Translate

الأحد، 20 ديسمبر 2020

ما وراء اصطياد الموساد علماء النووية الإيرانية؟

زيد يحيى المحبشي، مركز البحوث والمعلومات، 20 ديسمبر 2020

أن تكون مسلماً يرفض الضيم والتبعية والخضوع والخنوع لدول الاستكبار العالمي، فعليك أن تؤمن بأن عزة ورفعت وكرامة أمتك لا تكون بالخطابات والشعارات، بل بالعمل الجاد والمخلص للقضاء على كل مظاهر وأغلال التبعية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مختلف مناشط ومجالات الحياة، بدءاً بزراعة الغذاء وصناعة الدواء والملابس ومروراً بصناعة الكماليات من مركبات وغيرها، وانتهاءاً بالصناعات العسكرية والأمنية، وبذلك تحقق الأمة الاكتفاء الغذائي والدوائي والصناعي والعسكري، ..، وبالتالي تحررها سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وتكنولوجياً، ..ألخ.

هذه الأمور مجتمعة مثلت المحرك الرئيسي لثورة المستضعفين التي قادها الإمام الخميني رحمة الله عليه، وتكللت بإزاحة كابوس الشاه المقبور عن صدور الإيرانيين في العام 1979، بعد عقود من التبعية للصهاينة والغرب وأم الشرور أميركا، وما خلفته تلك التبعية من كوارث لم تقتصر شظاياها على المجتمع الإيراني، بل فاض لهيبها ليحرق المحيط العربي والإسلامي، ومعها بدأت إيران تشق طريقها بخُطاً ثابتة وواثقة نحو التحرر من أغلال التبعية، وكانت الصناعات العسكرية نقطة مضيئة في سجل التحرر السياسي، ما أثار غضب الكيان الصهيوني وأباطرة الطغيان الإمبريالي العالمي، ومعها بدأت المؤامرات تحاك ضد هذا البلد المسلم الحر، والعقوبات الأممية والأميركية تنهمر عليه بلا كوابح أخلاقية ولا نواميس إنسانية.

ويُعد البرنامج النووي إحدى دعائم التصنيع العسكري، وأكثرها إثارة لمخاوف الصهاينة والغرب، رغم التأكيدات الإيرانية المستمرة باستخدامه للأغراض السلمية، وعدم تعارض ذلك مع القوانين والمواثيق الدولية، ناهيك عن رُهاب الصناعات الصاروخية وهي الدعامة الثانية للتصنيع العسكري، رغم أنها حقٌ مشروع للدول، للدفاع عن نفسها، وبما أن البراعة الإيرانية في نفض أغلال التبعية لم تتوقف على حدود الاكتفاء المحلي، بل تجاوزته إلى مناصرة قضايا الأمتين العربية والإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، فهذا يعني تلاشي مصالح طغاة الإمبريالية وأحلامهم الاستعمارية، والإيذان بانقراض غدتهم السرطانية المزروعة في قلب أمتنا العربية، ما دفعهم إلى رفع مستوى الخطر والعمل بمختلف الوسائل وعلى كل الجبهات من أجل فرملة هكذا توجهات إسلامية تحررية.

شهدت السنوات العشر الأخيرة تسريع إيران في رفع عدد أجهزة الطرد المركزي إلى آلاف عدة، بعد أن كان العدد يقتصر على أجهزة قليلة، وبعد أن امتلكت المعرفة العلمية لدورة الوقود النووي بالكامل، ما أثار حفيظة واشنطن وتل أبيب والاتحاد الأوربي، واتهام طهران بالسعي لامتلاك سلاح نووي.

ومن يومها أصبح علماء النووية الإيرانية هدفاً لعمليات اغتيالات واسعة النطاق، مدروسة ومركزة، قامت بها أجهزة المخابرات الصهيونية بالتنسيق مع أجهزة مخابرات أجنبية وعملاء محليين، طالت المؤسسة الأمنية الإيرانية بالصميم، ووضعت على لائحة الاغتيالات، حياة عشرات العلماء الإيرانيين العاملين في البرنامج النووي، لأهداف وغايات تخدم المشروع الصهيوني بالمقاوم الأول.

 

تاريخ أسود من الاغتيالات

تمكن الموساد الصهيوني بالتنسيق مع الاستخبارات الأميركية خلال الفترة 2010 - 2020، من تصفية خمسة من خيرة علماء إيران في المجال النووي، والتخطيط والتنفيذ لسلسلة من التفجيرات داخل إيران، راح ضحيتها المئات من أبناء هذا البلد الإسلامي الحر:

 

1 - "مسعود علي محمدي":

أستاذ فيزياء الجسيمات في جامعة طهران وأحد خريجي جامعة شريف الإيرانية، الشهيرة بجامعة النخبة والعباقرة.

أُستُشهد في 12 يناير 2010، بواسطة دراجة نارية مفخخة، وُضعت بالقرب من منزله في شمال طهران، وتم تفجيرها بالتحكم عن بعد أثناء مروره بسيارته.

وتمكنت أجهزة الأمن الإيرانية من إلقاء القبض على الجاني، ويُدعى "مجيد جمالي فاشي"، وهو الاغتيال الوحيد الذي أعلنت فيه طهران عن اعتقال مشتبه فيه واضح، وبعد التحقيق اعترف المتهم بتلقيه تدريبات مكثفة على يد الموساد الصهيوني في أذربيجان، وتزويده بالتعليمات اللازمة حول عمليات الاستطلاع وكيفية تنفيذ عمليات الاغتيالات، وتقاضيه 120 ألف دولار مقابل تنفيذ العملية.

توقيت تنفيذ العملية يأتي بعد سبعة أشهر فقط من اختطاف الموساد العالم النووي "شهرام أميري" في مايو 2009، وتوجيه إيران الاتهام لإسرائيل وأميركا في ديسمبر 2009 بالوقوف وراء العملية، بالتوازي مع بداية الفترة الرئاسية الثانية لـ "محمود أحمدي نجاد"، وما شهدته من تقدم مُتسارع في عملية تخصيب اليورانيوم، أثارت رعب وفزع تل أبيب، وشنها حملة شرسة لعرقلة البرنامج النووي الإيراني، افتتحتها باغتيال "مسعود محمدي"، وشن هجمات إلكترونية على منشأة "نطنز" و"بو شهر" وغيرها من المواقع النووية الإيرانية.

 

2 - "مجيد شهر ياري":

أستاذ الفيزياء بجامعة "الشهيد بهشتي" في طهران، وأحد المسئولين عن المشاريع الكبرى في برنامج طهران النووي، وكان له دور رئيسي في البرنامج النووي الإيراني.

اُستُشهد في 20 نوفمبر 2010، بواسطة قنبلة مغناطيسية ألصقها راكب دراجة على سيارته في شمال طهران، وتم تصفيته في ذروة الأزمة مع القوى العالمية بشأن البرنامج النووي الإيراني.

وفي نفس التوقيت تم استهداف رئيس هيئة الطاقة الذرية السابق "فريدون عباسي دافاني"، وبذات الطريقة، وقد نجا بأعجوبة، حيث أحسّ بخبطة أسفل السيارة، فغادرها على الفور مع زوجته، وانفجرت السيارة بعد لحظات، وأُصيب وزوجته بجراح، ولحُسن طالعه أصبح فيما بعد نائباً لرئيس الجمهورية، ورئيساً لهيئة الطاقة الذرية، وأشرف على توسيع البرنامج النووي في إنتاج الوقود في المواقع الذرية الإيرانية.

واتهم الرئيس الإيراني حينها "محمود أحمدي نجاد" إسرائيل والغرب بالتورط في الاغتيال.

 

3 - "داريوش رضائي نجاد":

حائز على شهادة الدكتوراه في الهندسة الكهربائية من جامعة "خواجة نصيرالدين الطوسي" الصناعية، وأحد أهم الباحثين المتخصصين فيها، وفي العام 2011 أصبح جزءاً من أبحاث إيران النووية، وأحد أهم علمائها النوويين.

أُستُشهد في 23 يوليو 2011، بعد أن أطلق عليه مسلحين يستقلون دراجة نارية 5 رصاصات، أمام منزله في طهران.

وأكدت زوجته "شهره بوراني" في مقابلة صحفية مع موقع "العربي الجديد" تلقيه العديد من الاتصالات والتهديدات المجهولة، كما تلقى عروض عمل مغرية خارج البلاد، فضلاً عن عروض منح ومناصب في مراكز بحوث غربية، لكنه رفضها كلها.

وبعد 3 أشهر من استشهاده، وتحديداً في 12 نوفمبر 2011، تسبب انفجار في مستودع ذخيرة تابع للحرس الثوري بإحدى ضواحي طهران، في استشهاد ما لا يقل عن 36 شخصاً، بينهم الجنرال في الحرس الثوري "حسن تهراني مقدم" بتخطيط وإشراف وتنفيذ أميركا وإسرائيل بحسب تقرير لصحيفة "لوس أنجلوس تايمز"، ضمن حملتهم المسعورة ضد البرنامج النووي الإيراني.

 

4 - "مصطفى أحمدي روشن":

أستاذ الفيزياء النووية، وهو أحد المسئولين عن موقع "نتانز" لتخصيب اليورانيوم، الواقع بالقرب من أصفهان وسط البلاد، وأحد مديري منشأة "نطنز" النووية المتخصصة في تخصيب اليورانيوم والمحطة النووية الأم في إيران.

أُستُشهد في 11 يناير 2012، عن عمر يناهز 32 عاماً، بواسطة قنبلة مغناطيسية أُلصقت على سيارته في طهران، وهو أصغر العلماء النوويين الإيرانيين المستهدفين.

ولأهمية هذا العالم أدرج مجلس الأمن الدولي اسمه ضمن قوائم لوائح العقوبات المغضوب عليها من قبل البيت الأسود، كما أنه التقى شخصياً بمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بحسب موقع هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، وهو ما جعل أصابع الاتهام تتجه أيضا نحو هذه الوكالة.

وفي 3 يناير 2015، نجحت السلطات الإيرانية في إحباط عملية اغتيال كانت تستهدف أحد علمائها النوويين، وفي يونيو و2 يوليو 2020 تعرض مجمع صواريخ "خوجير" ومنشأة "نطنز" لانفجارات عنيفة، تسببت في تدمير صالة تجميع أجهزة الطرد المركزي بمنشأة "نطنز".

 

5 - "محسن فخري زاده":

أستاذ الفيزياء النووية بجامعة الإمام الحسين التابعة للحرس الثوري في طهران، ورئيس منظمة البحث والابتكار "سبند" بوزارة الدفاع الإيرانية، التي كان يعمل نائبا لوزيرها في الوقت نفسه.

وهو من أبرز العلماء الإيرانيين في مجاله، وأحد أهم النخب العلمية المسئولة عن الصناعات الدفاعية في البلاد، يصفه الإعلام الإيراني بـ "مؤسس البرنامج النووي" و"مدير البرنامج النووي العسكري" الإيراني، وتعتبره وكالات الاستخبارات الغربية والصهيونية العقل المدبر والمسئول الأول عن برنامج سري للأسلحة النووية في إيران، ووصفته بـ "أبو القنبلة الإيرانية".

وقارنته صحيفة "نيويورك تايمز" في العام 2015 بالعالم الفيزيائي الذي أدار مشروع "مانهاتن"، أبو القنبلة الذرية الأميركية "روبرت أوبنهايمر"، لدوره الهام في قيادة مشروع "عماد AMAD" الإيراني، وإجرائه سلسلة من الأبحاث حول تطوير قنبلة نووية إيرانية.

وهو ثاني مهندس لإستراتيجية الردع والأمن القومي الإيرانية، يتم استهدافه، منذ الضربة الأميركية على مطار بغداد في 3 يناير 2020 والتي أدت إلى استشهاد مهندس إستراتيجية الردع الإيرانية الإقليمية قائد قوات القدس بالحرس الثوري "قاسم سليماني".

لعب "زاده" دوراً محورياً في الارتقاء بالقدرات الدفاعية لبلاده عبر التكنولوجيا النووية، التي نجح في الوصول بها إلى مستويات كبيرة، ونتاجاً لذلك أدرجته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية عام 2013 مع خمسة علماء إيرانيين كبار ضمن أقوى 500 شخصية عالمية، وفي 24 مارس 2007، أدرجه مجلس الأمن الدولي على قائمة العقوبات الأممية، ولطالما أرادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التحدث إليه في إطار تحقيقاتها في برنامج إيران النووي.

استشهد و6 من مرافقيه في 27 نوفمبر 2020، في منطقة "ابسرد" التابعة لمدينة "دماوند"، على بُعد 45 كيلو متر شرقي طهران، وفي 30 نوفمبر 2020 تحدثت وسائل إعلام إيرانية أن السلاح المستخدم في عملية الاغتيال صُنع في إسرائيل، وهي الاتهامات التي لم تنفها إسرائيل أو تؤكدها.

يأتي اغتياله وسط تجدد القلق من زيادة كمية اليورانيوم الذي تخصبه إيران، والذي يعتبر متطلباً لتوليد الطاقة النووية السلمية، وكذلك لإنتاج أسلحة نووية، رغم التأكيد الإيراني المستمر على أن برنامجها النووي يخدم أغراضاً سلمية فقط.

ورد اسم "زاده" في تصريحات رئيس وزراء الكيان الصهيوني "بنيامين نتنياهو" بوزارة الحرب الإسرائيلية عن البرنامج النووي الإيراني، في 20 أبريل 2018، وحثّ الناس على تذكُر "اسمه"، ليصبح العالم النووي الوحيد الذي فرض نفسه على ألسنة الحكومة الصهيونية.

