مدونة شخصية تهتم بنشر بعضاً من كتابات ودراسات وخواطر وأبحاث واقتباسات الباحث والكاتب زيد يحيى حسن المحبشي
Translate
الثلاثاء، 23 مايو 2023
الذكرى 12 لنكبة وكالة الانباء اليمنية بصنعاء
الاثنين، 22 مايو 2023
التآمر الاستعماري القديم المتجدّد ضد الوحدة اليمنية
مركز البحوث والمعلومات: زيد المحبشي
“الوحدة اليمنية دائماً وأبداً قضية اليمن الأولى ومُعضلته الكبرى، وعبر التاريخ كانت تُشكّل عاطفة وجدانية محفورة في ضمير كل اليمنيين، وكانت القوى السياسية والوطنية تستمدّ شرعيتها من تبنيها لمشروع الوحدة، ونضالها من أجل تحقيقها”.
هكذا يرى الرئيس الخالد الذكر الشهيد “صالح الصماد” الوحدة اليمنية، حُلمنا الباقي والمتجدد، المحفور في وجدان كل اليمنيين بمختلف مكوناتهم وأطيافهم، وأحد أهم الأهداف السامية والثوابت المقدسة غير القابلة للمساومة والمتاجرة عبر مراحل التاريخ المختلفة من كل القوى اليمنية الحية والحرة.
الشهيد “الصماد” أشار إلى جُزئية في غاية الأهمية، هي استمداد القوى السياسية والوطنية الحرة شرعيتها من “تبنيها لمشروع الوحدة، ونضالها من أجل تحقيقها”، ومن يُعاكس هذه الحقيقة، ويضع بيضه في سلال المستعمرين، ويعمل على تقويض أحلام أبناء بلاده في التوحد فمآله الزوال والتلاشي والضعف والهوان.
صحيح أن الحكم في بعض الفترات التاريخية كان مُقسماً بين أكثر من دويلة يمنية، لكنها لم تنجح في إرساء أي شكل من أشكال الانفصال، لأن الوحدة الجغرافية والتاريخية والاجتماعية والثقافية كانت أقوى وأكثر صلابة من النزعات الانفصالية الشاذّة والغريبة على اليمن وشعبه الواحد الموحد منذ فجر التاريخ في مساره ومصيره، وهذه واحدة من الحقائق المهمة التي عملت القوى الاستعمارية المختلفة على تذويبها، لكن كل محاولاتها باءت بالفشل، ما جعلها تتجه إلى وضع المعرقلات واختلاق المعضلات أمام الدول اليمنية الموحدة بهدف إغراقها في مستنقع الصراعات والحروب البينية، وكبح جماح جهودها الوحدوية، وإبقاء اليمن ضعيفاً، ومُجزئاً، ومُفتّتاً، ومُقسّماً.
وصحيحٌ أيضاً أن قضية الوحدة قد وُضِعت على بساط البحث في مراكز نضال الشعب اليمني، في كل مراحل تاريخه المليئة بالصراعات من أجل الوحدة، لكن هذا لا يعنِ عدم وجود قوى ذات نزعات انفصالية ضيقة الأفق، اتسعت في كل مراحل التاريخ اليمني، لتسير عكس تيار الوحدة تبعاً للعلاقة “البندولية”، تمدداً وانكماشاً، بين الثقافة المحلية والثقافة الوطنية، والهويات المحلية والهوية الوطنية، والصراعات المحلية ومكانة الدولة المركزية من حيث الضعف والقوة، والاستعمار والوحدة اليمنية.
ولم تكن قوى الاستعمار المختلفة بعيدة عن تغذية وغرس نزعات التشظّي والتشطير، وتقوية التوجهات والأفكار والأطروحات “الشوفينية” المغايرة لاتجاه حركة التاريخ الوحدوي اليمني، وتجذيرها، بهدف تمرير أجندتها الاستعمارية، وعلى رأسها إحكام السيطرة على باب المندب الذي يُمثل المفتاح السحري للتحكّم في التجارة البحرية بين الشرق والغرب، والتحكّم في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر وجزيرة العرب، وهذه واحدةٌ من اللعنات التي جعلت اليمن منصعاً للقوى الاستعمارية منذ العام 70 قبل ميلاد المسيح عليه السلام، بدءاً بالرومان والفرس، ومروراً بالفرس والأحباش، ووصولاً إلى البريطانيين والعثمانيين، وانتهاءً بصبيان العاصفة العبرية.
ناهيك عن لعنة الثروات البكر التي تختزنها بلاد السعيدة، وهي الغاية الثانية للقوى الاستعمارية.
في هذه القراءة السريعة سنكتفي بالتوقف على أهم مُدخلات الاستعمار “البريطاني – العثماني” ومُخرجات الاحتلال “السعودي – الإماراتي”.
ومن المفارقات العجيبة هنا أن الاستعمار “السعودي – الإماراتي”، من صنيعة الاستعمار “البريطاني”، ومخرجاته مجرد استنساخ شائه لمدخلات الأب البريطاني غير الشرعي لهم وللصهاينة، والمفارقة الثانية عمل صبيان العاصفة لذات الأهداف وهي خدمة الصهيونية العالمية الطامحة إلى خلق بحر أحمر عبريّ الهوى والهوية وبسط السيطرة على مدخله الجنوبي لاعتقاد كيانيّ الاحتلال “الصهيو – سعودي” أن بقائهم الوجودي مرهونٌ ببقاء اليمن ضعيفاً مُجزئاً.
مداليل ذلك نجدها في وصية مؤسس الدولة السعودية الثالثة “عبدالعزيز بن سعود”، لأولاده وهو يحتضر، بعد أن أشار إلى موقع اليمن على الخريطة: “انتبهوا.. انتبهوا فمن هنا سيأتي هلاككم وزوال مُلككم، فلا تطمئنوا لهم وحاربوهم باستمرار وبكل الوسائل وفى كل الأوقات سلماً أو حرباً”، وكذا دعوة الصهيوني “بن غوريون” في مذكراته إلى ضرورة السيطرة على باب المندب، من أجل ضمان بقاء كيانه اللقيط في قلب الأمة العربية “فلسطين المحتلة”.
وكليهما استخدما نفس السياسة والأدوات لإجهاض حُلم الوحدة اليمنية، بما في ذلك إعمال سياسة “فرّق تسُد”، وتقوية النزعات والكيانات والهيئات الانفصالية، وتغذية العصبيات المناطقية، وإحياء العنصريات والتعصبات الجاهلية، وضرب النسيج الاجتماعي.
التآمر الاستعماري “البريطاني – العثماني”:
احتل الانجليز مدينة عدن في العام 1839 م بتواطؤ من العثمانيين، لإيقاف زحف “محمد علي باشا”، وبالتالي عودة العثمانيين إلى اليمن ثانية في العام 1849م، وفتح الباب على مصراعيه لسيناريوهات غرس مفاهيم التقسيم الجغرافي والسياسي لأول مرة في تاريخ اليمن الواحد، وإن اختلفت الأهداف.
تزامن الدخول العثماني الأول إلى اليمن في العام 1535م، مع تفرّق أيادي سبأ، ومع ذلك فقد حرص العثمانيون على إبقاء اليمن تحت رايتهم موحداً باستثناء بعض المناطق، ليتم إخراجهم في العام 1636م تحت ضغط المقاومة الوطنية المستمدة قوتها من وحدتها الوطنية، بينما كان الدخول الثاني للعثمانيين في العام 1849م متزامناً مع التمدد الإنجليزي، في وقت كانت فيه اليمن قد وصلت ذروة الانقسام والتشرذم، لذا كان من الطبيعي أن تُسجل المقاومة الوطنية فشلاً ذريعاً، لأنها كانت في غياب الوحدة.
إخراج العثمانيين في المرة الأولى أعقبه قيام دولة يمنية موحدة هي الدولة القاسمية، لكنها لم تدم طويلاً بفعل الانقسام المزري بين حكامها في فترة ضعفها، والذي أغرى في نهاية المطاف الإنجليز والأتراك لاحتلال اليمن، وتوجههما منذ القرن الثامن عشر الميلادي إلى إنشاء كيانين جغرافيين وسياسيين عُرفا لاحقاً باليمن الشمالي والجنوبي، وتعميد هذا الانشطار بخط حدود النفوذ “البريطاني – العثماني” “1902 – 1904″، وتسجيله رسمياً في العام 1914 بتوقيعهما معاهدة ترسيم الحدود، وهي أول إقرار رسمي مُوثق لتقسيم اليمن سياسياً وجغرافياً، والإشارة الأولى لوجود شطرين منفصلين، رسمت الحدود بينهما دولتان دخيلتان على الشعب اليمني، وبهذا بدأت مرحلة جديدة في تاريخ اليمن الحديث عنوانها “التقسيم المصطنع من أجل تثبيت الاستعمار المستغل”.
ورغم ذلك بقي اليمن موحداً في علاقاته الاجتماعية والثقافية والنضالية ضد الاستعمار “الإنجليزي – العثماني”، الأمر الذي مكّنه من إجلاء العثمانيين في نهاية العام 1918، لكن عن جزء من اليمن، وبقي الجزء الآخر تحت الاستعمار الإنجليزي، وتسلّم “آل حميد الدين”، حكم المناطق الشمالية والغربية، بعد أن كانوا قد استطاعوا بفضل رفعهم شعار إعادة الوحدة اليمنية، طرد العثمانيين كمقدمة لتحرير الجنوب المحتل.
السياسة الإنجليزية المتدحرجة في المناطق اليمنية المحتلة في طابعها العام اتسمت بالحرص الشديد على تعميق تمزيق الوحدة اليمنية، وتعميق اليأس في أوساط أبناء الشعب اليمني من عودة التحام جسدهم الواحد، سيما بعد خروج العثمانيين من حلبة الصراع، وتقاسم اليمن بين ثلاث سلطات لثلاثة أجزاء هي: الانجليز والأدارسة والأئمة.
