Translate

‏إظهار الرسائل ذات التسميات دراسات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات دراسات. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 10 سبتمبر 2023

ربيع الأنوار يزدان بمولد النبي المختار



بقلم زيد يحيى المحبشي


يوم مولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس عيداً كما يتوهم العوام، لأنه أكبر من العيد، وأعظم وأشرف منه، فالعيد يأتي مرة واحدة في السنة، أما الاحتفال بمولد النبي الخاتم والاعتناء بذكره وسيرته يجب أن يكون دائماً، لا يتقيد بزمان ولا مكان.


نحن نحتفل بمولد النبي دائما وأبداً في كل وقت وفي كل مناسبة، وعند كل فرصة يقع فيها فرح أو سرور أو نشاط، ويزداد ذلك في شهر مولده، وهو ربيع الأنوار، وفي يوم مولده وهو الاثنين، ولا يصح لعاقلٍ أن يقول: لماذا تحتفلون؟.


لأنه كأنما يقول: لماذا تفرحون بالنبي؟.


فهل يصح أن يصدر هذا السؤال من مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؟


لأنه سؤال بارد لا يحتاج إلى جواب، ويكفي أن يقول المسؤول في الجواب:


أحتفل لأني مسرورٌ وفرحٌ برسول الله، وأنا مسرورٌ وفرحٌ به، لأني مُحِبٌ له، وأنا محب له، لأني مؤمن.


الاحتفال بمولده صلى الله عليه وآله وسلم يعني ببساطة الاجتماع لسماع سيرته، والصلاة والسلام عليه وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، والإكثار من ذكر الله، وسماع المدائح التي تُقال في حقه صلى الله عليه وآله وسلم، وإطعام الطعام، وإكرام الفقراء والمحتاجين، وإدخال السرور على قلوب المحبين، والدعوة إلى الله، وتذكير المسلمين بأخلاق نبيهم وآدابه وأحواله وسيرته ومعاملته وعبادته، ونصحهم وإرشادهم إلى الخير والفلاح، وتحذيرهم من البلاء والبدع والشر والفتن، وكشف المؤامرات التي تُحاك ضد المسلمين، وتروم الإساءة إلى رسول الله وتشويه تعاليم الإسلام.


ما هو المولد النبوي؟


هو اجتماع الناس لتلاوة ما تيسر من كتاب الله، وقراءة ما ورد من أخبار عن مبدأ أمره صلى الله عليه وآله وسلم، وما وقع في مولده من الآيات، وبعض خصائصه وشمائله وفضائله، وإنشاد شيئ من المدائح فيه صلوات الله وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، ومن الرقائق التي تحرِّك القلوب إلى بارئها، والاستماع إلى ما يُلقيه المتحدثون من مواعظ فيها لفتُ النظرِ إلى بعض مناهج الخير، والإشادة بفضله وجهاده، وما أتم الله على يديه من إخراج الناس من الظلمات إلى النور، ودلالتهم إلى الطريق المستقيم، ثم الدعاء للحاضرين والمسلمين عامة.


وليس في هذا شيئ يمكن أن يُعترض عليه، إذ ليس في أفراده ما يُنكره الشرع، كما أنها تهدف إلى تعظيم قدر النبي وإظهار الفرح بمولده، وشكر الله على منته تعالى على الخلق برسول الله.


فإحياء هذه الذكرى ذاتُ هدفٍ نبيل، وهي أسلوب غير مباشر للتذكير بما تم على يدي رسول الله من صنوف الخير، وسبب من أسباب استمالة القلوب، واجتذاب النفوس إلى الخير.


قال الشيخ محمد متولى الشعراوي رحمة الله عليه: "إكراماً لهذا المولد الكريم فإنه يحق لنا أن نُظهر معالم الفرح والابتهاج بهذه الذكرى الحبيبة لقلوبنا كل عام وذلك بالاحتفال بها من وقتها"، وقال شيخ علماء التركستان المبشر الطرازي: "إن الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف أصبح واجباً أساسياً لمواجهة ما استجد من الاحتفالات الضارة في هذه الأيام".


من هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟


هو النبي الأكبر، والرسول الخاتم، العاقب – الذي لا نبي بعده – المُطَهَر، صفي الله على الخلائق، ومختاره في العلم السابق، منتهى أنباء السماوات، ومبلغ أسباب الرسالات: أبو القاسم محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب – شيبة الحمد – بن هاشم – عمر – بن عبدمناف – المغيرة – بن قُصَي – زيد – بن كلاب بن مُرَّة بن غالب بن فِهر – قريش واليه تُنسب قبيلة قريش – بن مالك بن النضر – قيس - بن كنانة بن خزيمة بن مُدركة – عامر - بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان


قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله أنزل قطعة من نور، فأسكنها في صُلب آدم، فساقها حتى قسمها جزئين، فجعل جُزءاً في صُلب عبدالله، وجُزءاً في صلب أبي طالب، فأخرجني نبياً، وأخرج علياً وصياً".


وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله اصطفى من ولد آدم إبراهيم، واصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم"، وهم زرع إبراهيم الخليل، أسكنهم الله بيته المعظم، وولاهم الحرم المحرم.


وأمه صلى الله عليه وآله وسلم: آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، وكانت رحمة الله عليها من الموحدين على مِلة إبراهيم الخليل عليه السلام ولم تعبد لصنم قط، كما هو حال والد رسول الله وجده عبدالمطلب وعمه أبو طالب، وتكلم عن ذلك العديد من قُدماء مراجع الفريقين، وبسطوا المؤلفات حول هذه المسألة.


مولده صلى الله عليه وآله وسلم:


مولده صلى الله عليه وآله وسلم بمكة المكرمة في صبيحة يوم الإثنين 9 ربيع الأول وقيل 12 ربيع الأول وقيل 17 ربيع الأول، بعد 55 يوماً من هلاك أصحاب الفيل عام 570 وفي رواية 20 أو 22 أبريل 571 م، وسنة 882 من تاريخ الإسكندر ذي القرنين عليه السلام، و40 سنة خلت من ملك كسرى أنو شيروان.


بعد ولادته أرسلت أمه إلى جده تُبشره بحفيده، فجاء مستبشراً ودخل به الكعبة، ودعا الله وشكره، وسماه "محمداً"، ولم يكن هذا الاسم معروفاً في العرب.


توفى والده وهو لايزال في بطن أمه، وتوفيت أمه بالأبواء – موضع بين مكة والمدينة – وله 6 سنين.


فتولى جده رعايته، وتوفي - بعد أن أوصى إلى ابنه أبي طالب - وله صلى الله عليه وآله وسلم 8 سنوات وشهرين و10 أيام، فكفله عمه أبو طالب – شيخ الأبطح – رحمة الله عليه، وظل فوقه 40 سنة يُعِزُ جانبه، ويبسط عليه حمايته، ويصادق ويخاصم من أجله.


وحكّمته قريش في وضع ركن الكعبة وعمره 25 سنة، وفيها تزوج خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي سلام الله عليها، وتوفيت هي وكافل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وناصره أبو طالب عليه السلام قبل الهجرة بثلاثة أعوام، وبعثه الله إلى الخلق وهو في 40 سنة.


ونزل إليه روح القدس جبريل الأمين عليه السلام يوم الاثنين في شهر ربيع الأول، وفي بعض السير في شهر رمضان.


وقبضه الله صبح يوم الاثنين من شهر ربيع الأول سنة 63 من عام الفيل، و23 من البعثة، و11 من الهجرة، ودُفن صلى الله عليه وآله وسلم في حُجرته المباركة، في موضع وفاته، بمسجده في المدينة المنورة.


وُلد صلى الله عليه وآله وسلم وبُعث وهاجر ودخل المدينة وقُبض يوم الاثنين، وفي هذا التوافق سِرٌ عظيم.


إرهاصات وبشارات مولده صلى الله عليه وآله وسلم:


صَاحَب مولده صلى الله عليه وآله وسلم العديد من الإرهاصات والعلامات الدالة على انتهاء عهد الظلام وبداية عهد النور، منها:


1 – هلاك أصحاب الفيل، ولقد كان في هلاكهم على يد أضعف مخلوقات الله، هي الطير الأبابيل، دلالتان:


أ - بشرى ووعد رباني بهلاك الطاغوت والطغاة، وولادةٌ لفجر العدالة والحياة.


ب – اجتماع كلمة قريش بعد تَفَرُق وتَبَلبُل، لذا أنزل الله سورة قريش بعد سور الفيل مباشرة، وفيها بيان لأحد أسباب هلاك أصحاب الفيل وهو تألُف قريش، وفيها تذكيرٌ لهم بنعمتين عظيمتين، هما: "أطعمهم من جوع"، وتَمثّل ذلك في رحلتي الشتاء والصيف، و"آمنهم من خوف"، وكلمة "خوف" هنا منكرة للدلالة على العموم، فيدخل في ذلك "كلُّ خوفٍ ألمَّ بهم فأمِنوا منه"، كما في قصة أصحاب الفيل وأبرهة الأشرم، أو "خوفٍ يحدث لهم بعد ذلك ظاهراً" كبعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما هو رحمةٌ وأمنٌ وأمانٌ لهم ظاهراً وباطناً، حينما يُظهِره الله، كما أهلك أصحاب الفيل، كي تتعلق القلوب برب البيت الذي أهلك البغاة، وكيف يكون شكرهم له وقاية.


2 - اضطراب إيوان كسرى أنوشيروان، واهتزاز الأرض من تحته، فسقطت 14 شرفة من شرفاته، وكانت الأنظار مشدودة اليه والى صاحبه، باعتباره مثلاً أعلى للقدرة والسلطة التي لا تزول.


3 – انطفاء نار فارس لأول مرة منذ ألف سنة، وفي ذلك تنبيه لسدنة معابد النار والكُهان الذين منعتهم حُجُب التعصب والتقليد الأعمى عن التفكير في آيات الله في الكون وفي أنفسهم، الى أن للسماء خبراً، ولهذه اليوم شأن عظيم.


4 – جفاف بحيرة ساوة.


5 – نزوله صلى الله عليه وآله وسلم عند ولادته ساجداً، رافعاً رأسه إلى السماء، مختوناً، طاهراً مطهراً، ولا صحة لواقعة شق الصدر، لما فيها من قدح، وتفنيدها من حديث الفريقين مبسوط ومشهور، كما لم تشعر أمه رحمة الله عليها بأي ألم عند ولادته، وخروج نور منها أضاء قصور بُصرى بالشام.


صفته صلى الله عليه وآله وسلم:


قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فيما رواه عنه حفيده الإمام زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبيض اللون مشرباً بحمرة، أدعج العينين – شدة سواد العين في شدة بياضها - سبط الشعر – منبسط ومسترسل - دقيق العرنين – الأنف وقيل الرأس - أسهل الخدين – سائل الخدين غير مرتفع الوجنتين - دقيق المسرُبة – مادق من شعر الصدر سائلاً إلى الجوف - كث اللحية – كثير الشعر - كان شعره مع شحمة أذنه إذا طال، كأنما عنقه إبريق فضة، له شعر من لبته إلى سرته، يجري كالقضيب، لم يكن في صدره ولا في بطنه شعر غيره، إلا نَبَذات في صدره، شَثِن – غليظ - الكف والقدم، إذا مشى كأنما يتقلّع من صخر، وينحدر في صبب، إذا التفت التفت جميعاً، لم يكن بالطويل، ولا العاجز اللئيم، كأنما عرقه اللؤلؤ، ريح عرقه أطيب من المسك، لم أر قبله ولا بعده، مثله صلى الله عليه وآله وسلم"


خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم:


نراه صلى الله عليه وآله وسلم في مناسبات مختلفة: زوجاً مرحاً سعيداً مع خديجة، وزاهداً غارقاً في التأمل في غار حراء، وتاجراً ناجحاً يرحل مع القافلة إلى الشام، وفارساً مِقداماً في غزوة بدر الكبرى، ودبلوماسياً بارعاً في مفاوضات صلح الحديبية، وأباً رحيماً مع فلذت كبده الزهراء، ورجلاً رؤوفاً يبكي على قبر صديقه، ومؤمناً صلباً ومستبصراً، يبعثُ رسله في الجهات الأربع من العالم المعروف آنذاك، لأنه كان يؤمن إيماناً لا يتزعزع بعالمية رسالته.


اجتمعت كل هذه الخصائص التي عادةً ما تُلغي بعضها بعضاً، في إنسان واحد، وتكاملت واتحدت في شخصية نبي الرحمة، وإذا كان الإسلام انسجام وتناغم القوى الجسدية والروحية المتناقضة، فإن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم قد جسّد أكمل صورة للعلم الذي جاء به، والرسالة التي بلّغها إلى العالمين!.


وعندما يتحدث القرآن الكريم عن النبي الخاتم مبرزاً أنه رجل، ومؤكداً الجانب البشري في شخصيته، فإنه لا يحط من قدر رسول الله، ولكنه يرفع ويُعلي فيه الإنسان.


أولاده صلى الله عليه وآله وسلم:


القاسم، وبه يكنى، وهو أكبر ولده، توفي بمكة، وزينب، وعبدالله وهو الطيب، ويقال: الطاهر، وُلد بعد النبوة ومات صغيراً، وأم كلثوم، وفاطمة الزهراء - توفيت بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بـ 6 أشهر، وعمرها 28 سنة، وقيل: دون ذلك وهو الأصح، كما أوضحه في طبقات الزيدية، وأفاده ابن حجر في فتح الباري وجامع الأصول، ويدل عليه ترتيب ولادتهم، وفي جامع الأصول أنها أصغر بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ورقية، وهؤلاء لخديجة بنت خويلد عليها السلام، وإبراهيم أمه مارية القبطية.


غزواته وسراياه وبُعُوثُهُ صلى الله عليه وآله وسلم:


27 غزوة قادها بنفسه، و47 سرية، و12 بعثة في الزكاة.


السنة الهجرية الأولى 622 – 623 م:

بعث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عمه أسد الله حمزة بن عبدالمطلب عليه السلام غازياً إلى سيف البحر، وكان أول جهاد في الإسلام، ومن أهم الأحداث التي شهدها هذا العام: بناء مسجد قباء والمسجد النبوي، والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وكذا بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وإنفاذ سرية أبي عبيدة بن الحارث إلى رابغ وسرية سعد بن أبي وقاص إلى الخرار، والمعاهدة مع يهود المدينة.


السنة الهجرية الثانية 623 – 624 م:

من أهم أحداثها غزوة بدر الكبرى التي اجتث الله بها المشركين، واستشهد فيها عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبدمناف، وذلك أنه خرج من صف المشركين عتبة، وشيبة، والوليد رؤساء قريش وأبطالهم، فبرز لهم من صف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الإمام علي، وحمزة، وعبيدة، فقتل أمير المؤمنين علي الوليد، وقتل حمزة شيبة، واختلفت بين عبيدة وعتبة ضربتان قتل كل منهما صاحبه.


ومن أحداثها:

غزوة الأبواء/ دان، غزوة بواط، غزوة ذي العشيرة، غزوة بني قينقاع، سرية نخلة، سرية قتل عصماء بنت مروان، سرية سالم بن عمير، فرض الجهاد، وتحويل القبلة، ومؤامرة عمير بن وهب الجمحي لاغتيال النبي.


