Translate

الأربعاء، 26 يونيو 2013

العلامة الحجة محمد بن يحيى بن هادي السعيدي السيراني الأهنومي الشهير بـ "يايه"


(1297 هـ/ 1880 م - 1369 هـ/ 1950 م)

عالم رباني، فقيه مجتهد، قاضي جليل، مُفتي، مُرشد، مُدرس.

مولده ببلاد بني سعيد، من بلاد الأهنوم، في 1297 هـ، الموافق 1880 م، ووفاته بمدينة المحابشة، من بلاد حجة، في 1369 هـ، الموافق 1950.

تأصيل أُسري:
آل يايه لقب أسرة من أبناء عزلة جبل "سِيران الغربي" في بلاد الأهنوم بمديرية شهارة، وقد يُعرفوا بلقب "آل بني سعيد" ومن أعلامها صاحب الترجمة، توطن المحابشة حاكماً للإمام يحيى حميد الدين، فصارت موطناً لأولاده وأحفاده وأحفادهم.
وآل الأهنومي، بفتح الألف الثانية وسكون الهاء وضم النون، أسرة كبيرة نِسبتها إلى الأهنوم بن الحارث بن حُديق بن عبدالله بن قادم بن زيد بن عُريب بن جُشم بن حَاشد، وهي بلدة واسعة تقع شمال حجة، وتتكون من عشرات القبائل، تمتد على جبال المدان وشهارة، منها جبل "سِيرَان"، وإليها يُنسب آل يايه في المحابشة من بلاد الشرف، ومنها أسر توطنت مناطق متفرقة من محافظة الشرفين، كالأمرور والمحابشة والمفتاح، وهذا ما يهمنا هنا.
من أعلامهم في المحابشة:
1 - أحمد بن أحمد بن أحمد الأمين الأهنومي (1362 هـ/ 1943 م - 1401 هـ/ 1981 م)، فقيه وتربوي ومُرشد وداعية، مولده بقرية مشن جنوب مدينة المحابشة، من المناصب التي شغلها: مُدير ومُؤسس معهد النور العلمي بمدينة المحابشة، مُدير المعاهد العلمية بالشرفين يوليو 1980، مُرشد الشرفين بوزارة الأوقاف، مُؤسس جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في محافظة حجة ومعهد الحسنين العلمي بمذروح من أعمال مديرية المحابشة ومعهد الزهراء للبنات بمدينة المحابشة ومعهد بيت غيلان بمديرية أفلح اليمن ومعهد بني مدخية بمديرية الشاهل، ومن ملفاته: تبرئة الإمام زيد بن علي مما نُسِب إليه تحقيق نجله الأستاذ الجامعي والداعية الدكتور أحمد بن أحمد الأمين الأهنومي.
2 - أحمد بن محمد بن يحيى بن هادي السعيدي السيراني الأهنومي الشهير بـ "يايه" (1344 هـ/ 1926 م - 1421 هـ/ 2001 م)، مرجعية دينية وشيخ الزاهدين وزين العابدين في زمانه، وهو من العلماء القلائل الذي وهبوا حياتهم لله تنسُّكاً وعبادة، وابتعدوا عن بهارج الدنيا وفتنتها، مولده بقرية الجرد جنوب مدينة المحابشة، من مؤلفاته "منسك الحج والعمرة على أقوال أئمة العترة".
