Translate

الثلاثاء، 2 يوليو 2013

العلامة المحقق الشهيد الحسين بن ناصر بن عبدالحفيظ المهلا (استشهد في26 رجب 1111 هـ)



إعداد// حمود عبدالله الأهنومي و أحمد حميد المهلا *
هو القاضي العلامة الحسين بن ناصر بن عبدالحفيظ بن عبدالله بن سعيد المهلا النيسائي القدمي الخزرجي الأنصاري، ولد ونشأ بهجرة آبائه الشهيرة قرية الشجعة، وتتلمذ على جده القاضي عبدالحفيظ (ت 1077 هـ ) وهو العالم الذي رحل إليه طلاب العلم من الآفاق للقراءة لديه في تلك الهجرة المباركة، فأخذ عنه لمدة عشرين سنة في الفقه، والنحو والصرف، والمعاني والبيان، وأصول الفقه، وأصول الدين، واللغة، والفرائض، والتفسير، والمنطق، وكتب الطريقة وغيرها من أنواع العلوم، حتى أجازه إجازة عامة، ووصفه جده عبدالحفيظ حين أجازه بأنه: " الولد الحفيد، العلامة، المحقق، عين علماء عصره في المعقول والمنقول، ومرجع نحارير الزمن الذين لهم ملكة في الفروع والأصول"، كما تتلمذ على والده ناصر بن عبدالحفيظ، وعن السيد العلامة محمد بن الحسن بن القاسم (ت 1079 هـ) مؤلف "سبيل الرشاد" وكانت له به علاقة متميزة، كما استجاز من المحدث الحسن بن علي العجيمي الحنفي اليمني الأصل المكي الدار ( ت 1113 هـ )، وجرت بينهما مباحثات ومراسلات.
وصفه المؤرخون والرحالة بالعلم الغزير والتحقيق العجيب والموسوعية المذهلة في العلوم المختلفة، ومنهم الشيخ عبدالرحمن بن محمد الذهبي الدمشقي (ت 1128 هـ ) الوافد إلى اليمن، الذي كان قد اطلع على مكاتباته للعجيمي إلى مكة، فلما لقيه في بندر اللحية فوجد منه "بحرا لا يدرك ساحله"، ووصفه في كتابه "نفحات الأسرار المكية" بأنه كان آية من آيات الله، ومنحة، منحه الله تعالى من أحب عبادته ورضاه، وأنه خاتمة المجتهدين، وبقية علماء آل البيت العاملين، وذكره صاحب "نفحات العنبر" بأنه كان "إماما في العلوم محققاً، وبحراً متدفقاً"، ووصفه تلميذه ابن الوزير بالآتي "الحافظ إمام المتأخرين، وأكمل المتبحرين، وحافظ سنة سيد المرسلين، والمدعو في متأخري الحفاظ بأمير المؤمنين، بركة الأنام وشرف الإسلام".
ولما اقتعد للتدريس بهجرته في الشجعة بالمحابشة وفي القويعة بالشاهل أخذ عنه أتباع كثيرون وطلاب من الشرفين وغيرها واستجازه كبار العلماء في عصره، منهم علامة اليمن ومؤرخها عبدالله بن علي الوزيري ( ت 1147 هـ )، ووالد مؤلف طبقات الزيدية وهو السيد العلامة القاسم بن المؤيد محمد بن الإمام القاسم بن محمد (ت 1127 هـ) أجازه في مؤلفه "شرح البوسية"، كما أخذ عنه الرحالة والسياح مصطفى بن حسين اللطيفي الحموي المتوفى بحلب الشهباء سنة 1123 هـ، وهاجر إليه العلامة علي بن عبد الله التهامي الحبوري من حبور ظليمة للدراسة عنده، وقرأ لديه في المنطق (إيساغوجي) وشرح متن الكافل، وفي كشاف الزمخشري، وقد عاد الحبوري إلى بلده بعد أن استشهد شيخه سنة 1111 هـ في فتنة السيد إبراهيم المحطوري.
وأهم تراث خلّفه هذا الإمام هي تلك المؤلفات العديدة والتي اشتهرت في عصره قال تلميذه المؤرخ ابن الوزير في طبق الحلوى:
"إنها طبقت الآفاق وسار ذكرها مسير الشمس في الإشراق"، منها الفقهية والتارخية والأدبية، ومنها مطمح الآمال، وقد طبع، ولعلى أهمها كتبه المخطوطة والموجودة في كثير من مكتبات اليمن والعالم، ومنها المتحف البريطاني، وهو (المواهب القدسية شرح المنظومة البوسية)، وهو ستة أجزاء، شرح فيه منظومة البوسي شرحا عجيبا أبان فيه عن علومه الواسعة وأنظاره الدقيقة، وتضلعه العميق، وكان يشرح ما ورد لدى العلامة البوسي من الفصول والأبواب، ثم يستدرك عليه في الأحكام الفقهية التي لم يتناولها بقوله: وبقي على الناظم أشياء، ثم يذكر أبياته والتي بلغت آلاف الأبيات، وأما البوسي فهو العلامة الفقيه إبراهيم بن محمد البوسي المتوفى سنة 790 هـ الذي كان قد نظم (التذكرة الفاخرة) لشيخ الإسلام الحسن بن محمد النحوي، في منظومته التي سماها (الزهرة الزاهرة في فقه العترة الطاهرة).
