيّر؟! .. لا شيئ .. فالسنة الفرعونية ولله الحمد لا زالت محتفظة بقوامها ورشاقتها ومكانتها وليس هذا فحسب بل وصارت السيدة الأول مع مرتبة الشرف؟؟!!
ولله في خلقه نظر
* الصدور العارية تركت الشعب عاري؛ لا مرتبات؛ لا ماء؛ لا كهرباء؛ لا صحة؛ لا وظائف؛ لا تنظيف للفساد؛ لا حرية؛ لا كرامة؛ لا اخوة؛ لا دولة؛ لا سيادة؛ لا وطن؛ لا حياة ..
متى نخرج من جحر الحمار الداخلي لنرى نور الحياة؟؟؟!!
* نكبة 11 فبراير لم تطيح بعلي عبدالله صالح كما يتبجح ثوارجة الماما .. صالح تنحى عن الحكم بموجب المبادرة الخليجية التي صاغها نظامه وتم تقديمها باسم دول الخليج كمخرج يحفظ ماء وجه الماما قبل صالح .. واعادة التدوير داخل ذات النظام دون ان يكون هناك أي تغيير يوجب التفاخر بل تحولت اليمن من التبعية النسبية الى الاستباحة الكلية وصارت يمنات نازفة

السبت، 1 فبراير 2020

المحابشة: هنـــا دُفـــــن جلد النبـــي أيــــوب

طائرة مصرية تقصف 75 مصلياً بالجامعِ المقدس في الستينيات
استطلاع وتصوير: بشرى الغيلي

غامتْ وراء جفونِها شطآني
وصحا بأفقِ هدوئها نيساني
يا أم غاباتِ الصنوبر يا ضحى
عمري ويا دربي ويا عنواني

هكذا تماهى مع غاباتها الخضراء الشاعر حسن الشرفي، وصحتْ بآفاقها مواسم نيسان البهية، حيث تجلّت مع روحه وقصائده التي أراق ماءها على سفوحها ومنحدراتها، وجبالها الشماء.
المكان لوحةٌ ربانية بديعة رسمتها العناية الإلهية، تسحرك حد الدهشة، وأنت تستطلعُ التاريخ هنا، لاسيما مزاراتها الدينية، وقبابها، وأضرحة أوليائها، واعتقاد أهالي المنطقة بأن جلد النبي أيوب عليه السلام دفن في «قبة أيوب»، لوجود تابوت خشبي منذ مئات السنين، فاتخذوه مزاراً دينياً. وتنقلك ذاكرة التاريخ إلى الستينيات، لتحكي قصةً دامية شاهدةً على مجزرةٍ ارتكبها الطيران المصري آنذاك بداخل الجامع المقدس بمركز مديرية المحابشة, راح ضحيتها 75 مصلياً، يحكي كبار السن أنهم وجدوا أشلاءهم حينها في القرى المحيطة بالمدينة. ثم تعودُ بك ذاكرة التاريخ إلى العصور الغابرة مرة أخرى للتوقف عند أسطورةِ «الحيمران» بقريةِ «هيدة» التي ذكرها المؤرخ الهمداني في كتابه «صفة جزيرة العرب» عن أهلِ القرية الذين بطروا النعمة فسلط عليهم الحيمران، والكثير من التفاصيل التي رصدها «فضاءات لا» ضمن السياق.
تسابيح روحية
تأخذك اللحظات الروحانية نحو سماءٍ بعيدة، وأنت تقفُ على صخرةٍ مرتفعةٍ فوق تلةٍ صغيرة في مساءات وليالي شهر الصوم تتأملُ حلقات الذكر، وسيرة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، وهي تعانق عِنان السماء من كلِ مئذنةٍ شامخة تُرسل رسائل نورانية عظيمة، تستمر في لحظاتِ الوجد الروحي ومعانقةِ النور الذي يتسربُ إلى خلاياك المتعطشة للمزيدِ حد الارتواء. ولكن عليك هنا أن تأخذ أوراقك ورفيقك الوفي قلمك زادا لهذه الرحلة لتتوقف عند كل مئذنةٍ صدحت بالنور، وقُبةٍ علا منبرها عالم دين غير مجرى التاريخ وساهم في نهضةِ العقول وأثر في المجتمع، وضريحٍ لولي من الأولياء الصالحين، ثم تبحث بحماسٍ بين أوراقِ التاريخ عن سيرةِ هذه الأماكن المقدسة وتاريخها العظيم.
لمحة تاريخية
تعد جميع مساجد مديرية المحابشة، والعُزَل التابعة لها إدارياً، أثرية إلا البعض منها فقد طرأ عليها بعض التوسعة والتحديث محتفظة ببعض أجزائها القديمة. ويعود بناء بعض هذه المساجد إلى أكثر من تسعمائة عام كما أوضح عبدالله سليم، مدير فرع مكتب الثقافة بالمديرية. ومن تلك المساجد الأثرية والأضرحة والمزارات في مركز مديرية المحابشة: مسجد الأمير المحبشي المسمى "مسجد دبش" ويقع في أطراف قرية "جبل المحبشي"، وهو مسجد صغير مازال محتفظاً بقدمه ولم يطرأ عليه شيء، يوجد بجواره بركة ماء ومرافق. ومسجد داود الذي  يقع شرق مسجد المحبشي، تمت توسعته فوق بركته القديمة التي مازالت جيدة ويوجد عند مدخله قبران.

