Translate

الاثنين، 15 يناير 2018

هتلر الحرمين الشريفين!!

الطريق إلى الجحيم مُسفلتٌ بالنوايا الحسنة والأهداف النبيلة والشعارات الرنانة والمنطق البارد الكئيب المتعطش للدماء والدمار والخراب ..
 إنه كوكتيل "مولوتوف قرن الشيطان" الحارق الذي لم يخطئ أبداً في إهدار الإنسانية عبر تاريخها الطويل والتلذذ بحفلات الدم والنار والقهر
* فباسم الخير الأعظم للأمة الألمانية أدار أدولف ألويس هتلر عجلة دمار كونية هائلة حصدت أرواح عشرات الملايين من البشر، مُحيطاً كل ذلك الإجرام والعدوان بموسيقى جميلة وتنظيم مثير للإعجاب ومذهب إعلامي ودعائي بارع .. ومخلفاً ورائه إرثاً دموياً خبيثاً لا زالت البشرية تعاني من ويلاته وأثاره الإجرامية إلى اليوم ..
 وأعانه على ذلك جمعٌ دمويٌ حاشد وكبير من الطغاة والمستبدين والمرتزقة، الذين لم يدخروا جهداً في ميدان التسابق لتسويغ وتعزيز قرفهم الهتلري النازي، بقائمة طويلة من الشعارات البريئة واليافطات المضيئة والنوايا الحسنة والاهداف النبيلة وغيرها من الأساليب الشيطانية التبريرية لجرائمهم ودمويتهم وطغيانهم وهمجيتهم ووحشيتهم ..
 * وباسم الخير الأعظم للأمة العربية ها هو هتلر الحرمين الشريفين يدير ذات العجلة الهتلرية التدميرية وبذات الطريقة النازية الموغلة في الفحش والإجرام والحقد المخضب بدماء الأبرياء ..
وهذه المرة ليس ضد المخالفين في المعتقد والفكر والعرق أو ضد أعداء الأمة العربية وناهبي خيراتها ومنتهكي حرماتها ..
بل ضد بلد يشاركه الجغرافيا والدين والفكر والتاريخ والعرق وصلات الرحم ..
 بلد جريمته الوحيدة أنه أراد العيش بحرية وكرامة وسيادة وعزة نفس بعد عقود من الوصاية والتبعية والهيمنة والإذلال والهوان والقهر التي لاقاها أبنائه من جار السوء .. وهو ما دفع سليل أكلة الأكباد إلى الاعتقاد بأن انتفاضة شعب اليمن الحر الأبي على طغيانه وجبروته وغطرسته وهيمنته خروجاً عن بيت الطاعة التي إعتادها جلاوزة أسرته المتهالكة، فلم يكن أمامه من خيار سوى استحضار اللعنة الهتلرية المحرقة للشجر والحجر والبشر من أجل تأديب المارد اليمني وإعادته إلى بيت الطاعة وهيهات له ذلك ولا نامت عيون الجبناء
اضاءة:
 "التشيع كلمة أغضبة الطغاة وزلزلت عروشهم وقضَّت مضاجعهم وسرقت النوم من عيونهم ..
وأحدثت هزةً عنيفةً في ضمير الأمة لا تدعُها تنام على التخلف والانهيار والذل والهوان
 زيد يحيى المحبشي؛ المنار المقدسية؛2015-04-14

صحافة الرجل الاخرس


زيد يحيى المحبشي
ليس بوسع حرفة الكتابة أن تكون شيئاً في عالم الفقراء, سوى حرفة غير مشروعة, يمارسها صحفيون لا حرية لهم, أمام مواطنين لا سلطة لهم, بموجب قانون كامن في حرفة الكتابة ذاتها.
ولذا نجدها في عهد الجاهلية الأولى سلاحاً إدارياً فتاكاً بيد الإقطاعيين والمؤسسات الدينية, لتتحول بعد ظهور الإسلام إلى أداة راقية, معنية بعمل رسالي غايته خدمة شرع الناس ودعوتهم إلى تحرير أنفسهم من أغلال الإقطاعيين والمؤسسات الدينية معاً.
أما اليوم فهي مجرد أداة مسلوبة الإرادة والهدف, تحركها السلطات الحاكمة والكارتلات الرأسمالية, لتسجيل ما ترى أنه يستحق التسجيل, وتزوير ما ترى أنه يستحق التزوير, وترك قضايا الواقع تتكلم في الشارع إلى ما لا نهاية, بعد أن صار الحديث عن قضايا أخرى خيالية ربما لا تنقصها الإثارة أو حُسن الصياغة بقدر ما ينقصها صوت الناس، أي صوت السواد الأعظم من البسطاء.
والأهم من هذا وذاك بروز طائفة من الصحفيين، لا هم لهم سوى التركيز على ترويج الشائعات وإثارة الفتن وتغذية النعرات والحساسيات بين الطوائف والمذاهب والعرقيات, وتأجيج نيران الصراعات السياسية والحزبية ومعاداة قضايا الفقراء وتلميع سلطات الأقفاص الزجاجية والتفنن في التحايل الإعلاني وغيرها من الأثافي والأساليب الملتوية واللآوية لعنق الحقيقة والسالبة لقُدسية وطُهر وأخلاقيات صاحبة الجلالة.
هي إذن الجاهلية الثانية تطل بقرونها المتشيطنة من جديد, ولكن هذه المرة من بوابة الصحافة العصرية في زمن صارت فيه العلاقة بين صاحبة الجلالة – الصحافة - وصاحب الجلالة - رأس المال - علاقة ملوكية قولاً وفعلاً قوامها الذهب والفضة.
فرأس المال يضمن وجود الإعلانات ويضمن في الوقت ذاته إسفين الصراعات السياسية والدينية والثقافية والفكرية والاجتماعية .. والذي بدوره يقود إلى فتح مناجم الذهب والفضة، وفتح طاقة ليلة القدر في سوق الصحافة، ما يجعل منها حرفة مجزية ومثيرة للرهبة، من حرقت الملكات، ولا زالت.
والعكس صحيح ففي غياب رأس المال تتحول الصحافة إلى مجرد سيدة من دون ألقاب, وفي مثل هذه الحالة لا يتوقع أحدٌ صحافةً اسمها "صاحبة الجلالة", وإذا ما حدثت فارقة وظهرت مثل هذه الصحافة فجأة, فإنها لا تكون صاحبة الجلالة حقاً، بل مجرد سيدة جائعة تعرض جسدها الجائع للبيع.
الصحافة في مفهوم الشرع الجمعي وسيلة اتصال وصوت مفهوم يتحدث عن واقع الناس, وينقل حديثهم عنه, لذا فهي لا تتعمد الانتشار بل تنتشر تلقائياً، لأنها صوت الناس أنفسهم كما يتردد في بيوتهم وشوارعهم، لا كما يتردد في ردهات وأروقة القصور وصالات وبورصات الكارتلات الرأسمالية والسلطات القفصية، المؤصدة الأبواب والأذان عن صرخات وآلام وأنين الفقراء.
الصحافة الرسالية لا تحفل بالمانشيتات العريضة والعناوين الضخمة, والتي أضحت في عالم اليوم أشبه بوسيلة التخدير ضد كل ما يحدث في الواقع, وهي في الزمان والمكان ومع ذاتها والآخرين ومع أشكال الحياة وأخطارها, تتقاسم العامل الأخلاقي والأمانة المهنية والنزاهة والتجرد والحيادية والموضوعية والمصداقية, وتنأ بنفسها عن التهويل والتلميع والترويج المجافي للحقيقة والواقع.
لذا فهي ليست وسيلة من وسائل جمع المال, ولا أداة من أدوات الارتباطات الأمنية, ولا بوقاً من أبواق إثارة الفتن والصراعات وإشعال الحرائق في صيغة التعايش المشترك, ولا جهازاً من أجهزة إرضاء خفافيش وعشاق الظلام وأعداء الحرية والرأي والرأي الآخر, وهي لا تضع رأيها الشخصي من وحي الاستدعاءات القضائية أو الأمنية أو الارتزاق الإعلامي أو الحقد الثأري أو الوثنية التي لا تعرف العبادة إلا مع الأصنام.
إنها باختصار شديد مهنة رسالية, تقاوم زمن الشبهة والزيف والمجاملة والمحاباة, لزمن القصابين والجلادين والعطارين وحملة المباخر.
فإذا كنت واحداً من أبناء هذه المهنة المتعبة, فعليك أن تعي جيداً أنك ستجد نفسك في بيئة, لا تعدك بغير التضحية والتعب والإرهاق وتلف الأعصاب, وبالقدرة على تحويل ترفك إلى نوع من الإثارة الطبيعية والتكيف الطبيعي, حتى مع ما يهدد أمنك واستقرارك ويخترق جميع حدود ذاتك ورغباتك, حينها فقط تصبح جزءاً من بناءات الذات الإنسانية الرسالية, المتبدد والمندثر داخلها كل ما هو أناني وانتهازي ووصولي, وتعويضها بوسام الشرف وعهد الوفاء للمهنة الرسالية.
أما عندما تتوحد الغاية مع الوسيلة توحيداً عضوياً, سمته الانفصالية والازدواجية, فستكون عاقبة المآل الدخول في دوامة الانفصام والالتباس والديماغوجية, وحينها تتحول حرفة الكتابة إلى مجرد صحافة خرساء مُهِينة وفاتكة بسمعة وشرف المهنة الرسالية, وحينها فقط نقول على الدنيا السلام ...