وقالت وثائق ادعت إسرائيل أنها حصلت عليها في العام 2018، خلال عملية نفذتها لسرقة أرشيف إيران الذري السري، أن "زاده" أشرف على برنامج لإنتاج أسلحة نووية في إطار مشروع "عماد"، بينما قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن العمل في هذا المشروع توقف في العام 2003.

يُذكر بأن مشروع "عماد AMAD" تأسس العام 1989، وتؤكد جميع المؤشرات المعلنة من عمليات تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية على أن المشاريع التي تركز على تطوير الأسلحة النووية تظل خاملة إلى حد كبير، على الرغم من استمرار إيران في برنامجها النووي المتعلق بتخصيب اليورانيوم والطاقة النووية المدنية.

ورغم تسريع هذه الأنشطة منذ مايو 2019 – عندما أوقفت طهران التنفيذ الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة بعد انسحاب أميركا من الاتفاقية النووية في 8 مايو 2018 - فإن ذلك لم يشمل برنامجها للأسلحة، وتحديداً صناعة وتطوير الصواريخ.

وأكدت إيران أن جميع الخطوات التي اتخذتها منذ مايو 2019 قابلة للتراجع إذا دخلت أميركا الاتفاق مرة أخرى.

وكان الاتحاد الأوربي وأميركا والأمم المتحدة قد فرضوا في العام 2010 عقوبات قاسية جداً على طهران، بسبب تخوفهم من استخدام برنامجها النووي السلمي كغطاء لتطوير قنبلة نووية، كما وضع الاتفاق النووي في 2015، الذي توصلت إليه إيران مع أميركا وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا وألمانيا، قيوداً على أنشطة طهران النووية مقابل تخفيف العقوبات عليها.

وفي وقت سابق من نوفمبر 2020، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن لدى إيران الآن أكثر بمقدار 12 مرة من كمية اليورانيوم المخصب التي يُسمح بها بموجب الاتفاق النووي.

وفي غضون ذلك، تصاعدت التوترات بين أميركا وإيران، وبلغت ذروتها في يناير 2020 مع اغتيال واشنطن "قاسم سليماني".

 

لائحة الاتهام:

ثلاثة أطراف شاركت في تصفية علماء النووية الإيرانية، هي الكيان الصهيوني، والذي تولى مهمة التخطيط والتمويل ومحركه إعاقة البرنامج النووي والبرنامج الصاروخي الإيرانيين، وكبح جماح النفوذ الإقليمي الإيراني، وصولاً إلى فصل إيران عن محور المقاومة والممانعة، ثم يأتي الدور الأميركي في عملية التمويه والتغطية، وخاتمتها أدوات تنفيذ الجريمة والمتمثلة في منظمة "خلق" الإيرانية المعارضة والمتخذة من واشنطن مقراً لها، والمعروفة بعلاقتها الوطيدة مع الكيان الصهيوني منذ نشأتها.

 

1 – إسرائيل:

تبقى إسرائيل المشتبه به الرئيسي في كل عمليات الاغتيال لعدة أسباب، حيث لديها الخبرة والقدرة، وقد فعلت ذلك من قبل، ولديها الدافع لذلك.

يؤكد الكاتب والمؤرخ البريطاني "مايكل بيرلي" أن "عمليات اغتيال علماء النووية الإيرانية يمكن أن تُنسب إلى إسرائيل بناءً على مشاريعها السابقة، كعمليات اغتيال العلماء النازيين، وقتل جيرالد بول، وعمليات اغتيال عناصر من حزب الله وحماس، مثل عماد مغنية ويحيى عياش من قبل الشاباك".

وبدأ الموساد حملة اغتيالات ضد علماء إيرانيين كبار منذ سنوات بهدف عرقلة برنامج إيران النووي، على الرغم من انكار إسرائيل لذلك، وفقاً لتقرير الكاتب الصهيوني "دان رفيف" في صحيفة "هآرتس" العبرية.

وفيما يتعلق بـ"زاده" كأخر وأهم هدف للموساد يذكر الصحفي الإسرائيلي "يوسي مليمان"، في كتابه "جواسيس غير مثاليين"، أن "فخري زاده"، يعتبر "دماغ ومدير البرنامج النووي العسكري الإيراني"، وأن الموساد وشعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الصهيوني "أمان"، حاولوا مراراً في السابق تحديد موقعه، من أجل تصفيته، لكن فشلا.

ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز"، الأميركية في 27 نوفمبر 2020، عن ثلاثة من مسئولي المخابرات الأميركية، أن الموساد كان وراء اغتيال "زاده"، ناهيك تهديد "نتنياهو" العلني في العام 2018، باغتياله.

وكالة "رويترز" في تقرير لها، هي الأخرى رجحت مسؤولية الموساد عن اغتيال "زاده"، مستدلة بامتناع مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي عن التعليق على الهجوم، وهو الموقف ذاته الذي اتخذته وزارة الدفاع الأميركية، رغم أن "نتنياهو" كان قد أعلن في كلمة مسجلة له قبل أيام من عملية الاغتيال أنه سيستعرض بعض الإنجازات التي قام بها في الأسبوع السابق للجريمة، في وقت لاحق.

واكتفى وزير حرب الكيان الصهيوني "موشيه يعلون"، في مقابلة مع الصحيفة الألمانية "دير شبيغل"، بالتأكيد على وجوب إيقاف البرنامج النووي الإيراني، وعدم قبول إسرائيل تحت أي ظرف من الظروف أن تمتلك إيران سلاحاً نووياً: "إسرائيل ستستخدم كامل طاقتها لمنع إيران من إنتاج الأسلحة النووية".

وكشف موقع "ذا هيل" القريب من الكونغرس أن الكيان الصهيوني كان يستخدم في الماضي عملاء من خصوم النظام الإيراني للقيام بالمهمات القذرة، التي تشمل عمليات الاغتيال، ولكن من المرجح أن عملية اغتيال "زاده" كانت على يد إسرائيليين من داخل إيران، بسبب الاحتراف والتعقيد في هذه العملية.

وأكد الكاتب "سايمون هندرسون"، مدير برنامج "برنشتاين" لشؤون الخليج وسياسة الطاقة، عودة إسرائيل إلى سياسة الاغتيالات، التي كانت تنفذها بين عامي 2010 و2012 باغتيال علماء إيرانيين.

وقال أنها اضطرت لتعليق برنامج الاغتيالات بطلب من إدارة الرئيس الأميركي السابق "باراك أوباما"، حتى توافق إيران على أن تكون طرفاً في خطة العمل المشتركة "الاتفاق النووي"، وفي عام 2018 خرجت إدارة الرئيس "دونالد ترامب" من الاتفاق، وهي اليوم تحاول استغلال الأسابيع الأخيرة من ولاية "ترامب" لاتخاذ إجراءات ضد إيران، قد يكون من الصعب الإفلات من عواقبها في ظل إدارة الرئيس الأميركي الجديد "جو بايدن".

 

2 – أميركا:

في عهد إدارة "أوباما" نفت وزيرة الخارجية الأميركية "هيلاري كلينتون"، نفياً قاطعاً أي دور لبلادها في قتـل العلماء الإيرانيين.

وفي ذات السياق يرى الكاتب "تريتا فارسي"، أن عملية الاغتيالات لا تتطابق مع أساليب وكالة الاستخبارات الأميركية، لكن ربما حازت على دعم أميركي، فمن المعروف أن الرئيس الأميركي المنتهية ولايته "دونالد ترامب" قد فكر في مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية في مستهل شهر نوفمبر 2020، وهو ما أكدته أيضاً وكالة "رويترز" في إشارتها الى اتهام طهران للرئيس الأميركي "ترامب" بمبارك عملية القتل.

ورفض البيت الأبيض ووزارتا الدفاع والخارجية ووكالة المخابرات المركزية "سي آي أيه" التعليق على اغتيال "زاده"، لكن "ترامب" أعاد بالفعل نشر عدة تقارير تسلط الضوء على الاغتيال.

ومن غير المرجح أن تكون إسرائيل قد نفذت الاغتيال دون الحصول على ضوء أخضر من إدارة "ترامب"، لذا لا يمكن استبعاد دور أميركي أكثر مباشرة، خصوصاً وأن إدارة "ترامب" سبق لها وأن أجرت عدة عمليات تخريبية مشتركة مع إسرائيل ضد المنشآت النووية الإيرانية في العام 2019، واعتمدت جزئياً على المخابرات الإسرائيلية في اغتيال الجنرال "قاسم سليماني".

وفي وقت سابق من شهر نوفمبر 2020، تحدث "ترامب" مع كبار مستشاريه للأمن القومي عن احتمال مهاجمة إيران، في وقت كان فيه وزير خارجيته "مايك بومبيو"، يلتقي برئيس الوزراء الإسرائيلي وقادة في دول لديها خصومة مع إيران في الخليج العربي، ولا سيما السعودية والإمارات، بالتوازي مع تأكيد تقارير غربية ثني مساعدي "ترامب" عن توجيه ضربة عسكرية لإيران في اللحظات الأخيرة، ما يعني أن اغتيال "زاده" قد يكون أحد الخيارات أمام "ترامب" للرد على التعزيز النووي الأخير، قبل انتقال الرئاسة الأميركية للرئيس المنتخب "جو بايدن" والمعروف بتأييده للاتفاق النووي مع إيران.

وتسعى إدارة "ترامب" من هكذا خطوة إلى تسريع ما يسمى بحملة "أقصى ضغط" قبل رحيلها، بدلالة توقيت اغتيال "زاده" بعد أسبوعين فقط من طلب "ترامب" خيارات عسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني، في أعقاب التقرير الفصلي الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية عن إيران.

كما تشير سرعة إعادة "ترامب" تغريد المنشورات التي أبلغت عن الحادث، إلى مستوى معين من تورط بلاده أو معرفتها أو دعمها.

ومن المرجح أن يكون اغتيال "زاده" محاولة أخيرة لإغراء طهران بالانتقام وإحباط أي دبلوماسية مستقبلية بين أميركا وإيران.

 

3 – مجاهدي خلق:

اتهم مسئولان في إدارة الرئيس الأميركي السابق "باراك أوباما" منظمة "مجاهدي خلق" بتنفيذ الاغتيالات بالتنسيق مع الموساد، في حين تنفي المنظمة أي تورط مع إسرائيل.

واستخدمت إسرائيل في الماضي عملاء من هذه المنظمة للقيام بهجمات في إيران، وهي أول منظمة إرهابية نفذت عمليات اغتيال انتحارية داخل إيران، خدمة لأسيادها في تل أبيب والبيت الأسود.

 

تداعيات متدحرجة:

يعتقد الصهاينة، ومن ورائهم راعي البقر "ترامب" بأن اغتيال قامة علمية بحجم العالم النووي الإيراني "محسن زاده"، سيكون له وقع الزلزال على إيران ومن ورائها محور المقاومة والممانعة، وهو اعتقاد خاطئ وواهم، لأن تصفيته بحسب التقديرات الإستراتيجية الغربية سيكون له تأثير رمزي فقط، على أنشطة إيران النووية الحالية، لكن إذا سعت للعودة إلى برنامج أسلحة أكثر نضجاً، فسوف تفتقد خبرته القيّمة.

بمعنى أوضح، إيران فقدت شخص "زاده" لا إرثه المعرفي والعلمي، لذا يرى الرئيس الإيراني، "حسن روحاني"، أن اغتيال "زاده"، "لن يُبَطِئ برنامج إيران النووي"، بل على العكس سيؤدي إلى تسريع وتيرة الأنشطة النووية الإيرانية، مؤكداً أن بلاده سترد "في الوقت المناسب"، لكن مقتل "زاده"، "لن يدفع إيران إلى اتخاذ قرارات متسرعة".

وعموماً لا يمكن قراءة اغتيال زاده بعيداً عن العملية التدميرية التي استهدفت صالة تجميع أجهزة الطرد المركزي بمنشأة "نطنز" النووية، في 2 يوليو 2020، ومن المحتمل أن يكون تأثير استهداف منشأة "نطنز"، على البرنامج النووي الإيراني أكبر من اغتيال "زاده"، لأن الانفجار دمر منشأة جديدة لتجميع أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، كانت إيران تبنيها كجزء من ردها على مغادرة واشنطن خطة العمل الشاملة المشتركة في 8 مايو 2018، ومن ذلك الحين تعيّن على إيران الشروع في بناء واحدة جديدة تحت الأرض، بالقرب من "نطنز".

إذن فنحن أمام استهداف نوعي وممنهج لطهران، لا يقل خطورةً، ولا أهمية عن الاستهداف العسكري والاقتصادي، الذي يتجاوز حاجز التفوق النووي إلى تقزيم الدور الإقليمي للجمهورية الإسلامية في إيران.

اغتيال "زاده" أثار العديد من التساؤلات، حول التداعيات المترتبة عليه والسيناريوهات المحتملة، بالتوازي مع تزايد المخاوف من اتجاه المنطقة إلى مزيد من الحرائق، في ظل الاستقطاب الحاد بين محور التطبيع والانبطاح ومحور المقاومة والممانعة، وما رافقه من كوارث "ترامبية"، ستحتاج إدارة الديمقراطي "بايدن" سنوات، لإخمادها، ولا أحسبها ستفعل، لأن منطوق تصريحاته في العقود الثلاثة الماضية تؤكد بأنه صهيوني أكثر من الصهاينة، وهذا حال كل ساكني البيت الأسود، ولا جديد في ذلك باستثناء زيادة سفور وفجور صهاينة العرب.