السنة الهجرية الثالثة 624 – 625 م:

غزوة أحد، وفيها استشهد أسد الله حمزة بن عبدالمطلب عليه السلام، وظهر للوصي علي عليه السلام: سيف ذو الفقار.


وفيها قتل الإمام علي عليه السلام بني عبد الدار، وهم أصحاب رايات المشركين.


ومن أحداثها:

غزوات بني سليم وذي أمر وبحران وحمراء الأسد، وسرية قتل ابن الأشرف، وسرية زيد بن حارثة الى القردة.


السنة الهجرية الرابعة 625 – 626 م:

جلاء بني النضير، وغزة بدر الثانية، وسرية أبي سلمة بن عبدالأسد الى القطن، وبعث الرجيع، ومأساة بئر معونة.


السنة الهجرية الخامسة 626 – 627 م:

غزوة الأحزاب/ الخندق، وقد اجتمع ألوف من أعداء الله يريدون اصطلام الإسلام، كما قال الله تعالى: "إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا، هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا" الأحزاب 10 – 11


فخرج الإمام علي عليه السلام، وقتل فارس العرب وقائدها عمرو بن عبد ود، وهزم الله به المشركين، وثبت بذي الفقار في ذلك اليوم وغيره قواعد الإسلام.


ومن أحداثها:

غزوات بني قريظة وذات الرقاع ودومة الجندل، ووفاة الصحابي الجليل سعد بن معاذ رضي الله عنه.


السنة الهجرية السادسة 627 – 628 م:

صلح الحديبية، ونزول فريضة الحج، وحديث الإفك، وغزوات القرطاء وبني لحيان والغابة ذي قرد وبني المصطلق المريسيع، وإنفاذ سرايا الإمام علي بن أبي طالب الى بني سعد بفدك، وزيد بن حارثة إلى العيص والطرف وحسمي وأم قرفة، وعبدالرحمن بن عوف إلى دومة الجندل، وعبدالله بن رواحه إلى أسير بن زرام، وأبي عبيدة إلى ذي القصة .. الخ.


السنة الهجرية السابعة 628 – 629 م:

فتح الله لرسوله خيبر، وظهرت معجزة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لمّا أخبرهم بأن الله يفتحه على يد أخيه علي بن أبي طالب عليه السلام، وفيها وصل من هجرة الحبشة جعفر بن أبي طالب عليه السلام.


وفيها أكل النبي من الشاة المسمومة، وعمرة القضاء، وحصار وادي القرى، وإنفاذ 6 سرايا الى نجد وتربة وفدك والميفعة والجناب.


السنة الهجرية الثامنة 629 – 630 م:

غزوة حنين، وفيها وقف الرسول في وجه العدو، وقد انهزم المسلمون كافة، ولم يبق معه إلا الإمام علي، وعمه العباس، وابنه الفضل، و4 من أولاد عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقُتل معهم أيمن بن عبدالله، ابن مولاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "أم أيمن"، فأنزل الله سكينته على رسوله، وعلى هؤلاء المؤمنين الذين ثبتوا.


وفيها:

غزوة مؤتة، وقتل جعفر بن أبي طالب عليه السلام، وزيد بن حارثة، وعبدالله بن رواحة، ومن معهم من الشهداء رضي الله عنهم، وفتح الله لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم مكة، وأمره أن يُباهل نصارى نجران بأهل الكساء/ النبي والوصي والزهراء والحسنين.


ومن أحداثها:

غزوة الطائف، وقدوم وفد هوازن مسلماً، وعمرة رسول الله من الجعرانة، وفتح مكة، وإنفاذ 7 سرايا أهمها ذات السلاسل.


السنة الهجرية التاسعة 630 – 631 م:

بلَّغ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام سورة براءة يوم الحج الأكبر، وفيها: استخلفه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المدينة، لمّا خرج إلى غزوة تبوك، ومراسلة النبي الملوك والأمراء، وبناء مسجد الضرار، وإنفاذ النبي 4 سرايا أهمها سرية الإمام علي إلى الفلس، وبعث خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة، وإسلام عدي بن حاتم الطائي، وقدوم مجموعة من وفود القبائل الى المدينة المنورة لإشهار إسلامهم، منها: همدان وكندة وبني حنيفة وعبدقيس وبني عامر وتميم وثقيف.


السنة الهجرية العاشرة 631 – 632 م:

حَجَةُ الوداع، وفيها جمع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الخلق يوم غدير خم لتبليغ ما أمره الله به في وصيه علي بن أبي طالب، وتأكيد ولايته وأخبرهم أنه خلّف فيهم كتاب الله وعترته، وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض.


ومن أحداثها ادعاء مسيلمة الكذاب النبوة.


السنة الهجرية الحادية عشرة 632 – 633 م:

مرض ووفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتجهيز جيش أسامة بن زيد لقتال الروم، ووصول وفد نُخع الى المدينة المنورة.


ومن أهم أحداث فترة الدعوة بمكة المكرمة، والتي استمرت 13 سنة، منها 3 سنوات كانت الدعوة فيها الى الإسلام سرية، و10 سنوات جهرية:


السنة 1 - 3 للبعثة النبوية 611 – 614 م:

مبعث النبي، وإسلام خديجة بنت خويلد، والإمام علي وهو أول من أسلم من الرجال وثالث ثلاثة بعد النبي وخديجة، ثم إسلام أبو بكر الصديق وزيد بن حارثة .. الخ.


السنة الرابعة للبعثة 614 – 615 م:

انتقال الدعوة من السرية إلى الجهر، وبِدأ اضطهادات قريش للنبي وأصحابه.


السنة الخامسة للبعثة 615 – 616 م:

الهجرة الأولى للمسلمين إلى الحبشة.


السنة السادسة للبعثة 616 – 617 م:

عودة المهاجرين من الحبشة، وانطلاق الهجرة الثانية إلى الحبشة.


السنة 7 – 9 للبعثة 617 – 619 م:

مقاطعة قريش لبني هاشم وبني عبدالمطلب في شعب أبي طالب.


السنة 10 – 11 للبعثة 619 – 621 م:

نقض صحيفة المقاطعة، ورفع الحصار ووفاة زوجة النبي خديجة بنت خويلد عليها السلام، وعمه أبي طالب عليه السلام، وعرض الإسلام على القبائل بموسم الحج، ودعوة أهل الطائف الى الإسلام، وإكرام الله لنبيه بمعجزة الإسراء إلى بيت المقدس، وإسلام مجموعة من الأنصار.


السنة 12 من البعثة 621 – 622 م:

بيعة العقبة الأولى.


السنة 13 من البعثة 622 – 623 م:

بيعة العقبة الثانية، والإذن بالقتال والهجرة.


المراجع:


1 - العلامة الحُجة مجدالدين بن محمد المؤيدي، التحف شرح الزلف، مؤسسة أهل البيت – صنعاء، الطبعة الأولى 1994.

2 - السيد أبي الحسنين عبدالله الحسني المكي الهاشمي، الاحتفال بالمولد النبوي بين المؤيدين والمعارضين، الطبعة الأولى 1996.

3 – عبدالرحمن الحميدي وأخرون، ملف خاص عن رسول الله، صحيفة الثقافية، مؤسسة الجمهورية، تعز، العدد 218، 13 نوفمبر 2003.

4 - علي عزت بيغوفيتش، عوائق النهضة الإسلامية، ترجمة حسين سباهيتش، جمعية قطر الخيرية، الطبعة الأولى 1997.

5 - مؤسسة في طريق الحق، حياة نبي الإسلام، ترجمة الشيخ محمد علي التسخيري، طبعة 1403.

6 – د. أسامة أبو زيد، المولد النبوي الشريف.. احتفال ديني وظاهرة اجتماعية منذ عقود، أخبار اليوم المصرية، 8 نوفمبر 2018.

7 – زيد يحيى المحبشي، مولد الهدى، بحث مخطوط، 28 ربيع ثاني 1421.

الخميس، 27 يوليو 2023

ما الذي أبقاه النظام السعودي للمسلمين من فريضة الحج؟


مركز البحوث والمعلومات: زيد المحبشي

27 يونيو 2023

لم يعد "الحج" فريضة تعبدية سياسية صحوية تخلُقُ زخماً جديد في ضمير الأمة كل عام، ولم يعد فُرصة لإعادة التقييم في كافة البرامج والمناحي والمناشط الحياتية، ولم يعد مُؤتمراً يُقرر مصير الخليفة الثالث "عثمان بن عفان" ويُنحِّيه من الحكم، كما قرر مصير مُشركي قريش ونحّاهم من جزيرة العرب بقراءة سورة "براءة".

ولم يعد مُؤتمراً إسلامياً عالمياً يُناقش هموم المسلمين والمؤامرات الرامية القضاء على الإسلام وتشويه صورة نبي الإسلام في الذهنية والوعي الجمعي العالمي.

ولم تعد "عرفات" تحتل مركز مجلس الأمن الإسلامي، أو الأمم المتحدة الإسلامية.

ولم تعد "منى" تُمثل الكومنولث الإسلامي أو السوق الإسلامية المشتركة.

ولم يعد "الطواف" يهدف لبيان معنى القُربان والتضحية والفداء.

ولم يعد "السعي" يهدف لتكريس معنى السعي والعمل من أجل الله.

ولم يعد "الإحرام" يرمز لمعنى التقوى عن كل المحرمات وفق حكم الله.

ولم تعد "التلبية" تعني إعادة البيعة مع الله لتطبيق شرائعه.

ولم يعد "رمي الجمرات" يعني رفض شياطين الإنس والبراءة منهم بنفس درجة رفض شياطين الجن والتبرؤ منهم ومن كل الطغاة والمستبدين والمتكبرين والظالمين.

ولم .. ولم ..


إفراغ الحج من محتواه:


تعمل الوهابية والنظام السعودي على إفراغ هذه الفريضة المُقدسة من محتواها ومقاصدها التي أرادها الله في محكم التنزيل، لأن المسلمين إذا قاموا بها كما أراد الله فلن يبقَ لبقر الأميركان وقرودهم في المشرق العربي ولاية على المسلمين، ولن يبقَ لبني سعود ولاية على البيت الحرام، وبما أن هذه الفريضة تُشكِّل خطراً وجودياً على حُكام الدرعية وأولياء نعمتهم في واشنطن وربائبهم في تل أبيب، فمن الطبيعي أن يكون لهم سجل أسود في التعامل مع البقاع الطاهرة وضيوف الرحمن منذ تأسس دولتهم الأولى في نجد والحجاز في القرن السابع عشر الميلادي وحتى يوم الناس، ولم يدخروا طوال القرون الثلاثة الأخيرة وسيلة لتفريغ الحج من محتواه، وتحويله إلى مجرد طقوس جامدة وميتة ومفصولة عن واقع وحياة المسلمين.

وللأسف المتبقي الوحيد من هذه الفريضة المقدسة اليوم هو مجموعة من المُمارسات والقراءات تتخللُها أعمالٌ غريبة يجب التعبُد بها، دون التفّهُم لها، ولمعانيها، ومقاصدها، بعيدة ومفصولة عن كل الممارسات في حياتنا اليومية، هكذا تريده وهابية بني سعود تحت ذريعة الحفاظ على نهج السلف من بني أمية وبني قينقاع.

لذا لا عجب أن نجد الحاج حين يعود إلى منزله، لم يحمل معه من زاد الدنيا شيئاً، كما لم يُفلح في الحصول على زاد التقوى، وكل ما حمله معه إلى دياره اسم "الحاج"، ولا يحق له أكثر من الإسم، لأنه مارس مجموعة من أسماء، وكان نصيبه منها اسماً لا أكثر، ولأنه لم يعد في عُرف الجماهير، ذلك الذي يحمل معه سلوكية جديدة تُعطيه المزيد من الثقة بعلمه وعدالته، بل أصبح عند الناس ذلك الرجل الذي عرف كيف يُحوِّر معاني الدين ويستخدمها في مصالحه الخاصة، عندما قبل بفصل فريضة الحج عن واقع وحياة أمته، واكتفى بالقشور من تعبُّداته، وارتضى بالصمت على ما يُحاك ضد دينه وأمته.

إذن فالحج الذي أراده الله ليس رحلة سياحية أو زيارة طقوسية جامدة بل فريضةً عباديةً وسياسيةً وصحوية مُقدسة، ومؤتمر إسلامي عالمي، يجتمع فيه المسلمون من كل حدبٍ وصوب، لباسهم واحد، ومناسكهم واحدة، وصلاتهم واحدة، وقرآنهم واحد، وقبلتهم واحدة.

وهو مناسبة سنوية عظيمة لمناقشة قضايا وهموم المسلمين، وما يُحاك ضدهم وضد دينهم من مؤامرات، ناهيك عن أهميته في توثيق العلاقات الإسلامية البينية، وإظهار قوة المسلمين، ووحدتهم، واجتماع كلمتهم، وإرسال رسائل متعددة لأعداء الإسلام والمسلمين، مُفادها أن المسلمين يقظون وحاضرون لبذل كل غالٍ ونفيسٍ من أجل دينهم وكرامتهم.

ونظراً لما لهذه الشعيرة المقدسة من أهمية يعمل النظام السعودي جاهداً على منع وقمع أي حراك أو صحوة في مواسم الحج، تُحاول تجسيد الغاية التي أرادها الله من هذه الفريضة العظيمة، وإعادة العظمة والهيبة إليها، لأن في ذلك تنغيصٌ وتكديرٌ لحياة الطغاة والمستكبرين والظلمة والمستبدين.

ويتهم العلامة "حمود عبدالله الأهنومي" النظام السعودي بتحويل فريضة الحج "من مؤتمر لوحدة المسلمين إلى مؤتمر للتفريق بينهم، وتكفيرهم، وتضليلهم وتبديعهم، وقتلهم، وإضفاء المشروعية لجرائمهم التي يخزى حتى الخزي أن ينسبَها لنفسه، تفريقٌ وتمزيق من قبل شيوخ الدين الوهابيين الذين أصاخوا سمع العالم بنعيقهم العالي بخطورة بعض المسلمين، ولكنهم صمٌ بكمٌ عن خطورة المعتدين في فلسطين والعراق وغيرها من بلدان المسلمين"، حقيقة مرة لكن ذلك واقعهم.

والحج في مفهوم قائد الثورة الإسلامية الإيرانية السيد "علي الخامنئي": 

"فُرصةٌ لإعلان البراءة من المشركين والظالمين والطُغاة، وفُرصةً لإجتماع الكلمة ووحدة الصف بين المسلمين، وكل محاولةٍ لتغيير حقيقة هذه الفريضة وحرفها، ما هي إلا محاولات شيطانية، يسعى الشياطين الصغار لتحقيقها كسباً لرضا الشياطين الكبار"، وهو أيضاً "قضية عالمية وحضارية، أي أنه ليس فرضاً فردياً، بل موضوع سياسي، ..، الهدف منه هو الرقي للأمة الإسلامية ووحدتها أمام الكفر والظلم والاستكبار والأصنام البشرية وغير البشرية".