الجامع المقدس... مجزرة ستينيات القرن المنصرم
لم توثقها سوى صدور كبار السن، ومن شهدوا الحادثة وعاصروها. يحكون بمرارةٍ لـ"فضاءات لا" أنهم وجدوا أشلاء المصلين في القرى المجاورة، لشدةِ الضربة العنيفة، وأن ذراعاً هنا، ورأساً هناك، حيث استهدف الطيران المصري آنذاك بغارةٍ جوية في يومِ جمعة جموعاً من المصلين بالجامع المقدس بمركز مديرية المحابشة. ويضيف عدنان الغيلي، أحد الشباب المشاركين في الدليل السياحي للمحابشة والمهتمين بأنشطةِ المديرية، أن هذا المعلم الديني اكتسب أهمية كبيرة في نشرِ رسائله القوية والمؤثرة، مما جعله هدفا للطيرانِ المصري، وراح ضحيته 75 مصلياً. ويعود تاريخ بنائه إلى العصر الإسلامي، ويقع في قفلةِ المدينة على ارتفاع شاهقٍ، يطل على معظم أجزائها، تم بناؤه على مساحة 12 ـ 15 مترًا. حظي ببعض التجديد والترميم، إلا أن بركته ومرافقه مازالت تحتفظ بهويتها القديمة.
من أعلى نافذةٍ تستوقفنا هندسة المكان
ولا يزال "فضاءات لا" يتجولُ في مركز المدينة، حيث توجد هنا توليفة من المساجد الأثرية والمزارات التي ارتبطت بتاريخٍ أصيل، منها مسجد طلان الذي يقع أسفل "حصن أبو فارع"، وهو من المساجد الأثرية التي تم توسعتها جزئياً، وجامع القرانة الذي يعدُ أكبر وأقدم الجوامع بالمدينة، وهو من الجوامع العائد بناؤها إلى العصر الإسلامي، ما قبل القرن الثامن الهجري تقريباً, ويقع جنوب حصن القرانة، تم ترميمه مؤخراً، ويوجد بجواره المدرسة العلمية الشهيرة، بالإضافة لمنازل طلاب العلم الذين كانوا يأتون من مختلف المحافظات طلباً للعلم، وقد تخرج في هذه المدرسة العديد من العلماء والفقهاء. ومسجد الجرد الأسفل (قباء) الذي يقع شمال حصن دار الشرف، وبجواره بركة ماء ومرافق، وتقع إلى جواره أيضاً من جهة الغرب أكبر مخازن الحبوب بالمديرية (مدافن) كانت تخزن فيها الحبوب التي كانت تجبيها الدولة كزكاة من أموال المواطنين، وقد بنيت هذه المدافن بطريقة هندسية لحفظ الحبوب بكامل جودتها ولعدة سنوات.
مسجد الطيار
تأخذُ الدهشة عينيك وأنت تتأمل فسيفساء الجمال الرباني من أعلى قمةٍ من الجزء الغربي لعزلةِ شمسان؛ مسجد الطيار الذي  يقع على حافة جبل شمسان من الشمال، ويطل على وادي الموز، ويرتفع عنه بحوالي (1200) متر، بجواره "حيد الطيار"، حافة جبل شمسان الذي يحضر إليه الزوار ليشاهدوا الارتفاع الشاهق لهذا الجبل والمناظر التي يطل عليها. يعتبر المسجد تحفة معمارية بناها الأجداد على قمةِ الجبل الشاهق. وجامع شمسان الذي يقع وسط شمسان القديمة، وهو مسجد أثري قديم، بالإضافة إلى العديد من المساجد القديمة  كمسجد عامر ومسجد بيت الطور، والذي تمت توسعته مؤخرا.

