Translate

الثلاثاء، 11 مارس 2008

كينيا: واحة الاستقرار الإفريقية المحترقة

بقلم// زيد يحيى المحبشي

 

 الثلثاء 5 صفر 1429هـ/12 فبراير 2008

 

 الطعن والتشكيك في شرعية ومصداقية نتائج الانتخابات من العادات المتجذرة في قاموس الديمقراطية الإفريقية والتي غالباً ما يرافقها معارضة شعبية قوية، يتم مواجهتها بالشرطة والجيش سرعان ما تتحول إلى أعمال عنف واضطرابات تُنتهك فيها كل الحقوق حاصدة في طريقها الأخضر واليابس، مستمدة عوامل تغذيتها من تراكمات الاحتقانات السياسية والعرقية والحقوقية الداخلية أو الأوضاع الاقتصادية المعقدة أو عدم مصداقية، واستقلالية الهيئات الرسمية الوطنية المشرفة على الانتخابات.

الأمر قد يبدو مبرراً في منطقة مضطربة وغير مستقرة، إلا أنه في الحالة الكينية وبتلك الصورة التي لمسناها عقب الانتخابات الرئاسية المنعقدة في 27 كانون الأول/ ديسمبر الماضي يُعد فضيحة كبيرة للغرب قبل كينيا كونه واقع في بلد كثيراً ما تغنى الغرب بتفردها عن مثيلاتها في المحيط الإفريقي من حيث الاستقرار والتوجه الديمقراطي والتحول الاقتصادي خصوصاً في العقدين الماضيين، فإذا بها اجترار للمحيط المضطرب بكل مثالبه ومآسيه (السودان، أوغندا، الصومال، وتشاد نموذجا)، فما الذي دفعها إلى هذا التحول الخطير لاسيما وأن الوضع السياسي فيها قبل الانتخابات وأثناء الحملة لم يكن يحمل بوادر الأزمة التي تعصف بها اليوم؟! هل هو التواطؤ الغربي مع النظام القبلي التسلطي الفردي، والتغاضي عن سياسة القمع والإقصاء ضد الأطياف العرقية المهمشة، وتحديداً شريحة الفقراء الممثلة غالبية السكان في هذا البلد؟.

 وإذا كان هذا هو حقيقة الحال فما جدوى الحديث التبشيري بالنموذج الديمقراطي الكيني إذن؟.

 إعصار التزوير لم يكن هناك ما يدعو للقلق قبل الإعلان المتسرع للنتائج بعد يومين من إجرائها - 29 كانون الأول / ديسمبر 2007 - تحت ضغط الرئيس المنتهية ولايته الأولى "مواي كيباكي" (76 عاما) مرشح حزب "كانو" المدعوم من الغرب وأميركا والحائز على 4584721 صوتا، مقابل 4352993 صوتا لمنافسه الوزير السابق " رايلا أودينغا" (62 عاماً) مرشح الحركة الديمقراطية البرتقالية - زعيم المعارضة - أي بفارق 231828 صوتاً من إجمالي 300 ألف قالت المعارضة أنه تم تزويرها.

فصول الأزمة وصلت ذروتها عندما اتهمت المعارضة لجنة الانتخابات بالتباطؤ في الفرز وعدم الحياد ما أدى إلى التحايل والتزوير لصالح كيباكي، أمور كثيرة عززت هذا الادعاء دفعة مجتمعة بالأزمة من الطور السياسي البحت إلى المواجهات المسلحة الأكثر عنفاً منذ الإنقلاب العسكري في 1983 حاصدة في طريقها أكثر من ألف كيني ومشردة ما بين 250- 350 ألفا آخرين.

وبعيداً عن تضارب آراء وبيانات طرفي الصراع، تظل المؤشرات الميدانية دليلاً فاضحاً لأنموذج الغرب الديمقراطي في إفريقيا:

 

* إتمام عملية الفرز بعيداً عن أعين المراقبين الدوليين بما فيها البعثة الأوربية المشاركة في مختلف المراحل باستثناء مرحلة الفرز بأمر من كيباكي إثر تقدم منافسه بفارق كبير مع بدايات الفرز تجاوز المليون صوت اضطرته إلى تبديل المراقبين الدوليين بالجيش والسلاح وبطاقات التصويت.

