(1407 هـ/ 1987 م - 1438 هـ/ 2017 م)
ضابط برتبة رائد، مُدرب وقائد عسكري وحركي.
مولده بقرية جبل المحبشي من أعمال مُديرية المحابشة في محافظة حجة، يوم الجمعة 7 ذو القعدة 1407 هـ، الموافق 3 يوليو 1987، وارتقائه بمنطقة ميدي في ليلة الثلاثاء 28 رجب 1438 هـ، الموافق 25 أبريل 2017، ومُواراة جثمانه الطاهر بمسقط رأسه في صبيحة يوم الخميس 15 شعبان 1438 هـ، الموافق 11 مايو 2017.
برز من أسرته العديد من المناضلين، منهم ابن عمه العقيد "منير بن أحمد بن حسن بن محسن المحبشي"، مولده بقرية جبل المحبشي من أعمال محافظة حجة في حدود العام 1980، وارتقائه في يوم الأحد 14 رمضان 1440 هـ، الموافق 19 مايو 2019، ترجل بعد سنوات من النضال الوطني، شارك في مختلف جبهات العزة والكرامة والشرف، وتقلّد العديد من المهمات العسكرية والمناصب القيادية والإشرافية والحركية، منها: مسؤول التموين العسكري لحركة الأنصار بعدة مناطق، وفي جميعها كان مضرب الأمثال في الحب والصدق والإخلاص والوفاء والتفاني في خدمة الأهداف النبيلة التي ناضل من أجلها، وهو من القادة القلائل الذين تلوّنت ببصماتهم الإيمانية كل الجبهات، وتركوا سجلاً حافلاً بالبطولات والمواقف النضالية المُشرفة.
ينتمي لأسرة بسيطة تُمارس زراعة القات والبن، عاش حياة قاسية، وواجه الكثير من الصعوبات والعوائق، وكان كثير التساؤل عن أسباب تلك الصعوبات والحكمة منها.
غادر دُنيانا الفانية ولم يتجاوز الثلاثين عاماً، بعد حياةٍ حافلة بالنضال في سبيل الله، ونُصرة المظلومين، ومُقارعة الباطل، والإصلاح بين الناس، وفعل الخير، تاركاً خلفه حُزناً عميقاً تلّونت به كل جبهات العزة والكرامة، التي دونت في سجلاتها، مشاهداً من بطولاته، ستظل حِكاياتُها تُوقظ في ضميرِ الأمة عِبرةً تُشير إلى الطريق الصحيح الذي سلكه، وعَبرةً تسقي في نُفوسنا جديب البقاء، لنتذكر دوماً أننا بقينا في وطنٍ حُرٍ، عزيزٍ، مُصانٍ، لأن تُرابه أنجب رجالاً كعبدالحي.
أُشتُهر في أوساط حركة الأنصار بعبدالحي المحبشي، وكُنيتُهُ أبو حمزة.
التحصيل العلمي:
درس تعليمه النظامي في المحابشة إلى الصف الأول الثانوي، حاول بعدها الالتحاق بالمعهدِ المهني، لكنه لم يستطع المواصلة بسبب الظروف المعيشية.
كان مُولعاً بالمطالعة العامة، وقد أتاح له وجود مكتبة متنوعة بمنزل العائلة الفُرصة لإشباع نهمه، وتوسيع مداركه ومعارفه وثقافته العامة، خصوصاً في مجال الأدب والشعر، وله العديد من المحاولات والكتابات الأدبية.
اكتسب خلال الفترة "2009 - 2017" علوم ومعارف جديدة، وانخرط في دورات دينية وفكرية وصحية مكثفة، إلى جانب دورات في فن الإدارة والقيادة والعلوم العسكرية والاستخباراتية.
في العامين "2015 - 2016" ركز على دراسة تضاريس وتاريخ ومُكونات وعادات وتقاليد القبائل اليمنية، لأهمية ذلك في تسهيل تعامل وتواصل مُقاتلي الأنصار مع أبناء القبائل التي يتواجدون فيها، وتسهيل عملهم النضالي في المناطق المُشتعلة.