إذا أردت أن تخرب أي بلد فقط أطلق سراح الحمير فيها

"إذا أردت أن تخرب أي بلد فقط أطلق سراح الحمير فيها" ..
يروى أن أحدهم كان لديه حمارا يقضي له حاجاته وعندما ينتهي من مشاويره يربطه بشجرة أمام منزله ..
وفي أحد الأيام أتى إبليس وفك حبل الحمار وتركه وكان هناك حديقة مجاورة وبدأ الحمار يأكل الأخضر واليابس فيها .. صاحبة الحديقة سمعت الضجيج  فخرجت لترى الحمار يعبث بمحتويات حديقتها بعد أشهر من التعب والإنفاق في زراعتها ومن حرقتها دخلت المنزل وأخذت بندقية زوجها وأطلقت النار على الحمار فمات من فوره .. سمع صاحب الحمار صوت الرصاص فخرج ليجد حماره مضرجا بالدماء ومن فوره أخذ قضيبا كان مرميا على الأرض وضرب صاحبة الحديقة على رأسها فماتت من فورها..  وفي المساء عاد زوجها متعبا ومرهقا ليجدها مضرجة بالدماء فأخذ بندقيته وقتل صاحب الحمار وثارت الحرب بين العشائر وأزهقت الكثير من الأنفس البرئية ..
  وعندما سألوا إبليس لعنه الله أيش عملت .. قال لم أعمل شيئ  .. فكيت حبل الحمار فقط  ..
لذلك قالت الحكماء:
"إذا أردت أن تخرب أي بلد فقط أطلق سراح الحمير فيها"

عبودية الأذهان

عبودية الأذهان أشد فتكا وخطورة وتدميرا من عبودية الأوطان ولذا فعلينا أولا كي نحرر وطننا من دنس المحتلين تحرير عقولنا من عقدة الأنا والتطهر من وباء الانتقام والاحقاد والمصالح الشخصية والفئوية والعمل على تفعيل قواسم التقارب لا التنافر  والبحث عما يجمع الناس لا ما يفرقهم
.. زيد يحيى المحبشي

منهج السلامة كمدخل للتعايش السلمي

"التعايش السلمي ضروري وواجب شرعي وإنساني حتى تستقر الحياة وتستمر ويتحقق بذلك مفهوم الخلافة التي من أجلها وجد الإنسان، وذلك وفق منهجية إسلامية معتدلة بوعي"
.. الحبيب طاهر محمد الهدار
* ارساء قواعد السلم الاجتماعي والتعايش السلمي واجب شرعي وإنساني من أجل:
1 - طي صفحة المآسي والكوارث التي لم تعد تغادرنا بما فيها من ضعائن وأحقاد وأنانيات وتحريش وتجييش وتحريض وتكفير وتسفيه وهتك للحرمات وسفك للدماء المحرمة
2 - إطفاء فتيل الاشتعال الاجتماعي والفكري والثقافي والمذهبي الملتهب
3 - إزالة الحواجز النفسية والفكرية
4 - الخروج الآمن بالبلاد من هذه الدوامة القاتلة التي نعيشها .. ألخ
* ارساء قواعد السلم الاجتماعي والتعايش السلمي يعني ببساطة اتباع منهج السلامة القائم على:
1 - الوسطية الشرعية والاعتدال الواعي
2 - نشر ثقافة المحبة والألفة والأخوة والوفاء والتصالح والتسامح والتعاون على البر والتقوى
3 - التضحية بالمصالح الذاتية والتنازل لبعضنا البعض من أجل المصلحة العامة وحقن الدماء
4 - الإيمان بحتمية العيش المشترك والتعايش السلمي وحرية التعبير والتفكير والتنوع والتعدد والقبول بالأخر المختلف والتسامي على كل الجراح ..
اللهم اجعلنا من عبادك المخلصين واجعل حبنا وتواصلنا خالصا لوجهك الكريم
 جعل الله ايامكم عامرة باعمال الخير وصلة الأرحام وتعهد الجيران والفقراء والمحتاجين والتنفيس عن المكروبين واغاثة الملهوفين وجعلكم الله من الأزهار الالهية التي تزرع المحبة والمودة والتسامح والسلام والاخاء والفضيلة والأمل والابتسامة أينما حلت ونزلت