الشهيد القائد السيد "حسين بدرالدين الحوثي" حرص هو الآخر على التأكيد في عدة مواضع من ملازمه على أهمية هذه الفريضة في وحدة المسلمين، وكشف المؤامرات اليهودية لتعطيلها وإفراغها من محتواها:

"اليهود يفهمون قيمة الحج أكثر مما نفهمه، اليهود يعرفون خطورة الحج وأهمية الحج أكثر مما نفهمها نحن، ما أكثر من يحجون ولا يفهمون قيمة الحج.

الحج له أثره المهم، والكبير في خدمة وحدة الأمة الإسلامية، ألم يجزئوا البلاد الإسلامية إلى دويلات إلى خمسين دولة أو أكثر؟ وجزأوا البلاد العربية إلى عدة دويلات، لكن بقي الحج مشكلة، ففيه يلتقي المسلمون من كل منطقة، إذاً ما زال الحج رمزاً لوحدة المسلمين ويلتقي حوله المسلمون ويحمل معاني كثيرة جداً لو جاء من يُذكِّر المسلمين بها ستشكل خُطورة بالغة عليهم، على الغربيين، على اليهود والنصارى.

ولهم نصوص نحن نقرأها نصوص من وزراء منهم ومفكرين منهم يتحدثون عن خطورة الحج وأنه يجب أن يستولوا على الحج، وأنهم يجب أن يهيمنوا على هذه البقعة".

والهيمنة في طابعها العام لن تكون مباشرة بل عبر وكيلهم الحصري في جزيرة العرب "النظام السعودي"، كل الشواهد والوقائع تؤكد ذلك.

وألمح الشهيد القائد إلى جزئية مهمة يعملون عليها من أجل الوصول إلى غايتهم الشيطانية هي تقليل عدد الحُجاج بالتدرج ورفع تكاليف الحج وافتعال المشاكل في مواسم الحج:

"الحج إذا ما خُفِّض العدد يكون مقبولاً جداً؛ لأنه روضنا أنفسنا، وروضتنا حكوماتنا المباركة الجاهلة التي لا تعرف عن اليهود شيئاً، التي لا يهمها أمر الدين ولا أمر الأمة، ..، يكونون قد عودونا قليلاً، ثم أحيانا يقولون: السنة هذه اتركوها للمصريين، والشعب الفلاني والشعب الفلاني السنة هذه يُؤجل، أو السنة هذه احتمال يكون هناك وباء ينتشر يُؤجل .. وهكذا حتى يموت الحج في أنفسنا، حتى يضيع من ذاكرتنا…".

"لو نقول لكم الآن بأن إسرائيل بأن اليهود والنصارى يُخططون للاستيلاء على الحج فقد تقولون: مستحيل، ألسنا نعرف جميعاً بأن السعودية هي دولة صديقة لأميركا؟ أليس كل الناس يعرفون هذا؟ السعودية دولة صديقة لأميركا".

"تقليل عدد الحُجاج وكل بلد لا يحج منه إلا عدد مُعين ثم رفع تكاليف الحج هذه خطة يبدو أميركية، كل سنة يُخفِّضون أكثر، وكل سنة يفتعلون شيئاً فيما يتعلق بالكعبة، يقولون: قد حصل وباء أو حصل كذا من كثرة الازدحام، إذاً قللوا العدد قللوا العدد حتى يُصبح الحج قضية لا تُعد محط اهتمام عند المسلمين أو في الأخير يوقفوه".


ابتزاز سياسي رخيص:


يحرص النظام السعودي على إخضاع نِسب الحج لأهوائه ومصالحه السياسية، والتحكم بتحديد من يحق له الحج ومن لا يحق له، وتحويل الحصص والتأشيرات إلى ورقة للابتزاز والاستثمار السياسي.

وتؤكد العديد من التقارير الإخبارية قيامه برفع حصّة الحُجاج للعديد من الدول التي لها مواقف سياسية مُساندة له على الساحة الإقليمية والعالمية، وتقليص حصص الدول المُنتقدة له ولممارساته في محيطه العربي والإسلامي، والمُخالفة لهواه السياسي والمذهبي. 

وبالتالي خضوع منح التأشيرات أو حجبها، والتلاعب في حصص الدول لنوع العلاقات البينية، ومدى الاستجابة للابتزاز، أو التدخّل في الجهات التي تملك اختيار من يحصلون على التأشيرة في داخل تلك الدول، والتمييز بين الحجاج على أساس الولاء السياسي، ومن ذلك منع حُجاج دول كاملة السيادة، وتتمتع بالشرعية الدولية من أداء فريضة الحج، والسماح لحُجاج مناطق تقع تحت سيطرة داعش الإرهابية بأداء الفريضة، من ذلك السماح لحُجاج من مدينة الموصل العراقية ومناطق شمال سورية الواقعة خارج سيطرة الدولة السورية خلال فترة خضوعها لتنظيم داعش. 

وأحياناً يتم منع حُجاج بلدٍ ما استجابة لرغبة بلد أخر، من ذلك منع الحجاج الليبيين من أداء فريضة الحج بعد حادثة "لوكربي" الشهيرة نهاية العام 1988 بضغط من واشنطن ولندن وباريس، فقرر القذافي توجيههم الى القدس لأداء الحج بدل مكة المكرمة.

ومن النماذج حصر منح تأشيرات الحج للسوريين فيما يُسمى "الائتلاف السوري المعارض"، رغم أنه لا علاقة له بالداخل السوري، ولا يتعامل معه المواطنون المقيمون داخل سورية، وليس جهة يمكن التعامل معها دولياً، وبالمثل في لبنان في سنوات سابقة على جماعة قوات الحاخام "سمير جعجع" رغم أنه لا علاقة له بالإسلام.

ومن الشواهد رفضه زيادة عدد من الحجّاج الماليزيين على خلفية سحب "ماليزيا" قوّاتها من تحالف العدوان على اليمن عام 2018

ناهيك عن مُمارسة قائمة طويلة من الضغوط والشروط التعجيزية من أجل منع مئات الآلاف من أداء فريضة الحج، أملاً في الوصول لمرحلة تعطيل فريضة الحج نهائياً، وهذا مُخططٌ له سلفاً.


تجارة رابحة وتكاليف باهظة:


نشرت وكالة "أ ف ب" في 14 ذو الحجة 1438 هـ، الموافق 4 سبتمبر 2017 أرقاماً فلكية عن الأرباح التي جنتها السعودية خلال موسم الحج للعام 1438 هـ، نقلاً عن رئيس الغرفة التجارية والصناعية في مكة المكرمة "ماهر جمال"، حيث بلغت نفقات الحُجاج من داخل السعودية وخارجها "20 - 26" مليار ريال سعودي، ما يعادل "5.33 - 6.67" مليارات دولار بحسب أسعار تلك الفترة، بينما كانت في العام 1437 هـ، نحو 14 مليار ريال، ما يعادل 3.73 مليارات دولار، بزيادة 10 مليار ريال سعودي، ووصلت إيرادات المناسك والعمرة والزيارات الدينية الأخرى على مدار العام نحو 12 مليار دولار سنوياً، بحسب تقديرات "الفرنس برس" في يوليو 2022.

وبلغ عدد الحجاج لذلك العام 2.350 مليون حاج، بينهم مليون و750 ألف حاج من 168 دولة، والبقية من داخل السعودية، ولنا اليوم أن نتخيل عائدات المهلكة من موسم الحج لهذا العام بما رافقه من انتهاء جائحة "كورونا"، وتخفيف القيود عن الدول التي كانت ممنوعة من زيارة بيت الله الحرام لرفضها السياسة العوجاء لإبن سلمان في المنطقة.

وتعتمد خطة إبن سلمان2030 بدرجة أساسية على زيادة الحجاج، لما تُمثلُه من مصدر دخل ثابت للخزينة السعودية، ويؤكد الخبير الاقتصادي "عبدالمنعم بخاري" أن معدلات إنفاق حُجاج الخارج أكثر من حُجاج الداخل في الغالب.

ويصل مُتوسط نفقات الحاج من خارج السعودية خلال 12 يوماً، وهي الفترة المُقدّرة لأداء فريضة الحج نحو 2000 - 7000 دولار، ومتوسط إنفاق حُجاج الداخل 3 آلاف دولار بحسب تقديرات العام 2017.

حجاج اليمن كنموذج وصلت نفقات الحاج إلى 2300 دولار بحسب تقديرات العام 2017، وتتفاوت تقديرات الإنفاق من دولة إلى أخرى، مع الأخذ بالحسبان الرسوم الكبيرة التي يفرضها النظام السعودي بمسميات مُختلفة على ضيوف الرحمن دون وجه حق.

ارتفاع جنوني في تكاليف الحج إلى حدود جعلته حكراً على الأغنياء والمقتدرين، بسبب رفع السعودية أسعار الخدمات الإلزامية مثل خدمات المشاعر والطواف والنقل، وإضافة خدمات إلزامية جديدة مثل حالات الطوارئ والتأمين الصحّي ورسوم التأشيرة، وزيادة الضريبة على القيمة المضافة من 5% إلى 15%، ورفع خدمات الإيواء والغذاء وأسعار تذاكر الطيران تحت مبرر التضخّم العالمي.


اصطياد المخالفين والمعارضين:


شهدت السنوات الأخيرة الكثير من حالات الاعتقال في أوساط الحجاج خلال أدائهم مراسم الحج والعمرة، إما بسب معارضتهم لسياسات النظام السعودي في المنطقة كما حدث للكاتبة والمجاهدة المصرية الحرة "رانيا العسال" أثناء أداء فريضة العمرة قبل قرابة الشهرين، أو من أجل تسليمهم لدولهم من ذلك اعتقال حُجّاج ليبيون وتسليمهم إلى قوات "خليفة حفتر" قبل سنوات، وآخرون أردنيون وفلسطينيون ومصريون وعراقيون وحتى خليجيون وخصوصاً الناشطين من شيعة البحرين أخرهم الشيخ  "جميل الباقري" أثناء السعي بن الصفا والمروى قبل أيام ، وطالت الاعتقالات حُجاجاً من الأقلّية الأويغورية الصينية المسلمة وتسليمهم لنظام بلادهم من أجل التودد إليه.

هذه الإجراءات اللا إنسانية واللا أخلاقية استفزت العديد من المنظمات والشخصيات الحرة، من ذلك تدشين عدة مؤسسات حقوقية وسياسية وعلماء ودعاة وشخصيات بارزة، في 16 يونيو 2022 حملة لمواجهة "تسييس الحج"، وأصدروا بياناً بعنوان "الحج ليس آمناً"، اتهموا فيه النظام السعودي بتعمد "تسييس الحرمين، وجعل الحج والعمـرة أداة للقمع ووسيلة لتصفية الخصوم، وطريقاً لدعـم الأنظمـة القمعية، واعتقال عدداً من حجاج بعض الدول الذين يعيشون في المنفى، وتسليمهم لدولهم وأنظمتهم المشهورة بقمعها وانتهاكها للحقوق والحريات، واستخدام منبر الحرمين الشريفين أداة لتلميع سياسات نظام محمد بن سلمان، ولوحة دعائية له"، وأكدوا رفضهم وإدانتهم للاستغلال السياسي السعودي الرخيص لفريضة الحج والعمرة، وتحويلها إلى وسيلة للبطش واستدراج الآمنين ومصيدة لاعتقالهم، وتسليم ضيوف الرحمن قُرباناً للأنظمة القمعية، وناشدوا كل الأحرار في العالم الإسلامي من منظمات حقوقية وجمعيات ومجامع عُلمائية القيام بواجبهم لدفع الضرر عن بيت الله الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإدراج حقوق الحُجاج والمُعتمرين ضمن قوائم الحقوق والمعايير.

وفي يوليو 2018 أكدت "الهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين"، ومقرها العاصمة الإندونيسية جاكرتا، استغلال النظام السعودي مكرُمات الحج والعمرة لتعزيز مواقفه السياسية في المنطقة.

وكان النظام السعودي قد حذّر "إندونيسيا"، بوضع عقبات أمام سفر حُجّاجها إلى مكة ما لم تُصوّت لصالحه عند الحاجة في مجلس الأمن.

هذه التصرفات المنافية لأخلاقيات الإسلام دفعت الكاتب اللبناني "حسين إبراهيم" للتحذير مما هو قادم:

لقد "صار الحجُ مكاناً للخوف وانعدام الأمان، ومِصيدة للاعتقال التعسّفي والترحيل القسري لمعارضين أجانب إلى بلدانهم، وبؤرة للتجسّس على آخرين، ولم يَعُد ملايين المسلمين، نتيجة ذلك، قادرين على الوصول إلى مكة لزيارة مُقدّساتهم".


غياب الأمن وفوضوية التنظيم:


شهدت العقود العشرة الأخيرة فوضوية وعبثية غير معهودة في البقاع الطاهرة راح ضحيتها الآلاف من ضيوف الرحمن، بسبب سوء الإدارة والتنظيم والتخطيط والتأمين لمناسك الحج، والتعامل الفوقي والعبثي معها.

ناهيك عن طمس المعالم الإسلامية التاريخية، وللقيادة "السعودية - الوهابية" سجل حافل بالاعتداء على ضيوف الرحمن والتفنن في التنكيل بهم وقتلهم منذ اليوم الأول لتوقيع التحالف المشؤم بين "محمد بن سعود" و"محمد بن عبدالوهاب" عام 1744، وصارت أكثر توحُشاً ودموية بعد احتلال مكة والمدينة في العام 1220 هـ، الموافق 1806م، وما تلاه من حصار لمكة والمدينة لمرات عديدة، وقتل الآلاف من ضيوف الرحمن وسكان مكة المكرمة والمدينة المنورة، وتدنيس البقاع الطاهرة والعبث بمقدساتها، من أبرز الشواهد:


1 - هدم القبور والقباب بعد الاستيلاء على مكة المكرمة في العام 1218 هـ، الموافق 1804، وكانوا يرتجزون ويطبلون ويغنون ويشتمون القبور ومن بداخلها من الصحابة، وبعد أشهرٍ من العبث في بيت الله الحرام تمكن الشريف "غالب" من استعادة مكة، وفي العام 1219 هـ، 1805م فرض السعوديون والوهابيون حصار خانق على مكة استمر من ذي الحجة 1219 إلى ذي القعدة 1220، وفي المحرم من عام 1220 شنوا سلسلة غارات على أطرافها دون مراعاة لحُرمة شهر محرم الحرام وحُرمة وقُدسية تلك البقاع الطاهرة.

2 - هدم قباب المدينة المنورة بما فيها قباب البقيع، في العام 1221 هـ، الموافق 1807، ونهب ذخائر الحُجرة النبوية من أموال وجواهر، وطرد قاضي المدينة ومكة وبعض عُلمائها، وتعيين قُضاة من الوهابية، ومنع الناس من زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

3 - هدم القباب والمزارات بمكة والمدينة وجدة والطائف، في العام 1343هـ، الموافق 1924، وصب الرصاص على قُبة قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ويتحدث المستر "هامفر" في مذكراته وهو ضابط في وزارة المستعمرات البريطانية وأحد مُعاصري ومُدربي "محمد بن عبدالوهاب"، عن تقديم مشروع لإبن عبدالوهاب لهدم الكعبة المشرفة، لكن الأخير اعتذر خوفاً من غضب سُلطات الاحتلال العثماني، فصرف النظر عن المشروع، ولكن الوهابية لم يألوا جُهداً عن صد عباد الله عن بيت الله الحرام كلما وجدوا إلى ذلك سبيلاً، أملاً في إيقاف فريضة الحج نهائياً، وهو مشروع جاري العمل له على قدمٍ وساق بالتنسيق مع تل أبيب والبيت الأبيض.