 

 * اعتراف "صمويل كيفوتو" -رئيس اللجنة الانتخابية- أن الأصوات في وسط كينيا أظهرت نتائج شاذة نتيجة وجود حالات خاصة بلغت نسبة الإقبال فيها 115 بالمائة من الناخبين المسجلين!! وهو إقرار واضح بحدوث شوائب وثغرات في عملها جعلها تتردد كثيراً قبل إعلان النتيجة دون التأكد من مطابقة محاضرها المركزية مع محاضر الدوائر المحلية. * تشكيك البعثة الأوربية في صحة الانتخابات وإن بصورة ملطفة رغم حضورها القوي، مكتفية ببعض التصريحات على ألسنة مسؤوليها لكنها أحرجت حكام كينيا وعززت مصداقية المعارضة وأحقيتها في الفوز المسروق منها.

 

* مسارعة كيباكي إلى إعلان فوزه وأدائه اليمين الدستورية بعد ساعة واحدة من إعلان اللجنة الانتخابية النتائج. * مسارعة واشنطن إلى تقديم التهنئة لكيباكي مضيفة بذلك عليه الشرعية إلا أنها سحبتها سريعاً عندما لاح لها تعقيد مشهد ما بعد إعلان النتائج بما قد ينتج عنها من عواقب قد تطيح بحليفها.

هذه الأمور تشي بأن المأساة الكينية القائمة ليست كامنة في أن شعبها قد فشل في مراقبة الانتخابات ولكن حالما انتهت أخذت من أيديهم!! رغم المحاولات المبذولة من زعيم الفقراء الفائز الخاسر لإقناع كيباكي ترك منصبه والاكتفاء بلقب "رجل ساعد في تحقيق الديمقراطية في بلاده" إلا أن الأخير فضل استبدال وسام منديلا بزج الجيش إلى الشارع لقمع تحرك الفقراء وقطع الطريق أمام أي احتجاج سلمي ما أدى إلى تحول المشهد من إشكال سياسي على عد الأصوات إلى مستنقع دموي لعد الأموات.

أبعاد الأزمة احتلت كينيا في السنوات الأخيرة مكانة مرموقة إقليمياً ودولياً أضحت بموجبها ملهمة الإعلام الغربي وساحرة السياسة الدولية ليس لجاذبية طبيعتها الثرية بالتضاريس والألوان، بل لسحر صناعة السياسة فيها، جاعلاً منها واحة للاستقرار السياسي والنجاح الاقتصادي كونها الوحيدة في المحيط الأفريقي التي أفلتت من شراك الفاشية، إلا أن هذا التلميع الممزوج بالتستر كان يخفي وراءه الكثير من الإشكاليات حول "الأرض والثروة والسلطة" سرعان ما تحولت بفعل التراكمات التاريخية إلى صواعق تهدد بإرجاع كينيا إلى عهد ما قبل الدولة، أي ما قبل انصهار المكونات الأساسية المحتوية تحت عباءتها أكثر من 40 قبيلة متنافرة ومتناحرة، إذن فالهدوء النسبي الذي شهدته كان قسرياً لعدم ارتكازه على مقومات الديمقراطية الحقيقية (التنمية، التحديث، المجتمع المدني، التخلص من الفقر والصراعات العرقية) الأمر الذي حولها إلى نقمة في ظل هيمنة الكبار المفضلين دعم التحولات الديمقراطية الملتقية مع مصالحهم، أكثر من أي شيء آخر، حتى لو كانت ضد مصالح الكثير من الجماهير، وبصورة خاصة الفقراء منهم، وهذا ما حدث في كينيا حيث صحب تجربتها تجاهل كامل للمشاكل الحقيقية المتجذرة من قبيل:

 