السجل النضالي:
شد انتباهه في العام 2005، الحرب الظالمة على صعدة، أسبابها وحيثياتها وتداعياتُها، وسبب صمت الناس حِيالها، والتضييق الذي تعرض له عُلماء الزيدية وطلبة العلوم الشرعية في المحابشة، من الأجهزة الأمنية حينها، بسبب تلك الحرب الجائرة.
تساؤلات كثيرة دارت بعقله، تاركة مع مرور الأيام نُدوباً وجُروحاً غائرة في قلبه الصغير، الذي لم يتحمل الصمت على مظلومية اخوانه في صعدة، ليُقرر في العام 2009 الالتحاق بحركة الأنصار.
أسندت له الحركة العديد من المهام خلال الفترة "2011 - 2017"، تنوعت بين التحشيد الجماهيري إلى ساحات التغيير، والتعبئة العامة إلى جبهات القتال بعد الحملة العسكرية الجائرة التي قادها التحالف العربي بقيادة السعودية على اليمن 26 مارس 2015، وتطبيب واسعاف الجرحى والمُصابين، وحفظ الأمن والاستقرار في العديد من مناطق ومحافظات اليمن، والمُشاركة في لجان الوساطة الخاصة بتهدئة الصراعات القبلية في بعض مديريات محافظة حجة، والانخراط في مختلف جبهات القتال الداخلية والحدودية، وتنفيذ مهام عسكرية متنوعة، وكان أخر عمل له قبل رحيله في إطار القوات الخاصة التابعة لمكتب قائد الأنصار، كمُدرب ومُؤهل عسكري للأفراد والمُدربين.
السجايا والسمات:
تميّز في كل المهام التي اُسندت إليه بشهادة رفاقه بقوة الإيمان بعدالة القضية التي يُناضل من أجلها، وروح المبادرة، والتفاني والإخلاص في عمله، والإيثار لزملائه، لدرجة توزيع ملابسه وما يتقاضاه من مُرتبٍ بسيط على المُحتاجين منهم، والتصدُّق على الفقراء والمحتاجين بالمناطق التي يتواجد فيها، وخلق علاقات طيّبة مع سُكان تلك المناطق، لمست أسرته دِفئها في تواصل العديد منهم معها بعد رحيله، وحُزنهم العميق عليه.
وهو شابٌ عصاميٌ، يافعٌ، فارعُ الطُولِ، نحيفُ الجسدِ، بشوشُ الوجهِ، حَسنُ الطالعِ، ليِّنُ الجانبِ، سهلَ التعامُلِ، سريعُ البديهةِ، بعيدُ النظرِ، واسعُ الأفقِ، قويُ الإرادة، ماضي العزم، يُشعُ حيويةً ونشاطاً وشجاعةً وثباتاً وإقداماً وعزةً واباءاً وتضحيةً وشهامةً وإيثاراً.
ابتلاءات الصابرين الشاكرين:
أُصيب إصاباتٍ بالغةً في عِدة جبهات، جعلته في أخرها، طريح الفراش لأكثر من شهرٍ ونصف، وفي كل مرةٍ كان يُخفي على أهله إصابته، مُكتفياً بالتواصلِ معهم، وزيارتهم بعد تماثُله للشفاء، وتطمينهم بعدم وجود أي خطر على صحته أو حياته، طالباً منهم الدعاء بالموفقية لنيل شرف وكرامة الشهادة.
أيقونة الارتقاء:
في شهرِ أبريل 2017، زاد ضغطُ التحالفُ السعودي على مُديرية مِيدي، وكان صاحب الترجمة حينها قد شارف على الانتهاء من تدريب وتأهيل دفعة جديدة من المُدربين، ولأن الأدبيات العسكرية تقتضي إجراء الجانب العملي من التدريبات في الجبهة مُباشرة، قرر الانتقال مع مجموعته إلى ميدي، رغم إلحاح المشرفين عليه، البقاء في التدريب، بسبب حاجة الجبهات المُتزايدة للمُقاتلين، لكنه أصرّ على الذهاب إلى الجبهة، مُترنِّماً بمقولتهِ الشهيرة وبمعنوياتٍ عالية: "ما لها إلا العزم"، من أجل وقف عربدات وزحوفات الموالين لتحالف العاصفة، والتي زادت وتيرتها مع قرب زيارة الرئيس الأميركي حينها "رولاند ترامب" للسعودية في 20 أبريل 2017، على أمل تحقيق أي اختراق ميداني، يشفع لبني سعود لدى سيدهم الزائر.