هذه الحقائق الصادمة تُؤكد عدم أهلية النظام السعودي لإدارة المقدسات الإسلامية في الحجاز.

4 - مجزرة الحُجاج اليمنيين في "تنومة" عسير، عام 1341 هـ، الموافق 1921، وهي من الجرائم الأكثر فضاعة في تاريخ الوهابية السعودية، استشهد فيها أكثر من 3000 حاج يمني، امتنع اليمنيون بعدها عن أداء فريضة الحج لأكثر من 13 عاماً، ليعاودوا أداء الحج بعد توقيع اتفاقية الطائف بين الملك السعودي والإمام يحيى في العام 1934.

5 - تدمير النظام السعودي في الفترة 1344 – 1346 هـ، الموافق 1925 - 1927، كل ما في المدينة ومكة من آثار ثورية مرتبطة بانتصارات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على اليهود من بني قينقاع وبني النضير والملوك الخونة، وهدم مساجدها ومآثرها وقبور الشهداء والصحابة، بما في ذلك قباب وأضرحة البقيع، وقتل ونهب ونفي الآمنين من علماء وعامة، وتشويه جمالية المدينة المنورة، والتقليل من أهميتها، وقتل الجزار السعودي "عبدالعزيز بن إبراهيم"، أكثر من 7 آلاف مسلم غالبيتهم من الأطفال والنساء، منهم محمل بعثة الحج المصرية في منى عام 1926.

وتحدث تقرير للوزير البريطاني المفوض في جدةNORMAN MAYERS  عن قيام الوهابيين في موسم الحج للعام 1926 بقتل 4 من الحجاج الأفغان، وجرح اثنين، لأنهم كانوا يُؤدون الصلاة في جبل ثور، حيث اختبأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

6 - انفجار قناني الغاز في 8 ذو الحجة 1395 هـ، الموافق 10 ديسمبر 1975، بمخيمات الحجاج، واحتراق أكثر من 200 حاج.

7 - حدوث اضطرابات في المسجد الحرام في 1 محرم 1400 هـ، الموافق 20 نوفمبر 1979، واحتلاله من قبل جماعة سلفية مُحتسبة يقودها "جهيمان العتيبي"، واحتجاز عشرات الحجاج رهائن، ما تسبب في حدوث مواجهات داخل الحرم دون احترام لحرمته، راح ضحيتها أكثر من 150 قتيل و560 جريح.

8 - هجوم قوى الأمن السعودي في 6 ذو الحجة 1407 هـ، الموافق 31 يوليو 1987، على حجاج إيرانيين أرادوا إعلان براءتهم من المشركين، والإفراط في استخدام العنف والرصاص الحي ضدهم ما تسبب في استشهاد 402 حاج، منهم 275 حاجّاً إيرانيّاً، وإصابة 649 شخص، بينهم 303 من الإيرانيين.

واستغل النظام السعودي ذلك لتقليل العدد المسموح به من الحجاج الإيرانيين من 150 ألف حاج إلى45 ألفا، وفي العام 1991 شهدت العلاقات "الإيرانية - السعودية" تحسُناّ نسبياً، من أهم مخرجاته وضع حدٍّ أقصى للحجاج الإيرانيين يبلغ 115 ألف حاج فقط، بنقص 35 ألف حاج عما كان عليه في العام 1987. 

9 - شن قوى الأمن السعودية في 8 ذو الحجة 1409 هـ، 10 يوليو 1989، هجومين قرب المسجد الحرام، ما تسبب في قتل حاج وجرح 16، واعتقال 20 حاجاً كويتياً، وإعدامهم بعد أسابيع.

10 - وفاة 1426 حاجاً في 10 ذو الحجة 1410 هـ، الموافق 2 يوليو 1990، اختناقاً وسحقاً بالأقدام بسبب انعدام نظام التهوية في نفق "معيصم" الشهير بمكة المكرمة.

11 - سحق 270 حاجاً تحت الأقدام في 14 ذو الحجة 1414 هـ، الموافق 24 مايو 1994، بسب فوضى عارمة سادت رمي الجمرات.

12 - وفاة 3 حُجاج في 8 ذو الحجة 1415 هـ، الموافق 7 مايو 1995، بسبب حريق اندلع في خيمتهم وسقوط 99 جريحاً.

13 - اندلاع حريق في مخيمات الحُجاج في 8 ذو الحجة 1417 هـ، الموافق 15 أبريل 1997، أسفر عن احتراق 340 حاجاً وجرح 1500.

14 - وفاة 118 حاجاً وإصابة 180 بجروح بليغة في 13 ذو الحجة 1418 هـ، الموافق 9 أبريل 1998، بسبب التدافع.

15 - سحق 35 حاجاً تحت الأقدام بينهم 23 امرأة في 10 ذو الحجة 1421 هـ، الموافق 5 مارس 2001، خلال رمي الجمرات.

16 - استشهاد 87 حاجاً وجرح 14 بينهم 6 نساء بمنى، في 10 ذو الحجة 1423 هـ، الموافق 11 فبراير 2003.

17 - وفاة 251 حاجاً وسقوط مئات الجرحى في 10 ذو الحجة 1424 هـ، الموافق 1 فبراير 2004، خلال رمي الجمرات.

18 - استشهاد 3 حُجاج في 12 ذو الحجة 1425 هـ، الموافق 22 يناير 2005، خلال رمي الجمرات.

19 - انهيار فندق بمكة، في 6 ذو الحجة 1426 هـ، الموافق 6 يناير 2006، ما تسبب في وفاة 76 حاجاً.

20 - استشهاد 260 حاجاً في 12 ذو الحجة 1426 هـ، الموافق 12 يناير 2006، خلال رمي الجمرات.

21 - سقوط رافعة على رؤوس الحُجاج في 10 ذو القعدة 1436 هـ، الموافق 11 سبتمبر 2015، ما تسبب في وفاة 110 حاجاً وجرح 400.

وتسبّب ولي العهد السعودي باستشهاد 5000 حاج وجرح الآلاف، بسبب توجيه سيول بشرية منهم في اتجاهات متعاكسة، أدى إلى تدافعهم ودعس بعضهم بعضاً في "منى"، لكي يمر سربٌ طويل من السيارات الفارهة يمتطيها أمير مهفوف، لا يبالِ بحياة الناس ولا كرامتهم.

22 - اعتداء الأمن السعودي في ذو الحجة 1440 هـ، الموافق أغسطس 2019 على الحجاج الفلسطينيين بعد احتجازهم على الحدود ليومٍ كامل، ومنعهم من الدخول، رغم حصولهم على تأشيرات حج، ومتفق على دخولهم بالتنسيق بين وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية ووزارة الحج السعودية.


وما خفي أعظم، فأي حُرمة باقية للبقاع المقدسة، وفريضة الحج؟؟.


المراجع:


1 - أحمد ناصر، الثقافة الرسالية، دار التوجيه الإسلامي، بيروت - الكويت، ص 48 - 49.

2 - أحمد عبدالرازق، هل ترون أن السعودية تسيس الحج فعلاً؟، موقع بي بي سي عربي، 1 أغسطس 2017.

3 - الدكتور حمود عبدالله الأهنومي، سياسة السعودية الاستراتيجية، تقوم على إفراغ الحجّ عن محتواه، وأَهدَافه، وغاياته، صدى المسيرة، 10 سبتمبر 2016.

4 - حسين إبراهيم، هندسة "تجارية – سياسية" للحجّ، ابن سلمان للمسلمين: الكعبة للأكثر مالاً، الأخبار اللبنانية، 5 يوليو 2022.

5 - زيد يحيى المحبشي، الحج في زمن دولة بني سعود الوهابية، مركز البحوث والمعلومات، 25 يوليو 2020.

وكذا: الحج .. أبعاد ودلالات، صحيفة الأمة، العدد 268، 6 فبراير 2003.

6 - سعيد عكاشة، تسييس الحج عبر التاريخ... ملاحظات أولية، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.

7 - العربي الجديد، هذه نفقات الحج في 10 دول عربية، 21 اغسطس 2017.

8 - الموقع الرسمي للسيد علي الخامنئي، بين تسييس الحج ومحاربة الشياطين، 13 سبتمبر 2016.

9 - سبوتنيك عربي، كم ربحت السعودية من الحج هذا العام، 4 سبتمبر 2017.

10 - صحيفة الثورة اليمنية، المؤامرة على الحج كما يراها الشهيد القائد برؤية القرآن الكريم، 14 يونيو 2021.

11 - فرانس برس، تُجار وفنادق مكة متفائلون بتعويض الخسائر خلال موسم الحج، 5 يوليو 2022.

12 - موقع قطر عاجل، تسييس الحج مقابل الوحدة والمساواة بين المسلمين، 23 يونيو 2022.

13 - موقع سعودي ليكس، ملاحقات أمنية وخُطب سياسية واستغلال مادي في موسم الحج، 11 يوليو 2021.

14 - وكالة تسنيم الدولية للأنباء من يسيس الحج .. السعودية أم إيران؟، 22 مايو 2016.

من الذي قتل الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء؟


مركز البحوث والمعلومات: زيد المحبشي

 منذ الوهلة الأولى لاستخلاف الله عز وجل الإنسان في الأرض، توضّحت الإرادة الإلهية من هذا الاستخلاف، وتحددت الأهداف المطلوبة من البشرية للقيام بهذا الإسناد الوظيفي المقدس، وهو إعمار الأرض بالخير والصلاح والعدل والفضيلة.

وفي الاتجاه الأخر كانت هناك مخلوقات رافضة للاستخلاف والتكريم الإلهي للإنسان بما يُمكن تسميته اليوم بالمعارضة، يقودها الشيطان الرجيم، المُعلن منذ الوهلة الأولى للاستخلاف البشري "تمرده"، رافضاً طلب العناية الإلهية السجود لأدم عليه السلام، وما كان السجود لذات المخلوق الآدمي، وإنما لمعرفة امتثال الطاعة لله، ومُعلناً سياسة التمرد على الأوامر الإلهية، ومُتعهداً بإغواء الإنسان وأحفاده، وحرفهم عن جادة الحق والصواب.

من هنا انقسمت البشرية إلى فريقين، الأولى استفاد من العقل المُفكر المستنير، فوظّف حياته للقيام بما أُنيط به من هدفية الإعمار وإشاعة الخير والفضيلة، والثاني انخدع بأحابيل الشيطان وأعوانه، وقرر السباحة في بركته الأسنة النتنة، والنتيجة الحتمية لهكذا انقسام، تولُّد الصراع بين الإنسان وذاته والإنسان وبني جلدته.

انبثق عن هذا الصراع الفساد في الأرض، وانتشار التظالم بين بني الإنسان، والغاية من وراء ذلك كله التكالب على طُعم "التسقيط الإبليسي" المُتمثل في بريق الدنيا الخادع وحُطامها الفاني، والإلتهاء عما أعده الله للصابرين والمصابرين في الآخرة.

إذن فالدنيا دار اختبار وبلاء والآخرة دار جزاء وسعادة، لذا أرسل الله الرسل والأنبياء لإصلاح أحوال البشرية وتقويم مسارها وتوجيهها نحو طريق الهدى والحق والعدل والحرية، والنأي بها عن مُنزلقات المهاوي المُضلة الهالكة، لا سيما وأن البشرية لم تعد محدودة العدد بل صارت من الكثرة ما يستوجب تنظيم علاقاتها البينية، وعلاقاتها مع الكون المحيط بها، والأهم من ذلك علاقتها مع خالقها، في حين تغاضى الله عما هو له، شريطة ألا يصل ذلك إلى نُكران الوجودية، ونُكران الوحدانية، لكنه لم يتساهل في حقوق البشر لبعضهم، وحقوق الإنسان مع ذاته.

لهذا أتت رسالة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم من أجل وضع الحق في نصابه، فكان انبلاج نورها المُضيء الكون بأسره في مرحلة وصل الظلم مداه، وكانت هدفيتها الحرب على التنزيل، بينما أُنيطت بأحفاد النبوة مهمة الحرب على التأويل، من أجل إبلاغ الناس أن المسار واحد، والهدف واحد، وهو الخروج من عبودية الإنسان لأخيه الإنسان إلى تفريد العبودية لله وحده وبلا ندية.

ثورة الطف التي قادها السبط الثاني لرسول الله أبي عبدالله الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، تجلّت هدفيتها منذ الوهلة الأولى، بعد أن رأى الإمام الحسين سلام الله عليه أن الوضع قد بدء بالانحدار إلى ما كانت عليه الجاهلية الأولى، إذ بدت معالم السياسة العامة لقادة الدولة الأموية بقيادة المؤسس الأول واضحة في مُضيّها المتعجرف والمتغطرس والمتعالي في معاكسة تعاليم الإسلام والنزوع نحو بهرجة المُلك العضوض بما في ذلك من ظلم وعربدة وتجبُّر ومجون وإسفاف وانسلاخ عن قيم وأخلاقيات ومبادى وتعاليم الإسلام.

لم يكن أمام الإمام الحسين عليه السلام والقلة المؤمن من أهله وذويه وأنصاره، من خيار، سوى وجوب الخروج:

"أيها الناس إني سمعت جدي رسول الله يقول: من رأى منكُم سُلطاناً جائِراً مُستحلاً لحُرم الله، ناكثاً بعَهدِه، وفي رواية بيعته، مُخالِفاً لسنّةِ رسولِ الله، يَعملُ في عبادِه بالإثمِ والعدوانِ، فلم يُغِرْ، وفي رواية فلم يُغيّر ما عليهِ بقولٍ ولا بفعلٍ، كان حَقّاً على الله أن يُدخِله مَدخلَه.

 وقد عَلمتُم أنَّ هؤلاء القومَ - مُشيراً إلى بني أميّة وأتباعِهم - قد لَزِموا طاعةَ الشيطانِ وتَولَوا عن طاعةِ الرحمنِ، وأظهرُوا الفسادَ وعطلّوا الحدودَ واستأثَروا بالفيء، وأحَلّوا حرامَ اللَّهِ وحَرَّموا حلالَهُ، واتخذوا مال الله دِولاً، وعباده خِولاً، وإنّي أحقُّ بهذا الأمر، وفي رواية وأنا أحق من غيّر".

فكان خروجه سلام الله عليه طلباً للإصلاح في أمة جده، لا لهثاً وراء مناصب زائلة، وتقويم الاعوجاج الذي أحدثه ملوك الفئة الضالة المُضلة في حياة المسلمين وشريعتهم، وإسقاط إرهاب الدولة الفوقية المُتعالية والمُتسلطة.

ورغم التضييقات التي مارسها عبيد بني أمية على الإمام الحسين عليه السلام في المدينة ومكة وقتل رسوله إلى الكوفة، من أجل منعه من الخروج ضد ظلم وجبروت "يزيد"، لم يهتم لذلك بل واصل مسيره إلى العراق، رغم تحذيرات الأقارب والمُحبين من نكث المباعين.