في حين كانت عناوين السياسة الاستعمارية واحدة في معانيها ومبانيها منذ العام 1839 بدءاً بفرّق تسُد، ومروراً بمعاهدات واتفاقيات الحماية، وانتهاءً بالتقدم نحو الأمام وإعمال نظام الانتداب والاستشارة، كمُعطى فرضته مُقتضيات التجزئة ومُتطلبات كبح جماح نمو الوعي الوطني، الواصلة ذروتها في العام 1959 بإنشاء اتحاد الجنوب العربي، باعتباره أخر رهانات الاستعمار لتمديد سيطرته السياسية والعسكرية على المنطقة أكبر مدة ممكنة، وقريبٌ من ذلك ما تعمل عليه قوى الاحتلال “السعودي – الإماراتي” اليوم في تقوية القوى اليمنية ذات النزعات الانفصالية.
هذا التوجه الجهنمي نتاج طبيعي للعمل الاستعماري الدؤوب والممنهج، المستمر منذ العام 1934 لسلخ هوية الأجزاء الجنوبية والشرقية من اليمن عن هويتها التاريخية والجغرافية عبر تغليب الثقافات والهويات المحلية وتغذية النزعات الانفصالية، لضمان طمس الثقافة والهوية الوطنية اليمنية، وتعميق التناقضات الداخلية، وإسكات الصوت الوحدوي اليمني.
ولهذا الغرض القذر تم إيفاد “وليم هارولد إنجرامز” “1897 – 1973” الضابط السياسي الإنجليزي الشهير بذكائه ودهائه، ومهندس معاهدة الصداقة “الإنجليزية – المتوكلية”، وأحد أخطر مُنظري التجزئة، والمسئول الأول عن المفاوضات حول الحدود مع الأئمة وتنفيذ سياسة التقدم نحو الأمام.
حرص منذ وصوله إلى عدن عام 1934 على تأليف عدة كتب عن اليمن، الغرض الأساسي منها سلخ حضرموت وشبوة عن اليمن، وحصر مصطلح اليمن على الأجزاء الواقعة تحت نفوذ الأئمة فقط، فيما أعاد الأجزاء الجنوبية والشرقية الأخرى إلى ما أسماه بالجنوب العربي، مُدعياً بأنه استخدم هذا المصطلح كما استخدمه الجغرافيون والمؤرخون العرب لتمييز تلك المناطق عن اليمن، في وقت كان الانجليز يطمحون إلى خلق دولة بالجنوب اليمني على النمط الغربي وتحويل عدن إلى قاعدة لإطلاق ما أسموه “العالم الحر”.
يأتي هذا بعد فشل السياسات الاستعمارية المُتبعة قبل العام 1934، وإدراكهم خطورة تنامي الوعي الوطني اليمني على مخططاتهم البعيدة المدى، وبالتالي تطلب المرحلة ضرورة دق إسفين التجزئة وإشاعة التمايز التاريخي والاجتماعي والجغرافي والثقافي بين أبناء الشعب الواحد في خطوة مكشوفة لإحباط أحلام إعادة التحام الجسد اليمني.
ويكفينا للدلالة على هذا التوجه الخطير الوقوف عند مقولة “انجرامز” في كتابه “اليمن: الأئمة والحكام والثورات” صفحة 45 – 47:
“لقد وصفت اليمن ككيان طبيعي ضمن العالم العربي على الرغم من عدم اندماجها في كيان سياسي متحد.. إنها إقليم عربي مُعترف به تاريخياً وجغرافياً، وأولئك الذين يعيشون فيه أصبحوا يحملون في أعماقهم شعوراً مناطقياً مشتركاً.. إنه لم يكن لهذا الكيان على الإطلاق صفة الأمة الموحدة، بالمعنى الذي يفهمه الأوربيون من كلمة الأمة، فلم يحدث أبداً أن اعتبر اليمنيون أنفسهم بهذا المعنى حتى الوقت الحاضر.. إن العرب واليمنيون جزء أصيل منهم ميالون بطبعهم إلى الاختلاف والفُرقة والتنافس على السلطة، لذا فهم فرديون وأصحاب طفرات وفورات مفاجئة، ومفهومهم للوحدة ليس إلا فكرة غامضة وصوفية يمكن أن تتغلب عليها المغريات المادية..”
مع إطلالة العام 1952 بدأ الانجليز بترجمة سياستهم الجديدة عبر الترويج لإقامة كيانين اتحاديين فيدراليين حسب التقسيم الإداري القائم في الإمارات ومستعمرة عدن، وتوحيدها في دولة جديدة تُسمى “دولة الجنوب العربي الاتحادية”، على أن تبقى مستعمرة عدن خارج الاتحاد.
وفي العام 1954 قدموا وجهة نظرهم بشأن الاتحاد الفيدرالي وإدارته المكونة من:
1 – المندوب السامي، تكون له رئاسة الاتحاد والصلاحيات المطلقة في إدارة ملف العلاقات الخارجية والقرار الأول في حالة الطوارئ.
2 – مجلس رؤساء يضم رؤساء البلاد الداخلية في الاتحاد.
3 – مجلس تنفيذي وآخر تشريعي.
وفي 19 فبراير 1959 أُعلن رسمياً عن قيام اتحاد إمارات الجنوب العربي بالتوازي مع إعلان الإمام “أحمد حميد الدين” الانضمام للجمهورية العربية المتحدة، وهو ما جعل الجامعة العربية تنتقد اتحاد الجنوب بشدة مُحذرة من خطورته في ترسيخ التجزئة.
مصطلح دولة الجنوب العربي يظل في حقيقته مصطلح جهوي مزيف ومجافي للحقائق التاريخية والسياسية والاجتماعية والثقافية، لذا لم يشذّ عن مخططات تدجين الهوية الوطنية وإعلاء الهوية المحلية المصطنعة، وتعميق الهوة بين أبناء هذه المناطق وبين هويتهم الوطنية الأم، وتعميق النزعة الانفصالية، والتي وجدت في الجمعية العدنية ورابطة أبناء الجنوب العربي ضالتها المنشودة على أمل الحلول مكان الاستعمار بعد رحيله لتنفيذ مخططاته.
والحقيقة أن الاستعمار وجد حينها أن قوة وجوده واستمراره ومقومات أمانه متوقفة على التجزئة، لأنها ستبقى إذا اُضّطر للرحيل، تماماً كما يعمل اليوم الاستعمار “السعودي – الإماراتي”، ما نجد دلالته في قراءة “انجرامز” لمستقبل اليمن بعد زوال الوجود المصري والبريطاني:
“سيبقى – اليمن – على عادته القديمة في الانقسام، لأن طبيعة الأثرة والفردية عند العرب كفيلة بذلك، ولأن لهفتهم للفوز بالمغانم المادية.. ستقودهم حتماً بعيداً عن التسامي الروحي.. ومعنى ذلك أن التحديث سيأخذ مدى أبعد، لكن دون أن يكون هناك اتجاه أكثر من وحدة متماسكة إلا إذا كان نكاية في حكم مكروه من الشعب أو استجابة لبريق فكرة جديدة، وإذا ولدت هذه الوحدة فلا شك أنها ستدفع اليمنيين إلى الأمام ولكن لا بُد أنه سيمر وقت طويل قبل أن يمكن لأي أفكار جديدة أو وعي اجتماعي عميق أن يتغلب على تلك الأفكار القديمة”.
التآمر الاستعماري السعودي:
لأكثر من 100 عام والنظام السعودي يعمل بلا كلل ولا ملل على إجهاض جهود الوحدة اليمنية، وإبقاء اليمن مُقسماً وضعيفاً، وتحويله إلى مجرد حديقة خلفية، خوفاً على مملكتهم من التلاشي والزوال.
وتنتاب النظام السعودي مخاوف مُزمنة من قدرة الشعب اليمن وقوته في حال توحده وتمكنه من استعادة أراضيه السليبة في المخلاف السليماني، لذا كانت الوحدة على الدوام تُشكّل خطراً داهماً على هيمنة، ناهيك عن طمعه في ثروات اليمن وأرضه، وإيجاد منفذاً له على البحر العربي، بالإضافة إلى التخوف من التقارب الأيديولوجي بين القوميين في صنعاء واليساريين في عدن خلال فترة حكم الرئيس الشهيد “إبراهيم الحمدي”، وما يترتب على ذلك التقارب في حال انجاز حلم الوحدة من تهاوي الأنظمة الرجعية في الخليج، واستبدالها بأنظمة اشتراكية تقدمية.
بعد فشل الصراع “السعودي – المصري” في اليمن عقب ثورة 26 سبتمبر1962، وانتهاء ذلك الصراع بتصالح الجمهوريين والملكيين، تحول التدخل والعداء السعودي في اليمن من الطابع العسكري، إلى الطابع الاستخباراتي التآمري، فعملوا على تغذية وتمويل وتأجيج الصراعات والحروب بين شطريه، وتأزيم العلاقات “اليمنية – اليمنية”.
وتصدروا قائمة المعارضين الإقليميين للوحدة اليمنية منذ المصالحة الوطنية في شمال اليمن، والمصالحة القومية في الخرطوم، وعملوا على وأد أي تقارب بين الطرفين يُؤدي إلى التسريع بتحقيق الوحدة، وتعميق الخصومة والقطيعة بين أبناء الوطن الواحد، واحتضنوا قوى المعارضة اليمنية من شماليين وجنوبيين.
وبدأ اعتراض النظام السعودي بصورة واضحة وصريحة على إعادة تحقيق الوحدة اليمنية منذ اتفاقية القاهرة الوحدوية في 28 أكتوبر 1972، واستمر حتى حرب صيف 1994، ومارس كل الأساليب القذرة لإحباط واجهاض جهود التوحد، من ذلك:
1 – اغتيال وتصفية الرؤساء اليمنيين، منهم:
أ – الرئيس “إبراهيم الحمدي” في 11 أكتوبر 1977 بعد اتفاقه مع الرئيس “سالم ربيع علي” ” سالمين” على إعلان الوحدة اليمنية في 14 أكتوبر 1977 من مدينة عدن، ليكون هذا الحدث التاريخي متزامناً مع ذكرى ثورة 14 أكتوبر، لذا قرروا التخلص منه قبل يوم واحد فقط من زيارته المقررة لعدن.
استبقوا ذلك بعدة محاولات للانقلاب عليه في 13 يوليو 1975 و16 أغسطس 1975 و20 فبراير 1976 ويوليو، وعندما عجزوا قتلوه بدم بارد.
ب – الغشمي، رغم مشاركته في تصفية الحمدي، لكن ذلك لم يشفع له لدى السعوديين فقرروا التخلص منه في العام 1978.
ج – سالم ربيع، تم إعدامه في العام 1978.