أميركا الديمقراطيين اعتبرت على لسان الرئيس السابق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية "جون برينان"، اغتيال "زاده" عمل "إجرامي" و"طائش للغاية" ويهدد بإشعال الصراع في المنطقة، مُبدياً تمنياته بأن تكون الحكومة الإيرانية "حكيمة" لتجنب الانتقام، وانتظار تسلم الساحر "جو بايدن" مقاليد الحكم في بلاده.

في الاغتيالات التي طالت أربعة من علماء البرنامج النووي الإيراني خلال الفترة "2010 – 2012"، سارعت إدارة الديمقراطي "باراك أوباما" إلى إدانتها، لأنها كانت تعلم أن جرائم القتل لن تؤدي إلى انتكاسة كبيرة لبرنامج إيران النووي، بقدر ما ستؤدي إلى تقويض أي جهد، للتفاوض على اتفاق للحد منه.

وبافتراض مسؤولية إسرائيل وتورط إدارة "ترامب" في استفزازات إسرائيلية إضافية، نجد أنفسنا الآن في وضع مشابه، ولكن ربما يكون أكثر خطورة خلال الشهرين المقبلين، خاصة إذا فشل "بايدن" وفريقه للسياسة الخارجية في إيصال رسالة شديدة اللهجة لإسرائيل، بأنها ستتحمل وحدها التكاليف، إذا استمرت في شن هجمات داخل إيران خلال الفترة الانتقالية الحالية.

 

أهداف شيطانية:

يسعى الكيان الصهيوني وإدارة "ترامب" ومعهم صهاينة العرب في السعودية والإمارات، من وراء اغتيال علماء إيران، وتوتير العلاقة مع هذا البلد المسلم الحر، وزيادة الضغوطات والعقوبات عليه، إلى تحقيق رزمة من الأهداف الصهيونية الهوى والهوية، منها ما هو بعيد المدى ومنها ما هو آني ومرحلي.

1 – إنهاء النفوذ الإيراني الإقليمي أو الحد منه: رغم الضغوط الاقتصادية الذي تعيشها إيران، جراء العقوبات الأميركية المتلاحقة عليها منذ انسحاب "ترامب" من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018، إلا أن طهران ما زالت ترفض الانصياع للمطالب الأميركية، ما دفع إدارة "ترامب" في عامها الأخير إلى تطعيم سياسة "الضغط الأقصى" بعمليات عسكرية وأمنية، للحد من النفوذ الإيراني المباشر قبل نفاد الوقت، كما في عملية اغتيال "قاسم سليماني" ونائب قائد الحشد الشعبي العراقي "أبو مهدي المهندس".

كما عملت إسرائيل على تكثيف عملياتها العسكرية في سورية والعرق، استغلالاً للفترة المتبقية لولاية "ترامب"، لتسجيل نقاط كبيرة، فيما يرتبط بالحد من التواجد والنفوذ الإيرانيين في سورية والعراق.

2 - كبح أو عرقلة أو تبطيئ التقدم الإيراني في البرنامج النووي: لم ينفصل انفجار منشأة "نطنز" النووية عن سياق الأهداف الأميركية والإسرائيلية المطلوبة في إطاره، فالانفجار، بحسب المتحدث باسم هيئة الطاقة النووية الإيرانية "بهروز كمالوندي"، أدّى إلى إبطاء تطوير وإنتاج أجهزة طرد مركزي متطوّرة على المدى المتوسط.

3 – إيقاف البرنامج الصاروخي: مع بدء العدّ التنازلي لانتهاء ولاية "ترامب"، وفي ظل المؤشرات القادمة إلى نهج مختلف ستتبعه إدارة الرئيس المنتخب "بايدن" مع طهران، استنفرت إسرائيل طاقاتها للاستفادة من هامش الوقت الذي يسبق تسلُّم "بايدن" مهماته رسمياً في 20 يناير 2021، لتوجيه ضربة لإيران في ملف البرنامج الصاروخي، لذا قررت تصفية "زاده"، المسئول عن تحضير إيران لصواريخ نووية، حد زعم الكيان الصهيوني.

وإجمالاً يسعى الكيان الصهيوني من وراء اغتيال "زاده" إلى خلط الأوراق، أملاً في:

1 - استفزاز إيران تمهيداً لتوجيه ضربة نووية لها: وهو ما أشار إليه خبير الشرق الأوسط والباحث المختص في العلاقات الأميركية الإيرانية "شتيفان كينسلر"، في تغريدة له على "تويتر"، واتخاذ أي رد إيراني متسرع ذريعة لشن حرب ضدها، ووقف أي حلول دبلوماسية معها بشأن برنامجها النووي، وهو ما يذهب إليه الدبلوماسي السابق "مارك فيتسباتريك"، والذي كان مسئولاً عن مكافحة انتشار الأسلحة النووية في وزارة الخارجية الأميركية.

2 – الإبقاء على منسوب التوتر القائم بين طهران وواشنطن بعد قدوم الإدارة الأميركية الجديدة، وتعقيد أي مفاوضات مستقبلية بين إيران وأميركا حول الملف النووي الإيراني، والحيلولة دون عودة إدارة "بايدن" إلى الاتفاق النووي مع إيران، بما يحول دون خفضها، وتراجع "الضغوط القصوى" الأميركية، التي بدأها "ترامب" كإستراتيجية شاملة في مواجهة إيران، بعد الانسحاب من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018.

 وهو ما يُصَعِّب المهمة أمام "بايدن" في التعامل مع هذا الملف الذي بات محفوفاً بالمخاطر، عقب استهداف شخصية بحجم "زاده"، بعد أقل من عام على تصفية أحد أبرز العقول العسكرية القوية في الجيش الإيراني "سليماني".

ومن المرجح تسريع إسرائيل عملياتها السرية ضد البرنامج النووي الإيراني في الفترة المتبقية من ولاية "ترامب"، وأثناء إدارة "بايدن" المقبلة، في محاولة لجعل المفاوضات الأميركية الإيرانية المحتملة أكثر صعوبة.

في المواقف تعتقد مجلة "ستراتفور" الأميركية أن اغتيال "زاده" لن يؤثر مادياً على برنامج إيران النووي، لكن اغتياله مؤشر هام على أن الولايات المتحدة وإسرائيل تُسَرِّعان إستراتيجيتهما السرية ضد إيران في الأيام الأخيرة لإدارة "ترامب".

وعموماً، فالاغتيال بحسب "روبرت مالي" مستشار "أوباما" في الملف الإيراني والمستشار غير الرسمي لفريق "بايدن": يأتي في إطار سلسلة من التحركات التي تمت خلال الأسابيع النهائية في ولاية "ترامب"، وتهدف إلى زيادة صعوبة مهمة "بايدن"، المتعلقة بإعادة التواصل مع إيران.

 

سيناريوهات مفتوحة:

شبح الحرب:

يراهن التحالف "الصهيوني الترمبي السعودي الإماراتي"، على بدء إيران بشن هجوم ضد إسرائيل، ويوظف كل إمكانياته من أجل إشعال صراع أوسع يجذب أميركا، ما يؤدي إلى مواجهة بين أميركا وإيران، كان "نتنياهو" يسعى إليها منذ فترة طويلة، وهي أكثر إلحاحاً الآن، بعد أن تعرض "ترامب" للهزيمة أمام "بايدن"، وتزايد المخاوف من إمكانية انغلاق الفرص المتاحة للحرب.

ويخشى هذا التحالف الشيطاني، من أن تؤدي عملية اغتيال "زاده"، وغيرها من الهجمات والاغتيالات الصهيونية المستقبلية المحتملة، واحتمالية حدوث أي تحول في تعاطي إدارة "بايدن" مع الملف الإيراني، إلى تقوية موقف إيران وتضائل فرص انفتاحها على أي مفاوضات حول ملفات الاشتباك الثلاثة – النووي والصاروخي والنفوذ الإقليمي.

ولذا يحاول رئيس الوزراء الصهيوني بدعم مطلق من الرياض وأبو ظبي استغلال الفترة المتبقية من ولاية "ترامب" لفعل كل ما في وسعه لإنقاذ سياسة "الضغط القصوى"، ويساعده "ترامب" في ذلك من خلال إصدار عقوبات جديدة ضد طهران، والقوى الإقليمية القريبة منها، ولا يستبعد المراقبون أن تذهب حكومة "ترامب" إلى أبعد من ذلك، بهدف إفساد فرص "بايدن" في استئناف الدبلوماسية مع إيران، بدعوى أنّ إيران لا تزال تعمل على صنع قنبلة نووية، وجر أميركا "بايدن" إلى الحرب دون خوف من العقاب.

فـ"نتنياهو" غير مستعد لتأييد مسار أكثر اعتدالاً تجاه طهران، قد تسعى إليه إدارة "بايدن"، وهو منذ سنوات، يعتبر نفسه في مهمة تلمودية مقدسة لردع إيران، ولهذا السبب، يبذل كل ما في وسعه لمنعها من صنع قنبلة نووية، وحتى في ظل ولاية "بايدن"، من غير المرجح أن يتغير شيء في هذا الشأن، حيث تقوم إسرائيل عادةً بفعل ما تراه ضرورياً لضمان أمنها القومي.

 

التمهل والانتظار:

تُفَضِل إيران دوماً استخدام سياسة "الصبر الاستراتيجي"، بمعنى التهدئة والانتظار إلى حين تسلم الرئيس الأميركي الجديد "بايدن" مقاليد الحكم في بلاده في 20 يناير 2021، للتعامل معه، من أجل التوصل لاتفاق أميركي إيراني جديد حول الملف النووي، يُعِيد الحياة إلى اتفاق 2015، بعد عامين من انسحاب واشنطن منه، لكن هذا الخيار محفوفٌ بالكثير من المخاطر، ودونه حقل طويل من الألغام السياسية.

وهناك آمال كبيرة في أوساط دُعاة السلام والتعايش، في أن يتبع "بايدن" سياسة تحفز إيران لانتهاج المسار الدبلوماسي، خصوصاً بعد اعترافه العلني في حوارٍ مع شبكة "سي إن إن"، بتاريخ 4 ديسمبر 2020، تعقيد سياسة "ترامب" جهود منع إيران من امتلاك سلاح نووي: "ما فعله ترامب هو دفع الإيرانيين لزيادة قدرتهم على امتلاك مواد نووية"، متعهداً بعودة واشنطن للالتزام بالاتفاق النووي لعام 2015، إذا التزمت به إيران.

مرشحه لمنصب مساعد الرئيس لشؤون الأمن القومي "جاك سوليفان"، في مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال" بتاريخ 7 ديسمبر 2020، هو الأخر يرى أن العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة بشأن برنامج إيران النووي، "ممكنة"، و"قابلة للتحقيق": سترسخ عودة الولايات المتحدة إلى قائمة المشاركين في الاتفاق النووي، ورفع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة "دونالد ترامب" ضد طهران، الأساس لـ "مفاوضات لاحقة" حول مسائل أوسع.

بمجرد تسلم "بايدن" الرئاسة سيتعين عليه التحرك بسرعة فائقة، للعودة إلى آليات الاتفاق النووي، إن كان كما يزعم يريد التسريع بإبعاد إيران نوعاً ما عن امتلاك قنبلة نووية كبيرة، وكبح البرنامج الصاروخي الإيراني الذي لا يشمله الاتفاق النووي، والحد من التدخلات الإيرانية في الشرق الأوسط، وهي نفس أهداف الكيان الصهيوني.

وترجح مجلة "ستراتفور" الأميركية توجه إدارة "بايدن"، للتفاوض مع إيران، للتوصل إلى اتفاق أولي بشأن "الامتثال مقابل الامتثال'' في أوائل عام 2021 لتجنب حدوث أزمة، لكن يظل التصعيد محتملاً، إذا لم يتمكن "بايدن" من الدخول بسرعة في المحادثات، وتقديم تنازلات.

وفي حال قررت إدارة "بايدن" فتح محادثات مع إيران، فستكون أمام معضلتين:

1 – مواجهة ضغط كبير من الحزب الجمهوري، الذي سيرغب في الحفاظ على الإشراف، على أي نوع من تخفيف العقوبات، مثل قانون المراجعة فيما يتعلق بخطة العمل الشاملة المشتركة، حتى لا يتم التفاوض مع إيران تحت ضغط.

وسيكون هناك خلاف حتى حول اتفاقية تجعل إيران تدخل من جديد في خطة العمل الشاملة المشتركة، لأن صقور واشنطن يريدون استخدام نفوذ العقوبات لانتزاع تنازلات أخرى، مثل برنامج إيران الصاروخي ودعم الوكلاء الإقليميين، حيث أصبحت هذه القضايا أكثر أهمية في نظرهم بسبب استخدام إيران الموسع لتلك الإستراتيجية على مدى السنوات الخمس الماضية.

2 – الرفض الإيراني للخوض في مفاوضات حول ملف الصواريخ، وإبداء الاستعداد للمفاوضات حول الملف النووي فقط، شريطة عودة واشنطن الى الاتفاق النووي، ورفع العقوبات المفروضة على إيران دون شروط، وتعويضها عما تكبدته منذ العام 2018، جراء إخلال واشنطن بالاتفاق النووي.

 

الرد المتحفظ:

تذهب التوقعات الى أنه في حال كان هناك توتر بين "نتنياهو" و"بايدن" ما بعد 20 يناير 2021، فهذا قد يُمكِّن إيران من القيام بعمليات محدودة ضد إسرائيل، للرد على اغتيال "زاده"، لكن مع ضمان ألا تؤدي الى إشعال حرب مفتوحة، لا يبدو أن أحداً مستعداً لها.