التنوع الشديد لغوياً ودينياً واجتماعياً، والهوية الإثنية مقابل الهوية الوطنية، وإخفاق مشروع الدولة الوطنية، والسياسات التي اتبعها الاستعمار نفسه (أميركا وبريطانيا تحديداً) إبان الحقبة السابقة، بأبعادها المختلفة والتي بقيت منذ الاستقلال عن بريطانيا في 1963 معلقة إثر نجاح قبيلة كيكويو في إجبار الاستعمار على الرحيل لتجني أولى ثمار الاستقلال عندما عمدت إلى الحلول محله في بسط السيطرة على أراضي الوادي المتصدع الواقع غرب كينيا والصائر فيما بعد, محوراً أساسياً للنزاعات الطائفية والعرقية المغذاة سياسياً، والمتفجرة عادة عقب كل انتخابات تنعقد في هذا البلد الواقعة تحت وطأة التدخل العسكري في الحياة السياسية وتحكمه بزمام خيارات التحولات الديمقراطية الكينية، ومستنقع الفساد المالي والإداري المعبر عنه المفوض الأعلى البريطاني بقوله "لقد ابتلعوا وابتلعوا حتى تقيأوا على أحذية المانحين الأوربيين".

 في ظل غياب معايير الشفافية الدافعة بمنظمة الشفافية الدولية إلى جعل كينيا في مقدمة قائمتها السوداء، صار معه الفساد جزءاً من آليات اشتغال النظام السياسي الواقع بدوره تحت وطأة أنظمة قمعية اعتمدت في بقائها على القوة الإثنية الغالبة لقبيلة كيكويو المتفردة بالسلطة والثروة في البلاد والمتلطية بنظام الحزب "كانو" وتحت سلطة الزعيم الأوحد ومن ثم صيرورتها في قلب الحدث كجناة أو ضحايا كون كافة الحقوق حكراً عليها بينما الفئات الأخرى أيتام لا رأي لهم ولا استشارة.

أودينغا حلم يوماً بوطن يتسع للجميع معلناً بأن تحولات كبيرة ستشهدها بلاده في العام 2007 على طريق حسم الحرية والمصير بعد عقوداً من الاستغلال السيئ للثروة الوطنية مردداً كلمات غاندي السبع المحذرة من الموبقات المدمرة لأي بلد "السياسة دون مبدأ، السرور دون ضمير، الثروة دون عمل، المعرفة دون طابع، التجارة دون أخلاق، العلم دون إنسانية، العبادة دون تضحية"، ومتوعداً بثورة دستورية على الواقع القائم ما جعله يكسب تأييد الإسلاميين رغم ميوله الشيوعي متناسياً أن الفقراء لازالوا يُستخدوا كوقود لكل التحولات الديمقراطية في العالم الثالث بما يتمخض عنها من تحولات سياسية غالباً لا تصب في مصلحة الفقراء.

 خيارات التسوية جهود الوساطة الخارجية وإن أتت متأخرة صبت في اتجاه واحد هو إنقاذ كيباكي حليف واشنطن نظراً لأهمية بقائه المرحلي في تمرير المخططات الأميركية في القارة السمراء ولأهمية الموقع الجيوسياسي الكيني الدافع بريتشارد نيكسون، الرئيس الأمريكي السابق، في كتابه "الفرصة السانحة "، إلى توصية قادة البيت الأبيض بعدم التفريط بكينيا. القس الجنوب أفريقي توتو ومساعدة وزيرة الخارجية الأميركية فرايزر وكوفي أنان، كانوا أبرز وجوه الوساطة، إلا أنها في طابعها العام صبت في ذات الاتجاه وهو إنقاذ كيباكي، ومع ذلك لازالت تراوح مكانها في ظل استمرار دوامة العنف، لتبقى مفاتيح الانفراج رهينة الرغبة الأميركية لتعجيل الحسم في اتجاه التسوية السياسية بما يحفظ لحليفها البقاء وللمعارضة ماء الوجه بدت معها خيارات التسوية متمحورة حول:

 

1 - تشكيل حكومة وحدة وطنية وهو الاحتمال الأكثر رواجاً كونه يجسد الرغبة الأميركية البريطانية.

2 - إعادة فرز الأصوات كمطلب للمعارضة إلا أنه مرفوض من السلطة خوفاً من تحول النتيجة لصالح المعارضة.

3 - إعادة الانتخابات وتشكيل حكومة تصريف أعمال وهو مقبول سياسياً ومرفوض أمنياً لما يترتب عليه من شغب وصخب، كينيا اليوم في غنى عنه.

 

 مصادر الدراسة

1 - مارك دويل، "التصدع السياسي والجغرافي في كينيا", موقع هيئة الإذاعة البريطانية (بي. بي. سي).