السبت، 21 مارس 2015

الجهاد الإرهاب العنف تداول السلطة

 إعداد: د/ المرتضى بن زيد المُحَطْوَري الحسني، أستاذ الشريعة بجامعة صنعاء، عضو جمعية علماء اليمن
(مركز القدس للدراسات السياسية، المؤتمر الدولي: /نحو خطاب إسلامي ديمقراطي مدني/ عمَّان- الأردن)
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد اتصال من السيدة المبجلة/ هالة سالم المدير التنفيذي بمركز القدس للدراسات السياسية، بادرت إلى كتابة ورقة أسطر فيها فهمي للإرهاب، والعنف، والتداول السلمي للسلطة؛ من خلال تجربتي ومعاناتي الشخصية التاريخية، وقد عرفت العنف عن قرب، واكتويت بنار الإرهاب الفكري، والمادي، فلا أحتاج إلى معاناة لأنبش عن ذكريات الإرهاب، والعنف، والاستبداد.
لقد بدأ المسلسل الدامي منذ شاهدت بأم عيني وأنا في سن الثالثة عشرة أو أكثر قليلا حين كنت مختبئًا في جبل شرق قريتي؛ خوفًا من الطائرات التي كانت تقصف المناطق الشمالية من اليمن أيام حرب عبدالناصر، والسعوديين في اليمن، وكانت قُرَانا آهلة بالمزارعين وحيواناتهم ليس لها أي علاقة بالنشاط العسكري، بل كنا في الصف الجمهوري، ومع ذلك لم نسلم من القصف والترويع.
إنما المشهد الذي لا أنساه حين مرت طائرة وقت صلاة الظهر، وقذفت مسجدًا في مدينة المحابشة مكتظًا بالمصلين، وكادت الطائرة أن تلامس سطح المسجد؛ إذ لا يوجد مضادات، فنسفت المسجد بمن فيه، كانوا خمسة وسبعين لم ينج منهم إلا واحد.
المشهد الثاني: يوم كنا بمسجد" القُرانة" مهاجرين لطلب العلم، فأقبلت في الصباح الباكر طائرة سوداء، فألقت من الشرق شريطا كاملا من القنابل ذرع مدينة المحابشة الوادعة المستطيلة في سفح الجبل، فألقيت بنفسي على الأرض؛ تفاديًا للشظايا كما كانوا يعلموننا، وقد كنت متعودًا على إرهاب كهذا، فصارت نيران جهنم الواصلة من الجو عبارة عن ألعاب تصيبنا ببعض الذعر، لكني لم أفر بل ذهبت لمشاهدة آثار القصف، فشاهدت شيخًا عجوزًا فقيرا قاعدا ميتًا بجوار موقد لقلي نوع من الحُبُوب يعتصر منها لقمة عيش جافة له ولأسرته.
وشاهدت طفلا في السادسة من عمره مرميًا في العراء، قد بترت رجله من فوق الركبة، وبقيت معلقة، وهو يئن وينزف، وعنده عجوز تبكي لا تدري ما تفعل له، وأنا مبهوت أعيش الجهل، والوحشة، والمشاعر المؤلمة، لم أقدم لهذا الطفل أي مساعدة، فماذا أفعل؟! فلا إسعاف، ولا وسائل ولو بدائية، ولا شيء، فما زلنا كما خَلَّفَنَا نبيُّ الله نوح عليه السلام.
والأكثر إيلامًا أن تسمع الجماهير المنحطة تهتف لهؤلاء الإرهابيين القتلة من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر: نفديك يا عبدالقاهر.. أو بالروح بالدم نفيدك يا فندم.
إن العنف والقسوة والإرهاب يمارس في هذه الدنيا بصور شتى بعضها أبشع من بعض، فبالرغم من أننا نعاني من فقر الدم، إلا أننا نعتصر ما بقي في العروق بعد الذبح؛ لنهتف بالحياة للجزارين، ولبقاء السفاحين.
إن ثقافة كهذه نبتت أيام الملك العضوض، فقد كان القمع والبطش والاستبداد يقيم بجواره علماء سلطة، يأتون بالمبررات، وينسجون الأعذار لعنف الحاكم، وحدث أن وُصِفَ مؤسس الملك بعد خلافة الراشدين بالمجتهد في إشعال معركة سقط فيها سبعون ألفًا، وتواصل مسلسل العنف، والقتل تحت هذا المسمى، فلا أقل من أن يظفر بأجر واحد.
ثم توالت الأحداث قاذفة بخلافة المسلمين إلى وراثة، أي إن الأرض وما تحويه من جماد وحيوان وساكن ومتحرك مملكة خاصة بالوالي.
في هذه الأجواء الإسلامية المشابهة لنظام هرقل وكسرى، تمخضت الساحة عن حركات إسلامية عنيفة أبرز هذه الحركات قادها أولاد الإمام علي، وكادت الثورات المناهضة لجبروت الاستبداد تنحصر على أهل البيت باستثناء ثورة أهل المدينة على يزيد، وثورة ابن الأشعث ضد عبدالملك بن مروان وعامله الحجاج؛ رغم أن حركته كانت تنتمي ولو روحيًّا للإمام الحسن بن الحسن بن علي( 1). وأما الحركات العنيفة الأخرى فقد كان الخوراج فرسانها.
وسأبين باختصار ملامح العنف، والمسببات، والميزات الخاصة بكل حركة:
الحركة الأولى: بقياة آل البيت:
رفض الإمام الحسين البيعة- والأمة تقاد لمبايعة يزيد بن معاوية كالخراف، وقد مس الحسين نفسه هذا الذل، ومعه عبدالله بن الزبير، وعبدالله بن عمر؛ حين طلب منهم معاوية- مبايعة يزيد وليًا للعهد، فامتنعوا، فقال لهم: إني سأقول غدًا مقالة فأيكم رد علي سيفقد رأسه، فقال معاوية في الحشد، وقال كلامًا في أهلية ابنه وصلاحيته للأمر، وأنه ما دفعه لإقامته وليًا للعهد إلا خوفًا على الأمة من الضياع واليتم.
ثم قال وقد بايعه فضلاء الأمة، وأشار إلى الحسين وزميله، وقد أقام على رأس كل منهم رجلين متحفزين لشدخ رأس من يعترض( 2). وعندما مات معاوية أريد من الحسين أن يبايع طوعًا أو كرها( 3). وهنا يجب التوقف للمقارنة إن جازت بين الحسين ويزيد، إني أرى أن مجرد اسم الحسين قد أصبح رمزًا لكل ما في البشر من نبل وخير، وجدير بحفيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون كذلك، واسم يزيد في المقابل رمزللإنسان السيء بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
فالحسين: عالم، تقي، ورع، زاهد، عارف بالله، كريم، رحيم، متواضع، شجاع، مؤهل تأهيلا عاليا، وبالمقابل شخص مغتصب أمر الأمة، جاهل، ماجن، عاطل.
فالثوات المسلحة بقيادة آل البيت، بدأ بالحسين، ثم زيد بن علي،وابنه يحيى ، ثم محمد بن عبدالله النفس الزكية، وأخوه إبراهيم، والحسين الفخي، ومحمد بن إبراهيم طباطبا، وغيرهم.
كانت محل رضى واحترام الأمة وعلمائها حتى وإن لم يتمكن الكثيرون من الاشتراك في تلك الثورات؛ خوفًا من البطش الذي يهلك الحرث والنسل.
ورغم ذلك فإن الإمام أبا حنيفة رحمه الله كان يفتي بالقتال مع الإمام زيد، وأرسل له مالا( 4)، وأفتى الإمام مالك رحمه الله بعدم شرعية البيعة لأبي الدوانيق ثاني ملوك بني العباس( 5)، وأوجب القتال مع الإمامين: النفس الزكية، وأخيه إبراهيم.
وكان الإمام الشافعي رحمه الله ضمن خلية يشرف عليها شيخه إبراهيم ابن محمد بن أبي يحيى، يتولون الدعوة لمبايعة الإمام يحيى بن عبدالله بن الحسن صنو محمد بن عبدالله النفس الزكية ضد هارون الرشيد( 6).
وهذا يبرهن على رشد الثورات ضد الظلم، والوثوق بقادتها لجلالتهم، ومكانتهم الدينية، وبلوغهم في العلم مبلغا يلوي إليهم الأعناق، ويؤهلهم للجلوس على منصة المرجعية العليا، أضف إلى ذلك مكانتهم الدينية، وقربهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
لكن الأمراء المستبدين، والملوك الظالمين، رغم قبح وبشاعة سيرتهم يسيطرون على الرجال والثروة- لم لن يستهينوا بخطر أبناء علي فحاربوهم بضراوة. وكان الناس يرونها حربًا بين الآخرة والدنيا.
ونحن نعلم أن الناس على دين ملوكهم، وهم ميالون إلى الدنيا إلا من عصم الله.
         رأيت الناس قد ذهبوا        إلى من عنده ذهبُ
         رأيت الناس منفضة          إلى من عنده فضة
          رأيت الناس قد مالوا         إلى من عنده مالُ
الحركة الثانية: بقيادة الخوارج
فقد كانت المثال البارز للعنف الأعمى، والفكر التكفيري، والتطرف المرعب؛ إذ نجم شرهم في ملامح حرقوص بن زهير السعدي( 7)، وهو ذو الخويصرة، وذو الثدية الذي قتل في النهروان، ذلك الرجل الذي أتصوره حليق الرأس، كثيف اللحية، قصير القميص، منتفخ الأوداج، يترنح جهلا، وغرورًا، وخفة عقل( 8).
لقد اقترب من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقسم غنائم هوازن في غزوة حنين فقال: اعدل يا محمد فإنك لم تعدل.. !! هكذا خاطب نبي الله بفظاظة وغلظة ووقاحة، فاستاء رسول الله وتغيرت ملامح وجهه؛إذ استشعر في هذا البدوي نذير شئوم، وطليعة قوم قادمين، فقال: ((ويحك ومن يعدل إن لم أعدل))؟!