2 – ممارسة كل أنواع الضغوطات لإقالة رؤساء الوزراء كما جرى مع “محسن العيني” بعد أن عجزوا عن ترويضه، وأحياناً فرض رؤساء وزراء موالين كما جرى مع “حسن العمري”.
3 – تجنيد العديد من القادة والمشيخات القبلية عملاء ومخبرين، أمثال: “عبدالله الأصنج” و”عبدالله بن حسين الأحمر”، وكانا أكثر عدائية للوحدة، من ذلك استخدام “الأحمر” في المفاوضات الوحدوية خلال الفترة “1979 – 1990” للتأثير على قرارات شمال اليمن حينها بشأن الوحدة في كل جلسات المفاوضات، وعدم تنفيذ اتفاقيات الوحدة التي وقعها مع اليمن الجنوبي.
كما استخدموا عملائهم لإشعال حرب الجبهة في المناطق الوسطى، وحرب الحدود بين الشطرين عدة مرات.
4 – الإغراءات المالية:
إرسال السعودية في العام 1989 وزير ماليتها “محمد أبا الخيل” إلى عدن، ليعرض على قيادتها مساعدات مالية بقيمة 17 مليار دولار مقابل التخلِّي عن اتفاقية الوحدة.
5 – الضغط الاقتصادي:
في العام 1990 استغل النظام السعودي حرب الخليج الثانية، فقام بطرد 2 مليون يمني من الأراضي السعودية، بهدف الإنهاك الاقتصادي لدولة الوحدة الوليدة.
6 – إفراغ الوحدة اليمنية من محتواها وجعلها بدون قيمة تُذكر، بعد موافقة نظام “علي عبدالله صالح” على ترسيم الحدود عام 2000 “اتفاقية جدة”، تاركاً لهم عسير وجيزان ونجران اليمنية.
7 – اقتطاع الأراضي اليمنية:
بعد العدوان “السعودي – الإماراتي”، وتقاسم قواه النفوذ والثروة في المناطق اليمنية المحتلة، دفعت السعودية بقواتها إلى محافظتي المهرة وحضرموت، واقتطعت مساحات واسعة من الأراضي اليمنية تُقدر بـ 45 ألف كيلو متر مربع من صحراء حضرموت، وأزالت مراسم الحدود، بهدف الاقتراب من البحر العربي، وفصل حضرموت والمهرة عن اليمن، مقابل تمدد الإمارات في “سقطرى” و”شبوة”.
ولم تكتفِ الرياض بذلك، بل وعملت على تعميق الهوة بين الشمال والجنوب، وليس آخرها تجاهل بيان القمة العربية المنعقدة في مدينة جدة السعودية في 19 مايو 2023 ذكر الوحدة اليمنية لأول مرة في تاريخ القمم العربية، في مؤامرة واضحة وفاضحة لعمل تحالف العاصفة على تشطير اليمن وإعادته إلى ما كان عليه قبل العام 1990.
ويذكر الكاتب اليمني “عبدالسلام قائد” في مقالٍ له بعنوان “العداء الأجنبي للوحدة اليمنية الجذور والدوافع”، نُشر بتاريخ 17 مايو 2022، عدة شواهد حية على العمل السعودي السافر لتقسيم اليمن، من ذلك:
1- تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صورة لاتفاقية تمديد فترة الإيداع للوديعة السعودية لليمن التي سبق تقديمها في العام 2018 لدى البنك المركزي اليمني بعدن، وفيها تظهر لافتة كُتب عليها اسم شمال اليمن قبل الوحدة “الجمهورية العربية اليمنية”، ويظهر في الصورة طرفا التوقيع.
2 – تداول ناشطون صور وثائق سعودية لمُقيمين يمنيين في المملكة كُتبت فيها هوياتهم بمسميات انفصالية أو هوياتية صغيرة، مثل: يمني شمالي، يمني جنوبي، حضرمي، وغير ذلك من المسميات.
وتهدف السعودية من هكذا تصرفات إلى جسّ نبض اليمنيين بشأن الوحدة والانفصال واستفزازهم، ليكون أمر فصل الجنوب عن الشمال سهلاً عليهم في حال صدرت التوجيهات الصهيونية للرياض وأبو ظبي بإصدار القرار.
وختموا ذلك بتصفية قائمة طويلة من الشخصيات الوطنية ذات النفس الوحدوي، على رأسهم الرئيس الشهيد “صالح الصماد”.
التآمر الاستعماري الإماراتي:
في منتصف ثمانينيات القرن العشرين دخلت الإمارات على الخط معززة بطموحات “التعملق” الإقليمي من البوابة اليمنية، ثم أتت ما تُسمى بعاصفة الحزم ليجمع صبيان بريطانيا معاول الهدم في اليمن، ويمزقوا جسده الضعيف بسهام حقدهم الدفين.
الإمارات وجدت في اليمن “بساط علي بابا” للسيطرة على موانئ القرن الأفريقي واليمن، والتموضع في جزر وسواحل تلك المنطقة المنكوبة من العالم بالحروب والصراعات والفقر وغياب الدولة المركزية القوية، والتحكم في قرارها، خدمة لأسيادهم في تل أبيب.
فأعادت ممارسة كل القذارات البريطانية في اليمن، بعد سيطرتها المباشرة وغير المباشرة على المواقع الحيوية والاستراتيجية، أغلبها ساحلية، كجزيرة سقطرى وميناء عدن، وجزيرة ميون، والتمدد في معظم الخطوط الجوية والقواعد والموانئ البحرية على طول السواحل الجنوبية والغربية.
وتعمل الإمارات بكل قوتها لمنع وجود يمن قوي، لأن ذلك يُشكل خطراً على مصالحها، ومصالح أولياء نعمتها في تل أبيب والبيت الأسود، كما تطمح في توسيع نفوذها الإقليمي عبر الممرات المائية، وبسط نفوذها على السواحل والموانئ والقنوات المائية الدولية.
وترى في انفصال جنوب اليمن بوابة السعد للتحكم والسيطرة والنفوذ، لذا كانت مواقفها منذ وقت مبكر ضد الوحدة اليمنية، ويتحدث الشيخ “عبدالله بن حسين الأحمر” في مذكراته، عن زيارة قام بها للإمارات أثناء حرب 94 ولقائه الشيخ “زايد” وموقف الأخير الرافض للوحدة.
ومن أهم فرشات العمل الميدانية لتجذير وتعميق الانقسام اليمني:
1 – تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي المعروف بنزعته الانفصالية، في 5 مايو 2017، ورعايته مالياً وعسكرياً وسياسياً.
2 – تشكيل ميليشيات يمنية ذات نفس ونزعة وعقيدة انفصالية تضم نحو 200 ألف مرتزق، منها:
أ – قوات الحزام الأمني بعدن – تضم نحو 30 ألف جندي.
ب – النخبة الحضرمية.
ج – النخبة الشبوانية.
د – النخبة المهرية.
هـ – النخبة السقطرية.
و – ميليشيات المقاومة الجنوبية.
ز – ميليشيات المقاومة التهامية.
3 – دعم واحتضان القوى التكفيرية السلفية أمثال كتائب “أبو العباس” في تعز، والسعي لإنشاء حزام أمني هناك، وجماعات “هاني بن بريك” في عدن.
4 – إنشاء قوات تابعة في الساحل الغربي، ومحاولة فصل المخا عن محافظة تعز.
5 – قيام مواليها في عدن ولحج بعمليات تهجير وترحيل واسعة للسكان من المحافظات الشمالية، في محاولة قذرة لتعميق الفجوة المجتمعية، وطالت تلك الإجراءات الإجرامية المسافرين في الضالع ومأرب وعدن.
6 – إطلاق دعاية إعلامية واسعة للترويج لانفصال الجنوب، وإنشاء قناتين فضائيتين تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي.
7 – أطلق العديد من مسؤوليها ومغرديها سلسلة من المواقف المؤيدة للانفصال.
المراجع:
1 – زيد المحبشي، الوحدة اليمنية.. القلب ينبض جنوباً، قراءات، 20 مايو 2010.
2 – د. رفعت سيد أحمد، حقائق تاريخية هامة عن العداء السعودي لليمن، تنوع نيوز، الحلقة الأولى، 12 نوفمبر 2021.
3 – محمد شرف، الوحدة اليمنية.. حلم اليمنيين الذي تصر الرياض وأبوظبي على اغتياله، صحيفة الثورة، 22 مايو 2022.
4 – مذكرات الشيخ عبد الله الأحمر، الآفاق للطباعة والنشر – صنعاء، الطبعة الثانية – 2008.
5 – جريدة الشرق، الإمارات تطلق قناتين تليفزيونيتين لدعم انفصال جنوب اليمن، 21 أبريل 2019.
6 – موقع صحيفة 26 سبتمبر، السعودية والامارات.. مؤامرات مستمرة ضد الوحدة اليمنية، 22 مايو 2022.
7 – موقع المجلس الزيدي الإسلامي، نص كلمة رئيس المجلس السياسي لأنصار الله “صالح الصماد”، بمناسبة الذكرى الـ 26 لعيد الوحدة، 22 مايو 2016.
الثلاثاء، 16 مايو 2023
الأستاذ القدير "محمد بن علي بن عبدالله العمراني"
فقيه، تربوي، مُربي فاضل، مُرشد، مُنشد، مناضل سبتمبري.
مولده بحارة "الوشلي" من أعمال مدينة صنعاء القديمة في العام 1317 هـ، الموافق 1899، ووفاته بقرية "حرف عباس" من أعمال مغرب عنس التابعة لمحافظة ذمار في يوم الأربعاء 25 رمضان 1400 هـ، الموافق 6 أغسطس 1980.
التحصيل العلمي:
أخذ تعليمه الديني عن كوكبة من علماء الجامع الكبير وجامع الوشلي بمدينة صنعاء القديمة.
واصل تعليمه بدار المعلمين المتوكلي بصنعاء، وحصل منه على إجازة شاملة، وحاز الترتيب الثاني على دفعته، "1349 - شعبان 1353 هـ"، الموافق "1930 - ديسمبر 1934".