ضريح علي بن إبراهيم
ولعزلةِ "حجر"، وتحديداً "بني أسد" الكثير من المعالم الدينية والأضرحة والقِباب، وعلماء الدين الذين أثروا المكتبة الدينية بنتاجاتهم، وهي مسقط رأس العلامة المرتضى بن زيد المحطوري، كجامع المشهد الذي  يقع أعلى جبل بني أسد وهو من أقدم وأعرق المساجد، بني في القرن السادس الهجري، ويعتبر تحفة إسلامية وكنزاً أثرياً إسلامياً كتب على ألواح سقفه الخشبية آيات من القرآن الكريم. ويوجد خارج المسجد ضريح ومشهد الفقيه علي بن إبراهيم (أحد علماء القرن الحادي عشر الهجري).
جلد النبي أيوب عليه السلام
تعددت الحكايات حول جلد النبي أيوب عليه السلام، وأين دفن. فيروي أهالي المنطقة عن زياراتٍ  يقومون بها لمشهد النبي أيوب الذي يقع في قرية "جبل معروف"، ويوجد به تابوت خشبي مستطيل، ويعد مزاراً دينياً لاعتقاد البعض بأنه دفن فيه -عليه السلام- بعد أن شفي من المرض. كذلك مسجد الشريفة زينب بنت الإمام يحيى بن الحمزة، ويقع في قرية "المشاف" والذي يعود بناؤه إلى القرن السابع الهجري. حالته جيدة، ويتوسط ساحته مشهدها، وهو عبارة عن صخرة مستطيلة أبعادها (5 ـ 4) أمتار،  وبهذه الصخرة حزام مزخرف بآيات قرآنية. وكان يحاط بتابوت خشبي مازالت أخشابه موجودة، كما توجد بجواره بِركة مستديرة حولها مرافق.
مسجد شُريم يقع في "قفلة شُريم" الأثرية، وبجواره مساجد أثرية بعضها تهدمت أجزاء منها، والبعض الآخر مهدمة. ومن هذه المساجد: مسجد الحسوي، مسجد الفارسي، مسجد الرصعة (بقرية الرصعة)، ومسجد العارضة. 
هجر الشجعة وقبابها
وما زال الإبحار يحملنا إلى تفاصيلِ تاريخِ  عريق وبالأخص في عزلة "بني مجيع الشجعة"، والتي ماتزال تتبع إدارياً مديرية المحابشة. فيها من اللوحات الجمالية ما يسحرُ الألباب. وهجرة الشجعة ذكرت في العديد من المصادر التاريخية، وقد اشتهرت بأنها كانت مركزاً للعلوم الدينية، وعُرف علماؤها على مستوى اليمن بما أثروا به المكتبة اليمنية من مؤلفات دينية وأدبية ولغوية وغيرها. كما يوجد فيها معالم دينية هامة، من أهمها "قبة القاسمي"، وهي عبارة عن مبنى من الحجارة أبعاده (8×8×12 متراً) يتوسطه قبة كبيرة مزخرفة بنيت على ضريح العلامة أبي القاسم محمد بن مطهر بن يحيى بن يوسف بن الهادي، المتوفى في الخامس عشر من رمضان عام 842 هجري، كما يحكي ضريحه الحجري والذي ما يزال موجوداً بداخل القبة. كما يوجد بهذه القبة بعض المخطوطات القديمة والأضرحة الأخرى. كذلك المسجد المقدس بهجرة الشجعة، وهو غير المسجد المقدس بمركز المدينة، بناه الهادي صلاح بن الهادي الوشلي في العام 1041 هجري، كما يوجد بداخل المسجد حزام من الجبس منقوشة عليه آيات من القرآن الكريم والزخارف الجميلة، تعود إلى العام 1054 هجري، ويُعد المسجد من آيات الإبداع الإنساني وفن العمارة.