Translate

الأحد، 7 سبتمبر 2014

تنظيم أنصار الله (الحوثيون).. تكوينه المذهبي ومعاركه السياسية


جمال الدين إسماعيل أبوحسين - نائب مدير تحرير - مجلة السياسة الدولية
بدأ الحوثيون في الأسبوع الأخير من أغسطس 2014 مرحلة جديدة في خطتهم، التي تهدف إلى تعزيز نفوذ تنظيمهم، (أنصار الله)، عبر إفشال متدرج لعملية التسوية السياسية التي شاركوا فيها، بعد تخلي الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، عن السلطة عام 2012. وصل الحوثيون إلى قلب صنعاء، مستغلين قضية اجتماعية ذات طابع شعبي، هي رفع أسعار الوقود، مواصلين في الوقت نفسه محاصرة العاصمة.
ولذلك، كثرت الأسئلة عن هوية هؤلاء الحوثيين، وانتمائهم السياسي، والعقدي، والمذهبي، وطبيعة تنظيم (أنصار الله)، الذي صار رقما صعبا، وربما الأصعب، في المعادلة اليمنية.
تعود بداية هذا التنظيم إلى عام 1991 عندما أنشأ تنظيم (الشباب المؤمن) في بعض مناطق محافظة صعدة (يعتنق معظم أهلها المذهب الزيدي(1))- والتي تبعد عن صنعاء العاصمة نحو 240 كم شمالا- كمنتدى فكري للأنشطة الثقافية. واستهدف مؤسس التنظيم  بدر الدين الحوثي جمع أتباع المذهب الزيدي وعلمائه في صعدة وغيرها من مناطق اليمن تحت لوائه، وكذلك التقريب بين المذهب الزيدي والمذهب الجعفري، (الاثنى عشري)، ونجح في ذلك بالفعل.
أولا: مرجعية الحوثيين
يُعد بدر الدين الحوثي، الأب الروحي للحوثيين، أحد كبار علماء الزيدية الجارودية(2) باليمن، وقد عد نفسه مجددا يرفض التقليد، وانتقد العلماء الزيديين على جمودهم وعدم التقارب مع المذهب الجعفري (الاثنى عشري)، وتوجه إلى إيران بصحبة ابنه حسين في نهاية حرب 1994، ومكث بها حتى عام 2002م. وكان واضحا منذ البداية أنه لا يعترف بأصول التشريع عند أهل السنة ومصادره، بما في ذلك الصحيحان (البخاري ومسلم)، وهما أصلان متفق على صحتهما عند أهل السنة، وورث ابنه حسين هذا المذهب (الموقف).
ورجع حسين الحوثي قبل أبيه من إيران، وكان تغيير اسم تنظيم "الشباب المؤمن" إلى "أنصار الله"، أولى خطواته بعد العودة.
ومع عودة حسين الحوثي إلى صعدة بفكرِ جديدِ، مستمد من المذهب الاثنى عشري الذي يخالف مذهبه الزيدي القديم، واجهته صعوبات لرأب الصدع بين المذهبين، لعدة أسباب، منها: أن المذهب الاثنى عشري لا يعترف بإمامة زيد بن علي، مؤسس المذهب الزيدي، فهو ليس من الأئمة الاثنى عشر، الذين يمثلون ركنا رئيسا عند الاثنى عشرية، لا يمكن الاقتراب منه أو تغييره.
ومن ناحية أخرى، فإن الزيدية لا يقرون الاثنى عشرية على تحديد أسماء اثنى عشر إماما بعينهم (3)، ولا يوافقونهم في ادعاء عصمة الأئمة الشيعة (فالعصمة عند الزيدية والسنة للأنبياء فقط وليس للأولياء)، وكذلك لا يقرونهم في عقيدة التقيَّة (4)، والرجعة (5)، والبداءة (6)، وسب الصحابة.
وفجر تنظيم أنصار الله خلافا في أوساط علماء الزيدية. ورغم أنه ضم بين مؤسسيه محمد يحيى سالم عزان، وهو مفكر زيدي معتدل، فإنه اختلف مع القائد الحقيقي للتنظيم حسين الحوثي، وانشق عن التنظيم، وأرجع ذلك إلى خروج الحوثي عن المذهب الزيدي المعتدل.
ورغم ذلك، لم يتخل حسين الحوثي عن أطروحاته وأفكاره التي يؤمن بها، بل ثبت عليها، ودخل في صدام مباشر مع علماء الزيدية، حتى وصل الأمر إلى تحذيرهم منه (في بادئ الأمر) في بيان لهم نشر بصحيفة الأمة، وهي الصحيفة الناطقة باسم حزب الحق،(7) حذروا فيها مما سموه (ضلالات الحوثي وأتباعه)، واتهموه بمخالفة أصول المذهب الزيدي، ومذهب أهل البيت، وتحوله بشكل كامل للمذهب الاثنى عشري الذي لم يكن له موطئ قدم باليمن قبل ظهور الحوثيين.
وكذلك قال عنهم الشيخ مجد الدين المؤيدي (1914م – 2007م)، وهو عالم دين يمني، إن ظاهرة الحوثية غريبة على المجتمع اليمني المسلم في أفكارها، وأطروحاتها، بعيدة كل البعد عن المذهب الزيدي الذي يشكل هو والمذهب الشافعي توأمين رئيسيين وفرعيين في أصل عقدي واحد، هو الإسلام الحنيف.
وقد أدى امتزاج الزيدية بالاثنى عشرية لدى الحوثيين إلى ما يمكن أن نعده "مذهبا حوثيا" تتمثل مرجعيته الأساسية في خطابات سياسية لحسين الحوثي، تم تفريغها في مجموعة من المذكرات من قبل أنصاره، وأصبحت المرجع الأول والأساسي للتنظيم وأنصاره، على عكس المذهب الزيدي، الذي يعتمد على مجموعة كبيرة من الكتب والمراجع، في الفقه وأصوله، والتفسير وعلومه، والحديث ومصطلحه، والعقيدة وأدلتها، والسير والتراجم، وكذلك يختلف التنظيم عن المذهب الاثنى عشري، الذي له العديد من المرجعيات المختلفة، والتي تعتمد حياة عامة الشيعة على فتاواهم وتوجيهاتهم، ولهم مصادرهم الخاصة أيضا من الكتب والمراجع كالكافي للكليني، ومن لا يحضره الفقيه للقمي، والتهذيب للطوسي، والاستبصار للطوسي، وبعض كتب المتأخرين كبحار الأنوار، للباقر المجلسي، والوافي للكاشاني.. وغيرها. فنجد أن للتنظيم الحوثي خصوصية في مرجعيته ومصادره التشريعية، وإن شئت فللتنظيم مذهب وأيديولوجية مختلفة عن بيئته الزيدية ووجهته الاثنى عشرية "السابقة". ويقر تلك الحقيقة عالم الزيدية محمد عبد العظيم الحوثي الذي نفى كون الحوثيين من الزيدية، أو حتى من الجعفرية (الاثنى عشرية)، وقال: هم أنفسهم يتسمّون بالحوثيين أو أنصار الله، ويدعون أنهم أصحاب مسيرة قرآنية لا مذهبية، والواقع أنهم (طلاب سلطة، متهالكون في الاستخفاف بالدماء) على حد قوله.
ثانيًا: مرحلة التمدد وبسط النفوذ
غضت الحكومة اليمنية النظر عن تنظيم أنصار الله (في بادئ الأمر)، وذلك للمحافظة على توازن القوى بينه، وبين القوى السنية المتمثلة في حزب التجمع اليمني للإصلاح المعارض، والتيار السلفي التقليدي المتمثل في الشيخ مقبل بن هادي الوادعي وتلامذته من بعده من جهة أخرى.
واستطاع تنظيم أنصار الله استقطاب الشباب ووجهاء القبائل، من خلال شعاراته البراقة، وكذا القيام بدور اجتماعي وخيري ودعوي في الوقت نفسه، بينما كان هناك تناقص أو تلاش لدور الحكومة ومؤسساتها المختلفة.
فمضى التنظيم يبسط نفوذه يوما بعد يوم على حساب النفوذ والحجم السياسي والشعبي لحزب الحق، وكذلك على حساب سلطة الدولة المتآكلة ونفوذها الذي بدا ضعيفا أو لا وجود له.
رغم تحذيرات كثير من علماء الزيدية من هذا التنظيم الخارج على أصول الزيدية، وفكرهم، فقد استمر، بل ازداد نفوذه على أرض الواقع لهذه الأسباب:
1-  قيام التنظيم ببعض الأنشطة الاجتماعية، كتقديم المساعدات الاجتماعية والخيرية لعامة الشعب، والوجود بينهم بشكل شبه دائم، بل تعدى الأمر ذلك إلى دفع رواتب لبعض مؤيديه، في حين تخلت المؤسسات الحكومية عن دورها المنوط بها.