السجل الوظيفي والنضالي:
عمل مُدرساً ومُرشداً بعدة مناطق من محافظتي ذمار وإب، لأكثر من 45 عاماً "1353 – 1400 هـ، الموافق 1935 - 1980"، وتخرج على يديه المئات من القامات الوطنية في مختلف مجالات المعرفة والعمل الوطني، والتي كان لها بصماتها في كافة المراحل الي مهّدت لثورة 26 سبتمبر 1962، وساعدت في بناء النظام الجمهوري وترسيخ قواعده ما بعدها، ومن أهم المناطق التي عمل فيها:
1 - قرية "حرف عباس - حرف القُضاة بني عبدالرزاق من أعمال مغرب عنس، محافظة ذمار، 1353 هـ، الموافق 1935.
2 - قرية "ذي عرام"، مديرية حبيش، محافظة إب، 1359 هـ، الموافق 1940.
3 - مغرب عنس، محافظة ذمار، 1361 هـ، الموافق 1942.
4 - عزلة "خاو" وقرية "المنجر" - من أعمال بني قيس خبان، مديرية يريم، محافظة إب، 1363 هـ، الموافق 1944.
5 - عزلة بني طيبة، مديرية مغرب عنس، ذمار.
6 - قرية سنبان، مديرية ميفعة عنس، ذمار.
كما مارس عدة مهن قبل الالتحاق بالقطاع التربوي، منها العمل بحاراً لدى مجموعة سفن العيساوي بجدة السعودية، وأجاد خلالها اللغتين الإنجليزية والفرنسية، "1339 - 1347 هـ، الموافق 1921 - 1928".
وهبه الله صوت جهوري، واستهواه الإنشاد إلقاءاً وتلحيناً، وكان لهذه الموهبة دور فاعل في الزخم الثوري السبتمبري وتلحين الأناشيد الثورية، وجمعته صداقة بالقاضي والأديب السبتمبري "محمد محمود الزبيري"، وبعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 شارك في إلقاء وتلحين الأناشيد بالعديد من الفعاليات والمهرجانات الوطنية والخاصة.
وأشتهر بخطه الراقي، وعمل خطاطاً فترة من الزمن.
قالوا عنه:
1 - القاضي "عبدالله بن يحيى بن أحمد عبدالرزاق":
"محمد علي العمراني"، أستاذ وشيخ عالم بجميع العلوم الدينية والدنيوية، وفقيهاً وثورياً، ومثالاً في الأدب، رحيماً في التعامل، شُجاعاً في النزال، كريماً في العطاء، وجوهرة مُضيئة في غابة مُظلمة من الجهل والمرض والحرمان.
وهو مُقرئ ومُنشد وموسيقي ثوري، يُحِبُ الفُكاهة والنُكتة، ويحفظُ من الحكم والأمثال الشيئ الكثير.
كانت الجهات المُختصة بالتربية والتعليم تُرسل إليه القصائد، وهو يقوم بتلحينها لحناً جميلاً حماسياً ثورياً.
وتمتع رحمه الله بخلفية ثقافية وسياسية، حيث كنا خلال دراستنا المرحلة الأساسية لديه بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 نسمع الناس تقول أنه ليس في "مغرب عنس" من يُؤيد الثورة سوى ثلاثة أشخاص، هم:
"العلامة يحيى بن أحمد عبدالرزاق، العلامة يحيى بن أحمد الصديق، العلامة محمد بن علي العمراني".
2 - القاضي "حمود بن محمد بن حسن عبدالرزاق":
الأستاذ المعلم والمربي القاضي "محمد بن علي العمراني" هامة علمية فريدة، وفيلسوف وتربوي ومنُظِّر، وإداري فذ في زمن القحط والانحطاط الفكري، ومُناضل، ومُناهض للظلم، ومن الهامات الأولى لثورة 26 سبتمبر 1962.
3 - الأستاذ "حميد بن إسماعيل بن أحمد عبدالرزاق":
عمل الأستاذ "محمد بن علي العمراني" في خدمة العلم 45 عاماً، لم يلتهِ عن التعليم قيد أنمُلة، وكله حماس في شبابه وشيخوخته، يُعطي دون ملل، إنه "كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ"، ونحن المُشتاطين لهذا الزرع والثمر من معلمٍ تألف مع الحياة الصعبة في البر والبحر، وفي كل الظروف، وواجه كل الصعاب بعزيمة لا تلين، فاستقينا منه هذا البيان المرصوص في الأفئدة والذاكرة.
أولاده:
حميد - تربوي وإداري.
الأحد، 14 مايو 2023
أوساخ "توتال إنرجيز" الفرنسية في اليمن
زيد المحبشي*، مركز البحوث والمعلومات التابع لوكالة الأنباء اليمنية سبأ، الأحد، 17 شوال 1444هـ الموافق 7 مايو 2023
شركة "توتال إنرجيز" الفرنسية، واحدة من أكبر الشركة الاستثمارية بقطاع النفط والغاز في اليمن، وتبسط سيطرتها الكاملة على قطاع الغاز، وتقع تحت إدارتها باليمن سبع شركات عابرة للقارات.
بدأت عملها بالتنافس مع الشركات الأميركية، واستطاعة بالمكر والخداع والتضليل الانفراد بكعكة الغاز اليمني، وأغرقت نظام "علي عبدالله الصالح" بالهدايا والعطايا فباعها غاز بلاده بسعر التراب، وفتح لها بوابة السعيدة على مصراعيها للعمل بلا حسيب ولا رقيب، فامتصت الخيرات، ودمرت الأراضي الزراعية، وسممت المياه الجوفية، وقتلت الثروة الحيوانية، ونشرت الأمراض الخطيرة والغير معهودة في أوساط البشر، وحولت حياة اليمنيين في مناطق تواجدها إلى جحيم لا يُطاق، ولم تكتفِ بما سبق، بل ووصلت بها الوقاحة إلى جعل منشآتها مُعتقلات سياسية للاحتلال الإماراتي، ولا زالت حلقات مسلسل قذاراتها في حق اليمنيين أرضاً وإنساناً، حُبلى بالكثير من أوساخ "إفيل" النتنة.
تعالت العديد من الاصوات المحلية والدولية المنددة بجرائم هذا القرصان النفطي النتن في العشرية الأخيرة، وظهرت العشرات من الدراسات والتحقيقات الميدانية الكاشفة والفاضحة لممارساتها غير القانونية، وتسببها في تلوثات واسعة، بما ينذر بكوارث سيتجرع اليمنيين مررتها لعقودٍ قادمة.
ولعلى أهم تلك التحقيقات الفاضحة لممارساتها غير الأخلاقية وفسادها وعبثها في أرض اليمن الطيبة الطاهرة، تحقيقٌ استقصائي أعده الكاتب الفرنسي الحر "كوينتين مولر"، لصالح منظمة السلام الأخضر غير الحكومية، نشرته صحيفة "لوبيز" الفرنسية في منتصف أبريل 2023 بعنوان "مياه توتال السوداء في اليمن"، تحدث فيه عن تسببها بعمليات تلوث واسعة في محافظة شبوة والمناطق الأخرى التي تعمل فيها كحضرموت ومأرب بتواطؤ نظام "علي عبدالله الصالح".
وهو امتداد لسلسلة من التحقيقات عن فساد الحكومة الفرنسية وأدوات هيمنتها ونهبها ثروات الدول النامية والشعوب الفقيرة، وتُمثل مادته خُلاصة لسلسلة من الزيارات الميدانية للمناطق القريبة من مُنشآت "توتال"، والوقوف على قصص معاناة سكانها، منها: منطقة "ساه" بشبوة - وهي من أكثر المناطق اليمنية تأثراً بالتلوثات النفطية، وسيئون والمكلا وشبام في حضرموت، ومراجعة العشرات من الوثائق الحصرية عن الأعمال المشبوهة لـ "توتال"، ولقاء عددٍ من المسؤولين اليمنيين.
التحقيق يقرع ناقوس الخطر، ويعيد تظهير استخلاصات عشرات التقارير والتحقيقات والدراسات المحلية عن السجل الأسود لـ "توتال" وبني جنسها من قراصنة النفط ومصاصي دماء الشعوب النامية والفقيرة، وما كان لتلك الشركات العابرة للقارات أن تعبث بحياة الشعوب النامية وتنهب ثرواتها وتحوّل أراضيها إلى مكبات لنفاياتها السامة لو لم يكن في أوساطها من بني جنسها خونة وعديمي شرف باعوا أرضهم وعرضهم وشرفهم وثرواتهم وسيادتهم وكرامتهم لشياطين الغزاة والمحتلين مقابل وعود معسولة بمنحهم هواء الطواحين، واللا شيئ فقط للأسف الشديد.
احتكار الغاز اليمني:
تعود بداية العمليات التنقيبية والاستكشافية للنفط والغاز اليمني إلى العام 1985 يومها أعلنت شركة "هنت" الأميركية بدأ استخرج النفط من مأرب، في حفل كبير حضره "جورج بوش الأب"، وأعلنت عدم وجود كميات تجارية من الغاز، في محاولة لاحتكار التنقيب في اليمن.
وفي العام 1987 أبدت شركة "أنرون" الأميركية اهتمامها بتطوير حقل "الجنة" النفطي في القطاع رقم "5"، وهو من القطاعات المشتركة بين شطري اليمن، ما أثار انتباه الشركات النفطية الأخرى، فتشكلت 7 شركات بقيادة "توتال إنرجيز" الفرنسية، هي:
هنت، إكسون، الشركة الكويتية للاستكشافات البترولية الخارجية "كوفبيك"، وشركتان روسيتان، ووقعت "توتال" و"أنرون" اتفاقية شراكة بالمناصفة في استخراج وتطوير وتصدير الغاز اليمني، على أن يتم البدء بالبحث والتنقيب في حقل "الجنة" بالقطاع "10".
وكانت "أنرون" قد وقعت اتفاقية أولية مع الحكومة اليمنية لاستخراج غاز حقل "الجنة"، رغم محاولات "هنت" عرقلة المشروع، على أن تبدأ بالتصدير من ميناء عدن في العام 1995، لكنها قررت تأخير ذلك إلى العام 1998.
في الاتجاه الأخر قدمت "توتال" عرض مُشابه إلى وزارة النفط اليمنية، بالاتفاق مع "أنرون"، واتفقا على أن أية شركة منهما تحظى بتوقيع الاتفاقية النهائية مع الحكومة اليمنية تكون شريكة للشركة الأخرى بالمناصفة.