الانتقام الإيراني من إسرائيل على اغتيال "زاده" لن يكون محدوداً جغرافياً بالضرورة، وقد يأتي بعد شهور أو حتى سنوات، كما رأينا في سلسلة الاغتيالات التي طالت علماء إيران النوويين خلال الفترة "2010 - 2012"، جاء على شكل هجمات على دبلوماسيين إسرائيليين في جورجيا والهند وتايلاند في العام 2012، بعد عامين تقريباً من الاغتيال الأول وهجوم "ستوكسنت" على برنامج إيران النووي، وتشمل الخيارات الإيرانية المحتملة:

1 - الهجوم على الدبلوماسيين والسفارات الإسرائيلية في الخارج.

2 - استهداف المصالح الإسرائيلية في دول الخليج العربي.

3 – القيام بعمليات "سيبرانية" كبيرة ضد إسرائيل، وهذا يشمل "تجنيد عناصر داخلية، في تل أبيب"، كما حدث في العام 2019، عندما اتهم الكيان الصهيوني وزير الطاقة السابق "غونين سيغيف" بالتخابر لصالح إيران.

4 - الهجمات الصاروخية بما في ذلك صواريخ حلفاء إيران في أماكن مثل لبنان وسورية وفلسطين والعراق واليمن.

عملياً، أصدرت طهران عدة قرارات كمرحلة أولية للرد على اغتيال "زاده"، تمثلت في:

1 - التهديد بإنهاء التعامل مع الوكالة الدولية، وإخراج جميع مفتشيها، والانسحاب من الاتفاق النووي.

2 - إقرار مجلس الأمن القومي الإيراني في 5 ديسمبر 2020 مشروع قانون "الإجراءات الإستراتيجية لإلغاء العقوبات وحماية مصالح الأمة الإيرانية"، القاضي بتحرير طهران من التزاماتها النووية، وتسريع الأنشطة النووية، رفع نسبة تخصيب اليورانيوم الى 20 %، وزيادة مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب.

وتتعارض النسبة المعلنة مع الاتفاق النووي لعام 2015، والذي لا يسمح لطهران بتخصيب اليورانيوم بنسبة تفوق 3.67 %، وحتى الآن لم تتجاوز نسبة التخصيب 4.5 %، بزيادة بسيطة.

ومن المتوقع أن يؤدي تركيب أجهزة الطرد المركزي الأكثر تقدماً إلى زيادة القدرة الإنتاجية لبرنامج التخصيب، بعد أن كان المسموح لإيران بموجب اتفاق 2015، استخدام أجهزة طرد مركزي قديمة من الجيل الأول، ذات قدرات محدودة فقط.

وسيكون إنتاج معدن اليورانيوم، بحسب توقعات مجلة "ستراتفور" الأميركية، مقلقاً أيضاً، لأن التطبيق الرئيسي لمعدن اليورانيوم يكمن في الرؤوس الحربية النووية، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت إيران ستعيد تشغيل جانب الأسلحة في برنامجها النووي، الذي كان يترأسه "زاده"، والذي تم تعليقه إلى حد كبير وفق كل المعلومات المعلنة لما يقرب من عقدين.

كما سيؤدي تعليق "البروتوكول الإضافي للاتفاق النووي" إلى عدم قدرة أميركا وأوربا على مراقبة كل هذه التطورات، مما يجعل الوضع يذكرنا بعامي 2011 و2012، عندما كان الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية احتمالاً واقعياً للغاية، قبل أن تبدأ المحادثات بين إيران وأميركا.

ومن المستبعد إعلان إيران رسمياً الانسحاب من الاتفاق النووي، لأنها خارج الاتفاق بشكل ضمني منذ العام 2019، واللجوء إلى هكذا خطوة حالياً، سيؤدي إلى خسارة كل الجهود الأوربية والروسية والصينية التي تقدم لها دعماً شكلياً وإعلامياً وسياسياً.

ودأبت إيران على تحويل مفاعل "أراك" للمياه الثقيلة إلى مفاعل يعمل بالماء الخفيف بموجب الاتفاق النووي، لكن التراجع عن ذلك من شأنه إثارة قلق الغرب، لأن التصميم الأصلي يمكنه إنتاج "البلوتونيوم" كمنتج ثانوي، وهو ما يمكن استخدامه في سلاح نووي.

ووفقاً لقانون "إلغاء العقوبات"، ستنسحب إيران أيضاً من "البروتوكول الإضافي"، إذا فشلت أطراف الاتفاق في اتخاذ خطوات حول عودة العلاقات المصرفية الإيرانية وصادرات النفط إلى طبيعتها في غضون شهرين.

كما يسعى لمنع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الوصول إلى المواقع النووية الإيرانية في حالة عدم تلبية المحادثات للتوقعات الإيرانية.

ومع ذلك، فإن الغموض في القانون والخيارات السياسية المتاحة للمجلس الأعلى للأمن القومي ومرشد الثورة الإسلامية السيد "علي خامنئي"، يشير إلى أن طهران ستختار كيفية ممارسة أحكام القانون، اعتماداً على مدى التقدم مع أميركا وأوربا بشأن مأزق العقوبات.

لكن في حال تم تنفيذ قانون "إلغاء العقوبات" بالكامل قبل 20 يناير 2021، فسيضع الملف النووي الإيراني على أعتاب أزمة في غضون المائة يوم الأولى من إدارة "بايدن"، لأن التحركات التي تتخذها إيران بموجب القانون، ستهدف إلى الحد بشكل كبير من عوائق الاختراق النووي الإيراني، وهو الوقت الذي ستستغرقه إيران لإنتاج ما يكفي من المواد الحربية من أجل سلاح واحد، وفي هذه الحالة قد يوقع "ترامب" أيضاً على توجيه ضربة استباقية ضد منشأة إيرانية مثل "أصفهان" أو "نطنز" أو "فوردو" لوقف ذلك.

 

المراجع:

1 - تريتا بارسي، شبح الحرب.. ماذا بعد اغتيال العالم النووي الإيراني فخري زادة؟، مجلة ريسبونسيبل ستيت كرافت الأميركية، ترجمة الخليج الجديد، 28 نوفمبر 2020

2- زكريا أبو سليسل، إسرائيل في الوقت الضائع: اعتداء أمني في طهران، الأخبار اللبنانية، 28 نوفمبر 2020

3 - د. عدنان منصور، اغتيال إسرائيل للعلماء النوويّين الإيرانيّين ليس مفاجأة.. فأين الحماية، البناء اللبنانية، 28 نوفمبر 2020

4 - عماد عنان، اغتيال فخري زاده.. 3 أهداف ورسالة وشكوك بشأن الرد الإيراني، نون بوست، 28 نوفمبر 2020

5 - محمد محسن أبو النور، 3 سيناريوهات متوقعة لرد إيران على اغتيال زاده، سبوتنيك عربي، 30 نوفمبر 2020

6 - فرح الزمان شوقي، اغتيال علماء الذرة.. حرب إسرائيل المستمرة ضد إيران، العربي الجديد، 19 مايو 2015

7 - أورينت نت، ماذا يعني اغتيال كبير علماء إيران النوويين في المواجهة مع أميركا وإسرائيل؟، 28 نوفمبر 2020

8 - الخليج الجديد، مجلس الأمن القومي بإيران يقر قانونا يلغي الالتزامات النووية، 5 ديسمبر 2020

9 - الشارع السياسي المصري، اغتيال العالم النووي الإيراني "محسن زاده" – الرسائل والتداعيات وسيناريوهات المستقبل، 3 ديسمبر 2020

10 - القدس العربي، موقع ذا هيل: تفاصيل جديدة في عملية الاغتيال الإسرائيلية للعالم النووي الإيراني، 27 نوفمبر 2020

11 - الموسوعة الدولية الحرة "ويكيبيديا"، اغتيال العلماء النوويين الإيرانيين.

12 - بي بي سي البريطانية، اغتيال محسن فخري زادة: إيران تتهم إسرائيل متوعدة برد "كالرعد في الوقت المناسب"، 28 نوفمبر 2020

13 - روسيا اليوم، مساعد بايدن: من الممكن عودة واشنطن للاتفاق النووي مع إيران، 8 ديسمبر2020

14 - مجلة ستراتفور الأميركية: كيف سترد إيران على اغتيال فخري زاده؟، 28 نوفمبر 2020

وكذا: تفعيل إيران للقانون النووي الجديد يهدد بضربة عسكرية من ترامب، ترجمة الخليج الجديد، 6 ديسمبر 2020

15 - نيويورك تايمز، الموساد وراء اغتيال فخري زاده بطهران، ترجمة الخليج الجديد، 27 نوفمبر 2020

16 - يورونيوز، اغتيالات استهدفت علماء نوويين إيرانيين والاتهام لإسرائيل دائم، 28 نوفمبر 2020

الأحد، 13 ديسمبر 2020

تغاريد حرة يكتبها زيد المحبشي

 * بوابة التطبيع السحرية

من معه مشكلة سار يطبع مع إسرائيل .. فجأة أصبح الكاهن نتن ياهو عفريت المصباح السحري .. 

كوسوفا تبحث عن اعتراف صربيا فطرقت بوابة التطبيع السحرية ..

المغرب تبحث عن اعتراف اميركا واسرائيل بسيادتها على الصحراء الغربية التي ليس لها أي حق تاريخي فيها فطرقت بوابة التطبيع السحرية ..

البحرين تبحث عن غطاء دولي لشرعنت جرائمها ضد مواطنيها فطرقت بوابة التطبيع السحرية ..

الإمارات تبحث عن شرعنت تمددها في موانئ وجزر اليمن والقرن الافريقي فطرقت بوابة التطبيع السحرية ..

السودان تبحث عن رضا ترامب لشطبها من قائمة الإرهاب فطرقت بوابة التطبيع السحرية ..

السلطة الفلسطينية تبحث عن التمويل فلم يكن أمامها سوى دعك المصباح السحري ..

السعودية تبحث عن مغسلة دولية لتطهير جرائمها في اليمن وحمايتها من الحوثي فلم تجد أمامها سوى بوابة التطبيع السحرية وإعلان ذلك رسميا ستكون هدية ترامب للكاهن نتن ياهو قبل مغادرة بوابة البيت الأسود

.. فهل سيحقق عفريت المصباح السحري أحلامهم؟؟

.. #سؤال #افتراضي 

هل يجب على موظفي المؤسسات الحكومية غير الايرادية التابعة لدولة صنعاء دعك الفانوس السحري من أجل مساواتهم بموظفي مؤسسات الحركة وموظفي المؤسسات الحكومية الايرادية وإلغاء عدالة المنارة المقلوبة؟؟؟

* كنا يا أحفادي في العهد الجاهلي نستبشر بقدوم شهر ديسمبر خيرا، ففيه يغاث الناس ويصترفون، لأن سلطات ذلك العصر الكالح تصرف مرتبات موظفيها في العشرين منه، استعدادا لاغلاق البنك المركزي الجاهلي بمدينة سام بن نوح أبوابه من اجل الجرد السنوي في العشره الايام الاخيرة من كل شهر ديسمبر ..

اما اليوم يا احفادي: فعهدكم الزاهر لم يعد فيه رواتب، ولا بنك مركزي، ولا عملة، ولا اقتصاد، ولا دولة، ولا حياة، ولا ضمير، ولا إنسانية .. ولم يتبقى لكم من نفح الجاهلية سوى الجرد والجرد فقط

* دورة الصراع في اليمن تاريخيا تستهلك من 30 إلى 40 سنة يعقبها هدوء نسبي أشبه باستراحة محارب تتراوح فترته ما بين 30 و70 سنة لتعاود دورة الصراع كرتها وهكذا دواليك وهي السمة الغالبة على مدى 5000 سنة .. وقد مضى من الدورة الحالية 10 سنوات نسأل الله اللطف فيما تبقى

* ما بعد الموت حياة ابدية ومن مات قامت قيامته وتحدد مصيره ولا صحة لوجود حياة برزخية لتنافي ذلك مع الحياة الاخروية الأبدية .. وكذا الحال بالنسبة لعذاب القبر وانما هو عذاب واحد يوم القيامة بالآخرة لما في ذلك من ظلم لا يليق بالله سبحان وهو العدل أن يجمع على عباده عذابين في القبر وبعد العرض والنشور

الخميس، 19 نوفمبر 2020

الفساد في خبابير جدتي

كتب زيد المحبشي

* قالت جدتي رحمة الله عليها: حكامكم يا أولادي لم يدخروا جهدا في اتخاذ ما يجب من الخطوات الاسعافية لحماية وإنعاش اقتصاد الطيرمانات على حساب اقتصاد الشعب المتهالك وبطريقة ديمقراطية وشفافة بعيدا عن مجلس النوام وبعد ان تأكد لديهم بالدليل القاطع وبالاستفادة من خبرة من سبقهم من حكام البلاد أن أغلب الشعب يسبح في بحر من حلبة الأمية ويسهل استغفاله .. 