2- استخدام التنظيم لأساليب وشعارات براقة تجذب الشباب المتحمس المندفع، وكذلك وجهاء القبائل المختلفة الكارهين لإسرائيل وأمريكا وتدخلاتهما السلبية في المنطقة العربية، مثل شعارهم (الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود .. النصر للإسلام).
3- سوء التقدير الحكومي لقوة هذا التنظيم المتنامية، بداية من غض الطرف عن نشاطاته التي كانت تتسع يوما بعد يوم، وزيادة نفوذه على حساب سلطة الدولة نفسها، ثم القصور الحكومي في التعامل الشامل معه، واعتماد الحكومة أن مواجهته عسكريا كافية للقضاء عليه، مع استبعاد المواجهة الفكرية العلمية الممنهجة.
4- الدعم الإيراني في إطار تصدير الثورة لليمن، وأخذ هذا الدعم أشكالا متعددة، سنتاولها بشيء من التفصيل لاحقا.
ثالثا: مرحلة التنظيم المسلح وأهم المعارك
تحول التنظيم من الدعوة الفكرية، والمناظرات مع علماء الزيدية، وطلاب المعهد الديني السني بدماج، إلى حمل السلاح، وبرر ذلك بالاستعداد للدفاع عن اليمن ضد التدخل الأمريكي المحتمل. ومع وجود سوق مفتوح للسلاح الخفيف والمتوسط، لم يستعص على التنظيم الحوثي الحصول على السلاح، بل والتدرب عليه.
وخاض هذا التنظيم سبع معارك مع الجيش اليمني، وبعض القبائل المؤيدة له كحاشد وغيرها، خلال الفترة من 2004 إلى 2014، وهي:
المعركة الأولى: اندلعت في يونيو 2004، وقتل فيها قائد التنظيم حسين الحوثي، والذي يظن الكثير من أعوانه أنه لا يزال حيًا حتى هذه اللحظة.
المعركة الثانية: اندلعت في مارس 2005 لمدة أسبوعين، وكانت بقيادة الأب بدر الدين الحوثي.
المعركة الثالثة: اندلعت في نوفمبر 2005، وشهدت بداية ظهور قائد جديد هو عبد الملك الأخ الأصغر لحسين الحوثي.
المعركة الرابعة: اندلعت في يناير 2007، بعدما أن اتهمت الحكومة الحوثيين بطرد اليهود من محافظة صعدة، تمهيدا للانفصال عن الدولة.
 المعركة الخامسة: اندلعت في مارس 2008، وكانت حربا فارقة ومختلفة عن الحروب السابقة لها، وذلك في توسع نطاق عملياتها، إذ لم تنحصر في صعدة كما حدث في الحروب الأربع السابقة لها، بل امتدت إلى  جبهات جديدة في مناطق يدين أهلها بالمذهب الزيدي، ومنها مديرية بني حشيش، وهي إحدى المديريات القريبة من العاصمة صنعاء.
المعركة السادسة: اندلعت في أغسطس 2009، وكانت فيها مفاجآت وأبعاد جديدة، حيث أعلنت الحكومة عن اكتشاف تورط إيران في دعم الحوثيين، من خلال اكتشاف ستة مخازن للسلاح والذخيرة المملوكة للحوثيين، وبعض الأسلحة المكتوب عليها صنع في إيران، وتشمل صواريخ قصيرة المدى، ومدافع رشاشة وذخيرة. أعقب ذلك بقليل إعلان الحكومة القبض على سفينة إيرانية محملة بالأسلحة والذخائر كانت في طريقها للحوثيين.
وحملت تلك المعركة خطر استدراج المملكة العربية السعودية، وذلك بعد اعتداء الحوثيين على حدودها، من خلال التمركز بجبل الدخان، والذي يدخل جزء منه في الأراضي السعودية، حسب اتفاقية الطائف، ثم إعلان السعودية بشأن العثور على مخازن للأسلحة والذخائر بهذا الجبل، الأمر الذي جعل خطر جر المنطقة لصراع إقليمي طائفي مماثلا.
المعركة السابعة ودلالاتها:
بدأت إرهاصات المعركة السابعة، الشهيرة بحرب عمران، في مارس 2014، عندما استغل الحوثيون الارتباك المتزايد في المشهد اليمني، واضطرابات الجيش المخترق من قبل رجالهم، وتشتته في أكثر من جبهة في الشمال والجنوب، فقام الحوثيون بهجوم مباغت على مواقع تابعة للواء 310 مدرع، وهو اللواء الأقوى تشكيلا وتسليحا، والذي تعتمد عليه الحكومة بشكل كبير في معاركها مع الحوثيين، وتحولت محافظة عمران إلى ساحة حرب، واستطاعت القوات الحوثية الانتصار على اللواء 310 مدرع، والاستيلاء على كامل عتاده وأسلحته، وقتل قائده العميد/ حميد القشيبي.
وكان من نتائج هذه المعركة أن الحوثيين صاروا على بعد 50 كم من العاصمة صنعاء، مما أتاح لهم الزحف إلى مداخلها، وكذلك تهجير آل الأحمر من منازلهم ومعاقلهم في حاشد، وقد كانوا أصحاب النفوذ والمناصب في حكومات اليمن المتعاقبة، وتغيرت موازين القوى لمصلحة الحوثيين، وسقط معها جزء كبير من هيبة الدولة.
ولم يكن وقف إطلاق النار في كل من هذه المعارك السبع إلا بداية مرحلة جديدة يزداد فيها غياب سلطة الدولة ونفوذها عن مناطق جديدة، يكثف الحوثيون فيها نشاطهم، ويكتسبونها ببراعة.
والملاحظ هو خروج الحركة الحوثية من كل معركة تخوضها أكثر قوة، وتماسكا، وتناميا، بنفوذ أكبر، ومساحة على الأرض أوسع من سابقتها، فتنامت دعوتهم خارج صعدة التي خضعت لهم بشكل كامل خصوصا بعد تهجير أهل دماج، وطلبة العلم بها بناءً على اتفاق بين الحكومة والحوثيين(8) في يناير 2014.
وهكذا، صار الشمال اليمني بأكمله في قبضة الحوثيين، وبسطوا سيطرتهم عليه، حيث كانت دماج آخر معقل للدولة في صعدة.
رابعًا: عوامل تفوق الحوثيين العسكري
ورغم أن الجيش أكثر عددا وعدة، فإن التفوق كان دائما للتنظيم الحوثي. ويرجع ذلك إلى عدة أسباب:
السبب الأول: يتعلق بالدولة نفسها:
1- تشتت الدولة بين عدة مواجهات مع الحراك الجنوبي(9)، والقاعدة، والحوثيين في الشمال، وكذلك مطالب حزب التجمع للإصلاح(10) التي تتعارض مع أهداف ومنهج الحكومة.
2- ضعف سلاح الجو اليمني، وهو السلاح الوحيد الذي تتميز به الحكومة على التنظيم الحوثي، وعدم قدرته على تحديد الأهداف، وإصابتها بدقة، وافتقاد تكنولوجيا الأقمار الصناعية، وما شابهها، في تحديد الأهداف، حتى يسهل إصابتها إصابة مباشرة، فضلا عن اضطرار الطيارين إلى الطيران على مستوى منخفض، حتى يتسنى لهم رؤية الأهداف، فيصبحوا بذلك صيدا سهلا للدفاعات الجوية الحوثية، مع إمكانية اصطدام طائراتهم  بالجبال المرتفعة للطبيعة الجبلية للبلاد، وقد حدث ذلك بالفعل.
3- عدم وجود طرق معبدة، الأمر الذي يعيق تحركات الجيش بأسلحته الثقيلة، في حين يحسن الحوثيون استخدام هذه الطرق لمصلحتهم، لما لديهم من أسلحة خفيفة ومتوسطة، يسهل التحرك بها.
4- وجود سوق مفتوحة للسلاح تتيح لأي تيار أو جماعة التسلح بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وهي الأسلحة الفعالة بشكل كبير في هذا النوع من المعارك، لصعوبة استخدام الأسلحة الثقيلة والطيران في البيئة اليمنية، وبالتالي لا يوجد كبير تفوق للجيش على غيره من القبائل الكبيرة، التي تحصل على السلاح بسهولة.
5- تشرذم التيارات السنية (فحزب الإصلاح في خلاف غير بسيط مع طلبة العلم السلفيين وغيرهم من التيارات السنية..)، فلا توجد لهم راية واحدة.