ثم أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنه يخرج من ضئضئ هذا قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، ويقرأون القرآن، لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية))( 9).
ظهر هؤلاء أيام خلافة الإمام علي، وتحققت نبوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد كانوا كما روى البخاري ((يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد))( 10). لقد جاءوا حقًّا بعنف أعمى، وإرهاب فكري وعملي، لم تستطع أي جماعة أن تزيد عليه إلا في امتلاك الأسلحة الفتاكة.
كان الخوارج قبل أن يصيروا خوارج عباد العراق، وقراؤُهم، وكانوا من جيش علي في حربه معاوية في صفين؛ والسبب في اختيارهم سلوك العنف المفرط، والتطرف الشديد غباؤهم، وسطحية تفكيرهم، والتلاعب السياسي بعقولهم.
فلقد أدرك معاوية أنه على وشك الهزيمة، فشاور عمرا بن العاص، فأشار عليه بجلب خمسمائة مصحف، من ضمنها مصحف بيت المقدس الأعظم، وترفع على رؤوس الرماح، ويصيح حاملوها: هذا كتاب الله حكم بيننا وبينكم.. يا أهل العراق، فإنهم إن قبلوه اختلفوا، وإن ردوه اختلفوا.
 وكان ما توقعه ابن العاص؛ إذ أقبل ما يقارب عشرين ألف من جند علي قد أثر السجود في جباههم، شاهرين سيوفهم قائلين للإمام علي: أجب القوم إلى تحكيم كتاب الله، فقال لهم وقد أدرك حجم المكيدة: إنها كلمة حق يراد بها باطل( 11)، إنهم ليسوا أصحاب دين ولا قرآن، لقد قاتلتهم على القرآن كافرين، واليوم أقاتلهم مفتونين، أعيروني سواعدكم ساعة، فما بقي فيهم إلا كلعقة كلب، فلم يزدادوا إلا عنادًا وبلادة، وإصرارا على قبول التحكيم.
فرضخ علي بعد أن هددوه بأن يسلموه لمعاوية إن لم يستجب، فعين معاوية عمرًا حكما، وعين علي ابن عباس، فاعترض أصحابه، واختاروا أبا موسى الأشعري، فانتهت المهزلة بخديعة مريرة، وفضيحة مدوية؛ إذ صعد أبو موسى وخلع عليًّا بطيب خاطر، فصعد وراءه عمرو وقال: قد خلع صاحبه، وأنا أوافقه، وقد أثبت صاحبي معاويه، فهو ولي دم عثمان وأحق بالأمر من علي، فخرج الخوارج نادمين مرددين كلمتهم: لا حكم إلا لله، وحكموا على أنفسهم وعلى المجتمع بالكفر، ثم إنهم تابوا، أو أسلموا من جديد، وطالبوا عليًّا بالاعتراف بالكفر ثم التوبة منه، وقال: قد نصحتكم وحذرتكم فعصيتموني، ثم إنها معصية لا تبلغ بصاحبها الكفر، فتوبوا وعودوا لنقاتل معاوية، فأصروا على موقفهم والهتاف بتكفير علي، وترديد شعارهم: لا حكم إلا لله( 12).
وكرر علي حكمته الشهيرة: "كلمة حق يراد بها باطل، إنه لا بد للناس من إمام يأخذ بيد الظالم، وينتصف للمظلوم، ويقوم على مصالح الناس، والقرآن" قد دعا إلى التحكيم في شأن خلاف بين الزوجين، فما بالكم بطائفتين ؟! لكنهم كما قال الشاعر:
        لقد أسمعت لو ناديت حيًّا                 ولكن لا حياة لمن تنادي
        ولو نارا نفخت بها أضاءت              ولكن أنت تنفخ في رماد
وظل الإمام علي يعاملهم مثل سائر الناس ما داموا لم يحدثوا حدثًا يتعدى الرأي والقول، وحرص على استرجاعهم بالحوار والإقناع، وكاد أن ينجح لولا رجال معاوية في صف علي كالأشعث بن قيس ونحوه أفسدوا كل شيء.
فخرجوا يقطعون السبيل، ويخيفون الآمنين، ويقتلون من لم ير رأيهم.
ومن عجيب أمرهم أنه مر بهم عبدالله بن خباب الصحابي بن الصحابي وفي عنقه المصحف، ومعه امرأته حامل، فسألوه عن رأيه في علي؟ فأجابهم بأنه إمام راشد، وأعلم بالله منكم، وأشد توقيا على دينه، وأنفذ بصيرة. فقالوا: إنك تتبع الهوى، وتوالي الرجال على أسمائها لا على أفعالها، والله لنقتلنك قتلة ما قتلناها أحد، فأخذوه فكتفوه، ثم أقبلوا به وبامرأته وهي حبلى على وشك الوضع حتى نزلوا تحت نخل فسقطت منها رُطَبة فالتقطها أحدهم فمنعوه من أكلها، وقالوا: بغير حلها، وبغير ثمنها، فلفظها وألقاها من فمه، ثم أخذ سيفه، فأخذ يمينه، فمر به خنزير لأهل الذمة فضربه بسيفه، فقالوا: هذا فساد في الأرض، فأتوا صاحب الخنزير فأرضوه، فلما رأى ذلك منهم ابن خباب قال: لئن كنتم صادقين فيما أرى فما عليَّ منكم بأس؛ إني لمسلم! ما أحدثت في الإسلام حدثا، ولقد أمنتموني، قلتم: لا روع عليك! فجاءوا به فأضجعوه فذبحوه، وسال دمه في الماء، وأقبلوا إلى المرأة، فقالت: إنما أنا امرأة، ألا تتقون الله؟! فبقروا بطنها، وقتلوا ثلاث نسوة من طيئ، وقتلوا أم سنان الصيداوية( 13).
وقد قرأت من عجائبهم المتلاحقة أن قافلة مسافرة فيها واصل بن عطاء رأس المعتزلة وقعوا في يد خوراج أمثال هؤلاء، فأيقنت القافلة بالهلاك، فقال واصل: دعوني وإياهم ولا يكلمهم غيري، فانبرى لهم وقال: ما تريدون منا؟ فقالوا: من أنتم؟ فقال: قوم مشركون نطلب جواركم، فنحن خائفون . فقالوا: مروا بسلام. فقال: ليس ذلك لكم، وقد قال قرآنكم: ( وَإنْ أَحَدٌ مّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّىَ يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لاّ يَعْلَمُونَ )[التوبة:6] فلما سمعوا ذلك ذهبوا بأجمعهم لحراسة القافلة حتى أوصلوهم منازلهم( 14).
زحف علي لتطويقهم، ولم تطب نفسه بمهاجمتهم حتى دعاهم على إلى الحوار، وأزال الشبهة التي قذفوها في وجهه حين قالوا: لقد تنازلت عن إمارة المؤمنين عند كتابة وثيقة التحكيم، حين امتنع ابن العاص من قبول كتابة علي أمير المؤمنين، وقال: لو اعترفتُ به أميرًا للمؤمنين لما قاتلته. فقال: قد وقع مثلها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديبية، وأنا كاتب الوثيقة حين كتبت: هذا ما تصالح عليه محمد رسول الله وسهيل بن عمرو، فاعترض سهيل وقال: لو أعرف أنك رسول الله لما حاربتك، بل اكتب اسمك واسم أبيك، فأمرني رسول الله بمحوها فلم تطب نفسي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أرني مكانها))، فمحاها بيده الشريفة، وقبلها اعترض عمرو على "بسم الله الرحمن الرحيم" وقال: اكتب باسمك اللهم( 15).
فانضم إليه منهم ألفان، وصم الباقون آذانهم، وقالوا: لا تسمعوا له فإنه من قوم قال الله فيهم: ( بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ )[الزخرف:59]. فلما أعيته الحيلة قاتلهم وقاتلوه فلم ينج منهم سوى ثمانية.
         إذا لم يكن إلا الأسنة مركب           فليس على المضطر إلا ركوبها
إن سلوك الخوارج ضد إمام عادل ورع منصف يحترم حقوق الناس، ويحترم واجباتهم .... بإجماع المسلمين والإنسانية جمعاء، وهوالعنف- والإرهاب، والتطرف.
هل سمعتم برئيس أو ملك يوصي بخصوم شرسين كالخوارج كانوا سبب متاعبه وفشله في القضاء على تمرد معاوية وتمزيق جيشه وإنهاك قواه.
لكنه يقول: لا تقاتلوا الخوارج بعدي؛ فليس من طلب الحق فأخطأه ـ يعنيهم هم- كمن طلب الباطل فأدركه-يعني معاوية-(16).
إني وأنا أمقت مسلك هؤلاء تجاه علي؛ ليقيني بعدالة علي، أُحَمِّلُ معاوية المسئولة الكاملة، فهو السبب في جعل هؤلاء يفقدون صوابهم، وأحسوا أنهم قد انتقصت رجولتهم،واهتز دينهم إثر تلك الخديعة المذلة، كيف يصبح المصحف الشريف ألعوبة؟ كيف يصبح القرآن الذي حمل علىٌّ لواءه، وقاتل المشركين من أجله من أول يوم مع رسول الله سببًا في هزيمة علي وتمزيق جيشه؟!
ألا يحق لنا أن نعيد سبب الحركات المتطرفة إلى ألاعيب السياسيين؟!
أرجو أن تعيروني أسماعكم لأروي لكم ما أنا فيه شاهد حال، اكتويت بناره، وما زلت:
المشهد الأول: جاءنا قبل أكثر من ربع قرن أناس لحاهم وافرة، وعمائمهم بيضاء، وعقولهم خفيفة، ودماؤهم ثقيلة- فأثاروا فينا الاختلاف، وزرعوا الفتنة، وغرسوا الكراهية، وكانت معاركهم تدور حول الإرسال، والضم، والتأمين، وحي على خير العمل، والتشيع، ورؤية الله، وجلوسه تعالى على العرش، ونزوله في الثلث الأخير إلى السماء الدنيا، وخلق القرآن، وإباحة قراءة القرآن وكتابته ومسه للحائض والجنب، والمسح على الخفين، والخروج من النار، وكفر أبي طالب، وتمجيد أبي سفيان وأحفاده، وهلم جرا، وكان دعاؤهم: اللهم أهلك الشيعة والشيوعية.