لقد تألّق العلامة الشهيد المهلا في هجرته الشجعة كأسلافه وأهل بيته، وأقبل عليه الطلاب ينهلون من علمه ومعارفه، وقد عايش الأئمة القاسميين وهم المهدي أحمد بن الحسن بن القاسم (ت 1092 هـ )، والإمام المؤيد محمد بن إسماعيل بن القاسم (ت 1097 هـ) واثني عشر سنة من حكم المهدي صاحب المواهب محمد بن أحمد بن الحسن بن القاسم (ت 1130 هـ)، ويبدو من خلال كتابه مطمح الآمال أن مخالفات اعتاد عليه العمال لا سيما في الجهات الشرفية أثقلت كاهل المواطنين وضاعفت أعباءهم الاقتصادية، وتحيلّ هؤلاء العمال على أخذ أموال الأوقاف للعلم والعلماء لحسابهم الخاص، وفي هذه الأثناء كانت بلاد الشرفين ممر التجارة المنتعشة والقادمة من بندر (اللحية) وبندر ميدي إلى شهارة والأهنوم وخمر وبلاد المشرق، وانتشر حينها التجار المعروفون بالبانيان وهم تجار الهند المغولية، الذين لم تخل منهم مدينة من مدائن اليمن، وصار بيدهم مفاتيح التجارة والمال مما أثار حنق البعض، كما كان لليهود أدوار اقتصادية وحرفية مؤثرة جعلتهم يستحوذون على حيز جيد من المال.
في الربع الثالث من شهر رجب سنة 1111هـ  ظهر  إبراهيم بن علي المدومي المحطوري الذي اتخذ من حصن مدوم (كحلان الشرف) مقرا لعملياته، وكان بارعا في الطلاسم والشعبذة، واستطاع أن يجن دّحوله كثيرا من القبائل والمواطنين باستثارة حسهم المحلي ضد عمال البلاد المحليين الذين كان كثير منهم يظلمون الناس، وضد التجار الهنود (البانيان) باعتبارهم أجانب، وكذلك ضد اليهود لأنهم ليسوا بمسلمين، وكان من الطبيعي أن يتناقض مع العلماء لأنه ليس بعالم ويعلم أنهم سيقفون حجر عثرة أمام تهوره وقتله للناس بغير حق ومن دون دليل، وقد التف حوله كثير من القبائل الذين لم يكن لهم حظ في العلم والمعرفة طمعا في المال وانتقاما من هؤلاء، ومن السهل أن تنتشر في أوساط هذه القبائل الخرافة والأساطير، فإضافة إلى ما كان لدى المدومي المحطوري هذا من قوة التأثير فقد كان يعطيهم ما يسميه المؤرخون (الطلاسم) لكي يقوي عزائمهم، وبذلك حقق بعض الانتصارات الخطيرة والسريعة ضد جيش الدولة القاسمية التي كانت عاصمتها قرية المواهب القريبة من مدينة ذمار البعيدة نسبيا من (الشرفين)، فانتشرت الشائعات عن الخوارق التي تميز جيشه عن غيره؛ مما أعطاه دفعة كبيرة لمواصلة توسعه حتى وصل ثلاء وخمر.
استمرت حركة المدومي المحطوري أربعة أشهر، وقتل من البانيان واليهود أعدادا كبيرة واستولى على أموالهم، هذه الأموال استطاع بها تحريك الجيوش الجرارة ضد القاسميين، وكانت حصيلة هذه الفتنة مقتل عشرات الآلاف، وبقدر السرعة التي ميزت نجاحات حركته كانت نهايته ثم قُتل في مدينة صعدة بعد أن فر إليها، ورغم أن للعلامة المهلا دورا في نقد السياسات التي سلكها عمال الشرفين إلا أن عداء حركة المدومي المحطوري للعلم والمعرفة جعل المهلا وأمثاله من العلماء عرضة لسيوفهم فاحتز رأسه، وعلق هو ورأس الشيخ حسين بن حسن المحبشي وولده على شجرة طنب بساحة شمسان ،أمام المحطوري، كما قتل كثير من العلماء غيره.
ووري جسد المهلا رحمه الله في قريته مدوم، وذهبت قصة مقتله كل مذهب، وارتاع الناس من هذه الحادثة، وسج لّت له الذاكرة الشعبية كرامات تعكس مدى حب الناس له وتعلقهم به، ويتداول كثير من الناس حتى اليوم أن قبر المباشر لقتله وهو من بعض القرى المحيطة بمدوم يحترق كل ليلة، وكلما وضعوا فوقه شيئا من الأحجار لا يلبثون أن يجدوه في اليوم التالي وقد اسود لونه، مما يعكس حالة الحزن التي أصيب بها أهالي الشرفين من هذا المصاب الجلل.
مصادر الترجمة:
طبقات الزيدية، وتتمة الإفادة، نشر العرف، مطمح الآمال للمترجم نفسه، أعلام المؤلفين الزيدية، هدية العارفين.
* نقلاً عن: مفتاح المجد،العدد(11) 29 رمضان 1433هـ، وهي مجلة نصف شهرية تصدر من مديرية المفتاح-محافظة حجة