السبب الثاني: يتعلق بالحوثيين أنفسهم:
1- التمكن التربوي الأيديولوجي الذي زرعه حسين الحوثي في الجماعة لدرجة إقدامهم على الموت دون تردد أو هلع من أجل الوعد المقدس والنصر الأكيد، فهم يقاتلون عن عقيدة.
2- التدريب الجيد للحوثيين، واستغلال الهدنة بين كل معركة وأخرى في مزيد من التدريب على استخدام الأسلحة المختلفة، وكذلك التسليح بالأسلحة المتقدمة.
3- توحد الجماعات والقبائل الشيعية المختلفة تحت راية واحدة(11)، هي راية الحوثي، فقد تحول معظم معتنقي المذهب الزيدي إلى الاثنى عشري، وانصاعت تيارات أخرى للتيار الحوثي، كالتيار الصوفي(12). فالمناهج متقاربة، والأيديولوجية غير بعيدة، والخصم واحد هو التيار السني، المتمثل في حزب الإصلاح أو التيار السلفي، الذي فقد مركزه في دماج، وهُجرَ منها.
السبب الثالث: يتعلق بالدعم الداخلي والخارجي:
1- الدعم الداخلي:
من الرئيس السابق علي عبد الله صالح ورجاله، ووضع إمكاناتهم من  سلاح وغيره، وكذلك ما تحت أقدامهم من أراض، في خدمة الحوثيين، ومن شايعهم، فنال الحوثيون معدات عسكرية، وأماكن استراتيجية، ساعدت بشكل مباشر على تغيير موازين القوى، وانقلاب الدفة لمصلحتهم، في غفلة من الحكومة، والقبائل السنية، أو العشائر الموالية لهم. فكان التقدم الحوثي في عدة محاور، واحتلال مزيد من المساحات الاستراتيجية المؤثرة، ولعل دخولهم مدينة عمران خير شاهد لذلك.
2- الدعم الخارجي:
عن طريق إيران، ومر دعمها للحوثيين بعدة مراحل، بدءًا من الدعم الإعلامي عن طريق قناة المنار، وغيرها، وزيارات لأهم علماء وقادة هذا التنظيم لإيران (بدر الدين الحوثي وحسين الحوثي، وغيرهما) في أوقات مختلفة، ومكوثهم هناك فترات غير قصيرة، وكذلك بعثات طلبة الزيدية للدراسة وطلب العلم من خلال حوزات إيران، وإعادة صياغة هؤلاء الطلبة بالصبغة الاثنى عشرية الخالصة. ثم أخذ هذا الدعم منحى جديدا. فوفقًا للخطاب الرسمي، تم اكتشاف مخازن للسلاح والذخيرة في مقرات وجودد مقاتلي الحوثيين، مكتوب على بعضها صنع في إيران، وكذلك القبض على سفينة إيرانية محملة بالأسلحة والذخيرة، بالقرب من سواحل اليمن، متوجهة لمحافظة صعدة أي للحوثيين، وأسر بعض المقاتلين الحوثيين من قبل الجيش. وأثناء التحقيق معهم، وجدوا أنهم من حزب الله.
وكذلك اتهمت الحكومة اليمنية إيران بدعم الحوثيين، فقد كشفت مصادر سياسية ودبلوماسية يمنية، في تصريحات متطابقة، عن أن إيران تدرب أعدادا كبيرة من الحوثيين في إريتريا المجاورة لليمن على الساحل الإفريقي للبحر الأحمر.
خامسًا: عوامل قوة الحوثيين وضعفهم
1– عوامل القوة:
أ- ظهورهم في صورة المخلص من الظلم والفقر، حيث يستغل الحوثيون الأماكن الفقيرة الخالية من الخدمات الأساسية الحياتية، وكذلك البعيدة عن مراكز الدعوة السلفية بأنواعها المختلفة، ويعملون فيها بجد مع العامة، ويوفرون ما استطاعوا من خدمات اجتماعية وخيرية. وخلال ذلك، ينشرون دعوتهم.
ب- اختراق جبهات أعدائهم، سواء في الجيش، أو في الحراك الجنوبي، أو القبائل، واستغلال الفرقة بين القبائل، وجذب ما يمكن منهم للتنظيم أو تحييده، حتى يستطيع تقليل حجم الخصم، وإضعافه قبل خوض المعركة معه.
ج- غياب الدولة، وهشاشة مؤسساتها في العديد من المدن والقرى، وبالتالي غياب نفوذها وسلطتها، واستغلال الحوثيين لهذا الغياب الاستغلال الأمثل.
د- تشرذم التيارات السنية المختلفة فيما بينها في فروع الدين، وأولويات الدعوة، مثل الخلاف بين حزب الإصلاح، والسلفيين، والحراك الجنوبي.
هـ- جمع الشيعة باختلاف عقائدهم تحت راية واحدة، هي راية الحوثية، فجُمع الحوثيون، والشيعة الزيدية، والاثنى عشرية، بل امتدت راياتهم لتجمع تحتها التيار الصوفي وغيره.
و- القتال عن عقيدة، رغبة وطمعا إما في الجنة، أو النصر المنشود.
ز- ظهور الحوثية بوجه المتعفف عن مناصب الدولة المختلفة، بعدم تعجلهم في الانقضاض على مفاصل الحكومة، رغم قدرتهم على ذلك، في حين وقع غيرهم في هذا الشَرَك، فكان التعيين في المناصب المهمة على أساس الهوية الحزبية، أو القبيلة، والعشيرة والنفوذ.
ثانيا – عوامل الضعف:
أ- المسافة البعيدة بين شعار (الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام)، والواقع، فكل الضحايا يمنيون، ولا يموت أمريكي، أو يهودي واحد. كذلك، فإن اللعنة لم تسقط أمريكا، أو توقف مجازر إسرائيل ضد العرب في فلسطين. ولم يقدم الحوثيون شيئا لنصرة الإسلام، سوى مزيد من إراقة دماء أهل اليمن المسلمين من كل الطوائف، فظهر أنه مجرد شعار لجذب المتحمس من أهل اليمن فقط، ليس إلا.
ب- لم يستطع الحوثيون درء الاتهام بأن مشروعهم مبني على العرقية، والطائفية، وإعادة دولة الإمامية، وليس على دفع الظلم، وإقامة العدل، كما في ظاهر دعوتهم، مما يفقدهم جزءا كبيرا من مصداقيتهم.
ج- سهولة اختراق التنظيم الحوثي، والعمل على هدمه من الداخل.

--------------------------------
(1) نسبة إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين، ولقبه زين العابدين بن علي بن أبي طالب.
(2) نسبة إلى أبي الجارود زياد بن أبي زياد، أو زياد بن المنذر العبدي، اختلف مع إمامه زيد بن علي تكفير الصحابة باختيارهم وتقديمهم أبا بكر، على علي بن أبي طالب، وسماه أبو جعفر محمد بن علي الباقر (الإمام جعفر الباقر) سرحوب، ومعناها شيطان البحر الأعمى، ولعنه! (انظر الملل والنحل للشهرستاني 169:166).
(3) الإمام الأول: الإمام علي المرتضى  (-٢٣ - ٤٠  للهجرة)، الإمام الثاني: الإمام الحسن المجتبى  (٣ - ٥٠  للهجرة)، الإمام الثالث: الإمام الحسين سيد الشهداء  (٤ - ٦١  للهجرة)، الإمام الرابع: الإمام علي زين العابدين  (٣٨ - ٩٥  للهجرة)، الإمام الخامس: الإمام محمد الباقر  (٥٧ - ١١٤  للهجرة)، الإمام السادس: الإمام جعفر الصادق  (٨٣ - ١٤٨ للهجرة)، الإمام السابع: الإمام موسى الكاظم  (١٢٨ - ١٨٣  للهجرة)، الإمام الثامن: الإمام علي الرضا  (١٤٨ - ٢٠٣  للهجرة)، الإمام التاسع: الإمام محمد الجواد  (١٩٥ - ٢٢٠  للهجرة)، الإمام العاشر: الإمام علي الهادي النقي  (٢١٢ - ٢٥٤  للهجرة)، الإمام الحادي عشر: الإمام الحسن العسكري  (٢٣٢ - ٢٦٠  للهجرة)، الإمام االثانى عشر: الإمام المهدي المنتظر  (٢٥٥ للهجرة - اليوم).
(4) التقية: هي أن يظهر الإنسان بلسانه غير ما يسره في قلبه اتقاء الشر، وهي عند السنة: باللسان فقط، ومن الكفار فقط، وهي رخصة وفي حالة الضعف، وعند الشيعة : هي عزيمة وليست رخصة، وباللسان والفعل، وفي كل وقت، قال أبو جعفر:(التقية من ديني ودين آبائي، ولا إيمان لمن لا تقية له).