وكان ديوانه سلام الله عليه قد أحصى 12 ألف كتاب، وفي الروضة: عن أبي العباس الحسني، زُهاء 800 كتاب من أهل العراق، ببيعة 24 ألفاً، لكن لم يثبت ساعة المنازلة سوى "32 - 45" فارساً و"40 – 100" راجل، بينهم "22 - 27" طالبياً، في مواجهة جيش جرار من أهل الباطل بلغ قوامه 30 ألفاً، وقيل 100 ألف.

وفي العاشر من محرم الحرام 61 هجري قمري كانت المنازلة الفاصلة بن الحق والباطل في أرض كربلاء القاحلة، انتهت باستشهاد أبي عبدالله الحسين عليه السلام ونحو "70 – 87" من أصحابه وأهل بيته، ووثق الرواة نحو 52 إسماً ممن استشهدوا معه، منهم 34 شهيداً من اليمن، بواقع 10 شهداء من همدان، و10 من مذحج، و5 من الأنصار، و3 من الأزد، واثنان من حمير، وواحد من قبائل كندة بجيلة وكلب وطيّء وخزاعة والحضرمي وخثعم، وهم يمثلون ما نسبته 47 %.

لم يكن استشهاده سلام الله عليه هزيمة كما يروج أعداء الحق بل نصراً وفتحاً مُبيناً، فقد أحدث خُروجه سلام الله عليه أزمة حادة لمشروعية حكم المُفسدين، حيث كان خروجه في العام 61هـ، وبعد استشهاده مباشرة عصفت بالحكم الأموي عدة ثورات، استمدت وهجها من كربلاء الطف كحركة التوابين وثورة حليف القرآن الإمام زيد بن علي عليه السلام والثورة الإعلامية الزينبية وغيرها، أفضت مُجتمعة إلى تقويض بنيان الحكم الأموي في العام 132هـ، أي بعد 61 عاماً، وفي هذا سرٌ عظيم، بينما كان مصير الطاغية "يزيد بن معاوية" شر قتلة، وكل من شارك في قتل الحسين وأهله وصحبه انتقم الله منهم شر إنتقام، وشرب كل واحد منهم من نفس كأس عمله الشيطاني، وتلك عدالة الله في الكون.

ثورة الإمام الحسين عليه السلام أسست لحق المعذبين والمستضعفين في الأرض، في إسقاط شرعية الأنظمة المتسلطة، وهز كيانها، وكشف زيف أوراق المتآمرين على الحق والحرية والعدالة، من طابور خامس عريض، كان وما يزال أحد أهم العوامل الهدامة والمؤرقة للأمة الإسلامية منذ بزوغ شمس الرسالة المهداة، وحتى يوم الناس، فكانت بحق مصباح الهدى وسفينة النجاة ومعراج السعادة الإنسانية وفق مشروطة العدالة الدينية، وها هي بعد 15 قرناً من السنين لا تزال تتوهج، غامرة الكون بسناها، بينما إرهاب الدولة الأموية المُرِّسخ لسُلطة التمييز العنصري الفوقي، سرعان ما تلاشت وذابت في مزبلة التاريخ، وإندرس أقطابها، ولحقت أعمالهم اللا إنسانية لعنة الله والتاريخ والإنسانية.

 الحسين بطل توّسد في الطف ليروي شجرة الحرية المتنامية إلى نهاية الحياة الإنسانية، وفي المقابل لا تخلوا الحياة من يزيدية مُتجددة في كل زمانٍ ومكان، كما سيستمر الصراع بين الحق والباطل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، والأهم من كل هذا لمن ستميل الكفة، إنها لأصحاب الحق المشروع في ظل يزيدية متهافتة شرعيتها، مأزومة مواقفها، وما يشهده الكون اليوم من تململ حُسيني ضد يزيدية القرصنة الكونية الجديدة خير مثال.

الإمام الحسين ومخاضات السقيفة

من حقنا أن نسأل من الذي قتل الإمام الحسين عليه السلام، هل هو يزيد وجيشه، أم الأخطاء المتراكمة التي رافقت دولة الإسلام بعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبمعنى أخر والتساؤل هنا للشهيد القائد "حسين الحوثي" رحمة الله عليه:

"هل كانت فاجعة كربلاء، وليدة يومها، ومجرد صُدفة، أم أنها نتاج طبيعي لانحرافٍ حدث في مسيرة هذه الأمة، انحرافٍ في ثقافة هذه الأمة، انحرافٍ في تقديم الدين الإسلامي لهذه الأمة، من اليوم الأول الذي فارق فيه الرسول صلوات الله عليه وعلى آله وسلم هذه الأمة للقاء ربه؟؟".

" إذا فهمنا أن حادثة كربلاء هي نَتاج لذلك الانحراف، حينئذٍ يمكننا أن نفهم أن تلك القضية هي محط دروس وعبر كثيرة لنا نحن، من نعيش في هذا العصر المليء بالعشرات من أمثال يزيد وأسوء من يزيد".

تحديد ماهية القاتل، وبلغة أخرى المُتسبب في قتل الحسين، والأسباب التي أدت إلى قتل الحسين، في غاية الأهمية إذا ما أردنا بالفعل الاستفادة العملية من ثورة وتضحيات الإمام الحسين وقافلة طويلة من قرابين العشق الإلهي من أهل البيت عليهم السلام ممن نذروا أنفسهم وأروحهم من أجل أن تظل منارة الإسلام عالية شامخة مُضيئة الكون بأنوار الرحمة المُهداة إلى يوم الدين، وعملوا بكل إخلاص وتفاني من أجل تطهير المجتمع من الفساد والظلم والعبث والإرهاب السلطوي، وكلهم استشعروا واجب النهوض والخروج بعد موت ووأد السنة المحمدية، وإطفاء الأنوار الربانية، وإحياء البدع الجبروتية والطاغوتية.

في دراسة الأسباب التي أدت إلى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام على يد من يدعون الإسلام، ويرفعون رايته، ويحكمون المسلمين باسمه، يؤكد الشهيد القائد أن منبعها الأساسي هو "الانحرافات الأولى" التي عصفت بالأمة الإسلامية بعد رحيل خاتم الأنبياء والمرسلين، بما في ذلك تمكُن العديد من الطلقاء من الوصول إلى مراكز متقدمة في صنع القرار والتحكم في رقاب العباد في عهد الخلفاء الثلاثة الذين حكموا الأمة بعد رسول صلى الله عليه وآله وسلم، ما دفع الإمام علي عليه السلام بعد أن جرت له البيعة بالولاية في العام 35 هجري قمري إلى تصحيح الإعوجاجات التي لحقت بدولة الإسلام، فكان أول قرارٍ له عزل أول ملوك الملك العضوض "معاوية بن أبي سفيان"، رافضاً أن يحكم رجل كهذا "منطقة كالشام باسم علي، وباسم الإسلام، البعض نصح الإمام عليه السلام بأن الوقت ليس مُناسباً لاتخاذ مثل هذا القرار، فمعاوية قد تمكن في الشام"، وطلبوا منه الانتظار حتى يتمكن من الخلافة، ثم بعدها يُصدر قرار العزل.

ويرى الشهيد القائد أن تلك الفئة المطالبة بالتريث في عزل "معاوية"، هي ممن "يفهمون سطحية السياسة، وعند من لا يصل فهمهم إلى الدرجة المطلوبة بالنسبة للآثار السيئة والعواقب الوخيمة لأن يتولى مثل ذلك الرجل على منطقة كَبُرَت أو صَغُرَت، على رقاب المسلمين، كمعاوية".

لكن منطق عقيم كهذا لا مكان له عند خاتم الوصيين، فقد كان رده سلام الله عليه: "لا يمكن.. "، واستشهد بقول الله تعالى: "وما كنتُ مُتخذ المضلينَ عَضُداً"، أي عوناً ومُساعداً، "لأن من تُعيِّنه والياً على منطقة، أو تُقرُّه والياً على منطقة ما، يعني ذلك أنك اتخذته ساعداً وعضُداً، يقوم بتنفيذ المهام التي هي من مسئوليتك أمام تلك المنطقة".

"عندما نعود إلى الحديث من هنا هو من أجل أن نعرف ما الذي جعل الأمور تصل إلى هذه الدرجة، فنرى الحسين صريعاً في كربلاء، إنها الانحرافات الأولى؟؟!!".

فـ "الإمام علي لم يُقرّ أبداً معاوية والياً على الشام، وعندما استشهد بقول الله تعالى: {وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً}، الكهف: 51، لأن معاوية رجلٌ مُضِل، ..، وقد بقي فترة طويلة على بُعدٍ من عاصمة الدولة الإسلامية، أضل أمة بأسرها، أقام لنفسه دولة في ظل الخلافة الإسلامية، وعندما حصل الصراع بين الإمام علي عليه السلام وبينه، وجاءت معركة صفين، استطاع معاوية أن يحشد جيشاً كثير العدد والعُدّة، أكثر من جيش الخليفة نفسه، ..، من تلك الأمة التي أضلها، لمّا أضلها انطلقت تلك الأمة لتقف في صف الباطل، لتقف في وجه الحق، لتقف في وجه النور، لتقف في وجه العدالة، في وجه الخير، تقف مع ابن آكلة الأكباد، مع ابن أبي سفيان ضد وصي رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وسلم".

وما أشبه تلك الأمة من الأنعام بأولئك الذين اصطفوا مع معاوية تحالف العاصفة وباطله المتوارث في مواجهة أحفاد أنصار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقيادة حفيده حسين العصر في اليمن، لم يتغير شيء في معادلة الصراع الازلي بين الحق والباطل، لكن أين صار رموز الباطل وأين أصبح رموز الحق؟.

لم يكن علياً عليه السلام من عُشاق السلطة والكراسي الزائلة وهو القائل: "إن خلافتكم هذه لا تساوي عندي شِراك نعلي هذا إلا أن أُقيم حقاً أو أُميت باطلاً"، لذا لم يهتم سلام الله عليه عندما قرر إزاحة معاوية من حكم الشام، إن كان الثمن حياته:

"علياً لم يكن من أولئك الذين يحرصون على مناصبهم، وليكن الثمن هو الدين، وليكن الثمن هو الأمة.. ، ومصالح الأمة، ومستقبل الأمة، وعزة الأمة وكرامتها، ..، الإمام علي يعرف أن من يعشق السلطة، أن من يعشق المنصب هو نفسه من يُمكن أن يُبقي مثل معاوية على الشام، هو نفسه من يمكن أن يبيع الدين الإسلامي، هو نفسه من يمكن أن يبيع الأمة بأكملها مقابل أن تسلم له ولايته، وأن يسلم له كُرسيه ومنصبه".

ومن يومها والأمة الإسلامية تعاني من هذه النوعية من الحُكام "هذه النوعية التي نراها ماثلة أمامنا على طول وعرض البلاد الإسلامية، لما كانوا من هذا النوع الذي لم يَتَلَقَّ درساً من علي عليه السلام الذي كان قدوة، يُمكن أن يحتذي به من يصل إلى السلطة، قدوة للآباء في التربية، قدوة للسلاطين في الحكم، قدوة للدعاة في الدعوة، قدوة للمعلمين في التعليم، قدوة للمجاهدين في ميادين القتال، قدوة لكل ما يمكن أن يستلهمهُ الإنسان من خير ومجد وعز، أولئك الذين لم يعيشوا هذه الروحية التي عاشها الإمام علي عليه السلام في اليوم الأول من خلافته، فأرى الجميع أن خلافته عنده لا تُساوي شِرَاكَ نعله إذا لم يُقِم حقاً ويُمت باطلاً".

ويعيد الشهيد القائد سلام الله عليه التساؤل: "ما قيمة دولة تُحكم باسم الإسلام، ويتربع زعيمها على رقاب المسلمين، ثم لا يكون همه أن يُحيي الحق ويُميت الباطل؟".

الجواب: "لا قيمة لها، ليس فقط لا قيمة لها، بل ستتحول قيمتها إلى شيء آخر، ستتحول الأمور إلى أن يكون قيمتها هو الدين، إلى أن يكون قيمتها هو الأمة، عندما نسمع زُعماء العرب، زُعماء المسلمين كلهم يُسرعون إلى الموافقة على أن تكون أميركا حليفة، وأن تكون هي من يَتَزَعَّم الحلف لمحاربة ما يُسمى بالإرهاب، وعندما نراهم جميعاً يُعلنون وقوفهم مع أميركا في مكافحة ما يسمونه بالإرهاب؛ لأنهم جميعاً يعشقون السلطة، لأنهم جميعاً يحرصون على البقاء في مناصبهم مهما كان الثمن، لكنهم لا يمكن أن يُصرحوا بهذا، هم يقولون: من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار، من أجل الحفاظ على مصلحة الوطن!، أو يقولون: خوفاً من العصا الغليظة، العبارة الجديدة التي سمعناها من البعض: الخوف من العصا الغليظة!، وأي عصا أغلظ من عصا الله، من جهنم، ومن الخزي في الدنيا؟".

لهذا أراد الإمام علي عليه السلام "أن يُعَلِّم كل من يُمكن أن يصل إلى موقع السلطة في هذه الأمة أنه لا يجوز بحالٍ أن تكون ممن يعشق المنصب؛ لأنك إذا عشقت المنصب ستُضحي بكل شيء في سبيله، وألا تخاف من شيء أبداً، فإذا ما خفت من غير الله، فسترى كل شيء مهما كان صغيراً أو كبيراً يبدو عصاً غليظة أمامك".

إذن فمن قتل الحسين عليه السلام هو من سمح لمعاوية ويزيد وأمثالهم من عُشاق السلطة بالتحكم في رقاب المسلمين باسم الإسلام، إنها "الانحرافات الأولى"، بدءاً بـ "السقيفة" وما تلاها، والتي لازالت الأمة تُعاني من ويلاتها إلى اليوم، نقولها بصراحة رغم مرارتها.

ذلك هو واقع حال المسلمين، وما شهدته الامة الإسلامية من مجازر وصراعات وضعف وتقزم وشتات هو نتاج طبيعي لتلك "الانحرافات"، وما عداها فكلام مردود وممجوج وأحاجي واهية ومتهافتة، وأمة لا تستفيد من أخطاء ماضيها، وتعمل على تلافيها، وتُعيد الحق إلى نصابه، لن تُشفَ من عثرتها، ولن ترى نور الهداية والحق والعزة والكرامة.

السلام على الحسين وأولاد الحسين وأصحاب الحسين، السلام عليك يا أبا عبدالله يوم وُلدت فكان ميلادك بذرة لصدق العقيدة، ويوم استشهدت فكان استشهادك بعثاً لتلك النفوس الميتة، لتحلق في سماء العز والفضيلة، ويوم تُبعثُ حياً ليجزيك ربك جزاء تضحيتك العظيمة، والتي جحدتها الأمة، ولم تعرف حقها، فجئتها غريباً، وعشت معها غريباً، ورحلت عنها غريباً، فطوبى للغرباء.

السبت، 10 يونيو 2023

البهائية وعقائدها الماسونية المسمومة


مركز البحوث والمعلومات: زيد المحبشي، 10 يونيو 2023


البهائية واحدة من صنائع الاستعمار الصليبي بمختلف مسمياته ومراحله التاريخية، وأحد السهام المسمومة للصهيونية والماسونية العالمية، وإحدى أدوات الغزو الفكري القذرة لمحاربة وتشويه الاسلام، وطمس معالم المسلمين، وإضعافهم، وبث الفُرقة والانقسام والبلبلة في أوساطهم، وسلخهم وإبعادهم عن عقيدتهم.