الأربعاء، 26 يونيو 2013

فضيلة العلامة عز الإسلام محمد بن يحيى بن هادي يايه

عالم في الفقه، له معرفة في غير ذلك من العلوم.
 مولده في 1297 هـ / 1880 م في بلاد (بني سعيد)، من ناحية (الأهنوم)، ووفاته في 1369 هـ / 1950 م في مدينة (المحابشة)، من بلاد حجة.
نشأ في بلاد (الأهنوم)، ودرس على عدد من علمائها؛ منهم: (قاسم بن محمد الوادعي)، ثمّ رحل إلى مدينة صنعاء؛ فدرس على العلامة (علي بن محمد حميد الدين)، والعلامة (محمد بن علي زائد)، وغيرهما، وواصل الدراسة أيضًا في مدينة (شهارة) على عدد من علمائها؛ منهم: (عبدالله بن أحمد المجاهد)، و(محمد بن سعد الشرقي)، و(محمد بن عبدالله الغلبي)، وغيرهم.
ولاه الإمام (يحيى بن محمد حميد الدين) القضاء في ناحية (حجور الشام)، سنة 1326ه/ 1908م، ثم بلاد (الشرفين)، سنة 1345ه/ 1926م، وكان يقوم بالتدريس إلى جانب عمله، وكلفه الإمام (أحمد) بتأسيس مدرسة علمية في مدينة (المحابشة) سنة 1361ه/ 1942م، فقام بذلك، وتولى إدارتها والتدريس فيها.
قال عنه المؤرخ (إسماعيل بن علي بن حسين الأكوع) في كتابه: (هجر العلم ومعاقله في اليمن): " ولما طلب منه الإمام (أحمد) مبايعته إمامًا، اشترط موافقته بتسهيل الإمام (أحمد) الحُجَّاب للناس، للدخول إليه لقضاء حوائجهم".