حكامكم يا أولادي يرتعدون خوفا من محاكمة مافيا عصابات الطيرمانات المنفلتة وهوامير الفساد المتغولة في المؤسسات والوزارات الذين يسرقون الزكاة وينهبون المال العام ويتاجرون بأقوات ومعاناة الناس ويعبثون بموارد البلاد لذا قرروا ردعهم بتجويع الشعب وإلغاء نصف الراتب المقرر منحه كصدقة لموظفي المؤسسات الحكومية غير الإرادية كل أربعة أشهر بعد أن تبين لهم بالدليل القاطع أنه يمثل أكبر بؤرة للفساد، ويستثنى من ذلك قطعاً لزوبعت الذين إعتادوا الإصطياد في المياه العكرة 10 مؤسسات إيرادية والوزراء ونوابه والوكلاء ورؤساء المؤسسات ونوابهم وأعضاء البرلمان والشورى والمجالس الإستشارية بمختلف مسمياتها والمطبلين والمزمرين وحملة المباخر، وكل ذلك من أجل ردع عصابات الطيرمانات وهوامير الفساد، لعلهم يعودوا الى رشدهم ويتقوا الله في شعبهم .. 

حكامكم يا أولادي رفعا للعتب اكتفوا بمنح الشعب وعود وهمية تخديرية بوجوب محاربة الفساد والمفسدين ولكن بالتدريج المريح والفسيح نظرا لتراكمات أموال الشعب في كروشهم ومراعاة لحساسية وخطورة المرحلة التي تمر بها البلاد وما فيها من مؤامرات مستمرة وتآمر اقتصادي لا زالت مداميكه قائمة على القرداعي ..

وعليه فالرجاء عدم اثارة الشغب ضد فساد حكامكم المطيرمين وهوامير حكومتكم المطيرفين عبر النقد الغير مسؤول وعليكم أن تتحلوا بالمزيد من الصبر على فسادهم الى أن تأتي صاعقة من السماء تخارج الشعب منهم أو تخارجهم من الشعب أو يتوضع الجميع سوى سوى ويتذوق الجميع طعم المعاناة بلا تمييز ويشبع الشعب جوعا

* قالت جدتي رحمة الله عليها: في الحرب يا أولادي تقتضي الحكمة تضييق قائمة الخصوم والأعداء والابتعاد عن كل ما من شأنه إثارة الفتنة والشقاق والنعرات والاحقاد الداخلية بتلاوينها وأنسنة الأقوال والأفعال والسلوكيات والقرارات والرفق بالناس واحترام عقولهم واقامة سنن العدل والحكم بين الناس بالسوية والاهتمام بالفقراء والمساكين وذوي الحاجة وعدم التلاعب بأقوات وأرزاق الناس وعدم تقديم أو تفضيل جماعة من الناس في العطاء والمزايا دون سائر الشعب ومعايشة هموم وآلام البسطاء والتعاطي معها بإيجابية بعيدا عن التعالي والمن والابتعاد عن عبارات التخوين والعمالة لمن هم معكم في نفس الخندق يعانون كما تعانون ويضحون كما تضحون لمجرد اختلافهم معكم في الرأي والفكر والابتعاد عن الألفاظ النابية والفظة في توصيف خصومكم فالحرب أخلاق  قبل أن تكون مواجهة والابتعاد عن الأمراض التاريخية لأنكم ستكونون أول المكتوين بنارها .. وو

الخميس، 12 نوفمبر 2020

ما وراء الهجوم الغربي المتكرر على الاسلام ونبيه؟

زيد يحيى المحبشي، مركز البحوث والمعلومات: 13 نوفمبر 2020
"لا تلوموني على حبي لرسول الإسلام، حبي وشغفي
بالإسلام ورسوله بلا حدود، حتى إن البعض يقول إنني أُخفي إسلامي، وأنا أقول مقولة شاعر هندوسي: "قد أكون كافراً أو مؤمناً، فهذا شيءٌ علمهُ عند الله وحده، ولكني أود أن اُنذِر نفسي كمُحب مُخلِّص لسيد المدينة العظيم محمد رسول الله"، فلماذا تلومونني على حبي ودفاعي عن رسول الإسلام؟، في حين لم يتعرض شخص في التاريخ للظلم الذي تعرض له "محمد" في الغرب!.
فأساطير القرون الوسطى اتهمته بأنه كان "كاردينالاً" استاء لعدم تعيينه بابا في الكنيسة، فانفصل عنها وأسس ديانة جديدة، واتهمته رواية فرنسية بأنه شارك مع شخصين آخرين في تكوين نوع من "الثالوث" الشيطاني!، وجريمة لا تغتفر في حق "محمد" ارتكبها الأدباء الإنجليز، حولّوا اسم "محمدٍ" ليكون "مرادفاً" للشيطان!، وحول الأدب الألماني اسم "محمد" إلى "ماحوم"، واتهموا المسلمين بأنهم يعبدون "أصناماً" ذهبية لـ"ماحوم".
للأسف فإن مثل هذه الصور الشنيعة راسخةً في اللاوعي الجماعي للغرب، وهو ما يفسر العداء الغربي للإسلام، أليس هذا الظلم دافعاً لي لتوضيح حقيقة رسول الإسلام، والدفاع عنه، حتى لو كلفني ذلك حياتي، فإن الساكت عن الحق شيطان اخرس؟!".
لم تكن هذه الصورة السوداوية للإسلام ونبيه التي أجلتها المستشرقة الألمانية الأديبة "آنا ماري شيمل" سوى خطوط عريضة للصورة المرتسمة في عقول الكثير من سكان الغرب، المتهمين الإسلام وتعاليمه بأبشع الصفات، العارية تماماً عن حقيقته ومكوناته، المتسمة بالديناميكية والديمومة والعالمية والخيرية، والحافظة للإنسان كرامته وحريته وسعادته، بعيداً عن صخب المادية الغربية الموغلة في الفُحش والانحطاط واللاوعي والفساد والضياع الروحي والتخبط الحياتي.
والمؤكد أن سمو ما دعى إليه الإسلام من حياة مثالية فاضلة قائمة على العدل والمساواة واحترام الأخر وإعمار الكون بالخير والفضيلة، كان مبرراً كافياً لتصويب سهام النقد والخلخلة والتشويش والتحريف والتشويه ضده، منذ اعتمال معاول الهدم اليهودي بمدينة يثرب، وما تلاها من محاولات الوقيعة والتسقيط، لتزداد الحملة إستعاراً مع مقدم جحافل الصليبية والهزيمة الماحقة التي لحقتها، فاتحين لمخيلاتهم الغثائية العنان لتشبيه نبينا صلى الله عليه وآله وسلم بمقبحات الأشكال ومنكرات الأقوال، وكلها باءت بالفشل، لبطلان مستنداتها.
نشر صور ورسوم مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في فرنسا خلال شهر أكتوبر 2020، على واجهات المباني والصحف، بالتوازي مع المحاولات المتكررة من قبل الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، للربط بين الإسلام والإرهاب وادعائه بأن الإسلام يعاني من أزمة، وأنه في مهمة مقدسة لتحريره منها، وإصراره على عدم التراجع عن "الرسوم الكاريكاتورية" المسيئة، واعتبارها ضمن قيم حرية التعبير الغير قابلة للتنازل والمساومة، كل هذه التصرفات اللا أخلاقية واللا إنسانية ليست سوى تكرار شائه لمسلسل بدأت حلقاته مع يهود يثرب، واتسعت رقعته مع بداية الحرب الصليبية، وبدأت خطواته بالاتجاه نحو التكتيك المؤسسي المنظم ما بعد أفول نجم الاتحاد السوفيتي، لتتضح الصورة أكثر على أنغام تداعيات أحداث 11 سبتمبر 2001 إثر تدشين بوش الابن حملته العالمية ضد ما أسماه الإرهاب، الحرب المقدسة التي أسماها بالصليبية.
ومعها بدأت التنظيرات الغربية تطلق عنان تساؤلاتها حول العلاقة بين حرية التعبير المتشدق بها الغرب، والمترفعة فوق كل حق باستثناء التاريخ اليهودي والقضايا المتعلقة به، المسيجة بشباك حمراء لا يجوز الاقتراب منها، وفي المقابل حساسية المقدسات ورموزها المهدورة حرمتها لعدم اشتمال قوانين الغرب على ما يحفظ كرامتها واحترامها، ليتم التساؤل عن حمى حوار الحضارات وتفاعل الثقافات، في ظل ما نشهده من غطرسة وهيمنة وتهميش متعمّد، وقمع متواصل للأقليات الدينية والعرقية، المكتوية بنيران التمييز العنصري بالمجتمعات الغربية.
ما يجعل من رسوم الإساءة إلى نبينا صلى الله عليه وآله وسلم متعدية لمضامينها الكريهة، ليبدأ التساؤل عن مستقبل العلاقة بين العالمين الغربي والإسلامي، وجوهر التفاعل الغربي مع قضية المعتقد والمقدس، ومدى قابليته للتكيف مع الأخر واحترامه ذاتاً ومعتقداً، في إطار حرية التعبير، الممهورة بالدماء المهدورة في فلسطين والعراق واليمن وسورية وليبيا، والأحاجي الضغطية لانتهاك سيادة وحرمة الآخرين وسلب مقدّراتهم وخيراتهم وثرواتهم في سبيل تسيد الرأسمالية عالمياً، وعيثان الصهيونية العالمية كونياً.
وقبل الإسترسال في قراءتنا نؤكد على حقيقة في غاية الأهمية هي بحسب الدكتور "بسام خفاجي" في كتابه القيّم "لماذا يكرهونه؟" ضرورة الفصل بين أمرين:
1 - العلاقة بين الشعوب، والتي كانت في كثير من الأحيان تميل الى السلام والوئام، وكذا العلاقات السياسية التي تتبدل وتتغير وفق المصالح.
2 - الرؤى الفكرية تجاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والتي لم تتغير كثيراً في الغرب منذ بعثته صلى الله عليه وآله وسلم، وحتى التاريخ المعاصر، وكانت في مجملها رؤى ومواقف معادية وصدامية.

الحيثيات:
ما إن بدأت كفة الحرب الباردة تميل لصالح الرأسمالية حتى بدأ منظري الغرب مشوار البحث عن عدو جديد يتم تقميصه شماعة الاختلالات والاضطرابات والأزمات الكونية، فلم يكن من بديل للشيوعية غير الإسلام المتزايد في الاتساع والانتشار عالميا، وتحديداً منذ العام 1980، عندما خرج قاموس "روجيت ثيساورس" الأميركي بتعريف فض للعربي، واصفاً إياه بالشخص النذل والمخادع، وكانت النتيجة حدوث احتجاجات عارمة، أرغمته على تغيير انطباعه حول العرب.
ليأتي التواجد العسكري الأميركي في الخليج العربي بعد الحرب الخليجية الثانية مؤذناً بانتشار فوائح الكراهية الغربية ضد الإسلام، بسبب الرفض الإسلامي لهذا التواجد المتزايد في التصاعد بعد الحرب الخليجية الثالثة، وما أفرزه من ملفات متأزمة، أعطت للغرب حق إملاء ما يكون وما لا يكون على المنطقة الشرق الأوسطية، بهدف إعادة تأهيلها ومقرطتها.
ومعها بدأت محاولات التدجين الهادفة إلى إيجاد إسلام معولم، بعيداً عن أي أثر ديني، واستخدموا من أجل تحقيق هذه الغاية الشيطانية العديد من الوسائل، أبرزها اعتبار المقاومة التي تمارسها الحركات الإسلامية ضد عربدة الكيان الصهيوني الغاصب وغطرسة الإمبريالية الأميركية خاصة والغربية عامة، بالعمل الإرهابي، وتكبيل حركات المقاومة ومحور الممانعة بشكل عام بسيل منهمر من العقوبات والتهم، والعمل على وتر تدجين القرآن، والدعوة إلى إعادة النظر في المناهج الدينية، والمطالبة بحذف الآيات الحاثة على الجهاد والفاضحة لحقيقة اليهود، ودفع الدول العربية والإسلامية للتطبيع مع الكيان الصهيوني من أجل رفع سيف الإرهاب المسلط على رقابها.. ألخ.
والأكثر خطورة تفجير الغرب ملفات الأقليات الدينية ومنها أتباع الديانة الإسلامية الممثلة الرقم الثاني بعد المسيحية في أوربا، وبروز معضلة تكييف الجاليات الإسلامية مع التوجهات الغربية لعولمة الفكر والثقافة، والأهم من هذا تزايد حوادث وعمليات التفجيرات في الغرب، المتهم فيها إسلاميين، ودون أي تحقيق مسبق، لذا لا نستغرب ما ذهب إليه رئيس المعمدانية الإنجيلية الأميركية "فالويل" من أن الإسلام دين الإرهاب والعنف ونبيه إرهابي شرير، كما لا نستغرب ما ورد في مذكرات ملكة الدانمارك من فزعة غير مبررة ضد الإسلام باعتباره تهديداً عالمياً، داعية إلى إجراءات صارمة ضد الجاليات الإسلامية بأوربا.
وهكذا بدأت التأصيلات التنظيرية الشيطانية الغربية، مرسخة في عقول سكانها أن الإسلام الخطر رقم واحد، لأنه دين الرجعية والتخلف والإرهاب والتطرف، والخطر الأكبر على الأنظمة والحكومات والعمران والحضارات، ونبيه كاذب أطلق لنفسه عنان الشهوات وصيد المومسات، بحسب إدعاءات مؤسس الكنيسة البروتستانتية "مارتن لوثر"، والدجال بحسب تخاريف المستشرق "وات".
كما لا نستغرب ما ذهب إليه المنظر الأميركي "هينتجنتون" بعد انهيار الاتحاد السوفيتي من تأصيل لمفهوم نهاية العالم، واعتبار الفاشية الإسلامية أخطر على الرأسمالية من الفاشية الشيوعية، لأن الإسلام حسب زعمه خلال أربعة عشر قرناً يؤكد بأنه خطر على أي حضارة واجهها خاصة المسيحية، ناسياً أن الحضارة الأوربية مهما حاولت المغالطة جزافاً، لن تستطيع إنكار قيام حضارتها المعاصرة على ركائز الحضارة الإسلامية، كما جاء في شهادة المستشرق البلغاري المسلم الدكتور "توفيان".