2 - حمزة عباس خليل، "الانتخابات الكينية ما بين حصر الأصوات وحصر الأموات"، سودانيز أونلاين دوت كوم, 20 كانون الثاني / يناير 2008

3 - غازي دحمان، "كينيا نموذج للدولة وليست نموجاً للاستقرار"، الجزيرة نت، 29 كانون الثاني / يناير 2008

4 - سيد أحمد ولد باب، "هل تشعل واشنطن بلد الثورة والفقراء؟"، موقع الأخبار الموريتاني المستقل، الأول من كانون الثاني / يناير 2008

5 - سِيدي ولد عبدالمالك، "كينيا والطريق إلى التسوية"، موقع الأخبار الموريتاني المستقل، 7 كانون الثاني/ يناير 2008


لماذا يكرهون خاتم المرسلين؟

لماذا يكرهون خاتم المرسلين؟
زيد يحيى المحبشي
يعتقد البعض بأن توجه صحف اليمين المتطرف والصحف الشعبية الهابطة "تابليود" في الغرب, إلى نشر رسوم كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد والإسلام منذ مطلع العام 2001, وأعيد تكراره بعدها, والتي كان آخرها في 13 شباط/ فبراير الفائت, مجرد صور نمطية مجردة, أو تهكم وازدراء عابرين, إلا أن الحقيقة عكس ذلك, كون ما جرى امتداد لبناء فكري مركب, نما وتكوّن عبر تاريخ الاحتكاك العنيف بين الغرب والشرق, كنتاج طبيعي لعدة عوامل تاريخية, أدى تراكمها إلى تأجيج ثقافة الكراهية, المعاد إنتاجها اليوم برعاية صهيونية, بهدف إحلال الإسلام كعدو بديل للرأسمالية, بعد أفول نجم الشيوعية, وبالتالي الحيلولة دون إقبال الغربيين على الإسلام أو حتى مجرد التعرف عليه, إثر النجاح في زرع بذور الخوف منه ومن كل ما يمت لأتباعه بصلة بما صار يعرف اليوم في لغة الإعلام بشيطنة العدو, والتي عادة ما يتم ربطها بسياقات نظرية مرتبطة بالتحولات السياسية, المتمخضة عن السياسة الدولية, لها أفكار وأهداف محددة, تستمد تغذيتها من خلفيات تاريخية ومعرفية محددة تجاه الآخر, انطلاقاً من انتماءاته العرقية والدينية, والطافحة على السطح عادة خلال فترات حصول أزمة أو نقاش في الغرب تجاه قضية ما من القضايا الإسلامية, مترافقاً مع توجه ماكينات ميديا الكراهية الغربية إلى الإساءة والتشويه لرسول الرحمة والدين الخاتم, بالصور التي ترضي أذواق المشاهدين والقراء, كما رأيناه في قصة سلمان رشدي, وقضية الحجاب بفرنسا, وأحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001, وأزمات العراق وأفغانستان والشرق الأوسط, وكلها تندرج ضمن سيناريو أسلمة وتعريب الإرهاب, وصولاً إلى جعل الإسلام العدو الأول على الأنظمة والحكومات والعمران والحضارات , ومدعوماً بتقديم الإحصاءات المهولة أو الرسوم المثيرة أو التحقيقات الميدانية الباعثة على نقل صور مشوهة عن المسلمين والعرب كمتخلفين ومتطرفين وناقمين على الغرب وغيرهم.
يأتي هذا في وقت تمكن فيه المحافظون الجدد واليمين المتطرف والصهيونية العالمية من تحويل حملات الإساءة والتشويه للنبي الأكرم إلى صواعق لتفجيرات يجري إشعالها من حين لآخر بدعاوى واهية, كيما تبقى حرية التعبير المتشدقين بها سيفاً مسلطاً فوق رقابنا, تُؤلب بواسطته الرأي العام العالمي وتحديداً الغربي ضدنا وقت ما تشاء, تبعاً لمقتضيات صراع المصالح وخدمة لحسابات وأهداف استراتيجية محددة ومدروسة, المستفيد الأول منها اليهود وفقاً للكاتب الأميركي "كريستوفر بولين" في معرض تعليقه على علاقة المحرر الثقافي بصحيفة "جيلاندز بوستن" الدنمركية "فلمنغ روز" في قوله "روز يهودي يقود حملة ضد المسلمين والعرب لحسابات وأهداف استراتيجية صهيونية".