( 5) الرجعة: العودة إلى الحياة الدنيا بعد الموت. قال الجوهري والفيروزآبادي: فلان يؤمن بالرجعة، أي بالرجوع إلى الدنيا بعد الموت، وعند الشيعة: رجوع أصحاب الإيمان المحض، ورجوع أصحاب الكفر المحض، ويستثنى من ذلك المستضعفون [انظر بحار الأنوار: 8/363، والاعتقادات للمجلسي ص 100]) وتنقسم إلى قسمين: الأول: الأئمة الاثنا عشر، حيث يخرج المهدي من مخبئه، ويرجع من غيبته، وباقي الأئمة يحيون بعد موتهم ويرجعون لهذه الدنيا. الثاني: ولاة المسلمين الذين اغتصبوا الخلافة من أصحابها الشرعيين (الأئمة الاثني عشر) فيبعث خلفاء المسلمين، وفي مقدمتهم أبو بكر وعمر وعثمان، من قبورهم، ويرجعون لهذه الدنيا للاقتصاص منهم بأخذهم الخلافة من أهلها فتجري عليهم عمليات التعذيب والقتل والصلب.
( 6) البداء: معناه الظهور بعد الخفاء، ويعدهاا الشيعة من لوازم الإيمان، وقالوا إن الله تبدو له البداوات، وإنه يريد أن يفعل الشيء في وقت من الأوقات، ثم لا يحدثه بسبب ما يحدث له من البداء، وفسروا النسخ الحاصل في بعض الأحكام بأنه نتيجة لما بدا لله فيها.
( 7) تأسس عام1990م، بعيد إعلان الوحدة اليمنية والسماح بالتعددية السياسية والثقافية، وكان يجمع أتباع المذهب الزيدي.
( 8) ويقضي الاتفاق بإنهاء المظاهر المسلحة للطرفين، وسحب عناصرهما من المناطق والجبال المحيطة بمنطقة دماج، وتسليمها إلى سرايا من قوات الجيش، تتولى مراقبة التزام الطرفين بتنفيذ الاتفاق، وفق ما صرح به رئيس لجنة الوساطة الرئاسية يحيى منصور أبو إصبع للتليفزيون اليمني، بالإضافة إلى إمهال زعيم السلفيين يحيى الحجوري أربعة أيام للمغادرة مع أنصاره.
( 9) تأسس عام 2007 في اليمن، وتحديداً في مدينة الضالع تحت كيان جمعية للمتقاعدين العسكريين الذين أحيلوا الى التقاعد من ضباط الجيش اليمني المنتمين إلى محافظات جنوبية بعد حرب 1994، وكانت هذه الجمعية هي النواة الأولى التي تكون منها تيار سياسي وشعبي كبير، أطلق عليه فيما بعد «الحراك الجنوبي»، وله مطالب متصاعدة، آخرها الاستقلال عن الشمال.
( 10) أنصار حزب التجمع اليمني للإصلاح وهو حزب أو ائتلاف سياسي، تعود بدايته إلى عام 1990 ، وقام على تحالف بين جماعة الإخوان اليمنية وعدة قبائل أهمها حاشد، ومؤسسوه هم: علي محسن الأحمر، وعبد الله بن حسين الأحمر ، ومحمد بن عبد الله اليدومي، وعبد المجيد الزنداني. وقد عرف الحزب نفسه بأنه "تنظيم سياسي وشعبي يسعى للإصلاح في جميع جوانب الحياة على أساس مبادئ الإسلام وأحكامه"، و يدعو إلى أن يكون الحكم إسلاميا، يحقق مقاصد الشريعة الإسلامية.
( 11) تتقارب عقائد الزيدية الجارودية مع عقائد الإثني عشرية لدرجة كبيرة جدا، فهم يتفقون مع الاثنىى عشرية في زكاة الخمس، وفي جواز التقية، وأحقية أهل البيت في الخلافة، وتفضيل الأحاديث الواردة عنهم على غيرها، وتقليدهم، ويقولون "حي على خير العمل" في الأذان، ويرسلون أيديهم في الصلاة، ويعدون صلاة التراويح جماعة بدعة، ويرفضون الصلاة خلف الفاجر والفاسق.
( 12) فعند الشيعة، الوصي أفضل من النبي،  وينتسبون في دعواهم آلى آل البيت، والأئمة عندهم يوحى إليهم، وكذلك يعلمون الغيب، ويتصرفون في الكون، ويجوز دعاء الأئمة، والذبح لهم، والاستغاثة بهم، وتقديس قبورهم وأضرحتهم. وعند غلاة الصوفية، الولي أفضل من النبي، وينتسبون كذلك في دعواهم إلى آل البيت، والأولياء عندهم يوحى إليهم، ويعلمون الغيب، ويتصرفون في الكون، ويجوز دعاء الأولياء، والذبح لهم، والاستغاثة بهم، وتقديس قبورهم وأضرحتهم.. إلى غير ذلك من أوجه الشبه.

السبت، 6 سبتمبر 2014

ﻣﺨﻄﻮﻃﺔ ﺗﺤﻜﻲ ﻋﻦ ﺍﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﻴﻤﻦ ﻓﻲ ﻗﺼﺪﺓ ﺷﻌﺮﻳﺔ ﻋﻤﺮﻫﺎ ﻣﺌﺔ ﻋﺎﻡ ﺍﻧﻈﺮﻭﺍ ﻟﻼﺑﻴﺎﺕ ﺍﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﺘﺮﺟﻤﺔ:



ﺑﺄﻟﻒ ﻭﺍﺭﺑﻊ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻤﺌﺔ ﺗﺪﻓﻦ ﺻﻨﻌﺎﺀ ﻣﻠﻮﻙ ﺍﻟﻌﻨﺐ .
‏( ١٤٠٠ ﻫﺠﺮﻳﻪ ﺩﻓﻨﺖ ﺍﻟﺤﻤﺪﻱ ﺍﻟﻐﺸﻤﻲ ‏)
ﻭﺗﺒﻘﻰ ﺍﻟﻜﺮﺍﺳﻲ ﺑﻼ ﺟﺎﻟﺲٍ ﻭﺣﺘﻰ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻛﻨﺰﺍً ﻳﻬﺐ
‏( ﻟﻢ ﻳﻘﺪﻡ ﺍﺣﺪ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﺮﺋﺎﺳﺔ ﺧﻮﻓﺎ ‏)
ﺍﺫﺍ ﻻﺡ ﻧﺠﻢُ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﺮﻗﻴﻦ ﻛﺜﻴﺮ ﺍﻟﺸﻌﺎﻉ ﻃﻮﻳﻞ ﺍﻟﺬﻧﺐ
ﻓﻤﻦ ﺍﻭﺳﻂ ﺍﻟﻘﻮﻡ ﻳﺄﺗﻲ ﺍﻟﺨﺒﺮ ﺛﻤﺎﻥ ﺗﻀﻔﻬﺎ ﻟﻜﻠﻤﺔ ﻟﻌﺐ
‏( علي عبدالله ‏)
ﺍﺫﺍ ﻣﺎﺑﺪﺍ ﻓﺤﺴﺒﻮ ﺑﻌﺪﻩ ﺛﻼﺛﻮﻥ ﻋﺎﻣﺎً ﺗﺮﻭﻥ ﺍﻟﻌﺠﺐ
‏( ﻓﺘﺮﺓ ﺣﻜﻢ علي عبدالله ‏)
ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮ ﻭﺍﻟﺨﻴﺮ ﻟﻦ ﺗﺴﻠﻤﻮﺍ ﻭﻳﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﺣﻀﺮﻣﻮﺕ ﺍﻟﺬﻫﺐ
‏( ﺍﻟﺒﺘﺮﻭﻝ ‏)
ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻘﻮﻡ ﺣﺮﻭﺏ ﻛﺜﻴﺮ ﻭﺗﻠﻘﻰ ﺍﻟﻌﺸﺎﺋﺮ ﺍﻗﺼﻰ ﺍﻟﺘﻌﺐ