الأحد، 23 يونيو 2013

لا خلاف ديني بين الزيود والشوافع



كان رجال الدولة العثمانية في جميع أيام حكمهم لليمن يسعون إلى بذر بذور الشقاق بين أهل البلاد، فتارة كانوا يستميلون إليهم الشوافع ويضربون بهم الزيود، وتارة كانوا يستعينون ببعض الزيود لضرب الشوافع!! وقد بثوا داخل بلاد اليمن وخارجها دعاية باطلة خلاصتها أن الزيود والشوافع لا يحب بعضهم بعضاً وأنهم يتحينون الفرص لإيقاع بعضهم ببعض، وأن هناك اختلافاً في العقائد الدينية بينهم.
ومما يُؤسف له أن نجد بعض كُتاب العرب في هذا الوقت يأخذون بهذه الدعاية فيكتبون عن العرب فصولاً في هذا الباب كلها أباطيل.
أنا لا أنكر أن هناك بعض اختلافات مذهبية ثانوية بين الزيود والشوافع، ولكني لا أُعِيرَها أية أهمية، لأنه لا شأن لها من الوجهة القومية، ولا من الوجهة الدينية، واليك بعض الامثلة:
يجوز عند الزيود تحليف اليمين للمدعي والمدعى عليه، ولا يجوز عندهم أن يُقال آمين في نهاية فاتحة القرآن الكريم.
وفي الطلاق لا يعتبر الزيود قول الرجل لامرأته طلقتك ثلاثاً، إلا بمثابة قوله طلقتك مرة واحدة، فيجب على من أراد طلاق امرأته ثلاثاً أن يُعيد هذه العبارة ثلاث مرات – في ثلاث حيضات متتابعة دون مواقعة أو مراجعة - .... إلى غير ذلك من الاختلافات اليسيرة.
والزيود جمع (زيدي) نسبة إلى زيد بن علي، ومذهب زيد بن علي فرع من فروع مذاهب المعتزلة!!، فلا يجوز والحالة هذه أن يُطعن في الزيود من الوجهة الدينية، وما من عاقل من المسلمين يجرؤ على الطعن في مذهب زيد بن علي.
وقد قال أحد الأدباء الذين زاروا اليمن في كتاب كتبه عن رحلته ان حكم الإمام يحيى حكم زيدي لا حكم عربي، وأن الشوافع ليسوا راضين عنه وأنهم محرومون من الوظائف، وهذه الأقوال مُبالغٌ فيها كثيراً، فجلالة الإمام يحكم جميع البلاد على السواء، ولا يفرق بين حقوق رعيته، لإختلاف مذهبهم أو دينهم، وهو لا يحترم الشوافع فقط، بل يحترم اليهود أيضاً، الذين هم أقلية ضئيلة، ويعاملهم كمعاملة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم في صدر الإسلام لأهل الذمة.
وأما الشوافع فهو يحترمهم كثيراً ويعتمد على بعض كبار رجالهم، وقد عين منهم الكثيرين في وظائف مختلفة، فالمزجاجي من الشوافع وهو عامل الإمام في لحية – اللحية بالحديدة – وأخوه عبدالله عامل في زبيد ومحمد باسلامة عامل إب وهو أيضاً من الشوافع ومأمور خزينة الإمام من الشوافع واسمه الحاج لطف.
كما أن كثيرين من أئمة الجوامع هم من الشوافع، والمثال على ذلك الشيخ طاهر إمام جامع بئر العزب في صنعاء، وجميع من ذكرت هم من الموظفين الكبار.
وأما الموظفون الصغار من الشوافع المستخدمون في اليمن، لا يحصى عددهم، كما أن وزير خارجية الإمام القاضي محمد راغب هو من الشوافع أيضاً ويُنسب إلى أصل تركي.
ويجدر بالذكر هنا أن معظم الكُتاب الذين كتبوا عن اليمن عقيب الحرب العالمية، لا تخلوا كتاباتهم من الدعايات والأغراض، وذلك لأن بعض الدول الأجنبية أخذت تزاحم على هذه البلاد، ولا تمر سنة إلا ونجد في صنعاء مندوبين كثيرين أوفدتهم دول مختلفة أو شركات اجنبية لمفاوضة الإمام في بعض الشئون السياسية والاقتصادية.
وقد إتفق أنني عندما زرت صنعاء في إحدى رحلاتي المتعددة كانت فيها وفود ألمانية وأميركية وإيطالية وبريطانية وروسية.
وبكل أسف أن هذه الدول وتلك الشركات، وجدت لنفسها خارج اليمن بعض الدُعاة المأجورين!! الذين أخذوا يكتبون عن اليمن أشياء كثيرة تسويداً لصفحته!! ومعظم هذه الأشياء إفتراء وإختلاق!!.))
المصدر// نزيه مؤيد العظم "رحلة في بلاد العربية السعيدة سبأ ومأرب"، الجزء الأول، مؤسسة فادي برس- لندن، الطبعة الثانية 1985م، ص 57 - 58