إذاً فالعداء والكراهية الغربية للإسلام ونبيه ما هو إلا امتداد للموقف الغربي التاريخي من الإنسان الشرقي بصورة عامة, والتي شهدت أولى فصولها ما قبل الإسلام بقرون, محركاتها التهديد الوجودي والحضاري في وقت تمكن فيه الفينيقيين والآراميين والكنعانيين من مدّ توسعاتهم إلى قلب أوربا,بما رافق ذلك من إشعاع حضاري وثقافي أخاف الغرب رغم اعتراف مؤرخيهم بما للشرق من فضل عليهم من قبيل ذهاب أساطيرهم إلى أن تسمية أوربا كان تيمناً بأميرة سورية تحمل نفس الإسم فرت إلى أوربا بعد نزاعها مع أخيها فتمكنت من فرض سيطرتها وإسمها وكذا أخذ الغرب آلهتهم ومعتقداتهم الدينية وآرائهم الفلسفية عن الفينيقيين المتمكنين من الوصول إلى بريطانيا والعائد فضل تسميتها إليهم, الأمر الذي دفع الغرب إلى اتهامهم بدلاً من العرفان بالجميل بالمتخلفين والمتوحشين والهمجيين في زمن كانوا فيه أكثر تقدماً وحضارة وأخلاقاً, من اليونان والرومان, الصورة عن الإنسان الشرقي المتوحش ظلت ولازالت إلى يومنا,
إذ من ذلك الحين اتسمت علاقة الغرب بالشرق بالتضاد والصراع والحروب والتربص , رغم نجاح الشرق في خلق جسور للتواصل مع الحضارات الأخرى خارج أوربا, لاسيما بعد ظهور الإسلام بما تمخض عنه من أبعاد جديدة للصراع قادة إلى اعتبار الغرب الدين الجديد تهديداً وجودياً مؤذناً بانقراضهم, ما يعني أن الصراع اليوم أكبر من كونه مجرد اختلاف أيديولوجي في وجهات النظر أو أعراض جاذبية تظهر بين الحين والآخر.
"انطواني ناتنج" في كتابه "الغرب" يشير إلى حقيقة ذلك بقوله "منذ أن جمع محمد أنصاره في مطلع القرن السابع الميلادي, وبدأ أول خطوات الانتشار الإسلامي، فإنه بات على العالم الغربي أن يحسب الإسلام كقوة دائمة وصلبة، تواجهنا نحن أبناء الحضارة الغربية عبر البحر المتوسط" ومن وقتها بدأت ماكينة الكراهية والتشويه ضد نبينا, بدءاً من يهود يثرب ومروراً بالروم المفضلين وقتها تبنى فكرة المواجهة مع المسلمين على عكس الحضارات الأخرى خارج أسوار أوربا وانتهاءً بالعصور الوسطى بما زخرت به من نشر متعمد للأساطير المسيئة والمتهمة للرسول الخاتم بالساحر الكبير المتمكن عن طريق السحر والخداع من تحطيم الكنيسة في إفريقيا وفي الشرق والادعاء بأن العرب أعراق منحطة ومتوحشة يجب إبادتهم كي يتمجد الرب ويعود اليهود إلى وطن آبائهم وأجدادهم كما ورد في كتاب "حياة محمد" لجورج بوش جد الرئيس الأميركي الحالي في القرن السابع عشر المعتبر فيه " أن الإسلام مجرد بلاء جاء به الدعي محمد!!، ساعد الرب على إنتشاره, عقاباً للكنيسة التي مزقتها خلافات البابوات بهرطقاتهم!".
وبهذا صار الاحتفاء بكراهية وازدراء النبي الخاتم معلماً بارزاً للفكر المسيحي الكاثوليكي والبروتستانتي في أوربا الغربية مصحوباً بالعديد من الرسوم والتماثيل المسيئة لنبي الإسلام على حوائط الكنائس والأديرة باستثناء الأرثوذوكسية إلى الحد الذي لا نجد له مثالاً ضد أي شخص آخر في التاريخ الإنساني, وهو موقف لم يشذ عنه سوى القليل من مفكري ومتديني غرب أوربا ممن ليس لهم أي تأثير على صناعة القرار والفكر.