وابلغت الوزارة "أنرون" بذلك، فرد رئيس فريقها المفاوض بعدم ممانعة شركته توقيع الوزارة الاتفاق مع "توتال" لتفادي المشاكل مع "هنت"، التي كانت تُعارض مشروع تطوير الغاز اليمني، وتدعي وقوعه ضمن امتيازها في حقل مأرب.
نجحت "توتال" في انتزاع الاتفاقية والتوقيع مع الجانب اليمني، ورفضت مشاركة "أنرون" في تطوير الغاز اليمني، بحجة عدم تنصيص اتفاقية المشاركة "أنرون - توتال" على "عدم المنافسة"، وبذلك استولت على مشروع الغاز اليمني بعملية غير أخلاقية ومنافية للعُرف التجاري والدولي، والتزمت "أنرون" الصمت، ولم ترفع قضية ضد "توتال"، لأنها شعرت بأنها مخترقة، وأن بداخل فريقها المفاوض أشخاص كانوا يعملون لصالح "توتال"، تعمدوا عدم تضمين اتفاق الشراكة المتهاوي بند "عدم المنافسة "، وهو من البنود المهمة التي ترد في معظم الاتفاقيات التجارية، حتى من قبل المبتدئين في تحرير هكذا نوع من الاتفاقيات.
ووقعت "توتال" في 21 سبتمبر 1995 مع الحكومة اليمنية مُمثلة بالشركة اليمنية للغاز الطبيعي المُسال، اتفاقية تطوير الغازGDA، بهدف تصدير 125 مليون طن من مشروع "بلحاف" لمدة 25 عاماً، والذي يقدر بما يقارب 80 % من إجمالي الاحتياطيات الغازية في اليمن.
وفي 1996 اتفقت "توتال" و"هنت" على الشراكة في المشروع، ومنح الشُركاء أنفسهم حق الحصول على رسوم منشآت المنبع من "توتال"، لصالح شركة مأرب لخدمات المنبع تصل إلى 900 مليون دولار خلال عمر العقود، ومصادرة الحق السيادي لليمن في ملكية كل أصول القطاع "18" بمأرب.
ومن الأحواض النفطية التي باشرت "توتال" العمل فيها بموجب هذا الاتفاق حوض "المسيلة"، التابع للقطاع "10".
ويتجاوز احتياطي الغاز في القطاع "18" نحو 10 تريليونات قدم مُكعّب، تستحوذ "توتال" وشركاؤها على أكثر من 7 تريليونات منها.
ووقعت "توتال" مع الشركة اليمنية للغاز في العام 2005، اتفاقيات بيع مدتها 20 عاماً، وبدأت بإنتاج وتصدير الغاز اليمني في العام 2009.
وعلى عكس الاتفاق مع "أنرون" بتدشين تصدير الغاز في العام 1998، تعمدت، "توتال" تأخير ذلك إلى العام 2009، لأنها بالتوازي مع نسج مؤمرتها للسيطرة على الغاز اليمني، وقعت في العام 1978 اتفاقاً مماثلاً لتطوير وتصدير الغاز القطري، لكنها لم تتمكن من مباشرة العمل في ظل حكم الشيخ "خليفة بن حمد آل ثاني"، وفي العام 1995 تمت إزاحته وتولى الشيخ "حمد بن خليفة آل ثاني" السلطة، ففضلت تأجيل ملف الغاز اليمني 14 عاماً لصالح قطر، بعد أن ضمنت السيطرة القانونية عليه.
وأعلنت في أبريل 2015 عن استخدام القوة القاهرة، وأوقفت نشاطها في اليمن، بذريعة الحرب الظالمة التي يشنها التحالف "السعودي - الإماراتي" على هذا البلد المظلوم والمنكوب، رغم عدم وجود أي مخاطر حربية أو سياسية في مناطق عملها، كما أن حقولها في شبوة بعيدة كل البعد عن مناطق الاشتباكات.
وفي "فبراير - أبريل 2022" قاد السفير الفرنسي لدى اليمن "جان ماري صفا"، تحركات واسعة، شملت عقد لقاءات مع 4 من قيادات المجلس الرئاسي اليمني الموالي للعدوان "السعودي - الإماراتي"، هم: "سلطان العرادة، عيدروس الزبيدي، طارق محمد عبدالله صالح، عثمان مجلي"، من أجل استئناف تصدير الغاز المسال من مناطق التنقيب التابعة لـ "توتال" في مأرب وشبوة وحضرموت.
وهناك حديث عن صفقة وقعتها حكومة المرتزقة مع كيان الاحتلال الإماراتي والسفير الفرنسي في اليمن لاستئناف تصدير الغاز عبر منشأة وميناء بلحاف في شبوة، ويُعطي الاتفاق الاحتلال الاماراتي حق الاشراف الكامل على عمليات التصدير والبيع وتحصيل الايرادات، مقابل وعود سرابية برفد البنك المركزي اليمني في عدن بوديعة مالية تُوفر احتياطياً نقدياً بالدولار.
سبقت هذه الصفقة تحركات "أميركية - فرنسية"، لإخلاء محطة وميناء "بلحاف" من قوات الاحتلال الإماراتي، وإعادة تشغيل المنشأة لتوفير الغاز للدول الغربية بعد حظر أميركا وأروبا استيراد الغاز الروسي.
وفي نهاية مارس 2022 استأنفت "توتال" تصدير الغاز اليمني من القطاع "18" في منطقة صافر النفطية شمالي محافظة مأرب.
وتُشغِّل "توتال" 7 شركات عملاقة في إدارة محطة "بلحاف" في محافظة شبوة - شرق اليمن - لإنتاج الغاز الطبيعي المسال في اليمن، وتمتلك فيها 39.62 % من الأسهم إلى جانب شركة "هنت" الأميركية للنفط بواقع 17.22 %، والشركات الكورية 21.4 %، بواقع 9.55 % لـ "إس كي"، و6 % لـ "كوجاز"، و5.88 % لـ "هيونداي"، و21,7 % فقط لليمن بلد المنشأ وصاحب الثروة، موزعة بواقع 16.73 % للشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال، و5 % للهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية.
تواطؤ نظامي "عفاش" و"المرتزقة":
تعامل نظام الرئيس اليمني الأسبق "علي عبدالله صالح" مع ثروات اليمن السيادية من نفطٍ وغاز باستخفاف، وباعها بسعر التراب، دون مُراعاة لأمانة المسؤولية، وتتحدث التقارير المنشورة عن الاستثمارات الأجنبية في قطاع النفط والغاز عن جرائم فضيعة ارتكبها ذلك النظام الفاسد لا تقل بشاعة عن جرائم الشركات النفطية بحق البيئة اليمنية والإنسان اليمني، لم تتوقف عند حدود منح تلك الشركات ثروات البلاد بالمجان إن جاز التعبير، بل ومنحها كامل الحرية للعمل بعيداً عن الرقابة على أنشطتها المشبوهة والمُضِرة بالإنسان اليمني والزراعة اليمنية وثروات البلاد الحيوانية ومياهه الجوفية وبيئته وتنوعه البيولوجي.
وآتى النظام اليمني الموالي لتحالف العدوان "السعودي - الإماراتي" ليُكمل ما اقترفه نظام "علي عبدالله الصالح" بحق اليمنيين وثرواتهم السيادية وسيادتهم الوطنية.
من ذلك تنصيص اتفاقية النظام مع "توتال" عام 1995، واتفاقية "توتال" و"هنت" عام 1996، على بيع الغاز اليمني، بـ 3.2 دولار للمليون وحدة حرارية، بنقص 8 دولارات عن السعر العالمي حينها، في واحدةٍ من أكبر وقائع فساد نظام الرئيس الاسبق "علي عبدالله صالح".
ونص اتفاق العام 2005 مع "توتال" على بيعها المليون وحدة حرارية من الغاز بدولار واحد، وللشركة الكورية كوجاس بـ 3 دولارات و15 سنتاً، في حين كانت الأسعار السائدة آنذاك تتراوح بين 11 - 12 دولاراً للمليون وحدة حرارية، في عملية نصب مكشوفة، وبتواطؤ مفضوح من حكومة نظام "علي عبدالله صالح"، ما ألحق ضرراً بالغاً باليمن.
وتوقعت دراسات الجدوى الاقتصادية في العام 2009، رفد قطاع الغاز خزينة الدولة بـ "4 - 5" مليارات دولار سنوياً، لكن التقارير النفطية غير الرسمية قالت أن المبالغ التي وردتها "توتال" لخزينة الدولة اليمنية خلال الفترة "2009 - 2013" لم تتجاوز 700 مليون دولار فقط، رغم أنها جنت خلال ذات الفترة أكثر من 25 مليار دولار.
والأكثر فضاعة دخولها حقل الاستثمار في اليمن دون أن تدفع فلساً واحداً للبنية التحتية لمشروع الغاز المسال، وإنما تحملت أعباءه كاملة الحكومة اليمنية، وهذه ثاني جريمة يرتكبها نظام "علي عبدالله الصالح" بعد جريمة البيع المُجحف للغاز.
والمفارقة الثانية عدم تتجاوز كُلفة استثمارات "توتال" في البنية التحية وخطوط استخراج وتسييل وتحميل الغاز إلى البواخر 5 مليارات دولار، وفقاً لتقديرات شركة "أنرون" الموثقة في أرشيف وزارة النفط اليمنية، أي نحو 2.5 % فقط من الخسائر التي سببتها لليمن.
وبموجب بنود ذلك الاتفاق المُجحف، يجب على أي حكومة يمنية تريد إلغائه، دفع تعويضات لـ "توتال" تُقدر بنحو 200 مليار دولار، وإذا ظل الاتفاق على صيغة عام 2005، فهذا يعني أيضاً تكبيد الخزينة اليمنية خسائر تتجاوز 100 مليار دولار حتى نهاية المشروع، يعني في الحالتين نحن من يجب أن يدفع ثمن البيع المجاني لثرواتنا، فهل سمعتم عن حكومة تعمل ضد شعبها كحكومة "علي عبدالله صالح"؟.
وشجعت تسهيلات نظام "علي عبدالله صالح" الظالمة، "توتال" لمطالبة اليمن بدفع أكثر من 20 مليار دولار، تعويضات لتأخرها في تصدير الغاز اليمني لصالح تسويق الغاز القطري، فهل سمعتم عن وقاحة كهذه؟.