الأهداف والغايات:
النشر المتكرر والمتعمّد من قبل صحف اليمين المتطرف والصحف الشعبية الهابطة "تابليود" في الغرب، للرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والإسلام، خلال العقود الثلاثة الأخيرة، يأتي أولاً في سياق مبدأ "لا ترويها بل اعرضها"، لأن العرض عبر الصور والأفلام أكثر تأثيراً على المتلقي من الكتب والمقالات والتنظيرات الفكرية، وفي هذا تأكيد واضح على أن الهجوم المتكرر والممنهج على الإسلام ونبيه لم يكن مجرد صور نمطية مجردة، أو تهكم وازدراء عابرين، بل هو امتدادٌ لبناء فكري مركب، نمى وتكوّن عبر تاريخ الاحتكاك العنيف بين الغرب والشرق، كنتاج طبيعي لعدة عوامل تاريخية، أدى تراكمها إلى تأجيج ثقافة الكراهية، المعاد إنتاجها اليوم برعاية صهيونية، من أجل تحقيق رزمة من الأهداف الخادمة للمشروع الصهيوني، وللمصالح الإمبريالية الاستعمارية الغربية، منها:
1 - إحلال الإسلام كعدو بديل للرأسمالية، بعد أفول نجم الشيوعية.
2- الحيلولة دون إقبال الغربيين على الإسلام أو حتى مجرد التعرف عليه، بعد نجاح الإعلام "التابليودي" الهابط في زرع بذور الخوف من الإسلام، ومن كل ما يمت لأتباعه بصلة، بما صار يعرف اليوم في لغة الإعلام بشيطنة العدو، والتي عادة ما يتم ربطها بسياقات نظرية مرتبطة بالتحولات السياسية، المتمخضة عن السياسة الدولية، لها أفكار وأهداف محددة، تستمد تغذيتها من خلفيات تاريخية ومعرفية محددة تجاه الآخر، انطلاقاً من انتماءاته العرقية والدينية، والطافحة على السطح عادة خلال فترات حصول أزمة أو نقاش في الغرب تجاه قضية ما من القضايا الإسلامية.
مترافقاً مع توجه ماكينات ميديا الكراهية الغربية إلى الإساءة والتشويه لرسول الرحمة والدين الخاتم، بالصور التي تُرضي أذواق المشاهدين والقراء، كما رأيناه في قصة المرتد سلمان رشدي، وقضية الحجاب بفرنسا، وما تلاها من تضييق على الأقليات الإسلامية في فرنسا خاصة والغرب عامة، والتسويق الممجوج لمصطلح "الإسلاموفوبيا" في الأوساط الشعبية الغربية، وأحداث 11 سبتمبر 2001، وأزمات العراق وأفغانستان والربيع العبري والشرق الأوسط.
وكلها تندرج ضمن سيناريو أسلمة وتعريب الإرهاب، وصولاً إلى جعل الإسلام العدو الأول على الأنظمة والحكومات والعمران والحضارات، مدعوماً بتقديم الإحصاءات المهولة أو الرسوم المثيرة أو التحقيقات الميدانية الباعثة على نقل صور مشوهة عن المسلمين والعرب كمتخلفين ومتطرفين وناقمين على الغرب وغيرهم.
يأتي هذا التوجه الخطير في وقت تمكّن فيه المحافظون الجدد واليمين المتطرف والصهيونية العالمية من تحويل حملات الإساءة والتشويه للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى صواعق لتفجيرات يجري إشعالها من حين لآخر بدعاوى واهية، كي تبقى حرية التعبير المتشدقين بها سيفاً مسلطاً فوق رقابنا، تُؤلِّب بواسطته الرأي العام العالمي، وتحديداً الغربي ضدنا وقت ما تشاء، تبعاً لمقتضيات صراع المصالح، وخدمة لحسابات وأهداف استراتيجية محددة ومدروسة، المستفيد الأول منها اليهود وفقاً للكاتب الأميركي "كريستوفر بولين".
وفي المحصلة فالعداء والكراهية الغربية للإسلام ونبيه، ليس بالأمر الطارئ والجديد، بل هو كما أسلفنا امتداد للموقف الغربي التاريخي من الإنسان الشرقي بصورة عامة، والتي شهدت أولى فصولها ما قبل الإسلام بقرون، محركاتها التهديد الوجودي والحضاري، في وقت تمكن فيه الفينيقيين والآراميين والكنعانيين من مدّ توسعاتهم إلى قلب أوربا، بما رافق ذلك من إشعاع حضاري وثقافي، أخاف الغرب.
يأتي هذا التحول رغم اعتراف مؤرخيهم بما للشرق من فضل عليهم، من قبيل ذهاب أساطيرهم إلى أن تسمية أوربا كان تيمناً بأميرة سورية، تحمل نفس الإسم، فرت إلى أوربا بعد نزاعها مع أخيها فتمكنت من فرض سيطرتها وإسمها، وكذا أخذ الغرب آلهتهم ومعتقداتهم الدينية وآرائهم الفلسفية عن الفينيقيين، المتمكنين من الوصول إلى بريطانيا، والعائد فضل تسميتها إليهم، الأمر الذي دفع الغرب إلى اتهامهم بدلاً من العرفان بالجميل بالمتخلفين والمتوحشين والهمجيين، في زمن كانوا فيه أكثر تقدماً وحضارة ورُقياً وأخلاقاً، من اليونان والرومان.
الصورة عن الإنسان الشرقي المتوحش ظلت محفورة في الذاكرة الغربية ولازالت إلى يومنا، ومن ذلك الحين اتسمت علاقة الغرب بالشرق بالتضاد والصراع والحروب والتربص، رغم نجاح الشرق في خلق جسور للتواصل مع الحضارات الأخرى خارج أوربا، لاسيما بعد ظهور الإسلام بما تمخض عنه من أبعاد جديدة للصراع، قادة إلى اعتبار الغرب الدين الجديد تهديداً وجودياً مُؤذناً بانقراضهم، ما يعني أن الصراع اليوم أكبر من كونه مجرد اختلاف أيديولوجي في وجهات النظر أو أعراض جاذبية تظهر بين الحين والآخر.
"أنطوني ناتنج" في كتابه "الغرب" يشير إلى حقيقة ذلك بقوله: "منذ أن جمع محمد أنصاره في مطلع القرن السابع الميلادي، وبدأ أول خطوات الانتشار الإسلامي، فإنه بات على العالم الغربي أن يحسب الإسلام كقوة دائمة وصلبة، تواجهنا نحن أبناء الحضارة الغربية عبر البحر المتوسط".
وهكذا بدأت ماكينة الكراهية والتشويه ضد الإسلام، بدءاً من يهود يثرب، ومروراً بالروم المفضلين وقتها تبنى فكرة المواجهة مع المسلمين على عكس الحضارات الأخرى خارج أسوار أوربا، وانتهاءً بالعصور الوسطى بما زخرت به من نشر متعمّد للأساطير المسيئة والمتهمة للرسول الخاتم بـ"الساحر" الكبير، المتمكن عن طريق السحر والخداع من تحطيم الكنيسة في إفريقيا وفي الشرق، والادعاء بأن العرب أعراق منحطة ومتوحشة يجب إبادتهم، كي يتمجّد الرب، ويعود اليهود إلى وطن آبائهم وأجدادهم كما ورد في كتاب "حياة محمد" لـ"جورج بوش"، جد الرئيس الأميركي السابق "جورج دبليو بوش"، في القرن السابع عشر: "إن الإسلام مجرد بلاء جاء به الدعي محمد!، ساعد الرب على انتشاره، عقاباً للكنيسة التي مزقتها خلافات البابوات بهرطقاتهم!".
 وبهذا صار الاحتفاء بكراهية وازدراء النبي معلماً بارزاً للفكر المسيحي الكاثوليكي والبروتستانتي في أوربا الغربية، مصحوباً بالعديد من الرسوم والتماثيل المسيئة لنبي الإسلام على حوائط الكنائس والأديرة باستثناء الأرثوذوكسية، إلى الحد الذي لا نجد له مثالاً ضد أي شخص آخر في التاريخ الإنساني، وهو موقف لم يشذ عنه سوى القليل من مفكري ومتديني غرب أوربا، ممن ليس لهم أي تأثير على صناعة القرار والفكر.

ما سبب كل هذه الكراهية للإسلام؟
السؤال الأكثر تداولاً في العقدين الأخيرة، وفي معرض الإجابة عليه يرى الكاتب "فؤاد كاظم" في كتابه القيّم "الإسلام وشبهات المستشرقين"، أن العداء الغربي للإسلام والنبي الخاتم ناجم عن معرفة حقيقية بالإسلام، وليس عن جهل مطبق، ساهم في تشكيلها البنيوي ثلاثة قوالب متداخلة وغير متعارضة هي: "الميثولوجية واللاهوتية والعقلانية"، ما نجد مداليله في الخطبة الشهيرة للبابا "أوروبانس" الثاني بمجمع "كليرمون" بفرنسا عام 1905، الداعي فيها حكام وملوك أوربا إلى استعادة أراضيهم المقدسة من قبيلة الفرس والأتراك، التي تخدم القوى الشيطانية بحسب زعمه.
وبصورة أكثر بساطة ووضوحاً تظل مركزية توحيد الله وعبادته لدى المسلمين الداعي إليها نبي الرحمة، من أهم العوامل المهددة بانقراض الغرب المسيحي، المعتقد بأن الفرد لا سواه مركزية الكون، وبالتالي صيرورة هذا التنازع من أهم المشاكل المتأججة في مسار العلاقات الغربية بالعالم الإسلامي والعربي، والدافعة بالغرب إلى كراهية النبي الخاتم.
وكانت الحملات الصليبية السبع في القرون الوسطى، بمثابة أول رد فعل جمعي غربي، لإهدار قيمة كل مقدس، بعد فشلهم في تحجيم التأثير الإسلامي العالمي، المعيق لتطور وتوسع المسيحية والغرب، والحامل رايتها المسمومة اليوم الرموز الدينية اليمينية المتطرفة والصهيونية والتيارات العلمانية، والقادة السياسيون، ووسائل الإعلام المرتبطة باليهود، دافعها عقدة الخوف من تحول الإسلام إلى قيادة بديلة للقيادة الدينية النصرانية للعالم، إلى جانب عقدة الشعور بالنقص أو ما يعرف بالمعجزة الإغريقية.
الصورة بمجملها تنم عن الانتقائية العدائية المعاصرة الغربية في صراعها القائم مع الإسلام، لأحداث غابرة، يُعاد استحضارها، في وقت تدعي فيه أن مجتمعاتها أُسست على قيم سامية، فإذا هي تنفخ في كير صندوق الشرور والكراهية، بما يتلاءم مع نواياها ومصالحها ومخططاتها الرامية إلى إبقاء المسلمين والعرب أذلاء خانعين، بعد بروز الإسلام كأكبر تحدٍ حضاري وديني، بما يؤثر سلباً على مفاعيل حوار الحضارات والثقافات والأديان، من ذلك ما ذهب إليه القس اليهودي "جير فولويل" في قوله: "أعتقد أن محمداً كان إرهابياً"، وهو الهدف المراد ترسيخه خدمة للصهيونية العالمية، بحيث يصير معه كل من يعتنق الإسلام مُلاحقاً بتهمة الإرهاب.
القس "فرانكلين جراهام" يذهب هو الآخر إلى أن "الإرهاب جزء من التوجه السائد في الإسلام، وأن القرآن يحض على العنف، والإرهاب لا يرتبط بعدد محدود من المتطرفين المسلمين، لأنه نابع من الإسلام نفسه، وإذا اشتريت القرآن فاقرأه وستجد الإرهاب فيه"، وهذا للأسف ما يعمل الرئيس الفرنسي الحالي "إيمانويل ماكرون"، على ترسيخه منذ توليه السلطة في بلاده، ومن قبله سلفه "ساركوزي" وكلاهما مجرد إمتداد لسياسات " نابليون بونابرت" الظلامية، عندما غزا مصر وفلسطين عام 1798، فأعلن بأنه وجيشه "مسلمون مؤمنون" وأنهم أتوا لتحرير المسلمين والإسلام من طغيان المماليك، فارتكبوا كل الأفاعيل المنكرة، بينما يعيد "ماكرون" ذات الكذبة بإعلانه السعي إلى "تحرير" الإسلام في فرنسا من التأثيرات الأجنبية عبر تحسين الرقابة على تمويل المساجد، وتحت مظلتها مارسوا أبشع أساليب الاضطهاد ضد مسلمي فرنسا بدعوى محاربة الإرهاب.
كما يعتقد رئيس وزراء أسبانيا السابق "خوسيه ماريا آثنار" بأن "مشاكل أسبانيا مع القاعدة بدأت مع فتح الأندلس" أي منذ القرن الثامن الميلادي، مستخدماً هنا كلمة القاعدة وليس الإسلام، ما يعني بداهةً أن كل المسلمين تنظيم قاعدة وإرهابيين، مضيفاً في معرض رده على المطالبين بابا الفاتيكان بالاعتذار عما ألحقه من إساءة لنبي الإسلام أواخر العام 2006 "ما السبب الذي يجعل الغرب فقط هو الذي يقدم الاعتذار بينما هم – أي المسلمون- احتلوا أسبانيا لمدة ثمانية قرون، وفي الوقت الذي أسمع دعوات البابا لتقديم اعتذاره عن تصريحات حول الإسلام فإني لا أسمع أي مسلم يعتذر عن احتلال أسبانيا!".