3 - عبدالله بن محمد بن محمد بن يحيى بن هادي يايه (1966 - معاصر)، أكاديمي وأستاذ ومُحاضر جامعي في كلية الزراعة بجامعة صنعاء والجامعة اليمنية في مجال هندسة المكائن والآلات الزراعية والتقنيات الحديثة، حصل على درجة البكالوريوس من جامعة الملك فيصل بالسعودية في مجال الهندسة الزراعية 1989 ودرجة الماجستير من جامعة بغداد في مجال المنشآت الزراعية 1994 ودرجة الدكتوراه من جامعة الموصل العراقية في مجال الهندسة الزراعية 1998، من المناصب التي شغلها: نائب عميد كلية الزراعة بجامعة صنعاء لشؤون الطلاب "2002 - 2007"، نائب عميد كلية الزراعة بجامعة صنعاء لشؤون البيئة وخدمة المجتمع "2007 - 2013"، رئيس مجلس إدارة مزارع كلية الزراعة بجامعة صنعاء "2007 - 2013"، نائب رئيس الجامعة اليمنية لشؤون الطلاب "2009 - 2014"، نائب رئيس الجامعة اليمنية للشؤون الأكاديمية "2014 - 2018"، رئيس الجامعة اليمنية 2018 ، قائم بأعمال نائب عميد الشؤون الأكاديمية بكلية المجتمع في سنحان، ، عضو لجنة التحكيم بالهيئة العليا للابتكار، حصل على جائزة رئيس الجمهورية في مجال المياه والبيئة 2009، له أكثر من 25 بحث منشور.
ومن أعلامهم في المفتاح:
1 - حمود بن عبدالله الأهنومي (1970 - معاصر)، فقيه وأستاذ ومحاضر جامعي وباحث ومحقق، مولده بقزعة المفتاح من الشرف الأعلى، وأصل أسرته من قفلة صوانة سِيران الأهنوم، حقق العديد من الكتب وله العديد من المؤلفات والعشرات من الأبحاث الدينية منها: حركة الأسود العنسي في اليمن، المسعودي ومنهجه التاريخي في مروج الذهب، يزيد بن معاوية والحركات الثائرة عليه، الامام المهدي بن يحيى المرتضى حياته ودوره السياسي والحضاري، ملكية أراضي المدينة في عهد رسول الله، الحياة العلمية في القاهرة في القرن الثامن الهجري من خلال الكتابات التاريخية لابن حجر العسقلاني، مذبحة حُجاج اليمن في تنومة وسدوان.
2 - عادل بن علي بن علي الأهنومي - رئيس لجنة التخطيط والتنمية والمالية بمحلي المفتاح.
3 - عبدالرحمن بن عبدالله الاهنومي ( .. - معاصر)، من مواليد سبعينيات القرن العشرين الميلادي، إعلامي وكاتب ومُذيع، من المناصب التي شغلها: مُذيع ومقدم برامج بقناة المسيرة، رئيس مُؤسستي الثورة والإذاعة والتلفزيون.
ومن أعلامهم في الأمرور: شاري بن علي بن حسين بن أحمد شاري الأهنومي (1389 هـ/ 1969 م - معاصر)، مولده بسعدان الأمرور في الشاهل، وهو أديب وكاتب ومُخرج مسرحي، حصل على درجة البكالوريوس في مجال الجغرافيا من كلية التربية بجامعة صنعاء 1997، من المناصب التي شغلها في محافظة حجة: مدير المركز الثقافي "1996 - 1997"، مدير إدارة الثقافة بمكتب الثقافة "1997 - 1999"، مدير إدارة التخطيط والإحصاء بمكتب الثقافة والسياحة "1999 - 2005"، مديراً إدارة المتاحف والمخطوطات بمكتب الأثار "2005 - 2009"، نائب مدير عام مكتب الثقافة يناير 2013.