علما أن التشيع الزيدي في اليمن لا يَعْدُو تقديم علي على سائر الصحابة مع توليهم ومحبتهم، والعصمة للخمسة أهل الكساء لا تعني العصمة الخاصة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
بل هي مثل التطهير الذي جاء في الآية: ( إنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيــراً )[الأحزاب:33] فالعصمة تعني أن عليا وفاطمة والحسنين لا يرتكبون المعاصي، هذا كل ما في الأمر.
ولأني مثل غيري نقدس هؤلاء الأطهار، ونضعهم كالكحل في عيوننا، ولي رأيي في العصمة، إلا أني لست منزعجًا من عصمة الزيدية، فأنا أعرف أنها ترادف: أطهارا، أولياء، تقاة.
لقد واجهنا عنتا، وإرهابا فكريا وماديا، وعنفا امتد إلى المساجد، والبيوت، والأسواق، والمجالس، والمدارس، والجامعات.
ونتحسس والعياذ بالله أن هؤلاء مشحنون كراهية وحقدًا، وسينفجرون قنابل في وجوهنا أجارنا الله إن لم يتداركنا الله برحمته.
ولم أسمعهم يتحدثون عن الصهيونية وخطرها، وإنما شغلهم الشاغل الشيعة، والمراد بهم الزيدية، وحين نقول لهم: اجعلونا في الأخير وابدأوا بإسرائيل، يقولون: لا بل أنتم أخطر على المسلمين من اليهود والنصارى.
وكم أسرد من المهازل والكتيبات التي لا تعدو خطة مرسومة لتدمير الذات، وبعثرة الطاقة، وشغل المواطن العربي المسلم البائس يمثل هكذا ترهات:
1- الصواعق في تحريم الأكل بالملاعق لأبي قتادة.
2- الصواعق الرعدية في كفر الشيعة الزيدية لابي عبدالرحمن.
3- إرشاد الغبي إلى وجوب خراب قبة النبي لأبي حفص.
4- إعلام القاري في نزول الباري لأبي حيجنة.
وقد سمعت متحدثًا بجوار قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتحدث عن بدعة القبة، فتمنيت لو أن عفريتا خنقه، ثم رماه في البحر الميت، يا هؤلاء .. بعد أن تنحر رقبة المسجد الأقصى سنتفرغ لقبة النبي !!!
إن تفرغ هؤلاء وزرعهم في المجتمعات لتعكير صفوفها لهو إرهاب تنتجه حكومات، وتزرعه مخابرات محلية وإقليمية وأجنبية؛ بغرض: فَرِّقْ تسد،وبغرض: تصدير الإيذاء من بلد لآخر.
إن الأمر يشبه تجارة العبيد، ولكن بطريق آخر: ضحايا تربية خاطئة، وشحن لا يمكن التحكم فيه؛ لأنه قائم على لغة الدين. واستخدام سلاح الدين أفتك من الأسلحة الذرية.
المشهد الثاني: كنت ألحظ حماسا منقطع النظير في إرسال الشباب إلى أفغانستان للجهاد ضد الملحدين المحتلين الروس، وكانت المساجد مشتغلة بذكر فضيلة الجهاد، وبذل الروح والمال في سبيل الله.
فُتِحَ الضوء الأخضر من نافذة البيت الأبيض، وطُلب من القيادات العربية أن تنشط في إحياء مآثر الجهاد سنام الإسلام، والنبراس المشرق في غابر الأيام، فأقسموا عند الحجر الأسود على الطاعة والإخلاص للبيت الأبيض.
تدفقت كتائب المجاهدين من الشباب، وكان معظمهم يُنْتَزَعُ بدون علم أهله، وبعضهم يذهب وأمه وأبوه يبكيان.
وقد أثرى مشائخ الجهاد عندنا ثراء فاحشا من هذه التجارة، وأثروا من صناديق التبرعات المفتوحة لالتهام دعم الجهاد الأفغاني المبثوثة في كل زاوية من زوايا المساجد، ولم تخل دعامة من صندوق ربط بها بسلسلة من حديد، يفتحه خطباء المساجد –أعني أمناء الصناديق- كل يوم ثلاث مرات، بين التهليل والتكبير بالنصر الكبير –أقصد بالصيد الوفير- حتى حمامات المساجد لم تسلم من صندوق، ناهيك عن المرافق الأخرى.
والناس عندنا طيبون متدينون مغفلون، يستطيع أي ممثل بلحية طويلة، ودمعتين، وشيء من الحشرجرة، وتلاوة بعض آيات الرحمن في جهاد الأفغان، وهي كتيبات تحكي أن بعض المجاهدين أخذ كفًّا من تراب ورماه على دبابة فاشتعلت، وبصق آخر على قاعدة صاروخية فصارت رمادًا، وأشار ثالث بإصبعه الوسطى صوب قاذفة قنابل فتناثرت، ووقع الحطام على رؤوس الجنود الروس، ولم يصب المجاهدين منه إلا ما يشبه قطع الحلوى والشكولاته السويسرية، مكتوب عليه: ( كُلُواْ وَاشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي الأيّامِ الْخَالِيَةِ )[الحاقة:24].
لقد كنت أحذر كثيرًا من فوق منبر المسجد في خطبة الجمعة من هذا الجهاد الذي باركته أمريكا، ودعمته الدول العربية بالمال والرجال، فلماذا لم يهتف أحد بالجهاد ضد الصهاينة المحتلين لفلسطين، الجاثمين على الأقصى.
يعلم الله كم بح صوتي مستشعرًا عواقب وخيمة بعد تنفيذ المهمة الأمريكية، وكنت أقول: إن الأفغاني يساوي خمسة يمنيين طولا وعرضًا، وهم مقاتلون أشداء وليسوا بحاجة لجلب الأبرياء الذين نيتهم الجهاد وعشق الشهادة، ولا يدرون شيئًا عن المؤامرات.
لكن الذي حدث كان كارثة، فبعد أن انبرمت روسيا، وتفتت الاتحاد الشيوعي، وزرعت المخابرات العالمية والإسلامية والعربية ما تريد زرعه كل حسب مخططه، تركوا المجاهدين لمصيرهم الأسود.
وتحولوا من مجاهدين شرفاء إلى مجاهدين إرهابيين، وسموهم العرب الأفغان، وأضحوا خطرًا على شعوبهم، وعلى العالم بأسره، وثقفوهم على التعصب والجمود، والتحجر، وكراهية الآخر.
واستوعبت بعضهم بعض الأنظمة؛ لغرض تصفية خصومها، وتنفيذ مهمات خطرة، لكن السحر انقلب على الساحر، وفلت الزمام، وخرج المارد من قمم سليمان.
كم آلمني أن يختطف من بين يَدَيَّ طلاب أعزاء كرام علمتهم مبادئ دينهم المتسامح المنصف، ومن ضمنهم "ياسين" الخجول المؤدب الذي كان يبتسم بحياء ورقة كالنسيم العليل، وكم كانت صدمتي حين لقيته بعد أن عاد؟ وياليته ماعاد! ينظر شزرًا، ويختزن لؤمًا وحقدًا، ويتحدث عني بوقاحة وقلة أدب، لا أدري ما سبب ذلك كله إلا ما أدريه عن تشنج الخوارج. يتمنى "ياسين" لو ينفجر قنبلة في وجهي لتطير روحه إلى الجنة، ويعجل بروحي إلى الجحيم. على طريقة الذين فجروا ويفجروا أنفسهم في مساجد العراق وشوارعها، ووسط حفلات الزفاف بفنادق عَمَّان.
مالذي جرى، ما دهاك؟ ويجيب بمشقة من شدة الغيظ: أنتم بحاجة لإبادة، ونحن سنبيدكم عندما نؤمر بذلك .... يالطيف !! من أنتم، ومن نحن؟!
أعاذنا الله من شرك أيها المجاهد الحقود، وعوضنا عن مصيبتنا فيك وفي أمثالك، ولا سامح الله من غرس في قلبك الشوك، وحولك من نسيم إلى سموم، ومن بلسم إلى علقم، كيف صرتم أخِفَّاء الهام، سفهاء الأحلام؟
إن هذا اللون من البشر كالقنابل مستعدة للانفجار حسب رغبة المبرمجين لها، فهي تنفجر أحيانًا في مخزن ذخيرة الأنظمة: أحيانا بقصد، وأحيانًا بدون قصد، وأحيانا تنفجر في مستودع الأمريكان، أو في مساجد الشيعة، أو في مناسبات العزاء، أو الأفراح، أو الأسواق الشعبية.
الصورة مشوشة، والتشخيص عسير لحركات إسلامية مضطربة المزاج، متأثرةبالعوامل السياسية والدينية والاقتصادية.
والمثال الأكثر وضوحًا حركة محمد بن عبدالوهاب في السعودية، وكيف استفاد ابن سعود من عنفها وتعصبها، وتوجيه ضراوتها لإبادة المشركين الموحدين، وهم في حساب التوجيه السياسي لتصفية الخصوم، وتوسيع رقعة السلطان.
ولما أكمل بهم الملك عبدالعزيز رحمه الله آخر المشوار، وأحس بضرورة كبح جماحهم، وبناء دولة مدنية حصلت مصادمة، ثم أعقبها ترويض وتهدئة، وساعد على ذلك ثقافة وجوب طاعة ولي الأمر، وعدم الخروج عليه ما أقام الصلاة.
وقد كان للوهابيين دور مؤثر في نشر ثقافة مجتمعهم في كثير من بلدان الله، أسهم ذلك مع الغنى الفاحش في تعاظم النفوذ السياسي.
ومن أكثر البلدان تأثرًا اليمن؛ لقربها، وفقرها، وجهلها. وتغلبت الحركة الوهابية اليمنية على تنظيم الإخوان، أو أن الإخوان وجدوا السعودية أدسم فَخَفَتَ بريق الإخوانية.
كان مشروع النشاط الإسلامي هذا ماثلا كما كنا نلاحظ في:
1- دحر الشيعة والشيوعية، والمراد بالشيعة هم الزيدية، والمراد بالشيوعية أبناء جنوب اليمن.
2- الصوفية، والمراد بهم الشافعية.
3- مشروع المكارمة، وهم الإسماعلية.
والخلاصة: فقد أدخل خطابهم المجتمع اليمني في دوامة الصراع، والفتن، والنعرات، ورغم كل ذلك فقد تقدم مشروعهم تقدمًا كاسحاً لعدة أسباب:
السبب الأول: دعم السلطات الشمالية لهم؛ ليكونوا عونًا في الحرب ضد اليسار، والأهم من كل ذلك دق المذهب الزيدي وتهشيم عظامه؛ لأنه مذهب الخروج على الظالم، وهذا مبدأ مزعج حتى لملوك الزيدية أنفسهم، كذلك دق الهاشميين الذين ما زال الكثير من اليمنيين يتشيعون فيهم.
السبب الثاني: دعم السعودية اللامحدود رسميا وشعبيا.
السبب الثالث: تعلق الناس بالدين.
وكان هؤلاء يجيدون التغني بالقرآن بأصوات تطرب السامعين، وتمديد وتمطيط الأذان، والالتزام بالزي الإسلامي من قميص ولحية وافرة،وسواك لا يفارق الفم إلا أوقات الأكل.
كما نجحوا في الإلقاء الخطابي؛ بحيث تتناغم ملامح الوجه مع حركات اليدين، ورذاذ الريق، والأخطر من ذلك:قدرتهم على البكاء بزفير وشهيق، بل ونهيق أحيانا.
وفي المقابل استيقظ الشافعيون والزيديون، ودخل في خط المواجهة الإماميون، وصارت المواجهة إسلامية إسلامية حسب ما رسمه المنتجون والمخرجون، ونسيت الأطراف مبادئ الأخلاق، وأدبيات الإسلام، وغابت عن الأذهان معاناة الناس تماما.
وصرنا بهذه الصورة البائسة الجافة نمثل دور الحمير؛ لأننا قبلنا الاستحمار، فطائفة الزيدية تناضل من أجل بقاء "حي على خير العمل" ، وأحقية علي في الخلافة، وحصرها في البطنين. والصوفية تدافع عن فضائل أهل الطرق. والوهابية مهتمة هذه الأيام بفضائل الصحابة، وخاصة معاوية، وكذلك إرشاد الناس إلى مساوئ الشيعة، وإهدار حرمتهم وحقهم في الحياة.
وكل فرقة تنقسم إلى فرق، وكل مزقة إلى مزق، فالسلفية بمثابة جناح متشدد يحرم الانتخابات، ويدعو إلى وجوب الطاعة المطلقة لولي الأمر.
وبهذا الصورة الداعية للأسى جعلت الشعوب المسلمة التواقة إلى الوجه الإسلامي البشوش تفر إلى سلطان الشياطين، وتنسحق تحت وطأة الظالمين، وإن ظهرت ومضة هنا، أو بارقة هناك تنجح فيها حركة إسلامية، فهي إما لأن تلك الحركة رشيدة عرفت الباب إلى قلوب المجتمع من خلال تقديم الخدمات الماسة، وتحسس المشاكل والآلام، وتميزت بالنزاهة، ونظافة الكف، وطهارة السلوك، والتضحيات الجسام كحركة حماس، أو قباحة النظام المفرط كحركات أخرى.
وأنـا أقترح للحركات الإسلامية برنامج عمل تجعلها أكثر قبولا:
أولا: التعامل مع المجتمعات كما تعامل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم جاء المدينة، وقبل بكل الفئات من غير المسلمين كرعايا للدولة الإسلامية، فما بالك بالتعامل مع أبناء دين واحد؟! فلا بد من القبول بالآخر، واحترام الرأي المخالف.
ثانيا: إغلاق أبواب التكفير، والتفسيق، والتبديع، والنبز، والغمز، واللمز.
ثالثا: فك العزلة التي وضعت الحركات الإسلامية فيها نفسها، والخروج من الطوق الذي ضرب عليها؛ نتيجة القمع والمنع، فرسخ في ذهنية أعضاء الحركات أن الإسلام حكر عليها، والأخوة الدينية لا تتعدى الجماعة.
رابعا: فتح باب الاجتهاد، ومعالجة مستجدات العصر، وعدم الإصرار على التعامل مع نصوص وردت على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالها.
الدعوة والخطاب الإسلامي والجهاد والتطرف والعنف:
الدعوة التي أراها جديرة بالاحترام هي دعوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم الملتزمة بأدب القرآن ( ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ )[النحل:125]
عودوا معي إلى بدايات الرسالة يوم صعد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم الصفا ونادى: واصباح قريش، فلما اجتمعوا إليه قالوا: ما بك؟ فقال: ((أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي))؟ قالوا: نعم، فما جربنا عليك إلا صدقا. قال: ((فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد)) ( 17).
هل سمعتم بكلام أعذب من هذا؟ وهل عثرتم على أسلوب أرق وألطف؟ حتى وقاحة أبي لهب، وفظاظة أبي جهل، ومكر أبي سفيان، لم تُخْرِجِ النبي الداعية من وقاره، وعندما قال أبو لهب: تبًا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ لم يرد عليه حتى تولى الرد قاصم الجبارين: )( 18) واصل الحبيب الكريم دعوته إلى الله برفق وصبر، فانساب نداها إلى قلوب كثيرة، واستنشق شذاها مؤمنون ومؤمنات، فما كان يسمع كلامه العذب الجميل إنسان إلا وأسلم، ولولا أنهم يضعون أصابعهم في آذانهم لأسلموا جميعا.
      فبما رحمة من الله لاَنَتْ              صَخْرةٌ مِنْ إِبَائِهمْ صَمَّاءُ
      رَحْمَةٌ كلُّهُ وحزمٌ وعزمٌ                ووقارٌ وعصمةٌ وحياءُ
تعرض لصنوف الأذى فاحتسب، وعذب المؤمنون وفتنوا فاعتصموا بالله، وثبتوا مع نبيهم وعلى دينهم كالجبال الراواسي، إلا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يترك أتباعه فريسة لغلاظ الأكباد، فبحث لهم عن مكان آمن، فوجده وراء البحر عند النجاشي ملك الحبشة، فأمرهم بالهجرة فهاجروا، وكانوا رسل سلام عالميين.
شاهد الملك النجاشي رحمه الله ملائكة في صور بشر، وعرف الإسلام عن قرب، فأسلم، ولو أن القارة السمراء حظيت بمثل جعفر بن أبي طالب وإخوانه وأخواته من المهاجرين لأسلمت عن بكرة أبيها.
ولو ظفرت أوربا بمثل مصعب بن عمير لدخل الناس في دين الله أفواجا، بخطابه الرصين، وعقله الراجح، وسلوكه الجميل، فقد ذهب أسعد بن زرارة بمصعب إلى دار بني عبد الأشهل، وكان سعد بن معاذ، وأسيد بن حُضَير سيدي قومهما، وكلاهما مشرك، فلما سمعا بمصعب، قال سعد لأسيد: انطلق إلى هذين الَّذَين أتيا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما، فلولا أن أسعد بن خالتي لكفتيك أمرهما. فأخذ أسيد حربته ثم أقبل إليهما، فلما رآه أسعد قال لمصعب: هذا سيد قومه قد جاءك فأصدق الله فيه. قال مصعب: إن يجلس أكلمه، فوقف عليهما متشتمًا غاضبًا وقال: ما جاء بكما؟ تسفهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت لكما في أنفسكما حاجة، فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمرًا قبلتَه، وإن كرهته كُفّ عنك ما تكرهه؟
قال: أنصفت، ثم ركز حربته وجلس إليهما، فكلمه مصعب بالإسلام، وقرأ عليه القرآن؛ فقالا: فيما يذكر عنهما: والله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهُّلِه، ثم قال: ما أحسن هذا الكلام وأجمله! فأسلم، ثم قال لهما: إن ورائي رجلاً إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه، وسأرسله إليكما الآن، إنه سعد بن معاذ، ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم، فلما نظر إليه سعد مُقبلاً، قال: أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به؛ فلما وقف قال له سعد: ما فعلت؟ قال: كلمت الرجلين، فوالله ما رأيت بهما بأسًا وقد نهيتهما، فقالا: نفعل ما أحببت، وقد حُدثت أن بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وذلك أنهم قد عرفوا أنه ابن خالتك؛ ليُخفِرُوك.
 قال: فقام سعد مُغضبًا مبادرًا، تخوفًا للذي ذكر له من بني حارثة، فأخذ الحربة من يده، ثم قال: والله ما أراك أغنيت شيئًا، ثم خرج إليهما، فلما رآهما مطمئنَّين، عرف أن أسيدًا إنما أراد منه أن يسمع منهما، فوقف عليهما متشتمًا، ثم قال لأسعد بن زرارة: يا أبا أمامة، أما والله لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رُمتَ هذا مني، أتغشانا في دارنا بما نكره؟- وقد قال أسعد بن زرارة لمصعب بن عمير: أي مصعب، جاءك والله سيد مَن وراءه من قومه، إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان- قال: فقال له مصعب: أوَ تقعد فتسمع، فإن رضيت أمرًا ورغبت فيه قبلته، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره؟