على أن المُفترض مطالبة اليمن بالخسائر التي تكبدتها خزينته بسبب تأخير "توتال" انتاج الغاز وتصديره من العام 1995 إلى العام 2009، والتي تُقدّر بنحو 4.7 مليارات دولار سنوياً، وإجماليها 65.8 مليار دولار، وخسائره خلال فترة توقفها الثاني غير المبرر "2015 - 2022"، والتي تُقدر بنحو 32.9 مليار دولار.
اتفاقية العام "2005" المجحفة، أثارت جدلاً واسعاً في العام 2012، وجرت مراجعة السعر إلى 3 دولارات، ووافقت مؤسسة الغاز الكورية "كوجاس" على دفع نحو 14 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.
وتسبب التأخير في مباشرة أعمال التنقيب "1995 - 2009"، وتأخير تصدير الغاز "1998 - 2009"، وتوقف الإنتاج والتصدير خلال الفترة "2015 - 2022 "، بإلحاق أضرار كبيرة باليمن، وحرمان الخزينة اليمنية أكثر من 98.7 مليار دولار.
وفي مارس 2022 تم الاتفاق مع الاحتلال الإماراتي على استئناف "توتال" تصدير الغاز عبر محطة ومنشأة "بلحاف"، واقترح الأميركان والفرنسيين بيعه بـ 3 دولارات فقط لكل مليون وحدة حرارية، بينما السعر العالمي يتجاوز في الوضع الطبيعي 15 دولاراً، ومع الأزمة الأوكرانية 24 دولاراً، وهذه سرقة جديدة لغازنا بموافقة الاحتلال الإماراتي وتواطؤ حكومة المرتزقة.
وبعيداً عن جدلية الأسعار، تعمدت "توتال" بعد معاودة نشاطها إهدار ثروة اليمن من الغاز الطبيعي بصورة مستفزة، من خلال حرق الغاز المصاحب بكميات كبيرة جداً تقدر بـ 35 مليون قدم مكعب يومياً، مقابل إنتاج منخفض من النفط يتراوح بين 4000 - 4500 برميل، وفقاً لمدير عام حماية البيئة في محافظة شبوة "محمد سالم مجور"، وهذا من شأنه توسيع رُقعة الانبعاثات الضارة، رغم أن العقود الموقعة بين وزارة النفط والشركات النفطية العاملة في بلادنا، تشترط معالجة الغاز عبر وحدة CPF، وإعطائه إلى الحكومة لاستثماره في الكهرباء أو الغاز المنزلي، أو تقوم الشركة مرة أخرى بإعادة حقنه في المكامن النفطية.
وعلى مدى الأعوام الماضية وحتى اليوم، تُقدر الثروة الغازية التي تم حرقها بمليارات الدولارات، لم يستفِد منها أبناء شبوة إلا الأمراض والسموم.
جرائم متواصلة حرمت اليمنيين من حقهم المشروع للاستفادة من ثرواتهم الطبيعية، وحوّلت تلك الثروة إلى لعنة، يدفعون فاتورتها من قوتهم وصحتهم، في ظل أنظمة يمنية همها الارتزاق والمتاجرة والتفيُّد والتسيُّد على حساب الأرض والعرض والسيادة.
وتبقى الأنظار مُتجهة نحو حكومة اليمنيين الأحرار في صنعاء لإلغاء تلك الاتفاقيات المُجحفة والظالمة التي وقعتها الأنظمة اليمنية المتناسلة من رحم العمالة والارتزاق، والمطالبة بتأميم الغاز اليمني بحكم قضائي من غرفة التجارة الدولية في باريس، وتعويض اليمن عن الخسائر التي تكبّدها خلال الـ 21 عاماً من امتناع "توتال" تصدير الغاز، ورفضها إعادة النظر في أسعاره، لتهافت ذرائع الامتناع وإعادة النظر، ولضمان القانون الدولي حق اليمنيين في الاستفادة من ثرواتهم النفطية وبيعها بأسعار مُنصفة تتساوى مع الأسعار الدولية السائدة.
محطة "بلحاف" مُعتقلاً سياسياً:
أقدمت "توتال" في مارس 2017، على تسليم مُنشأة وميناء "بلحاف" بشبوة لقوات الاحتلال الإماراتي، فحولهما الأخير، قاعدة عسكرية ومُعتقلاً سياسياً لمعارضي احتلاله البغيض في اليمن، رغم أنهما منشأتان مدنيتان، في سابق خطيرة، تتحمل كافة تبعاتها القانونية، لتجاهلها ذلك، وتجميدها خطة اليقظة لمنع تكرار الانتهاكات.
وللتغطية على فضيحتها ادعت في أبريل 2017 تلقيها بلاغاً من الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال تضمن تسليم جُزء من منشآت موقع "بلحاف" لقوات الاحتلال الإماراتي، بطلب من الحكومة اليمنية الموالية للعدوان "السعودي - الإماراتي"، وهو تبرير واهي، لا يُسقط المسؤولية القانونية عن شراكتها في كافة الجرائم التي ارتكبها الاحتلال الإماراتي بذلك المعتقل وتلك القاعدة، لمخالفتها نصوص اتفاق العام 2005 مع الحكومة اليمنية، وتعارض هذا التصرف غير المسؤول مع القوانين الدولية ذات الاختصاص.
ومنذ ذلك التاريخ تواصلت بلاغات المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام عن وجود اختفاءات قسرية، واحتجازات تعسفية، وتعذيب وحرمان من الرعاية الطبية في ذلك المعتقل، لكن "توتال" بدل التحقيق استبعدته كُلياً من خطة اليقظة لمنع تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
هذا الإجراء غير الأخلاقي يُمثِّل إدانة واضحة لشراكتها في تلك الأعمال الوحشية التي مارسها الاحتلال الإماراتي بحق المعتقلين اليمنيين، قالت وسائل الإعلام أن بشاعتها فاقت فضائع سجن "أبو غريب" الأميركي في العراق، بينما شبّهته النائبة الفرنسية "كليمونتين أويتين" بسجن "غوانتانامو" الأميركي سيئ الصيت في كوبا.
وفي يوليو 2019، اعتبر فريق الخبراء بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، معتقل "بلحاف" جزء من شبكة أكبر من مرافق الاحتجاز في جنوب اليمن، اُرتكبت فيها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
واتهم مجموعة من النواب الفرنسيين في نوفمبر 2019، "توتال"، بالتورط مع الاحتلال الإماراتي، لتغاضيها عن تحويل الأخير قاعدته العسكرية في منشأة "بلحاف"، إلى معتقل سياسي لمعارضي نفوذه في اليمن، يُمارس فيه انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان.
فسارعت "توتال" لتبرير موقفها، نافية سيطرتها على الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال، ومدعية عدم وجود موظفين أجانب لها بمحطة "بلحاف" منذ توقف نشاطها في العام 2015، باستثناء الموظفين المحليين، وأن تسليم المحطة والميناء آتى بطلب من الحكومة اليمنية الموالية للعدوان "السعودي - الإماراتي".
النائبة الفرنسية "كليمونتين أويتين" هي الأخرى لم تُخفِ استغرابها من نفي وزارة دفاع بلادها علمها بالأمر، كاشفة عن إصدار 3 منظمات حقوقية فرنسية غير حكومية تقريراً بناء على شهادات ومصادر مُتعددة، تؤكد وجود سجن انفرادي، ومركز للتعذيب داخل المجمع المُخصص لتسييل الغاز في منطقة "بلحاف"، ومُنددة بهذه الممارسات المتواصلة منذ العام 2016 على أرض اليمن -وفي هذا تأكيد على أن تسليم محطة وميناء "بلحاف" للاحتلال الإماراتي كان في العام 2016 وليس العام 2017 كما ادعت "توتال"، وداعية السلطات الفرنسية إلى تحمل مسؤوليتها تجاه ذلك السجن، وإخضاع "توتال" للاستجواب.
لكن شيئاً من ذلك لم يتم حتى الآن، لسببٍ بسيط هو شراكة النظام الفرنسي في العدوان على اليمن سواء بالمواقف السياسية الداعمة للتحالف العبري "السعودي - الإماراتي" أو ببيعهما الأسلحة وتوفير الدعم اللوجستي، لذا فتسليم "بلحاف" للاحتلال الإماراتي كان بضوء أخضر وتوجيه مباشر من النظام الفرنسي.
وتساءلت صحيفة "لوموند" الفرنسية عما إذا كانت "توتال" تجهل فعلاً وجود هذا السجن ضمن نطاق استثماراتها، خصوصاً أنه لا زال هناك موظفون يمنيون يعملون على صيانة المنشآت الصناعية.
منظمة "منّا" لحقوق الإنسان، وهي منظمة غير حكومية للمناصرة القانونية ومقرها "جنيف"، بدورها، رفعت في 23 فبراير 2023، دعوى قضائية ضد "توتال"، بالوكالة عن شخصين تعرّضا للاعتقال السري والتعذيب من قبل قوات الاحتلال الإماراتي خلال عامي "2018 - 2019" بمعتقل "بلحاف"، واتهمتها بارتكاب انتهاكات ضد حقوق الإنسان، والإخفاق في تنفيذ التزاماتها بموجب القانون الفرنسي لعام 2017 بشأن واجب اليقظة على الشركات، وطالبتها بإدراج الموقع في خطة اليقظة لمنع تكرار الانتهاكات.
ويشترط ذلك القانون على الشركات الكبيرة بذل العناية الواجبة لتحديد المخاطر ومنع انتهاكات حقوق الإنسان، مع توفير المسؤولية المدنية وآلية التعويض، لكن هذا يظل حبر على ورق بالنسبة للشركات النفطية التابعة لقوى الاستكبار العالمي.
"كوينتين مولر" يدق ناقوس الخطر:
"نحن نعيش على الأرض الأكثر تلوثاً في اليمن".
بهذه الكلمات الوجيزة لخّص المواطن اليمني "محمد علي سالم سرور - 36 عاما"، مُعاناة عشرات الآلاف من اليمنيين القاطنين في المناطق المجاورة لعمل "توتال" بشبوة ومأرب وحضرموت، وفضاعة ما ارتكبته من جرائم بحق اليمنيين، هذا المواطن المنكوب أب لطفل لم يتجاوز عمره الستة أعوام خُلق مشوهاً بعين واحدة جاحظة وبارزة للأمام بسبب سموم "توتال" القاتلة للإنسان والأرض والزراعة والحيوان وكل مظاهر الحياة.