وهي ديانة وضعية مُختلقة تدعي أن لها نبيها وطقوسها ومُعتقداتها الخاصة بها، والمُتأمل في تلك المعتقدات والطقوس يجد أنها مجرد استنساخ شائه لما حفلت به اليهودية الصهيونية والماسونية من هرطقات وسموم استعمارية تضليلية إفسادية، وكلها تندرج تحت مظلة ما يُسمى بـ "الحرب الناعمة"، وهذه الحرب من أكثر أنواع الحروب قذارة وبشاعة وتدميراً وإفساداً، لأن أسلحتها عادةً ما تكون خفية ومُتسترة بشعارات إنسانية وحقوقية خادعة، وهو ما نحاول الوقوف عليه في هذه القراءة، لتعريف أجيالنا بمدى خطورة هكذا نوع من الجماعات التي باعت نفسها ودينها وأوطانها للشيطان والمستعمرين.  


محافل سرية خُنفشارية:


تنتظم البهائية في الدول التي تنتشر فيها تحت مُسميات وهيئات ومحافل سرية، وتتخفّى وراء قائمة طويلة من المنظمات التي غالباً ما تُمارس أعمالها تحت عناوين إنسانية وحقوقية براقة، بينما هي مجرد غطاء للتبشير والتجسس خدمة للصهيونية والماسونية وقوى الاستعمار الإمبريالي.

بعد هلاك قادتها المُؤسسين، قررت الصهيونية العالمية في العام 1963 تشكيل مجلس إداري أعلى يقودها على مستوى العالم، ويُنظم شؤونها، أسموه "بيت العدل الأعظم" يقع مقره الرئيسي على سفح جبل "الكرمل" في ميناء "حيفا" بفلسطين المُحتلة، يضم 9 أعضاء، يتم انتخابهم كل 5 سنوات، تتبعه مجالس مُنتخبة على المستويات المحلية والوطنية والدولية تُسمى "محافل"، وهذه المجالس تنتخب "بيت العدل"، وهو أعلى سلطة إدارية وروحية ومرجعية عالمية لهذه الفرقة الضالة، ويعتبره أنعام الأتباع هيئة معصومة ومُؤيدة من قبل الله، أُذِن لها بالتّشريع فيما ليس مذكوراً في كتب المدعو الدعي "بهاء الله" وألواحه أو في كتابات ولده الدعي "عبدالبهاء"، وتشريعاته نصوص مُقدسة بحسب زعمهم.


فِرية الألوهية والحلولية:


انفردت البهائية عن غيرها من الأديان الوضعية المنحرفة بادعاء ألوهية الفرد ووحدة الوجود والحلول، وعدم الفصل بين اللاهوت والناسوت، وإدعى شيطانها الماسوني النجس "بهاء الله"، حلول الله في بعض خلقه، وتجمُّع الله والرُسل والأنبياء في شخصه، وأنه وسيطٌ بين الناس والخالق، وتجلِّي الله للخلق في هيكله المرئي، وحلوله فيه، وتكلُّمه معهم بلغة بشرية.

وذهب الشيطان البهائي إلى أن الناس عرفت الله من خلاله لأول مرة، وليس من خلال آيات الله المبثوثة في الكون، وأنه من يتولى مهمة محاكمة الخلق يوم التناصف، وأن له كل صفات وأفعال وأسماء الله، وليس لله ذلك، مُتذرِّعاً بأنه لكي يُعرف الله ويراه ويشاهده الناس لا بد من هيكل وجسم يحِل ويتجسّد فيه، وبعد التجسُّد تستطيع الحقيقة الإلهية منح هذا الجسد كل صفات الكمال من القدرة والهيمنة ليمارس عمليات الخلق، والرزق، والإحياء، والإماتة، وبالتالي فظهوره هو ظهور الله، ووجهه وجه الله، ومشيئته مشيئة الله، وإرادته إرادة الله، وجميع صفاته وأسمائه هي بعينها صفات وأسماء الله، ومعرفته هي معرفة الله، وتكذيبه تكذيب لله ذاته، لذا فهو يستحق العبادة دون سواه والعياذ بالله.

 وإدعى بوضوح لا لبس فيه كما هو مدونٌ في كُتبه بأنه "الله"، وأنه خالق السماوات والأرض، وأن المُهمة الكُبرى لرُسل الله كموسى وعيسى ومحمد هي التبشير بظهور الله في جسده، تماماً كما زعم النصارى في ادعائهم بأن مُهمة الرُسل السابقين لعيسى عليه السلام التبشير بحلول الله في جسد عيسى، ولذلك سمّى البهائي الدجال نفسه "مظهر الله"، واستدل أتباعه على ألوهيته بنفس استدلالات النصارى على ألوهية عيسى، وأدعو أنه ابن الله.

وأنكر حقيقة الملائكة والجن والجنة والنار والبعث والنشور والعذاب والثواب ويوم القيامة والحياة الآخرة بعد الموت، وقال بتناسخ الكائنات، ورأى أن الثواب والعقاب يقع على الأرواح فقط، وفسّر القيامة بظهوره، وادعى أن الحياة الآخرة هي المدة بين نبي الله "محمد" صلى الله عليه وآله وسلم والمسيخ الشيرازي "الباب".

ومن خزعبلات هذه الفرقة المارقة أن الحساب يوم القيامة يكون بالفصل بين المؤمنين بالبهاء الدجال والرافضين له، وعدوا الرافضين له كافرين ومطرودين من رحمته، و"الجنة" هي الحياة الروحية البهائية والإيمان بأن "البهاء" رب السموات والأرض.

وذهبوا إلى أن عجلهم  الوحيد القادر على فهم ومعرفة رموز الكتب الإلهية، لعجز أنبياء الله ورُسله عن ذلك، وأي فرية أعظم من هذه، و"أبواب الجنة" هي كِبار أتباع "الباب" الشيرازي، والنار الموت الروحاني، ورؤية الله هي رؤية الجسد الذي حلت فيه روح الله كما أسلفنا، ولقاء الله هو لقاء البهاء، والملائكة هي أئمة البهائية، وملائكة النار المشار اليهم في الآية 30 من سورة المدثر: "عليها تسعة عشر"، هم الـ 19 رجلاً الذين كفروا بالبهاء واتبعوا أخيه غير الشقيق "يحيى صُبح الأزل"، و"الدجال" هو أخيه "يحيى"، وعش رجباً ترى عجباً.

والرد على أكاذيب هذه الفرقة المارقة وتفنيدها مبسوطٌ في كتب علماء المسلمين من سنة وشيعة، وغرضنا هنا هو توضيح أكاذيب هذه الفرقة الشيطانية لا الرد عليها، لكي يعرف الناس مدى خطورتها، ومن يُنكر الله ويُنصِّب نفسه إلهاً للناس من دون الله، ويدعي رؤية الله ويُجسِّمه ويُشبهه بخلقه ويجعله مجرد موظف عنده والعياذ بالله، فكل أكاذيبه باطلة وساقطة ولا تستحق الرد، لأن في ذلك إعلاءٌ لها ورفع لشأن دعِّيِها.


أكذوبة النبوة المفتوحة:


لم تكتفِ البهائية بادعاء الربوبية لعجلها النجس، بل ووصل بها الفجور للادعاء بأن رسول الله "محمد بن عبدالله" صلى الله عليه وآله وسلم، ليس خاتم الأنبياء والمرسلين، والإسلام ليس الدين الخاتم، وأنه لا بُد من استمرار ظهورُ الرُسل الإلهيين كل ألف سنة لتعليم البشرية كيفية الاستمرار فيما أسموه "حضارة دائمة التقدم"، ومن يدعِ النبوة قبل تمام الألف عام بعد ظهور "البهاء" فهو كذّابٌ مُفترٍ، متجاهلين أن رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين، كما بشر الأنبياء والمرسلين من قبله، ونص الله على ذلك في كتابه، وأنه لا نبي بعده، وأن الإسلام الدين الخاتم لكل الأديان الإلهية، ولا دين بعده.

ومن هرطقاتهم، إنكار المُعجزات التي أيّد الله بها الأنبياء والمُرسلين، وتخصيصهم نبيهم الكذاب وعجلهم البهائي بها، واعتبروا ذلك مزية تكريمية، وادعوا بأنه يُوحى إليه، وأصبغوا عليه صفة القداسة والعصمة، وذهبوا إلى أن ظهور شيخه الخنزبي "الباب" الشيرازي في العام 1844 كان بداية لعصر جديد نضج فيه الجنس البشري روحياً.

وإدعى "بهاء الله" أنه المسيح المُخلِّص الثالث الذي ادعت اليهود ظهوره في أخر الزمان من أولاد داوود عليه السلام، ووافق النصارى في الإيمان بصلب المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، وقال بنبوة "بوذا" و"كونفوشيوس" و"براهما" و"زرادشت" وغيرهم من حكماء الهند والصين والفرس. 

ومن المضحكات أيضاً ادعاء "الباب" أنه حاجب المهدي المُنتظر والمُوصل إليه، ثم تراجعه وادعائه المهدوية، ثم النبوة وأطلق على نفسه لقب "باب الدين"، وزعم أن الوصول إلى الله لا يكون إلا من باب النبوة، وبعدها بفترة وجيزة زيّن له شيطانه الماسوني ادعاء مكانة أرفع من مكانة الأنبياء هي "الألوهية"، وأطلق على نفسه لقب "النُقطة"، وتعني انبثاق الحق، ورأى أتباعه أنه أعظم وأجل مقاماً من جميع الرُسل، وأن ما يُوحى إليه من دين أتم وأكمل من كل وحي ودين سابق.

ومن أكاذيبهم الممجوجة ادعاء استمرارية الوحي بعد وفاة رسول الله "محمد بن عبدالله" صلى الله عليه وآله وسلم، وإنكار ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، وذهبوا إلى أن المقصود بـ "خاتم النبيين"، هو "زينة وخير الأنبياء"، كالخاتم يُزِّين الإصبع، وليس أخر الأنبياء.


إلغاء الشريعة الإسلامية:


إدعى الدجال "بهاء الله" أن ظهوره ألغى الإسلام والشريعة الإسلامية، وأن كتابه "الأقدس" ناسخ لجميع الكتب السماوية، وأن الكتب السماوية "التوراة، الإنجيل، القرآن" لم يفهم الأنبياء معانيها لضعف عقولهم، وأنه الوحيد الذي فسّرها بصورة صحيحة، وأن الأنبياء اُختصوا بالتنزيل، وهو مُختصٌ بالتأويل، وزعم أن تفاسير العلماء للكتب الإلهية بما فيها القرآن تافهة، باردة، عقيمة، جامدة، بل مُضلة مُبعدة مُفسدة.

وكتابه "الأقدس" مزيجٌ من عقائد ومذاهب ديانات الهند القديمة، والصين، وفارس، واعتقادات الفلاسفة، والماسونية، والصهيونية.

 ووصف الدجال "البهائي" المسلمين بـ "الهمج الرعاع"، وادعى أنه وجماعته الموحدون الوحيدون بين الأمم، ومن لم يؤمن بما يؤمنون به فهو مشركٌ، مطرودٌ من رحمته.


واختلقوا عبادات خاصة بهم، منها على سبيل المثال لا الحصر:


1 - الصلاة:


حددوا 3 صلوات كبرى وصغرى ووسطى بتسع ركعات، كل صلاة 3 ركعات، تتوزع على الصباح والظهر والليل، وأيٍ منها تُغني عن الأخرى، وعلى الفرد اختيار أحدها.

تُودى صلاتهم بصورة فردية في البيوت، وقبلتهم ليس مكة المكرمة بل قبر عجلهم "بهاء الله" في "عكا"، يسبقها وضوءٌ بـ "ماء الورد"، وهذا الماء عند المسلمين لا يجوز الوضوء به، لأنه طاهرٌ في نفسه غير مُطهرٍ لغيره، ومن لم يجده فعليه الترديد خمساً "بسم الله الأطهر الأطهر".

وألغوا صلاة الجمعة، وأجازوا الجماعة في صلاة الميت فقط، وغايتهم من إبطال صلاة الجماعة تفريق وتشتيت المسلمين، وهذه واحدة من أهم أهداف الصهيونية العالمية إلى جانب إبعاد المسلمين عن القرآن الكريم وإبطال صلاة الجمعة.


2 - الصوم:


استنوا لهم صياماً خاصاً، ودعوا أتباعهم لصيام 19 يوماً في الشهر الأخير من السنة البهائية، وتحديداً خلال الفترة "2 - 20 مارس"، واختتامه بما أسموه "عيد النوروز"، وهو "العيد الأعلى" لديهم.

والصيام لديهم محصورٌ في الامتناع عن الأكل والشرب فقط من الصباح إلى المغرب، وأباحوا نكاح الزوجات أثناء الصيام.

ويبدأ تقويمهم من عام ظهور "الباب" 1844، وبداية سنتهم الجديدة 21 مارس، وهي مكونة من 19 شهراً، كل منها 19 يوماً.

في اليوم الأول من كل شهر يحتفلون بما يُسمى "عيد التاسع عشر"، ورقم 19 من الأرقام المُقدسة عندهم، وفي الفترة "21 أبريل - 2 مايو" يحتفلون بـ" عيد الرضوان"، وينتخبون خلاله قيادتهم المركزية العالمية "بيت العدل الأعظم"، ولهم 9 أيام مُقدسة، ترتبط بحياة "الباب" و"بهاء الله" و"عبدالبهاء"، يتوقفون فيها عن العمل.


3 - الحج:


حرموا الحج إلى "مكة" المكرمة، وأوصوا بهدم بيت الله الحرام عند ظهور "المقتدر" من أتباعهم، وأوجبوا الحج إلى المركز العالمي لهم في مدينتي "عكا" و"حيفا" بفلسطين المحتلة، تضم الأولى ضريح "بهاء الله" والثانية ضريح " الباب"، إلى جانب الدار التي وُلد فيها "الباب" بشيراز، والتي نزل بها "البهاء" في العراق، والحج عندهم لمن استطاع، ومتى أراد من أيام السنة.


هدم الأسرة:


لم يُغفل فكرهم الماسوني الشيطاني الأسرة، لأنها أهم لبنة في بناء المجتمعات، وحفظها من منزلقات الرذائل يعني خلق مجتمع فاضل قوي، وهذا لا يتماشَ مع أهداف قوى الاستعمار "الصهيو - ماسوني"، لذا حرص كلبهم الماسوني البهائي على وضع التعليمات الكفيلة بتدمير وتحطيم الأسرة، فأفتى بحرمة زواج الرجل بزوجة الأب، وأباح له ما دون ذلك من أخوات وخالات وعمات، ووصلت به الوقاحة لإجازة زواج الرجل بأم الأم وابنة الأُخت والأخ.

وحرّموا لبس المرأة الحجاب تحت مُبررات ما أنزل الله بها من سلطان، ودعوا للسفور والفجور، وشيوعية النساء والأموال، وإطلاق العلاقات الكاملة بين الجنسين من دون حدودٍ ولا قيود، بما في ذلك إجازة المثلية، واعتبارها تحضُّراً ورُقياً، في مسعى شيطاني لهدم كل القيم والأخلاق والنواميس، ونقل البشرية لحياة الإباحية البهيمية.