 قال سعد: أنصفت، ثم ركز الحربة وجلس، فعرض عليه الإسلام، وقرأ عليه القرآن، قالا: فعرفنا والله في وجهه الإسلام .... فأسلم، ثم أخذ حربته، فرجع إلى قومه، قال: فلما رآه قومه مقبلاً قالوا: نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به، فلما وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل، كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا وأوصلنا وأفضلنا رأيا وأيمننا نقيبة، قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم عليّ حرام حتى تؤمنوا بالله وبرسوله، قالا: فوالله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلمًا ومسلمة.
فأتمني على من يرغبون في الدعوة إلى الله أن يقرأوا قصة مصعب وأسعد جيدًا، وكيف استطاع مصعب وهو غريب أن يستدرج سيدي قومهما في مجلس واحد؛ بحسن أدبه ولطفه: ألا تجلس فتسمع، فإن رضيت وإلا رفعنا عنك ما تكره! أي عاقل يسمع مثل هذا ولا يسعه إلا أن ينصت.
إن الخطاب الإسلامي المحلي والإقليمي والدولي ينبع من معين واحد (اذْهَبَآ إلَىَ فِرْعَوْنَ إنّهُ طَغَىَ* فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لّيّناً لّعَلّهُ يَتَذَكّرُ أَوْ يَخْشَىَ )[طه:43-44]، ( وَلاَ تُجَادِلُوَاْ أَهْلَ الْكِتَابِ إلاّ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ )[العنكبوت:46]، (قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إلَىَ كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إلاّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ )[آل عمران:64]، ( قُلْ هَـَذِهِ سَبِيلِيَ أَدْعُو إلَىَ اللّهِ عَلَىَ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )[يوسف:108]. رسائل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الملوك.
فأين نحن من الخطاب التكفيري المتعجرف الذي ابتليت به النحل والملل الإسلامية وأصبح التكفير والتفسيق إسلاميا إسلاميا.
أما خطابنا اليوم نحو اليهود والنصارى فهو هكذا: اللهم أهلك اليهود والنصارى، وأحرق مزارعهم، وأغرق سفنهم، وأسقط طائرتهم، ويَتِّمْ أبناءهم. ورغم هذا الجفاف، والجفاء، وجمود الفكر، وغيبوبة التفكير، فما زال الإسلام أوسع الأديان انتشارًا في ديار الغرب.
حين وصل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع عتاة المشركين إلى طريق مسدود تآمروا على قتله. هاجر إلى الدار التي هيأها من قبل، وهاجر إليها أصحابه، وأصبح الأمر مختلفًا؛ فمن غير المجدي أن يعالج مريض بالدهان والمهدئات، وهو محتاج لعملية استئصال ما فسد من جسده؛ لانه لو بقي لأفسد الجسد كله. ( أُذِنَ لِلّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنّ اللّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ )[الحج:39]، (الّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقّ إلاّ أَن يَقُولُواْ رَبّنَا اللّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لّهُدّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسمُ اللّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنّ اللّهُ مَن يَنصُرُهُ إنّ اللّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ )[الحج:40].
فالجهاد ضد المشركين رغم شراستهم لم يخلف في تاريخ جهاد النبي كله سوى بضعة مئات، والنبوة المحمدية حدثٌ عالمي هز أركان المعمورة، ولو لم تكن للنفوس حرمة عظيمة في دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم لحصد ملايين القتلى، لكنه عليه السلام آثر آن يطلق أسرى معركة بدر مقابل عطاء مالي، وهي أول فرصة لتأديب قريش حتى عاتبه الله، فقال: ( مَا كَانَ لِنَبِيّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتّىَ يُثْخِنَ فِي الأرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الاَخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )[الأنفال:67].
فالجهاد إنما هو ضد الاضطهاد، ويوجب الإسلام جهاد المسلمين إن اضطهدوا ذميا أو بوذيا، أو سعوا في الأرض فسادا، فالهدف منه تحقيق العبودية لله بترك الحرية لعباده.
ولو أن المشركين تركوا محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم يتكلم بحرية، وطلبوا منه أن يترك من لا يريد الإسلام وشأنَه مُقَابِلَ أن يتحرك بحرية على قاعدة الإقناع بالطريقة السلمية لما تعرض لهم بسيف ولا رمح؛ لأنه يعلم أن الشرك سيذوب كالملح في الماء، وهم يعلمون ذلك؛ ولذلك وقفوا في طريقه، واضطهدوه؛ فلا يجوز للشرك بهذه الصورة أن يبقى، فهو انحراف بشري، وسوأة إنسانية.
ثم إن الجهاد وإن اشتهر إطلاقه على قتال الكفار في عرف الفقهاء إلا أنه متعدد الجوانب.
فالاشتقاق اللغوي يفيد أن الجهاد بذل الجهد، فالمشقة وبذل ما في الوسع من لوازم مقومات الجهاد.
والجهاد تضحية بالنفس، والمال، وهما الأكثر بروزا في معاني الجهاد، إلا أن هناك جهاد النفس الذي سماه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الجهاد الأكبر.
والجهاد بالقول: وهو جهاد الدعوة بالنصح والإرشاد، والتعلم والتعليم، والجهاد في الحقل الصحي، والزراعي، والصناعي، وكل ماله علاقة برفعة شأن الأمة الإسلامية أو الإنسانية.
العنف
العنف: هو أعلى درجات الإيذاء، وهو درجات، وقد يكون مشروعًا، وقد لا يكون كذلك، فيصدق على الجهاد بالسلاح أنه عنف وهو مشروع، ويصدق على الإرهاب أنه عنف وهو غير مشروع.
والدين الإسلامي الحنيف يكره العنف قطعًا، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له شروط منها: (أنه لا يخشن إن كفى اللين) بمعنى أن الخشونة ليست مباحة إن كفى اللين بالقول، أو التأديب اليسير بالسوط، أو كما يحكى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يؤدب بالسواك.
وهذا الأدب الجم، والأسلوب الراقي في احترام الحياة والأحياء مفقود في عالم المسلمين خاصة: أفرادا، وجماعات، ودولا، فما تكاد تنشب مشادة حتى تستخدم بين المتخاصمين كافة أنواع الأسلحة: كالخناجر، والمسدسات، والقنابل، والبوازك ...الخ، وهل الدول العربية تكدس السلاح للعدو المشترك؟ إنها تشتريه للجوار وللإخوة في الدين واللغة.
وفي الختام دعونا نتفاءل وننتهز مثل هذه اللقاءات، ولا نضيع فرصة التعاون الجاد، وليكمل أحدنا الآخر.
الهوامش
 ([1]) ينظر المصابيح لأبي العباس الحسني ص 382، والحدائق الوردية 1/236.
([2]) الإمامة والسياسة ص 144-155.
([3]) ينظر في معناه الطبري 5/303.
([4]) ينظر مقاتل الطالبيين ص 40، وكذلك أيد ثورة إبراهيم بن عبدالله. ينظر مقاتل الطالبيين ص 364.
([5]) ينظر الطبري 7/560، ومقاتل الطالبيين ص 283.
([6]) ينظر الحدائق الوردية 1/329.
([7]) الإصابة 1/319.
([8]) هذا التصور نص حديث ساقه البخاري رقم (3166) ورقم (4094) وقد ارتسم في ذهني قبل مطالعة البخاري حين عايشت أمثاله عندنا منذ ربع قرن.
([9]) البخاري رقم (3414)، ومسلم 2/740 رقم 1063، وينظر سيرة ابن هشام 4/104.
([10]) البخاري 3/1219 رقم 3166.
([11]) وقعة صفين ص 489، ونهج البلاغة ص 163 رقم 40، ص 723.
([12]) ينظر في التحكيم: الطبري 5/70، ووقعة صفين ص 500.
([13]) ينظر الطبري 5/82.
([14]) الكامل للمبرد 3/1078، وشرح النهج 1/251.
([15]) ينظر دلائل النبوة للبيهقي 4/147، والكامل 2/138.
([16]) نهج البلاغة ص 181 رقم 59.
([17]) البخاري 4/1787 رقم 4492، ومسلم 1/194.
([18]) البخاري 4/1787 رقم 4492.