مثلّت التبة الحمراء بميدي، نُقطة استنزاف للجيش اليمني الموالي لصنعاء واللجان الشعبية، منذ بداية هجوم تحالف العاصفة على هذه المُديرية الحُدودية المنكوبة، وفيها ارتقى معظم مُقاتلي الجيش واللجان، إما بالغارات الجوية الهِستِيرية، والتي لا تكاد تُفارق سمائها، أو قنصاً من على السفن الحربية الراسية في عرض البحر ومن صحراء ميدي.
تقع التبة الحمراء في المنطقة الفاصلة بين ميناء وساحل مِيدي جنوباً، وهي عبارة عن مُرتفعٍ وحيدٍ، تتربعُ قِمَتَهُ قلعة الإمام، وسط صحراءٍ مكشوفةٍ ومفتوحة، ما جعل المجاميع العسكرية الموالية لتحالف العاصف تُركزُ عليها بشكلٍ كبير.
بعد وصوله إلى المنطقة تدارس مع رفاقه أمر هذه التبة، وضرورة استعادتها.
في ليلة الثلاثاء 28 رجب 1438 هـ، الموافق 25 أبريل 2017، قرر ورفاقه بدء الهجوم.
ورغم أن مُقاتلي الأنصار لم يكُن أمامهم سِوى مدخلٍ واحد للوصول إلى التبة، مُقابل تحكُّم الطرف الأخر بمدخلين التفافية، إلا أنهم تمكّنوا من الوصول إلى التبة والسيطرة عليها، بعد ليلةٍ طويلةٍ من المواجهات.
مع شعشعت ضوء صبيحة الثُلاثاء تمكّنت القُوى الموالية للسعودية من استجماع قُواها المُنهكة، بالتوازي مع وصول تعزيزاتٍ كبيرة من معسكراتهم بقُرى الموسم المحاذية في قطاع جيزان، بينها فِرقٍ خاصةٍ من القناصة، وسط تحليقٍ مُكثفٍ للطيران، حينها اكتشفوا مكانه ورفاقه، فأحاطوهم من كل الجهات، وقنصوهم واحِداً تِلوى الأخر، ولم يتبقَ منهم سِواه، فثبت رحمه الله وحيداً، وقاوم مقاومة القادة الأبطال وسط جيشٍ جرارٍ من قُوات الطرف الأخر، وظل يقاوم ويقاتل وجهاً لوجهٍ، بشجاعةٍ قلّ نظيرها حتى أخر رصاصة.
لم يتراجع، ولم يتعب، ولم تخُور قُواه، بل كان واقفاً على قدميه، مرفوع الهامةِ، إلى أن تمكنت قوات الطرف الأخر من إصابته بِطلقٍ نَاريٍ في رقبته، وأخر استقر في جبهته، حينها أشاح ببصره نحو السماء مُترنماً: "ربح البيع عبدالحي"، ومعها صعدت روح قائد فذ لم تنحنِ جبهته يوماً لغير الله.
بقي جسده الطاهر في ساحة المعركة، إلى أن تمكن الجيش واللجان بعد 17 يوماً من استعادة التبة واخراج جُثمانه.
هكذا هم رجالُ اللهِ، يكبُرون في زَمنِ الِصغارِ، ويُخلَّدون في أمكِنَةٍ يتآكلُها النِسيان، ولا يغيبون عنا أبداً، فهم شُموعٌ تُنير ظلام القلوب، وأسماؤهم؛ مَحاريبُ دُعاءٍ نتقرّبُ بها إلى الله، وقرابينٌ تسخو - في زمن القحط البشري - في سبيلِ شجرةِ الحق والعشق التي لا ترتوي إلا بدماء الأبرار والأحرار، فيرثون الأرض والفردوس معاً.
أولاده: حمزة.