التحصيل العلمي:
أخذ العلوم الشرعية عن كوكبة من علماء الأهنوم وصنعاء وشهارة وساقين.
من علماء الأهنوم: العلامة قاسم بن محمد الوادعي.
من علماء صنعاء: العلامة علي بن محمد حميد الدين، العلامة محمد بن علي زائد، وغيرهما.
من علماء شهارة: العلامة عبدالله بن أحمد المجاهد، العلامة محمد بن سعد الشرقي، العلامة محمد بن عبدالله الغالبي، وغيرهم.

السجل الوظيفي:
تولى القضاء في مقام الإمام يحيى بن محمد حميد الدين بعدة مناطق، منها:
1 - حجور الشام، 1326 هـ، الموافق 1908.
2 - بلاد الشرفين، 1345 هـ، الموافق 1926.
3 - ساقين من أعمال خولان بن عامر بصعدة.
وكان يقوم بتدريس العلوم الشرعية إلى جانب عمله.
كلّفه الإمام يحيى بن محمد حميد الدين بتأسيس مدرسة علمية في مدينة المحابشة سنة 1361هـ الموافق 1942، فقام بذلك، وتولى إدارتها والتدريس فيها.

قال عنه العلامة إسماعيل بن علي الأكوع: 
ولما طلب منه الإمام أحمد مبايعته إماماً، اشترط موافقته بتسهيل الإمام أحمد الحُجَّاب للناس، للدخول إليه لقضاء حوائجهم، فقال الإمام: هذا آية وليس يايه.
كان صُلباً في رأيه، قوياً في عقيدته، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر.