وادعت هذه الطائفة القميئة أن كل شيئٍ طاهرٌ بما في ذلك "ماء النطفة" رحمة من بهائهم الدجال على البرية، ولذا فالاغتسال من الجنابة، والتطهُر من النجاسة المُغلّظة والمُخففة بكل أنواعهما رجس من عمل الشيطان، فمن آمن بالبهائية فقد طهُر حد زعمهم أقماهم الله.

وأجازوا الاستماع للأغاني بأنواعها، وعدّوا ذلك عبادة، واستخدام الذهب كأواني للأكل.

وأباحوا الخمور وأكل لحم الخنزير، وأمروا بإلغاء أصول الذبح الإسلامية.


إلغاء الأديان:


يرى الدجال البهائي أن التمسك بالأديان وعدم تبديل الشرائع مرضٌ عام، ووباء، وأن الاعتقاد بأبدية الشرائع والأديان من المصائب الكُبرى التي اُبتليت بها الأمم الماضية، داعياً لوحدة الأديان والشرائع والإنسانية تحت راية ديانته المزعومة، وهذه واحدةٌ من أبرز أفكار الماسونية العالمية، واليهودي القديمة.

وبعد رحيله نادى ابنه الدجال "عبدالبهاء" بجمع كل الأديان السماوية على أصول نواميس موسى عليه السلام، واتهم المسلمين باضطهاد اليهود وقتل الكثير منهم وإحراق منازلهم ونهب أموالهم وأسر أطفالهم، وإدعى أن أباه "بهاء الله" هو المُجدد لدعوة بني إسرائيل والمسيح. 

وبالمجمل فالغاية من هكذا تقولات تهيئة الساحة العربية والإسلامية لمخططات استبدال الشريعة الإسلامية بالعلمانية، وجعل الأخيرة ديناً عالمياً.

وقد سمعنا خلال العام 2004 وما صاحبه من تباشير إنجيلية "صهيو – أميركية" بولادة "شرق أوسط جديد" تحت الراية الصهيونية، سُرعان ما تحطمت أحلامهم الشيطانية على صخرة المقاومة اللبنانية، والخطير في تلك المحاولة العبثية ظهور ما أسمته الماسونية العالمية "الفرقان الحق"، وعدّته كتاباً مُقدساً عالمياً تجمع نصوصه "القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل"، مصحوباً بادعاءات كذاب البهائية الأشر بأن التوراة والإنجيل غير محرّفة، وكتبنا عن خطورة ذلك المنحى الشيطاني يومها مقالاً مطولاً في صحيفة "الأمة" المحلية تحت عنوان "الإسلام في قفص الاتهام"، وضحنا فيه كيف انخدع العديد من أبناء الإسلام في المشرق العربي بذلك الكتاب، وخصوصاً في أوساط الطبقات التي تدعي الانفتاح المنفلت، ولم تتورع يومها بعض صحف دول الخليج العربي عن نشر نصوص ذلك الكتاب المسخ، ولا زال العمل جاري، لجعله واقعاً عالمياً انطلاقاً من المشرق العربي.


هدم الأوطان واللغات القومية:


من أفكارهم المسمومة أيضاً إلغاء فكرة "الأوطان" تحت دعوى فكرة "الوطن العام"، والدعوة إلى وحدة "اللغة"، واستخدام لغة عالمية مُوحدة، تكون "لغة الأمم"، أسموها "النوراء": "يا قلمي الأعلى، بدِّل الفُصحى باللغة النوراء".

وغايتهم من ذلك ترك الناس لغة القرآن الكريم "العربية"، من أجل إضعاف الصلة بين المسلمين و"الأممية"، وهذه واحدة من أهم أهداف ومُخططات الماسونية الخادعة لفصل الأمم عن تراثها وتاريخها وحضارتها، وإلغاء شخصيتها وكينونتها، والقضاء على مقوماتها، وبخاصة الأمة الإسلامية حتى يسهُل على المستعمرين إخضاعها والسيطرة عليها، وصولاً إلى شرعنة الوجود الصهيوني في فلسطين المحتلة، وتقبُّل العرب التعامل معهم كواقع، وتطبيع العلاقات معهم، وجعلهم جُزءاً من المنظومة العربية، وواسطة العقد فيها، ومركز قرارها.

ولهذه الغاية الشيطانية حرص أدعياء البهائية ومُهرطقيها على تحريم الجهاد وإلغاء هذه الفريضة المقدسة، واعتبر كذابها الأعظم "بهاء الله" محو الجهاد من القرآن بشارته الأولى للأمة، وإدعى أن العذاب هو اشتغال أصحاب الشرائع بالصلاة والصوم والحج والجهاد: "لأن تُقتَلوا خيرٌ من أن تَقتُلوا".

وهدفهم من ذلك تحريم حمل السلاح ضد الكيان الصهيوني الغاصب، والعربدة الأميركية في المشرق العربي، والغزاة والمحتلين والمستعمرين بمختلف ألوانهم ومسمياتهم، والتسليم والطاعة والانقياد للحُكام الظلمة وتحريم الخروج عليهم، وتشويه صورة الإسلام الحنيف، وبلبلة أفكار المسلمين، وزعزعة عقائدهم، وبث السموم لتوهين الثوابت في نفوسهم.

وفي هذا تأكيدٌ واضحٌ وجليٌ على صلتهم بالصهيونية والماسونية العالمية، وعملهم على تهيئة العالم الإسلامي ليقع تحت سيطرة الاستعمار والاحتلال، وإحلال العلمانية محل الإسلام، والخضوع لكل حاكم ولو كان ظالماً أو مستعمراً أجنبياً، ويلتقون في ذلك مع أقتام القاديانية والوهابية.

لهذا لا عجب من إجماع الأحرار من علماء ومفكري السنة والشيعة على وجوب التصدي لهذه الفرقة المارقة، والرد عليها، وتفنيد أباطيلها، واعتبارها مُرتدة وخارجة عن رقبة الإسلام، والحكم بنجاستها وضلالها. 


المراجع:


1 - أحمد عامر متولي عامر، النِحل الوضعية المعاصرة وعلاقتها بالصهيونية "البهائية نموذجاً"، ملف بي دي إف.

2 - أسامة شحادة، البهائية حصان طروادة لإسرائيل، موقع عمون، 14 أبريل 2012.

3 - د. خالد السيوطي، البهائية وعلاقتها بالصهيونية وقيام دولة إسرائيل، مركز القائمية للبحوث والتحريات الكمبيوترية، أصفهان، طبعة 2007.

4 - عبدالرحمن الوكيل، البهائية تاريخها وعقيدتها وصلتها بالباطنية والصهيونية، دار المدني للطباعة والنشر والتوزيع - مصر، الطبعة الثانية 1986.

5 - فراس خطيب، البهائية دين بلا سياسة، الأخبار اللبنانية، 26 يوليو 2007.

6 - وليد بدران، ما هي الديانة البهائية ومن هم البهائيون؟، بي بي سي البريطانية، 3 مارس 2018.

7 - المكتبة الشاملة، البابية والبهائية ليسوا مسلمين.

8 - الموسوعة العريقة.

الخميس، 8 يونيو 2023

البهائية نبتة شيطانية بقفازات صهيونية



مركز البحوث والمعلومات: زيد المحبشي، 8 يونيو 2023

 

عبادة وتأليه الإنسان من الكوارث التي مُنيت بها البشرية في تاريخها العريض، وليست "البهائية" بالنشاز عن ذلك التاريخ الشائه لعبدة البشر، لذا لا تندهش إذا زرت أحد أتباعها ووجدت على جدران منزله لوحاً مبروزاً مكتوباً عليه "بهاء يا إلهي"، فأتباع هذه الديانة الشيطانية يعتقدون بأن مُؤسسها مهدياً ونبياً وإلهاً.

بدأت البذرة الأولى لهذه الديانة الوضعية المسخ في إيران، وانتهى بها المطاف إلى أحضان اليهود في عكا وحيفا، وهناك حصلت على الرعاية والحماية من الصهيونية العالمية، التي وجدت فيها ضالتها المنشودة، ومنها انتشرت إلى أنحاء العالم، وأصبح لها في كل قارة مركزاً ومجمعاً بهائياً ومُريدين، وصار قبر مؤسسها في فلسطين المحتلة مزاراً يحج إليه الأتباع الأنعام من أنحاء المعمورة، ويتوجهون إليه في صلاتهم.

ارتبط قادتها بعلاقات وثيقة مع أعداء العالم الإسلامي، وفي مقدمتهم الإنجليز والفرنسيين والروس واليهود، وأعلنوا مساندة الإنجليز لإقامة دولة لليهود في فلسطين المحتلة، وادعى مؤسسها في إحدى نبوءاته الشيطانية تجمع اليهود في فلسطين المحتلة وإقامة دولة لهم هناك، وأحقيتهم في القدس السليبة.

وقد سبق للسيد "عبدالملك الحوثي" التحذير من هذه الحركة، في أكثر من مناسبة وأسماها بـ "الوافد الشيطاني":

"اليوم استجد في ساحتنا اليمنية نشاط جديد يأتي ضمن الحرب التي تستهدفنا في المبادئ والمفاهيم والانتماء الكلي للإسلام، هو نشاط البهائية، تحرك هذا الوافد الشيطاني إلى بلدنا يطعن في الإسلام بكل صراحة ووضوح، ويشن حرباً فكرية تضليلية ضد الإسلام كدين، ويسعى إلى إقناع البعض بالخروج والارتداد عن الإسلام، والكفر بالإسلام، ويلقى هذا النشاط اهتماماً ورعاية ودعماً ومساندة من الغرب".

وأكد رضوان الله عليه بأن نشاط هذه الحركة وانطلاقتها ومنبعها من مدينة "عكا" في فلسطين المحتلة، ونالت رعاية صهيونية كاملة:

"إسرائيل تحتضن وترعى هذا التحرك، تُؤمِّن في هذا التحرك الحرية الكاملة لينطلق من هناك، من داخل هذه الرعاية الإسرائيلية إلى بقية العالم،..، هذا ضمن الحرب الناعمة، هذا استهداف عدواني يشتغل ضد الإسلام لإخراج الأمة من الإسلام والكفر به".

وكشف عن وجود مخططات أميركية وغربية لتهيئة البيئة العربية والإسلامية لهكذا حركات ظلامية:

"الأميركيين والغرب يضغطون على الأنظمة العربية والإسلامية لتغيير القوانين المُستمدة من الشريعة الإسلامية، من أجل صُنع بيئة مفتوحة للجرائم من دون أي عائق، ويقومون بنشر الدعوات والمذاهب غير الإسلامية ودعمها، مثل البهائية والأحمدية والإبراهيمية، من أجل تضليل المجتمع الإسلامي.

البهائية، الأحمدية، ديانات أخرى غريبة على مجتمعاتنا، مخالفة للإسلام، ثم يحاولون أن يفرضوا لها حقوقاً، ما يسمونه هم بالحقوق السياسية وغيرها، ثم يمنعون سيادة الإسلام؛ بحُجة أن هذا البلد فيه أديان مُتعددة، لا يمكن أن يبقَ الإسلام سائداً فيه، وهذه طريقة شيطانية، وغير مقبولة، وغير مُنصفة أصلاً؛ إنما هي من محاربتهم للإسلام".

فما هي عقائد البهائية وشرائعهم وأهدافهم ومخططاتهم؟ وما هو خطرهم على الإسلام والمسلمين؟ وما سر تبني الصهيونية العالمية والقوى الاستعمارية لهم منذ نشأتهم؟

هذا ما سنحاول مقاربته في قراءتين متتابعتين، نُسلط الضوء في الأولى على سياقاتها التاريخية وعلاقاتها المشبوهة مع القوى الاستعمارية والصهيونية العالمية، وأماكن تواجدها في العالم واليمن، ونتناول في الثانية مكوناتها التنظيمية، وعقائدها وأفكارها الماسونية المسمومة، وخطرها على الإسلام والمسلمين.

 

تاريخ أسود:

 

لا يمكن الحديث عن "البهائية" دون الحديث عن "البابية"، فالأخيرة مُقدِمة للأولى، وكلاهما من الفرق الخارجة عن الإسلام عقائدياً وتشريعاً، وكلاهما له نفس الأهداف والأفكار الهدامة وإن اختلفت مسمياتهما فالغاية والأهداف واحدة، وكلاهما مجرد مطية رخيصة للقوى الاستعمارية والصهيونية العالمية.

 

أولا: البابية:

 

أطلق التاجر بمدينة "شيراز" الإيرانية الميرزا "علي محمد رضا الشيرازي"، "20 أكتوبر 1819 - 9 يوليو 1850"، في 22 - 23 يوليو 1844، على نفسه لقب "الباب" - والباب تعني المتحدث الرسمي باسم المهدي المُنتظر وسكرتيره أو حاجبه - وأعلن ديناً جديداً أسماه "البابية"، وعمل على تحضير أتباعه لقدوم رسول إلهي بحسب زعمه، يُعرف باسم "بهاء الله"، ودعا إلى نظام قائم بذاته من المعتقدات والقيم، ولم يكتفِ باسم حاجب المهدي، بل ادعى لنفسه المهدوية، مستغلاً فكرة اختفاء المهدي المنتظر "محمد بن الحسن العسكري" عند إخواننا الجعفرية، وقال أن ظهوره أتى بعد اختفاء "العسكري" بألف سنة، مُدعياً ضرورة ظهور مُجدد رأس كل ألف سنة، وأصبغ على نفسه صفة القداسة والعصمة والألوهية.

أثار ادعائه الاضطراب في أوساط المجتمع الإيراني، فأمرت السلطات بإعدامه رمياً بالرصاص إخماداً للفتنة التي أثارها، وتم التنفيذ في العام 1850 بمدينة "تبريز"، والمضحك أنه بعد علمه بصدور الحكم سارع لإعلان توبته والنطق بالشهادتين والتبرؤ من "البابية".

وفي العام 1909، نُقلت جثته سراً إلى مدينة "حيفا" الفلسطينية بمساعدة اليهود، وأُقام أتباعه في العام 1953 حول قبره معبداً ومقاماً وقبة صفراء.

ويتحدث المؤرخون أن والده من جذور يهودية، أخفى نسبه ودينه، وادعى أن اسمه "محمد الشيرازي"، ولا عجب فقد سبق لمُؤسس الدولة السعودية الأولى "محمد بن سعود" ومُؤسس الحركة الوهابية "محمد بن عبدالوهاب"، إخفاء نسبهم اليهودي والتسمّي بأسماء عربية، وكلهم خرجوا من مشكاة واحدة، وكانت الغاية من زرعهم في جسد الأمة العربية والإسلامية تشويه الإسلام والقضاء عليه، وتهيئة بلاد الإسلام للقوى الاستعمارية، وشرعنة الوجود الصهيوني في فلسطين المحتلة.