ﺧﻮﺍﺭﺝ ﺗﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﻣﺸﺮﻕٍ ﺗﺪﻭﺱ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﺑﻜﺜﺮ ﺍﻟﻌﻄﺐ
ﻭﻳﺴﻘﻂ ﻓﻲ ﻧﻬﺪﻫﺎ ﺟﻤﺮﺓٌ ﺗﻤﻮﺝ ﺑﺪﺧﺎﻧﻬﺎ ﻭﺍﻟﻠﻬﺐ
‏( ﺣﺎﺩﺙ ﺍﻟﻨﻬﺪﻳﻦ ‏)
ﻭﺗﺒﺪﻭ ﺷﺮﻭﺭ ﺗﻌﻢ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﺇﻻ ﺍﻥ ﺗﻮﻟﻲ ﺍﻟﺜﻼﺙ ﺍﻟﺤُﻘﺐ
‏( يستمر ﺍﻟﺸﺮ ﺑﻌﺪ ﺣﺎﺩﺙ ﺍﻟﻨﻬﺪﻳﻦ ﺍﻟﻲ ﺍﻥ ﻳﻮﻓﻲ علي عبدالله 33 ﺳﻨﻪ ‏)
ﺛﻼﺛﻮﻥ ﺛﻢ ﺛﻼﺙ ﻋﺠﺎﻑ ﻭﻳﻮﻡ ﺍﻟﺜﻠﻮﺙ ﺑﺪﺍ ﻭﺍﻧﺘﺼﺐ
‏( ﺍﻷﻧﺘﺨﺎﺑﺎﺕ ﺣﻖ ﻋﺒﺪ ﺭﺑﻪ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﺜﻠﻮﺙ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻨﻪ ﺍﻝ ٣٣ ‏)
ﻭﻇﻦ ﺍﻟﺒﻌﻴﺪ ﻭﻗﺎﻡ ﺍﻟﻘﺮﻳﺐ ﻳﺠﻤﻊ ﻣﺎﻗﺪ ﻣﻀﻰ ﻣﻦ ﻛﺮﺏ
ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻓﺴﺤﺔ ﻣﻦ ﺯﻣﻦ ﻟﻴﻀﺮﺏ ﻣﻦ ﻗﺪ ﻧﺠﻰ ﺍﻭ ﻫﺮﺏ
ﻭﺗﻘﻤﻊ ﺻﻨﻌﺎﺀ ﺍﺭﺑﺎﺑﻬﺎ ﻭﻣﻦ ﺣﻞ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﻭﺍﻗﺘﺮﺏ
‏( ﺍﻏﺘﻴﺎﻻﺕ ‏)
ﺑﺮﺍﺑﻌﻪ ﺑﻌﺪ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺜﻼﺙ ﺗﺄﻛﻞ ﺯﺑﻴﺒﺎً ﻭﺗﻤﺮُ ﻭﺣﺐ
ﻭﻳﺬﻫﺐ ﻣﻦ ﻗﺪ ﺑﻘﻰ ﺍﺭﺑﻌﻪ ﻳﻨﺎﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺽ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ ‏
( ﻳﻤﻮﺕ ﺷﺨﺺ ﻣﻬﻢ ‏)
ﻭﻳﻠﺤﻖ ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻩ ﺍﺭﺑﻌﻪ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﻓﺮٍ ﻭﻛﺮٍ ﻭﺣﺮﺏ
‏( ﺍﺭﺑﻌﻪ ﻛﺒﺎﺭ ‏)
ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺨﻤﺲ ﻳﻨﺒﻌﺚ ﺍﻟﻤﺸﺮﻗﻲ ﻳﺒﻴﺪ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﺑﻜﺜﺮ ﺍﻟﻌﻄﺐ
‏( عبدالملك الحوثي ‏)
ﺛﻼﺙ ﻭﺧﻤﺴﻮﻥ ﻣﻦ ﻣﻠﻜﻬﺎ ﺛﻼﺙٌُ ﻭﺧﻤﺴﻮﻥ ﻋﻤﺮ ﺍﻟﺸﻐﺐ
 ‏( ﻋﻤﺮ ﺍﻟﺠﻤﻬﻮﺭﻳﺔ ‏)
ﺑﺪﺕ ﻭﺃﻧﺘﻬﺖ ﺑﻨﻔﺲ ﺍﺳﻤﻬﺎ ﺍﺿﻴﻒ ﺛﻼﺙ ﻟﻘﻮﻝٍ ﻣﺤﺐ
‏( 53 ﺍﺳﻤﻪ ‏)‏( ﺑﺪﺍﺕ ﺍﻟﺠﻤﻬﻮﺭﻳﻪ ﺑﺎﻧﺘﻬﺎﺀ ﺍﻻﻣﺎﻡ ﺍﺣﻤﺪ ﻭﺘﻨﺘﻬﻲ ﺑﻤﻠﻚ
ﺍﻟﻤﻠﻚ عبدالملك ‏)
ﻭﻳﻘﺴﻢ ﻓﻲ ﺍﺳﻤﻪ ﺍﺭﺑﻌﻪ ﺟﻬﺎﺕ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﻟﻤﻦ ﻗﺪ ﻭﺛﺐ
ﺍﺫﺍ ﻣﺎﺗﻘﺎﺭﻧﺖ ﺍﻟﺰﻫﺮﺗﺎﻥ ﻷﻭﻝ ﺳﺆﻝٍ ﺭﺍﻳﺖ ﺍﻟﻌﺠﺐ
‏( ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻳﻌﻮﺩ ﺛﺎﺋﺮ ‏)
ﻭﺍﺻﺒﺤﺖ ﺍﻟﺪﺍﺭ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﺠﺒﻞ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻤﻨﺎﻳﺎ ﻭﻋﺰ ﺍﻟﻄﻠﺐ
ﻭﺍﺳﺒﺎﻉ ﺳﺒﻌﻴﻦ ﺳﺎﺑﻊ ﺭﻗﻢ ﻳﻘﻮﺩ ﺍﻟﺴﺒﺎﻉ ﻟﻠﻨﺎﺭ ﺍﻟﺤﻄﺐ
‏( ﺳﺎﺑﻊ ﺭﺋﻴﺲ ‏)
ﻓﺬﺍﻙ ﺩﻟﻴﻞ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻜﺴﻮﻑ ﻷﺧﺮ ﺟﻤﺎﺩﻱ ﻭﺃﻭﻝ ﺭﺟﺐ
ﻭﺃﺑﻨﺎﺀ ﺫﺍﻙ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺍﻟﻨﻘﻴﺐ ﻫﻨﺎﻙ ﺳﻴﺒﻘﻰ ﺍﻭ ﻗﺪ ﻫﺮﺏ
‏( ﺟﻬﺎﻝ ﺍﻟﺸﻴﺦ عبدالله بن حسين الأحمر ‏)
ﻳﻘﻴﻤﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺬﻝ ﺩﻫﺮﺍً ﻗﻠﻴﻞ ﻭﺗﻔﻨﻰ ﺍﻟﺬﺧﺎﺋﺮ ﻭﺍﻟﻤﻜﺘﺴﺐ
‏( ﺟﻬﺎﻝ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻴﻌﻴﺸﻮﺍ ﻓﻲ ﺫﻝ ﺑﻌﺪ ﻣﺎﻳﻨﻬﺰﻣﻮﺍ ‏)
ﻭﻳﺎ ﺟﻤﻞ ﺍﻟﺸﺮ ﺧﻠﻲ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩ ﻭﻳﻜﻔﻴﻚ ﻣﺎﻗﺪ ﻣﻀﻰ ﻣﻦ ﻛﺮﺏ
‏( ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ‏)
ﺍﺫﺍ ﻣﺎﺗﻐﻴﺮ ﺭﻳﺢ ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ ﻓﻨﺠﻢ ﺍﻟﻌﻼ ﻗﺪ ﺩﻧﺎ ﻭﺍﻗﺘﺮﺏ
ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺴﺖ ﻳﻈﻬﺮ ﺳﺒﻂ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﻛﺮﻳﻢ ﺍﻟﻤﻨﺎﻗﺐ ﻋﺰ ﺍﻟﻌﺮﺏ
ﺍﺫﺍ ﻣﺎ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﺑﻘﻰ ﺍﺭﺑﻌﻴﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﻛﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﻠﺘﻪ ﻗﺪ ﻭﺟﺐ ‏
( 1440 ‏)
ﻳﺴﻴﺮ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ ﻭﺍﺭﺑﺎﺑﻪ ﻭﻳﺬﻫﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻣﻊ ﻣﻦ ﺫﻫﺐ
‏( ﺛﻮﺭﺓ ﺍﻟﺤﻖ ‏)
ﻭﺍﻭﻗﻔﺖ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻭﺯﺍﺭﻫﺎ ﻭﺫﺍﻙ ﺍﻟﻘﺮﻳﻦ ﻫﻮﻯ ﻭﺍﻗﺘﻠﺐ
 ‏( ﺗﺎﺟﺮ ﺍﻟﺴﻼﺡ ‏)
ﻭﺍﺧﺮﺟﺖ ﺍﻷﺭﺽ ﺧﻴﺮﺍﺗﻬﺎ ﻭﻛﻼً ﺑﻜﺄﺱ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﺷﺮﺏ
ﻓﺨﺬﻫﺎ ﺑﺮﺳﻢ ﺍﻣﺮﺍٍ ﺳﺎﻟﻤﺎً ﻧﺒﻴﻪ ﺑﺼﻴﺮ ﺑﻤﺎ ﻗﺪ ﻛﺘﺐ
ﻭﺇﻥ ﻗﻴﻞ ﻣﺎﻟﻪ ﻛﺎﺫﺏُ ﺍﻻ ﻟﻌﻨﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻛﺬﺏ
منقول

الثلاثاء، 12 أغسطس 2014

الجغرافيا الزيدية ودواعش اليمن

بقلم الدكتور/ حسـن علـي مجلـي*
استخدمت مصطلح (الجغرافيا الزيدية) نقلاً عن أحد الرفاق المصابين بـ (فوبيا الزيدية). والمصطلح دال بذاته على ما يجري الآن من جرائم قتل بشعة، حيث تم قتل عشرات الجنود ذبحاً في إحدى مناطق (حضرموت) يوم 8/8/2014م، لأنهم من (الجغرافيا الزيدية)، وهذا النوع من جرائم القتل هو أخطر أنواع الجرائم طبقاً لقانون المحكمة الجنائية الدولية، ويندرج ضمن جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.