الإنتاج الفكري:
له كما يذكر العلامة الراحل "عبدالسلام عباس الوجيه" رسالة في تفضيل أمير المؤمنين وذكر فضائله.

أولاده: أحمد، عبدالله - مولده في العام 1332 هـ عمل في القضاء، محمد - وفاته في يوم الأحد 8 شعبان 1442 هـ الموافق 21 مارس 2021 عمل في القضاء، وكلهم علماء أجلاء مجتهدين.

مراجع ذُكر فيها العلم:
1 - إبراهيم المقحفي، موسوعة الألقاب اليمنية، الجزئين الأول والسابع، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع - بيروت، الطبعة الأولى - 2010.
2 - إسماعيل بن علي الأكوع، هجر العلم ومعاقله في اليمن، الجزء الرابع، دار الفكر المعاصر - دمشق/ بيروت، الطبعة الأولى - 1995.
3 - عبدالسلام بن عباس الوجيه، أعلام المؤلفين الزيدية، الجزء الأول، مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية، الطبعة الثانية - 2018.
4 - عبدالولي الشميري، موسوعة أعلام اليمن ومؤلفيه، مؤسسة إبداع للثقافة والآداب والفنون، الطبعة الأولى، 2018، ترجمة رقم 6178 و10717.
5 - يحيى محمد جحاف، حجة معالم وأعلام، مكتبة خالد للطباعة والنشر، صنعاء، الطبعة الأولى - 2013.
6 - الموقع الإلكتروني لكلية الزراعة بجامعة صنعاء.
7 - الموقع الإلكتروني للجامعة اليمنية.
8 -  - مذكرات الباحث زيد المحبشي. 

الأحد، 23 يونيو 2013

لا خلاف ديني بين الزيود والشوافع



كان رجال الدولة العثمانية في جميع أيام حكمهم لليمن يسعون إلى بذر بذور الشقاق بين أهل البلاد، فتارة كانوا يستميلون إليهم الشوافع ويضربون بهم الزيود، وتارة كانوا يستعينون ببعض الزيود لضرب الشوافع!! وقد بثوا داخل بلاد اليمن وخارجها دعاية باطلة خلاصتها أن الزيود والشوافع لا يحب بعضهم بعضاً وأنهم يتحينون الفرص لإيقاع بعضهم ببعض، وأن هناك اختلافاً في العقائد الدينية بينهم.
ومما يُؤسف له أن نجد بعض كُتاب العرب في هذا الوقت يأخذون بهذه الدعاية فيكتبون عن العرب فصولاً في هذا الباب كلها أباطيل.
أنا لا أنكر أن هناك بعض اختلافات مذهبية ثانوية بين الزيود والشوافع، ولكني لا أُعِيرَها أية أهمية، لأنه لا شأن لها من الوجهة القومية، ولا من الوجهة الدينية، واليك بعض الامثلة:
يجوز عند الزيود تحليف اليمين للمدعي والمدعى عليه، ولا يجوز عندهم أن يُقال آمين في نهاية فاتحة القرآن الكريم.
وفي الطلاق لا يعتبر الزيود قول الرجل لامرأته طلقتك ثلاثاً، إلا بمثابة قوله طلقتك مرة واحدة، فيجب على من أراد طلاق امرأته ثلاثاً أن يُعيد هذه العبارة ثلاث مرات – في ثلاث حيضات متتابعة دون مواقعة أو مراجعة - .... إلى غير ذلك من الاختلافات اليسيرة.
والزيود جمع (زيدي) نسبة إلى زيد بن علي، ومذهب زيد بن علي فرع من فروع مذاهب المعتزلة!!، فلا يجوز والحالة هذه أن يُطعن في الزيود من الوجهة الدينية، وما من عاقل من المسلمين يجرؤ على الطعن في مذهب زيد بن علي.
وقد قال أحد الأدباء الذين زاروا اليمن في كتاب كتبه عن رحلته ان حكم الإمام يحيى حكم زيدي لا حكم عربي، وأن الشوافع ليسوا راضين عنه وأنهم محرومون من الوظائف، وهذه الأقوال مُبالغٌ فيها كثيراً، فجلالة الإمام يحكم جميع البلاد على السواء، ولا يفرق بين حقوق رعيته، لإختلاف مذهبهم أو دينهم، وهو لا يحترم الشوافع فقط، بل يحترم اليهود أيضاً، الذين هم أقلية ضئيلة، ويعاملهم كمعاملة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم في صدر الإسلام لأهل الذمة.
وأما الشوافع فهو يحترمهم كثيراً ويعتمد على بعض كبار رجالهم، وقد عين منهم الكثيرين في وظائف مختلفة، فالمزجاجي من الشوافع وهو عامل الإمام في لحية – اللحية بالحديدة – وأخوه عبدالله عامل في زبيد ومحمد باسلامة عامل إب وهو أيضاً من الشوافع ومأمور خزينة الإمام من الشوافع واسمه الحاج لطف.
كما أن كثيرين من أئمة الجوامع هم من الشوافع، والمثال على ذلك الشيخ طاهر إمام جامع بئر العزب في صنعاء، وجميع من ذكرت هم من الموظفين الكبار.
وأما الموظفون الصغار من الشوافع المستخدمون في اليمن، لا يحصى عددهم، كما أن وزير خارجية الإمام القاضي محمد راغب هو من الشوافع أيضاً ويُنسب إلى أصل تركي.
ويجدر بالذكر هنا أن معظم الكُتاب الذين كتبوا عن اليمن عقيب الحرب العالمية، لا تخلوا كتاباتهم من الدعايات والأغراض، وذلك لأن بعض الدول الأجنبية أخذت تزاحم على هذه البلاد، ولا تمر سنة إلا ونجد في صنعاء مندوبين كثيرين أوفدتهم دول مختلفة أو شركات اجنبية لمفاوضة الإمام في بعض الشئون السياسية والاقتصادية.
وقد إتفق أنني عندما زرت صنعاء في إحدى رحلاتي المتعددة كانت فيها وفود ألمانية وأميركية وإيطالية وبريطانية وروسية.
وبكل أسف أن هذه الدول وتلك الشركات، وجدت لنفسها خارج اليمن بعض الدُعاة المأجورين!! الذين أخذوا يكتبون عن اليمن أشياء كثيرة تسويداً لصفحته!! ومعظم هذه الأشياء إفتراء وإختلاق!!.))
المصدر// نزيه مؤيد العظم "رحلة في بلاد العربية السعيدة سبأ ومأرب"، الجزء الأول، مؤسسة فادي برس- لندن، الطبعة الثانية 1985م، ص 57 - 58