الأربعاء، 5 يونيو 2013

(لقد رأى من آياتِ رَبِه الكبرى)

زيد يحيى المحبشي
يحتفل المسلمون في أنحاء المعمورة في 27 رجب من كل عام بذكرى عظيمة على قلوب المؤمنين هي ذكرى "الإسراء والمعراج" إمتثالاً لقوله سبحانه وتعالى: "ومن يُعَظِم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب" الحج/32 .
معجزة الإسراء والمعراج واحدة من الآيات الإلهية الكبرى التي أيد الله بها نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بعد حصار قريش لبني هاشم في الشعب وموت الناصر - أبي طالب شيخ الأبطح -  والونيس - خديجة الكبرى - ونكبة وصد أهل الطائف، فكان فرج الله لنبيه بالإسراء والمعراج: "لنُرِيَهُ من آياتنا.." الإسراء/1
(من) تبعيضية بمعنى بعض آياتنا وليس كل آياتنا؛ تثبيتاً لقلب نبيه حتى يتحمل كل ما يلاقيه من سخرية واستهزاء وعذاب قريش وغيرها.
الإسراء والمعراج هدية ربانية أتت لتنفيس وتفريج كرب المصطفى عما كان يلاقيه من ألم صدود وجحود أهل الطائف وألم تعقب ورفض كفار قريش، وهي بالمرتبة الأولى رحلة استكشاف للكون .. وما في قوله تعالى: "لقد رأى من آيات ربه الكبرى" النجم/ 18
(من) تبعيضية بمعنى بعض آيات ربه الكبرى وليس كلها، من الغموض وعدم الإفصاح وعلامات التعجب والاستفهام عما رآه صلى الله عليه وآله وسلم ما يكفي لتبيين أهمية هذه المعجزة التي كرم الله بها نبيه.
معجزة الإسراء والمعراج التي يحتفي بها المسلمون في السابع والعشرين من شهر رجب الأغر كما هو واضح من مسماها تتكون من مرحلتين
الأولى: الإسراء من المسجد الحرام - محطة الإنطلاق - على ظهر البراق إلى المسجد الأقصى - محطة الإستراحة - والصلاة بأرواح الأنبياء إماماً في تلك البقعة الطاهرة والتهيؤ النفسي والمعنوي لبدء المرحلة الثانية: من الرحلة المقدسة وهي العروج إلى السماوات العلى؛ والمعراج كالسلم يصعد فيه إلى سماء الدنيا ثم إلى سِدرة المنتهى وهي مجرد رمزية لتوصيف عملية الانتقال من عالم الخلق الى عالم الخالق .. وفي كليهما تنقل صلى الله عليه وآله وسلم روحاً وجسداً .. وفي كليهما لم يتحدث صلى الله عليه وآله وسلم عن كل ما رآه بل عن شيئ يسير فقط تناقله الرواة فأضافوا إليه ما خُيل لهم أنه صالح لشرح آيات الله الكبرى التي رآها صلى الله عليه وآله وسلم .. فكان بعضها بحسن نية وبعضها من دس المنافقين ليشوشوا علينا أمر ديننا وليجعلوه مع العقل السليم والفطرة السليمة والسنة السليمة على اختلاف وتناقض .. فيتسرب الشك إلى القلوب ثم الكفر والجحود.