تجريم دولي لكن من يهتم:
هناك العديد من القوانين الدولية التي تجرِّم إزدراء الأديان والرموز الدينية من أبرزها القرار الأممي 224 الصادر عن الدورة 65 للجمعية العامة للأمم المتحدة، المنعقدة في 11 أبريل 2011، وهو خاصٌ بـ "مناهضة تشويه صورة الأديان" وحثت الفقرة 16 منه جميع الدول على القيام في إطار نظمها القانونية والدستورية، بتوفير الحماية الكافية من جميع أعمال الكراهية والتمييز والتخويف والإكراه، الناجمة عن الحطّ من شأن الأديان وعن التحريض على الكراهية الدينية عموماً.
كما أصدرت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان في العام 2018 حكماً اعتبر أن الإساءة للنبي محمد ليست حرية تعبير، وكلها مجرد حبر على الورق من أجل رفع عتب الدولة المستضعفة على أدعياء الحرية في العالم الغربي.

الأحد، 18 أكتوبر 2020

مجاعة تهامة اليمن 1891


صورة حقيقية لمجموعة من الناس من رأس الكثيب شمال مدينة الحديدة وجدت بهدا الشكل سنة 1891 خلدها طابع بريدي صادر عن سنجق الحديدة

.. الدكتور عبدالودود قاسم مقشر، الكوارث الطبيعية والحرائق والمجاعات في تهامة 1849 -1921

الأربعاء، 14 أكتوبر 2020

ما الذي تبقى من ثورة 14 أكتوبر؟

زيد يحيى المحبشي، مركز البحوث والمعلومات،  14 أكتوبر 2020

"14 أكتوبر ثورة شعب حر، طال انتظاره لثوار النصر الأكتوبري، لتحريره من أذيال الاستعمار البريطاني".

ادّعت بريطانيا في العام 1837 قيام الصيادين اليمنيين بنهب سفينة هندية ترفع علمها تسمى "دريا دولت"، كانت راسية بالقرب من ساحل عدن، ووضعت سلطان لحج "محسن بن فضل العبدلي" أمام خيارين: إما التعويض أو تمكينها من السيطرة على ميناء عدن، فاختار "العبدلي" الخيار الأول، لكن بريطانيا سرعان ما تراجعت عن قبول التعويض، وأصرت على ضرورة احتلال مدينة عدن، فوافق "العبدلي" في 22 يناير 1838 على تسليم عدن مقابل شطب ديونه البالغة نحو 15 ألف وحدة من عملة سلطنته، وبقاء وصايته على رعاياه، وفي 16 يناير 1839 هجمت السفن الحربية الإنجليزية على عدن، واحتلّتها بعد ثلاثة أيام من القصف العنيف، بعد أن وفر لها "العبدلي" الغطاء الشرعي.

ويعود اهتمام الاستعمار البريطاني بعدن والمناطق الساحلية اليمنية الى العام 1609، في اطار المنافسة التجارية الأوربية، حيث بدأت شركة الهند الشرقية في إرسال أولى رحلاتها الى عدن والبحر الأحمر، وتأسيس وكالة تجارية بريطانية في المخا، وظلت تمارس من خلالها أنشطتها في المنطقة الى أن تمكنت من احتلال مدينة عدن في 19 يناير 1839، والتي تم التمهيد لها بعقد معاهدة تجارية مع "العبدلي" في العام 1802، بموجبها أصبح ميناء ثغر اليمن الباسم مفتوحاً أمام البضائع الإنجليزية، وضمنت فيها توفير الحماية الخاصة لرعاياها وتأسيس وكالة تجارية.

وخلال الفترة "1802 – 1837" اتسعت رقعت نفوذ بريطانيا بعدن، ونجحت في تكبيل السلطان "العبدلي" بالديون، وبالتالي فبركة قصة نهب السفينة "دريا دولت"، واستخدامها كذريعة لاحتلال عدن والمناطق اليمنية الجنوبية والشرقية، ومع مرور السنين نجحت في تكبيل سلاطين السلطنات المجاورة لعدن، باتفاقيات ومعاهدات بعناوين وتسميات مختلفة، هدفت من ورائها إلى إحكام القبضة على كامل المناطق الجنوبية والشرقية من اليمن، وإدارتها من خلال شركة الهند الشرقية، والتي كانت تتخذ من "مومباي" مقراً لها، ليتم في 1 أبريل 1937 فصلها عن "مومباي"، وإلحاقها بوزارة المستعمرات البريطانية، ومعها بدأت بممارسة نوع جديد من السياسات الاستعمارية في المناطق اليمنية المحتلة، لضمان تثبيت بقائها، وضمان الاحتفاظ بالنفوذ والمصالح بعد جلائها.

ومثلما كانت السفينة "دريا دولت" ذريعة بريطانيا لاحتلال عدن قبل 181 عاماً، ها هي أذيال الاستعمار البريطاني بالخليج العبري اليوم تعاود احتلال اليمن انطلاقاً من عدن، بذرية إعادة شرعية الرئيس المنتهية ولايته والفار من وجه العدالة العبدلي الجديد "عبدربه منصور هادي"، ومن المفارقات العجيبة أن "العبدلي الجديد" وشقيقه "ناصر" كان قبل ثورة 14 أكتوبر 1963 المجيدة من أهم المقربين للحاكم العسكري البريطاني في السلطنة الفضلية، ما دفع الرئيس "سالمين" في مطلع السبعينيات من القرن العشرين الى الاعتراض على تعيينه مديراً للكلية العسكرية في عدن، محتجّاً بارتباط عائلته بالاستعمار البريطاني.

 وهاهو صنيعة الإنجليز ينافح اليوم وللسنة السادسة على التوالي وبأريحية مخزية من أحد فنادق الدرعية عن الحرب التي تشنها السعودية والإمارات على بلاده، خدمة لأسياده في لندن والبيت الأسود وتل أبيب، والأكثر إثارة للتعجب إرتضاء من تبقى من الإكتوبريين لهذا المسخ، قائداً وسائساً، وارتضائهم قذفه لهم الى جحيم الإستعمار مجدداً.

بين 14 أكتوبر 1963، و14 أكتوبر 2020، 57 عاماً، وثورة تحرر وطني أنهت تراكمات 130 عاماً من الطغيان والعبث الاستعماري البريطاني، وقدمت في سبيل ذلك عشرات الألاف من الشهداء، وللأسف لم يتبقَ من هذه الثورة سوى الإسم فقط، الصورة إنقلبت رأساً على عقب، والمفاهيم تغيرت، والأدوار تبدلت، والمستعمر لم يعد مستعمراً بل محرراً، ومقاومة المستعمرين لم تعد عملاً وطنياً بل عمالة وخيانة وإرهاباً، وبقي المشترك بين زمنين: الخاصرة الجنوبية للجزيرة العربية، بما تتوافر عليه من موقع استراتيجي وثروات، ساحة لعبث الغرباء، ومسرحاً للأطماع ونهب المهيمنين، القدماء والجدد، وما بين الزمنين لا زالت ثورة 14 أكتوبر تبحث عن الأكتوبريين، بلا كلل ولا ملل، بعد أن تبخرت كل أهدافها.


ألغام بريطانيا تفجر الجنوب:

حرصت السياسة الانجليزية في المناطق اليمنية المحتلة في طابعها العام على تمزيق الوحدة اليمنية والنسيج اليمني، وتعميق اليأس في أوساط أبناء الشعب اليمني من عودة التحام جسدهم الواحد، وتلغيم حياتهم بسموم الكيانات والكانتونات المناطقية المتنافرة والمتصادمة من سلطنات وإمارات وولايات ومشيخات، وها هي عاصفة عدوان أذيال الاستعمار البريطاني تعيد إنعاشها من جديد، مع تغيير مسمياتها، وبقاء هدفها.

عناوين السياسة الاستعمارية واحدة في معانيها ومبانيها منذ عام 1839 وحتى انطلاق شرارة ثورة 14 أكتوبر في العام 1963 من جبال ردفان، بدءاً بسياسة "فرق تسد"، ومروراً بسياسة معاهدات واتفاقيات الحماية، وانتهاءاً بسياسة التقدم نحو الأمام وإعمال نظام الانتداب والاستشارة، تبعاً لمقتضيات التجزئة ومتطلبات كبح جماح نمو الوعي الوطني، والواصلة ذروتها في 1959 بإنشاء اتحاد الجنوب العربي، بدعم وتواطؤ رابطة أبناء الجنوب والجمعية العدنية، أملاً في تمديد سيطرة الاستعمار السياسية والعسكرية على المنطقة أكبر مدة ممكنة.

وتكمن خطورة ذلك في توجه الاستعمار منذ بداية عام 1934 إلى سلخ هوية الأجزاء الجنوبية والشرقية من اليمن، عن هويتها التاريخية والجغرافية، من خلال تغليب الثقافات والهويات المحلية، وتغذية النزعات الانفصالية، وتعميق هوة الخلافات والصراعات البينية، بهدف طمس الثقافة والهوية الوطنية اليمنية، وتكبيل ووأد أي هبة شعبية تحررية، وتفخيخ مستقبل الأجيال بألغام العنصرية المناطقية والعشائرية والفئوية.

ومع إطلالة العام 1952 بدأ الانجليز بترجمة سياستهم الجديدة عبر الترويج لإقامة كيانين اتحاديين فيدراليين حسب التقسيم الإداري في الإمارات ومستعمرة عدن، وتوحيدها في دولة جديدة تسمى "دولة الجنوب العربي الاتحادية"، على أن تبقى مستعمرة عدن خارج الاتحاد، وفي 1954 قدموا وجهة نظرهم بشأن الاتحاد الفيدرالي وإدارته، على أن تتكون من المندوب السامي، وتكون له رئاسة الاتحاد والعلاقات الخارجية والقرار الأول في حالة الطوارئ، ومجلس رؤساء يضم رؤساء البلاد الداخلية في الاتحاد، ومجلس تنفيذي وآخر تشريعي، وفي 11 فبراير 1959 أُعلن رسمياً عن قيام اتحاد إمارات الجنوب العربي.

ضم الاتحاد في البداية 6 إمارات من محميات عدن البالغ عددها 20 إمارة مع تخلف سلطنة لحج، وهي مجموعة من القبائل المتنافرة والمتناحرة، وكان الهدف من هذه الخطوة تصفية قضية تحرير جنوب اليمن، وإبقاء عدن قاعدة عسكرية استراتيجية لبريطانيا، واستغلال الاتحاد لتهديد شمال اليمن، والضغط على السلطات الجنوبية للحصول على المزيد من التنازلات للمستعمر في الجنوب، وجعل الاتحاد قاعدة متقدمة لضرب الحركات التحررية العربية، وقمع أية انتفاضة شعبية وطنية.

حدث إعلان دولة الجنوب العربي المزيف والمجافي للحقائق التاريخية والسياسية والاجتماعية والثقافية، لم يشذ عن مخطط تدجين الهوية الوطنية لصالح الهويات المحلية المصطنعة، وتعميق الهوة بين علاقات أبناء هذه المناطق وهويتهم الوطنية الأم، وتعميق النزعة الانفصالية، التي وجدت في الجمعية العدنية ورابطة أبناء الجنوب العربي ضالتها المنشودة، على أمل الحلول مكان الاستعمار، بعد رحيله، لتنفيذ مخططاته.

والحقيقة أن الاستعمار وجد حينها أن قوة وجوده واستمراره ومقومات أمانه، متوقفة على تجزئة المجتمع اليمني، واغراقه في الخلافات والصراعات البينية، لأنها ستبقى إذا اُضّطر للرحيل.

وهو ما بدى واضحاً في تباين وجهات نظر رفاق الكفاح المسلح واختلاف صفوفهم ووصولهم الى مرحلة الصدام الدامي في أكثر من مرة، خلال مرحلة النضال لنيل الحرية والاستقلال، وما بعد نيل الحرية والاستقلال للأسف الشديد، وما نراه اليوم بالمحافظات الجنوبية والشرقية مجرد صدى واجترار شائه وممجوج لآثار تلك الحقبة المظلمة من تاريخ اليمن.


الفعل الثوري الأكتوبري:

خلقت سياسات الاستعمار منذ اليوم الأول لدخول مدينة عدن موجة غضب شعبية، قابلها المحتل بعنف مفرط، وبقية العلاقة بين الاستعمار والمقاومة الوطنية في حالة مد وجذب، تبعاً لشخصية قادة النضال الوطني وقوة حضورهم وتأثيرهم، بالتوازي مع تفنن الاستعمار في تخليق سياسات التركيع والتطويع، ومع إطلالة العقد الثالث من القرن الماضي بدأت المقاومة الشعبية تأخذ طابعها التنظيمي تحت مظلة حركة وطنية جامعة تُسيِّر وتُنظم الفعل الثوري التحرري.

ومرت الحركة الوطنية التحررية في المناطق الجنوبية والشرقية، بأربع مراحل، هي:

1 - مرحلة العمل السياسي والإعلامي السري في الثلاثينيات من القرن الماضي.

2 - مرحلة الإيقاظ والتيقظ في الأربعينيات.

3 - مرحلة الاحتجاجات والإضرابات في الخمسينيات.

4 - مرحلة التمرد والثورة في الستينيات.