استغل الروس ظهوره فسارعوا لاحتوائه وتدجينه، وأوكلوا المُهمة لأحد ضباطهم في سفارتهم بطهران يُدعى "كيتاز دالغوركي"، كما استغل الإنجليز "محمد بن عبدالوهاب" وأوكلوا مهمة احتوائه وتدجينه لأحد ضباط وزارة المستعمرات البريطانية يُدعى "المستر همفر".

 

ثانياً: البهائية:

 

بعد مقتل "الباب" لم تنتهِ حركتها، بل عاودت الظهور في ثوب جديد هو "البهائية"، على يد أحد طلابه هو الميرزا "حسين علي بن عباس بزرك النوري المازندراني"، "12 نوفمبر 1817 - 29 مايو 1892 "، مُدعياً في العام 1852، أنه "الرسول" الذي بشّر به "الباب"، وفي العام 1863 أطلق على نفسه لقب "بهاء الله"، وعلى ديانته مُسمى "البهائية".

وهو من طبقة النبلاء الأثرياء في مدينة "طهران"، سُجن عدة سنوات، ثم أُطلق سراحه، ونُفي مع عائلته إلى بغداد، وفي بغداد ضغط علماء الدين على سلطات الاحتلال العثماني لإخراجه من بلادهم بعد أن كثُرت أباطيله، فانتقل إلى "القسطنطينية" "إسطنبول حالياً"، ثم مدينة "أدريانوبل" المجاورة "أدرنة حالياً"، وفي العام 1868، نُفي للمرة الرابعة والأخيرة إلى "عكا" في فلسطين، فاستقبله اليهود بحفاوة، وأغدقوا عليه الأموال، وأحاطوه بالرعاية والحماية، وسهّلوا له الحركة، وهناك تفرّغ لنشر دعوته، وكسب الأنصار والأتباع.

وأبطل شرعية "الباب" بعد أن ادعى مواصلة مسيرته من حيث انتهى، وزعم أن "الباب" لم يكن إلا نبياً مهمته التبشير بظهوره.

أُصيب في آخر حياته بمرض عُضال، فقرر ابنه "عباس"، حبسه حتى لا يراه الناس، وتحدث باسمه إلى أن هلك في العام 1892، ودُفن في ضريح، ما يزال الوجهة الرئيسية للحجاج البهائيين كأقدس مكان لهم، ومن يومها أضحت "عكا" مقراً دائماً لأتباعه، ومكاناً مُقدساً لهم.

كان له أخٌ غير شقيق يصغُره سناً هو "يحيى صبح الأزل"، وكلاهما من طلاب "الباب"، وساد الاعتقاد بين أتباع "البابية" أن زعيمهم أوصى بالخلافة من بعده لـ "يحيى"، واستغل "بهاء الله" ذلك، فقرر الدعوة لأخيه، وبعد وقتٍ قصير خلعه ودعا لنفسه، وانقسمت جماعتهم إلى "أزلية" و"بهائية"، وامتد الصراع والانقسام إلى أولاد "بهاء الله" وأحفاده، فتدخلت الصهيونية العالمية في العام 1963 وجمعتهم تحت مظلة مجلس قيادي موحّد أسمته "بيت العدل الأعظم".

تولى القيادة بعد هلاك "بهاء الله" ابنه "عباس أفندي"، وأطلق على نفسه لقب "عبدالبهاء" و"الغصن الأعظم"، "1844- 28 نوفمبر 1921"، وسُجن مُعظم حياته، وأطلق سراحه في العام 1908، وفي الفترة "1911 - 1913" قرر التجوال في أوربا وأميركا الشمالية لنشر ديانته.

لم يعتبره أتباعه نبياً كوالده و"الباب"، بل مَثَل أعلى للكيفية التي يجب على البهائيين التصرف بها، وادعوا أن والده كان يُوحى إليه وأن الله حلّ في جسده وتجلّى للخلق من خلاله، وأن كل أفعاله وأقواله لها قوة كلام وأفعال "الله" كما يزعمون والعياذ بالله.

تولى بعده حفيده "شوقي أفندي"، وأطلق على نفسه لقب "ولي أمر الله"، "1897 - 1957".

 

علاقتهم باليهودية وقوى الاستعمار:

 

علاقة البهائية بالصهيونية وقوى الاستعمار قديمة وحميمة ووطيدة، فقد وجدت تلك القوى في هكذا حركات ظلامية غايتها المنشودة لتمرير وتنفيذ أجندتها الاستعمارية، ومع مرور الوقت صارت تلك الحركات واحدة من أهم أدوات الغزو الفكري والاستعمار "الصهيو - غربي" لبلاد الإسلام، كما وجدت البهائية ومن على شاكلتها من الحركات الضلالية كالأحمدية والقاديانية والوهابية وغيرها من الجماعات الخارجة عن الإسلام في قوى الاستعمار الحاضن والحامي والداعم والراعي لنشر وبث سمومها والطعن في دين الله الخاتم.

 

١ - الروس:

 

ربطت مُؤسس "البهائية"، "بهاء الله" وأسرته علاقة وطيدة بالروس وسفارتهم في طهران، ومنحه الروس اهتمام خاص، وسارع سفيرهم في طهران للتوسط من أجل الإفراج عنه بعد القبض عليه بتهمة التدبير لعملية اغتيال فاشلة لشاه إيران عقب مقتل "الباب"، وتم نفيه إلى العراق، ومنحته الحكومة القيصرية الروسية راتباً شهرياً، وتكفلت بالإشراف على حمل ديانته ووضعها ورضاعها، ورعايته، وهي لا تزال في مهدها.

 

2 - الإنجليز:

 

انتقلت حضانة وكفالة ورعاية "البهائية" بعد سقوط الحكومة القيصرية وانقطاع المساعدات الروسية إلى بريطانيا، بالتوازي مع رعاية وكفالة وحضانة بريطانيا للوهابية واليهود، ورداً للجميل لم يبخل البهائيون بالعمل على تمهيد الطريق لدخول الجيش الإنجليزي الغازي إلى فلسطين، وتقديم الأسرار لهم خلال الحرب العالمية الأولى، ومساعدتهم لإيجاد وطن بديل لليهود فيها وإقامة دولة ليهود العالم على أرضها الطاهرة، وتحولهم إلى جواسيس لخدمة مشاريع بريطانيا العظمى في المشرق العربي.

ولم يختلف الأمر كثيراً مع الأميركان وخصوصاً بعد سقوط نظام الشاه في إيران على يد الإمام "الخميني"، وفي هذا يقول رحمة الله عليه في حديث له بتاريخ 27 مايو 1983، رداً على دفاع الرئيس الأميركي "ريغان" في خطابٍ رسمي عن "البهائيين":

"إننا إذا كنا نفتقر إلى دليل يُثبت عمالة البهائيين وتجسسهم لأميركا، فإن دَعمَ ريغان لهؤلاء هو دليلٌ كافٍ على صحة أقوالنا".

ولا يستبعد قيام من تبقَ منهم في اليمن بممارسة نفس الدور خدمة لتحالف عدوان تحالف العاصفة، ولبعضهم علاقة وطيدة بالإمارات، وكانت مقراً لهم بعد نفيهم من جنوب اليمن في العام 1971، وعودتهم المشبوهة إلى اليمن في العام 2013، وحديث السيد "عبدالملك الحوثي" عن خطورتهم في العام 2018، على خلفية ضجة دولية مُفتعلة تتهم النظام الوطني الحر في صنعاء باضطهادهم، والمخجل أن تلك الأصوات الدولية المتباكية عليهم لم تنبس ببنت شفه لما يرتكبه تحالف عدوان العاصفة من جرائم في اليمن، والأكثر إثارة للسخرية التزامهم الصمت لما حصل لبهائية جنوب اليمن في سبعينيات القرن العشرين من تشريد ونفي.

 

3 - اليهود:

 

ساد التناغم والانسجام بين اليهود والبهائيين منذ بدايات ظهور الدعوة البابية الممهدة، وتوطدت في "أدرنة" التركية و"حيفا" و"عكا" الفلسطينية.

في العام 1868 استقبل اليهود "بهاء الله" بحفاوة ومدوه بالدعم والحماية والرعاية، وخالفوا فرمانات الباب العالي العثماني القاضية بفرض الإقامة الجبرية عليه، وأسكنوه قصراً عكاوياً يُعرف باسم "البهجة".

ودأب "البهائيون" على التبشير باجتماع اليهود في فلسطين، وإقامة دولتهم فيها، ولعبوا دوراً هاماً بالتعاون مع الإنجليز لتأسيس ودعم دولة كيان الاحتلال الصهيوني الغاصب، ومنحت الصهيونية العالمية المدعو "عباس أفندي" لقب "سير" وعدداً من الأوسمة الرفيعة في سنين الحرب العالمية الأولى، وتجول في أوربا وأميركا، واستضافته الكنيسة الإنجيلية والمحافل الماسونية والبيَع اليهودية، وشكل محافل بهائية في جميع أنحاء أوربا بمساعدة اليهود والمستعمرين، وبنى علاقات مع جمعية "تركيا الفتاة" التي تدعو إلى القومية "الطورانية"، وعُزلت فيما بعد السلطان "عبدالحميد".

واستقبل "عباس أفندي" بنفسه الجنرال "اللنبي" بعد سقوط فلسطين بحرارة، وحصل منه على وسام فارس الإمبراطورية البريطانية، وحضر المؤتمرات الصهيونية، ومنها مؤتمر "بال" عام 1911، وأيد حق اليهود التاريخي والديني المزعوم في أرض فلسطين المحتلة، وتنبأ ليهود فلسطين بمستقبل مشرق، وعندما مات سار في جنازته الحاكم الإنجليزي الصهيوني لمدينة القدس.

تولى أمر البهائية بعده ابن بنته "شوقي أفندي" وأطلق على نفسه "ولي أمر الله"، وعاش الآخر تحت رعاية الصهيونية، ونشطت حركته بعد قيام دولة كيان الاحتلال الصهيوني، وكتب في 30 يونيو 1948 إلى "بن غوريون" - أول رئيس وزراء للكيان اليهودي، يُعبِّر له عن أطيب تمنياته من أجل رفاهية الدولة الجديدة.

وبعد وفاته تولى زعامة البهائية يهودي أميركي يُدعى "ميسن ريمي" الشهير بـ "ميسون"، وهو ثاني يهودي يقودها.

ويتم معاملة أتباع البهائية في فلسطين المحتلة معاملة اليهود منذ قيام الكيان الصهيوني اللقيط، ويرعى الصهاينة معابدهم ومحافلهم ومراكزهم، وتُصان وتُدعم كما تُرعى المعابد والكُنس اليهودية، ويساند الإعلام اليهودي البهائية، ويبرزها على أنها حركة رائدة في مجال الفكر الإسلامي، وكتب العديد من المستشرقين اليهود عنها وأذاعوا عقائدها.

ويحرم البهائيون الجهاد وحمل السلاح ضد اليهود، ويدعون للسلام معهم، وتقبل الأمر الواقع على أرض فلسطين المحتلة، ويؤيدون تجمع يهود العالم في فلسطين، وادعوا أن ذلك مما جاء في العهد القديم، كما ادعوا أن الفترة التي قضاها "بهاء الله" في السجن والمنفى بلغت 40 عاماً، وهي نفس الفترة التي قضاها بنو إسرائيل في التيه بصحراء سيناء.

 

هويتهم العددية والجغرافية:

 

قدّرت دراسة نشرها مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية في يوليو 2021، عدد أتباعها في اليمن بنحو 2000 شخص، وعلى مستوى العالم "5 - 7" ملايين، موزعين على نحو 235 دولة، تستأثر الهند بأكبر مجتمع بهائي بواقع "1.7 - 2.3" مليون.

وتحدث الكتاب السنوي التابع لموسوعة "بريتانكا" لعام 1992 عن تواجدهم في 247 دولة ومقاطعة في العالم، مُعتبراً إياهم ثاني ديانة عالمية من ناحية الانتشار الجغرافي، ويُمثل أتباعها 2100 عرق وأقلية قبلية.

ويقدّر الكتاب السنوي لعام 2005 التابع لنفس الموسوعة اتباعها بــ 6 ملايين نسمة، بينما ذهبت بعض التقديرات أنهم بين "4 - 8" ملايين نسمة، والمؤكد أن عددهم في الوطن العربي قليل، لكن "الزوبعة" الدولية حولهم كبيرة لأهداف لم تعد خافية على أحد.

لهم تمثيل غير حكومي في منظمة الأمم المتحدة منذ بداية نشأتها، وفي الأوساط العلمية والدينية والاقتصادية في العالم.

في اليمن يدّعي أتباعها أن أول اتصال لهم كان في العام 1844 بمرور "الباب" " بميناء "المخا" أثناء ذهابه إلى مكة للحج وعودته منها، تواصلت بعدها زيارة اتباع "الباب" و"البهاء" للسواحل اليمنية ضمن رحلاتهم التجارية.

وشهدت العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر الميلادي مرور بعضهم باليمن في طريقهم إلى شمال البحر الأحمر وفلسطين بعد قرار الاحتلال العثماني نفي "بهاء الله" إلى "عكا" الفلسطينية، واحتكاكهم بسكان المناطق الساحلية في المخا وباب اليمن، وبعد الحرب العالمية الثانية، استقرت موجة منهم في جنوب اليمن، وتحديداً حول ميناء عدن.

بعد نشوء جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية عام 1967، وما تلاها من تأميم للممتلكات في ظل الحزب الاشتراكي، غادر العديد منهم مدينة عدن إلى دول أخرى، أو أُعيد توطينهم في الجمهورية العربية اليمنية، وفي شمال اليمن توطنوا الحديدة وصنعاء ونالوا رعاية نظام "عفاش".

وعموماً يتواجد أتباعهم في عدن والمكلا وصنعاء وتعز والحديدة وإب وسقطرى ولحج، وهم خليط من أبناء القبائل، والقوميات غير اليمنية التي قطنت اليمن لفترات طويلة وتزاوجت مع اليمنيين.

ومن رموزهم في اليمن: كمال بن حيدرة، حامد بن كمال بن حيدرة، محمد مهدي مولوي في عدن، عبدالله أنور في صنعاء، وليد عياش في بني مطر، وتم إنشاء أول محفل محلي لهم في صنعاء عام 1961 وعدن عام 1962، والمحفل الوطني الأول والوحيد في اليمن بصنعاء عام 1984 بحسب ناطقهم الرسمي "عبدالله العلفي".

واعترف نظام "عفاش" جُزئياً بهم، وسمح لهم الحصول على وثائق رسمية، وكتابة اسم ديانتهم فيها.

ولديهم مقابرهم الخاصة مثل اليهود تماماً.

 

المراجع:

 

1 - محمد علي الخطيب البهائية والاستعمار والصهيونية: علاقة حميمة منذ الولادة، مجلة الوعي الإسلامي، العدد 491، السنة 43، أغسطس 2006.

2 - ميساء شجاع الدين، كيسي كومبس، عبدالله العلفي، البهائيون في اليمن، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 6 يوليو 2021.

3 - بوابات كنانة أونلاين، علاقة البهائية باليهودية، 22 مايو 2006.

4 - مؤسسة تحقيقات حضرت ولي العصر، البهائية، منظمة، صهيونية.

5 - الموسوعة الحرة "ويكيبيديا".

6 - موسوعة المعرفة.

7 - وكالة الأنباء اليمنية سبأ بصنعاء.