صارت العودة إلى الجذور الفقهية العقلانية الاجتهادية الثورية هماً طاغٍ في اليمن التي باتت تعاني من أزمة هُويَّة فكرية، في خضم تصاعد مد القوى المذهبية الرجعية الاستبدادية الإرهابية المتمثلة في الوهابية والسلفية وحركة (الإخوان المسلمين)، مدعومة بمراكز القوى القبيلية المتنفذة المتواشجة مع مراكز القوى العسكرية الطغيانية الرجعية الفاسدة وحلفائها من زعماء اللاهوت اليمني، حيث ازداد هذا المد السلفي الوهابي الإرهابي سرعةً وكثافةً وشمولاً لا مثيل له في تاريخ اليمن القديم والحديث.
جاء هذا المد الفكري الرجعي المذهبي الإرهابي في اليمن مواكباً لهزائم وانكسارات مشاريع التحديث وخيانات وانتهازية معظم (النُّخب) الثقافية وعجزها، والصراعات الدموية بين أجنحة الحكم على السلطة وتضخم سابق في مقولات (الأفندم الانقلاب) والأيديولوجيات (الثورية) الحارقة للمراحل التي اجتاحت الساحة اليمنية والعربية تحت ألوية القومية والماركسية والناصرية، حتى جاء انقلاب (عبدالرحمن الإرياني) وجماعته عام 1967م الذي شكل علامة فارقة في تاريخ اليمن والجسر الذي عبره قادة العصابات القبيلية والعسكرية الرجعيين الفاسدين إلى السيطرة التامة على الحكم والمشهد الثقافي في اليمن.
الظاهرة المسيطرة على عدد من الصحف والصحفيين في التعاطي مع الثوار (أنصار الله) والفقه والفكر الزيديين هي، النـزعة المذهبية الطائفية أو العنصرية بكل مسبقاتها وتحيزاتها وإسقاطاتها ومسكوتاتها وعماءاتها بل وضلالاتها، وفي المقابل تغيب أو تضعف اللحظة المعرفية الصحيحة بأداتها الفكرية الضرورية التي هي التحليل العلمي الموضوعي، وبغايتها التي هي الحقيقة التاريخية.
مشكلة التراث الفقهي الزيدي العظيم ومذهب العقل والاجتهاد والعدل والثورة على الحاكم الظالم، أن القوى الطغيانية المتخلفة، بمقولاتها ومضمراتها العنصرية والطائفية والمناطقية والمذهبية، عملت بدأب وما تزال، على إزاحة الفقه الزيدي الثوري بوسائل عديدة منها اغتيال مفكريه وعلمائه وإقصاء قضاته والتنكيل بمثقفيه وتهميشهم وإحلال أفكار ومذاهب وفتاوى رجعية وإرهابية (وهابية) و (سلفية) و (إخوانية) وخطاب ديني زائف محله، بينما بعض المثقفين حُسني النية والكَتَبَة الجهلة بهذا الفكر السياسي والفقهي العظيم يخدمون، بمعاداتهم له ولقواه المحركة، قوى التخلف والطغيان وخاصة عندما يسقطون ما تظنونه (حقيقة) على هذا الفكر من خارجه دون معرفة حقيقته أو إدراك طبيعة القوى التي تنتمي إليه أو تناضل تحت لوائه.
تلمس في عدد من الكتابات الصحفية رغبة مسبقة ومصادرة على المطلوب في إدانة الفكر الزيدي الثوري العقلاني الذي يشكل فقه المصلحة والتقدم والعمل جوهره، ويعتبر (أنصار الله) بقيادة الزعيم الثوري السيد (عبدالملك الحوثي) قوته المحركة في محيط التكفير والارتداد عن الحرية و التقدم والحضارة باسم الإسلام، وفي الوقت ذاته يعمل أصحاب تلك الكتابات على تبرءة مراكز قوى التخلف والطاغوت القبيلية وقادة العسكر الانكشارية المتحالفة معها والمهيمنة على المدن و(شبه الدولة) الرخوة من أية مسئولية عن خراب اليمن (العظيم) وبؤس وفقر وضياع الشعب اليمني الأبي، وفي دوامة هذه الرغبة المسبقة في إدانة اليسار الإسلامي ممثلاً في (أنصار الله) وحلفائهم، ضاعت الحقيقة التاريخية بما هي كذلك، وستستمر ضائعة ما دامت لا يحترمها أولئك الكَتَبَة وبعض الكُتّاب والمثقفين في موضوعيتها، بعيداً عن شاغل التثمين من حيث الربح والخسارة أو التبخيس وتزييف الوعي أو الخوف المزعوم على جنين (الدولة المدنية الحديثة) التي لا زالت في رحم الغيب وربما مجرد حمل كاذب يحول دون ولادته قوى التخلف والاستبداد والتكفير والفساد التي يحاربها (أنصار الله). والمعلوم أنه لا سبيل إلى احترام الحقيقة، في موضوعيتها، إلا باتخاذها موضوعاً للتحليل العلمي، لا شاشة للإسقاطات الذاتية المناطقية والمذهبية والعنصرية التي تختلط، في الغالب من الأحيان، بالعوامل النفسية التي يقوم فيها الاعتقاد المغلوط والعامل النفعي المبتذل والضيق مقام الحق والمبدأ والمصلحة العامة والفكر الخلاق المُحَرِّك والفاعل الأساسي والحافز الجوهري.
لو كانت كل الخسائر المترتبة على منهج الإسقاط الطائفي المناطقي العنصري المذهبي تتمثل في عجزه عن الوصول إلى الحقيقة التاريخية لهانت المصيبة نسبياً، ولكن هذا المنهج يتنطع لما هو أكثر من الفهم أو عدم الفهم، فهو يُنَصِّب نفسه في الأوقات العصيبة جَرَّاحاً يعمل على إخضاع الواقع اليمني لعملية جراحية ليستأصل منه ما يعتقد أنها أورامه الخبيثة أو زوائده الدودية، بينما هي، في الواقع، أعضاؤه الأكثر حيوية (قوى الثورة وفي مقدمتها أنصار الله)، ومن هنا بالذات خطورة منهج الإسقاط هذا، فهو ليس منهجاً أعمى فحسب، بل إنه ليستعين أيضاً، بدل العكاز لدعم معقتداته الخاطئة بخنجر مسموم هو تزييف الوعي أو مبضع مسموم هو الجهل ممزوجاً بالنفعية الشخصية المبتذلة والمصلحة الخاصة غير المشروعة.
وحسبنا أن نسوق من الواقع الذي ما زلنا نعيش إلى اليوم هذا المثال:
إن عدداً من الكُتّاب في اليمن يدافعون عن (التراث) بشكل عام ودون توضيح خيارهم، وفي الغالب يأخذون بما هو استبدادي ورجعي في التراث والواقع، ويصطفون إلى جانبه في مضمار معاداة الفكر الفقهي المتقدم وتشجيع الرجعية الوهابية والسلفية و (الإخوان المسلمون) ضداً على الفكر العقلاني والفقه الثوري الذي تعتبر المدرسة الزيدية المعتزلية أكبر وأعظم حاضن له في اليمن والعالم الإسلامي.