تحقيق "كوينتين مولر" أتى ليؤكد هذه الحقيقة المؤلمة ويدق ناقوس الخطر، لعلى هناك من يصحو ضميره من قادة البلاد، مُحمِّلاً إياها المسؤولية الكاملة عن سلسلة من التلوثات القاتلة، وقيامها بإلقاء آلاف الأطنان من المواد الكيميائية السامة في المياه بمحيط المناطق التي تعمل فيها، ودفن وطمر ملايين اللترات من المياه السامة ومُخلفات الحفر في مناطق قريبة من التجمعات السكانية، والانسكابات والتسربات النفطية، وحرق الغاز بصورة لا تستجيب للمعايير واللوائح المحلية والعالمية المعتمدة، واستخدام تقنيات تشغيل غير قياسية، وعدم إعادة تدوير ومعالجة النفايات السامة.
ناهيك عن عدم توافق المنشآت التي بنتها مع المعايير الدولية للسلامة والبيئة المعمول بها في هذا الجانب، واصفاً ما قامت به في اليمن بـ "أعظم فضيحة بيئية"، ووصف ما يجري بالموت الذي يطال الأرض والحيوانات والبشر.
وقامت خلال الفترة "1996 - 2015"، ببناء بعض المنشآت القديمة، بشكل غير قانوني، ومخالف للمواصفات العالمية، ما ألحق ضرراً بليغاً بالصحة والبيئة، من ذلك بناء مئات من البرك المُستأجرة، لتجفيف مياه المخلفات، وتركها مكشوفة، ما أدى إلى تطاير جميع الكيماويات في الهواء، وما تبقَ في قعرها طين سام، ووضع مليارات اللترات من تلك المياه المُخلّفة في آبار نفط قديمة فارغة، وهذا عمل خطير وإجرامي، لإمكانية تسرُّبه إلى أحواض المياه الجوفية التي يشرب منها اليمنيون، كما أنه بعد فترة، لا تُعد آبار النفط مقاومة للمياه.
وامتناعها عن بناء معمل لتنظيف المنتج المُخلّف عن آبار النفط، وعدم بنائها منشآت صديقة للبيئة وتحترم صحة اليمنيين.
هذا التصرف الأرعن يؤكد بأن حياة اليمنيين غير ذي قيمة لديها، لذا عمدت منذ يومها الأول للعمل في اليمن على تدمير التربة والبيئة، وتسميم المياه، ونشرت بحماية وتواطؤ الأنظمة اليمنية المتعاقبة الأوبئة والأمراض، وتفاقمت أوضاع الناس المعيشية في مناطق تواجدها بصورة مزرية.
ويتحدث مدير عام حماية البيئة في محافظة شبوة "محمد سالم مجور" عن انتهاكات جسيمة بحق البيئة، منها تلوث مياه الشرب في عدد من البلدات التي يمر بها الأنبوب النفطي، وأهمها مدينة "عزان" بمديرية "ميفعة"، والتخلُّص من النفايات النفطية بدفنها في مناطق التسربات، واستغفال المواطنين، واستغلال ضعف وعيهم بالتخلُّص من النفايات النفطية في أساسات المنازل الجديدة والطرقات الفرعية، مؤكداً رفع مذكرات رسمية إلى ديوان رئاسة الهيئة العامة لحماية البيئة ورئيس الوزراء والشركات النفطية العاملة، عن الأضرار البيئية التي لحقت بالآبار والمزارع، لكن لم يحدث أي تحرك لحل المشكلة.
ورصد الصحفي بالإندبندنت البريطانية "جمال شنيتر" أكواماً من المخلفات النفطية المرمية منذ أكثر من 30 عاماً بجوار أحد الأحياء السكنية قُرب المدخل الغربي لمدينة "شبوة".
وأكدت التقارير المحلية عدم مُطابقة أنابيب الشركة لمعايير السلامة والبيئة، وانعدام وجود أنظمة أمان واحتواء للانسكابات والتسربات النفطية فيها، وعدم التزامها بمعايير وإجراءات الصحة والسلامة البيئية في كل مراحل عملها منذ دخولها اليمن.
وتسبب تقادم وتهالك أنابيب النقل وعدم صيانتها في تسجيل نحو 20 نقطة تسرب نفطي خلال الفترة "2010 - 2023" في مناطق متفرقة من "شبوة"، منها 16 موقعاً للتسرب خلال الفترة "ديسمبر 2014 - أكتوبر 2020".
أكثر تلك التسربات في مناطق "لهية، غرير، البطانه، عزان"، وكلها مناطق مُكتظة بالسكان، بالتوازي مع رفض "توتال" إجراء أي عملية تنظيف أو معالجة للتربة أو اتخاذ خطوات جاّدة لحماية البيئة في تلك المناطق، ورفضت دفع أي تعويضات للأهالي عن الأضرار البليغة التي لحقت بهم، وتسببت بموت المئات منهم، وإصابة الآلاف بأمراض نادرة وخطيرة.
هذه الجرائم التي ارتكبتها "توتال" بحق اليمنيين ولا زالت تُعد مخالفة واضحة للمواد "22، 53، 57، 79، 85" من القانون رقم (26) لسنة 1995بشأن حماية البيئة، واتفاقية "بازل" التي صادقت عليها اليمن، واتفاقية الشراكة مع الجانب اليمني، وكلها تنص على وجوب اتباع كافة المعايير الدولية للسلامة الصحية والبيئية فيما يخُص منع التلوث والحفاظ على البيئة، ومعالجة آثار التلوث، كما يُوجب القانون الدولي على شركات النفط دفع جميع تكاليف إزالة البقع النفطية وآثارها الناتجة عن تسربات النفط من منشآتها وناقلاتها التي تجوب بحار العالم مهما كانت باهظة، ودفع تكاليف الأضرار المدنية والمعنوية إن وُجدت.
سحر هدايا "توتال" الغامضة:
عملت "توتال" على إلهاء المسؤولين اليمنيين عن مراقبة السلامة الصحية والبيئية لمنشآتها بِسيلٍ من الهدايا الثمينة، ولم تكتفِ بذلك، بل وسعت لتحصين نفسها قانونياً من أي مُلاحقات قضائية محلية ودولية على جرائمها، من ذلك إبرامها في العام 2015 اتفاقاً سرياً مع الشركة اليمنية للغاز تضمن تسليم الأخيرة 59722603 مليون دولار مقابل "التزامات التخلي" عن آبارها ومرافقها القديمة، والتي أصبحت أقل ربحية مع مرور الوقت.
ووفقاً لهذه الاتفاقية، تتفق الجمهورية اليمنية ووزارة النفط على أنه بعد هذه الدفعة، سيتم إطلاق سراح المنتقل "توتال" بشكل لا رجعة فيه، وإعفاؤه من أي مطالبات، في خطة ذكية من "توتال" لحماية نفسها من أي هجوم قانوني بعد فرارها من البلاد في بداية عام 2015.
استفادت "توتال" من فساد نظام "علي عبدالله صالح"، فعمدت إلى شراء صمته بمنح مسؤوليه وأولادهم منح سياحية ودراسية إلى فرنسا، وتقديم ساعات سويسرية ثمينة وغيرها من الهدايا والأموال المقدمة باسم تبرعات، وبذلك تمكنت من توسيع عائداتها وأرباحها، لكن ذلك التصرف الساقط قتل مئات اليمنيين بشكل غير مباشر.
"لقد كانت حكومة علي عبدالله صالح عميلة وغارقة في الفساد، وكانت وزارة النفط تُدار بامتيازات الكُتل تماماً كالأعمال العشوائية، حيث لم تكن البيئة والصحة تشغل قلقهم، كان على وزارتي النفط والبيئة العمل معاً على فرض أنواع مُعينة من المنشآت التي تحترم صحة سكان المنطقة"، لكنهم لم يفعلوا.
هكذا رأى "كوينتين مولر" الوضع في تلك الحقبة المُظلمة من تاريخ اليمن والغصة تخنقه، مُطالباً وزارتي النفط والبيئة العمل معاً، والأخذ بعين الاعتبار صحة الشعب أولاً، وقبل كل شيئ، عليهما مراقبة نشاطات شركات النفط الأجنبية وإلحاق العقاب بها إن تطلّب الأمر، لا بُد من تنفيذ القانون ووضع الحدود والعمل على عدم خرقه، لكن من يهتم لذلك.
هذه السياسة الشيطانية ضمنت لها التهرب من المسؤولية والملاحقة القضائية، وانعدام رقابة وزارة النفط والمعادن والهيئة اليمنية لحماية البيئة، وتهرب القضاء اليمني من النظر في القضايا المرفوعة ضدها، لأن هداياها حالت دون ذلك، وجعلتها تعمل بأريحية لم تكن تحلُم بها في بلد المنشأ.
مدير المنصة اليمنية للتغيير المناخي والبيئة YPCE "زاهر بن الشيخ أبوبكر" في حديث صحفي بتاريخ 26 أبريل 2023، لم يستبعد هو الأخر الحقائق الصادمة التي أوردها "مولر" في تحقيقه:
"هناك تواطئ واضح وصريح من قبل السلطة في قضية فساد شركة توتال الفرنسية، توتال استغلت فساد السلطة، وخاصة وزارة النفط والبيئة، لزيادة إنتاجها، الأمر الذي أدى بدوره إلى زيادة الأرباح، هذا التصرف أدى بشكل غير مباشر إلى قتل مئات المواطنين القاطنين في مناطق الامتياز.
إنَّ الحكومة السابقة غارقة في الفساد، ولم تكن البيئة وصحة المواطن ضمن أولويات عملها، وبدورها، انتهكت شركة توتال كافة القوانين والأعراف الدولية الخاصة بالحفاظ على البيئة، وعملت على الحفر العشوائي، وإعادة حقن المخلَّفات السامة إلى طبقات المياه الجوفية التي يتغذى منها سُكان تلك المناطق بإشراف مباشر من السلطة".