وعلى امتداد سنوات الخمسينيات وبداية الستينيات، كان الشعب اليمني في المناطق الجنوبية والشرقية قد تمرّس على أساليب النضال الوطني، وخاض مختلف طرق النضال السلمي، من أجل تحرره الوطني، كما يذكر "عبدالفتاح إسماعيل"، وفي البداية الأولى للستينيات بدأت تغزو بعض التنظيمات السياسية، أفكار الكفاح المسلح، وكانت في الواقع تجسيداً لجوهر رفضها للوجود الاستعماري في البلاد.

وكانت في نفس الوقت ملجأها الأخير، بعد أن أثبتت تجربة النضال السلمي فشلها، وعدم جدواها في الاطلاع بالمهام الحقيقية للتحرر الوطني، بفعل الطبيعة الاستعمارية.

ميدانياً، بدأت التشكيلات التنظيمية للعمل الفدائي في عدن أوائل عام 1946، وتشكلت قيادة للمدينة مكونة من القطاع العسكري والقطاع الشعبي، وكان يضم قطاعات العمال والمرأة والطلاب والتجار، وتحمّل الشهيد "نورالدين قاسم" في البداية المسؤولية لعدة شهور، ثم تعرض للاعتقال، فخلفه "عبدالفتاح إسماعيل".

والى جانب العمليات الفدائية المتواصلة ضد الاحتلال بعدن، كان هناك نضج ثوري بدأ يتشكل في أوساط المواطنين بمحافظات أبين والضالع وحضرموت ولحج، والأهم من ذلك تحديد المسؤوليات ميدانياً، تمهيداً للثورة المسلحة الشاملة التي فجرت الحرب في وجه المستعمر وأرغمته على الرحيل.

وفي 23 - 24 فبراير 1963 احتضنت صنعاء مؤتمراً للقوى الوطنية اليمنية، انبثق عنه تأسيس "جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل"، وإقرار الثورة المسلحة، بينما شهد يوم 19 أغسطس 1963 تأسيس "الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل"، إنقلاباً على "جبهة تحرير الجنوب"، بتغيير الإسم دون مؤتمر، وحضور 10 أفراد فقط من حركة القوميين العرب، واختزلت تحت مظلتها 7 تنظيمات سرية، أعلنت إيمانها بالكفاح المسلح، هي: فرع حركة القوميين العرب، والجبهة الناصرية في الجنوب المحتل، والمنظمة الثورية لجنوب اليمن المحتل، والجبهة الوطنية، والتنظيم السري للضباط والجنود والأحرار، وجبهة الإصلاح اليافعية، وتشكيل القبائل، ثم التحقت بها ثلاثة تنظيمات أخرى، هي: منظمة الطلائع الثورية بعدن، ومنظمة شباب المهرة، والمنظمة الثورية لشباب جنوب اليمن المحتل.

تُوجت هذه التحركات بانطلاق الشرار الأولى لثورة التحرير الوطني من جبال ردفان في 14 أكتوبر 1963، بقيادة "راجح بن غالب لبوزة"، واستشهد مع مغيب شمس يوم الثورة.

ومنذ اليوم الأول لانطلق ثورة التحرير، شنت سلطات الاستعمار البريطاني حملات عسكرية غاشمة ضد قبائل ردفان، استمرت 6 أشهر، اعتمد فيها العدو على استراتيجية "الأرض المحروقة"، وخلّفت كارثة إنسانية فضيعة، جعلت أحد أعضاء مجلس العموم البريطاني يدين تلك الأعمال اللا إنسانية.

اندلاع الثورة من ردفان هي البداية لمرحلة الكفاح المسلح، الذي استمر ملتهباً طيلة أربع سنوات كاملة (1963 - 1967) إلى أن انتهى باستقلال الشطر الجنوبي من اليمن في 30 نوفمبر 1967، وفي الثمانية الأشهر الأولى من عام 1964، اضطرت بريطانيا إلى القيام بعمليات حربية كبيرة ضد الثوار، عُرِّفت بعضها في الوثائق البريطانية بعمليات "نتكراركر" و"رستم" و"ردفورس"، وكانت تلك المعارك بالفعل أكبر معارك بريطانيا خلال حرب التحرير، اشترك فيها آلاف الجنود، واستخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة، كما أن الصحافة البريطانية أصبحت تسمي ثوار ردفان بـ"الذئاب الحُمر".

هذه التحولات دفعت الجمعية العامة للأمم المتحدة الى إصدار قرار في 11 ديسمبر 1963، تضمن الدعوة لحل مشكلة الجنوب اليمني المحتل، والإقرار بحقه في تقرير مصيره والتحرر من الحكم الاستعماري البريطاني، واعتراف الأمم المتحدة في العام 1965 بشرعية كفاح شعب الجنوب، طبقاً لميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وفي 2 أكتوبر 1965 أعلنت بريطانيا البقاء في عدن حتى عام 1968، ما أدى الى انتفاضة شعبية عنيفة ضدها، أسفرت عن خسائر بشرية ومادية كبيرة، وفي 22 فبراير 1966 أعادت التأكيد على منح مستعمرة عدن والمحميات الاستقلال في مطلع العام 1968، والاعتراف في أغسطس 1966 بقرارات منظمة الأمم المتحدة لعامي 1963 و1965 حول حق شعب الجنوب اليمني المحتل في تقرير مصيره، وإعلان وزير خارجيتها "جورج براون" في 14 نوفمبر 1967 تحت وطأة اشتداد المقاومة الوطنية، منح الاستقلال لجنوب اليمن في 30 نوفمبر 1967 وليس في 9 يناير 1968، كما كان مخططاً له سابقاً، وبدء التفاوض بجنيف في 21 نوفمبر 1967 بين الجبهة القومية والحكومية البريطانية حول الانسحاب، وتوقيع "قحطان محمد الشعبي"، واللورد "شاكلتون" اتفاقية الاستقلال.

وفي 29 نوفمبر غادر مدينة عدن آخر جندي بريطاني، وإعلان الاستقلال في 30 نوفمبر 1967 عن الاستعمار البريطاني، وقيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية.

عوامل عديدة ساعدت على تعجيل خروج الاستعمار في نهاية نوفمبر من عام 1967، بعد أربع سنوات من الكفاح المسلح المتدحرج من السرية إلى العلنية، وما تخلله من تباينات بين فصائل الكفاح المسلح، دفعتهم الى التصادم والاقتتال أكثر من مرة، والالتهاء عن العدو الأكبر المتمثل في الاستعمار البريطاني، أهمها بحسب الأستاذ المناضل محمد سعيد عبدالله "محسن":

1 – توجيه الضربات القوية للعملاء والأجانب من الهنود والصوماليين، الذين كانوا يلعبون دوراً كبيراً في مراقبة ومتابعة الفدائيين، ورصد تحركات المشكوك فيهم، ورفعها إلى الاستخبارات البريطانية.

2 – وقوف الشعب إلى جانب الثورة بمدينة عدن.

3 – السلوك والأخلاق الجيدين اللذين كان يتحلى بهما الثوار في علاقاتهم وتعاملهم مع المواطنين.

4 – العلاقة الرفاقية الحميمة بين رفاق النضال، والثقة الكاملة وعدم التفكير إلا بنجاح مهماتهم، وحفاظهم على بعضهم.


المراجع:

1 - الموسوعة الدولية الحرة "ويكيبيديا"، ثورة 14 أكتوبر

2 - زيد يحيى المحبشي، 30 نوفمبر عيد الجلاء للاستعمار البريطاني من عدن، مركز البحوث والمعلومات، 28 نوفمبر 2019

3 - عامر الدميني، كيف تشكلت جبهة التحرير بصنعاء وكيف استشهد لبوزة بردفان؟، الموقع بوست، 13 أكتوبر 2018

4 - العميد الركن ثابت حسين صالح، ثورة 14 اكتوبر 1963 لمحة موجزة، المشهد العربي.

https://almashhadalaraby.com

5 - المركز اليمني للإعلام، ثورة 14 أكتوبر من المهد الى النصر، 13 أكتوبر 2017

6 - خليل كوثراني، عودة الإنكليز: العين على القواعد والجزر، صحيفة الأخبار اللبنانية، 14 أكتوبر2017

7 - دعاء سويدان، أين "رفاق" الأمس؟، الأخبار اللبنانية، 14 أكتوبر2017

8 - محمد سعيد عبدالله "محسن"، عدن كفاح شعب وهزيمة إمبراطورية، دار بن خلدون/ بيروت، الطبعة الثانية 1989

9 - مركز البحوث والمعلومات، اليمن في 100 عام، الطبعة الأولى 2000

السبت، 10 أكتوبر 2020

من اصدارات الزمن الجميل لمركز البحوث والمعلومات

1 - "اليمن والدول الكبرى"/ الجزء الثاني

كتاب من الحجم الكبير، يضم 450 صفحة، صدرت الطبعة الاولى في مايو 2004 عن مركز البحوث والمعلومات بصنعاء، وهو عبارة عن دراسات تحليلية وتوثيقية وتأصيل تاريخي لعلاقات اليمن مع ألمانيا وهولندا واليابان وإيطاليا وكندا

الكتاب من تأليف:

زيد يحيى المحبشي

د. سامي محمد السياغي

 فؤاد محسن ثامر

زايد محمد جابر

2 - "اليمن والصين: خمسون عاما من العلاقات"

كتاب من الحجم الكبير يقع في 270 صفحة

صدرت الطبعة الاولى عن مركز البحوث والمعلومات بوكالة سبأ بالشراكة مع وزارة التخطيط والتعاون الدولي في مارس 2006 

وهو من تأليف:

زيد يحيى المحبشي

فؤاد ثامر

أحمد الشرعبي

عبدالله سنان

الكتاب أطر للعلاقات الثنائية بين اليمن والصين في مراحلها المختلفة بدءا بالقرن الأول الميلادي وحتى 2005 تحليلا وتوثيقا وتأصيلا تاريخا وتفاعلات الطرفين من القضايا التي تهم بلديهما محليا واقليميا ودوليا ولها تأثير مباشر او غير مباشر على علاقتهما ومصالحهما القومية ..

3 - "ظاهرة الثأر في اليمن"

صدرت الطبعة الاولى عن مركز البحوث والمعلومات في أغسطس 2004 ويضم 260 صفحة تناولت الابعاد المختلفة لظاهرة الثأر في اليمن وتداعياتها والمعالجات الواجب اتخاذها للحد من هذه الظاهرة المؤرقة لليمنيين منذ القدم

الكتاب من تأليف: 

زيد يحيى المحبشي

زايد محمد جابر

د.علي أحمد عمر العبسي

فؤاد محسن ثامر

عبدالله أحمد سنان

إبراهيم المزعقي

4 - "اليمن ودول الخليج العربي"

كتاب من الحجم الكبير، يقع في 451 صفحة، صدرت الطبعة الأولى عن مركز البحوث والمعلومات في سبتمبر 2005؛

وهو من تأليف:

 زيد يحيى المحبشي

فاتك عبدالله الرديني

فؤاد محسن ثامر

د. علي علي العبسي

عايش عواس

مجيب الرحمن أحمد عبيد

أحمد عبدالحافظ الحضرمي

 وهو تحليلي توثيقي؛ أطر للعلاقات اليمنية مع دول  مجلس التعاون في مختلف المجالات وتفاعلاتها، والعوامل والظروف التي أثرت فيها: صعودا وهبوطا، تقاربا وتنافرا، إنسجاما وتصادما،والجذور التاريخية لهذه العلاقات منذ ما قبل ميلاد المسيح وحتى العام 2004 ..

5 - "اليمن ودول القرن الأفريقي"

كتاب من الحجم الكبير، يقع في 316 صفحة، صدرت الطبعة الأولى عن مركز البحوث والمعلومات بصنعاء في نوفمبر 2003

وهو عبارة عن دراسة تحليلية توثيقية وتأصيل تاريخي  لعلاقات اليمن مع كلا من جيبوتي والصومال وأثيوبيا وارتيريا والسودان خلال الفترة الممتدة من القرن العشرين قبل ميلاد المسيح عليه السلام وحتى العام 2002

الكتاب من تأليف:

زيد يحيى المحبشي

عبدالله أحمد سنان

أحمد عبدالحافظ الحضرمي

عائش علي صالح عواس

6 - "المبادرة اليمنية لتفعيل العمل العربي المشترك .. رؤية تحليلية"

كتيب يقع في 170 صفحة، صدرت الطبعة الأولى عن مركز البحوث والمعلومات بصنعاء في سبتمبر 2003

وهو من تأليف:

زيد يحيى المحبشي

فاتك عبدالله الرديني

د. سامي محمد السياغي

فؤاد محسن ثامر

عبدالله احمد سنان

توجد نسخ من اصدارات مركز البحوث والمعلومات والتي قاربت نحو 74 اصدار غطت مختلف مجالات المعرفة في دار الكتب اليمنية وفروعها بالمحافظات والمكتبات العامة باليمن ومكتبات مراكز البحوث والدراسات ودور الثقافة اليمنية وبعض المكتبات العامة العربية والدولية منها مكتبة جامعة محمد بن سعود ومكتبة الاسكندرية والمكتبة الوطنية الصينية

 وليس لها نسخة الكترونية على الشبكة العنكبوتية

وكانت قبل 2011 تباع بمكتبة أبو ذر بصنعاء وبعض المكتبات التجارية ومعارض الكتاب السنوية

توضيح:

كان العمل جاري لاطلاق مكتبة الكترونية خاصة بإصدارات المركز، غير أن أحداث 2011 قضت على كل شيئ وتم خلالها للاسف نهب المركز وتدمير محتوياته بما في ذلك نحو عشرة كتب كانت معدة للنشر