إننا بصدد ازدواجية خطيرة، هي الانشطار في الحقيقة نفسها بين (حقيقة تاريخية) ينادي بها العلماء والمفكرون والأكاديميون التقدميون و (حقيقة أيديولوجية) أو (دعائية) يتم فيها تزييف وعي الجماهير والزج بها في دائرتها الجهنمية ويتبناها الكَتَبَة المرتزقة من سفهاء القوم وجهالهم.
ما أضر أشد الضرر ببعض أدعياء (الوطنية) و (التقدمية) و (العلمانية) و (الثورية) و (الدولة المدنية الحديثة) هو أنهم يخوضون معركة إعلامية ضارية وخاطئة وخاسرة ضد اليسار الإسلامي وفي مقدمته (أنصار الله)، بينما لا زال قادة التحالف المشائخي - العسكري الطغياني التكفيري وأجنحته الإرهابية المسلحة التي تذبح عشرات الجنود الذين في عمر الزهور، لأنهم من (الجغرافيا الزيدية) و (روافض) يؤيدون (أنصار الله). يرتكب الإرهابيون أبشع الجرائم في اليمن، ويتحكم داعمو الإرهاب وأصحاب الفكر التكفيري بالبلاد ويستبدون بالمواطنين وينهبون المال العام والخاص ويحتكرون الوظائف العامة، ويبيحون الوطن للغزاة الرجعيين والإمبرياليين ويشرذمونه، وينشرون الإرهاب في كافة ربوع اليمن (بلد الإيمان والحكمة)، حيث يستيقظ الشعب كل صباح على أخبار سيطرة قوى الإرهاب والتخلف على مناطق مختلفة من اليمن وجرائم الاغتيالات تحصد التقدميين والثوار من (أنصار الله) وغيرهم من أساتذة الجامعات اليمنية والمفكرين والمثقفين والضباط والجنود بواسطة جماعات الذبح الهمجية المعادية لـ (الزيود) و (الحوثيين الروافض)، ويجري كل ذلك بينما لا يرتفع صوت قوي من هؤلاء الكَتَبَة المرابطين في خندق الصحافة ضد الثوار (أنصار الله) أو (الحوثيين) لإدانة هذه الجرائم البشعة وبيان مدى خطورتها على الشعب والوطن وتبصير الناس بمن ينفذها ويقف وراءها ويخطط لها ويشكل الحاضن الإعلامي والفكري لها؟!.
* أستاذ علوم القانون الجنائي - جامعة صنعاء

التفريق ببين المذهب والتمذهب، والمذهبي والمتمذهب

بقلم الدكتور/ عبدالله الناصر حلمى
لكي يتوضح لنا الهدف من هذا المقال، ينبغي التفريق ببين المذهب والتمذهب، والمذهبي والمتمذهب، وبدون هذا التفريق سيظل الغبش مخيما؛ المذهب تعبد وجداني يختص بالعلاقة بين الإنسان وربه، وفق رؤية بشرية استمدها علماؤه من فهمهم لآية قرآنية، أو حديث شريف، أو نتيجة اجتهاد، في حين أن مذهبا آخر قد فهم الآية وفهم الحديث على نحو مخالف، لكن كلاهما كانا لا يحتكران الصواب، وإنما يقولان ما قاله الإمام الشافعي (رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب)، وكان للإمام “الشافعي” قبل أن يرحل إلى “مصر” اجتهاد، ولما سكنها أصبح له اجتهاد آخر. ولما ذهب إلى العراق وقدم إماما لصلاة الفجر لم يقنت، مع أن مذهبه القنوت، فلما سئل عن ذاك أجاب بجواب أصبح قدوة ” سبحان الله ما جئت لأفتن على فلان أتباعه”. أو كما قال.
يسلمنا هذا المثل إلى أن المذاهب هي إطار لآراء علماء اختلفوا في الفهم، واجبرتهم الأماكن المختلفة على استنباط ما يتناغم مع حاجة تلك البلدان، وحاجة الناس فيها، ولكنهم لم يدخلوا آرائهم في إطار مقدس، لا يقبل رأيا آخر، أو يفرضونه على غيرهم فرضاـ ومن ثم لم يحتكروا الصواب، وكان التعامل بينهم يتم وفق القاعدة الشافعية، رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، أو قاعدة ما جئت لأفتن على فلان أتباعه.
 وأدى هذا الانفتاح إلى تطعيم الفكر في عملية تبادلية بمواد جديدة ساعدت على إنمائه في الاتجاهين واستفاد كل واحد من الآخر، إلى أن بدأت السلطة الحاكمة تنشئ لنفسها المذاهب السياسية باسم الدين، فأنشأ الأمويون مذهب الجبر ومذهب المرجئة، وأنشاء العباسيون فرعا من الكيسانية يسمى ”الجريانية” الخ.
 وبدأت هذه المذاهب تخترق رويدا رويدا بقية المذاهب، ولكنها لم تتمكن من اكتساحها- بسبب وجود الأئمة الكبار- إلى أن أقفل خليفة معتوه –المتوكل على الله العباسي- باب الاجتهاد، وأتبع تلك الخطوة بخطوة جائرة، فحصر
الفقه في أربعة مذاهب فقط. وبهذا التصرف الأرعن أقفل على المذاهب نوافذ التجديد ولواقح الأفكار الأخرى، فانعدم الزاد الرافد، ونضب الماء الوافد، فكانت النتيجة أن جفت الينابيع، ويبس الإبداع، وبقي الأتباع داخل هذا الإطار المقفل يقتاتون من تراث يتأسن وزادٍ لم يتجدد، وبالتالي يعيدون خلق أنفسهم من نفس التغذية ويكررون افكارهم من نفس الإناء، فهزلت المذاهب إلى حد بعيد، وكانت النتيجة أن تجمدت داخل أصدافها، ولما تجمدت تعصبت وأفرطت في التعصب، بل أكثر من هذا فلم تكتف بتجميد نفسها، بل سعت جاهدة إلى ان تجمّد غيرها، وبهذا كثرت النوافذ المغلقة ولم تعد تغذيها لواقح الأفكار.
أعطى التحول الذي طرأ على تديين الخليفة والخلافة الحق لرؤساء الدول أن تهيمن على المذاهب، ومنذ أن صلب “معبد الجهني” وسقط راس الجعد بن درهم لقولهما بحرية الإرادة ، ورفضهما مذهب السلطة الجبر، تدحرجت رؤوس مفكرين كثيرين، ومن ثم اصبح الخليفة حامي المذاهب وهو الذي يتصرف بحياة الناس فيقتل من يشاء ويعذب من يشأ، وكان الخليفة المعتصم العباسي هو الذي أمر بتعذيب الإمام احمد بن حنبل وأصبح الفكر في ظل هذه الحماية يكابد الامتحان العسير بل المصير العسير.
جففت السياسة بتحريم الاجتهاد وحصر المذاهب في أربعة –إذن- جذور الإيناع فلم تعد المذاهب الأربعة بالذات -وهي الأكبر والأوسع انتشارا- تطلع جديدا، ولا تثمر نضيدا، وأصبح الأتباع لا يملكون من زاد سوى ما يستجرونه في استرخاء لذيذ، ولم يعد لديهم سوى الموجود المتآكل، وحرصا على المتبقي بزغ التعصب من حمأة الانغلاق، ودخلت المذاهب بحماية السياسة في صراع مع الآخر لفرض مذهبها، مما ادى إلى صراع دام أبيح فيه مالا يباح، ليس بين ما يسمى “الشيعة” وما يسمى “السنة”، وإنما بين المذاهب المتجانسة بين “الحنفية” و “الحنابلة” و “الأشاعرة” و”الشافعية” وشهد التاريخ مذابح مروعة، ومصادرات واحرق كتب ونفي مفكرين وقتلهم، كما دخلت الشيعة مع بقية المتشيعين في صراعات دامية أيضا.
 وهنا دخلت المذاهب في مأزق. لم تعد هناك مذاهب سمحة تثمر، بل أصبح هناك تمذهبٌ شرس يجفف، ولم يعد ثمة اختلاف يوحد ، بل أصبح هناك خلاف يمزق.
كان الاختلاف نعمة مهداه من رب العالمين، و{ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين } وفسره رسوله الكريم: (اختلاف امتي رحمة) فأصبح خلافا عدائيا. لقد من الله سبحانه على عباده بالاختلاف من أجل الإبداع والتنوع، والإثراء والإخصاب، فجاء هؤلاء فجففوا الأبداع والتنوع، وفي ظل الخلاف تم رفض الآخر وتقوقع كل مذهب داخل صدف التعصب، ومن ثم العقم.