الأربعاء، 5 يونيو 2013

(لقد رأى من آياتِ رَبِه الكبرى)

زيد يحيى المحبشي
يحتفل المسلمون في أنحاء المعمورة في 27 رجب من كل عام بذكرى عظيمة على قلوب المؤمنين هي ذكرى "الإسراء والمعراج" إمتثالاً لقوله سبحانه وتعالى: "ومن يُعَظِم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب" الحج/32 .
معجزة الإسراء والمعراج واحدة من الآيات الإلهية الكبرى التي أيد الله بها نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بعد حصار قريش لبني هاشم في الشعب وموت الناصر - أبي طالب شيخ الأبطح -  والونيس - خديجة الكبرى - ونكبة وصد أهل الطائف، فكان فرج الله لنبيه بالإسراء والمعراج: "لنُرِيَهُ من آياتنا.." الإسراء/1
(من) تبعيضية بمعنى بعض آياتنا وليس كل آياتنا؛ تثبيتاً لقلب نبيه حتى يتحمل كل ما يلاقيه من سخرية واستهزاء وعذاب قريش وغيرها.
الإسراء والمعراج هدية ربانية أتت لتنفيس وتفريج كرب المصطفى عما كان يلاقيه من ألم صدود وجحود أهل الطائف وألم تعقب ورفض كفار قريش، وهي بالمرتبة الأولى رحلة استكشاف للكون .. وما في قوله تعالى: "لقد رأى من آيات ربه الكبرى" النجم/ 18
(من) تبعيضية بمعنى بعض آيات ربه الكبرى وليس كلها، من الغموض وعدم الإفصاح وعلامات التعجب والاستفهام عما رآه صلى الله عليه وآله وسلم ما يكفي لتبيين أهمية هذه المعجزة التي كرم الله بها نبيه.
معجزة الإسراء والمعراج التي يحتفي بها المسلمون في السابع والعشرين من شهر رجب الأغر كما هو واضح من مسماها تتكون من مرحلتين
الأولى: الإسراء من المسجد الحرام - محطة الإنطلاق - على ظهر البراق إلى المسجد الأقصى - محطة الإستراحة - والصلاة بأرواح الأنبياء إماماً في تلك البقعة الطاهرة والتهيؤ النفسي والمعنوي لبدء المرحلة الثانية: من الرحلة المقدسة وهي العروج إلى السماوات العلى؛ والمعراج كالسلم يصعد فيه إلى سماء الدنيا ثم إلى سِدرة المنتهى وهي مجرد رمزية لتوصيف عملية الانتقال من عالم الخلق الى عالم الخالق .. وفي كليهما تنقل صلى الله عليه وآله وسلم روحاً وجسداً .. وفي كليهما لم يتحدث صلى الله عليه وآله وسلم عن كل ما رآه بل عن شيئ يسير فقط تناقله الرواة فأضافوا إليه ما خُيل لهم أنه صالح لشرح آيات الله الكبرى التي رآها صلى الله عليه وآله وسلم .. فكان بعضها بحسن نية وبعضها من دس المنافقين ليشوشوا علينا أمر ديننا وليجعلوه مع العقل السليم والفطرة السليمة والسنة السليمة على اختلاف وتناقض .. فيتسرب الشك إلى القلوب ثم الكفر والجحود.
وحسبنا أن القرآن الكريم قد وصفها بـ"الكبرى" وهذا الإجمال في الوصف لطفٌ من الله لنا .. لأن عقولنا أقل من مستوى تلك المعلومات التي اختص الله بها نبيه مع أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يرى إلا ما أذن الله له أن يراه .. وقد وصف سبحانه وتعالى محافظة نبيه على حدود اللياقة والأدب وعدم مد النظر إلى ما لم يُأذن له برؤيته فقال سبحانه: "ما زاغ البصر وما طغى، لقد رأى من آيات ربه الكبرى" النجم/17 – 18
ولنا أن نتصور ما شئنا من آيات الله الكبرى التي أطلع عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكن شريطة أن نعرض ذلك على كتاب الله فما وافقه فهو الصواب وما خالفه فهو باطل مردود .. وعقل المخالف بلا شك محتاج إلى طبيب وليس القصد الإطالة وتصحيح وتنقية ما روي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الرحلة العظيمة المباركة وإنما الوقوف على الحكمة من هذه المعجزة الإلهية ..
وقد عرفنا أن القرآن الكريم جعل الحكمة "الصريحة" في ذلك: تثبيت قلب الرسول الخاتم بما رآه من آيات ربه الكبرى ليزداد هُدى ونوراً وصبراً على تحمل ما لاقاه ويلاقيه بعد موت أبي طالب وخديجة من ضروب الإهانة والسخرية والتعذيب ..
 والحكمة "الضمنية": اشعار الرسول الخاتم وأمته بوحدة الشريعة السماوية المنزلة عليه والرسل من قبله فهو صلى الله عليه وآله وسلم لم يأتِ بشيئ جديد ولم يكن أول من تلقى الإهانة والتعذيب في سبيل الله، فقد تلقاها من قبله إبراهيم الخليل وموسى الكليم، ويشير إلى هذا رحلته صلى الله عليه وآله وسلم إلى بلد الأنبياء "القدس الجريح" وتعريجه على طور سيناء جبل الكليم موسى عليه السلام وإتفاقه بأرواح الأنبياء عليهم السلام.
لذا وجدت قريش في هذه الحادثة التي سمتها "خرافة" مرتعاً خِصباً لنشر الأقاويل والأكاذيب والدعايات المغرضة ضد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .. ويأبى الله إلا أن يُتِمَ نوره ولو كره الكافرون .. وتظهر آيات ذلك في وصفه صلى الله عليه وآله وسلم لبيت المقدس وصفاً دقيقاً كأنه يراه الساعة وإخباره صلى الله عليه وآله وسلم ببعير لقريش في الطريق وما شرد منها وما جرى لماء قافلتهم ومتى يصلون مكة .. وبرغم من كل ذلك: أمن من أمن وصدق، وكفر المعاند الجهول الغوي.
الاسراء والمعراج ببساطة إعجازٌ أبهر الكافر والمعاند والزنديق والمنافق .. وأظهر مدى علم الله وضآلة العلوم الحديثة التي لا زالت تدور في محك بسيط من سماء الله المليئة بالأسرار والعجائب