زيد يحيى المحبشي
الحرية كلمة بسيطة النطق مكونة من ستة حروف, لكنها عميقة المعنى,
لأنها تلخص تاريخ كفاح البشرية نحو الإنسانية والسلام, لذا فمن المستحيل لأي أمة
من الأمم أن تتحرك نحو الحضارة والتقدم, دون أن تستنشق رحيق الحرية والاستقلال.
حب الحرية يتعارض كلية مع حب القوة.. حب الحرية هو حب الآخر وحب القوة
هو حب النفس
حب الحرية الايمان العملي بالتعدد والتنوع والمواطنة المتساوية
والتنمية المتوازنة والعدالة الاجتماعية, انها ببساطة حكم الشعب, حكم المؤسسات,
مشاركة الجميع في بناء الحاضر والمستقبل.. حب القوة يقوم على الضد.
حب الحرية ثورة شعب ثورة أمة ضد طغيان سلطة قفصية تديرها دكتاتورية
الآنا المتسلطة والمتحكمة دون سواها بغرفة الأقدار لأمة مسحوقة مظلومة مقهورة.
حب الحرية ثورة من ثلاثة مراحل متلازمة ومتداخلة هي:(الهدم وهو
اسهلها, التحول/الانتقال وهو اخطرها لأنه يمثل جسر العبور الآمن بالثورة الى
المرحلة الثالثة ونقطة الفصل في الحكم على نجاح الثورة من عدمه, البناء بناء اوضاع
ونظام جديد يتوافق مع الاهداف التي قامة الثورة من اجلها).
وهذا يعني أنه لا قيمة للهدم مالم يكن بهدف البناء, فهدم نظام فاسد
بدون وجود خطة حقيقية لإقامة نظام عادل هو اخطر من النظام الفاسد ذاته والمستقبل
الواضح المعالم لا يُبنى بالهدم فقط بل برؤى علمية واضحة الترتيب لما بعد الهدم.
انفجار ثورات الربيع العربي المتصرم على ايدي شباب الطبقات الوسطى
والدنيا بقدراتهم المادية البسيطة وخبرتهم السياسية والتنظيمية والحزبية الضحلة
بعيدا عن الاحزاب ودون قيادة واضحة تدير الفعل الثوري ورؤية عملية واضحة المعالم
لما بعد الهدم.. لكن رغم ما سجلوه من مواقف ثورية جسورة بالنظر الى مشروعية المنطلقات
الدافعة بهم الى ساحات وميادين الحرية والكرامة.. إلا أن وثبتهم الثورية المتطلعة
الى المستقبل وصمودهم الاسطوري امام جبروت الديناصورات المتغولة, لم يكن سوى عامل
واحد من عدة عوامل أخرى لعبة دور المساعد وبالأصح المخرج لفيلم السقوط المدوي وخدش
طهر ونقاء الربيع العربي ومنعه من الانتقال نحو حسم الصراع لصالح الحرية في الوقت
ذاته, ورغم النجاح الساحق لشباب الربيع في اسقاط الديكتاتور/ الديناصور فقد مني
الفعل الثوري بالفشل الذريع عندما اراد التطلع للإطاحة بالمنظومة الديكتاتورية/
الديناصورية التي خلفها الديكتاتور العربي المتهاوي.
عوامل كثيرة قادة الى فشل الفعل الثوري في اسقاط المنظومة
الديكتاتورية منبعها غياب القيادة الكارزمية الثورية وغياب الرؤية الثورية الواضحة
لما بعد الهدم مضافا إليها بروز ثلاثة ظواهر متلازمة ومتداخلة لعبة دورا محوريا في
خدش مشروعية احلام وتطلعات الفعل الثوري وخلق الارضية الملائمة لخروج افاعي
وخفافيش الابواب الخلفية من جحورها
وانقضاضها على حصان الثورة وكبح جماحه, وهي:(انقسام المعارضات, عسكرة الثورات,
الاستنجاد بالأجنبي وطلب التدخل الخارجي).
ولهذا قلنا ان عملية الهدم المتمثلة في تغيير أو اسقاط أو رحيل أو
هروب أو قتل الديكتاتور لا تعني بالضرورة تغيير النظام وسقوط منظومته الديكتاتورية(اعوانه,
قيمه, أجهزته القمعية) ولا تعني بالضرورة ان طريق الاصلاح والبناء بات مفروشا
بالورود, لأن مرحلة التحول ملغومة وحافلة بالكثير من المفاجآت الكفيلة بنسف واجهاض
كل الآمال المعلقة على التغيير الآمن والسلس, خصوصا أن الحرس القديم بتلاوينه –
وليس صانعي الثورة – هو الذي يضمن ويشرف ويدير هذا التغيير بدعم وإسناد وتوجيه منقطع النظير من
طغاة الامبريالية العالمية وأعوانهم الاقليميين.
والحقيقة المرة أن الحرس القديم ما كان له تسنُم ظهر الثورة والثوار
وما كان لقوى النفوذ الاقليمي والدولي هذا التدخل الموغل في الفحش لو كانت هناك
قيادة ثورية موحدة ورؤية ثورية واضحة الترتيب لأولويات التحول والبناء.. وهو ما
لمسناها في تغير وتزايد وتضارب مطالب الثوار كل يوم وتخبط رؤاهم وتشعبها وتضادها
وما خلفته من كوارث ونتائج غير محسوبة العواقب.
والنتيجة استحالة بناء مستقبل واضح المعالم على رؤى غير واضحة
واستحالة الانتصار للحرية لأن هدم الباطل يفوق بكثير القدرة على اقامة الحق
بديلاً.
اليمن أحد بلدان الربيع العربي المتصرم كنموذج لم يحرز شيء بعد عامين
من عمر الفعل الثوري, فالجمعة الجمعة والخطبة الخطبة والديمة الديمة, باستثناء
متغير وحيد ويتيم الاحزان طبعا انصافا للتاريخ هو: (الانتقال من خطف الثورة إلى
خطف الدولة والسيادة) وهكذا تحولت الحرية الحلم الوردي الى غابة اشواك اقحوانية فتاكة
والثورة المحقة في منطلقاتها الاكثر من مشروعة الى كابوس وذعر ومخاوف لا تنتهي من
اهاويل حاضر متشضي ومستقبل غير واضح المعالم وحرية لم تجد لها مكانا في عالمنا
العربي بعد.. إنها ببساطة فتنة الفوضى بعد سكرة الثورة!!.