ونتيجة لهذا كله عقم الفكر فجفّت الحضارة ، وعقم الفقه فانتعش التسلط.
(2)
لا ينكر أحد أن الذهنية المذهبية العامة عند المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها قد سكنت في الأعماق واستوطنت الوجدان الجمعي منذ زمن طويل، وعندما داهمها العصر الحديث بأنماط جديدة -وبالذات الحزبية موضوع هذا الحديث- لم تجد مخرجا إلاّ إلى الانتقال إليها- أخذة معها إليها تراثها المتأسن، وتعصبها المقيت، وتصوراتها المغلقة، وحاولت أن تتقمصها، وتظهر بها، فخرجت على الناس بثياب فضفاضة او ضيقة او ناقصة، ولكنها أبقت عليها- يقينا- ثيابها الداخلية.
وعلى ضوء ذلك كله ومن أجل بناء أحزاب حقيقية فعلينا أولا أن نتخلص من الأغلال الداخلية، وأول هذه الأغلال الاعتقاد بأن المذاهب دينا ملزما، في حين أن الدين لا يتمثل في مذهب واحد، وإلا كانت الكارثة، والناحية الثانية علينا أن نتعرف على نشأة الأحزاب العربية لمعرفة العائق الذي جعل من معظم هذه الأحزاب مذاهب كسيحة، ولابأس هنا أن أعيد باختصار ما كتبته في عام 1419/ 1998 وعام 1421هـ/ 2000 من مقالات حملت اسم "نحو ثقافة جديدة" تحدثت فيما تحدثت عنه عن الأحزاب: العوائق وضرورة التغيير، وليس في نيتي إعادة ما كتبت ولكني اشير إلى أهم النقاط التي تناولتها آنذاك وذكرت ان الأحزاب العربية تأسست من البداية على قاعدتين متناقضين، وأضيف الآن قاعدة ثالثة هي التمذهب، وقلت ما معناه: إن التحرك بوسائل معيقة لابد أن يحث عن التفتيش عن السبب، وفي وسعي أن أجزم أن البداية حملت دائها في نفس اللحظة التي تنفست فيها، بل يمكن القول بأن الروح الحزبية قد وئدت ساعة ما ولدت. اقتبس العالم العربي فكرة الحزبية أصلا من الغرب، لكنه سيرها بوقود من الشرق، أعني انه اقتبس لوائحها الداخلية من الحزب الشيوعي بالتحديد، بينما استمر بوقود عربية استوردها من الغرب، ونتيجة لذلك لم يتلاءم الوقود مع المحرك، فأدى إلى أن تغرز عجلة الأحزاب في الرمال واستمرت تراوح مكانها، وكأنها تجري بها رخاءا في كل اتجاه، بينما هي مستمرة تحفر الرمال وتثير الغبار من حولها فيعميها عن حقيقة واقعها المنغرز تماما فتظن أنها تتحرك منطلقة إلى الأمام في سرعة رائعة، في حين أنها تغرق في الرمال المتحركة بسرعة أكبر. لهذا نفهم لماذا معظم الأحزاب العربية دكتاتورية.
هذا الموقف جاء نتيجة تضاد أساسي بين طبيعتين متنافرتين. ومن ثم تجاذب النظام الحزبي العربي منذ مولده عاملان متضادان، أوقعا الحزبية منذ البداية ضحية تخاصمهما الطبيعي، فكان شأنهما أشبه ما يكون بمن يحاول أن يجمع سيفين في غمد واحد؛ فكانت النتيجة أن تمزق الغمد، وتثلّب السيف.
فنشأة الأحزاب في الغرب يختلف عنها في الشرق؛ ففي الغرب ولدت الحزبية مع مولد الديموقراطية، فهي في الحقيقة توأمها، ومنذ اللحظات الأولى تشابكا أذرعا للعمل من أجل حماية المكتسبات وتطويرهما؛ مشكلين سياجا واقيا ضد الدكتاتورية أو العودة إليها، أو إعاقة الخطى الديمقراطية، مستهدفين تقليم أظافر الدكتاتورية وخلع أنيابها، وقلع أضراسها. وبمولد الحزبية في الغرب أصبحت الانتخابات الديمقراطية طريق الأمة لدفع من ترضى الأكثرية عن برامجه الحزبية إلى الحكم.
عملية بسيطة لم تضطر إلى السرية لتكيف وسائلها وفقها، إذ لا حاجة لها بها، فظروفها لا تستدعي ذلك. ومن هنا لم تتطلب إنشاء خلايا ولا فروعا سرية، ولا شيء من تلك التكوينات الطويلة العريضة التي تعتمد على شبكة معقدة ودقيقة من العلاقات التنظيمية داخل سرداب طويل. لقد نشأت الأليات الحزبية في الأقباء المظلمة نتيجة ارهاب سياسي ساحق فكانت تلك الأليات مجنا يحميها البطش السياسي وعندما انتصرت تلك التنظيمات بخلاياها الواسعة تحولت إلى دولة بفعل جهود المنتمين إليها.
كانت الأحزاب الغربية والشرقية مختلفتا النشأة والهدف وجاءت الأحزاب العربية فاقتبست بدون استيعاب كامل طبيعتيهما، واحتفظت في الوقت نفسه بتمذهبها، ومن ثم مشت على عكازات ثلاث: مذهبية، وغربية، وشرقية، وكل واحدة لها مقاييسها الخاصة طولا وعرضا، فعرجت خطاها، واضطرب مشيها، ووجدت الأحزاب العربية نفسها تمارس ما يمارسه الحكام. وعليه فالأساس هو إن لم تخلع الأحزاب (بعد أن ساد نوع من الحرية وانتفت عوامل النزول إلى الأقباء) القداسة الدينية عن التمذهب فإنها-أي الأحزاب- سوف تظل تستجر ماضيها الاحتكاري وتخلد إليه.
إن الحزب وسيلة تهدف إلى تحقيق الرخاء والعدالة الاجتماعية وتحقيق المساواة وضمان المواطنة المتساوية، وإذن فهو-كالمذاهب في أصلها النقي من هذه الناحية- وهو عليه أن يطور نفسه لأنه بكل بساطة لم يستمد شرعيته من الانتخابات فيطرح وفق ثوابته برنامجه الانتخابي حسب مقتضيات الحاجة المطروحة كما هو معروف ويعرفه الناس.
إذا سلمنا بأن المذاهب هي في الأصل نتيجة اجتهادات بشرية فليس من الصعوبة ان نتخلص من التقديس ومن ثم يتعامل الناس وفق اجتهادات بناءة.
وإذا ادركنا مثلا لأن للمذاهب نظريات مختلفة في السياسة الزراعية -وقد كانت الزراعة هي بترول الأيام الخوالي-، فذهب البعض إلى نظام الشراكة وذهب الآخر إلى نظام “القبال”، أدركنا أن هذا التصور نشأ من اجتهادات مختلفة نتيجة حاجة إنسانية اختلفت المذاهب في الاستفادة منها.
وهكذا نجد أنه عندما تنزع المذاهب صبغتها المقدسة تتحول تلقائيا إلى حزب نقي يتعامل وفق رؤى اجتهادية. ومن هنا فإن الأحزاب الحقيقية لا تجد غضاضة أن يكون في اعضائها “زيدي” أو “شافعي” أو “حنفي” أو “إسماعيلي” واليمنيون هم ذلك كله، ولكن أن يكون هناك “حزب زيدي”، و “حزب شافعي” و “حزب حنفي” و “حزب إسماعيلي” فهو التمذهب بذاته، وسيكون الحزب مذهبا ونعود حتما إلى مربع التمذهب. ولدينا من “التمذهب” ما يوجع الرأس.
صحيح أن الحرية تتيح للإنسان او للجماعة ان تشكل أحزابها وفق معتقدها المذهبي، لكن المشكلة ليست في المذهب السمح، وإنما في التمذهب الشرس، والتمذهب في حد ذاته عدو الحرية، وليس من الحرية أن تقتل الحرية باسم الحرية. ولو اكتفى المتمذهبون بالحكم اللفظي لهان الأمر، لكنهم يتبعون القول العمل فيشحذون سيوفهم ومخالبهم فكيف يمكن ان تكون هناك حرية في ظل السيف المصلت والخنجر المسموم؟.
أخلص من هذا إلى القول بأن على الأحزاب الجديدة أن لا ترسي أساساتها على الخلاف، أي التعصب، وإنما على الاختلاف أي تنوع الآراء، وترفض التمذهب، وتقبل المذهب، باعتباره تعبدا ذاتيا واجتهادات تقبل الخطأ وتقبل الصواب.