تدمير الزراعة وتسميم المياه الجوفية:
أُجريت عدة دراسات ميدانية في مناطق دفن المخلّفات الكيميائية السامة، أثبت مجتمعة تسبب تلك المخلّفات في تسمم التربة الصالحة للزراعة، وتلوث الآبار والمياه الجوفية، وقتل السحالي والقرود، والحشرات الصغيرة وكل مظاهر الحياة، وتدمير مساحات زراعية واسعة، وإلحاق أضرار بليغة بمنابع المياه.
ويؤكد أستاذ تقييم الأثر البيئي بجامعة الحديدة ورئيس مركز "الخراز" ورئيس الهيئة اليمنية لحماية البيئة سابقاً الدكتور "عبدالقادر الخراز" أن 50 - 70 % من الأراضي الزراعية في المناطق الواقعة بمحيط الشركات والمنشآت النفطية تضررت بشكل كُلي وجُزئي، وانخفض متوسط الإنتاج الزراعي بنسبة 70 %، كما يذكر مكتب الصحة العامة والسكان في محافظتي مأرب وشبوة، بسبب فُقدان التربة العناصر اللازمة للزراعة.
ويصف تحقيق "كوينتين مولر" ما يحدث في مناطق عمل "توتال" بالموت الذي يصيب الأرض والحيوان والبشر نتيجة تسرب المواد الكيماوية، ما تسبب في اختفاء النحل والطيور، وتلوث الأراضي الزراعية، وتحولها إلى أراضي قاحلة وأماكن مهجور، بعد أن كانت تُنتج العديد من الأصناف الزراعية، ومن أكثر المناطق تضرراً منطقة "ساه".
ويؤكد المهندس الزراعي وعضو البرلمان اليمني "محسن باصرة" - وهو من أوائل الذين نددوا بالتلوث النفطي في المنطقة، في سلسلة من التقارير والمداخلات البرلمانية، تلقيه في أوائل القرن الواحد والعشرين، شكاوى كثيرة من السكان الذين يعيشون بالقرب من مرافق "توتال".
الكثير من المزارعين قرروا هجر مزارعهم، لأنها لم تعد تصلح لشيئ، فقد تسببت التلوثات النفطية في ارتفاع "الكادميوم" و"الزئبق" في التربة والمياه بمستويات أعلى بكثير من معايير منظمة الصحة العالمية، كما يذكر أخصائي التلوث في CNRS، "بيير كورجولت رادي".
ويضيف أستاذ البيئة الكيميائية المشارك بجامعة أبين "علي سالم السعيدي" بأن تركُز المواد الكيميائية بهذا الشكل في التربة، ووجود عناصر مثل "الرصاص" و"النيكل" و"الزنك" و"الكروم" بهذه النسب العالية، يتسبب - وبدرجة كبيرة - في الإضرار بالتربة وبنيتها، وينعكس ذلك على المياه الجوفية والحياة الزراعية بشكل كبير، وأي اختلال في تركز هذه العناصر ولو بنسب منخفضة، يسبب الإصابة بمجموعة من الأمراض، منها الأمراض العصبية والسرطانات.
وأوضحت نتائج فحوص مخبرية للتربة، أُخذت من 3 مواقع، هي "الصفاة، تمورة، لهية"، تشبُّعها بالمواد "الهيدروكربونية"، ما يعني تركُز الزيت الخام بها، ووجود حالة تلوث واضحة وكبيرة في المنطقة المقابلة لقرية "لهية" - على ضفاف وادي حبان - تعرضت لها التربة على طول الوادي، ويُمكن مشاهدة تلوث التربة على بُعد 500 متر من أماكن التسرب، ناهيك عن وصوله لنحو متر في أعماق التربة الرملية.
التداعيات الصحية:
تعاني المناطق القريبة من مواقع الشركات النفطية العاملة في اليمن من ظهور أمراض عديدة نادرة وغير مألوفة، وتحولّت تلك المناطق إلى بؤر للأورام السرطانية، وأكثرها شيوعاً:
1 - سرطانات الرئة والجلد والعين والبروستاتا والدم والعظام والعمود الفقري.
هذه السرطانات بدأت بالتزايد بصورة ملحوظة ومرعبة منذ مارس 2008، وخصوصاً في حضرموت وشبوة، بسبب انفجار خط أنبوب "توتال" في وادي "الغبيرة"، حيث تم وضعه على الأرض لعشرات الكيلومترات، بينما تُلزم إجراءات السلامة دفنه تحت الأرض، لكنها لم تقم بشيئ من ذلك في اليمن، ولم تُكلف الحكومة اليمنية نفسها مطالبتها بذلك، لأن صحة المواطن اليمني لم تكن تعنيها ما دامت صُرة "توتال" زاخرة بما لذا وطاب من الهدايا والعطايا، ومن أسباب الإصابة أيضاً تركز المواد الكيميائية الخطرة في المخلّفات النفطية كما يذكر تحقيق "كوينتين مولر".
وتُعد مديرية "ساه" من أكثر المناطق تأثراً بالتلوثات النفطية، حيث يتم تسجيل 200 حالة اصابة جديدة بالسرطان سنوياً، وفقاً لرئيس مركزها الطبي "داود صالح الجابري".
وتحدثت بعض الإحصائيات في محافظة حضرموت عن تسجيل 600 حالة إصابة بمرض السرطان بسبب الإشعاعات النفطية، ووفاة 151 حالة في العام 2014 فقط.
وارتفعت نسبة الإصابة بالأمراض المزمنة بما فيها السرطانات في مديرات مأرب وشبوة القريبة من الأنبوب النفطي وأماكن تسرب ودفن المخلفات النفطية بـواقع 7 أضعاف، مُقارنة مع غيرها من المدن، كما يذكر مكتب الصحة العامة والسكان في محافظتي مأرب وشبوة.
ويذكر مدير عام مركز البيئة والتنمية المستدامة بجامعة 21 سبتمبر للعلوم الطبية والتطبيقية الدكتور "يوسف المخرفي" أن السرطانات وأمراض المسالك البولية والعصبية، هي الأكثر ارتباطاً بتلوث التربة والمياه والبيئة بالمخلفات النفطية بدرجة أساسية.
2 - التشوهات الخُلقية في الولادات الجديدة، والإجهاضات المبكرة، والتي تزايدت بصورة لافتة منذ العام 2010، وخصوصاً في مناطق عمل "توتال" بشبوة وحضرموت.
3 - الفشل الكلوي.
4 - الأمراض التنفسية والتهابات الرئة.
5 - الأمراض الجلدية والحساسية ونقص المناعة.
المراجع:
1 - جمال شنيتر، شبوة اليمنية .. عندما يتحول النفط إلى نقمة، موقع اندبندنت عربية، 30 مايو 2022.
2 - الدكتور عبدالغني جغمان، والدكتور عبدالمنعم حبتور، التلوث البيئي النفطي وآثاره المدمرة على البيئة في اليمن، شركة "أولتارا" الأوربية للاستشارات، بوخارست - رومانيا، أكتوبر 2020.
3 - كوينتين مولر، مياه توتال السوداء في اليمن، ترجمة الموقع بوست، 22 أبريل 2023.
4 - محمد الحسني، مأرب وشبوة: تقادم أنابيب النفط وإهمال صيانتها أدى إلى تسرب بعدة مواقع، الجزيرة نت، 9 سبتمبر 2021.
5 - نبيل الشرعبي، القصة الكاملة لجريمة بيع الغاز اليمني، صحيفة أخبار اليوم، 2 فبراير 2014.
6 - أريج للصحافة الاستقصائية، نفط اليمن وليبيا والعراق .. دمارٌ للبيئة وغيابُ المحاسبة، 26 يناير 2023.
7 - الحرف 28 الإخباري، تحقيق صحفي يكشف جرائم التلوث النفطي نتيجة دفن شركة "توتال" مواد سامة في المياه اليمنية، 23 أبريل 2023.
8 - العربي نيوز، فضيحة كُبرى لفرنسا في اليمن، 21 أبريل 2023.
وكذا: سفير فرنسا يطوف على أعضاء الرئاسي لهذا الهدف، 13 أبريل 2023.
9 - المركز الوطني للمعلومات، شركة توتال يمن تحتفل بالذكرى الـ 25 لتواجدها في اليمن، 8 نوفمبر 2012.
10 - الموقع بوست، نائبة فرنسية تستنكر صمت بلادها تجاه تحول منشأة غاز لتوتال باليمن إلى سجن إماراتي، 21 نوفمبر 2019.
وكذا:
تحقيق حديث يكشف تورط شركة توتال الفرنسية بعمليات تلوث واسعة في اليمن، 21 أبريل 2023.
حوار مع الصحفي الفرنسي "كوينتين مولر" مُعد تحقيق المياه السوداء لتوتال في اليمن، حاوره عامر الدميني، 25 أبريل 2023
11 - صحيفة الرأي الثالث، الكشف عن تورط شركة "توتال" الفرنسية بعمليات تلوث واسعة في اليمن، 21 أبريل 2023.
12 - صحيفة الثورة اليمنية، إلغاء حق الامتياز الممنوح لتوتال وشُركائها في مشروع الغاز المسال في اليمن، 6 أكتوبر 2022.
13 - صحيفة "لا" اليمنية، لا ميديا: دراسة فنية للتلوث النفطي في محافظتي شبوة ومأرب .. "نهر سموم سوداء"، 10 يناير 2021.
14 - عين المهرة الإخباري، بن الشيخ أبوبكر: هناك تواطئ من قبل السلطة في قضية فساد شركة "توتال" الفرنسية، 26 أبريل 2023.
15 - وطن نيوز، شركة "توتال" الفرنسية تتسبب في كارثة بيئية كبرى في اليمن، 23 أبريل 2023.
16 - وكالة يونيوز للأخبار، باحث اقتصادي: هناك سباق "أميركي - فرنسي" للسيطرة على النفط اليمني، 26 أبريل 2023.
17 - مركز البيئة للمدن العربية، حين يتحول النفط إلى أذى في اليمن، 29 ديسمبر، 2014.
18 - منظمة "منّا" لحقوق الإنسان، شركة توتال الفرنسية تواجه إجراءات قانونية لارتكاب القوات الإماراتية انتهاكات في حقوق الإنسان في مجمع الغاز اليمني في بلحاف، 23 فبراير 2023
19 - موقع حلم أخضر، دراسة بيئية تكشف زيادة تسرب النفط في شبوة، 23 نوفمبر 2020.
* نائب مدير عام مركز البحوث لشئون البحوث والإصدار