وحسبنا أن القرآن الكريم قد وصفها بـ"الكبرى" وهذا الإجمال في الوصف لطفٌ من الله لنا .. لأن عقولنا أقل من مستوى تلك المعلومات التي اختص الله بها نبيه مع أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يرى إلا ما أذن الله له أن يراه .. وقد وصف سبحانه وتعالى محافظة نبيه على حدود اللياقة والأدب وعدم مد النظر إلى ما لم يُأذن له برؤيته فقال سبحانه: "ما زاغ البصر وما طغى، لقد رأى من آيات ربه الكبرى" النجم/17 – 18
ولنا أن نتصور ما شئنا من آيات الله الكبرى التي أطلع عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكن شريطة أن نعرض ذلك على كتاب الله فما وافقه فهو الصواب وما خالفه فهو باطل مردود .. وعقل المخالف بلا شك محتاج إلى طبيب وليس القصد الإطالة وتصحيح وتنقية ما روي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الرحلة العظيمة المباركة وإنما الوقوف على الحكمة من هذه المعجزة الإلهية ..
وقد عرفنا أن القرآن الكريم جعل الحكمة "الصريحة" في ذلك: تثبيت قلب الرسول الخاتم بما رآه من آيات ربه الكبرى ليزداد هُدى ونوراً وصبراً على تحمل ما لاقاه ويلاقيه بعد موت أبي طالب وخديجة من ضروب الإهانة والسخرية والتعذيب ..
 والحكمة "الضمنية": اشعار الرسول الخاتم وأمته بوحدة الشريعة السماوية المنزلة عليه والرسل من قبله فهو صلى الله عليه وآله وسلم لم يأتِ بشيئ جديد ولم يكن أول من تلقى الإهانة والتعذيب في سبيل الله، فقد تلقاها من قبله إبراهيم الخليل وموسى الكليم، ويشير إلى هذا رحلته صلى الله عليه وآله وسلم إلى بلد الأنبياء "القدس الجريح" وتعريجه على طور سيناء جبل الكليم موسى عليه السلام وإتفاقه بأرواح الأنبياء عليهم السلام.
لذا وجدت قريش في هذه الحادثة التي سمتها "خرافة" مرتعاً خِصباً لنشر الأقاويل والأكاذيب والدعايات المغرضة ضد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .. ويأبى الله إلا أن يُتِمَ نوره ولو كره الكافرون .. وتظهر آيات ذلك في وصفه صلى الله عليه وآله وسلم لبيت المقدس وصفاً دقيقاً كأنه يراه الساعة وإخباره صلى الله عليه وآله وسلم ببعير لقريش في الطريق وما شرد منها وما جرى لماء قافلتهم ومتى يصلون مكة .. وبرغم من كل ذلك: أمن من أمن وصدق، وكفر المعاند الجهول الغوي.
الاسراء والمعراج ببساطة إعجازٌ أبهر الكافر والمعاند والزنديق والمنافق .. وأظهر مدى علم الله وضآلة العلوم الحديثة التي لا زالت تدور في محك بسيط من سماء الله المليئة بالأسرار والعجائب