الاثنين، 16 مارس 2015

كهرباء المحابشة .. المأساة مستمرة









زيد المحبشي - تقرير
تم عمل أول دراسة تنفيذية لمشروع كهرباء المحابشة في العام 1984 واعتماده من قبل الحكومة وبدء التنفيذ في العام 1992 وافتتاح المرحلة الاولى وتشغيل المحطة في 1998.. وهي عبارة عن مولدين تشيكية الصنع بطاقة اسمية 1260 كيلو وات/ ساعة ولكن الطاقة الفعلية لم تتجاوز  700 كيلو وات/ ساعة بعجز قدره 500  - 600 كيلو وات .. طول الشبكة نحو 27 كم وعدد المستفيدين 22960 نسمة والمساكن المضاءة 2870 منزل ونسبة التغطية 56 بالمائة (اسقاطات 2007)  باستثناء عزلتي بني حيدان والمخاويس وجزء من عزلة حجر في حين لم تتجاوز 35 بالمائة في العام 2004
وفي 2003 تم تدشين استكمال المشروع وبالتالي تعزيزه وفقاً لخطة الادارة المحلية للمديرية للأعوام (2008 - 2010) بمولده ثالث قدرته ألف كيلو وات على أن يغطي 5143 منزلاً بهدف رفع نسبة التغطية على مستوى المديرية من 56 إلى 60 بالمائة خلال فترة الخطة
في العام 2007 تشكلت لجنة من وزارة الادارة المحلية والمجلس المحلي بمديرية المحابشة وضمت 30 عضوا وتمخضت مداولاتهم عن كتاب من الحجم الكبير بعنوان الخطة التنموية الثلاثية لمديرية المحابشة للأعوام 2008 - 2010 وفي ثناياه أشارت اللجنة الى عدة مشاكل تعترض سير عمل المحطة منها قدم المولدات وانتهاء عمرها الافتراضي ووضعها ثلاثة مشاريع جديدة لتعزيز قدرة المحطة هي: توسيع ومد شبكة حجر لتضم 250 منزلا وشبكة بني حيدان لتضم 125 منزلا وشبكة المخاويس لتضم 88 منزلا
في 16 يونيو 2008 نشرة الجمهورية مقابلة مع مدير كهرباء المحابشة حينها المهندس محمد الحوري أكد فيها تميز محطة كهرباء المحابشة عن غيرها على مستوى المحافظة بعدم وجود الانطفاءات المتكررة وأن الشبكة حديثة وفي أحسن حال وأن المولدات تعمل 21 ساعة في اليوم .. مؤكداً حاجة المحطة الماسة لمولد ثالث لتغطية العجز الحاصل والاقبال المتزايد وملقياً اللائمة في الاشكاليات التي تعاني منها المحطة على المواطنين والمحصلين والموظفين، ومتهماً المجلس المحلي بالمديرية بعدم التعاون مع ادارة المحطة؟؟
ومن يومها والمديرية في معاناة مستمرة من كابوس الانطفاءات المتكررة والتي بلغت ذروتها في الاعوام الثلاثة الاخيرة حيث تجاوزة فترة الانطفاء عدة أشهر بعد أن كانت أياماً أو أسابيع في أسوأ الاحتمالات مع ظهور مبررات وسمة الاعوام الثلاثة الاخيرة وميزتها عن سابقاتها منها بحسب تصريح مسؤول بالمديرية لموقع حجة نت بتاريخ  27 يونيو 2013 :" توقف إدارة منطقة كهرباء محافظة حجة عن سداد التزاماتها المالية لشركة النفط بالحديدة، ما تسبب في توقف محطة توليد الكهرباء بمديرية المحابشة وبعض فروع المديريات الأخرى إثر امتناع شركة النفط تزويد فروع الشركات بمخصصاتها من الديزل، وبالتالي تواطئ السلطة المحلية - بالمحافظة-  مع فساد إدارة منطقة كهرباء حجة وتلاعبها بمخصصات الفروع وتساهلها في تسديد التزاماتها في المواعيد المحددة ما تسبب في كثير من الأوقات خروج محطات المديريات عن العمل والتوقف التام" مشيداً في ذات السياق بوفاء فرع المحابشة بتسديد ما عليه لإدارة منطقة كهرباء المحافظة وبحسب حجة نت أيضا فالقضية فيها رائحة نتنة "لا تخدم مصلحة المواطن وإنما موظفي المنطقة"؟؟ ..
 اليوم ها هي لعنت الظلام  ورائحة القضية تغمر بيوت المديرية للأسبوع الرابع على التوالي فهل من مغيث؟!.