فما الدافع بهم إلى هذا ؟ سؤال يدور اليوم بخلد الكثير، فؤاد كاظم في كتابه "الإسلام وشبهات المستشرقين" يخلص إلى أن ذلك ناجم عن معرفة حقيقية بالإسلام ساهم في تشكيلها البنيوي ثلاثة قوالب متداخلة وغير متعارضة هي "الميثولوجية واللاهوتية والعقلانية" ما نجد مداليله في الخطبة الشهيرة للبابا "أوروبانس" الثاني بمجمع "كليرمون" بفرنسا عام 1905م, الداعي فيها حكام وملوك أوربا إلى استعادة أراضيهم المقدسة من قبيلة الفرس والأتراك التي تخدم القوى الشيطانية حد قوله.
وبصورة أكثر بساطة تظل مركزية توحيد الله وعبادته لدى المسلمين الداعي إليها نبي الرحمة, من أهم العوامل المهددة بانقراض الغرب المسيحي, المعتقد بأن الفرد لا سواه مركزية الكون, وبالتالي صيرورة هذا التنازع من أهم المشاكل المتأججة في مسار العلاقات الغربية بالعالم الإسلامي والعربي, والدافعة بالغرب إلى كراهية النبي الخاتم, بحيث كانت الحملات الصليبية السبع في القرون الوسطى, بمثابة أول رد فعل جمعي غربي, لإهدار قيمة كل مقدس بعد فشلهم في تحجيم التأثير الإسلامي العالمي, المعيق لتطور وتوسع المسيحية والغرب, والحامل رايتها المسمومة اليوم الرموز الدينية اليمينية المتطرفة والصهيونية والتيارات العلمانية والقادة السياسيون بزعامة المحافظون الجدد والعديد من وسائل الإعلام المرتبطة باليهود, دافعها عقدة الخوف من تحول الإسلام إلى قيادة بديلة للقيادة الدينية النصرانية للعالم ,إلى جانب عقدة الشعور بالنقص أو ما يعرف بالمعجزة الإغريقية.
الصورة بمجملها تنم الانتقائية العدائية المعاصرة الغربية في صراعها القائم مع الإسلام لأحداث غابرة يعاد استحضارها, في وقت تدعي فيه أن مجتمعاتها أسست على قيم سامية, فإذا هي تنفخ في كير صندوق الشرور والكراهية بما يتلاءم مع نواياها ومصالحها ومخططاتها الرامية إلى إبقاء المسلمين والعرب أذلاء خانعين بعد بروز الإسلام كأكبر تحد حضاري وديني بما يؤثر سلباً على مفاعيل حوار الحضارات والثقافات والأديان, وكفانا بياناً ما ذهب إليه القس اليهودي "جير فولويل" في قوله "أعتقد أن محمداً كان إرهابياً" ,وهو الهدف المراد ترسيخه خدمة للصهيونية العالمية بحيث يصير معه كل من يعتنق الإسلام ملاحقاً بتهمة الإرهاب.
القس "فرانكلين جراهام" يذهب هو الأخر إلى أن " الإرهاب جزء من التوجه السائد في الإسلام، وأن القرآن يحض على العنف، والإرهاب لا يرتبط بعدد محدود من المتطرفين المسلمين, لأنه نابع من الإسلام نفسه، وإذا اشتريت القرآن فاقرأه وستجد الإرهاب فيه" بينما يعتقد رئيس وزراء أسبانيا السابق "خوسيه ماريا آثنار" بأن "مشاكل أسبانيا مع القاعدة بدأت مع فتح الأندلس" أي منذ القرن الثامن الميلادي مستخدماً هنا كلمة القاعدة وليس الإسلام, ما يعني بداهة أن كل المسلمين تنظيم قاعدة وإرهابيين, مضيفاً في معرض رده على المطالبين بابا الفاتيكان بالاعتذار عما ألحقه من إساءة لنبي الإسلام أواخر العام 2006 "ما السبب الذي يجعل الغرب فقط هو الذي يقدم الاعتذار بينما هم – أي المسلمون- احتلوا أسبانيا لمدة ثمانية قرون، وفي الوقت الذي أسمع دعوات البابا لتقديم اعتذاره عن تصريحات حول الإسلام فإني لا أسمع أي مسلم يعتذر عن احتلال أسبانيا!".