السبت، 18 مايو 2013

اضاءات زيدية

بقلم//القاضي العلامة صلاح بن أحمد فليته رحمة الله تغشاه
إن الاستئثار يُوجب الحسد, والحسد يُوجد البغضاء, والبغضاء تُوجب الفُرقة, والفُرقة تُوجب الضعف, والضعف يُوجب الذل, والذل يُوجب زوال الدولة وزوال النعمة وإهلاك الأمة..
  والتاريخ يُحدثنا والوجدان والعيان يشهدان لنا, شهادة حق, أنها حينما تكون السخائم والمآثم, فهناك فناء الأمم وموت الهمم, وفشل العزائم, وفشل العناصر, والاستعباد والاستعمار والهلكة والبوار,  وتغلب الأجانب, وسيطرة العدو, أما (حينما) تكون الآراء مجتمعة والأهواء مؤتلفة, والقلوب متآلفة والأيدي متماسكة, والبصائر متناصرة والعزائم متآزرة, فهناك العز والبقاء والعافية والنعمة والغلبة والقوة والملك والثروة والكرامة والسطوة, ويجعل الله لهم من مضايق البلاء فرجاً, ومن حال السوء مخرجاً, وكان العز مكان الذل والأمن مكان الخوف..
هيهات أن يتحد المسلمون ما لم يتساعدوا, وهيهات أن يَسعَدوا ما لم يتحدوا, ليس الإتحاد ألفاظاً فارغة وأقوالاً بليغة وحِكَماً بالغة مهما بلغت من دون إعمال جِد ونشاط متحد, وأخلاق فاضلة ونفوس متضامنة, وسجايا شريفة, وعواطف كريمة مع اشتراك في الفوائد, وميزان عدل وقسط, وليس من العدل أن يُهضَم أحد حقوقه, أو يقال له إذا اشتكى: إنك مُفَرق أو مُشَاغب, بل يُنظَر إلى حقيقة الحال, فإن كان طلبه حقاً نصره, وإن كان حيفاً أرشده وأقنعه وجادله بالتي هي أحسن, مجادلة الحميم لحميمه والأخ لأخيه, لا سخط ولا سباب ولا منابزة بالألقاب بل المرونة والصبر والاحتمال, وبالخُلق والأخلاق الحسنة يبلغ غاية المراد, ومقابلة السيئة بالحسنة من أفضل الأعمال, ومعالجة القطيعة بالصلة من أشرف الأفعال... وقد قيل: " عند الشدائد تذهب الأحقاد "...
إذا اجتمعت الأهداف وتآزرت البصائر ووُجِدَ الائتلاف وكان كل واحدٍ منا يسعى في صالح الآخر, واندفع الجميع نحو العمل الجِدِي والحركة الجوهرية, وحرروا أخلاقهم, وكبحوا جماح أهوائهم ونفوسهم بأرسان العقل والروية والحنكة والحكمة, فيجد كل واحد منا أن مصلحة أخيه المسلم هي مصلحة نفسه فيسعى لها كما يسعى لمصالح ذاته, ذلك حيث ينزع الغل من صدره والحقد من قلبه, وينظر كل واحد منا لأخيه نظر الإخاء لا نظر العداء وبعين الرضاء لا بعين السخط, وبلحظ الرحمة لا الغضب والنقمة, ويعلم أنه لا عِزَة له ولا قوة إلا بعزة أخيه وقوته وعونه ..
والملاك في ذلك اقتلاع رذيلة الحرص والجشع والغلبة والاستئثار والحسد والتنافس, لأن هذه سلسلة شقاء وحلقات بلاء يتصل بعضها ببعض ويجر بعضاً إلى بعض حتى تنتهي إلى هلاك الأمة وتهوي بها المهاوي والشقاء والتعاسة ..
وأعلم أنه لم يبقى ذو حس وشعور في أنحاء المعمورة إلا وقد عرف وتحقق بضرورة الإتحاد وجمع الكلمة والاتفاق ومضرة الاختلاف والافتراق, حتى أصبح هذا الشعور والعرفان وجدانياً محسوساً وأمراً واضحاً ملموساً, فلا بُد إذاً من التدارك وجمع الكلمة والوحدة قبل أن يقضي الافتراق على الجنس البشري الحي فيدخل في خبر كان ويعود كأمس الدابر ونعوذ بالله والله المستعان.
* المصدر: القاضي العلامة صلاح بن أحمد فليته, النصيحة العسجدية, مكتبة التراث الإسلامي – صعدة, الطبعة الأولى 1995 (بتصرف من عدة مواضع بالكتاب)

الجمعة، 17 مايو 2013

مأسات البحث العلمي في عالمنا العربي


مأسات البحث العلمي في الوطن العربي
" لماذا في بعض المدن مثل نيويورك وحدها تتوفر على 2000 مركز للدراسات والبحوث تنتج أفكاراً لأهل السياسة عندما تصل السياسة سقفاً محدداً يُوكل الأمر إلى أهل الخبرة لهذا فلا غرابة أن تكون جامعات مثل جورج باول أو هار وورد هي التي تمد السياسة الإميركية بالأفكار القادرة على التغيير وهي بمثابة هيئات استشارية غير معلنة وهو ما نفتقر إليه في مجتمعاتنا ودولنا .. التي إن لم تستعن بالخبرة الأجنبية فإنها لا تثق بخبرة أبنائها وتنظر إليهم على أنهم قاصرون!! وأفكارهم دون مستوى ما تأمله!! .. وفي هذا تفاوت أيضاً بين تجربة بلد عربي وأخر ثم إن الصراعات التي نراها في المشهد الثقافي النخبوي العربي حولته إلى ما يشبه الميلبشيات".. عزالدين ميهوبي/ شاعر وكاتب ورائي جزائري 

الخميس، 16 مايو 2013

قراءة في مفهوم التغيير

زيد يحيى المحبشي
التغيير الحقيقي والشامل حسبما قرئنا في العلوم السياسية يختلف كليةً عن التغيير الجزئي في مبناه ومعناه, لسبب بسيط هو أن الثاني مجرد محطة ترانزيت غايتها ترميم وتجميل الموجود القائم دون إحداث أي تحول فعلي في المنظومة العامة  المثار عليها (تغيير في الأشخاص دون المساس بالسياسات ممزوجاً ببعض المحسنات الاقتصادية الممرحلة).
 بينما يقوم الأول على إحداث تحولات فعلية عميقة ونهائية على نحو يقطع مع عصر استبدادي كامل, وإقامة نظام جديد يتسع لكل أبنائه ودولة جديدة لم يعد فيها البلد مزرعة لأحد, وشعب يؤمن بحتمية التغيير كخيار وقدر غير قابل للمساومة والمتاجرة, شعب مستعد للتضحية ودفع الأثمان المترتبة على التغيير, وصولاً إلى امتلاك زمام المبادرة, شعب قادر على أن يحدد بالدستور والقوانين والشرعيات شروط ومواصفات "من يحكمه وكيف يحكمه", شعب لديه من الضمانات ما يكفي لمنع أي سلطة رئاسية أو حكومية من التحول مجدداً إلى سلطة قمعية واستبدادية..
ضمانات تنبني على انشاء عقد اجتماعي جديد يضم دستور وأركان نظام ديمقراطي مؤسساتي مدني, يُؤسَسَ على أنقاض سلطة الرأي الأوحد والحزب الواحد, عقد اجتماعي جديد يُسمح فيه للمجتمع – بعيداً عن أهواء السلطة الديكتاتورية المتهاوية وسيوفها التي لا زالت مسلطة على رقاب الناس- بوضع قواعد وأسس دولة مدنية عصرية, لا رغبات فيها لسلطة تسعى إلى تأييد وتأليه وتقديس الأنظمة القفصية الاستبدادية, ولا ينفرد فيها الحاكم بالتحكم في غرفة الأقدار.
التغيير الحقيقي والشامل ببساطة هو نتاج طبيعي وترجمة عملية لتوافر الثقة المتبادلة بين أطياف الفعل الثوري والسياسي وإعمال الولاء الوطني وتقديمه على ما عداه من ولاءات ضيقة وقبل هذا وذاك وجود إرادة وطنية تؤمن بحتمية وضرورة التوجه الجِدِي الجمعي لتجاوز الرؤى الكلاسيكية القائمة على ثقافتي الغالب والمغلوب وإبدال التنابذ والتحاقد والتحارب بالتحاور والتدافع, والتوافق على معايير وآليات واضحة, تسهم بشكل ناجز في بناء منظومة علاقات متينة بين أطياف الفعل السياسي والثوري, علاقات واثقة ومطمئنه تضمن استمرار الطاقات المتعددة والمتنوعة وتضمن الاختلاف المذهبي وخصوصياته وتكفل طبيعة المحتوى الثقافي والفكري وخصائصه المتنوعة وتدفع بأطياف المجتمع "معاً" إلى ساحة الفعل الحضاري والتنموي, حسب رؤية المواطنة المتساوية والعيش الواحد المشترك والوطن المتسع لجميع أبنائه, ومن خلال روافد المحبة والتسامح والإقرار بمبدأ تكافؤ الفرص بين أبناء الوطن عامة.
وكل هذا لا يتأتى ولا يكون إلا في حالة واحدة وواحدة فقط, هي امتلاك القدرة والإرادة الجمعية لبناء منظومة متنوعة من الأسس والمرتكزات المُتَنَاغَم والمُتَوَافق عليها وإليها, تضمن البناء السليم للحاضر والانطلاقة الواثقة نحو المستقبل...